إسلام ويب

من رحمة الله بعباده أن خفف عنهم فرائض الصلاة في السفر، فقصرت الرباعية إلى ركعتين، وأبيح للمسافر أن يجمع بين الصلاتين، وقد وردت أحكام عدة في الجمع بين الصلوات في السفر، فلابد للمسلم من أن يعرفها ويفهمها؛ لأنه مطالب بأداء العبادات على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

ما جاء في الجمع بين الصلاتين

شرح حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الجمع بين الصلاتين.

حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل رضي الله عنهما أخبرهم: (أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: باب الجمع بين الصلاتين، وأطلق ذلك، ولم يقل: (في السفر)، وإن كانت التراجم هي تتعلق بالسفر، حيث ترجم تفريع أبواب صلاة السفر، ولكنه أطلق الترجمة في قوله: الجمع بين الصلاتين؛ لأنه ذكر تحت هذه الترجمة الجمع في السفر وغير السفر، فلم يكن مقيداً ذلك بالسفر، وإنما أورد الأحاديث التي فيها الجمع في السفر والحضر.

والجمع بين الصلاتين في السفر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع تقديم وجمع تأخير إذا كان سائراً، فإنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا جد به السير، وأما إذا كان مقيماً وهو مسافر فإن الأولى له أن لا يجمع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في حجة الوداع في الأبطح وفي منى يقصر ولا يجمع، يصلي كل صلاة في وقتها، ويقصر الرباعية ولا يجمع بينهما، فدل هذا على أن ترك الجمع أولى في حال إقامة المسافر، وكونه مستقراً ونازلاً.

وأما إذا كان سائراً وقد جد به السير فإنه يجمع، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا كان نازلاً إذا زاغت الشمس صلى الظهر والعصر، وإذا كان سائراً قبل أن تزيغ الشمس واصل سير حتى يأتي وقت العصر فينزل فيصلي الظهر والعصر جمعاً، أي: جمع تأخير.

وإذا كان نازلاً في السفر جاز له أن يجمع في حال إقامته وهو مسافر، أي: لم يكن الأمر أو مرتبطاً بأن يكون سائراً وجاداً به السير، ولكنه يجوز له ذلك إذا كان مقيماً، وإن كان الغالب على فعله صلى الله عليه وسلم هو القصر بدون الجمع، إلا أنه جاء عنه ما يدل على الجواز، فيدل على أن ذلك جائز، ولكن تركه أولى؛ لأن المعهود من فعله صلى الله عليه وسلم إنما هو القصر بدون جمع، كما حصل في مكة ومنى، فإنه كان يقصر ولا يجمع صلى الله عليه وسلم، ولكنه ثبت عنه أنه لما كان نازلاً في تبوك جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حالة إقامته، وأما إذا كان جاداً به السير فإن له أن يجمع إما جمع تقديم، وإما جمع تأخير.

وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث تتعلق بالجمع بين الصلاتين في السفر، وأورد بعض الأحاديث عن ابن عباس المتعلقة بالجمع في الحضر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة ثمانياً وسبعاً، أي: الظهر والعصر ثمانياً، والمغرب والعشاء سبعاً، من غير خوف ولا مطر، ولما سئل ابن عباس قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فجاء الجمع في الحضر والسفر.

وأيضاً جاء الجمع في حق المريض، فإن له أن يجمع بين الصلاتين ولكن ليس له أن يقصر.

وأورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء)، وذلك في حال سيره، وأيضاً ذكر أنه لما كان نازلاً في تبوك أخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى بهم الظهر والعصر، يعني: جمع تأخير في وقت العصر، ثم دخل، أي: دخل مكانه الذي هو فيه ومنزله الذي كان فيه في تبوك، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، فدل هذا على جواز الجمع للمسافر في حال سيره، وأنه يجمع، وإذا كان جد به السير فأولى له أن يجمع؛ لأن هذا أرفق به، وإذا كان نازلاً فالأولى أن لا يجمع، إلا أنه يجوز له الجمع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه جمع في تبوك كما جاء في هذا الحديث؛ لأن قوله: (دخل) يعني: دخل منزله، (ثم خرج)، أي: خرج من منزله.

تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل في الجمع بين الصلاتين في السفر

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

القعنبي : عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وهو صاحب المذهب المشهور، أحاديثه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير المكي ].

هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، وهو صدوق يدلس، أخرج أحاديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الطفيل عامر ].

أبو الطفيل هو: عامر بن واثلة ، وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معاذ بن جبل ].

هو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا حماد حدثنا أيوب عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما استصرخ على صفية وهو بمكة، فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم فقال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين، فسار حتى غاب الشفق فنزل فجمع بينهما) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أنه كان استصرخ على صفية ، أي: أنه أخبر بمرضها، وصفية هي زوجته، أي: صفية بنت أبي عبيد الثقفية أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وقال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج في ثقيف كذاب ومبير) والكذاب هو: المختار بن أبي عبيد ، والمبير هو الحجاج ، كما قالت ذلك أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه لما حصل قتل ابنها في مكة وجاء إليها الحجاج فقالت: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنه يخرج في ثقيف كذاب ومبير) أما الكذاب فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت. والمبير هو المهلك الذي يحصل منه الظلم والجور.

فـ (استصرخ) يعني: جاءه خبر أو أعلم بمرضها، فسار، ولما جاء وقت صلاة المغرب واصل السفر حتى غاب الشفق ودخل وقت العشاء، فنزل وصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل ذلك، يعني أنه كان إذ جاء وقت المغرب وهو سائر واصل حتى يأتي وقت العشاء، وإذا كان مقيماً قبل صلاة المغرب وجاء وقت المغرب وهو مقيم فإنه يصلي المغرب والعشاء ويمشي، ومعنى ذلك أنه بحصول الجمع تتباعد أوقات الصلوات بعضها عن بعض فيكون السير متصلاً، بمعنى أنه لو جمع بين المغرب والعشاء، وجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر يمكن أن يواصل إلى قريب من نصف الليل، بحيث يكون قريباً من انتهاء وقت العشاء، فيجمع بينهما، فيكون السير متصلاً، وهذا إذا أراد ذلك، ولكن المبادرة إلى الصلاة في أول وقتها حتى لا تعرض للتأخير عن وقتها هو الذي ينبغي.

فـابن عمر رضي الله عنه أخر صلاة المغرب حتى دخل وقت العشاء وهو مغيب الشفق فصلى المغرب والعشاء جمع تأخير، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا عجل به أمر، فدل هذا على الجمع للمسافر في حال جد السير به.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (أن النبي كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين)

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ].

هو سليمان بن داود العتكي هو: أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا حماد ].

حماد ، هو: ابن زيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[أن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث معاذ بن جبل في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني حدثنا المفضل بن فضالة والليث بن سعد عن هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، وإن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل للعصر، وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء، وإن يرتحل قبل أن تغيب الشمس أخر المغرب حتى ينزل للعشاء ثم جمع بينهما) ].

أورد أبو داود حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان إذا زاغت الشمس -يعني: زالت الشمس- قبل أن يرتحل فإنه يصلى الظهر والعصر في أول وقت الظهر جمع تقديم، ثم يرتحل، وإذا كان جاداً به السير، وجاء وقت الظهر وهو سائر، فإنه يؤخر الظهر حتى يجيء وقت العصر، بحيث يكون مواصلاً للسير، فيؤخر الصلاة إلى وقت العصر فيجمع بين الظهر والعصر، يعني أنه يجمع جمع تقديم وجمع تأخير، وهنا فيه جمع التقديم وجمع التأخير؛ لأنه إن كان نازلاً قبل أن تزيغ الشمس، وجاء وقت الزوال فإنه يصلي الظهر والعصر ثم يرتحل، وإذا كان سائراً قبل الزوال قبل أن تزيغ الشمس استمر على سيره وأخر الظهر حتى جاء وقت العصر فنزل وصلاهما جميعاً.

وكذلك المغرب والعشاء، فإذا كان نازلاً قبل غروب الشمس وغربت الشمس وهو نازل صلى المغرب والعشاء ومشى، وإن كان سائراً قبل المغرب وجاء وقت الغروب واصل السير حتى يدخل وقت العشاء، مثلما مر في حديث ابن عمر السابق أنه كان سائراً فجاء وقت المغرب وواصل حتى غاب الشفق ونزل وصلى، وحكى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وحديث معاذ هذا يدل على الجمع بين الظهر والعصر تقديماً وتأخيراً، وكذلك بين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، وهذا في حال كونه سائراً.

تراجم رجال إسناد حديث معاذ في كيفية الجمع بين الصلاتين إذا ارتحل أو لم يرتحل

قوله: [ حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب ].

هو يزيد بن خالد بن يزيد بن موهب الرملي الهمداني ، وهو ثقة، أخرج له أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، وهذا هو الذي ذكره أبو داود عن شيخه عبد الله بن يزيد بن موهب ، فذكر نسبه وأطال في نسبه مقدار سطر، وكله يتعلق بشيخه، فالتلميذ له أن يذكر شيخه كما يريد، فيطول فيه حتى يأتي بنسبه ونسبته، وأحياناً يختصر؛ لأنه سيأتي في هذا الباب أنه ذكر هذا الشخص بقوله: ابن موهب ، فاختصره، فله أن يذكر شيخه مطولاً، كما فعل في هذا الإسناد، وفي إسناد آخر في هذا الباب اكتفى بقوله: (حدثنا ابن موهب ) فقط، فالتلميذ يذكر شيخه كما يريد، فإن شاء أن يطول طول وإن شاء أن يختصر اختصر، ولهذا إذا اختصر وجاء من بعده وأراد أن يوضح زاد، ولكن يأتي بكلمة حتى يتبين أن هذه الزيادة ليست من التلميذ وإنما هي ممن دون التلميذ.

[ حدثنا المفضل بن فضالة ].

هو المفضل بن فضالة المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ والليث بن سعد ].

هو الليث بن سعد المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن سعد ].

هشام بن سعد صدوق له أوهام، أخرج أحاديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل ].

قد مر ذكر الثلاثة.

ذكر حديث ابن عباس في كيفية الجمع بين الصلاتين بنحو حديث معاذ وتراجم رجاله

[ قال أبو داود : رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث المفضل والليث ].

أورد أبو داود هذه الطريق المعلقة، وأشار فيها إلى أن ابن عباس رواه نحو حديث المفضل والليث .

قوله: [ رواه هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حسين بن عبد الله ].

حسين بن عبد الله ، ضعيف أخرج له الترمذي وابن ماجة .

[ عن كريب ].

هو كريب مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة حدثنا عبد الله بن نافع عن أبي مودود عن سليمان بن أبي يحيى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة). قال أبو داود : وهذا يروى عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني ليلة استصرخ على صفية ، وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين ].

قوله: [ (ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة) ].

هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حصل منه الجمع إلا مرة واحدة، ولكن هذا غير صحيح، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يجمع في السفر إلا مرة واحدة، وإنما هذا جاء عن ابن عمر موقوفاً عليه كما ذكر ذلك المصنف في الطريقين المعلقتين اللتين أشار إليهما، وفي إحداهما أنه مرة واحدة، والثانية أنه مرة أو مرتين.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما جمع رسول الله بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة)

قوله: [ حدثنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الله بن نافع ].

هو ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، أخرج أحاديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي مودود ].

أبو مودود ، هو عبد العزيز بن أبي سليمان ، وهو مقبول، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ عن سليمان بن أبي يحيى ].

سليمان بن أبي يحيى ، ليس به بأس، وهي: بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، وحديثه أخرجه أبو داود .

[ عن ابن عمر ].

ابن عمر مر ذكره.

وهذا الحديث فيه من هو مقبول، وهو يخالف ما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان يجمع في السفر، وقد جمع في تبوك كما سبق في حديث أنه خرج وصلى بهم الظهر والعصر، ثم دخل وخرج وصلى بهم المغرب والعشاء.

قوله: [ قال أبو داود : وهذا يروى عن أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة مر ذكره.

[ عن نافع عن ابن عمر موقوفاً على ابن عمر أنه لم ير ابن عمر جمع بينهما قط إلا تلك الليلة، يعني: ليلة استصرخ على صفية ].

يعني القصة التي سبقت الإشارة إليها، وأنه كان سائراً حين غربت الشمس، فاستمر وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع، فلما غاب الشفق نزل وصلى بهم، يعني أنه جمع تلك الليلة، لكن هذا يتعلق بـابن عمر ، فهو موقوف عليه، لكن لا أدري ما صحته موقوفاً.

قوله: [ وروي من حديث مكحول عن نافع أنه رأى ابن عمر فعل ذلك مرة أو مرتين ].

قوله: (وروي) فيه إشارة إلى ضعف هذه الطريق، ولم يذكرها متصلة وإنما ذكرها معلقة.

ومكحول هو: الشامي ، وهو ثقة أخرج أحاديثه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السنن.

شرح حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، في غير خوف ولا سفر) قال مالك : أرى ذلك كان في مطر، قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير ، ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر)، وكان هذا في المدينة، وجاء في بعض الروايات: (من غير خوف ولا مطر) وكان هذا في المدينة، وستأتي طرق أخرى عن ابن عباس في ذلك، وأنه لما سئل قال: (أراد أن لا يحرج أمته)، فدل هذا على أنه إذا حصل أمر يقتضي ذلك الجمع في الحضر، وكان نادراً وليس معتاداً أنه لا بأس به، وبعض أهل العلم قال: إن ذلك يكون في المرض؛ لأنه غير الخوف والمطر والسفر، لكن تخصيصه بالمرض ليس له وجه، بل الأمر واسع كما قال ابن عباس : (أراد أن لا يحرج أمته)، فإذا حصل أمر اقتضى واستدعى ذلك في نادر الأحوال فإنه لا بأس به لهذا الحديث، وأما كونه يصير مألوفاً ومعتاداً فليس ذلك سائغ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عرف عنه أنه فعل ذلك إلا مرة واحدة، كما جاء في حديث ابن عباس هذا، وقال: إنه إنما فعل ذلك يريد أن لا يحرج أمته صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (من غير خوف ولا سفر) هذان من مسوغات الجمع كما في الحديث.

فالخوف يسوغ الجمع، ويسوغ أموراً أخرى للصلاة كما هو معلوم خاصة، بل جاء في بعض الأحاديث أنها تصلى واحدة، وأنها تصلى على هيئات مختلفة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين االظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير ].

سعيد بن جبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عباس ].

قد مر ذكره.

قوله: [ قال مالك : أرى ذلك كان في مطر ].

يعني: في يوم مطير، ولكن قد جاءت الروايات عن ابن عباس وفيها التنصيص في نفي المطر: (من غير خوف ولا مطر).

قوله: [ قال أبو داود : ورواه حماد بن سلمة نحوه عن أبي الزبير ].

حماد بن سلمة بن دينار ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

قوله: [ ورواه قرة بن خالد عن أبي الزبير قال: في سفرة سافرناها إلى تبوك ].

قرة بن خالد ذكر فيه أنه كان في سفر، وأن ذلك كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون هذا معناه غير ذلك الذي كان في المدينة.

وقرة بن خالد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

إسناد آخر الحديث: (جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء...) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لـابن عباس رضي الله عنهما: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته). ].

هذا حديث ابن عباس من طريق أخرى، وفيه ذكر الخوف والمطر، بخلاف الرواية السابقة التي فيها: (ولا سفر)، وقال فيها مالك : أرى ذلك كان في مطر.

فهذه الرواية تبين أنه ما كان في مطر، حيث قال: (من غير خوف ولا مطر).

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا أبو معاوية ].

هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الأعمش ].

الأعمشهو : سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حبيب بن أبي ثابت ].

حبيب بن أبي ثابت ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ].

قد مر ذكرهما.

دلالة الحديث على جواز الجمع عند المشقة والحرج

قوله: [ أراد أن لا يحرج أمته ].

هو هذا الذي أشرت إليه، أي أنه إذا حصل لهم أمر يقتضي ذلك فإنه يجوز لهم أن يجمعوا وأن لا يقعوا في الحرج والمشقة.

وقد يحصل أن الإنسان إذا جاء من سفر فدخل بيته، وهو لا يستطيع أن ينتظر العشاء للتعب من السفر فيجمع بين المغرب والعشاء وينام، فهل له ذلك وينطبق عليه هذا الحديث؟

والجواب أن الذي يبدو أن مثل هذا لا يصلح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله مرة واحدة، وهذا الأمر سيفعل دائماً، وبعض الناس الذين عندهم كسل في الصلاة قد يجدون ذلك سبيلاً لهم بأن يجمعوا.

وهناك الطبيب الجراح ينطبق عليه الحديث إذا كانت العملية تتطلب مواصلة المجارحة، وأن قطعه إياها للصلاة سيترتب عليه مضرة بالشخص المريض.

شرح حديث (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت..)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة، قال: سر، سر. حتى إذا كان قبيل غيوب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، ثم قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت. فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث) قال أبو داود : رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر الذي تقدم، وهو الذي فيه أنه استصرخ على صفية ، ولكنه يختلف؛ لأن هذا ليس فيه جمع؛ لأنه صلى المغرب في وقتها وانتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء في وقتها، وهذا لا يقال له جمع، والقصة هي واحدة، والثابت هو الأول الذي فيه أنه أخر حتى غاب الشفق فتكون هذه الرواية غير محفوظة، والمحفوظ هو كونه جمع بينهما بعد مغيب الشفق كما تقدمت الرواية في ذلك، وهذا لا يقال له: جمع لكونه نزل ثم انتظر حتى غاب الشفق ثم صلى العشاء، فهذا ليس بجمع، بل كل صلاة صليت في وقتها؛ لأن المغرب إذا صليت في وقتها قبل دخول وقت العشاء، ثم صليت العشاء في وقتها بعد دخول وقتها فلا يقال له جمع، وإنما الذي فعله ابن عمر هو الجمع، وعلى هذا فالمحفوظ هو الرواية السابقة التي هي كونه جمع أو صلى الصلاتين المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق.

قوله: [ فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث ].

معناه أنه استعجل، فسار بسرعة، فقطع مسيرة ثلاثة أيام في يوم واحد.

تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت...)

قوله: [ حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ].

محمد بن عبيد المحاربي صدوق، أخرج أحاديثه أبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا محمد بن فضيل ].

هو محمد بن فضيل بن غزوان ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع وعبد الله بن واقد ].

نافع مر ذكره، وعبد الله بن واقد مقبول، أخرج له مسلم وأبو داود وابن ماجة .

و ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قد مر ذكره.

قوله: [ قال أبو داود : رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده ].

ابن جابر هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

إسناد آخر لحديث: (كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى عن ابن جابر بهذا المعنى ].

[ قال أبو داود : ورواه عبد الله بن العلاء عن نافع قال: حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما ].

أورد الإسناد وأشار إلى أنه بالمعنى المتقدم في الحديث السابق.

قوله: [ حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي ].

إبراهيم بن موسى الرازي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا عيسى ].

عيسى هو: ابن يونس بن أبي إسحاق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جابر ].

ابن جابر هو: عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الذي تقدم.

قوله: [ ورواه عبد الله بن العلاء ].

عبد الله بن العلاء ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن نافع ].

نافع هو مولى ابن عمر ، وقد تقدم.

ولا يستدل بحديث ابن عمر على الجمع الصوري؛ لأن الجمع الصوري -كما هو معلوم- فيه مشقة، ثم إنه لا يقال له: جمع؛ لأن كل صلاة أجريت في وقتها، فالجمع الصوري فيه مشقة؛ لأن تحديد الوقت الذي تصلي فيه الصلاة في آخر وقتها، وإذا انتهي منها مباشرة يدخل الوقت لتصلي الصلاة التي بعدها فيه مشقة، وهذا مثلما قال الخطابي أو غيره: إن هذا لا يعرفه الخواص فضلاً عن العوام. ففيه مشقة وحرج، وبعض أهل العلم -وهم الحنفية- يقولون: لا يجمع إلا في عرفة ومزدلفة.

شرح حديث: (صلى بنا رسول الله بالمدينة ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: حدثنا حماد بن زيد، ح وحدثنا عمرو بن عون أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثمانياً وسبعاً، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء) ولم يقل سليمان ومسدد (بنا) قال أبو داود : ورواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (في غير مطر) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس ، وهو الذي تقدم من طرق، وأورد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في المدينة الظهر والعصر ثمانياً والمغرب والعشاء سبعاً، يعني: وكان ذلك في المدينة، وفي الطريق الأخرى قال: (في غير مطر) من طريق صالح مولى التوأمة كما مر في الرواية السابقة.

قوله: (ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء) يعني: جمع بين الصلاتين بثماني ركعات الظهر والعصر، والمغرب والعشاء سبع ركعات، يعني: مرة واحدة.

تراجم رجال إسناد حديث (صلى بنا رسول الله ثمانياً وسبعاً الظهر والعصر والمغرب والعشاء)

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ومسدد ].

مسدد ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا حماد بن زيد ].

حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح: وحدثنا عمرو بن عون ].

عمرو بن عون ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو عمرو بن عون بن أوس الواسطي .

[ أخبرنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار ].

حماد مر ذكره، وعمرو بن دينار المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة،

[ عن جابر بن زيد ].

جابر بن زيد هو أبو الشعثاء ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس مر ذكره.

قوله: [ ولم يقل سليمان ومسدد : (بنا) ].

أي أن كلمة: (صلى بنا) هي التي قالها عمرو بن عون ، وأما الشيخان الأولان في الإسناد الأول فلم يقولا: (بنا)، وإنما كلمة (بنا) جاءت في الطريق الثانية.

قوله: [ قال أبو داود : ورواه صالح مولى التوأمة عن ابن عباس ].

صالح مولى التوأمة هو صالح بن نبهان ، وهو صدوق اختلط، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

شرح حديث جابر (أن رسول الله غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا يحيى بن محمد الجاري حدثنا عبد العزيز بن محمد عن مالك عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف) ].

أورد حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة فجمع بين المغرب والعشاء بسرف)، و(سرف) -كما جاء في الرواية الثانية المقطوعة- بينها وبين مكة ثمانية أميال، أي: قريب من ثلاثة فراسخ؛ لأن الفرسخ ثلاثة أميال، وهنا قال: [(فجمع بينهما بسرف)].

والحديث ضعفه الألباني ، ولعل سبب ضعفه يحيى بن محمد الجاري ، وكذلك أبو الزبير لكونه مدلساً، وقد روى بالعنعنة.

تراجم رجال إسناد حديث جابر (أن رسول الله غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج أحاديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا يحيى بن محمد الجاري ].

يحيى بن محمد الجاري صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عبد العزيز بن محمد ].

عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن مالك عن أبي الزبير عن جابر ].

قد مر ذكرهم.

ويستدل بحديث جابر على أنه إذا دخل الوقت والإنسان له نية سفر أن يجمع دون قصر.

فالحديث يدل على هذا، والمسألة فيها خلاف بين أهل العلم، ففي مذهب الإمام أحمد أنه إذا دخل وقت الصلاة، ثم سافر فإنه يصلي أربعاً؛ لأنه دخل الوقت فوجبت تامة فيصليها تامة، وعن أحمد رواية أخرى -وعليها الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة والشافعي ومالك - أنه يصليها قصراً؛ لأن الوقت موسع، فلا يلزم أن يصليها في أول الوقت، بل يصليها قصراً عندما يسافر، فهي مسألة خلافية بين أهل العلم، والحديث هذا لو صح فإنه يدل على القولين.

وكلهم يقولون: يجمع. لكنه يصلي الظهر تامة؛ لأنها وجبت قبل سفره وإن نوى في قلبه، والعصر يقصرها، والذين يقولون: يقصرها يقصر عندهم الظهر والعصر جميعاً.

شرح أثر هشام بن سعد (بينهما عشرة أميال) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا محمد بن هشام جار أحمد بن حنبل حدثنا جعفر بن عون عن هشام بن سعد قال: بينهما عشرة أميال، يعني: بين مكة وسرف ].

هذه طريق مقطوعة، وهي متن ينتهي إلى من دون الصحابي، والمتن الذي ينتهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقال له: مرفوع، والذي ينتهي إلى الصحابي يقال له: موقوف، والذي ينتهي إلى من دون الصحابي يقال له: مقطوع، وهذا فيه بيان المسافة، من هشام بن سعد .

قوله: [ حدثنا محمد بن هشام جار أحمد ].

محمد بن هشام ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا جعفر بن عون ].

جعفر بن عون صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن سعد ].

هشام بن سعد قد مر ذكره.

شرح حديث ابن عمر (رأيت رسول الله إذا جد به السير صلى صلاتي هذه)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب حدثنا ابن وهب عن الليث قال: قال ربيعة : -يعني: كتب إليه- حدثني عبد الله بن دينار ، قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى قلنا: الصلاة. فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعاً، ثم قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتي هذه. يقول: يجمع بينهما بعد ليل) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر هذا، وهو أنه كان في سفر فجد به السير، ولما غاب الشفق نزل وصلى بهم، وجمع بين المغرب والعشاء، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت. يعني: إذا كان قد جد السير.

وسبق أن مر أن الإنسان إذا كان سائراً قبل غروب الشمس فإنه له أن يواصل إلى مغيب الشفق حيث ينزل ويصلي المغرب والعشاء جمع تأخير، وأنه إذا كان نازلاً قبل غروب الشمس، ثم غربت الشمس وهو جالس فإنه يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم، ثم يسير، وهكذا بالنسبة للظهر والعصر، وقد مرت جملة من الأحاديث في ذلك.

وحديث ابن عمر هذا هو الذي سبق أن مر في كونه استصرخ على صفية زوجته، وأنه سار وسافر مسرعاً وجد به السير، وأخر صلاة المغرب حتى دخل وقت العشاء وغاب الشفق، وجمع بين الصلاتين في أول وقت صلاة العشاء.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر (رأيت رسول الله إذا جد به السير صلى صلاتي هذه...)

قوله: [ حدثنا عبد الملك بن شعيب ].

عبد الملك بن شعيب ، ثقة، أخرج أحاديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا ابن وهب ].

ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الليث ].

هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال ربيعة ].

هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ يعني: كتب إليه ].

يعني أن رواية الليث عن ربيعة إنما كانت مكاتبة، فالرواية إنما هي عن طريق المكاتبة، والرواية عن طريق المكاتبة صحيحة، وهي من طرق التحمل، فعلها البخاري رحمه الله في صحيحه، فإنه في موضع من المواضع قال: (كتب إلي محمد بن بشار ) وساق الإسناد، مع أن محمد بن بشار من شيوخه الذين أكثر من الرواية عنهم، وهو من صغار شيوخه كما عرفنا ذلك، فالمكاتبة طريقة صحيحة، والأخذ بها صحيح.

[ حدثني عبد الله بن دينار ].

عبد الله بن دينار ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما هو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم ].

يعني أنها ظهرت النجوم، أو مالت النجوم، وحصل سيرها وانتقالها من مكان إلى مكان.

أسانيد أخرى لجمع ابن عمر المغرب والعشاء بعد مغيب الشفق وتراجم رجالها

[ قال أبو داود : رواه عاصم بن محمد عن أخيه عن سالم ، ورواه ابن أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب أن الجمع بينهما من ابن عمر كان بعد غيوب الشفق ].

معنى هذا أن هذه الطرق تقوي هذا الطريق، وأن هذا يخالف الطريق التي سبق أن مرت، والتي هي غير محفوظة، والتي فيها أنه نزل وصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق وصلى العشاء، وقد جاء من طرق متعددة -ومنها هذه الطرق، وكذلك الطرق السابقة- تدل على أن المحفوظ هو أنه إنما صلى بعد مغيب الشفق؛ لأن الصلاة بعد مغيب الشفق هي الجمع، وإنما يكون جمع الصلاتين في وقت إحداهما، أما إذا صلى المغرب في وقتها، وصلى العشاء في وقتها فهذا ليس بجمع في الحقيقة.

قوله: [ قال أبو داود : ورواه عاصم بن محمد ].

هو عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أخيه ].

هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن سالم ].

سالم هو: ابن عبد الله بن عمر ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ ورواه ابن أبي نجيح ].

ابن أبي نجيح هو: عبد الله بن أبي نجيح ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب ].

إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب ثقة، أخرج له النسائي .

شرح حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر...)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة وابن موهب المعنى، قالا: حدثنا المفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب صلى الله عليه وسلم) قال أبو داود : كان مفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة، وهو ابن فضالة ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر) ].

يعني: إذا كان سائراً قبل الزوال واصل السير حتى يأتي وقت العصر، ثم نزل وجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم.

قوله: [ (فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب) ].

هذا فيه أنه صلى الظهر وحده، لكنه سبق أن مرت الروايات التي فيها أنه كان يصلي الظهر والعصر، أي: يجمع بينهما، وتلك الأدلة التي سبق أن مرت دالة على جمع التقديم، كما أنها دالة على جمع التأخير.

تراجم رجال إسناد حديث (كان رسول الله إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر...)

قوله: [ حدثنا قتيبة ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وابن موهب ].

هو يزيد بن خالد الذي سبق أن مر في هذا الباب أن أبا داود ذكر نسبه في سطر فقال: (يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي الهمداني ) ، هذا كله ذكره في الرواية السابقة، وهنا قال: (ابن موهب )، وهو نفسه ذاك الذي مر، ولهذا -كما ذكرت- فإن التلميذ يذكر شيخه كما يريد، فأحياناً يطيل في نسبه، وأحياناً يختصر كما فعل هنا؛ لأنه هنا أتى بكلمتين فقط، وهناك ذكر هذا النسب الطويل، وهو ثقة، أخرج أحاديثه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة .

[ حدثنا المفضل ].

هو المفضل بن فضالة المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عقيل ].

هو عقيل بن خالد المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن مالك ].

أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنس بن مالك رضي الله عنه من صغار الصحابة، والزهري من صغار التابعين، ويروي عن أنس بن مالك وهو من صغار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ قال أبو داود : كان المفضل قاضي مصر، وكان مجاب الدعوة ].

يعني: كان متولياً القضاء في مصر، وكان مجاب الدعوة، يعني: على حسب التجربة، حيث كان يدعو ويجاب، أو أنه يحصل منه الدعاء ويجاب، فيقال عنه: إنه مجاب الدعوة على اعتبار التجربة.

إسناد آخر لحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيع الشمس ...) وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب أخبرني جابر بن إسماعيل عن عقيل بهذا الحديث بإسناده، قال: (ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حتى يغيب الشفق).

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وفيه أنه كان يؤخر حتى يجمع بينها وبين العشاء، وهذا مثل ما تقدم، يعني: وإذا كان مرتحلاً قبل أن تغرب الشمس سار حتى غاب الشفق ثم نزل وصلاهما.

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري ].

هو سليمان بن داود المهري المصري ، وهو ثقة، أخرج أحاديثه أبو داود والنسائي .

[ حدثنا ابن وهب ].

ابن وهب مر ذكره.

[ أخبرني جابر بن إسماعيل ].

جابر بن إسماعيل مقبول، أخرج أحاديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن عقيل بهذا الحديث بإسناده ].

شرح حديث معاذ بن جبل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر...)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب) قال أبو داود : ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده ].

أورد أبو داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر في أول وقت العصر، وإذا كان نازلاً قبل أن تزيغ الشمس وزاغت الشمس وهو نازل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل, وكذلك في المغرب إذا كان سائراً قبل مغيب الشمس واصل حتى يأتي وقت العشاء فينزل ويصليهما جميعاً، وإذا كان نازلاً فإنه يصلي المغرب والعشاء في أول وقت المغرب ثم يسير، وهو مثل ما تقدم في الروايات المتقدمة يدل على جمع التأخير وجمع التقديم بالنسبة للظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

تراجم رجال إسناد حديث معاذ بن جبل (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر..)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة مر ذكره.

[ أخبرنا الليث ].

والليث مر ذكره.

[ عن يزيد بن أبي حبيب ].

يزيد بن أبي حبيب مصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ].

أبو الطفيل عامر بن واثلة صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن معاذ بن جبل ].

هو معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ قال أبو داود : ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده ].

يعني: بهذا التفصيل، وإلا فإنه قد روي في طرق متقدمة، لكن ليس فيه هذا التفصيل، وهذا التفصيل الذي فيه مطابق لما سبق أن مر في بعض الأحاديث، ولا يؤثر كون قتيبة تفرد عن الليث بهذا.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [150] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net