إسلام ويب

الكسوف حدث كوني يحصل بقدر الله عز وجل، وهو آية من الآيات الدالة على عظمة الله تعالى وقوته، وآية يخوف الله تعالى بها عباده، ولذا شرع الله لعباده أن يفزعوا فيه إلى الصلاة، وسن لهم أن يطيلوا القراءة فيها، وأن يكثروا من التضرع والذكر والاستغفار والعتق والصدقة حتى ينجلي ما بهم، وحال الخوف والرجوع إلى الله تعالى والإكثار من ذكره واستغفاره الحاصل في الكسوف هو الذي ينبغي أن يكون في غيره من الشدائد والزلازل والرياح والظلمات ونحوها.

ما جاء في القراءة في صلاة الكسوف

شرح أحاديث القراءة في صلاة الكسوف

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب القراءة في صلاة الكسوف.

حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمي حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة وعبد الله بن أبي سلمة وسليمان بن يسار كلهم قد حدثني عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، فقام فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ بسورة البقرة -وساق الحديث- ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ بسورة آل عمران).

حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي حدثنا الأوزاعي أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة فجهر بها. يعني: في صلاة الكسوف).

حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (خسفت الشمس فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياماً طويلاً بنحو من سورة البقرة ثم ركع، وساق الحديث) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب القراءة في صلاة الكسوف ]، أي: إثبات القراءة، وأن صلاة الكسوف يقرأ فيها قرآن، وقد سبق في الأحاديث التي مرت ما يدل على ذلك؛ لأن كل الأحاديث أو أكثرها التي مضت فيها إثبات القراءة، ولكن أبا داود رحمه الله عقد هذه الترجمة من أجل ذكر القراءة في الترجمة، والاستدلال عليها ببعض الأحاديث الدالة على ذلك، وإلا فإن الأحاديث التي تقدمت في صلاة الكسوف وأنها أربعة ركوعات في ركعتين مشتملة على القراءة، وهذه الأحاديث الثلاثة التي أوردها أبو داود الأول والثاني منها عن عائشة ، والثالث عن ابن عباس رضي الله تعالى عن الجميع، وهي تدل على إثبات القراءة وعلى حصولها، وفي بعضها تنصيص على أنه جهر بها، وهو حديث عائشة الثاني، والحديث الأول والحديث الثالث في أحدهما: [ (بنحو من سورة البقرة) ] وفي الآخر: [ (فحزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة) ] ويمكن أن يقال: إنها حزرت القراءة؛ لأنها كانت بعيدة منه، وإلا فإنه يجهر، ولكن للبعد عنه لا يفهم الشيء الذي يقرؤه، وقدرت ذلك بنحو سورة البقرة، وقد سبق أن مر حديث سمرة الذي فيه أنه جاء سمرة أو أبي بن كعب فقال: (جئت والناس في أزز فصليت) وقال: (حزرت قراءته) لأنه كان بعيداً حيث جاء والمسجد مكتظ، وصلى الناس وهو في آخرهم، ومعناه أنه لم يتمكن من السماع، فكذلك عائشة رضي الله عنها لا تنافي بين ما جاء عنها من كونها حزرت، ومن كونه جهر؛ لأن الجهر موجود، لكنها لم تفهم ذلك لكونها بعيدة، ولكن فيه إثبات القراءة وإثبات الجهر.

إذاً: فصلاة الكسوف يجهر فيها، ومن أثبت حجة على من لم يثبت، وما جاء في الحديث الذي سبق: (ما سمعت له صوتاً) يحمل على أنه كان بعيداً، وإلا فإن حديث عائشة هذا فيه التنصيص على أنه جهر، وحديثها الأول لا ينفي أن يكون جهر، بل حزرها وتقديرها لقراءته يمكن أن يكون لكونها بعيدة، أو أن قراءته كانت متفرقة، وأنها قدرت مجموعها بهذا المقدار الذي هو نحو سورة البقرة، وكذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه الذي قال فيه: [ (بنحو من سورة البقرة) ] فيقال فيه: مثل ما يقال في حديث عائشة الأول الذي هو الحزر والتقدير، وأنه قريب من ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة (كسفت الشمس على عهد رسول الله)

قوله: [ حدثنا عبيد الله بن سعد ].

هو عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عمي ].

عمه هو يعقوب بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبي ].

هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن إسحاق ].

هو محمد بن إسحاق المدني ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم ، وأصحاب السنن.

[ حدثني هشام بن عروة ].

هو هشام بن عروة المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وعبد الله بن أبي سلمة ].

عبد الله بن أبي سلمة ثقة، أخرج له مسلم ، وأبو داود ، والنسائي .

[ وسليمان بن يسار ].

سليمان بن يسار ، ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ كلهم قد حدثني عن عروة ].

هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وسليمان بن يسار وعروة بن الزبير من فقهاء المدينة السبعة، وهما من الستة المتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، لأن فقهاء المدينة السبعة منهم ستة متفق على عدهم، ومنهم: سليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير ، والسابع فيه ثلاثة أقوال:

قيل: سالم بن عبد الله بن عمر ، وقيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

[ عن عائشة ].

هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، وهي أحد سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

والقائل: [ كلهم قد حدثني ] يبدو أنه سليمان بن يسار ، أو هشام ، فـ هشام يروي عن أبيه، وعبد الله بن أبي سلمة يروي عن سليمان عن عروة ، فـعبد الله هو المعطوف على هشام .

و عبد الله بن أبي سلمة يروي عن سليمان بن يسار عن عروة .

وقد سبق الكلام حول هشام الذي يروي عنه إسماعيل بن علية ، وهو يروي عن أبي الزبير في الحديث الثاني من الأحاديث التي جاءت في [ باب من قال أربع ركعات ]، وهشام المقصود به : هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، يروي عن محمد بن تدرس الذي هو أبو الزبير ، ويروي عنه إسماعيل؛ لأن إسماعيل بن علية يروي عن هشام بن حسان ، وعن أيوب بن أبي تميمة ، ولا يروي عن هشام بن عروة ، ومحمد بن مسلم بن تدرس يروي عنه هشام بن عروة ، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وشخص آخر -أيضاً- يقال له هشام غير هشام بن حسان .

وكان الألباني رحمة الله عليه يصحح الحديث، وفيه هذا الشخص الذي هو مجهول أو مقبول، ولكن الألباني صححه بناءً على حديث عند الطحاوي شاهد له وهو قوي، فيقوى هذا الحديث مع ذلك الحديث، وقد ذكره الألباني رحمة الله عليه برقم ألفين وتسعمائة وسبعة وتسعين في السلسلة الصحيحة، وعلى هذا فيكون قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في تكبيرات صلاة الاستسقاء سبع في الأولى وخمس في الثانية، وجاء عنه -أيضاً- أربع تكبيرات في الأولى وأربع في الثانية، فيكون الأمر في ذلك واسعاً، وأي فعل منهما يكون صحيحاً، ولكن المشهور والأكثر والمعروف هو ذكر السبع والخمس، ولكن ما دام الحديث قد ثبت وصح فإن ذلك حق وهذا حق، وهو من اختلاف التنوع كما يقولون.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صلاة الكسوف (أن رسول الله قرأ قراءة طويلة فجهر بها)

قوله: [ حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد ].

العباس بن الوليد بن مزيد صدوق أخرج له أبو داود ، والنسائي .

[ أخبرني أبي ]

أبوه ثقة.

[ حدثنا الأوزاعي ].

الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمر الأوزاعي ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني الزهري ].

الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة ].

عروة بن الزبير ، وعائشة قد مر ذكرهما.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس (خسفت الشمس فصلى رسول الله والناس معه...)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس ، إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن أسلم ].

زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء بن يسار ].

عطاء بن يسار أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ويكون في هذه الأحاديث دليل على جواز التسميتين: خسوف الشمس، أو كسوف الشمس، ولا فرق بينهما، فالكسوف والخسوف بمعنى واحد، لأنه جاء ذكر الخسوف لهما، وجاء ذكر الكسوف لهما، وجاء ذكر الخسوف للقمر كما جاء في القرآن، وجاء -أيضاً- للشمس.

ما جاء أنه ينادى في صلاة الكسوف بالصلاة

شرح حديث عائشة (..فنادى أن الصلاة جامعة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: ينادي فيها بالصلاة.

حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن نمر أنه سأل الزهري فقال الزهري : أخبرني عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كسفت الشمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً فنادى أن: الصلاة جامعة).

أورد أبو داود رحمه الله [ باب ينادي فيها بالصلاة ] يعني: لا ينادى لها بأذان، وإنما ينادى لها بهذا اللفظ الذي هو: (الصلاة جامعة)، أو: (إن الصلاة جامعة)، فهذه هي الكيفية التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ينادى لصلاة الكسوف بها.

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أن الشمس كسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر منادياً ينادي أن: الصلاة جامعة، والنون في (أنِ) مكسورة، وهي توضيح وتفسير للمناداة، وفي بعض الروايات: (إن الصلاة جامعة)، والصلاة اسمها، وجامعة خبرها، وإذا كانت (أن) تفسيرية تكون الصلاة مبتدأ و(جامعة) خبر، فهذا يدل على أن الصلاة ينادى لها بهذه الصيغة وبهذا اللفظ، ولا يؤذن لها.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة (فنادى أن الصلاة جامعة)

قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ].

هو عمرو بن عثمان الحمصي ، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة .

[ حدثنا الوليد ].

هو الوليد بن مسلم الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الرحمن بن نمر ].

عبد الرحمن بن نمر ثقة، أخرج له البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي .

[ أنه سأل الزهري فقال الزهري : أخبرني عروة عن عائشة ].

الزهري وعروة وعائشة قد مر ذكرهم.

ما جاء في الحث على الصدقة في الكسوف

شرح حديث (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصدقة فيها.

حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل، وكبروا، وتصدقوا) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة [ باب الصدقة فيها ]، أي: عند الكسوف، وذلك لأن الصدقة من أسباب رفع البلاء والعذاب، ومن أسباب السلامة من عذاب النار؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، فالصدقة من أسباب السلامة من العذاب والشرور.

وأورد أبو داود حديث عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله عز وجل وكبروا وتصدقوا) ].

وقوله [ (ادعوا) ] الدعاء هو: العبادة، ومن ذلك الصلاة، فإما أن تكون الصلاة داخلة في (ادعوا)، أو أن الحديث فيه إجمال، وإنما فيه ذكر الدعاء، والتكبير، والصدقة، والصلاة.

وينبغي للناس أن يكبروا ويدعوا، لكن ليس تكبيراً جماعياً، ولا هو تكبير برفع الصوت، وإنما يكبرون مثلما يكبرون إذا جاءوا للعيد، فكل واحد يكبر على حدة.

وفيه دليل على أنه عند حصول الكسوف، وحصول هذا الأمر الذي يخوف الله به عباده يسارع العباد بالصدقة؛ لأنها من أسباب رفع البلاء ودفعه.

تراجم رجال إسناد حديث (الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد...)

قوله: [ حدثنا القعنبي عن مالك عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة ].

قد مر ذكرهم جميعاً.

ما جاء في الحث على العتق في الكسوف

شرح حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب العتق فيها.

حدثنا زهير بن حرب حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف) ].

أورد أبو داود [ باب العتق فيها ]، أي: في وقت الكسوف، وأورد حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالعتاقة فيها، أي: في حالة الكسوف، ولعل ذلك في الخطبة، وإلا فإن الصلاة نفسها ليس فيها كلام، وإنما المقصود المناسبة، والوعظ والتذكير الذي يكون بعدها، والذي ثبتت فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالعتاقة في صلاة الكسوف)

قوله: [ حدثنا زهير بن حرب ].

هو زهير بن حرب أبو خيثمة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا معاوية بن عمرو ].

معاوية بن عمرو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زائدة ].

هو زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام عن فاطمة ].

هشام هو ابن عروة ، وفاطمة هي بنت المنذر بن الزبير ، وهي بنت عمه وزوجته، فـهشام بن عروة بن الزبير يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير ، وهي ثقة، أخرج لها أصحاب الكتب الستة.

[ عن أسماء ].

هي أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي صحابية، أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.

من قال يركع ركعتين في الكسوف

شرح حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ..)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: يركع ركعتين.

حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثني الحارث بن عمير البصري عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين، ويسأل عنها حتى انجلت) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [ من قال يركع ركعتين ]، يعني أنه يصلي ركعتين في صلاة الكسوف، ثم ينظر هل انجلت أو لا ثم يأتي بركعتين، وهذا مخالف للروايات الأخرى التي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وهذا هو المحفوظ، وسبق أن عرفنا أن الأحاديث التي جاءت في صفة صلاة الكسوف منها ما فيه ركوع واحد، ومنها ما فيه ركوعان، ومنها ما فيه ثلاثة ركوعات، ومنها ما فيه أربعة ركوعات، ومنها ما فيه خمسة ركوعات، وأن المحفوظ هو ما فيه ركوعان، وأن ما سوى ذلك هو إما شاذ وإما ضعيف، فإن كان صحيح الإسناد فهو شاذ، وإن كان غير صحيح الإسناد فإنه يكون ضعيفاً أو منكراً، وهذا الحديث مخالف لتلك الرواية المحفوظة؛ لأن الأحاديث كلها في شأن صلاة واحدة، وهي الحالة التي انكسفت فيها الشمس، وإنما انكسفت مرة واحدة حينما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالمحفوظ هو الرواية التي سبق أن مرت، والتي في الصحيحين، والتي جاءت عن أسماء وجابر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وعدد من الصحابة، والروايات الأخرى هي إما شاذة وإما ضعيفة، وهذا الإسناد فيه ضعف، قيل: إن فيه انقطاعاً، وقيل: إن فيه اضطراباً، والألباني ضعف هذا الحديث، ولعل الانقطاع في رواية أبي قلابة ؛ لأنه يرسل ويدلس، ثم إنه -كما ذكرت- مخالف لما ثبت مما هو محفوظ، وهو الركوعان في ركعة واحدة، وهذا فيه أن كل ركعة فيها ركوع واحد ولكن تكرر الركعات؛ لأنه يصلي ركعتين ثم يسأل عن الشمس هل تجلت أو لا ثم يصلي ركعتين وهكذا، والمحفوظ أنه صلى ركعتين وأن الشمس تجلت في آخر الركعة الثانية، وأنه لم تصل أكثر من ركعتين، لكن في كل ركعة ركوعان.

تراجم رجال إسناد حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ركعتين ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن أبي شعيب الحراني ].

هو أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثني الحارث بن عمير البصري ].

الحارث بن عمير البصري قال فيه الحافظ : وثقه الجمهور، وفي أحاديثه مناكير، أخرج له البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.

[ عن أيوب السختياني ].

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي قلابة ]

هو عبد الله بن زيد الجرمي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن النعمان بن بشير ].

هو النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله...)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكد يركع ثم ركع، فلم يكد يرفع ثم رفع، فلم يكد يسجد ثم سجد، فلم يكد يرفع ثم رفع، فلم يكد يسجد ثم سجد، فلم يكد يرفع ثم رفع، وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، ثم نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف، ثم قال: رب ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟! ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟! ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته وقد أمحصت الشمس)، وساق الحديث ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وفيه أن الصلاة ركعتين، وأن كل ركعة فيها ركوع واحد، ولكنه كان يطيل القيام والركوع والسجود، لأنه قال: [ (لم يكد) ] ومعناه أنه يطول في الشيء الذي هو فيه من القيام والركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود، كل ذلك يطيل فيه، وعبر عنه بقوله (لم يكد يفعل كذا..) فقال: [ لم يكد يركع.. ]، [لم يكد يرفع.. ]، [ لم يكد يسجد ] يعني بعد الرفع، وهكذا، فهو مطابق للترجمة من ناحية أنه يصلي ركعتين، وسبق في الترجمة التي هي أربع ركعات أن فيه ذكر الركعتين، وأن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد، وهذا الحديث هو من ذلك، وهو مطابق لهذه الترجمة، وهو أن فيه ذكر الركعتين، ولكن ليس فيه ذكر ركعتين ركعتين، وإنما فيه ركعتان فقط، وأما الحديث الأول ففيه ذكر ركعتين ركعتين.

وفي هذا الحديث أمور أخرى، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ناشد ربه وسأل ربه فقال: [ (ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم؟! ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون؟!) ] وفيه أنه [ (نفخ في آخر سجوده فقال: أف أف) ] وبعد ذلك ساق بقية الحديث.

والحديث صححه الألباني وقال: إلا فيما يتعلق بالركوع، فإنه يكون في الركعة ركوعان، كما جاء في الصحيحين، ومعنى هذا أن الذي جاء في هذا الحديث من غير ذكر الركوع ثابت وموافق للأحاديث الأخرى، وما جاء من ذكر المناشدة يكون ثابتاً بهذا الحديث، ولكن الشيء الذي فيه مخالفة لما هو محفوظ هو أن الركعة الواحدة فيها ركوع واحد.

وقوله: [ (أف أف) ] يعني أنه خرج منه هذان الحرفان، وقالوا: إنه لا يكون كلاماً لو قال: أفٍ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث.

قوله: [ وقد أمحصت الشمس ].

يعني: تجلت وذهب كسوفها وخسوفها، ومنه التمحيص من الذنوب، أي: التخلص منها. يعني: تخلصت وسلمت من الكسوف.

تراجم رجال إسناد حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله...)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عطاء بن السائب ].

هو صدوق اختلط، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، وهذا الحديث فيه الرواية عن حماد عن حماد بن سلمة ، ولكن جاء في سنن النسائي رواية شعبة عن عطاء لهذا الحديث، وشعبة ممن سمع من عطاء بن السائب قبل الاختلاط.

[ عن أبيه ].

أبوه هو السائب بن مالك ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن عمرو ].

هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث (...فقرأ بسورتين وركع ركعتين)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن حيان بن عمير عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: (بينما أنا أترمى بأسهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس، فنبذتهن وقلت: لأنظرن ما أحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم كسوف الشمس اليوم، فانتهيت إليه وهو رافع يديه يسبح ويحمد ويهلل ويدعو، حتى حسر عن الشمس، فقرأ بسورتين وركع ركعتين) ].

أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه الذي فيه أنه كان يترمى بأسهم له، وأنها كسفت الشمس فذهب وقال: لأنظرن إلى ما يحصل من رسول الله صلى الله عليه وسلم عند حصول هذا الكسوف، فجاء ورآه قائماً ماداً يديه يدعو ويحمد ويكبر.

قوله: [ (حتى حسر عن الشمس) ].

أي: زال كسوفها.

قوله: [ (فقرأ بسورتين وركع ركعتين) ].

قيل: إن الحديث لا يدل على أنه صلى ركعتين؛ لأنه لو كان المقصود به صلاة ركعتين لكان صلى ركعتين بعد انتهاء الكسوف؛ لأنه قال: [ (حسر عن الشمس) ] فليس معنى ذلك أنه صلى وابتدأ الصلاة بعد الانحسار، ولكنه مضت الركعة الأولى، وبقيت الركعة الثانية، وحصل انحسار الكسوف في الركعة الثانية، فقوله: [ (فقرأ بسورتين وركع ركعتين) ] معناه: ركع بركوعين، وهذا يتفق مع الروايات الأخرى التي فيها أنه حصل التجلي في الركعة الأخيرة، وأن الركعة الواحدة فيها ركوعان، وأيضاً يسلم به من الإشكال الذي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ الصلاة بعدما حصل التجلي، وإنما الصلاة قبل التجلي، ولكن الناس إذا صلوا ولم تتجل لا يعيدون الصلاة، وإنما يدعون ويستغفرون حتى ينكشف ما بهم.

وهذا هو التفسير المناسب الذي يطابق ما تقدم من الأحاديث، فالحديث هذا صحيح على أن المقصود من ذلك إنما كان حكاية عن الركعة الأولى، وأنه حصل الانحسار فأتى بالركعة الثانية بقراءة سورتين وحصول ركوعين، فقبل الركوع الأول سورة، وبعد الركوع الثاني سورة، وبعد الركوع الثالث القيام، ثم السجود، وعلى هذا لا يكون الحديث مطابقاً للترجمة، وهي: [ باب من قال يركع ركعتين ]؛ لأن المقصود بالركعتين هنا ركوعان، وأن الانحسار حصل في الركعة الثانية.

تراجم رجال إسناد حديث (.. فقرأ بسورتين وركع ركعتين)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا بشر بن المفضل ].

بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الجريري ].

الجريري هو: سعيد بن إياس ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حيان بن عمير ].

حيان بن عمير ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن عبد الرحمن بن سمرة ].

هو عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

الصلاة عند الظلمة ونحوها

شرح حديث (.. إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الصلاة عند الظلمة ونحوها.

حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثني حرمي بن عمارة عن عبيد الله بن النضر قال: حدثني أبي قال: (كانت ظلمة على عهد أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: فأتيت أنساً فقلت: يا أبا حمزة ! هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة) ].

أورد أبو داود [ باب الصلاة عند الظلمة ونحوها ].

يعني حصول الظلام الذي يحصل بسبب الريح فيغطي الجو، فهذا هو المقصود من الترجمة، وأورد أبو داود هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

قوله: [ (فأتيت أنساً فقلت: يا أبا حمزة ! هل كان يصيبكم مثل هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: معاذ الله! إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة) ].

يعني أنهم يبادرون إلى المسجد فيصلون فيه، وفي هذا قال: [ الصلاة عند الظلمة ] يعني: يذهبون إلى المسجد للصلاة فيه والحديث ضعيف؛ لأن فيه من هو مستور، فليس ثابتاً.

تراجم رجال إسناد حديث (.. إن كانت الريح لتشتد فنبادر المسجد مخافة القيامة)

قوله: [ حدثنا محمد عمرو بن جبلة بن أبي رواد ].

محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد صدوق أخرج له مسلم وأبو داود .

[ حدثني حرمي بن عمارة ].

حرمي بن عمارة صدوق يهم، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن عبيد الله بن النضر ].

عبيد الله بن النضر لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق)، أخرج له أبو داود .

[ حدثني أبي ].

هو النضر بن عبيد الله بن مطر القيسي ، وهو مستور، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.

وأنس هو: أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

مشروعية القنوت إذا حصلت آيات أخرى غير الكسوف

وإذا حصل بركان أو زلزال أو حادث من الحوادث المتغيرة بقدر الله تعالى هل تشرع الصلاة مثل الكسوف؟

المشروع أنه يقنت قنوتاً، حيث يشرع القنوت في الأمور التي تحصل وفيها ضرر.

وقوله: [ (إن كانت الريح لتشتد فنبادر مخافة القيامة) ].

أي: يخشون أن تكون الساعة، لكن الساعة -كما هو معلوم- لا تأتي إلا بعد مقدمات، فلعل المراد بالقيامة هنا قيامتهم، كأن يحصل لهم عذاب، وليست القيامة التي تنتهي بها الدنيا، فهي لا تأتي إلا بعدما ينزل عيسى بن مريم ، وبعد خروج يأجوج ومأجوج، وبعد ظهور أمور متعددة جاءت بها السنة، فالمقصود به قيامتهم هم، أي: يحصل لهم عذاب أو يحصل لهم شيء يصيبهم فتكون قيامتهم، ومعلوم أن من مات فقد قامت قيامته وجاءت ساعته؛ لأن الساعة التي يكون بها نهاية الدنيا إنما تكون على الناس الذين في آخر الدنيا، فمن كان حياً في آخر الدنيا فإنه يموت، فيستوي الأولون والآخرون بالموت، ثم تأتي النفخة الثانية فيحيا من كان في أول الدنيا ومن كان في نهاية الدنيا.

السجود عند الآيات

شرح حديث (إذا رأيتم آية فاسجدوا)

قال المصنف رحمه الله: [ باب السجود عند الآيات.

حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي حدثنا يحيى بن كثير حدثنا سلم بن جعفر عن الحكم بن أبان عن عكرمة قال: قيل لـابن عباس رضي الله عنهما: ماتت فلانة -بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم- فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم آية فاسجدوا)، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ ].

أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: [ باب السجود عند الآيات ]. يعني: حصول الآيات.

ثم أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قيل له: [ ماتت فلانة ] وهي واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهن وأرضاهن، [ فخر ساجداً، فقيل له: أتسجد هذه الساعة؟ ] ولعل ذلك كان في وقت كراهة، أو أن المقصود حين بلغك الخبر بادرت، فكأنه قيل له: ما هو المستند عليه في ذلك؟ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (إذا رأيتم آية فاسجدوا) ].

ثم قال: [ وأي آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ] وهذا يدلنا على تعظيم الصحابة لأزواج الرسول عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنهن وأرضاهن، ومعرفة ثقتهن ومنزلتهن، وأنهن حليلات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة رضي الله عنهن وأرضاهن، ولهذا حرم على غيره الزواج بهن من بعده صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، فهذا يدل على أن وجود أولئك الصحب الكرام وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن فيه سلامة، وفيه خير للناس، وفقدهم أو فقدهن فيه مضرة للناس، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزوا فئام منهم فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم. فيفتح لهم)، فذكر الطبقات الثلاث التي هي طبقة الصحابة، وطبقة التابعين، وطبقة أتباع التابعين الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).

وهذا يبين أن فقد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم -ولاسيما زوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن- فقد لمن فيه الخير، ووجودهم كان أمنة لهذه الأمة، وإذا حصل بعد ذلك ذهابهم حصلت الفتن والشرور، وحصلت الأمور التي ليس لها حد، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ).

فقوله: [ السجود عند الآيات ] يحتمل أن يكون المقصود به السجود الذي هو مفرد السجود، ويحتمل أن يكون المراد به الصلاة، والصلاة يقال لها: سجود، فقوله: [ (إذا رأيتم آية فاسجدوا) ]، معناه: صلوا، والرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:153].

فالصلاة عند المصائب فيها تسلية، وفيها تهوين وتخفيف لوطأة الشيء، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول لـبلال (أرحنا بها يا بلال)، وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، فهو من هذا القبيل، فقوله: [ (إذا رأيتم آية فاسجدوا) ]، يظهر أنه صلاة، ومنهم من قال: إنه سجود فقط، والذي فعله ابن عباس يدل عليه.

فقد يكون المقصود منه السجود فقط، وقد يكون المقصود منه الصلاة التي منها السجود، والله تعالى أعلم.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا رأيتم آية فاسجدوا)

قوله: [ حدثنا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ].

محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا يحيى بن كثير ].

هو يحيى بن كثير العنبري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سلم بن جعفر ].

سلم بن جعفر ، صدوق أخرج له أبو داود والترمذي .

[ عن الحكم بن أبان ].

الحكم بن أبان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة وأصحاب السنن.

[ عن عكرمة ].

هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس مر ذكره.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [148] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net