إسلام ويب

تشرع صلاة الفريضة جماعة في المساجد، أما النافلة فالأفضل أن تصلى في البيوت، ومما وضحته السنة فيما يتعلق بالجماعة كيفية الانصراف بعد إتمام الصلاة، وانصراف النساء قبل الرجال، كما بينت ما يفعله من صلى لغير القبلة ثم تبين له خطؤه.

انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة

شرح حديث انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة:

حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع قالا: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن هند بنت الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال) ].

أورد أبو داود رحمه الله: [باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة].

ومعنى هذا أنه إذا صلى النساء مع الرجال فإن الرجال يمكثون قليلاً حتى تنصرف النساء قبلهم، وذلك لئلا يحصل الاختلاط بين النساء والرجال.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث أم سلمة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال).

وهذا يدل على أن للنساء أن يأتين إلى المساجد، وأنهن لا يمنعن من ذلك، ولكن حيث أتين فإنهن لا يختلطن مع الرجال في حال الانصراف كما أنهن لا يقربن من الرجال.

وقد جاء في السنة بأن: (شر صفوف النساء أولها، وأن شر صفوف الرجال آخرها)، وذلك لقرب صف الرجال الأخير من صف النساء الأول، وكلما كن النساء أبعد عن الرجال كان ذلك خيراً لهن، ولهذا كان خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها.

وهذا يدل على أن ابتعاد الرجال عن النساء والنساء عن الرجال وعدم الاختلاط في الشوارع والأماكن العامة هو المطلوب واللائق، وهو الذي فيه السلامة والبعد عن المحاذير.

ففيه دلالة على انصراف النساء قبل الرجال، هذا فيما إذا كان هناك نساء، وأما إذا لم يكن نساء فإن الأمر يختلف.

وكذلك بالنسبة للحديث الذي ذكرته: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) إذا كان هناك جدار فاصل بين الرجال والنساء بحيث لا تسمع أصوات النساء فإن الصفوف الأول عند النساء تكون أفضل من المتأخرة؛ لأن المحذور قد زال بوجود الفاصل.

قوله: [ ( وكانوا يرون ) ] ، قيل: هو من كلام الزهري ، فهو مدرج.

تراجم رجال إسناد حديث انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة

قوله: [ حدثنا محمد بن يحيى ومحمد بن رافع ].

محمد بن يحيى مر ذكره وهو ابن فارس الذهلي .

و محمد بن رافع هو النيسابوري القشيري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ حدثنا عبد الرزاق ].

هو عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا معمر ].

معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هند بنت الحارث ].

وهي ثقة أخرج لها البخاري وأصحاب السنن.

[ عن أم سلمة ].

هي أم سلمة هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

كيف الانصراف من الصلاة

شرح حديث هلب الطائي في كيفية الانصراف من الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كيف الانصراف من الصلاة:

حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن سماك بن حرب عن قبيصة بن هلب رجل من طيء عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان ينصرف عن شقيه) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [كيف الانصراف من الصلاة؟] يعني: كيفية انصراف الإمام من صلاته إلى جهة المأمومين عندما يسلم ويأتي بأستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام؛ لأن الإمام يمكث في مصلاه مستقبلاً القبلة بقدر ما يقول هذا الكلام فقط، فإذا أتى به انصرف إلى جهة المأمومين، لكن كيف ينصرف؟ هل ينصرف عن يمينه أو عن شماله؟

والجواب: أن كلاً منهما صحيح ثبتت به السنة، فإن شاء انصرف عن يمينه أو عن شماله.

أورد أبو داود حديث هلب الطائي رضي الله تعالى [ (أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان ينصرف عن شقيه) ].

ومعناه: أنه صلى معه عدة صلوات؛ لأن كونه ينصرف عن شقيه لا يكون في صلاة واحدة وإنما يكون في صلوات متعددة أقلها اثنتان.

وقد جاء عن أنس بن مالك : (أنه أكثر ما كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه)، وجاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أنه أكثر ما كان يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله).

فقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينصرف عن يمينه وشماله، وأنس كان أكثر ما رآه ينصرف عن يمينه وعبد الله بن مسعود كان أكثر ما يراه ينصرف عن شماله، وعلى كل فحديث هلب الطائي وغيره من الأحاديث تدل على أن الإمام ينصرف إلى المأمومين عن يمينه أو عن شماله.

وقد جاء في بعض الأحاديث : (أنه كان يمكث مستقبل القبلة قدر ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ، وسبق في الأحاديث : أن قدر ركوعه وسجوده وجلسته قبل الانصراف مستقبل القبلة بمقدار ما يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى المأمومين إما عن يمينه وإما عن شماله كما جاء في حديث هلب هذا الذي معنا، وكذلك غيره من الأحاديث التي ذكرها المصنف والتي لم يذكرها.

تراجم رجال إسناد حديث هلب الطائي في كيفية الانصراف من الصلاة

قوله: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سماك بن حرب ].

وهو صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن قبيصة بن هلب ].

وهو مقبول أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبيه ].

وهو هلب رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

شرح حديث ابن مسعود في كيفية الانصراف من الصلاة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سليمان عن عمارة بن عمير عن الأسود بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال: (لا يجعل أحدكم نصيباً للشيطان من صلاته ألا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله، قال عمارة : أتيت المدينة بعد فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: [ (لا يجعل أحدكم للشيطان نصيباً من صلاته ألا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف عن شماله) ].

يقصد بهذا: أن الإنسان لا يتعين عليه الانصراف عن يمينه؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه أخبر بأنه أكثر ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله.

و ابن مسعود رضي الله عنه لم ينف أنه ينصرف إلى جهة اليمين ولهذا قال: [ (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما ينصرف) ] ومعناه أنه رآه كثيراً ينصرف عن يمينه، لكن المحذور هو الذي نبه عليه ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أن يرى الإنسان أن هذا أمر لازم وأنه سنة، ولعل ابن مسعود رضي الله عنه نبه على هذا؛ لأنه جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على استعمال اليمين في الأمور المحمودة الطيبة، فرأى أن هذا قد يؤدي ببعض الناس إلى أن يلتزم هذا ويراه واجباً، وهو يبين أن هذا ليس بصحيح بل الرسول صلى الله عليه وسلم ينصرف عنه يمينه وعن شماله، ولكن أكثر ما رأى ابن مسعود رضي الله عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله.

وقد جاء عن أنس كما أشرت: (أنه كان صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه).

قوله: [ قال عمارة ] يعني ابن عمير .

قوله: [ (أتيت المدينة بعد) ] أي: بعد هذا الكلام وبعد سماع هذا الحديث.

قوله: [ (فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره) ] يعني: عن يساره إذا كان يصلي إلى جهة القبلة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) فالمنبر عن يمينه والحجر عن يساره.

ولعل ذكر هذا أنه كان ينصرف عن شماله ويكون إلى جهة بيوته، وأنه يقوم فيذهب إليها.

وقد جاء أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحرصون على أن يصلوا عن يمينه ليكون انصرافه إليهم أولاً، وهذا فيه ما يدل على ما جاء عن أنس : أنه كان أكثر ما يراه ينصرف عن يمينه صلى الله عليه وسلم.

الحاصل: أن الأمر في ذلك واسع، ولكن المحذور هو أن الإنسان يرى أن أحدهما هو الحق وأن غيره لا يفعل، فإن ذلك خلاف السنة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن مسعود في كيفية الانصراف من الصلاة

قوله: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة عن سليمان ].

هو شعبة بن الحجاج مر ذكره، وسليمان هو ابن مهران الكاهلي الأعمش ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمارة بن عمير ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأسود بن يزيد ].

هو الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله ].

هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

صلاة الرجل التطوع في بيته

شرح حديث ابن عمر في صلاة التطوع في البيت

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب صلاة الرجل التطوع في بيته:

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ولا تتخذوها قبوراً) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [صلاة الرجل التطوع في بيته]، أي: أن هذا أفضل، وهذا إنما هو في غير الأمور التي تشرع لها الجماعة أو الصلاة في المسجد، فتحية المسجد لا تكون إلا في المسجد، وكذلك التراويح، أو أن يأتي الإنسان مبكراً إلى المسجد ويصلي ما أمكنه يصلي ما أمكنه مثل يوم الجمعة، فإن ذلك أولى من صلاته في بيته، كما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم: أنهم كانوا يوم الجمعة يأتون مبكرين ويصلون ما أرادوا أن يصلوا ثم يجلسون ولا يقومون إلا للصلاة.

أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم) ] أي: اجعلوا لبيوتكم نصيباً من الصلاة.

قوله: [ (ولا تتخذوها قبوراً) ] أي: أنها تكون شبيهة بالقبور التي ليست محلاً للصلاة، ولهذا لا يجوز أن يصلى في المقبرة، وإنما الصلاة في المساجد والبيوت والأماكن التي لم يأت النهي عن الصلاة فيها.

فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن يكون للبيوت نصيب من الصلاة حتى تحضرها الملائكة، وحتى تكون أبعد عن الرياء؛ لأن الصلاة في البيوت لا يطلع عليها أحد بخلاف الصلاة في المساجد فإن الناس يرون ذلك ويشاهدونه؛ حتى تحصل في البيوت البركة والخير وطرد الشياطين بما يقرأ فيها من القرآن.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في صلاة التطوع في البيت

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].

أحمد بن محمد بن حنبل الإمام أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يحيى ].

هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله ].

هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني نافع ].

هو نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن الصحابة أجمعين.

شرح حديث زيد بن ثابت في صلاة التطوع في البيت

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن إبراهيم بن أبي النضر عن أبيه عن بسر بن سعيد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ].

أورد أبو داود حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ].

وكلمة (المرء) تشمل الرجال والنساء، لكن هذا إنما هو في حق الرجال وإلا فإن صلاة النساء النوافل والفرائض في البيوت أفضل من صلاتهن في المساجد، وإذا استئذنَّ إلى المساجد لا يمنعن من ذلك إذا لم يترتب على ذلك مفسدة ويحصل بخروجهن ضرر.

أما الرجل فصلاته في بيته أفضل دون المكتوبة فإنها تكون في المسجد لا البيت، فالحديث إنما هو في حق الرجال الذين تجب عليهم صلاة الجماعة، وأما النساء فلا تجب عليهن صلاة الجماعة ولكن تجوز لهن إذا أردن ذلك، وإذا استئذنَّ لذلك فإنهن لا يمنعن، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).

وما جاء في هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ]، يدلنا على أن المكان الفاضل والمقدس كغيره من الأماكن الأخرى من جهة أن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد، ولو كان هذا المسجد المقدس الذي الصلاة فيه بألف صلاة كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم أيضاً هذا فيه إشارة إلى أن الإنسان لو صلى في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم نافلة فصلاته بألف، ولكنه إذا ترك الصلاة في المسجد وجعلها في البيت فإنه يحصل أجراً أكثر من ذلك؛ لقول صلى الله عليه وسلم: [ (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة) ].

وكما هو معلوم أن الصلاة تضاعف في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم سواء كانت فرضاً أو نفلاً، لقول صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) وهو لفظ مطلق يشمل الفرض والنفل، لكن لا يقال: إن هذا الحكم يعم كل من كان في المدينة، أي: فصلاته في بيته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا في حق من كان متمكناً من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يصل فيه وصلى في بيته عملاً بهذا الحديث ليحصل الأجر الأكبر والأعظم عند الله عز وجل، فلو صلى إنسان في مسجد من مساجد المدينة ثم ذهب وصلى في بيته النافلة فإن صلاته أفضل من ذلك المسجد لكن لا يقال: إن صلاته أفضل من صلاته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث لم يقصد الذهاب إليه ولم يتمكن من الصلاة فيه، إنما يكون هذا التفضيل في حق من صلى في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنه ذهب وصلى النفل في البيت لأنه متمكن أن يصلي النفل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث زيد بن ثابت في صلاة التطوع في البيت

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا عبد الله بن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري ، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني سليمان بن بلال ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم بن أبي النضر ].

وهو صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده.

[ عن أبيه ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بسر بن سعيد ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زيد بن ثابت ].

زيد بن ثابت رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

من صلى لغير القبلة ثم علم

شرح حديث من صلى لغير القبلة ثم علم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من صلى لغير القبلة ثم علم.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن ثابت وحميد عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [البقرة:150] فمر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة -مرتين- فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبة) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [باب من صلى لغير القبلة ثم علم].

يعني: أنه يتحول من جهته التي هو عليها إلى جهة القبلة، وذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام لما فرضت عليه الصلاة قبل الهجرة وبعدها بستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً كان يصلي إلى بيت المقدس، وكان يأمل أن يحول إلى الكعبة المشرفة، فنزل الوحي بتحويله إلى القبلة، فصلى إلى القبلة، وكانت أول صلاة صلاها إلى الكعبة العصر، ثم ذهب بعض أصحابه من صلوا معه وهو رجل من بني سلمة ذهب إلى جماعة يصلون في مسجد آخر، وقد جاء في الحديث المتفق عليه أنهم أهل قباء، فأخبرهم وقال: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وأنه استقبل القبلة، فاستداروا وهم ركوع من جهة الشام إلى جهة الكعبة المشرفة)، فكان أول صلاتهم إلى بيت المقدس وآخر صلاتهم إلى القبلة.

فدل هذا على أن من عمل عملاً سائغاً ثم جاء ما يدل على خلافه، فإنه يبني على ما تقدم ولا يستأنف الصلاة.

ومثل ذلك مسائل عديدة:

لو أن إنساناً صلى في ثوب وعليه نجاسة، ثم تذكر في أثناء الصلاة وكان يمكن نزعه فنزعه، فإنه يواصل صلاته ولا يستأنفها من جديد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى وعليه نعلان فجاءه جبريل وأخبره بأن فيهما أذى، فنزعهما وهو يصلي وواصل صلاته، فدل هذا على أن مثل هذا لا يستأنف معه العمل، بل يستمر ويتابع ما بقي مبنياً على ما سبق.

وكذلك لو إنساناً وكل وكيلاً يبيع ويشتري، ثم عزله ولم يصل خبر العزل إلا بعد أيام، وكان في تلك الأيام التي بين عزله وبين بلوغ الخبر إليه قد تصرف فباع أو اشترى فيعتبر تصرفه نافذاً؛ لأن العبرة ببلوغ الخبر إليه فيكون تصرفه نافذاً قبل ذلك.

وهذا يدلنا أيضاً على أن من صلى في فلاة من الأرض واجتهد في جهة القبلة، ثم جاءه الخبر بأن جهة القبلة خلاف ذلك فإنه يستدير ويكمل ولا يلزمه أن يستأنف؛ لأنه في الأول عمل بما هو سائغ له.

وأما إذا كان في الحاضرة فلا يجوز له أن يجتهد، بل عليه أن يسأل عن جهة القبلة قبل أن يصلي.

قوله: [ (فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة -مرتين-) ].

أي: قال ذلك مرتين، وفيه دليل على قبول خبر الواحد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم استداروا وهم في الصلاة بناء على هذا الخبر، وفي هذا أيضاً دليل على جواز مخاطبة من يصلي بالأمور التي تتعلق بصلاته.

تراجم رجال إسناد حديث من صلى لغير القبلة ثم علم

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن ثابت ].

هو ثابت بن أسلم البناني البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وحميد ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الأسئلة

حكم الصلاة في البيوت المبنية على المقابر

السؤال: بعض البلدان القبور فيها كالبيوت، فتوجد بها غرف وأماكن للمعيشة في حوش البيت، وتوجد مقبرة، ويعيش الناس في هذه البيوت التي فيها المقابر، فهل تأخذ الحكم في كراهية الصلاة فيها؟ مع العلم أن القبر يكون أحياناً تحت غرفة المعيشة، وأحياناً يكون في مؤخرة أماكن المعيشة؟

الجواب: القبور لا يجوز أن تكون في البيوت، ولا يجوز دفن الموتى في البيوت وفي البنيان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم دفن في منزله وفي بيته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون، فدفنوه في المكان الذي مات فيه رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلا فإن الأموات لا يدفنون في البيوت وإنما يدفنون في المقابر، والمقابر تختلف عن البيوت، فالبيوت محل للصلاة والمقابر ليست محلاً للصلاة.

والواجب هو عدم دفن الموتى في البيوت، وإذا دفن الميت والبيت موجود من قبل فعلى الإنسان أنه ينقله أو يخرجه ويضعه في مقابر المسلمين، وقد ثبت منع البناء عن القبور سواء كانت مساجد أو غير مساجد.

وكذلك قال في الحديث الآخر: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تتخذوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).

حكم لعبة الشطرنج

السؤال: ما رأي فضيلتكم بلعبة الشطرنج إذا أزيلت التماثيل التي فيها بأشياء أخرى لا محذور فيها؟

الجواب: لا يجوز أن يلعب الإنسان الشطرنج، ولا أن يلعب هذه اللعب بالورق التي بلي بها كثير من الناس، فإن هذا من قتل الوقت في غير طائل وفي غير فائدة.

متى يكون التكبير ورفع اليدين عند القيام للركعة الثالثة

السؤال: عند الانتقال من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة هل يكون التكبير ورفع اليدين عند القيام؟

الجواب: لا يكون ذلك والإنسان في الأرض، وإنما يكون وهو قائم، فالتكبير يمكن أن يبدأ به وهو في حال الانتقال ثم يرفع يديه عندما يستتم قائماً.

حكمة ذكر هبوط آدم من فضائل يوم الجمعة

السؤال: لماذا ذكر في حديث فضل يوم الجمعة الإهباط من الفضائل (وفيه أهبط آدم) مع أنه من البلاء الذي ابتلي به آدم؟

الجواب: هذا بلاء ترتب عليه مصلحة، وهو أنه تاب إلى الله عز وجل، والبلاء إذا ترتبت عليه مصلحة كان خيراً.

فضيلة ميامن الصفوف

السؤال: هل يمين الصف أفضل من الشمال؟

الجواب: نعم ميامن الصفوف هي أفضل بلا شك، وكون الإنسان يحرص على اليمين أولى من كونه ويأتي ويختار الشمال.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [132] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net