إسلام ويب

إن الدعوة إلى الله ضرورية جداً، خاصة تجاه ما ينتشر بسرعة خطيرة من دعوات الهدم والتخريب الفكري والأخلاقي، ومن خير أساليب الدعوة وأكثرها تأثيراً الشريط الإسلامي، ولكنه يعاني من صعوبات مادية، وهجمة كلامية، وفي هذه المادة يناقش الشيخ هذا الأمر، ويقترح حلولاً لعلاج المشاكل في هذا الباب.

هم الداعية للدعوة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة في الله! أحمد الله إليكم، ونثني عليه الخير كله، نشكره على آلائه التي لا تحصى، وعلى نعمه التي لا تنسى.

وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

لا تعطى الدعوة فضول الوقت

أيها الإخوة في الله! موضوعنا اليوم قد لا يستهوي كثيراً من إخواننا، ولكنه يهم طائفة حريصة على تلمس أسباب الدعوة، واكتشاف أقرب الطرق والمداخل إلى قلوب البشر، ونشر أعظم قدر من الخير في كل مجال وفي أسرع وقت؛ لأننا في سباق مع الزمن، ولأننا في مواجهة وتحد خطير من قِبل أعداء الإسلام الذين ما تركوا شاذَّة ولا فاذَّة، ولا قليلاً ولا كثيراً إلا وجعلوا منه سبيلاً أو وسيلةً إلى ضرب الإسلام وأبنائه وتشويه الإسلام وأصوله؛ لأجل ذلك كانت الحاجة ماسة إلى عرض الإسلام بصورة ناصعة، وليس هذا أمراً جديداً، والحاجة أيضاً ماسة إلى بيان جوانب الجمال والتألق، وجوانب العز والكرامة، والسعادة والطمأنينة فيما شرعه الله جل وعلا، وأودعه في كتابه وما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإن كنا وإياكم لا يخفانا أن مِن السمات الطبيعية لدين الإسلام: أن هذا الدين حينما يخالط قلباً نقياً فلن تجد صاحب القلب جامداً، وهذا الدين حينما ينزل بفؤاد على درجة من الشفافية والصفاء والنقاء، فلن تجده جُثَمَةً قُُعَدَةً رُقَدَةً، بل ستراه جَوَّاباً، وستجده جَوَّالاً، لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال إلا يوم أن يشعر أن في ساعته بل في دقيقته فضلاً عن يومه وأسبوعه، أنه قدم شيئاً للإسلام والمسلمين.

ولأجل ذلك قلت: إن هذا الموضوع قد لا يستهوي الكثير؛ لأن كثيراً من إخواننا -ولعلي واحداً منهم- عبث بهم الكسل، وظهر عليهم التسيب في الوقت، وتضييع أنْفَس مراحل العمر ألا وهي: الشباب، في أمور قد تكون من باب الاشتغال بالمهمات دون الأهم منها، أو في أمور مباحة، وقد ترك الكثير منا الاهتمام بأصول وفروع ونشر هذا الدين ودعوة الناس إليه، قد جعلناها من فاضل الأوقات، فلو أن واحداً منا كتب على ورقة برامج أعماله في هذا الأسبوع، ستجده:

أولاً: ربما كتب إصلاح ما نقص من السباكة في المنزل.

ثانياً: تفقد الكهرباء.

ثالثاً: شراء ملابس موسم الشتاء.

رابعاً: زيارة لفلان وعلان.

خامساً: الدعوة إلى الله جل وعلا.

فنجعل الدعوة هي فيما فَضَل من أوقاتنا، وإذا جعلناها فيما فَضَل من أوقاتنا، فإنا نجعلها في مؤخرة اهتماماتنا.

ولأجل ذلك أيها الإخوة لا غرابة أن نجد تأخر المسلمين حتى في بلادهم، لا غرابة أن نجد تأخر أبناء الإسلام في بلاد الإسلام، وتخلفهم في عرض الدعوة إلى الله جل وعلا، لأنها لم تكن إلا عند الأقلين منهم هماً يشغلهم صباح مساء، ولو أن واحداً جعل الدعوة همه كما يهتم الحبيب بحبيبه، لأدرك قول القائل:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده>>>>>ولا الصبابة إلا من يُداريها

وقول الآخر:

جهد الصبابة أن تكون كما أرى>>>>>عين مُسَهَّدة وقلب يخفقُ

نعم أيها الأحبة! إن من شغله شيء، لا تراه يصبح إلا وهو يتلجلج ويدور في خاطرة ونفسه وصدره، ولا يمسي إلا وهو يفكر به، ولا يذهب أو يحل ويرحل إلا وتجده ديدَنَه ونشيدَه وهُجَيْراه، أما الكثير منا: نعم لقد تبنا إلى الله، لقد استقمنا على مرضاة الله، نسأل الله أن يكون ذلك خالصاً لوجهه، على ما فينا مما ستره الله علينا وجمَّلنا بإظهار محاسننا وإياكم بين الناس، ولكن. وقفنا هنا!

أهم شيء بعد التوبة: العمل لما بعدها

كنتُ منذ أيام أحدث أحد الإخوة في الكلية، وكان يكلمني عن توبة واحد من الفنانين، فقلت له: يا أخي! توبة الفنان ترك للمعصية لكن ماذا قدم من الطاعة؟ لا تجعل الرجل حينما يتوب إلى الله أنه قد فَتَح القدس بيده، أو حرر كابول بجهاده، أو أنه نشر الإسلام في بقاع كانت الشيوعية ترزح على صدور المسلمين جاثمة فيها، هو فقط ترك المعصية وتاب إلى الله من الفن، تاب إلى الله من الطرب، أما العمل الصالح فهذا شيء آخر.

وكثير منا أيها الإخوة يخلط بين هذا وهذا، يظن أن استقامته تعني بالضرورة -أو الوجه الآخر للعملة- أنه قد خدم الإسلام، وقدم للإسلام أكبر خدمة، ونخشى أن نصاب بالعُجْب يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

أقول أيها الإخوة: إن ما نراه في وجوه إخواننا، وفي سَمْت وسلوك شبابنا من الصلاح والاستقامة والعناية بالسنة أمر محمود؛ لكن الكثير وقف عند هذا، تاب إلى الله واعتنى بمظهره، ووقف عند هذه المرحلة وظن أن هذه هي نهاية الطريق، لا يا أخي.

هل رأيت رجلاً يوم أن أزال الأوساخ عن أرضه قال: هنا انتهى البنيان؟!

هل رأيت رجلاً حينما أزال القذى والقذر والقاذورات عن أرض يريد أن يبني عليها، بدأ فأزال كل الأوساخ، وقال: الآن انتهى البيت؟!

الحقيقة أنتَ بدأتَ أولاً بتنظيف وبإعداد القاعدة، وهي إزالة الشوائب والقاذورات والأوساخ عن قاعدة الأرض ألا وهي قلبك، أما البناء والعمل الصالح والإنتاج وإقامة هذا المبنى الشاهق المتعدد الأدوار الذي يخدم الناس، ويؤوي المساكين ويكون كنفاً لهم ومأوىً عن الشمس والبرد، والزمهرير والحر وغير ذلك، هذا شيء آخر.

فبعضنا أيها الإخوة يقول: هنا عثر حمار الشيخ في العقبة، هنا استقمنا والحمد لله لن نتعدى هذه المرحلة، وهذا لعله من وسوسة الشيطان، ولعله من باب العُجْب، ولعله من عدم شعورنا بعظمة هذا الدين، لعله من عدم شعورنا بعظمة ربنا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].

والله لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، بَشر ضعيف مسكين، لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً، لو أن واحداً كلفه أمير من الأمراء، أو مسئول من الوزراء، فضلاً عن حاكم أو ملك من الملوك، لتجده قال: أنت ما تعلم؟! إن هذا الحاكم أو إن هذا الأمير قد أوكل إليَّ مهمةً، وشرفني من بين خدمه وحشمه وأصحابه ووزرائه ومستشاريه بهذه المهمة، فلا غرابة أن تجدني مشتغلاً بها ليلاً ونهاراً، مفكراً بها أعكف عليها، حتى أقدم له ما أراد مني، فإذا علمت أن الله جل وعلا اصطفاك، وجعلك من أمة محمد، وليس بيدك ولا حولك ولا طولك ولا نسبك ولا شرفك أن تكون من أهل الجزيرة، أو تكون في مجتمع مسلم، ما بالك لو أنك بوذيٌّ في أنحاء كمبوديا ، أو أنك هندوسيٌّ في أطراف الهند ، أو أنك زَرادِشْتيٌّ في أنحاء أدغال أفريقيا أو غير ذلك، ماذا تفعل.

يا أخي الكريم! الله الذي مَنَّ عليك وأكرمك، وبمنه وفضله جعلك من المسلمين، واختارك لتكون واحداً من هذه الأمة، وفضلك على سائر الأمة بالاستقامة، وأودع في قلبك مسئولية الدعوة إلى دينه، وشرف حمل الرسالة، وتبليغ الناس بها، أفليس هذا شرف أي شرف؟! ومنزلة أي منزلة؟!

ومما زادني شرفاً وتيهاً>>>>>وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبـادي>>>>>وأن صيَّرت أحمد لي نبياً

الدعوة من أجلِّ الأعمال

إن بعث النار -كما هو في الحديث المعروف- من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، فإذا كنت من أمة محمد فنسأل الله أن نكون وإياك ذلك الواحد في كل ألف، فهذه نعمة عظيمة؛ واعرف شرف الله لك، واعرف تفضيل الله لك، فوق ما أُكرمت به: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] فوق هذه الكرامات أنك واحد من عباد الله المؤمنين المسلمين الذين نالوا شرف هذه الدعوة إلى الله، ولذلك لما سئل أحد السلف : أي الأعمال أجلُّ أن نشتغل بها؟ قال: اشتغلوا بدلالة خلق الله إلى الله جل وعلا.

وليس هذا كثيراً على الدعوة إلى الله، فالله قد أثنى على الدعاة، نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم.

قال جل وعلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

وقال جل وعلا: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].

وقال صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ومن دعا إلى هدى فله أجره، وأجور مَن عمل به إلى يوم القيامة).

يا إخوان! شتان بين العبادة والدعوة، إن العابد مهما قام الليل كله، وصام النهار كله؛ لا يستطيع أن يضيف إلى رصيد وسجل أعماله إلا أعماله وحده فقط، أما الداعية فهو يضيف في كل يوم وفي كل ليلة سجود الساجدين المهتدين بدعوته، وصلاة المصلين المهتدين بدعوته، وصيام الصائمين المهتدين بدعوته، وبر البارين المهتدين بدعوته، وصلة الذين وصلوا أرحامهم والذين اهتدوا بدعوته، إذاً فأنت تضيف إلى رصيدك أعمالاً فوق ما يضيفه العُبَّاد، ناهيك عما ينبغي لك من عناية واجتهاد في أن تتزود بزاد العبادة: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6] لأن الأمر ثقيل، ولأن المهمة شاقة، فالحاجة إلى العبادة ليتزود الإنسان.

اقتراح للعمل

أيها الأحبة! المخططون والمنظِّرون قلة -ولستُ منهم- ولكن المنفِّذين في الغالب ينبغي أن يكونوا أكثر، فأنت ترى أن بناءً يتكون من عشرة أدوار، كم يحتاج من المهندسين؟

يحتاج بالكثير إلى خمسة أو عشرة مهندسين في شتى تخصصاتهم، هندسة كهربائية، وهندسة تمديدات، وهندسة منشآت وهلمَّ جرا؛ لكن هل يحتاج المبنى إلى عشرة عمال بعدد المخططين؟ لا، حينما تحتاج إلى عشرة مهندسين فأنت بهذا محتاج إلى ألف عامل، البناء الذي يتكون من عشرة أدوار، يخططه عشرة من المهندسين لكنه يحتاج إلى ألف عامل.

واليوم نحن لا نشكو قلة العاملين والراغبين الذين يبحثون عن المناهج العملية، والنظريات التي تترجَم إلى واقع علمي لكي يخدموا بها دين الله، والدعوة إلى الله جل وعلا؛ لذا وجب تقديم يد المعونة بالمقترحات لهم.

وأدناها البارحة، جاء عدد من الشباب، أسأل الله أن يثبتنا وإياهم جمعياً، يقولون: نحن في كلية كذا، والآخر في كلية كذا، والثالث في كلية كذا، ملتزمون صالحون نريد أن ندعو إلى الله لكن لا نعرف، أين الطريق؟ أين البداية؟ من أين نبدأ؟

فالشباب الملتزم كُثر؛ ولا أظن واحداً يبخل على نفسه أن ينال شرف الدعوة إلى الله جل وعلا؛ لكن يريدون برامج عملية، يريدون أموراً أنت ترسمها لهم، تخططها لهم وتقول: ما دامت هذه النوعية صالحة للتنفيذ والتطبيق فالأمر هكذا: 1/ افعل كذا. 2/ افعل كذا. 3/ كذا. حدِّد له غاية وهدفاً واختَر له وسيلة مناسبة، أو اجعل أمامه بدائل وخيارات عدة، وهو يختار ما يناسبه منها، أو ما يكون أقرب إلى نفسه، وأقدر تأثيراً عليه مما سواه.

إذاً: لما كانت الحاجة ماسة مع انتشار الصحوة انتشاراً كبيراً، بل أعظم من انتشار النور في الظلام بفضل الله جل وعلا، انتشرت الصحوة وانتشر الخير، حتى في أعالي الجبال، وفي أدنى السهول، وعلى سواحل البحار، وفي القرى، والمدن، بل حتى في كثير من المجالات التي ظن الناس أنها ليست معدة إلا أوكاراً للرذيلة وبؤَراً للفساد، وُجِدَ وظهر فيها النبتة الطيبة، والبذرة الحريصة على أن تقدم للإسلام شيئاً.

إذاً: نحن لا نشكو قلة الملتزمين، فالملتزمون كُثر؛ لكنا نشكو قلة العاملين من الملتزمين، وهذه من مشاكل الدعوة، ولستُ المسكينُ الفقيرُ الذي يتحدث عنها، إنما هي إشارات وإلمامات، ومثل هذا الأمر يحتاج إلى كبار العلماء، وكبار الدعاة الذين يبحثون عن هذه الظاهرة، لماذا هذا الجمود في الصحوة؟ لماذا الملتزمون كُثر؛ ولكن كما قال أبو بكر رضي الله عنه لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه: [يا بن الخطاب ! أجبَّار في الجاهلية خوَّار في الإسلام؟!].

تجد الشاب قبل استقامته يحمل الدنيا على أذنيه، ويرفع بها، ولا يجعلها تعود أرضاً، ويحمل كل أمرٍ على عاتقه، وتجده رأساً مضحياً فدائياً، قمة جوَّالاً حركياً نشيطاً في الفساد، فإذا اهتدى أصبح ظبياً جفولاً، وأصبح حملاً وديعاً، لا يستطيع أن يتحرك يمنة ويسرة، ناهيك لو قلت له: إنك مراقب، أو إنك تحت التحري، أو إنك تحت البحث، فهذه قاصمة الظهر بالنسبة له، وحينئذٍ لن يخرج من بيته، بحجة أنه داعية مراقب، أو أنه رجل قد تُجُسِّس عليه، ونحو ذلك، وما هي إلا أوهام بل وإشاعات، قد تشاع أحياناً وقد يُقصد إشاعتها من أجل أن يشعر الإنسان بجو من القيود والأوهام العنكبوتية التي ينسجها الإنسان حول نفسه، ولا يقدم لدين الله جل وعلا قليلاً ولا كثيراً.

وكما قال أحد الدعاة: إن الإسلام المرغوب في هذا الزمان هو الإسلام الأمريكاني.

الإسلام الأمريكاني: أن تكون مسلماً تطبق استقامتك والتزامك حسب ما يحلو لك؛ لأن قانون الحرية يبيح لك أن تفعل بنفسك ما شئت؛ لكن أن تتعدى بهذا الإسلام إلى جيرانك والحي والمجتمع، والوزارة والمدرسة، والكلية والمستشفى والسوق، والإعلام والتعليم، والاقتصاد والسياسة، لا! هذا إسلام ممنوع، هذا إسلام محظور.

ولذلك فإن أعداءكم لا يمنعون المسلم أن يقوم بممارسة ما يسمونه (بالطقوس)، والذي نحن نعرفه في شريعة ربنا بالعبادات المخصوصة، من ركوع وصيام واعتكاف وسجود وتلاوة قرآن، لا يُمنع أحد من ذلك، لكن أن يدعو الناس إلى ذلك، وأن يتحاكم الناس إلى كتاب الله، وأن يكون الكتاب حاكماً مهيمناً على كل صغيرة وكبيرة، فهذا أمر ممنوع في عرف المستعمرين، وأعداء الله من اليهود والنصارى الذين لهم ثقل جاثم على صدر الأمة ترزح تحته، ويؤيدهم في هذا العملاء والدخلاء والذين يمارسون العمالة المزدوجة على طرفين أو على وجهين في آن واحد؛ لكي يقولوا لقومهم: إنا معكم، ويقولوا لأعدائهم: إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14].

وبعد هذا أيها الإخوة ظهرت كثيرٌ من الأطروحات الجميلة، التي قالت لشباب الصحوة: هلموا ألينا، تعالوا، هذه برامج عملية، على سبيل المثال لا الحصر: خذوا مشروعاً مقترحاً تقدم به فضيلة الشيخ الداعية المعروف الدكتور/ ناصر العمر ، وكان مشروعاً إيجابياً بنَّاءً، ومنذ أن لامس كلامُ الشيخ أسماعَ الشباب قبل أن يسجل انطلق الشباب يمنة، ويسرة زرافات ووحدانا يطبقون هذا المشروع، لأن الشيخ رسم لهم برنامجاً عملياً.

ولا أزكي نفسي وأستغفر الله، كذلك برنامج مِن أين نبدأ؟ أو مِن هنا نبدأ، بفضل الله لما طرح علمتُ أن عدداً من الشباب كلٌّ قد اجتمع مع إمام مسجده والأخيار في حيِّه وأخذوا يضربون ميعاداً أسبوعياً يتفقون فيه على أن يقدموا للمجتمع شيئاً، فأصبحوا يخططون، أقول: يخططون، وليس في التخطيط شر أو خطر، لأن المسألة أن كل شيء تريد أن تفعله تحتاج إلى تخطيط، حتى ذهابك إلى العمل يحتاج أن تخطط، تسلك الخط الدائري وتخرج مع المخرج [3]، وتمسك الكتف الفلاني حتى تصل إلى مكانك، فكلمة التخطيط أو التنظيم أو التنظير نرى البعض يخاف منها، وما هي إلا أمر طبيعي موجود في أبسط الأعمال.

إن النملة وهي تلك الحشرة الصغيرة تخطط، إن الذبابة تخطط، فهل يحرم على الإنسان أن يخطط؟! هل يحرم على الإنسان أن ينظم؟! إن كثيراً من الناس عنده حساسية المصطلحات، حينما يسمع مثل هذا المصطلح يرتاع، ويظن أنك تعني شيئاً نهايته نسف نظام أو إحداث تفجير، أو إشاعة فوضى وقلاقل وفتن ومحن ظهر شيء منها والباطن أكثر من ذلك.

فكرة العمل الدعوي: من أين نبدأ؟

أقول أيها الإخوة: هذا المشروع (من أين نبدأ؟) إمام المسجد مع مجموعة من الشباب، يلتقون في كل أسبوع مرة بعد المغرب ويتفقدون الحي؛ هذا لا يصلي، ثلاثة يزورونه بهدية وابتسامة، والبرنامج مستمر، غداً يزار فلان، بعض الشباب يظن أن سيصلح المجتمع والحارة في شهر أو خلال سنة، أقول: هذا المشروع لن تروا ثماره بإذن الله إلا بعد ثمان سنوات على الأقل، ونحن بحاجة إلى أن نخطط لسنوات قادمة، أما العرف الذي نشأنا عليه كثيراً مثلما يقول العوام: (إن كان عندك شيء نأكله هذا الحين حياك الله) أما كلام فارغ؛ تخطيط بعد خمس سنوات بعد عشر سنوات، فلا.

أقول يا إخوان: لو قرأتم كتاب لعبة الأمم ، الذي ألفه أحد رجال المخابرات، أو مسئول مخابرات في سنة من السنوات، واسمه: مايلز كوبلن ، قال: إن مجلس اللعبة يخطط لأربعين سنة قادمة، إن مجلس اللعبة الذي سماه أو حدد مكانه في الدور السابع في مجلس الكونجرس، قال: إنه يخطط للدول والحكومات من أربعين إلى خمسين سنة قادمة.

أما تخطيطنا فلو خطط الإنسان لمدة سنة واحدة، منذ أن يبدأ ويمر على هذا التخطيط أربعة أشهر تجد الاعوجاج والانحراف والتناقض والكثير من المواقف الخاطئة، والسبب: عدم الدقة في التخطيط.

إن المهندس حينما يخطئ في قاعدة المبنى، ميل في الأعمدة بنسبة (5) سنتيمتر، فإن ذلك يعني أنه يوجد انحراف قدره (50) سنتيمتر في الدور الخامس، ويعني ذلك أن المبنى يئول للسقوط لو رفعته إلى الدور الرابع أو الخامس، قد لا تظهر أخطاؤك في الدور الأول لأن الانحراف بسيط، في السنة الأولى قد لا تظهر أخطاؤنا؛ لأننا لا نزال قريبـي عهد بالانطلاقة وبداية التجربة، لكن حينما نستمر سنوات قادمة، ويكون في التخطيط خلل فحينئذٍ لا غرابة أن تجد الانتكاسة، أو تجد السقوط أو تجد العثرات متتابعة في السنة الخامسة أو في السنة السادسة، كما هو الأمر في البنيان الذي يسقط حينما يبلغ الدور الخامس أو السادس.

مقترح لاستمرار المهتدين الجدد على الهداية

أقول: هذه كلها أيها الإخوة مشاريع مقترحة وأضيف عليها الآن مشروعاً.

كان عنوان المحاضرة بعنوان: (الشريط الإسلامي بين التجارة والدعوة)، والحديث في صميم هذا الموضوع؛ لكن هذه مقدمة وفكرة خطرت ببالي في الحقيقة، وتلجلجت في صدري فترة طويلة، فأحببت أن أغتنم هذه الفرصة لطرحها عليكم، ألا وهي من المشاريع العملية الدعوية التي تنفع بإذن الله جل وعلا.

أما عن مقدمة الفكرة فكالآتي:

نحن وإياكم كثيراً ما ندعو عدداً من الشباب إلى الاستقامة والالتزام، فنتعرف على فلان وعلان ونسافر به، ويعتمر معنا أو يحج، أو يكون بيننا وبينه سلسلة زيارات فيتأثر ويستقيم، وماذا بعد ذلك؟ لو تردد علينا أربعة أيام قلنا له: يا أخي، مَسَّخْتها، ما إن التزمت حتى أدوشتنا! ما يمكن! ضيَّعتَ وقتنا جزاك الله خيراً!:

فعلاً هو لا خيار له؛ إما أن يبقى معك كالظل لك حتى يحافظ على نفسه من جلساء السوء، ومن السهرات التي يتاح له فيها العبث واللهو، والمرأة والخمر والنساء والأفلام مع تباين واختلاف في طبقات الذي يعاقرون هذه الفواحش أو يقترفونها، فهذا الشاب نَمَلُّ منه ويَمَلُّ منا بعد فترة قصيرة؛ لأنك أنت مرتبطٌ بزوجة وأولاد وأقارب، وحاجات أهلك وعملك، ومختلف المهمات التي تعرض لك، ومراجعة أطفالك في المستشفيات، وتعليم أولادك أمام موسم الاختبارات وهَلُمَّ جَرَّا، وهذا شاب مَنَّ الله عليه بالهداية، كيف تحافظ عليه؟ تجد أنك تتحمس، أو تتفاعل أو تغلو أو تشتد عندك العاطفة، تغلي العاطفة عندك في الأسابيع الأولى ثم بعد ذلك تمل منه، فتتركه ثم يرجع من جديد، بعد أن بلغ ذروة ارتفاعه يعود في التدني وفي الهبوط، حتى يعود ذلك الذي استقام يوماً ما إلى درجة الصفر كما لو كان لم يستقم يوماً ما، بل وقد ينزل عن المحور الرئيسي وتحت القاعدة الرئيسية ويقع فيما هو تحت خط الانحراف، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والسبب: أنه لا توجد عندنا دور لرعاية التائبين، ولا توجد أماكن لرعاية الشباب الذين استقاموا.

أقول: هذا جزء بسيط جداً من الحل، ألا وهو: أن يتعارف شباب الحي، مثلاً نحن في منطقة (العلية) أو في منطقة (البديعة) كم عندنا من الخطباء أو الدعاة أو طلبة العلم؟

عندنا عدد كثير، نقول للشباب: إن يوم السبت بيت فلان بن فلان مفتوح، من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء، فأي شاب يرغب أن يستفيد، يرغب أن يسأل، يرغب أن يجلس، فحياه الله عند فلان بن فلان، المجال مفتوح لمن أراد أن يحضر، وهذه الجلسة تكون مبرمَجة منظَّمة، بمعنى: لا يكون الهدف منها ألوان النعناع والشاي والدارصيني والقهوة ومختلف المشروبات، لا، إنما يكون البرنامج فيها: آية وتفسيرها، حديث وحكمه، سيرة واحد من الصحابة، قراءة في فتاوى بعض العلماء، تقليب في أخبار العالم الإسلامي، وأحذَّر وأحذِّر وأحذَّر ثلاثاً من الحديث في المواضيع السياسية، لا أعني بذلك تخويفاً لكم من السياسة، لا، لكن سأجد من يقول: إن هذه الجلسات ستكون طريقاً للحديث والتدخل في شئون ليست من اختصاص هؤلاء، فأقول: إياكم والحديث فيها، طبعاً الكلام في الأمور هذه نوعين:

نوع مفتوح للجميع: مَن الذي يأذن للجريدة أن تتحدث ويُحرِّم عليك الكلام؟! من الذي يأذن للإذاعات أن تطنطن ويُحرِّم عليك أن تتكلم وتتحدث؟!

لكن أقصد بذلك: الدخول في العمق والتحليل ونقل الآراء الشخصية، والتحليلات الشخصية، وربما يدخل معك في المجلس من يحدثك لكي ينصب لك كميناً ويسجل حديثك، وليس الهدف تسجيل حديثك، وإنما الهدف أن يشي بك إلى سلطة ما ويقول: إن فلاناً يجلس مع آل فلان وبني فلان ويتحدثون في المسئول الفلاني، أو في الجهة الفلانية، بغية إغلاق هذا المشروع.

أقول: هنا تحفظات، هنا احتياطات، هنا خطة الأمن والسلامة في هذا المشروع الصغير، ألا تتحدث في أشخاص ولا هيئات، ولا مؤسسات معينة، أما القضايا التي طُرِح الحديث فيها للساحة، فالكلام يجوز لك أن تتحدث فيه، كما جاز للجريدة والإذاعة أن تتكلم كيفما شاءت.

بعد هذا أيها الإخوة إذا استطعنا أن نضبط هذه الجلسة بعد صلاة العصر إلى أذان العشاء يوم السبت عند فلان، يوم الأحد عند فلان بن فلان، فأنا مثلاً أكون مسئولاً عن يوم واحد في الأسبوع، أفتح فيه بيتي لمن أراد أن يحضر، وأنت مسئول عن يوم الأحد في الأسبوع تفتح فيه بيتك لمن أراد أن يحضر، والثالث مسئول عن يوم الإثنين يفتح فيه بيته لمن أراد أن يحضر، بمعنى: ألا يدور الشاب التائب أو المستقيم يبحث عمن يجالسه ويخالطه، فيأتي إلى هذا فيراه مشغولاً، ويأتي إلى هذا الإمام فيراه مشغولاً، ويأتي إلى هذا الداعية فيراه مسافراً، ويأتي إلى هذا فيراه يذهب بأولاده، ويأتي إلى هذا فيطرق عليه الباب ويخرج بالقلم يقول: والله يا أخي نحن الآن مشغولون، أما ترى القلم معي؟! فأربعة أو خمسة أماكن يجدها مغلقة، المكان السادس المفتوح: قهوة، أو شيشة، أو مطعم، أو رصيف، أو جلسة لَهْو، أو أصدقاء السوء الأُوَل الذين تعود أن يجد معهم مجلساً مفتوحاً، والبلوت الساخن من بعد العصر إلى الساعة الثانية عشر أو الواحدة ليلاً، لن تُعْدَم أربعة يكملون الفريق، والأوراق جاهزة، واللعبة شيِّقة، وهَلُمَّ جَرَّا.

إذا ذهبتُ إليك فأنت مشغول، وهذا أغلق بابه، وهذا مسافر، وهذا ذهب بأولاده، إلى من أذهب أيها الإخوة؟! أنا شاب تائب، أنا شاب مستقيم، أريد أن أستمر على هذه الهداية، من الذي يؤويني؟! من الذي يحتضنني من جلساء السوء؟!

إذا لم يوجد ترتيب للمحافظة على مثل أولئك، وإلا فيستقيمون ثم ينحرفون إلا من رحم الله.

فإذا كنت أنا مسئول يوم السبت، فلن يشغلني الشباب في بيتي، فقط يوم السبت أنا مسئول حيَّا الله من جاء، طبعاً ما أقول: تعالوا، أقول: مثلاً يوم السبت الباب مفتوح، لو زارني أحد أو جاء يوم الإثنين أو الثلاثاء أقول: حياك الله في كل سبت، أهلاً وسهلاً، طبعاً إذا كان هناك أمر مهم أو مسألة خطيرة أو قضية عين لا يقاس عليها، نستطيع أن نقابله ويقابلنا بعد الصلاة، قبيل الصلاة، عند الفجر، قبل الفجر، كما يشاء، ليس في ذلك مشكلة.

فإذا أوجدنا هذا على مدار الأسبوع، استطعنا أن نحافظ على التائبين في كل حي، التائبون في هذا الحي يجتمعون؛ هذا اليوم عند الشيخ/ مَزْيَد، وغداً عند المؤذن، وبعد غدٍ عند الدكتور فلان، وبعد غدٍِ عند الشيخ فلان. إذاً لا يجد فراغاً يشكو منه.

زيادة على ذلك: ينبغي أن توجد جمعيات أو مكاتب نقليات وسفر وسياحة؛ أعني بذلك: نحن بحاجة إلى رحلات طويلة، لأن من كان حديث عهد بهداية، فإنه يحتاج إلى عزلة لمدة خمسة أيام أو عشرة أيام، أعني بها حمية عن مجالسة السوء والمنكرات وحتى رؤية المنكرات، فإذا وُجِد في الشهر الفلاني رحلة إلى مكة ، والقصيم ؛ زيارة للشيخ/ العثيمين ، والمدينة ؛ زيارة لإمام الحرم، والصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أخذ العمرة.

هذه الرحلة لمدة ستة أيام، عدد الشباب الذين يشتركون في هذه الرحلة من ثلاثين إلى أربعين، من المسئول عنها؟

أحد الأئمة، أحد الدعاة، أحد الخطباء، ويسافر بهؤلاء الشباب.

ثق يا أخي أنك بعد هذه الرحلة سوف تعود بمجموعة قد حُجِبَت عن الفساد شيئاً كثيراً؛ لكن المشكلة أن الشاب الذي ندعوه نجلس معه في المغرب ونتحدث معه، وبعد العشاء أول ما تقع عينه على الدعاية، ثم المسلسل ثم فيلم السهرة، أنت تصب كأساً والآخر يريق سطلاً كاملاً، لا يوجد هناك أي توازن ولا يقاس الحق بالباطل، فقليل من الحق يغني عن كثير بل يزهق كثيراً من الباطل؛ ولكن أيها الأحبة إذا وجدت مثل هذه؛ مكتب في الشمال، مكتب في الجنوب، مكتب في الشرق، مكتب في الغرب، وتتبنى مثل هذه المشاريع، سوف نحافظ على الشباب.

وأقول يا إخوة: ما يمنع أن تتبنى هذا الأمر؟!

يعني يا أخي الحبيب: لا تنتظر أن يقوم بها فلان بن فلان، وفلان وعلان، الأسـماء اللامعة أو المشهورة في ذاكرتك، لا، أنت لماذا لا تقُم بهذا؟ لماذا لا تكون واحداً ممن يؤسس مع عشرة أو عشرين أو ثلاثين، إذا كنتم ممن يسَّر الله عليهم، كل واحد يدفع [20.000] × [10] بمائتين ألف ريال، واشترِ لك أوتوبيسين بالتقسيط، ونتوسط لك عند (عبد اللطيف جميل) إن شاء الله، وبعد ذلك تأخذ تصريح مكتب نقليات حج وعمرة، وتساهم في الدعوة إلى الله جل وعلا.

من شروط هذه الرحلات:

لا يوجد تدخين.

لا سماع أغاني.

النساء، إذا كان هناك أوتوبيس آخر للنساء، يُستضاف أحد الإخوة بزوجته تكون مع النساء موجهة مؤثرة داعية.

نستطيع يا إخوان أن نؤثر في هذا المجتمع، ولدينا مجالات عديدة للدعوة إلى الله، لكننا لا نتعلق، أو البعض لا يفكر إلا بما يجد فيه المواجهة، أقول: إننا ينبغي أن نتخلى عن أي ثغرة من ثغرات الدعوة إلى الله حينما يوجد فيها مواجهة، لكن نقول: خذ وطالب، اعمل في هذه المجالات المفتوحة، وعاود وحاول مراراً وتكراراً أن يُفتح من المجالات ما أغلق أمامك، إذا كان ثمة مجال أغلق.

هذه فكرة لو أننا طبقناها لاستطعنا أن نحتوي التائبين، سواء احتواءً من حيث الجلسات والأيام المحدودة، أو من حيث الرحلات والمناسبات الطويلة التي تستغرق أوقاتهم بإذن الله جل وعلا، وما الذي يسمح لمكتب سفريات أن يأخذك من هنا على العقبة ، على مصر ، على سوريا ، ويمر بك على شواطئ فيها عراة، ويمر بك على أماكن فيها اختلاط، ويمر بك على أماكن فيها معاصٍ، ويحرِّم ويمنع أن يوجد مكتب سياحة وسفريات يخرج بك إلى مكة ، ثم إلى المدينة ، ثم إلى القصيم ، ثم لزيارة أحد العلماء، ما الذي جعل الحرام حلالاً، والحلال حراماً؟! لا يمكن أن يوجد، لكن كما قلت أيها الإخوة، لم نفكر ولم تكن القضية ساخنة لدى الكثيرين منا، ولأجل ذلك فلا عجب أن ننتظر، أما نحن فلن نفكر، ولو أحوجنا الأمر لحرصنا على تطوير الأمر.

مكتبات المساجد الخيرية

أيضاً وهذه الفقرة الثالثة من هذا المشروع المقترح، ألا وهي: المكتبات الخيرية في المساجد :-

كانت موجودة من قبل، ولا تزال موجودة في بعض المساجد، ولكنها شهدت انحساراً.

الحاجة الآن تقول: إن المكتبة في المسجد من جديد تعلن دورها، وتثبت جدارتها، ويشق الشباب طريق هدايتهم واستقامتهم والتزامهم عبرها أو من خلالها، فلماذا تغفل هذه المكتبات؟! لا بد أن نحرص على العمل.

لا تنتظر يا أخي أن يقال لك: تعال هنا أو تعال هنا، أو اذهب هنا أو هناك، ابدأ أنت بنفسك، تكلم مع إمام الجامع، إذا وُجِدَت مكتبة فيها شباب يعملون لا يرغبون أن تأتي معهم، ابحث لك عن مسجد ليس فيه مكتبة، نحن لا يوجد عندنا ضيق، لو كان الموجود عندنا فقط مساحة مقدارها: (20×40) لقلنا: من المعقول أن نتنازع عليها، لكن عندك كيلو مترات في كيلو مترات، براري أماكن عديدة تحتاج إلى من يدعو ويتكلم فيها.

الأمر الآخر: لا تنتظر النتائج منذ أن تفتح المكتبة، أو تفتح بيتك، أو تقوم بمشروع الرحلات أن يمتلئ الأوتوبيس من أول مرة، لا يا أخي الكريم، ربما في المرة الأولى عشرة فعشرين فثلاثين، مع دوام التجربة فإن الزمن والتطبيق يصقل ويعدِّل ويقوِّم ويقيِّم جميع الأخطاء التي فيها، ثم ستصبح يوماً ما أمراً عادياً، هل أحد يستغرب المحاضرات الآن؟ لا، مع أنها في البداية كانت نوعاً ما مستغرَبة لدى الكثير من الناس، لكن الآن أصبح الأمر عادياً، كذلك هذا المشروع حينما يطبَّق سيصبح أمراً عادياً بإذن الله جل وعلا.

(مَن أهَمَّه شيء طوَّرَه)

الذين صنعوا الهاتف أول ما صنعوه، إن كنتم تذكرون! الذين كان عندهم تليفون أبو طاحونة، تأخذ لك نصف ساعة وأنت تلف الطاحونة، لو كنتَ تنزح ماءً لخرج الماء، لو كانتْ تسحب ماءً من البئر لخرج الماء مِن كَثْرة ما تبرم هذه الطاحونة.

ثم بعد ذلك طوروا الجهاز؛ لأن الاتصال أمر مهم بالنسبة للغرب، فطوروه حتى أصبح بالقرص، ثم طوروه حتى أصبح باللمس، ثم طوروه حتى وُجِد الهاتف الذي يخزن في الذاكرة، ثم طوروه حتى وجد الهاتف الذي يخرج صورة المتكلم.

إذاً مَن أهمه شيئاً طوَّره يا إخوان، حتى يصل به إلى درجة من التقنية العالية.

فنحن هل أهمتنا الدعوة حتى نطور أساليبها؟!

كذلك وسائل النقل: لما أهمَّت أصحابها كانت على البخار، ثم كانت على وسائل أخرى، ثم تطورت بعد ذلك إلى أن وجدنا مختلف وسائل النقل: الطائرات، والباخرات، والغواصات، والأسلحة تطورت، من آلات السلاح والصيد القديمة، إلى عابرات القارات، وحرب النجوم، والتسليح طويل المدى، وهَلُمَّ جَرَّا.

إذاً أيها الأحبة! نحن بحاجة إلى تطوير أساليب الدعوة من حيث الأدوات التي نستخدمها في الدعوة، هل نقتصر فقط على الشريط والكتيب؟! الباعة في الأسواق ألا يستطيعون أن يجعلوا من مبيعاتهم أو من أسواقهم وسيلة أو مجالاً من مجالات الدعوة؟! لو فكروا في ذلك لأوجدوا، الذين يشتغلون في سيارات التاكسي مثلاً أو سيارات الأجرة، يستطيعون أن يجعلوا من هذه السيارة إذاعة صغيرة يُسْمِعون فيها كلَّ راكبٍ شريطاً ينفعه ويؤثر عليه، الذين يسوقون الأوتوبيسات؛ خطوط البلدة، أو النقل العام؛ النقل الجماعي، لماذا لا نقدم لشركة النقل الجماعي فكرة أن تجعل في برنامج الرحلة محاضرة أو خطبة أو شريطاً مناسباً، مع وقت الأخبار تذاع الأخبار، يعني: نحن نقدم الخير قبل أن يوجد الشر، ثم نجلس نتشاور في بيتي أو في بيتك: لقد قُرِّر كذا فكيف السبيل إلى رده. كان الأجدر والأولى بنا أن نحل هذا المكان بالخير، قبل أن يحل فيه الشر.

نحن بحاجة إلى تطوير أساليب الدعوة في التخصص

خطابنا نوجهه لمن؟

الدعوة وجهت للرجال والشباب، فهل هناك فريق متخصص لدعوة الأطفال، أم الرسوم المتحركة والدعاية هي التي تؤثر عليهم؟!

هل يوجد فريق متخصص للتأثير على الأطفال، لاحتوائهم بعد العصر؟!

آلاف بل عشرات الآلاف من الأطفال؛ طفلي وطفلك وولدي وولدك يشكون فراغاً بعد العصر، ليس كلهم يدرسون في مدارس تحفيظ القرآن، وليس من العقل أن نقول: إما أن يدخل تحفيظ قرآن، أو إلى حيث ألقَتْ رَحْلَها أمُّ قشعمِ! لا.

إذا لم يكن في هذه الحلقة، فثمة مكان آخر يحتويه ويحتضنه، حتى يخرج إلى المجتمع شاباً مجداً مجتهداً نشيطاً، أقل الأحوال: نوفر على أجهزة الأمن كثيراً من مصروفات المطاردة والمراقبة والملاحقة؛ لأننا أخرجنا إلى المجتمع شاباً عوناً لجهاز الأمن، ولم يكن يوماً ما مجرماً تصرف أجهزة الأمن ميزانيات معينة لملاحقته ومطاردته.

دعوة الممرضات في المستشفيات

الآن يوجد آلاف من الممرضات السعوديات، وهل الحل أن نتكلم في التمريض على المنابر والخطب؟!

نحذِّر من خطورة هذا الباب! هذا معقول.

نحذِّر من أن هذا الباب إذا لم يُضبط بضوابط شرعية! هذا أمر واجب فوق المعقول أيضاً.

لكن أن نهمل هذه الممرضة وليس لها عندنا إلا أن نتَّهمها أو أن نتكلم عليها! لا يا إخوة.

هل يوماً ما فكرنا أن ننتج شريطاً أو كتاباً أو رسالةً أو أسلوباً نخترعه نوجهه إلى الممرضة المسلمة، أو دور الممرضة المسلمة في المستشفى؟!

تصوروا يا إخوان: في أحد المستشفيات فتاة ملتزمة، تعمل ممرضة، بحاجة إلى العمل، وتعمل في قسم النساء، إلا أن التمريض حتى الآن يسمى: تمريضاً منفصلاً وهو لا يزال مختلطاً، فتأتي متحجبة بقفازها، وأغلب وقتها في قسم النساء، لكن لو خرجت أو مرت اضطرت أن تقابل في الممر أو في الطريق رجلاً، فأخذت لوحة وعلقت، لوحة مكتوب عليها: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] فماذا فعل أحد شياطين الإنس في تلك المستشفى؟ جاء وأزال اللوحة!

إذاً توجد فتاة ممرضة ملتزمة مسلمة صالحة تريد أن تقوم بهذا العمل، وتريد أن تُسعد بتحقيق ضوابطه الشرعية بما يخدم مصلحتها ولا يتنافى مع أحكام ربها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ولكن يوجد من هو لها بالمرصاد، فأين معاشر الدعاة عنها؟

أين تشجيعها؟

أين الثناء عليها والدعاء لها بالثبات على حجابها وانفصالها وعزلتها واختيارها مكتباً مستقلاً بها بدلاً من أن نسكت عنها ولا تسمع منا إلا الهجوم، ثم تتنازل رويداً رويداً حتى ترمي القفاز، ثم تخفف الغطاء، ثم ترمي الحجاب، ثم تكشف الشعر، ثم تقصر اللباس، ثم تكون كسائر المتبرجات الكاسيات العاريات.

كذلك الطبيبة المسلمة:

أيضاً الطبيبة المسلمة بحاجة إلى أن يوجه لها الخطاب، وأن تعطى دوراً يليق بها في الدعوة إلى الله جل وعلا، هذا لم يوجد حتى الآن إلا في القليل النادر.

المرأة الكبيرة :-

الآن الأشرطة لو قلت لك: عندي شاب منحرف، أعطني شريطاً.

تقول: والله تفضل، هذا شريط للشيخ/ عبد الوهاب الطريري ، رسالة من القلب.

أقول: جزاك الله خيراً، وعندي جدتي ملتزمة أعطني شريطاً.

أليس عندك شريط للعجائز؟!

لماذا لا يوجد شريط للمرأة المسلمة؟! لماذا لا يوجد شريط للمرأة الكبيرة في السن؟! لا بد أن يوجد!

وكنتُ في حوار مع أحد الإخوة، قال: ما رأيك أنت أن تجعل هذا الشريط؟

قلت: هل رأيتني عجوزاً؟! لماذا اخترتني من بينهم؟!

فقررنا -وهذه من أساليب الدول العربية- المهم: اتفقنا على أن نوجد أو أن نسجل شريطاً، ولعله أن يُعْلَن عن المحاضرة قريباً بعنوان: عجائز لم يذكرهن التاريخ، واخترنا أن نبدل العنوان من: (عجائز) إلى: نساء لم يذكرهن التاريخ؛ لأنه لو واحد منكم أعطى جدته أو أمه الشريط وقال: تفضلي يا أمي هذا الشريط بعنوان: عجائز لم يذكرهن التاريخ لقالت: خذه -وأنا أمك- وأعطه لأم فلان، لاحظها في رابع بيت على اليسار، تراها عجوزاً أسنانها واقعة، أعطها الشريط هذا، أما أنا فابحث لي عن شريط الفتاة المسلمة.

إذاً قريباً إن شاء الله نتعاون ومن كان عنده فكرة تخدم هذا الشريط فلنتعاون على البر والتقوى، جزاكم الله خيراً؛ لكي نخرج شريطاً بعنوان: نساء لم يذكرهن التاريخ، وتكون بداية الانطلاقة لتوجيه المرأة المسلمة.

مخاطبة الطفل والرجل الكبير في السن

تصوروا أن بعض الشيبة يجلسون عند الأطفال ويلعبون لهم [9]! ما لهم شغل أبداً!

فعلاً: لماذا لا يوجَّه هذا الرجل الكبير؟!

لماذا لا يوجد مجموعة من الشباب يهتمون بالكبار؟!

إذا كان يوجد مراكز للمسنين والعناية بالمسنين، لماذا لا يدخلها الشباب ويتمكنون فيها حتى لا يُعرض على المسن أغانٍ، وربابة، وفنون شعبية؟ والرَّجُل -مثلما يقولون- (رِجْل في القبر ورِجْل في الأرض)، و(شمس على أطراف العسبان) كما يقال حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15] وكما ورد في البخاري ، قال صلى الله عليه وسلم: (قد أعذر الله إلى امرئ بلغه الستين من عمره).

فبدلاً من أن يكون مركز المسنين يعلم الشائب الذي هو قريب من الآخرة، قد ودع الدنيا، وقريب من الآخرة.

ومن يعش ثمانين حو>>>>>لا أبا لك يسأمِ

منهم من بلغ السبعين والثمانين بدلاً من أن يتركوا هكذا، لماذا لا ينخرط شباب في مراكز المسنين للعناية بهم، وإخبارهم بآثار كبار السن من الأولين المتقدمين وما كانوا فيه من تنافس في العبادة والطاعة والدعوة إلى الله جل وعلا.

أقول أيها الإخوة: هذه من المجالات المطروحة؛ مخاطبة:

الممرضة.

والطبيبة.

والمرأة العجوز، والمرأة الكبيرة في السن.

والعوام.

والشباب الذين يسمَّون بين قوسين: بـ(العرابجة والمفحِّطين) يحتاجون إلى أسلوب يليق بهم ويناسبهم، ويتحدث معهم في صميم مصطلحاتهم، حتى يدركوا أن الذي يتحدث معهم إنسان يعرف ما يدور بينهم.

يا إخوان! لو زرتم دار الملاحظة الاجتماعية لوجدتم مجرماً صُغَيِّراً كهذا القَدْر، عمره سبع سنوات، مسجون في الدار، سبع سنوات يُسجَن؟! هذا مجرم صغير، من أين جاء؟

عنده جنوح أحداث. ثمان سنوات، تسع سنوات تلقى لك مجرماً صغيراً ما شاء الله، يمكن أن يضرب الأرقام القياسية في أصغر مجرم في العالم.

كذلك أيها الإخوة: ينبغي لنا أن نحرص على احتواء الواقع، بمعنى: أنه إذا وجد شر نازل لا محالة، فلا يكن همنا:

أوسعتهم شتماًوساروا بالإبلِ

نعم. البداية أن نحتوي الموقع قبل أن يتنفذ فيه العلمانيون ويطبقوا ما يريدون، أو أن يقع الشر من حيث لا يعرف القائم على هذا الأمر أن هذا شر.

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى>>>>>فصادف قلباً خالياً فتمكنا

ليس بالضرورة أن من كان على الجهاز قد قصد إيجاد الغلط فيه، لكن قد لا يكون من الذين يميزون الخير من الشر، أو من الذين لا يميزون بين خير الخيرين وشر الشرين، أو أعظم الخيرين وأدنى الشرين، ولأجل ذلك لما غاب العقل والضمير الواعي، والمسلم المتميز بفطنته وذكائه وُجِد مثل هذا الشر وترعرع قليلاً قليلاً.

وخذوا مثالاً على ذلك: رئاسة تعليم البنات، لما أنشئت كان المهيمن والجهاز الإداري الموجِّه لها، والحريص على ضوابطها وبرامجها ومنهاجها ثلة من العلماء والقضاة والدعاة وكبار وجهاء الأمة من الصالحين.

فلا يزال تعليم البنات يعطي جانباً طيباً في المجتمع حتى الآن، ويعتبر صورة نادرة في العالم الإسلامي، بل في العالم كله.

فما بالك لو أن هذا الجهاز منذ أن بدأ احتواه الأشرار وتنفذوا فيه وأخذوا ينفِّذون خططهم، لكان في هذا شر عجيب جداً!

الشريط الإسلامي وكيفية استغلاله للدعوة

أنتقلُ بعد ذلك إلى صميم المحاضرة:

أيها الإخوة! سبق أن مر بنا الحديث في محاضرة بعنوان: (مجالات جديدة للدعوة) وقلنا: إن من المجالات المهيأة والوسائل الطبية النافعة: الشريط الإسلامي، فنحتاج إلى من يتخصص في الشريط الإسلامي، ولا أكتمكم أن سبب طرح هذا العنوان، أو طرح هذه المحاضرة، كان بعد أن وصلتني مجموعة من الرسائل:

تسجيلات كذا الإسلامية، صاحبها يقول: أسعفوني وإلا سوف أغلق المحل.

تسجيلات كذا معروضة للبيع.

التسجيلات الفلانية معروضة للبيع.

التسجيلات الفلانية صاحبها يخسر.

لماذا هذا التهاوي؟!

لماذا هذا الانحدار؟!

ما هذا العقد الذي انفرط نظامه، فتتابعت حباته؟!

ما الأمر؟!

نحن على خطر في هذا الجانب.

دور الشريط في الدعوة ودعمه

يا أخي، إذا قلت لك: إن من أسباب انتشار الصحوة، وعوامل ظهورها وفشوها وشمولها في كثير من المجالات: الشريط الإسلامي، أنت توافقني في هذا. فإذا قلت لك: إن الشريط الإسلامي الآن ينقرض شيئاً فشيئاً، أو ينضب معينه شيئاً فشيئاً، معنى ذلك أننا سنواجه مجاعة أو عطشاً في الشريط الإسلامي في يوم من الأيام.

مثال ذلك: لو قلنا: إن مياه منطقة (الوسيع) أصبحت قليلة جداً، وإن مكائن تحلية المياه المالحة أصبحت عاجزة عن التحلية، ألا تفكر بأنك يوماً ما ستواجه عطشاً كبيراً أو مجاعةً كبيرةً بعد سنة أو بعد ثمانية أشهر؛ لأن المعين ينضب رويداً رويداً.

فأقول: إذا استمر الأمر، فهذه التسجيلات الإسلامية ستغلق، وهذه مفلسة، وهذه تنادي، وهذه الديون تتراكم على أصحابها، فنحن على خطر عظيم ونحتاج أن ننتبه لهذه المسألة.

لذلك كان الموضوع: الشريط بين التجارة والدعوة، أو وسائل الدعوة بين الجمود والتطوير.

نعم أيها الإخوة! نحن لا نخفي الغرض التجاري -أيها الإخوة- من كثير من التسجيلات لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198] ليس على الإنسان جناح أن يطلب خيري الدنيا والدين، ولا حرج في ذلك أبداً؛ لكن المشكلة أن بعض الإخوة جزاه الله خيراً، حينما يأتي لكي يشتري الشريط، يقول: أنتم طمَّاعون، وأنا ليس عندي تسجيلات إسلامية حتى أُتَّهم بالدفاع عن أصحاب التسجيلات؛ لكن أقول: إن كثيراً من الشباب حينما يأتي لكي يشتري عشرين أو ثلاثين شريطاً، يقول: بكم تعطينا الشريط؟ بِرِيالَين، بِرِيالَين وربع، بِرِيالَين ونصف، وكأنه يكاسر أصحاب الطماطم من السوق!

يا أخي الكريم! أنت تشتري شريطاً وتخدم الدين من جانبين:

من جانب دعم محل التسجيلات الإسلامية.

من جانب سماعك للشريط، وإسماعه بعد أن تستغني عنه، أو تهديه لمن يستفيد منه بإذن الله جل وعلا.

فإذاً أنا وأنت أصبحنا نقول لهذه لتسجيلات: أنتم عندكم مغالاة في الأسعار، وهذا يقول: هناك عدم قصد لله جل وعلا، هذه التسجيلات هدفها مادي لا أقل ولا أكثر، والرابع يتهم، والخامس يشجب، والسادس يندد، والسابع يتكلم ويغتاب وينم!

يا أخي الكريم! من تنتظر يدعم الشريط الإسلامي؟!

هل ننتظر مركز توزيع الفيديو الفاسد الخليع لكي يدعم الشريط الإسلامي؟!

هل ننتظر مراكز الفساد والفاحشة لكي تدعم الشريط الإسلامي؟!

يا أخي الكريم! لو أنك تشتري كل شريط تضيف على سعره نصف ريال زيادة عما يقول لك القائل، أو ريالاً واحداً، وتقول: هذا الريال من أجل دعم الشريط، أو من أجل أن تهدي مَن تراه مناسباً شريطاً مناسباً، فلا حرج في ذلك، وقد يكون هذا أمراً مطلوباً.

من مشاكل أصحاب التسجيلات الإسلامية

سألتُ كثيراً من الإخوة أصحاب التسجيلات الإسلامية، وطلبت من بعضهم أن يكتبوا لي كتابة خطية عن المشاكل التي يواجهونها، فكان خلاصة ما كتبوا: قضية المنافسة في سعر البيع، وأحياناً احتكار بعض النسخ، أو ما يسمى بالإصدارات، ننصح إخواننا الذين يعتنون بالإصدارات مع إسداء جزيل الدعاء والشكر والثناء عليهم، نسأل الله أن يوفقهم وأن يعينهم، ننصحهم أن يتلطفوا بأحوال أصحاب التسجيلات الإسلامية الصغيرة، وليكن هناك نوع من التعاون، في حين أن الأمر فيه سعة، وكثير من المشاكل بالذات فيما يتعلق بالإصدار حُلَّت أو انتهت؛ لكن تبقى قضية المنافسة في سعر البيع؛ أنا عندي تسجيلات إسلامية مثلاً فتجدني أبيع بأربعة ريالات؛ لكن بجواري واحد يبيع بثلاثة وربع، ونعيش في حرب الأسعار، كأننا في ( منظمة أوبك ) وهذا خطر عظيم لأنه سوف ينتهي بالتالي إلى أن أغلق محلي ويبقى هذا وحده، ثم يأتي من ينافس هذا لكي هذا يغلق ويبقى الثالث، ثم يأتي من ينافس الثالث فيغلق ويبقى فقط رابع، فإذا كان يوماً ما عندنا في السوق مائة محل أو دكانٍ للتسجيلات الإسلامية، بعد نشوب حرب الأسعار سوف تصفي العملية على عشرين أو خمسة وعشرين من محلات التسجيلات الإسلامية، ومن الذي أغلقها؟!

تنافس أصحابها، وتسلط ألسنتنا على أصحابها، ونستكثر أن نزيد ريالاً أو ريالين ونحن نشتري وسيلة من وسائل الدعوة، ولو أن الإنسان استحضر وجمع في قلبه وتصور بين ناظرَيه أنه لا يدفع في الحقيقة ريالاً، وإنما يقدم في موازين الحسنات حسنات يسأل الله أن يلقاها، سواءً كان السعر غالياً أو رخيصاً فإنه لن يستكثر شيئاً أبداً.

...................>>>>>وما مع الحب إن أخلصتَ من سأمِ

أيها الإخوة! بعضهم يقول لي -وكان يوماً ما صاحب تسجيلات أغاني، ثم حول محله إلى تسجيلات إسلامية-: عندما كنت أبيع الأغاني لا يمكن أن أبيع الشريط بأقل من عشرة ريالات -وكما قال عمر رضي الله عنه: [اللهم إني أشكو إليك جَلَد الفاسق وضعف الثقة] يقول: يوم كنا على ضلالة كان الواحد يبيع شريط الأغاني بعشرة ريالات، وما تجد شاباً يكاسرك أو يماكسك في سعره. الآن نبيع الشريط بأربعة أو بأربعة ونصف أو بخمسة، وتجلس ساعة أحياناً مع البعض لكي يشتري منك شريطين أو ثلاثة، بعد مماكسات طويلة، قال: هذا إذا كان الشريط لمطرب واحد، أما إذا كان الشريط منوعاً، فإن تسعيرته تتراوح ما بين ثلاثين إلى خمسين ريالاً ولا يسألك عن الباقي.

فلماذا أهل الباطل وأهل الشر على خلافنا -ولا نحكم على كل من سمع الغناء أنه من أهل الباطل وأهل الشر، لعل فيه خيراً كثيراً، ولعل الله أن يهديه- نقول: لماذا ذاك الشاب يوم أن كان في ضلالة على سماع الملاهي كان يبذل أموالاً طائلة، ربما بعضهم اشترى يومياً بعشرين ريالاً، تجده يصرف على الأشرطة قرابة ثلاثمائة ريال شهرياً، في حين أنك ربما اشتريت بمثل هذا السعر أكثر من خمسين أو ستين شريطاً.

فلماذا نحن الذين نماكس ونحن الذين نزعج أصحاب التسجيلات الإسلامية؟! ولماذا نحن الذين نشغلهم ونقول: أنتم احتكاريون وأنت ماديون، وأنت مصلحيون، وليس قصدكم لوجه الله جل وعلا؟!

هذا مما يفت ويضعف عزيمة صاحب المحل ويقول: لو أنني قلعت هذا الديكور وهذه التسجيلات وسَلِمْت من مراقبة الإعلام؛ هذا ممنوع، وهذا غير ممنوع، والزيارات المفاجئة: ماذا عندك من الأشرطة الممنوعة أو غير الممنوعة، لو أنني بعت دجاجاً؛ (البيض غير ممنوع) والمناقير مسموحة، فلا أظن أحداً سوف يفتش عليك في المحل أبداً، يا أخي، بلا تسجيلات إسلامية وبلا هَم، دعنا نتعاون مع دواجن الوطنية أو الأخوَين، ونبيع دجاجاً وننفك، لا آخر إصدار ولا أول إصدار، دجاجة ذُبِحَت أمس، وبِيْعَت اليوم، ما هناك إشكال! لتجد أن الشاب يميل إلى هذا الأمر ويبتعد عن أن يمارس تجارة بسيطة جداً، في وقت يستهلك عليه أغلب ساعات يومه وليله والمردود المادي أو العائد المادي ليس شيئاً يذكر بالنسبة لمختلف الأنشطة التجارية والمجالات الأخرى، ونكون بهذا قد تسببنا في إغلاق كثير من المحلات.

عداوة الكفر للشريط الإسلامي

أقول أيها الإخوة: خذوا على سبيل المثال إن لم ننتبه لقضية الشريط الإسلامي والتسجيلات الإسلامية، لو قلت لكم: إن المخابرات الفلانية الغربية أرادت أن تقضي على التسجيلات الإسلامية في المملكة مثلاً، واختارت الآتي: اشترت واحداً من العملاء الدخلاء الذين يتكلمون بألسنتنا ومن بني جلدتنا ويتزيون بزينا، وقالت تلك المخابرات عبر سفارتها أو عبر مندوبيها: تعال يا فلان نحن نعطيك (10.000.000) ريال مقابل أن تغرق السوق بالأشرطة الإسلامية، بمعنى: تسجيلات البيان، افتح بجانبها محلاً كبيراً وبِعْ الشريط بِرِيالَين، تسجيلات التقوى افتح بجوارها محلاً وبِعْ الشريط بِرِيالَين، التسجيلات في مختلف المناطق افتح بجوار أو في كل منطقة تسجيلات، واجعل هناك أداءً وتصويتاً وصوتيات، وهذه ميزانية لإغراق وإفساد العمل -عمل التسجيلات الإسلامية- هذه عشرة ملايين إلى عشرين مليون دولار مثلاً، من السهولة أن نقبل جمعياً على هذه المحلات، ثم ماذا بعد ذلك؟ ستُغْلِق التسجيلاتُ الإسلامية أبوابَها، وإذا تنظف السوق -على حد تعبيرهم، ولم يعد يوجد فيه أي تسجيلات إسلامية- ما الذي يبقى؟ يبقى صاحب تلك التسجيلات التي زرعها مدخولاً أو مدسوساً على المجتمع، ثم أغلق جميع ما عنده من المحلات، وخرج وترك السوق فارغاً من التسجيلات.

نعم، وما خطرت على بال كثير منا، ونظن أن الأعداء قد لا يبذلون مالاً من أجل إغراق أو إفساد الشريط ومحاولة التسلط عليه!

يا أخي الكريم! واللهِ لو قيل لمخابرات دول الغرب: إن مائة مليون دولار كفيلة بمحو وقبر الشريط الإسلامي من المملكة لبذلوا ليس (100.000.000) دولار، بل (1000.000.000) دولار مقابل هذا الأمر، وأنتم لا تدرون إلى أي درجة يزعج هذا الشريط الإسلامي مخابرات الدول العالمية، نحن لسنا جنوداً أو جيوشاً لكي نعاديها، لكن نقول: ما الذي أشغلهم؟

الخوف من الحق يشغل الباطل مهما علت منـزلته.

وحسبـكم أن يوماً ما مجلة التايم الأمريكية رَسَمت صورة صقر في يده شريط، صقر بين مخلبيه شريط ومكتوب: (safar,s tab)، يعني: أشرطة سفر الحوالي ، مجلة التايم الأمريكية! سبحان الله العلي العظيم! وما علاقة أمريكا بـسفر الحوالي ؟! ما الذي أزعج أمريكا من سفر الحوالي ؟! ما الذي أزعجها؟!

لندن تذيع مقاطع للشيخ/ سلمان العودة ! ما الذي أزعجها من الشيخ سلمان العودة ؟! إنهم يخافون من الحق حتى ولو كان في نواحي الأرض.

إذاً: فالشريط الإسلامي وسيلة من وسائل الدعوة خوَّفت الأعداء، فلا غرابة أن يتسلطوا لإفسادها والتسلط عليها.

فنحن إذْ ندعم هذا الشريط، وإذ نعتني به ونقبل سعره؛ أربعة ريالات، خمسة ريالات، ونشتري، وأيضاً إذا اشتريتَ شريطاً خُذْ نسختين أو ثلاثة زيادةً من أجل دعم صاحب المحل، ففي هذا خير عظيم، وننتظر أن يوجد تطوير، لا يقف العمل فقط عند هذه المحلات المتناثرة في مختلف الأزقة والطرقات.

مقترح لأصحاب التسجيلات من أجل الدعوة

أيها الإخوة: لماذا لا يجتمع أصحاب التسجيلات الإسلامية اجتماعاً شهرياً لمناقشة قضاياهم ومشكلاتهم؟!

لو أن أصحاب التسجيلات في كل مدينة يجتمعون في كل شهر مرة، وهذا أمر لا غضاضة فيه، ولا حرج عليهم بإذن الله جل وعلا، ويناقشون مشاكلهم: ما هي المخاطر التي تواجه الشريط الإسلامي؟

ونحن نخاطبهم ليس بصفتهم أصحاب محلات يوجد بيننا وبينهم تعاطف قرابة، بل نخاطبهم قبل ذلك وبعده بصفتهم يقفون على رافد من روافد الصحوة، ويمر بين أيديهم نهر من أنهار المياه العذبة التي تغذي الصحوة والدعوة إلى الله جل وعلا، فإن لم يعتنوا بهذه الأنهار، وهذه الأودية لكي يجري الماء فيها عذباً، ولكي يزيلوا مجتمعين أي صخور تقذف بها البحار المالحة أحياناً في طريق هذه المياه العذبة، وإلا فيوماً ما سيجف النبع، ويموت النخيل، وتعود البساتين قفاراً خالية مهلِكة لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه:107] لا ترى فيها مستفيداً ولا مفيداً أبداً.

دعوة أكررها لأصحاب التسجيلات الإسلامية: أن يجتمعوا وأن يستفيد بعضهم من بعض، ليس بصفتهم من إخواننا أو من أحبابنا فحسب، بل بصفتهم يقفون على نهر من أنهار المياه العذبة التي تغذي الصحوة، فليتقوا الله وليجتمعوا وليتعاونوا وليستفيدوا، ولعل من أبسط ثمار اجتماعهم مثلاً: أن يقترحوا شركة لإنتاج الشريط فارغاً، الآن الشريط الأبيض الفارغ يُشترى من أكثر من شركة أو يستورد، بعضها يستورد ربما من الإمارات أو صيني أو كوري أو ياباني أو غير ذلك.

المهم، لماذا لا يتفق أصحاب هذه التسجيلات ويطرحوا شركة مساهمة صغيرة لإنتاج الشريط فارغاً، ويكون هذا الشريط تحت مواصفات معينة، حسب المدد المطلوبة، (46) دقيقة، ساعة، ساعة ونصف، ساعتين، أو مناسباً لجميع الإصدارات المطلوب إخراجها وإصدارها؟!

لماذا لا يحرص الشباب أصحاب التسجيلات على هذا الأمر ففيه خير كثير لهم، بدلاً من أن يستوردوا الشريط بأسعار غالية، سوف تصبح التكلفة بإذن الله رخيصة.

وأظن أنه لا يوجد -في ظني، وليس عندي علم دقيق- مصنع لإنتاج الأشرطة هنا، إلا إذا كان موجوداً أيضاً لا يمنع، نحن لا نريد أن يكون الأمر احتكاراً على (التقوى) ما المانع من أن توجد شركة مساهمة، أيضاً شركة منافسة، ما يمنع من أجل تقديم أفضل العروض وأفضل نوعيات الإنتاج، ففي هذا خير عظيم.

أيضاً يا إخوان، مثلاً أصحاب التسجيلات في (العلية) لماذا لا يكون بينهم نوع من اللقاءات الجانبية، مثل: لقاءات مؤتمر السلام؟! هناك لقاءات كاملة وهناك لقاءات جانبية، ولكن شتان بين هذا وهذا، المهم يكون بينهم لقاءات جانبية لكي يتناقشوا في بعض الأمور، بعضهم ينصح بعض: يا أخي غيِّر محلك، موقعك في زاوية، أو مَزَلٍّ، أو ممر، أو عند مكان ضيق، ننصحك أن تتقدم، أن تتأخر، نبحث لك عمَّن تستدين منه، غيِّر موقعك، غيِّر من إنتاجك، ارفع جودة الإنتاج، المضخمات، المؤثرات الصوتية ...، حتى تساعده يا أخي لكي ينهض بنفسه، لا أن تفرح، فتجد نفسك في ارتفاع وصاحبك في انخفاض، ومعاذ الله أن يكون هذا بين إخواننا أصحاب التسجيلات.

أسلوب دعوي لنشر الشريط الإسلامي

كذلك من أساليب تطوير أن تقوم هذه المجموعة وترسل تصميماً إلى اليابان أو هونج كونج أو أي مكان تريد.

ثم ألا يوجد هذا التصميم -وسبق أن ذكرته في: (مجالات جديدة للدعوة)، توجد في الصناديق الكبيرة؛ تضغط زراً ينـزل بيبسي، تضغط الآخر ينـزل ميرندا، تضغط الآخر ينـزل تيم، تضغط الآخر ينـزل مشروب فيمتو، فلماذا لا توجد هذه وتُصَمَّم؟! أنت أرسل التصميم أو اطرح الفكرة وهم يصنعونها ويرسلونها لك، وتأخذ عليها تصريحاً على الأقل بجوار محلك، إذا كان المحل مغلقاً أنت تضع هذه اللوحة عند المحل.

وما المانع أن تتطور الفكرة لكي توجد هذه الآلات على الأرصفة عند الإشارات، مثل: الصرف الإلكتروني كما في الدعاية: لا حاجة أن تنـزل من سيارتك، يكفي أن تدخل البطاقة الذهبية ويخرج لك المال عداً ونقداً؟!

أقول يا أخي الكريم: لماذا لا نطور ونسعى ونُلِح ونتابع ونطالب حتى يُسْمح بمثل هذه وتوضع على مفترقات الطرق، وعند الإشارات المرورية، بل بمجرد أن تضع خمسة ريالات في هذا الجيب تضغط الزر ينـزل لك مجموعة من الأشرطة، الشيخ/ ابن باز ، ابن عثيمين ، الجبرين ، العودة ، القرني ، الطريري ، سَمِّ ما شئتَ من هذه المجموعة، واختَر ما شئت منها، هذا من تسويق الشريط، ومن الجودة في القدرة على نشره في كل مكان، والفكرة حتى الآن لم توجد، ولعل واحداً منكم يستثمرها أو لعل واحداً من أصحاب التسجيلات الإسلامية يستثمرها.

مركز معلومات الشريط

أيضاً من المشاريع في باب العناية بالشريط الإسلامي ولم تستثمر بعد: مشروع مركز معلومات الشريط.

مركز معلومات الشريط أمرين:

الأمر الأول: أن يوجد مركز معلومات، ليس للبيع، وإنما يكون عنده من كل شريط في أقصى الدنيا، من غربها، أو شرقها نسخة.

وبالمناسبة: يوجد في أمريكا شركة، اطلب منها أي شريط لـعائض القرني تعطيك إياه، اطلب أي شريط لـسفر الحوالي تعطيك إياه، اطلب أي شريط لأي داعية تعطيك إياه، ولكن بحسب القرب والبعد والتكلفة.

إذاً العناية بالمعلومات، أو ما يسمى بثورة المعلومات أمر موجود لدى الغرب واستفادوا منه وسخروه، بل إن كثيراً من مراكز التجسس والمخابرات وكثيراً من الأجهزة الأمنية تعتمد على المعلومات، فلماذا لا نعتمد على المعلومات في تطوير الدعوة، في تطوير أساليبنا، ومجالات نشر هذا الخير الذي نحن نتعبد الله جل وعلا به؟!

الجانب الآخر منه وهو الأهم: أن توجد شركة تفرز المعلومات:

مثلاً: يوجد عندنا عن الجهاد في سبيل الله ثلاثون شريطاً، هذه تفرغ في أجهزة كمبيوتر، يُستقدم لها مفرِّغون، وطابعون على آلات الكمبيوتر، ومبرمجون، بحيث يكون هناك تحليل للمعلومات، أي معلومة تريدها عن الجهاد من هذه الأشرطة نحن مستعدون أن نعطيك الورقة بعشرين ريالاً أو بثلاثين ريالاً.

معلومات عن الجهاد، مَن تكلم عنه؟ عندك ثلاثون محاضراً تكلموا عن الجهاد؛ أساليبه، فرضيته، ميادينه، الجهاد ... الجهاد ... فنقدم لك هذه المعلومات.

وجود مركز أبحاث ومركز دراسات يحلل هذه المعلومات بعد تفريغها ويوزعها سواء على عناصر أو على أبواب.

هذا في حد ذاته أيها الإخوة سوف يخدم الدعوة، ونحن وبصريح العبارة في الدعوة إلى الله جل وعلا آخر الناس تفكيراً في مراكز الأبحاث والدارسات.

إن مراكز الأبحاث والدراسات مهمتها أن تقيِّم وتقوِّم التجارب، مثلاً التسجيلات الإسلامية لها ثمان سنوات، هل وُجِد بحث يقيِّم الشريط الإسلامي؟! يقيِّم هذه التجربة؟! يبيِّن العيوب الموجودة في التجربة؟! المجالات التي لم يغطِّها هذا الشريط، المجالات التي أُغْرِقت وزاد الكلام عن حده فيها؟! هذا غير موجود أبداً.

ولأجل ذلك فلا غرابة أن تبقى بعض الجوانب منسية، وأن يبقى الإغراق والفيضان متتابع على بعض المجالات، وبعض المجالات تبقى شحيحة حتى هذه الساعة، ما لم يوجد مركز أبحاث ومركز دراسات.

مثال آخر -والشيء بالشيء يُذْكَر-: هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل توجد مراكز للأبحاث والدراسات؛ أساليب الهيئة، رجال الهيئة، تدريب رجال الهيئة، الرفع من كفاءاتهم، الرفع من مرتباتهم، طريقة تمكين هؤلاء الرجال في المجتمع، حماية أعراضهم، مَن الذي يسعى إلى تشويه صورهم، مَن الذي يسعى إلى نشر الشائعات ويختلق الأكاذيب والافتراءات حولهم.

لا بد حينما توجد مجموعة معلومات ومراكز أبحاث ودراسات سوف نكتشف مواقع الخلل؛ مَن الذين يُوَكَّلون بنشر الإشاعة عن الهيئة.

من الذين يختلقون ويفترون الأكاذيب.

كيف نطور هذا الأسلوب.

هل يوماً ما فكرنا أن نوزع استبيانات على جميع أصحاب الدكاكين: اسمك؟

نوع تجارتك؟

هل تفضل أن توجد الهيئة في هذا السوق؟

إذا كان الجواب: لا، لماذا؟

هل تحب أن رجل الهيئة يحدثك على انفراد؟ هل ترغب أن يكون كذا، اطرح مائة، أو مائتي سؤال في الاستبيان، وقدمها لمجموعة محللي معلومات ليستخلصوا منها قرارات، هذا غير موجود حتى الآن، وربما يوجد على مستوى محدود، الله أعلم، لكن لو وجد بالقدرة والقوة الفاعلة المؤثرة، لاستطعنا أن نرفع من مستوى الهيئة، لكن:

تسألني أم الوليد جمـلاً>>>>>يمشي رويداً ويجيء أولا

مَن لي بمثل مشيك المدللِ>>>>>يمشي رويداً ويجي في الأولِ

الهيئة في المرتبة الثانية والثلاثين، بند العمال، بند الأجور، ونريد أن يعطونا أفضل الكفاءات، كَثَّر الله خير العاملين فيها، الواحد منهم راتبه ألف وثمانمائة ريال، ويسهر الليل والنهار، ويشقى بعيداً عن أهله، ويصرف من جيبه، ومع ذلك لا يسلم عرضه من ألسنة المرجفين وبعض المنافقين، حسبنا الله ونعم والوكيل!

أقول أيها الإخوة: مركز معلومات الشريط هذا أمر مهم، وأبشِّر أنه مشروع ناجح، والذي يريد أن يتبنى هذا المشروع فأنا مستعد أن أعطيه مجاناً دراسةً لجدوى المشروع، وما يحتاجه، ورأس ماله، وتكلفته، وعدد أجهزة الكمبيوتر، وعدد الموظفين، والآلات الطابعة، أعمل له دارسةً مجانيةً في هذا.

أسلوب دعم الشريط بتقديمه للإذاعات

كذلك أيها الإخوة من المجالات التي نستطيع أن ندعم فيها الشريط الإسلامي: اختيار المواضيع الجيدة، وتقديمها إلى الإذاعة:

حينما تسمع في الأخبار زار وزير الإعلام الفلاني الدولة الفلانية، وقابل وزير إعلام الدولة الفلانية، وبعد ذلك اتفقا على التعاون الإعلامي بينهما، ما هو التعاون الإعلامي؟

عندنا قليلٌ من الأفلام الساقطة نعطيك إياها، هذا جزء من التعاون.

بعد ذلك ماذا قدمنا للإسلام؟ العمل القليل هو الذي ينفع، بل قد لا يوجد في مثل هذه الاتفاقية شيء يخدم الإسلام في كثير من الأحيان إلا من رحم الله وقليل ما هم، لماذا؟

لا تقدم التسجيلات الإسلامية أشرطة ريل، قد يقولون: الشريط الكاسيت لا يصلح، وهناك مواصفات معينة لما يذاع، نقول: يا أخي الكريم مستعدون أن نصفِّي هذه الأصوات، نجلب مضخمات، نجلب مصفيات، نجلب أجهزة تحوِّل هذا الصوت إلى صوت مناسب إذاعياً ونقدمه، تريد موضوعاً غير حساس لا يضيِّق صدرَك؟ تفضل هذا موضوع بعيد عن الأمور التي أنت تخشى أن يُتَحَدَّث فيها، المهم طور إنتاجك، اتصل بإذاعة الدولة الفلانية، وإذاعة الدولة الفلانية، ابحث لك عن مكتب تجاري في الدولة الفلانية، حتى لا يُقال: إنك اتصلت بدولة أجنبية متخطياً الحدود، نقول لك: ابحث لك عن تعاون تجاري، ممثل تجاري، ممثل تسويق خدمات تجارية، أو خدمات إعلامية، عندي (30) حلقة في التاريخ، عندي (30) حلقة في السيرة، قد سُجِّلت على أشرطة ريل، أو أشرطة عالية الأداء، من الممكن أن تقدَّم كحلقات وبرامج للإذاعة الفلانية، في الفترة الفلانية، ما المانع يا أخي؟!

نستطيع أن نطور هذا الجهاز ونجعل التسجيلات الإسلامية والشريط الإسلامي من أوسع مجالات الاستثمار المالي والدعوي، الذي يخدم ويضمن نهراً متدفقاً عذباً زلالاً مستمراً يخدم الدعوة إلى الله جل وعلا.

كذلك من المجالات الممكنة: أن تسجل بعض المحاضرات في الجامعات إذا أُذِن:

لأن بعض الأساتذة لا يأذن، وبعض الجامعات لا تأذن، لكن بعضها تسمح، بالذات فيما يتعلق بالدراسات العليا وغيرها فإنها تسمح بذلك فما المانع أن تسجلها كما هي الدروس التي تسجل للشيخ/ ابن باز ، وابن عثيمين ، متع الله بهم.

فبالإمكان أن عدداً من الذين يرغبون أن يسمعوا وأن يزيدوا من مستوى قدراتهم ومعلوماتهم -وليس بالضرورة أن يريدوا الحصول على شهادة لكن يريد أن يستفيد- من الممكن أن نطور هذا المجال؛ لكن أن نحصر الشريط الإسلامي:

وُجِدَت محاضرة!

الحقوها يا تسجيلات وسجلوها.

وماذا بعد ذلك؟

هذا آخر من عندنا، نصفيه وننقله من فيديو إلى كاسيت، ومن كاسيت ننسخ منه ونوزعه.

ثم أيضاً من نعم الله على أصحاب التسجيلات التي ينبغي أن يحرصوا على العناية بها: أنهم لا يطالَبون بحقوق، وهذه لا نقولها مِنَّة مِنَّا لهم، لا؛ لأننا لم نقدم شيئاً يُذْكَر وليست بأفضل المواد التي نقدمها؛ لكن حقيقة الأمر بالنسبة لنا لا يجوز أن يتاجر الإنسان بالآية والحديث، قَلَّ الأمر أو كثُر، لكن بالنسبة لهم فإن ما يستثمرونه في هذا المجال هو نشر للخير واستثمار للمال في مجال جديد أو في تربة جديدة لم يستفَد منها أيضاً.

أهمية دعم مجال المرأة

من مجالات الدعوة، أو من المجالات التي تحتاج إلى تطوير ولا تزال حتى الآن شحيحة أو ضحلة من حيث المعلومات والأفكار والتجارب: مجال الفتاة المسلمة، أو مجال المرأة المسلمة :-

الآن يوجد داعيات مسلمات، ليست فقط ملتزمة بل داعية؛ لكن تريد من يتحدث لها عن مجال الدعوة: كيف تعمل؟!

لماذا فتاة تأثرت بالغرب أو تأثرت بـهدى شعراوي أو درية شفيق من هؤلاء العلمانيات الذين جروا على الأمة مصيبة التحرر، أو ما يسمى بحرية الوصول إلى المرأة، أو الذي يسمونه: حرية المرأة، لماذا لا يُفْتَح المجال لها؟!

كيف تستغلين الجمعيات الخيرية النسائية للدعوة إلى الله جل وعلا؟!

ما معنى أن الجمعية الفلانية يجتمع فيها فلانة وفلانة وفلانة؛ عرض أزياء، وطبق خيري، وعشاء خيري، والنهاية فيها بلاء؟!

بعيني رأيت مجموعة رجال ونساء في مجلس واحد -صورتهم- لمناقشة الطبق الخيري، أو السوق الخيري، وآثار انعكاسه على مساعدة الفقراء والمحتاجين. (إن الله جل وعلا طَيِّبٌ لا يقبل إلا طيباً) اجتماع رجال مع نساء، وفيه من الابتسامات، وفيه من الدياثة، وفيه من العهر ما الله به عليم، وأي عهر أعظم من أن الرجل لا يمت إلى المرأة بصلة يجلس معها! هذا في الصورة، كان فريق هنا وفريق هنا؛ لكن بعد ذلك وُجِدَت الفضيحة، سواء كان اختلاطاً أو غيره.

والله ما كل ما يُعْلَم يُقال، وحسبنا الله ونعم الوكيل!

أقول: ما الذي يمنع الفتاة المسلمة أن تكون جريئة؟!

ما الذي جرأ المرأة الفاسدة، أو المرأة المنحرفة على أن تجتمع بالرجال وأن تختلط بهم، وأن تطرح فكرة الاختلاط عبر السوق الخيري، والطبق الخيري، وعبر هذه الأفكار؟!

هذا مشروع، يمكن أن يُستغل السوق الخيري في خير، ويمكن أن يُستغل لاختلاط، ويمكن أن يستغل لشر، ويمكن أن يستغل لأمر تافه.

فأقول: ما الذي يمنع الفتاة المسلمة، أو يمنعنا أن نوجد من هذا الشريط الإسلامي أفكاراً دعوية عملية حركية، توجه الداعية المسلمة: كيف تستغل مدارس البنات في فترة المساء؟ كيف تستغل الجمعيات؟ كيف تستغل بعض المنتديات التي تكون مخصصة للنساء؟ أو فقط هذا والله منتدى للنساء، معنى ذلك: لا يحضره إلا المتبرجات العاهرات وليس للطيبات فيه نصيب؟! لا، لا بد أن توجد المنافسة وأن توجد المقارعة، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء:18].. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان:33] لماذا نظن أن الحق الذي عندنا متخلف وضعيف؟!

ثم بعد هذا أيها الإخوة أقول: ما الذي يمنع أن نجمع أصحاب العقول المتميزة؛ أساتذة جامعات، رؤساء أقسام، أصحاب استثمارات عالية من كبار الأثرياء الذين عُرفوا بالذكاء في الاستثمار والشركات، وفتح مختلف المجالات لجلب المال واستثماره وتوظيفه بطرق سريعة ودورة مالية سريعة جداً، لكي نتدارس معهم كثيراً من المجالات التي من شأنها أن تخدم الدعوة، ومن شأنها أن تخدم هذا الشريط الإسلامي الذي هو من أعظم الوسائل والأساليب.

هذا ما عندي، فإن كان صواباً فمن الله وحده لا شريك له، وإن خطأ فمن نفسي ومن الشيطان.

وأستغفر الله لي ولكم.

الأسئلة

فضيلة الشيخ: وصلت إلينا أسئلة كثيرة كما ترى وأكثرها صُدِّرت بقولهم: إنا نحبك في الله، فليجبكم الشيخ على ذلك.

أحبكم الله الذي أحببتمونا فيه، وأسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجمعني بكم في جناته بمنه وعفوه وكرمه، إنه أرحم الراحمين.

أهمية توزيع الأشرطة رغم المنازعات

السؤال: إني في كل مناسبة وخاصة مع الأقارب أقوم بتوزيع الأشرطة، وأجد في ذلك الهجوم وعدم القبول لهذه الأشرطة، فهل أستمر على ذلك أم ماذا؟ علماً أن لديهم منكرات مُجاهَرٌ بها؟

الجواب: نعم، ننصحك بأن تستمر على هذا، بإذن الله جل وعلا يوماً ما ستجد أن هذا الذي يرمي الشريط في وجهك، أو يرمي به عرض الحائط سيسمع ولو مقطعاً منه يشده ويكون باباً إلى هدايته، وأذكر -وسبق أن ذكرتُ هذا- أن فتاة كانت هدايتها بسبب شريط في طريقها، لعله رُمِي إليها، أو رماه أحد، أو سقط من أحد، فرمته برجلها أو أبعدته برجلها، ثم قالت: ماذا يكون هذا الشريط من أشرطة الأغاني؟! كل فنان جديد وعندي من أشرطته، قالت: ما يمنع أن آخذه، فأخذته، وسمعت منه مقطعاً، فتأثرت بهذا المقطع، وتابعت القصة، وأعادت الشريط، فكان سبباً لتوبتها وهدايتها.

يا أخي الكريم إنك لا تدري في أي طعامك البركة، هل هو في أول شريط وزعته، أو في عاشر شريط وزعته، المهم استمر وحسبك أنك تؤجر، وأنت سبب والله هو الذي يقدر الهداية سبحانه.

كسر حاجز الحياء للداعية

السؤال: أنا رجل ملتزم بحمد الله، ودائماً أفكر في الدعوة إلى الله حتى وأنا في الفراش، حتى وأنا جالس، فكلما أردت أن أتكلم في الميكرفون استحييت، فأرشدني إلى فعل الصواب وجزاك الله خيراً؟

الجواب: ننصحك أن تشتري ميكرفوناً في البيت وتتحدث أولاً.

أخي الكريم: (لا ينال العلم مُسْتَحٍ ولا مُستكبر) ولكل جواد كبْوَة، ولكل فارس نبْوَة؛ لكن يا أخي الكريم نقول: إن إخوانك من الخطباء، أو ممن يبذلون ما يقدرون عليه في باب الدعوة إلى الله جل وعلا ما نزلوا من بطون أمهاتهم خطباء، وما تخرجوا من الابتدائية دعاة، وإنما كان الأمر محاولة حتى وصلوا إلى ما ترى على ما فيهم من الخلل والقصور.

أخلِق بذي اللب أن تقْضَى حوائجَه>>>>>ومدمن القرع للأبواب أن يلجا

حاول وردد هذه المحاولة، المرة الثانية، المرة الثالثة، المرة العاشرة، وستصيب بإذن الله جل وعلا.

ومن قال لك: إن هذه المحاضرة الآن التي ألقيتُها عليك سَلِمَت من الأخطاء أو العيوب؟! أنا الآن وأنا أحدثكم أتجاوز الكلمة فأعرف أن فيها خطأ، وأعود أسمع الشريط أحياناً فأجد أن عندي عشرين، أو ثلاثين خطأً في هذه المحاضرة؛ لكن أعالجه في المحاضرة اللاحقة فيبقى عندي خمسة وعشرون وفي التي تليها عشرون.

ويا أخي الكريم! أنت لست متعبداً بأن يكون العمل (100%) خالياً من النواقص، أنت اجتهد، عليك أن تسعى إلى الخير جهدك.

على المرء أن يسعى إلى الخير جهده>>>>>وليس عليه أن تتم المقاصدُ

فإذا بذلت ما في وسعك بإذن الله جل وعلا، سيتحقق هذا.

أيضاً ننصحك بالدُّرْبة والمِرَان، بمعنى: ابحث عن مساجد على أطراف المدينة، مسجد فيه مجموعة من العمال، استعن بالله وتعلم فيه، لا حرج، قد يكونون ممن لا يتحدثون إلا الأردية أو البنغالية أو شيئاً من هذا، المهم في آخر كلامك ارفع يديك وادعُ الله لنفسك ولهم فسيؤمِّنون، وهذا خير منك لهم، جزاك الله خير الجزاء على ما فعلت.

ولا أكتمكم أننا كنا نفعل ذلك، أعرف بعض الإخوة كنا وإياهم نفعل ذلك، حتى أقول: المسجد الفلاني اتركه لي ذاك اليوم، فأنا ذاهب إليهم إن شاء الله.

فالمسألة وما فيها أخي الكريم: تدرَّب وتعوَّد، ابدأ بالمساجد التي في نواحي البلاد، في الهِجَر، في البوادي، بقدر ما عندك، وإياك والإطالة، ولا تبدأ مرتجلاً، ابدأ بورقة، ابدأ بعناصر، ابدأ بالحديث؛ اكتبه في ورقة معينة، ثم علق عليه بجملتين، ومراراً وتكراراً، أيضاً قد تردد موضوعاً معيناً عشر مرات، مثلاً: تكتب لك موضوعاً بما فيه من الآيات، والأحاديث، وبعض أبيات الشعر، وأقوال السلف ، ثم تلقيه في مسجدٍ ناءٍ في طرف مدينة الرياض شمالاً، وآخر جنوباً، وتردد نفس الموضوع مراراً، هذا يعطيك مَلَكة، ثم تكتب موضوعاً آخر وتعيده، يعطيك مَلَكَة أخرى بإذن الله، وكل واحد فيكم فيه موهبة، ولكن إما احتقار الذات وإما أن الشيطان يخزيه ويخسيه، ويقول: أنت لست بكفء أن تفعل شيئاً، أو أن تقول شيئاً، فيستجيب لهذه الوسوسة، فاستعذ بالله، وابدأ من هذه الليلة، صلاة الفجر إن شاء الله ابحث لك عن مسجد وحدث فيه.

دعوة شباب الأرصفة

السؤال: كما تعلمون أن من أنجح وأعظم وسيلة للدعوة إلى الله الجلسات الإصلاحية التي تقام على الأرصفة، فما هي أخبارها؟ وهل ستُعاد كما كانت؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: والله يا إخوان، هذه من أطيب وأجمل الأساليب التي رأيتها، وأكرمني الإخوة بدعوة للمشاركة فيها، وحضرت ذات ليلة، وشَرُفْتُ كثيراً لما علمت أن فضيلة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين كان ممن جاء تلك الليلة، وألقى كلمة قلت: سبحان الله! كأن هذا الشيخ ليس في عمره الذي أراه، دخل إلى قلوب الشباب بأسلوب وبعبارات وبحديث من الروح إلى أعماق الروح، كان مؤثراً جداً، أتدرون مَن الحضور يا إخوان؟ هناك شريحة من الشباب لا يدخلون المساجد إلى الآن، هناك شريحة من الشباب لا يمكن أن تجده إلا على الرصيف، أو ستجده في السجن، فكيف تصل إليه؟! الله جل وعلا قال لموسى وهارون: فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:16].

يا أخي الكريم: الأصل أن الداعية يأتي إلى أهل الفساد، ويأتي إلى المقصِّرين، وإلى العصاة والمذنبين، في أوكارهم وأماكنهم؛ لكن أنا أقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، نسأل الله أن تعود هذه الجلسات عاجلاً غير آجل.

وأيضاً ما الذي يمنع أن تعاد هذه الجلسات وتزوَّد بمجموعة من رجال الأمن المدني، ومجموعة من خبراء علم النفس والاجتماع والباحثين التربويين؛ لكي يعرفوا أثر مثل هذه الجلسات؟!

ولو كان ثمة شر يُراد من هذه الاجتماعات ما أقيمت علناً، الذي عنده شر تجده دائماً يتدسدس أو يختبئ أو يتحدث وراء الكواليس؛ أما رجل على الرصيف يقول: هذه بضاعتي فانظروها، هل تظن أن وراءه شر؟!

ما يمنع إذا أقيمت مثل هذه الجلسة أن يحضرها عدد يكفي من رجال الأمن العلني والمدني والسري وغيره، ويحضرها عدد من الباحثين التربويين وأساتذة جامعات؛ ليقيِّموا التجربة، يقولوا: هذا أسلوب صالح، هذا أسلوب غير صالح، المهم أن يُتْرَك المجال لهؤلاء الشباب الذين قدَّموا من جهدهم ووقتهم وأفكارهم، وتعب وعرق جبينهم ما يدعون به ضالاً أو منحرفاً أو شاباً لا يعرف الطريق إلى المسجد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الشريط الإسلامي بين التجارة والدعوة للشيخ : سعد البريك

https://audio.islamweb.net