إسلام ويب

جعل الله سبحانه وتعالى يرجعون ويتوبون إليه، ومن ذلك خسوف الشمس والقمر، وقد حدث هذا في عهد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فشرع لها صلاة الكسوف، وقد أطال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام والركوع والسجود حتى غشي على بعض الصحابة من شدة طول القيام، والثابت المحفوظ عنه أنه صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وما عدا ذلك من الأحاديث الواردة في عدد الركوعات في صلاة الكسوف فهو إما شاذ أو ضعيف.

صلاة الكسوف

شرح حديث عائشة في إثبات مشروعية صلاة الكسوف

قال المصنف رحمه الله: [ باب صلاة الكسوف.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا إسماعيل بن علية عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير أخبرني من أصدق -وظننت أنه يريد عائشة - قال: (كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم قياماً شديداً: يقوم بالناس، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع، ثم يقوم، فركع ركعتين في كل ركعة ثلاث ركعات، يركع الثالثة ثم يسجد، حتى إن رجالاً يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم، يقول إذا ركع: الله أكبر، وإذا رفع: سمع الله لمن حمده، حتى تجلت الشمس، ثم قال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله عز وجل يخوف بهما عباده، فإذا كسفا فافزعوا إلى الصلاة) ].

الكسوف والخسوف قيل: هما بمعنى واحد، وهو: ذهاب ضوء الشمس والقمر كله أو بعضه، وقيل: إن الكسوف يطلق على كسوف الشمس، والخسوف على خسوف القمر، وقد جاء الحديث في إطلاق الكسوف عليهما في قوله [(لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] فأضاف إلى الشمس والقمر لفظ الكسوف، وذكر أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب صلاة الكسوف] وذكر تحتها حديثاً واحداً، ثم ذكر بعد ذلك عدة أبواب وفيها تفاصيل صلاة الكسوف من ناحية عدد ركعاتها، ومن ناحية الجهر فيها، والصدقة وغير ذلك، وهذه الترجمة التي هي مطلقة وتحتها حديث واحد هي لإثبات صلاة الكسوف، ومشروعية صلاة الكسوف.

ثم تأتي بعد ذلك الأبواب التي فيها التفاصيل في صلاة الكسوف من كونها فيها أربعة ركوعات، وفيها جهر بالقراءة، وفيها صدقة، وفيها ركعتان، وهكذا، فهذه الترجمة معقودة لإثبات مشروعية صلاة الكسوف، وأنها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأورد في ذلك أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها الذي قال فيه عبيد بن عمير : [حدثني من أصدق وظننته] والذي دون عبيد بن عمير قال: ظننته يريد عائشة أو يقصد أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد جاء في صحيح مسلم الحديث على هذا الوجه وفيه: [من أصدق].

وجاء من طريق أخرى عن عبيد بن عمير عن عائشة بالتنصيص على عائشة التي روى عنها عبيد بن عمير، جاء ذلك في صحيح مسلم ، حيث قال: (عن عبيد بن عمير عن عائشة )، وجاء -كما هو هنا- عن عبيد أنه قال: [أخبرني من أصدق] وقال من دونه: وأحسبه أراد عائشة .

صفة صلاة الكسوف التي روتها عائشة رضي الله عنها

قولها: [ كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام قياماً شديداً ].

أي: كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلاها عليه الصلاة والسلام وقام قياماً شديداً، أي: بعد ما كبر ودخل في الصلاة قام قياماً شديداً حيث أطال القيام والقراءة، ثم إنه ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، ثم قام وقرأ، ثم ركع، فكان في الركعة الواحدة ثلاثة ركوعات وسجدتان.

إذاً: فالعدد ركعتان وسجدتان، وإنما الشيء الذي هو جديد ويختلف عما هو معروف في صلاة الكسوف أنه ذكر ثلاثة ركوعات في الركعة الواحدة وفي الركعتين ستة ركوعات مع أربع سجدات في الركعتين، فهذه هي الكيفية التي جاءت في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قولها: [ (قياماً شديدا) ].

أي: طويلاً.

قولها: [ (يقوم في الناس، ثم يركع، ثم يقوم) ].

أي: يقوم في الناس هذا القيام الشديد، ثم يقوم فيقرأ ويطيل، ثم يركع، ثم يقوم ويقرأ ويطيل ثم يركع، فتكون ثلاثة ركوعات، ثم يقوم، ثم يسجد سجدتين، ويفعل في الركعة الثانية مثلما فعل في الركعة الأولى، فتكون الصلاة ركعتين فيهما جميعاً ستة ركوعات وأربع سجدات، والركعة الواحدة فيها ثلاثة ركوعات وسجدتان، فهذه هي الصفة التي روتها عائشة رضي الله تعالى عنها.

صفة صلاة الكسوف في الأحاديث الأخرى

هذا الحديث وغيره يدل على أن الشمس كسفت وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالناس الكسوف، وأنه قال: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فهذه الكيفية التي جاءت في هذا الحديث هي من جملة الكيفيات التي جاءت، وهي في شأن صلاة واحدة، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم، وقد جاءت على أنحاء مختلفة، فبعضها شاذ وبعضها ضعيف، وبعضها ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي ثبتت فيه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ركعتان كل ركعة فيها ركوعان وسجدتان، فمعنى هذا أن الركعة الواحدة فيها ركوعان وسجدتان، فهذا هو المحفوظ الذي جاء من حديث ابن عباس ومن حديث عبد الله بن عمر ، ومن حديث جابر، وجاء عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق مختلفة، وفي الصحيحين وفي غيرهما أنها ركوعان في كل ركعة، وجاء ركوع واحد في ركعة، وجاء ثلاثة ركوعات في كل ركعة، وجاء أربعة ركوعات في كل ركعة، وجاء خمسة ركوعات في كل ركعة، هذه هي الهيئات التي جاءت، وهي إنما تختلف في الركوعات، وأما السجود فإنه سجدتان لا خلاف فيهما في الروايات كلها، ولكن الخلاف في الركوعات، فقد جاء أنه ركع ركوعاً واحداً، وجاء ركوعان، وجاء ثلاثة ركوعات، وجاء أربعة ركوعات، والثابت المحفوظ في الصحيحين وفي غيرهما أنهما ركوعان، وما سوى ذلك فهو إما شاذ وإما ضعيف، إما شاذ حيث يكون الإسناد صحيحاً، وإما ضعيف حيث يكون الإسناد فيه شيء من الضعف، وعلى هذا فإن الأحاديث جاءت في شأن صلاة واحدة كسفت فيها الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك يوم مات ابنه إبراهيم ، فلم يتعدد الكسوف وإنما كان كسوفاً واحداً، وكل الروايات تحكي صلاةً واحدة، فيكون ما فيه الركوعان هو المحفوظ وما سوى ذلك إما شاذ وإما ضعيف.

وهذا الحديث الذي أورده أبو داود عن عائشة الذي معنا في الإسناد هو من قبيل الشاذ؛ لأن الروايات التي فيها الركوعان التي جاءت في الصحيحين وفي غيرها هي المحفوظة، فتكون هي المعتمدة والمعتبرة، وما سواها مما هو صحيح الإسناد يكون شاذاً، وما كان ضعيف الإسناد يكون ضعيفاً.

قوله صلى الله عليه وسلم في الشمس والقمر: [(لا ينكسفان لموت أحد)] هذا فيه إبطال لما كان معروفاً في الجاهلية، حيث كانوا يقولون: إن كسوف الشمس والقمر إنما يكون لموت العظماء. فقال عليه الصلاة والسلام: [(إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)] لا لموت عظيم ولا لحياة عظيم [(وإنما هما آيتان من آيات الله، يخوف الله بهما عباده)] فكونهما يستفيد الناس بضوئهما ويطرأ عليهما هذا التغير يدل على تخويف العباد بذلك، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يغير حال هذين النيرين المضيئين إلى أن يذهب ضوؤهما بالكلية أو يذهب بعضه، وذلك دال على قدرة الله عز وجل، وفي ذلك تخويف للناس، ولهذا أرشد عليه الصلاة والسلام إلى الفزع إلى الصلاة، وإلى الإتيان إلى الصلاة المشروعة التي ثبتت صفتها وكيفيتها عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا الشيء الذي يخوف الله به عباده بتغيير ضوء الشمس والقمر وتحولهما من الإضاءة إلى ذهابها كلياً أو جزئياً قد علم أنه يمكن أن يعرف بالحساب، كما جاء ذلك عن بعض أهل العلم مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن دقيق العيد ، وإن علم ذلك أو أمكن معرفته بالحساب فإن ذلك لا ينافي التخويف،بل على الناس عندما يحصل ذلك أن يهرعوا إلى الصلاة وأن يؤدوا هذه السنة التي شرعها الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة في صفة صلاة الكسوف

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا إسماعيل بن علية ].

إسماعيل بن علية هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ، المشهور بـابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء ].

هو عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد بن عمير ].

عبيد بن عمير قيل: له رؤية، وقيل: مجمع على ثقته، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [أخبرني من أصدق] قد جاء في صحيح مسلم أنه عن عائشة، وفي هذا الإسناد قال الراوي: [وظننت أنه يريد عائشة ] وكما ذكرت قد جاء التنصيص على ذلك في رواية في صحيح مسلم ، كما جاءت أيضاً الرواية التي فيها الإبهام أيضاً في صحيح مسلم ، ومن المعلوم أن الراوي إذا قال: (حدثني من أصدق) أو: (حدثني ثقة) فذلك لا يعتبر؛ لأنه قد يكون ثقة عنده وغير ثقة عند غيره، فذلك التوثيق بلفظ الإبهام لا ينفع، ولهذا لو لم يأت في صحيح مسلم التنصيص على عائشة لصار الإشكال قائماً، فيكون صورته صورة مرسل، لكنه قد جاء في رواية أخرى في صحيح مسلم فيها (عن عبيد بن عمير عن عائشة) وفيها ذكر هذا الحديث في كسوف الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ما جاء أن صفة صلاة الكسوف أربع ركعات

شرح حديث جابر في صفة صلاة الكسوف

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: من قال أربع ركعات.

حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبد الملك حدثني عطاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في اليوم الذي مات فيه إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات، كبر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ دون القراءة الأولى، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فقرأ القراءة الثالثة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه فانحدر للسجود، فسجد سجدتين، ثم قام فركع ثلاث ركعات قبل أن يسجد ليس فيها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها، إلا أن ركوعه نحوٌ من قيامه، قال: ثم تأخر في صلاته فتأخرت الصفوف معه، ثم تقدم فقام في مقامه وتقدم في الصفوف، فقضى الصلاة وقد طلعت الشمس، فقال: يا أيها الناس! إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل لا ينكسفان لموت بشر، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي...) وساق بقية الحديث ].

شذوذ حديث جابر في صفة صلاة الكسوف

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي قوله: [من قال أربع ركعات] يعني أنها أربعة ركوعات، فالمقصود بالركعات الركوعات، وليس المقصود الركعة التي يدخل فيها السجود والقعود والقيام، وإنما المقصود بذلك الركوع، فيطلق على الركوع ركعة، تسمية للبعض باسم الكل، كما أنه يأتي في بعض الروايات (سجدة) ويراد بها الركعة تسميةً للجزء باسم الكل، فيقال للركعة: سجدة، ويقال للركوع: ركعة.

فقوله: [من قال أربع ركعات] يعني: أربعة ركوعات، وليس المقصود به الركعات التي فيها قيام وركوع وسجود وجلوس، فهذه يقال للواحدة منها: ركعة، وإنما الركوع الذي هو الانحطاط من القيام حيث يركع، فهذا هو المقصود بقوله: [أربع ركعات] وهذه الترجمة معقودة لبيان الأحاديث التي جاءت في أن صلاة الكسوف تكون أربع ركعات، أي: أربعة ركوعات، ولكنه ذكر غير ذلك، حيث ذكر هذا الحديث الأول الذي هو ستة ركوعات، وذكر بعد ذلك خمسة ركوعات، وأربعة ركوعات، وكذلك ذكر الركوع الواحد، كل ذلك ذكره في هذه الترجمة.

وأورد أبو داود رحمه الله أولاً حديث جابر من طريقين: الطريق الأولى هي مشابهة لطريق عائشة السابقة، التي فيها ستة ركوعات في ركعتين.

ثم أورد بعد ذلك حديث جابر من طريق أخرى، وفيه مطابقة الترجمة، أي: ركوعان في الركعة الواحدة، وأربعة ركوعات في الركعتين، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحديث جابر هذا الذي أورده المصنف هنا هو شاذ أيضاً مثل حديث عائشة الذي تقدم، من جهة أن ذلك حكاية لصلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم ، وإنما صلى صلاة واحدة، فالمعتبر هو ما تعددت فيه الطرق وكثر فيه الرواة، فرواية الأوثق تكون هي المحفوظة، ورواية الثقة التي خالف فيها من هو أوثق منه تكون شاذة، فالرواية الأولى لحديث جابر شاذة كرواية حديث عائشة المتقدمة؛ لأنها بمعناها، أي: ستة ركوعات في الركعتين، وفيها أن الناس قالوا: إن الشمس انكسفت لموت إبراهيم، وهذا على المعروف في الجاهلية، وهو أنها تنكسف لموت العظماء، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، ولما فرغ قال: [(إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)] فالحديث مثل الحديث المتقدم غير ثابت؛ لأنه شاذ ومخالف للروايات الصحيحة التي في الصحيحين وفي غيرهما من أن الركعة الواحدة في صلاة الكسوف التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ركوعان اثنان فقط، وليس ثلاثة ولا أكثر ولا أقل.

تراجم رجال إسناد حديث جابر في صفة صلاة الكسوف

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يحيى ].

هو يحيى بن سعيد القطان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الملك ].

هو عبد الملك بن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثني عطاء ].

هو عطاء بن أبي رباح، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

عرض الجنة والنار على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف

وفي الحديث أنه قال: (تأخر فتأخر الناس، ثم تقدم فتقدم الناس) وهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام عرضت عليه الجنة والنار وهو يصلي بالناس صلاة الكسوف، فرأى الجنة ورأى عناقيد العنب متدلية، فمد يده ليأخذ عنقوداً ثم إنه ترك، وعرضت عليه النار فتأخر، ولما فرغ قالوا له: إنا رأيناك تقدمت كأنك تريد أن تتناول شيئاً، ورأيناك تأخرت، فقال: عرضت علي الجنة وعرضت علي النار، فحينما رأيتموني تقدمت تقدمت فمددت يدي لآخذ عنقوداً من العنب ثم تركت، قال عليه الصلاة والسلام: ولو أخذت منه لأكلتم ما بقيت الدنيا)، وهذا يدلنا على عظم شأن الجنة، وأن عنقوداً يكفي الناس إلى نهاية الدنيا لو أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله تعالى شاء أن تكون أمور الآخرة غيباً، وأن لا تأتي في الدنيا لأنه لو جاء نعيم الآخرة في الدنيا فأي ميزة للآخرة تكون على الدنيا؟! بل سيكون الغيب علانية، ويكون الغيب شهادة، ولكن الله تعالى شاء أن يكون الغيب غيباً، وأن لا ترى أمور الآخرة إلا في الآخرة، ومن ذلك رؤية الله عز وجل، فإن رؤية الله أكبر نعيم يكون لأهل الجنة، وقد شاء الله عز وجل أن لا يرى في الدنيا بل يرى في الآخرة، ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) كما جاء في ذلك الحديث في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث فيه إشارة إلى التأخر، وليس فيه إشارة إلى التقدم لأجل التناول، وإنما فيه التأخر ثم الرجوع، ولما تأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخر الناس، ولما تقدم تقدم الناس، وكان تأخره وتقدمه من أجل أنه عرضت عليه النار فتأخر، ولما ذهب عرضها تقدم، فتأخر الناس لتأخره، وتقدموا لتقدمه، فهذا فيه إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم من ذكر عرض الجنة والنار عليه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

شرح حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل عن هشام حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه فأطال القيام حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم سجد سجدتين، ثم قام فصنع نحواً من ذلك، فكان أربع ركعات وأربع سجدات) وساق الحديث ].

أورد أبو داود هنا حديث جابر رضي الله عنه مرة أخرى، وهو مشتمل على أن الركعة الواحدة فيها ركوعان، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته للكسوف يوم مات ابنه إبراهيم ، فهذه الرواية في حديث جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه فيها بيان عدد الركوعات وأنها ركوعان في كل ركعة، وهذا هو الصحيح المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن غير جابر من الصحابة، عن ابن عباس وغيره كما سيأتي.

تراجم رجال إسناد حديث (كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر ...)

قوله: [ حدثنا مؤمل بن هشام ].

مؤمل بن هشام ثقة، أخرج له البخاري ، وأبو داود ، والنسائي .

[ حدثنا إسماعيل ].

إسماعيل هو ابن علية مر ذكره.

[ عن هشام ].

هشام هو هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو الزبير ].

أبو الزبير يروي عنه هشام بن الدستوائي وهشام بن عروة ، وهشام آخر ثالث.

وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله ، مر ذكره.

شرح حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب ، ح: وحدثنا محمد بن سلمة المرادي حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام فكبر وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قام فاقترأ قراءة طويلةً هي أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً هو أدنى من الركوع الأول، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف) ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو مثل حديث جابر رضي الله عنه فيه ركوعان في كل ركعة، لهذا قال: [أربع ركعات وأربع سجدات]، أي: أربعة ركوعات، فأطلق على الركوع ركعة، فحديث عائشة رضي الله عنها مثل حديث جابر الذي قبله، وهذا هو المحفوظ الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم ، وفيه التعبير بـ(خسفت الشمس) وهذا يدلنا على أن الخسوف والكسوف يطلق على الشمس والقمر، فيقال للشمس: خسفت وكسفت، وكذلك يقال للقمر، فيطلق الخسوف والكسوف على كل منهما.

تراجم رجال إسناد حديث (خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح، ثقة، أخرج له مسلم ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة .

[ أخبرنا ابن وهب ].

ابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ (ح) وحدثنا محمد بن سلمة ].

هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة .

[ حدثنا ابن وهب عن يونس ].

ابن وهب مر ذكره، ويونس هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني عروة بن الزبير ].

هو عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ].

هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد مر ذكرها.

شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان في كل ركعة

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب قال: كان كثير بن عباس رضي الله عنه يحدث أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس، مثل حديث عروة عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى ركعتين، في كل ركعة ركعتين) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثل حديث جابر وعائشة المتقدمين، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان، أي: ركوعان، فحديث ابن عباس هو مثل حديث عائشة المتقدم، وعلى هذا فالأحاديث الثلاثة -حديث جابر ، وحديث عائشة ، وحديث ابن عباس - كلها في أن الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم حيث كسفت الشمس ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجدتان.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها ركوعان

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

أحمد بن صالح هو المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا عنبسة ].

هو عنبسة بن خالد الأيلي ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري ، وأبو داود .

[ حدثنا يونس عن ابن شهاب ].

يونس هو ابن يزيد الأيلي ، وابن شهاب مر ذكره.

[ كان كثير بن عباس ].

هو كثير بن عباس رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي .

[ أن عبد الله بن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي

عن أبيه عن أبي جعفر الرازي ، قال أبو داود : وحدثت عن عمر بن شقيق حدثنا أبو جعفر الرازي -وهذا لفظه وهو أتم- عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بهم فقرأ بسورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول، وركع خمس ركعات، وسجد سجدتين، ثم جلس كما هو مستقبل القبلة يدعو حتى انجلى كسوفها).

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس صلى بالناس الكسوف ركعتين، في كل ركعة خمسة ركوعات، أي: عشرة ركوعات في الركعتين، وهذا هو أطول ما أورده أبو داود رحمه الله في عدد الركوعات في صلاة الكسوف، وهو خمسة ركوعات في الركعة الواحدة، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية أبي جعفر الرازي ، ولو كان ثابتاً فإنه يكون شاذاً، ولكن الإسناد فيه ضعف.

تراجم رجال إسناد حديث (انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ...)

قوله: [ حدثنا أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي ].

أحمد بن الفرات بن خالد أبو مسعود الرازي ثقة، أخرج له أبو داود .

[ أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر ].

هو صدوق، أخرج له أبو داود .

[ عن أبيه ].

أبوه صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود .

[ عن أبي جعفر الرازي ].

أبو جعفر الرازي ، صدوق سيء الحفظ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.

قوله: [ قال أبو داود : وحدثت عن عمر بن شقيق ].

هذا فيه انقطاع؛ لأن قوله [حدثت] معناه وجود واسطة، وعمر بن شقيق مقبول أخرج حديثه أبو داود .

[ حدثنا أبو جعفر الرازي ، وهذا لفظه وهو أتم ].

أي: لفظ الطريق الثانية التي فيها الانقطاع بين أبي داود وبين عمر بن شقيق ، وهذه الطريق أتم من الطريقة الأولى.

[ عن الربيع بن أنس ].

هو صدوق له أوهام، وأخرج له أصحاب السنن.

[ عن أبي العالية ].

أبو العالية هو رفيع بن مهران الرياحي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي بن كعب ].

هو أبي بن كعب رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه صلى في كسوف الشمس، فقرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع، ثم سجد، والأخرى مثلها) ].

هذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفيه أنه جعل في الركعة الواحدة أربعة ركوعات، بحيث قرأ، ثم ركع، ثم قرأ، ثم ركع حتى صارت أربعة ركوعات في الركعة الواحدة، وفعل في الركعة الثانية مثلها، وهذا الحديث فيه حبيب بن أبي ثابت يروي عن طاوس ، وحبيب بن أبي ثابت مدلس، وقد روى بالعنعنة، ولكن الحديث جاء في صحيح مسلم ، فهو إما شاذٌ وإما ضعيف، غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثابت إنما هو ركوعان في الركعة الواحدة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في بيان أن صلاة الكسوف فيها أربعة ركوعات في كل ركعة

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي ، والنسائي .

[ حدثنا يحيى عن سفيان ].

يحيى القطان وسفيان الثوري قد مر ذكرهما.

[ حدثنا حبيب بن أبي ثابت ].

حبيب بن أبي ثابت ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن طاوس ].

هو طاوس بن كيسان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

ابن عباس قد مر ذكره.

وينبغي أن يعلم أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة، وإذا قام بعد الركوع الأول فإنه يقرأ الفاتحة، ففي كل قيام يقرأ الفاتحة وسورة.

شرح حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الأسود بن قيس حدثني ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة أنه شهد خطبة يوماً لـسمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال سمرة (بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق اسودت حتى آضت كأنها تنومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً، قال: فدفعنا فإذا هو بارز، فاستقدم فصلى فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، قال: ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله..) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه في بيان صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف، وأنها ركعتان في كل ركعة ركوع واحد.

قوله: [ بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا ].

الأغراض هي التي يرمى إليها.

قوله: [(وكانت الشمس قيد رمح أو رمحين)] يعني: مضى عليها هذا المقدار.

قوله: [ (اسودت حتى آضت، كأنها تنومة)].

يعني: صارت كأنها تنومة، وهو شجر يميل إلى السواد، شجر لونه أغبر يميل إلى السواد، فصارت الشمس كأنها تنومة، يعني: ذهب ضوؤها.

قوله: [ (فقال أحدنا لصاحبه انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً) ].

يعني: سيحصل منه شيء بهذا الذي حصل لها.

قوله: [ (فدفعنا فإذا هو بارز) ] قيل: إن هذا فيه تصحيف، وإنما هي (بأزز)، يعني: إذا به في جمع كثير.

فاستقدم صلى الله عليه وسلم إلى المسجد وقد غص بالناس، فتقدم وصلى بهم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ركعتين في كل ركعة ركوع واحد.

قوله: [ (فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً) ].

هنا قال: [لا نسمع له صوتاً] يعني: كأنه أسر بالقراءة، ولكن ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة أنه جهر بالقراءة، فلعله جاء والناس كثيرون، ولعله كان في آخر الصفوف فلم يسمع القراءة، وإلا فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه جهر بالقراءة كما في الصحيحين.

قال: [ (ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتاً، ثم سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، قال: ثم سلم، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، وشهد أن لا إله إلا الله، وأنه عبده ورسوله ..) ثم ساق أحمد بن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ].

تراجم رجال إسناد حديث سمرة بن جندب في بيان أن صلاة الكسوف ركعتان وفيها ركوعان

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن قيس الكوفي التميمي اليربوعي ، ثقة حافظ، من كبار العاشرة، مات سنة سبع وعشرين.

[ حدثنا زهير ].

هو زهير بن معاوية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الأسود بن قيس ].

الأسود بن قيس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثني ثعلبة بن عباد العبدي ].

ثعلبة بن عباد العبدي مقبول، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد) وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن سمرة بن جندب ].

سمرة بن جندب رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي رضي الله عنه قال: ( كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فزعاً يجر ثوبه، وأنا معه يومئذ بالمدينة، فصلى ركعتين فأطال فيهما القيام، ثم انصرف وانجلت، فقال: إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه أنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، فصلى ركعتين أطال فيهما القراء)، وما ذكر عدد الركوعات، وإنما قال: [ (فصلى ركعتين)] فتكون هذه الرواية مخالفة للروايات التي فيها الركوعان وهي محفوظة، وإن كان فيها إجمال وليس فيها تفصيل فمحتمل، لكن المتبادر من قوله [(صلى ركعتين)] أنها كالصلوات المعتادة التي فيها ركوع واحد وسجدتان، فتكون شبيهة بالرواية التي سبق أن مرت أنه صلى صلاة ركع فيها ركوعاً واحداً، وسجد سجدتين.

قوله: [ (إنما هذه الآيات يخوف الله بها، فإذا رأيتموها فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة) ].

معناه أن الناس يصلون صلاة تشبه صلاة الفرد السابقة، وهذا مخالف للروايات الأخرى الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة صلاة الكسوف، والحديث تكلم فيه، وضعفه الألباني ، ولعل ذلك من أجل أبي قلابة، لكونه مدلساً ويرسل، وهنا روى بالعنعنة، ثم إن هذه تخالف الروايات السابقة الثابتة في صفة صلاة الكسوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث قبيصة الهلالي في صلاة الكسوف

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا وهيب ].

هو وهيب بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أيوب ].

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي قلابة ].

أبو قلابة هو: عبد الله بن زيد الجرمي ، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن قبيصة الهلالي ].

قبيصة الهلالي هو قبيصة بن مخارق رضي الله عنه، وحديثه أخرجه مسلم، وأبو داود، والنسائي .

إسناد آخر لحديث قبيصة في الكسوف وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا ريحان بن سعيد حدثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر أن قبيصة الهلالي رضي الله عنه حدثه أن الشمس كسفت، بمعنى حديث موسى ، قال: حتى بدت النجوم ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وفيه زيادة على ما تقدم، وهي قوله [(حتى بدت النجوم)] يعني: من شدة الظلام ظهرت النجوم في النهار، فالناس رأوا النجوم في النهار لأن الشمس ذهب ضوؤها.

قوله: [ حدثنا أحمد بن إبراهيم ].

هو أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة .

[ حدثنا ريحان بن سعيد ].

ريحان بن سعيد ، صدوق، وربما أخطأ، أخرج له أبو داود ، والنسائي .

[ حدثنا عباد بن منصور ].

عباد بن منصور صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن.

[ عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن هلال بن عامر ].

أيوب ، مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.

[ عن قبيصة الهلالي ].

قبيصة الهلالي رضي الله عنه مر ذكره.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [147] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net