إسلام ويب

الأصل في الأشياء الطهارة إلا ما أتى ببيان بذكر نجاسته، وليس كل ماء طاهر يصح التطهر به، فماء البحر طاهر مطهر، والنبيذ طاهر لا يطهر. وقد نهى الشرع أن يصلي الرجل وهو يدافع الأخبثين أو وهو بحضرة الطعام؛ لكيلا ينشغل ذهنه في الصلاة بغيرها ويذهب خشوعه بأمور أخرى.

الوضوء بماء البحر

شرح حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء بماء البحر.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق أن المغيرة بن أبي بردة -وهو من بني عبد الدار- أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً الوضوء بماء البحر، أي: حكمه، وأنه سائغ، وأنه جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ماءه طهور بل وميتته حلال.

ثم أورد فيه أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن الوضوء بماء البحر فقال: إنا نركب البحر، ونحمل القليل من الماء، فإذا استعملناه في الوضوء عطشنا، يعني: أنه ينفد ولا يبقى معنا شيء نشربه فنعطش، أفنتوضأ بماء البحر؟ يعني: حتى نبقي على هذا الماء الذي نحمله معنا ولا نستعمله إلا للشرب، فأجابهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، والذي جعل هذا الرجل من الصحابة يسأل ويحكي عما يحصل لهم من ركوبهم البحر وحاجتهم إلى أن يتوضئوا هو: أنه أشكل عليهم الوضوء بماء البحر، وذلك لأن البحر ماؤه يختلف عن المياه الأخرى؛ لما فيه من الملوحة الشديدة، ولما يحصل فيه من كثرة الحيوانات التي تموت فيه، فترددوا في حله، ورجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه، فأجابهم بأن ماءه طهور، وأن الميتة فيه حلال، فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يجبهم بأن يتوضئوا فقط بل أجابهم بكلام عام فيه ما سألوا عنه، وفيه زيادة على ما سألوا عنه، فقال: (هو الطهور ماؤه) يعني: ماؤه ماء طهور يحصل به التطهر ورفع الحدث الأكبر والأصغر، وأيضاً ما يحصل فيه من الميتات فإنه يكون حلالاً:

وفي الحديث ما يسمى بأسلوب الحكيم، وهو الإجابة على أكثر من السؤال إذا اقتضى الأمر ذلك، وذلك أن الصحابة لما أشكل عليهم الوضوء منه مع أنه ماء ولكنه يختلف عن غيره لشدة الملوحة، وكان قد أشكل عليهم هذا فمن باب أولى أن يشكل عليهم ما يموت فيه، فأضاف إلى ما سألوا عنه جواباً آخر لم يسألوا عنه؛ لأن الأمر يقتضيه؛ ولأن حالهم قد تستدعيه ويحتاجون إلى السؤال عنه فأجابهم دون أن يسألوا؛ لأنهم لما استشكلوا ذلك الأمر الأخف الذي هو الوضوء منه فإن استشكالهم حل الميتة فيه يكون من باب أولى، فأجابهم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بما سألوا عنه وبزيادة عما سألوا عنه اقتضاها حال هؤلاء السائلين، وهذا من كمال بيانه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ومن كمال نصحه صلى الله عليه وسلم لأمته، وأنه قد أتاها وبلغها كل ما تحتاج إليه، وكل ما شرعه الله عز وجل أداه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على التمام والكمال كما قال ابن شهاب الزهري رحمة الله عليه: من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. فالذي من الله -وهو إرسال الرسل- وقد حصل، والذي على الرسل -وهو البلاغ- وقد حصل، والذي على الأمم -وهو التسليم والانقياد والاستسلام والإذعان- هو الذي ينقسم الناس فيه إلى موفق ممتثل لما أريد منه، وإلى مخذول لا يوفق للشيء الذي طلب منه الإتيان به.

تراجم رجال إسناد حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

[ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة هو القعنبي ، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن صفوان بن سليم ].

صفوان بن سليم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق ].

سعيد بن سلمة ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

[ عن المغيرة بن أبي بردة ].

المغيرة بن أبي بردة ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

[ عن أبي هريرة ].

هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.

الحكم على حديث: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)

هذا الحديث صححه جماعة كثيرون من أهل العلم، ولما ذكر الحافظ ابن حجر ترجمة المغيرة بن أبي بردة هذا الذي يروي عن أبي هريرة قال في آخر ترجمته: وصحح حديثه في الوضوء من ماء البحر ابن خزيمة ثم سرد عشرة أشخاص من الحفاظ وقال بعد ذلك: وآخرون، يعني: أن عشرة حفاظ صححوه، وأن هناك آخرين أيضاً صححوه، ولكنه لم يذكرهم بل اكتفى بذكر عشرة منهم، وكان هذا في نهاية ترجمة المغيرة بن أبي بردة في تهذيب التهذيب، يعني: أنه لم يستوعب هؤلاء الذين صححوه بل ذكر العشرة وأشار إلى غيرهم.

وهذا الحديث بدأ به الحافظ ابن حجر كتابه بلوغ المرام حيث جعله أول حديث في هذا الكتاب في باب المياه؛ وذلك لأنه مشتمل على ماء البحر الذي هو الماء الكثير، والناس لركوبهم البحر يحتاجون إلى الوضوء منه، فبدأ به الحافظ ابن حجر كتابه بلوغ المرام.

حكم ما مات في البحر

وقوله صلى الله عليه وسلم: (الحل ميتته) بعض أهل العلم عمم الحكم؛ لأنه أضاف الحل إلى الميتة، وأن كل ميتة تكون فيه فهي حلال فأخذ بالعموم، ومنهم من قال: إنه يستثنى من ذلك بعض الحيوانات التي لها نظير في البحر، ولكن لاشك أن الحديث عام في حل كل ميتة تكون في البحر ما دام أنها من دواب البحر ومن حيواناته؛ لأن المقصود ميتته يعني: مما لا يعيش إلا فيه، أما لو مات فيه شيء يعيش في البر فهو مثلما لو مات في المياه الأخرى؛ فإنه يكون حراماً، وموته في البحر لا يحله، وإنما المقصود ميتته التي هي مما يعيش فيه، أما لو مات فيه شيء لا يعيش فيه فإنه يكون حراماً كما لو مات في أنهار أو آبار أو عيون أو ما إلى ذلك.

وأما الشيء الذي يعيش في البر ويعيش في البحر وإذا خرج من البحر عاش فهذا يعطى حكم البر ولا يقال: إنه إذا مات فيه يكون ميتة بحر؛ لأن الذي له ذلك الحكم هو الذي لا يعيش إلا فيه، أما إذا كان يعيش فيه وفي غيره فليس له هذا الحكم، وإنما الحكم للذي لا يعيش إلا فيه.

وأما الأشياء التي تستقذر كحية البحر فتترك لاستقذارها.

ما جاء في الوضوء بالنبيذ

شرح حديث: (... تمرة طيبة وماء طهور)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء بالنبيذ.

حدثنا هناد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا شريك عن أبي فزارة عن أبي زيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن: (ما في إداوتك؟ قال: نبيذ قال: تمرة طيبة وماء طهور).

قال أبو داود : وقال سليمان بن داود عن أبي زيد أو زيد : كذا قال شريك . ولم يذكر هناد ليلة الجن ].

أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء بالنبيذ، والنبيذ هو: الشيء الذي ينبذ في الماء من تمر أو عنب أو غير ذلك فيتغير الماء إلى لون آخر بسبب هذا الذي انتبذ فيه، فهذا يقال له: نبيذ، وهو له حالتان: حالة يصل فيها إلى حد الإسكار. وهذا لا يجوز استعماله مطلقاً، بل يراق ويتلف؛ لأنه خمر، والخمر لا يجوز الإبقاء عليها ولا الاحتفاظ بها. وحالة لا يصل إلى حد الإسكار وعند ذلك يكون حلالاً من حيث الشرب والاستعمال ولكنه لا يتطهر ولا يتوضأ به؛ لأنه خرج عن كونه ماءً وصار له اسم جديد وهو النبيذ، يعني: أنه سمي اسماً جديداً غير الاسم الذي كان موجوداً له من قبل بسبب هذا الذي نبذ فيه، ولكن لم يصل إلى حد الإسكار، فلا يجوز الوضوء به، والإنسان الذي تدركه الصلاة وليس عنده ماء وعنده نبيذ يتيمم ولا يستعمله، وإنما يستعمله في الشرب؛ لأنه يستفاد منه شراباً وطعاماً، وأما أن يستفاد منه وضوءاً فلا يجوز؛ لأن الله عز وجل جعل الحكم في الطهارة إنما هو للماء، والنبيذ لا يقال له: ماء، وإنما يقال له: نبيذ، مثلما يقال للبن: لبن، ويقال لسائر الأشياء بأسمائها التي تخصها عندما تختلط بالماء ويطغى لونها على لون الماء؛ لأن الماء يخرج عن كونه ماءً إلى أن يكون له اسم جديد آخر، ولهذا عقد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة فقال: [باب الوضوء بالنبيذ]، يعني: ما جاء فيه وحكمه، ولم يأت في الوضوء منه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المقصود بالترجمة هو بيان الحكم والنتيجة وهو أنه لا يجوز؛ لأنه لم يثبت في ذلك سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه خرج عن كونه ماءً.

والله تعالى جعل الطهارة في الماء أو ما يقوم مقام الماء الذي هو التيمم عند فقد الماء أو العجز عنه، ومن فقد الماء ووجد النبيذ لا يكون واجداً للماء؛ فينتقل إلى التيمم، ولا يجوز له استعمال النبيذ في الطهارة، وإنما يستعمله في الشرب؛ لأنه إذا لم يصل إلى حد الإسكار فإنه يكون مباحاً، وفي سنن النسائي توجد الأحاديث الكثيرة المتعلقة بالانتباذ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر نهى الناس أن ينتبذوا في أوعية شديدة سميكة؛ لأنه لا يبدو على ظاهرها أثر الإسكار حين لم يصل إلى حد الإسكار، ولكنه بعد ذلك رخص في الانتباذ في أي، وعاء واشترط ألا يشربوا مسكراً، فقال عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية، ألا فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً).

والحاصل: أن النبيذ لا يجوز استعماله في الطهارة، والنبيذ هو كون التمر أو الزبيب أو العنب يوضع في ماء مدة لا يصل معها إلى حد الإسكار فيتغير ذلك الماء بسبب هذا الذي وضع فيه، ويحصل اسماً جديداً، فيكون الحكم بأنه ما لم يصل إلى حد الإسكار يستعمل في الشرب ولا يجوز استعماله في الطهارة؛ لأنه ليس بماء، والطهارة إنما هي في الماء أو ما يقوم مقام الماء.

وأورد أبو داود في هذا حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه لما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن وقال له: (ما في إداوتك؟ قال: نبيذ. فقال عليه الصلاة والسلام: تمرة طيبة وماء طهور) وعند غير أبي داود : (فتوضأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فقوله: (ماء طهور) وصفه بأنه ماء طهور، يعني: أنه يتطهر به، وعند غير أبي داود زيادة على ذلك أنه توضأ به صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الحديث لم يثبت؛ لأن فيه راوياً اتفقوا على أنه مجهول، وكذلك الذي روى عنه أيضاً لم يعلم هل هو الشخص الثقة أو غيره، وهو أبو فزارة ، والعلماء اتفقوا على أن الحديث غير صحيح، وأنه منكر، ولهذا نقل الحافظ ابن حجر في آخر ترجمة أبي زيد هذا الذي في الإسناد، فقال: قال ابن عبد البر : اتفقوا على أنه مجهول، وأن حديثه منكر.

تراجم رجال إسناد حديث: (... تمرة طيبة وماء طهور)

قوله: [ حدثنا هناد ].

هناد هو ابن السري أبو السري ثقة أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

[ وسليمان بن داود العتكي ].

سليمان بن داود هو أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ قالا: حدثنا شريك ].

هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن أبي فزارة ].

أبو فزارة قيل: إنه راشد بن كيسان وقيل: إنه شخص آخر مجهول.

و راشد بن كيسان ثقة أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

فعلى أنه راشد بن كيسان لا إشكال، وعلى أنه يكون شخصاً آخر فهو مجهول، وعلى هذا يكون في السند مجهولان، وسواء كان راشد بن كيسان أو غيره يكفي جهالة أبي زيد الذي يروي عن أبي هريرة ، والذي قال الحافظ ابن حجر في كتابه تهذيب التهذيب في آخر ترجمته: قال ابن عبد البر : اتفقوا على أنه مجهول، وأن حديثه منكر.

[ عن أبي زيد ].

هو أبو زيد المخزومي مجهول أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن عبد الله بن مسعود ].

عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الهذلي، وهو من المهاجرين، وهو من كبار الصحابة ومن فقهائهم وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : وقال سليمان بن داود : عن أبي زيد أو زيد كذا قال شريك ].

يعني: أن أحد الشيخين لـأبي داود وهو سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني شك هل هو أبو زيد أو أنه زيد ، يعني: فيما رواه عن شريك أنه قال: أبو زيد أو زيد ، وأما هناد فإنه لم يشك بل قال: أبو زيد ، ولكنه لم يذكر ليلة الجن، وأما سليمان بن داود الشيخ الثاني فإنه ذكر ليلة الجن.

شرح حديث لقيا النبي صلى الله عليه وسلم الجن وحده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن داود عن عامر عن علقمة قال: قلت لـعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: (ما كان معه منا أحد) ].

أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وليس فيه ذكر النبيذ، وإنما فيه أن ابن مسعود رضي الله عنه سئل: من كان منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: (لم يكن معه منا أحد).

وقوله: (لم يكن معه منا أحد) معناه: حينما اجتمع بهم، وأنه بعد ذلك أراهم أماكنهم، فهو في حال لقيه بهم وتلاوته عليهم القرآن لم يكن معه أحد من أصحابه رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

وهذا الحديث ليس فيه ذكر قصة النبيذ، وإنما فيه ذكر قصة ليلة الجن، وأنه لم يكن معه أحد منهم، والمقصود: أنه لم يكن معه أحد في حال اجتماعهم به، وأما كون أحد معه قبل ذلك، أو أنه أراهم بعد ذلك المكان الذي كانوا فيه فهذا ليس مما نفي، وإنما الذي نفي كون النبي صلى الله عليه وسلم حال لقيه بالجن معه أحد من أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.

تراجم رجال إسناد حديث لقيا النبي صلى الله عليه وسلم الجن وحده

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن وهيب ].

هو وهيب بن خالد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن داود ].

هو داود بن أبي هند ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عامر ].

هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن علقمة ].

هو علقمة بن قيس النخعي ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن مسعود ].

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قد مر ذكره.

وقد يكون أبو داود أراد أن يبين ضعف الرواية الأولى بإنكار عبد الله بن مسعود أن يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد؛ لأن الرواية الأولى فيها ذكر أن عبد الله كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كون النبي صلى الله عليه وسلم معه أحد في أول الأمر هذا ليس بمنفي، وإنما المنفي هو أنه يكون معه أحد حين التقائه واجتماعه بهم، وحين قراءته عليهم القرآن.

وبعض العلماء قال: إن قضية اجتماع الرسول صلى الله عليه وسلم بالجن متكررة، وأنها ليست مرة واحدة وإنما هي متعددة.

شرح أثر عطاء: (أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا بشر بن منصور عن ابن جريج عن عطاء أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ، وقال: إن التيمم أعجب إلي منه ].

أورد أبو داود رحمه الله بعض الآثار التي فيها أن النبيذ لا يستعمل ولا يتوضأ به، وأورد هذا الأثر عن عطاء بن أبي رباح المكي أنه كره الوضوء بالنبيذ، وقال: إن التيمم أعجب إليَّ.

تراجم رجال إسناد أثر عطاء: (أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ...)

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].

محمد بن بشار هو الملقب بندار البصري ثقة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الرحمن ].

هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا بشر بن منصور ].

بشر بن منصور صدوق أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن ابن جريج ].

ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة فقيه يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء ].

هو عطاء بن أبي رباح المكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح أثر أبي العالية في عدم الاغتسال بالنبيذ

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا أبو خلدة قال: سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء وعنده نبيذ: أيغتسل به؟ قال: لا. ].

أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن أبي العالية الرياحي رفيع بن مهران أنه سئل عن الرجل تصيبه جنابة وليس عنده ماء وإنما عنده نبيذ أيغتسل به؟ فقال: لا. يعني: لأنه ليس ماءً حتى يتطهر به، وإنما هو نبيذ والنبيذ لا يستعمل في الطهارة لا في الحدث الأصغر ولا الأكبر وإنما يستعمل في الشرب والتمتع به والاستفادة منه شرباً وغذاءً وطعاماً، وأما أن يستعمل في الطهارة فلا يصح ذلك، ولهذا لما سئل أبو العالية رحمة الله عليه: هل يغتسل به من لا يجد إلا النبيذ؟ فقال: لا.

تراجم رجال إسناد أثر أبي العالية في عدم الاغتسال بالنبيذ

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا أبو خلدة ].

محمد بن بشار وعبد الرحمن بن مهدي مر ذكرهما، وأبو خلدة هو خالد بن دينار وهو صدوق أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ سألت أبا العالية ].

أبو العالية هو رفيع بن مهران ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

ما جاء في صلاة الرجل وهو حاقن

شرح حديث: (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه أنه خرج حاجاً أو معتمراً ومعه الناس وهو يؤمهم، فلما كان ذات يوم أقام الصلاة صلاة الصبح، ثم قال: ليتقدم أحدكم. وذهب الخلاء، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [أيصلي الرجل وهو حاقن؟] يعني: إذا كان عنده انحباس في البول، وهو بحاجة إلى التخلص منه، فهل يصلي وهو على هذه الحال أو لا يصلي؟

والجواب: أنه لا يصلي وهو على هذه الحال، بل يتخلص من هذا الأذى ثم بعد ذلك يقبل على صلاته؛ لأنه لو اشتغل بالصلاة وهو مشغول بمدافعة هذا المنحبس ففي ذلك تشويش لفكره وشغل له عن الإقبال على صلاته، والمطلوب في الصلاة أن يكون الإنسان مقبلاً عليها ليس هناك ما يشغله عنها ولا ما يحول بينه وبين الإتيان بها على الوجه الذي ينبغي أن يؤتى بها عليه.

وأورد أبو داود حديث عبد الله بن أرقم رضي الله تعالى عنه أنه خرج حاجاً أو معتمراً ومعه الناس وهو يؤمهم، ولما قامت الصلاة وكان حاقناً طلب من أحدهم أن يتقدم للإمامة، وذهب هو لقضاء حاجته، وأخبر الناس بما عنده في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه يبدأ بقضاء الحاجة، فدل هذا على أن من كان حاقناً سواء كان ذلك بولاً أو غائطاً فإن عليه أن يتخلص أولاً من ذلك الأذى الذي فيه، ثم بعد ذلك يقبل على صلاته وهو غير مشغول البال، وغير مشوش الفكر والذهن بسبب هذا الأذى الذي هو يدافعه.

قوله: [ عن عبد الله بن أرقم أنه خرج حاجاً أو معتمراً ومعه الناس وهو يؤمهم ].

يعني: وهو يؤمهم في الصلاة.

قوله: [ فلما كان ذات يوم أقام الصلاة صلاة الصبح، ثم قال: ليتقدم أحدكم وذهب الخلاء ].

قوله: (وذهب الخلاء) هذا ليس من كلامه، وإنما هو من كلام الراوي عنه وهو عروة .

قوله: [ فإني سمعت رسول الله ].

يعني: أرشدهم إلى أن يتقدم واحداً منهم، وأخبر بأنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً في هذا.

قوله: [ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالصلاة) ].

إذا قامت الصلاة وهو بحاجة إلى أن يتخلص مما هو موجود فيه مما يدافعه؛ فإنه يبدأ بالخلاء ويبدأ بقضاء الحاجة ويتخلص من ذلك الذي يؤذيه ويشغل باله، ثم يقبل على صلاته وهو غير مشوش.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة فليبدأ بالخلاء)

قوله: [ حدثنا أحمد بن يونس ].

هو أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا زهير ].

هو زهير بن معاوية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة ربما دلس وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه هو عروة بن الزبير ثقة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن الأرقم ].

عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.

[ قال أبو داود : روى وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل حدثه عن عبد الله بن أرقم والأكثر الذين رووه عن هشام قالوا كما قال زهير ].

ذكر أبو داود رحمه الله: أن زهير بن معاوية الذي أورد أبو داود سياق حديثه، وذكر أن أكثر الرواة على وفق ما رواه زهير بن معاوية من جهة أن عروة بن الزبير يروي عن عبد الله بن الأرقم مباشرة وبدون واسطة، ولكن بعض الرواة الذي سمى وهم ثلاثة: وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة ، هؤلاء الثلاثة رووه وجعلوا بين عروة بن الزبير وعبد الله بن الأرقم رجلاً فقالوا: عن عروة عن رجل عن عبد الله بن الأرقم ، لكن قال أبو داود : إن أكثر الرواة رووه على ما رواه زهير بن معاوية ، يعني: أنه متصل، وأنه ليس هناك واسطة بين عروة وبين عبد الله بن أرقم .

قوله: [ روى وهيب بن خالد ].

وهيب بن خالد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وشعيب بن إسحاق ].

شعيب بن إسحاق ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ وأبو ضمرة ].

هو أنس بن عياض بن ضمرة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته أبي ضمرة .

شرح حديث: (لا يصلى بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ومسدد ومحمد بن عيسى المعنى قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد عن أبي حزرة حدثنا عبد الله بن محمد قال ابن عيسى في حديثه: ابن أبي بكر . ثم اتفقوا أخو القاسم بن محمد قال: كنا عند عائشة فجيء بطعامها فقام القاسم يصلي، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصلى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان عندها القاسم بن محمد بن أبي بكر وهو ابن أخيها وكذلك أخوه عبد الله بن محمد الراوي عنها في هذا الحديث، وأنه قدم إليها طعامها فقام القاسم يصلي، فقالت له ما قالت وروت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصلى بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان) يعني: أنه إذا كان الطعام قد قدم وحضرت المائدة والناس بحاجة إليها ثم دخلوا في الصلاة فإنه يكون عندهم شيء من التشوش والانشغال فيما هم بحاجة إليه، ولذا يبدأون بالطعام ثم يأتون بالصلاة؛ لأنهم إذا أتوا بها بعد أن أخذوا حاجتهم من الطعام الذي قدم لا يكون هناك التشوش والانشغال عن الصلاة بالتفكير في الطعام، لاسيما إذا كان الناس بحاجة شديدة إليه بسبب جوع فإن بداءتهم بالطعام فيه تمكينهم من التفرغ لصلاتهم، وعدم انشغالهم عنها بتشوش البال وبالتفكير في ذلك الذي هم بحاجة إليه.

وقوله: (ولا وهو يدافعه الأخبثان) هذا هو محل الشاهد من الترجمة، والأخبثان هما: البول والغائط، فقوله: (وهو يدافعه الأخبثان) أي: البول والغائط أو أحدهما، فإذا كان حاقناً أو حاقباً يعني: فيه بول أو غائط وبحاجة إلى التخلص منه وكان منحبساً فإن عليه أن يبدأ بالتخلص من هذين الأخبثين حتى يقبل على صلاته باطمئنان وارتياح وعدم تشوش.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يصلى بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان)

[ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].

أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ ومسدد ].

هو مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ ومحمد بن عيسى ].

هو محمد بن عيسى الطباع ثقة أخرج حديثه البخاري تعليقاً وأبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجة .

[ المعنى ].

وهذه كلمة يستعملها أبو داود رحمه الله، وهذا أول موضع يأتي فيه ذكر هذه الكلمة؛ لأنه قد يذكر الأشخاص الذين روى عنهم ثم يقول: المعنى. يعني: أن هذه الرواية ليست لفظهم وإنما هم متفقون في المعنى مع الاختلاف في الألفاظ.

وقوله هنا: (المعنى) يعني: أن هؤلاء الثلاثة متفقون على معنى الحديث وإن كانت ألفاظهم مختلفة، فـأبو داود رحمه الله يستعمل هذه الكلمة بعدما يذكر جملة من شيوخه، فإذا ذكر أكثر من شيخ من شيوخه يأتي بكلمة (المعنى) يشير بها إلى أن هؤلاء الشيوخ متفقون من حيث المعنى على رواية الحديث وإن كانوا مختلفين من حيث الألفاظ، هذا هو المراد بكلمة (المعنى).

[ قالوا: حدثنا يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي حزرة ].

هو يعقوب بن مجاهد صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأبو داود .

[ حدثنا عبد الله بن محمد ].

عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ وهو أخو القاسم بن محمد ].

القاسم بن محمد مشهور، ولهذا يذكر المحدثون عن الرجل في التراجم أو في غيرها إذا كان قريبه مشهوراً يذكرون صلته به، مثل عبد الله بن محمد فإنه ليس مشهوراً والقاسم بن محمد كان مشهوراً ولذا قالوا: أخو القاسم ، وهكذا إذا كان الشخص مشهوراً وأبوه غير مشهور يقولون: هو والد فلان، مثل سفيان الثوري عندما يذكرون أباه يقولون: والد سفيان ؛ لأن سفيان مشهور، وهنا القاسم مشهور فقالوا: أخو القاسم ، فيقولون: والد فلان أو ابن فلان لكون الشخص الذي ذكرت صلته به مشهوراً حتى يعرف بذلك، فهنا عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق .

ثم إن هؤلاء الرواة الثلاثة الذين روى عنهم أبو داود وهم: محمد بن عيسى وأحمد بن حنبل ومسدد اختلفوا؛ فمحمد بن عيسى قال في روايته: عبد الله بن محمد بن أبي بكر ، وأما أحمد بن حنبل ومسدد فاقتصرا على قولهم: عبد الله بن محمد ، ثم اتفقوا على أن قالوا: أخو القاسم بن محمد ، يعني: أن كلهم قالوا: أخو القاسم بن محمد وأضافوه إلى أخيه الذي هو مشهور؛ لأنه أحد الفقهاء السبعة في المدينة في عصر التابعين. (فإذاً: كلهم متفقون على قول: ( عبد الله بن محمد ) وعلى قول: ( أخو القاسم بن محمد ) أما زيادة ابن أبي بكر فهذه قالها محمد بن عيسى الطباع أحد الشيوخ الثلاثة لأبي داود والشيخان الآخران وهما: أحمد بن محمد بن حنبل ومسدد فلم يذكرا كلمة ابن أبي بكر ما ذكراها وإنما اقتصرا على عبد الله بن محمد .

و أبو داود رحمه الله أحياناً يذكر التفصيل في أثناء الإسناد، وأحياناً يذكره بعدما ينتهي الحديث، فيقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا، يعني: أن له طرقاً متعددة، وأحياناً في أثناء الإسناد يذكر الفرق مثلما قال هنا: قال ابن عيسى : ابن أبي بكر ، واتفقوا بعد ذلك على قولهم: أخو القاسم بن محمد ، وأحياناً عندما ينتهي الحديث يقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا.

[ قال: كنا عند عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن:... ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن عياش عن حبيب بن صالح عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم؛ فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن؛ فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف) ].

أورد أبو داود رحمه حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن)، يعني: ثلاث خصال لا يحل لأحد أن يفعلهن: (لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم)، وهذا المراد منه في الأمور التي يكون فيها الاشتراك بأن يدعو وهم يؤمنون، فلا يدعو لنفسه فيقول: اللهم اغفر لي.. اللهم ارحمني، وإنما يقول: اللهم اغفر لنا.. اللهم ارحمنا، وأما الأدعية الخاصة التي تكون في الصلاة مثل دعاء الاستفتاح: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي...) وهكذا: (رب اغفر لي وارحمني وارزقني) بين السجدتين، وكذلك في المواضع التي فيها ذكر بالإفراد؛ فإن كل واحد من المصلين يقولها لنفسه: المأموم والإمام يقولاها بالإفراد، ولكن الشيء الذي لا يليق ولا يصح وفيه أثرة كونه يخص نفسه بدعاء وهم يؤمنون عليه، بل إذا دعا وهم يؤمنون فليعمم ولا يخص نفسه ويأتي بضمير الإفراد، وإنما يأتي بضمير الجمع الذي يشمله ويشمل غيره، وعلى هذا فإن كون الإنسان يدعو لنفسه إذا كان وفقاً لما جاءت به السنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل دعاء الاستفتاح، والدعاء بين السجدتين، وكذلك في أي مكان من الصلاة جاء الدعاء بالإفراد فالإمام يفعله بينه وبين نفسه والمأمومون يفعلونه، وكل يأتي بالدعاء الذي جاء على سبيل الانفراد، ولكن المحذور والذي لا يليق والذي فيه أثرة واختصاص هو كونه يدعو لنفسه وهم يؤمنون على ذلك.

وقوله: [ (فإن فعل فقد خانهم) ].

أي: فإن دعا لنفسه دونهم.

وقوله: [ (ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن فإن فعل فقد دخل) ].

يعني: لا ينظر في بيت حتى يستأذن، وحتى يعرف أنه أذن له، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الحديث أنه قال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) يعني: حتى إن الناس ينتبهون، لكي يستروا الشيء الذي يريدون ستره ويخفوا الشيء الذي يريدون إخفاءه، فلا يطلع الشخص عليهم على غرة أو يظهر بدون استئذان فيطلع على عوراتهم وإنما عليه أن يستأذن، والإنسان الذي ينظر في قعر البيت بدون أن يستأذن يحصل منه الضرر.

وقوله: (فقد دخل) يعني: كأنه دخل بدون استئذان، فمادام أنه نظر وشاهد وعاين بدون أن يستأذن فكأنه دخل بدون استئذان، وقد جاء في قضية حتمية الاستئذان شواهد، منها قصة الرجل الذي كان ينظر من شق الباب والرسول معه المدر وكان يريد أن يفقأ عينه بذلك حين تلبسه بالمعصية؛ لأن ذلك لا يجوز، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) يعني: حتى لا يقع البصر على شيء لا يريد أهله أن ينظر إليه، أو أن يطلع عليه أحد.

وقوله: [ (ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف) ].

يعني: أن عليه أن يتخلص من ذلك الشيء الذي كان حاملاً له والذي يجد المشقة فيه وتشوش البال معه.

فكل من النظر في البيوت بغير إذن، وكذلك التخلص من الأذى والإقبال على الصلاة وهو خالي الذهن وغير مشوش أمر مطلوب وله شواهد، وأما بالنسبة للدعاء ففيه التفصيل الذي ذكرته.

وبعض أهل العلم يتكلم في هذا الحديث ويضعف هذه الجملة، ويقول: ليس هناك شيء يدل عليها غير ما جاء في هذا الحديث، وأما ما عداها من الخصال الأخرى فإن لها شواهد صحيحة وأبو داود رحمه الله أورده من أجل الجملة الأخيرة، وكل ما مر من الأحاديث قبلها هو من الشواهد لها.

تراجم رجال إسناد حديث: (ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن:... ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف)

قوله: [ حدثنا محمد بن عيسى حدثنا ابن عياش ].

محمد بن عيسى مر ذكره، وابن عياش هو إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في روايته عن غيرهم، أخرج حديثه البخاري في رفع اليدين وأصحاب السنن الأربعة.

[ عن حبيب بن صالح ].

هو حبيب بن صالح الحمصي ثقة أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن يزيد بن شريح الحضرمي ].

يزيد بن شريح الحضرمي مقبول أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبي حي المؤذن ].

أبو حي المؤذن هو شداد بن حي صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن ثوبان ].

ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

و محمد بن عيسى الطباع بغدادي نزل أَذَنَة، والسند أكثر رجاله شاميون.

شرح حديث: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا أحمد بن علي حدثنا ثور عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي المؤذن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف) ثم ساق نحوه على هذا اللفظ قال: (ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يختص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو مثل الذي قبله إلا أنه يختلف عنه قليلاً؛ ففيه ذكر أنه لا يصلي وهو حقن، وهو محل الشاهد للترجمة، وفيه أيضاً: (ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم)، وهذا فيما إذا كان صاحب منزل فهو أولى من غيره، وأما إذا كان غير صاحب المنزل فإن الذي يتقدم للصلاة هو الأولى، فالأولى على وفق ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله...) إلى آخر الحديث.

وقوله: (ولا يختص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم) وهذا مثل الذي قبله.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف)

قوله: [ حدثنا محمود بن خالد السلمي ].

هو محمود بن خالد السلمي الدمشقي ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا أحمد بن علي ].

أحمد بن علي صدوق أخرج حديثه أبو داود وهو إمام مسجد سَلَمية في الشام.

[ حدثنا ثور ].

ثور بن يزيد الحمصي ثقة أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ عن يزيد بن شريح الحضرمي عن أبي حي عن أبي هريرة ].

هو يزيد بن شريح الحضرمي وأبو حي قد مر ذكرهم وأبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه قد مر ذكره.

[قال أبو داود : هذا من سنن أهل الشام لم يشركهم فيها أحد].

يعني: أن هذا الحديث من السنن التي رواها أهل الشام ولم يشركهم فيها أحد، والإسناد الذي مر رجاله كلهم شاميون إلا أبا هريرة رضي الله عنه فهو مدني، وأما الإسناد الذي قبل هذا فرجاله كلهم شاميون إلا محمد بن عيسى الطباع .



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [018] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net