إسلام ويب

إن للتزكية عدة عوامل، منها: غض البصَر، وحفظ الفروج، والابتعاد عن الفتن بكل أنواعها من شهوات وشبهات، ولذلك قال الله عز وجل بعد الأمر بغض البصر وحفظ الفروج: (ذلك أزكى لهم)، أي: أطهر وأنقى لمن غض بصره وحفظ فرجه. فعلى المسلم أن يسعى جاهداً إلى تزكية نفسه، وتطهير قلبه من المعاصي والذنوب حتى يكون نقياً طاهراً زكياً.

النظرة المسمومة والآثار المترتبة عليها

الحمد لله رب العالمين، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، صلى الله عليه وسلم وبارك، وعلى آله ومن دعا بدعوته وعمل بسنته ونصح لأمته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:30-33].

في ظلال كتاب الله من سورة النور نقف مع هذه الآيات التي نحن أحوج ما نكون إليها دائماً وأبداً، واليوم تزيد حاجتنا إلى هذه الآداب والأخلاق، لعل الله سبحانه وتعالى أن يرفع ما بالمسلمين من بلاء ومصيبة، سيما أن كثيراً من المسلمين قد ضيع هذه الأوامر، وانفلت من القيد، فأصبحت أخلاقه على خطر، بل أصبح وجوده في هذا الكوكب على خطر عظيم، نسأل الله العافية والسلامة.

وسورة النور ركزت في نصفها الأول على الأخلاق والفضائل، ومحاربة الزنا والفواحش؛ لأن الزنا ما حل بأمة من الأمم إلا وسقطت من عين الله سبحانه وتعالى، وكذلك السفور والتبرج والخلاعة ما منيت بها أمة من الأمم إلا وقعت في شباك الشياطين شياطين الإنس والجن.

وسورة النور -أيضاً- ذكرت العوامل التي تكفل للإنسان أن يبتعد عن الفاحشة، ولا أقول: عن الجريمة؛ لأن الجريمة أصبحت في مفهوم العصر -مع الأسف- هي الذنب الذي يتأذى به الناس، أما ما يعصى به الله عز وجل من فواحش البشر ومن سيئات البشر فأصبح في مفهوم الناس لا يسمى جريمة، أما هذه الفاحشة فإن الله تعالى قد حاربها وسد كل طرقها ومسالكها بوسائل كثيرة، منها:

أولاً: الحد، يقول عز وجل: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، ثم صيانة المجتمع من الحديث الذي لا يجد رادعاً، ويسمى في مفهوم الإسلام القذف، وقد أمر الله عز وجل بجلد القاذف ثمانين جلدة، حتى لو كان صادقاً إذا لم يجد شهوداً يكملون العدد؛ لأنه إشاعة للفاحشة، وأي مجتمع لا يوجد فيه رادع لهذه القالة ييسر وجود الفاحشة في هذا المجتمع.

إذاً لو شهد ثلاثة شهود على إنسان بالزنا ولم يأتوا برابع فإن كل واحد منهم يجلد ثمانين جلدة، بدليل قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4] كل هذا حتى لا يتحدث الناس بمثل هذه الفاحشة.

والقذف من أكبر المعاصي عند الله عز وجل، ولذلك رتب عليه عقوبة وحداً.

وسنتكلم عن الطريق التي توصل إلى الفاحشة، وهي تعتبر في حقيقة الأمر وفي واقع الناس أخطر طريق للفاحشة، ألا وهي النظرة المسمومة التي يقول الله عز وجل عنها في الحديث القدسي: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من أجل مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه) هذه النظرة الخطيرة التي لربما لا يقيم لها الإنسان وزناً، ولربما يظن أن الله قد غفل عنه عند هذه النظرة، وينسى أن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، نظرة صغيرة تتبعها نظرة أخرى تتلوها نظرات، يتبع ذلك عشق وغرام، وانشغال قلب، يتبع ذلك تخطيط وبحث عن الفاحشة، وينتهي الأمر -نعوذ بالله- بأكبر الكبائر وبأكبر الآثام ألا وهو الزنا، ولذلك يقول الله: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] وفي الآية الثانية: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31].

فما صلة البصر بالفرج؟

الصلة واضحة ومؤكدة، فإن النظرة توصل إلى فعل الفاحشة، ولذلك يقول الشاعر:

كل الحوادث مبدؤها من النظرومعظم النار من مستصغر الشرر

أي: كما أن شرارة صغيرة قد تهلك أمة بالحريق فإن النظرة مهما كانت -صغرت أم كبرت- فهي سامة تحدث فساداً عريضاً في أمة.

فالنظر يقترن بفعل الفرج، والدليل على ذلك قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30].

والنظرة معناها رؤية العين لعورة أو لجمال أو لأمر من الأمور يحدث فتنة، فهذه النظرة خطيرة، بدليل أن الله تعالى أعقبها بصيانة الفرج وبحفظ الفرج، فمن لم يحفظ بصره فإنه يصعب عليه أن يحصن فرجه، ولربما يتساهل في النظرة، لكنه لن يتساهل بها حينما يرى آثارها في نفسه وفي أمته، ولذلك يقول الله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) هذا أمر من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقول للمؤمنين، وهذا أبلغ في أمر الله عز وجل أن يكلف رسوله بتبليغ المؤمنين هذا الأمر، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله.

قوله: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) الغض معناه في اللغة: إطباق الجفن على الجفن ومعناه في الحقيقة: عدم النظر إلى عورة من العورات وإن لم يؤد ذلك إلى إطباق جفن على جفن.

فليست كل نظرة محرمة، وإنما النظرة المحرمة هي التي إلى غير المحارم، ولذلك يقول الله تعالى: (مِنْ أَبْصَارِهِمْ) ولم يقل: يغضوا أبصارهم. لأن غض البصر عما أباح الله ليس أمراً واجباً ولا مطلوباً، وإنما المطلوب والواجب أن يغض البصر عما حرم الله عز وجل من النظر الحرام.

والنظرة المحرمة إذا كانت الأولى فإنه يسامح فيها الإنسان، والمقصود بالنظرة الأولى غير المقصودة، كأن يفتح بصره فيقع البصر على امرأة من غير محارمه، فعليه أن يتقي الله عز وجل وأن لا يعيد النظرة مرة أخرى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن لك الأولى وعليك الثانية) وليس معنى ذلك أن الأولى يسامح فيها مهما امتدت، وإنما نظرة الفجأة التي ينظر بها الإنسان إلى ما حرم الله دون إرادة، فعليه أن يغض بصره ولا يعيده مرة أخرى، وحينئذٍ يسامح على النظرة الأولى، ولكنه لا يسامح على النظرة الثانية، فالنظرة الثانية من الصغائر، ولربما تتلوها صغيرة وصغيرة حتى تصل إلى كبيرة، ثم تصل إلى أكبر الكبائر، وعلى هذا فإن غض البصر أمر واجب؛ لأنه لا يتم الواجب -وهو صيانة الفروج- إلا به (وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وهذه قاعدة شرعية معروفة.

توجيه المؤمنين بغض البصر وحفظ الفروج لحصول التزكية

قوله: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ ) قال: للمؤمنين. ولم يقل: للناس. لأنه لا يتقيد بهذا القيد ولا يلتزم بهذا الأمر من أوامر الله عز وجل إلا المؤمنون، أما غير المؤمنين فإنهم لا يبالون، نظرة تتلوها نظرة تتلوها نظرات، يتلوها فعل كبائر يتراكم بعضها على بعض، ولربما تنتهي هذه الكبائر بكبيرة عظيمة قد تخرج هذا الإنسان من قاعدة الدين ومن دائرة الإسلام بسبب نظرات؛ لأن الله تعالى يقول: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] وكم من الناس من خرج عن دائرة الدين وانحل وانحرف وألحد بسبب نظرة، وكانت النظرة في بادئ أمرها صغيرة، لكنها ما زالت تتضخم وتكبر حتى وصلت إلى فاحشة عظيمة.

قوله: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أي: أن يحفظوها من الوقوع في الفاحشة. أي: قل للمؤمنين أن لا يزنوا. وهذا هو الرأي الراجح في قوله تعالى: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)، وإن كان طائفة من العلماء قالوا في قوله تعالى: (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ): أي: أن يصونوا الفروج حتى لا ترى، فكما أنهم مطالبون بعدم النظر إلى عورات الناس فهم -أيضاً- مطالبون بصيانة فروجهم وأهليهم حتى لا ينظر إليها إنسان، فتعقب تلك النظرة الفساد، لكن كما تقدم أن الأقوى والأرجح -والله أعلم- في معنى (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أي: أن يحفظوها من الفساد ومن الزنا، ومن هنا يكون التجانس بين النظرة وبين الفعلة، فالفعلة تكون نتيجة من نتائج النظرة، كما قال القائل:

نظرة فابتسامة فموعد فلقاء

وهذا شيء معروف عند الناس، فإن النظرة تعقبها محرمات كثيرة، يقول الله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، ولربما تكون النظرة سهلة في بادئ أمرها، ولكنها صعبة عندما تجر وراءها آثاماً عظيمة.

قوله: (ذلك) الإشارة تعود إلى غض البصر وحفظ الفرج، أي: حفظ الأبصار وحفظ الفروج أزكى لهم.

قوله: (أزكى لهم) معناه: أطهر. أي أن الذي لا ينظر أزكى من الذي ينظر، وكذلك الذي يحفظه الله عز وجل من الفاحشة أزكى من الذي يقع في الفاحشة، وليس المراد أن صاحب الفاحشة زكي، فقد تكون (أفعل) هذه لا تفيد التفضيل، وإنما تفيد أن الزكاء لا يكون إلا لمن يحفظ فرجه، فإذا لم يحفظ فرجه فإنه قد فقد مقوم الزكاة إذ لم يزك نفسه، يقول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] أي: من طهر نفسه وحفظها من المعصية والكفر والفسق.

ثم قال: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (خبير) على وزن (فعيل) صيغة مبالغة من الخبرة الشديدة، والخبير -كما هو معروف في علم اللغة- هو الذي يدرك الأمور الدقيقة. فتقول: فلان خبير في علم الزراعة، فلان خبير في علم الاجتماع، خبير في كذا. أي: عنده خبرة جيدة. وهذا بالنسبة للناس، لكن خبرة الله عز وجل لا تساويها خبرة، فهو سبحانه يعلم كل ما يصنعه الإنسان ويفعله؛ لأنه الخبير الذي يدرك الأشياء الخفية التي ربما تكون في ظلام الليل وخلف الأستار المرخاة وفي غيبة أعين الناس.

فالنظرة الصغيرة التي لا يراها أحد من الناس هي في علم الله عز وجل مسجلة حتى يتجاوز الله عز وجل عنها، فالله تعالى -كما قال عن نفسه-: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ [غافر:19] أي: إشارة العين وهي النظرة.

وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] أي: يعلم سبحانه الذي لم يفعله الإنسان، أي: ما ينويه وما يفكر فيه.

إذاً هذه هي الخبرة بالنسبة لله عز وجل، وهي: إدراك الأمور الخفية.

وختام الآية: إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] لبيان دقة الإدراك في مثل هذه الأمور، أي: لا تظنن -أيها الإنسان- أنك حينما تنظر إلى جمال امرأة أو إلى عورة وقد خَفِيتْ نظرتُك هذه على الناس أنها قد خفيت على الله عز وجل، فالله تعالى خبير، أما الناس فإنه يغفل بعضهم عن بعض، لكن الله تعالى لا يغفل مثقال ذرة، ولا يغيب عنه شيء في الأرض ولا في السماء.

إذاً -يا أخي- وأنت تنظر إلى ما حرم الله تصور أن الله تعالى يراقبك وإن غفل عنك الناس.

حكم نظر المرأة إلى الرجل

النساء مطالبات بغض البصر، يقول سبحانه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] أي: وقل -يا محمد- للنساء المؤمنات يغضضن من أبصارهن. والغض معناه: إطباق الجفن على الجفن. أي: عدم النظر إلى ما حرم الله، و(من) للتبعيض؛ لأن هناك نظرات مباحة.

وهنا يرد السؤال: هل المرأة ممنوعة من أن تنظر إلى الرجل؟!

جمهور العلماء على أنه لا بأس بنظر المرأة إلى الرجل بدون شهوة، وما ورد من حديث نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن النظر فالحديث فيه ضعف، لكن بشرط أن لا تكون هناك شهوة إذا نظرت المرأة إلى الرجل، فإذا كانت النظرة بشهوة كان الإثم، وكان ذلك وسيلة إلى الوقوع فيما حرم الله، ولذلك يقول الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) لأن نظرة واحدة إلى رجل وضيء، أو إلى رجل قوي، أو إلى رجل وسيم قد تلفت نظر المرأة وتحرك شهوتها وتثيرها، كما أن نظرة الرجل إلى المرأة تثيره.

يقول عز وجل: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) وجه الخطاب للمؤمنات؛ لأن النساء الفاسقات لا يستحققن أن يوجه إليهن الخطاب، وإن كان الخطاب موجهاً للجميع، حتى الفاسق والفاسقة كلاهما مطالبان بعدم النظر إلى الحرام، لكن المؤمنون هم أولى من يأخذ بهذه الأوامر.

قوله: ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) أي: فلا يقعن فيما حرم الله. على المعنيين السابقين في الآية السابقة التي قبل هذه.

ويمكن أن يكون معنى قوله: (وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) أي: لا يكشفن الفروج حتى لا ينظر إليها أحد من الناس فيقع في الفاحشة. وهذا المعنى ضعيف، أما المعنى القوي فهو كما يوافق الآية السابقة: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) أي: لا ينظرن إلى ما حرم الله؛ فإن هذه النظرة قد توقعهن في الزنا؛ لأن المرأة قد تعشق الرجل كما يعشق الرجل المرأة.

ثم لما كان شأن المرأة أخطر وأعظم من شأن الرجل جاء التفصيل في النظر، ما هو النظر المباح، وما هو النظر المحرم، وإلى من يجوز أن تنظر المرأة، وإلى من لا يجوز أن تنظر، ومن يجوز أن تبدي له شيئاً من الزينة، ومن الذي لا يجوز لها ذلك عنده، هذه كلها قيود يلزم المرأة المسلمة أن تأخذ بها كاملة، سيما ونحن في عصر منيت الحياة فيه بفساد عريض، وانتشرت وسائل الحرام، فأصبح الأمر خطيراً، فأصبحت المرأة تكاد تكون عند طائفة من الناس مخيفة أن يبتلى أحد بشيء من البنات، وهو يرى الفساد يسري في المجتمع بهذا الشكل.

يقول الله تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) الإبداء معناه: الإظهار، والزينة معناها: ما تتزين به المرأة، سواء أكان من جمال الجسد، أم من جمال الملابس، أم من الحلي، أم من الرائحة الطيبة، أم من تقاسيم الجسد إذا كانت تلبس الملابس الضيقة كما تلبس بعض النساء البنطال، أو كما يستعمل بعض النساء الملابس الشفافة، أم -على الأقل- الابتسامات والكلام الرقيق من النساء، سواء أكان بالهاتف أم من وراء الباب، أم أمام صاحب الدكان، كل هذا من الجمال الذي منعت المرأة أن تظهره.

حكم تغطية المرأة للوجه والكفين والراجح من أقوال أهل العلم

يقول الله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31] هناك من يفسر (ما ظهر منها) بالوجه والكفين، ونريد أن نناقش هذا الموضوع؛ لأن الموضوع كثر الخوض فيه في أيامنا الحاضرة، علماً أن الذين يخوضون في هذا الموضوع لا يبحثون عن كشف الوجه والكفين فقط، لكنهم يريدون العراء الكامل والفساد العريض، يريدون أن تخرج المرأة متفسخة لا تتقيد بقيد من قيود الشرع، فهم يبدءون بالوجه والكفين لأن هذا هو معيار الحياء، فإذا كشفت المرأة وجهها وكفيها، أو كشفت وجهها بصفة خاصة هان عليها كل شيء، كما قال الشاعر:

من يهن يسهل الهوان عليهما لجرح بميت إيلام

فالوجه هو موضع الحياء، كما أن الوجه هو موضع الجمال، ففيه العيون، وفيه الخدان، وفيه الفم، وفيه الحاجب، وفيه الشعر، وفيه كل شيء، فإذا كشفت المرأة هذا النوع أو هذا الجزء من هذا الجسد سهل عليها هي أن تكشف بقية الجسد؛ لأن الحياء قد تمزق، ولأن الجمال أصبح مكشوفاً أمام الناس، فمن السهل أن يكشف موقع آخر من مواقع الجمال، ولذلك تجد الآن في بعض بلدان العالم مسابح عارية، نسأل الله العافية والسلامة، وتجد -أيضاً- زواج الذكر بالذكر بصفة رسمية، وتجد نوادي للعراة رجالاً ونساءً، يخرج الرجل والمرأة كما خلقهما الله عز وجل.

فما هي الشرارة الأولى؟

الشرارة الأولى هي كشف الوجه والكفين.

ولقد نادى بذلك أقوام باسم الإسلام وهم يجهلون الإسلام -ولو لم يجهلوا الإسلام فأكثرهم أعداء للإسلام- وقالوا: إن الوجه ليس بعورة، فكشف الوجه، فما زال هذا الحجاب يتقلص وما زال هذا اللباس يتقلص من جسد المرأة حتى أصبحت المرأة شبه عارية في كثير من بلاد المسلمين، فضلاً عن بلاد الكافرين.

وصحيح أن هناك رأياً قديماً لبعض فقهاء المسلمين أن الوجه والكفين ليسا بعورة، ويستدلون بهذه الآية (إلا ما ظهر منها) وكذلك يستدلون بحديث ضعيف في سنن أبي داود: أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثوب رقيق، فأعرض عنها وقال: (إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصح أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى الوجه والكفين).

وهذا الحديث -أولاً- ضعيف.

ثانياً: الآية ليس فيها دليل على جواز كشف الوجه والكفين؛ لأن لفظ الآية يدل على أنه ليس هذا المراد، يقول الله تعالى: ( إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) وهناك فرق بين (ظهر) و(أظهر)، فـ(ظهر) فعل ماض لازم و(أظهر) فعل ماض متعدٍ، و(ظهر) معناه: ظهر بدون إرادة. و(أظهر) أي: بإرادة. وأسلوب الآية هنا جاء بلفظ الفعل الماضي اللازم (ظهر) أي: ظهر بدون إرادة.

إذاً فمعنى قوله: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي: الملابس التي تنكشف، أو الملابس التي لربما يظهر ما فوقها فيبدو ما تحتها بدون إرادة.

أما الذين فسروا قوله: (ما ظهر منها) بالوجه والكفين فلا توافقهم هذه الآية؛ لأنها جاءت بلفظ (ظهر) أي: انكشف بدون إرادة. ولم تأت بلفظ (أظهر).

وعلى هذا نقول: إن الرأي الراجح هو أن الوجه والكفين من العورة، بل هما مصدر الفتنة بالنسبة للمرأة، وأجمل ما في المرأة وأكثر ما يعشق في المرأة الوجه والكفان.

حتى الذين قالوا من علماء المسلمين السابقين -رحمة الله عليهم- بأنه يجوز كشف الوجه والكفين أجمعوا جميعاً على أنه إذا خيفت الفتنة ففي حال الفتنة لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئاً من وجهها أو شيئاً من كفيها، فتكون النتيجة وجوب تغطية الوجه والكفين؛ لأن الفتنة ملازمة للوجه والكفين دائماً وأبداً، وبالتالي يكون هذا الخلاف لفظياً.

إذاً هذا الذي يريد أن يدخل على الإسلام من هذا المدخل ليس له طريق يدخل منه، فعلماء المسلمين جميعهم حتى الذين قالوا بهذا الرأي أجمعوا على أنه في حال الفتنة لا يجوز كشف الوجه، والفتنة ملازمة للوجه دائماًً وأبداً.

ثم -أيضاً- المرأة المسلمة تدرك في عصر الفتن ما أحدثه كشف الوجه والكفين في بعض بلاد المسلمين، فكان عليها أن تأخذ بذلك العظة والعبرة.

كذلك أمر الإسلام النساء في الحج بكشف الوجه حال الإحرام؛ لأن إحرام المرأة مع كشف الوجه في الحج والعمرة كإحرام الرجل مع كشف الرأس في الحج والعمرة، ومع ذلك كان نساء الصحابة يسدلن الغطاء على الوجه إذا مررن برجال، بالرغم من أنه لا يجوز تغطية الوجه بالنسبة للمرأة المحرمة، فيكون هذا أكبر دليل على أن آخر ما استقر عليه أمر الإسلام هو تغطية الوجه والكفين، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59].

إذاً آخر ما استقر عليه الإسلام وجوب تغطية الوجه والكفين.

والنساء اللاتي لا يتقيدن ولا يعرفن أنظمة الإسلام وقواعد الإسلام منهن من تكشف الوجه والكفين -كما يوجد في بعض البوادي في أيامنا الحاضرة- حتى إذا عرفت الإسلام حقيقة غطت الوجه والكفين.

معنى وحقيقة ضرب المرأة بالخمار على الجيب

قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] الخمار هو ما يغطى به الرأس. مأخوذ من (خمر الشيء) أي: غطاه. والجيب هو فتحة العنق.

ويتضح من هذا أن المرأة لا تستطيع أن تأتي بالخمار من رأسها إلى صدرها إلا وقد مر بالوجه، هذه هي القاعدة المعروفة، ولذلك فإن كلمة: (يضربن) معناها: الإلقاء الكثير. والضرب غير الإسدال، أي: إلقاء الخمار بقوة، والخمار إذا انتقل من الرأس إلى النحر لا ينتقل غالباً إلا عن طريق الأمام، ولا يمكن أن تغطي نحرها إلا بعد أن تغطي وجهها.

قول الله عز وجل: (عَلَى جُيُوبِهِنَّ) أي: على فتحة العنق، وذلك عن طريق الإسدال على الوجه نفسه، وهذا لا يضير المرأة، وإنما يزيدها إيماناً وهدى وتقوى وجمالاً، ويزيد رغبة الرجال فيها.

أسباب انتشار فتنة النساء في بلاد المسلمين

يقول الله عز وجل بعد ذلك: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31] أعادها مرة أخرى؛ لأن إظهار الزينة أمر خطير، ولذلك لا تعجب من أن يتكرر اللفظ مرتين في آية واحدة، فقد جاء في أول الآية: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) وجاء مرة أخرى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)؛ لأن هذه الزينة فتنة، ولأنها بلاء وشر مستطير حينما تظهر المرأة زينتها أمام غير محارمها، ولذلك اشتعلت نار الفتنة في بلاد المسلمين لأسباب، منها: أن المرأة خرجت متبرجة متزينة، وأظهرت شيئاً من جمالها فأشعلت هذه الفتنة، سيما في نفوس الشباب العزاب، خاصة الذين لم يتمكنوا من الزواج لأسباب منها: الاختلال الموجود في أنظمة المجتمع، أو في الأنظمة الاقتصادية وما أشبه ذلك، فمن أكبر الفتن أن يكون هناك تبرج مع وجود عزوف من الشباب عن الزواج، أو عجز من الشباب عن الزواج، ولقد أصيب العالم في هذا العصر بفتنة أخرى وهي وسائل التقنية الحديثة التي انتقلت إلى بلاد المسلمين، فنقلت الصورة الثابتة والصورة المتحركة، ونقلت الأفلام والعراء، وواكب ذلك وجود دعاة للباطل، يريدون أن تشتعل الفتنة وتنتشر في هذا المجتمع، فصاروا يبثون هذه الأفلام وينشرونها في بلاد المسلمين.

وهذا شيء لا يطاق، ولذلك أقول: علينا أن نتقي الله عز وجل، وأن نحفظ بيوتنا، فإن أعداء الإسلام ما أرسلوا لنا هذه الأشياء محبة لنا، أو رغبة في ترفيهنا، أو إرادة في أنسنا وسعادتنا، وإنما أرادوا أن نفسد ونسقط من عين الله عز وجل، والله تعالى يقول لنا في القرآن: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء:27] ليس ميلاً فقط، وإنما ميل عظيم، ولذلك فإن وجود هذه المغريات وهذه الدعوات سواء أكانت عن طريق رؤية المرأة مباشرة، أم عن طريق دعوة إلى سفور المرأة أو إلى انفلاتها من القيد، أو إلى عدم انضباطها بأوامر الله عز وجل التي فيها الخير والسعادة للمرأة، أم وجود رجال يندسون في المجتمع يقولون: إن المرأة عندكم متخلفة ومحتقرة. أو يقولون: إن مجتمعكم مجتمع معطل لا يتنفس إلا برئة واحدة. وفي الحقيقة هم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه ما جاء نظام ولا دين ولا منهج قط أعظم من الإسلام يحترم المرأة ويكرم المرأة ويرفع من منزلتها، وهم يعرفون كيف كانت المرأة قبل الإسلام، وكيف كانت المرأة بعد الإسلام، لكنهم يريدون -وهم يتبعون الشهوات- أن تميلوا ميلاً عظيماً، سواء أعداء الإسلام من الخارج، أو كانوا من أبناء جلدتنا الذين يتقمصون أخلاق الكافرين، ويخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين، كلهم متفقون على إفساد المرأة، وأشد ما يكرهون المرأة المحافظة، وهم يحرصون على البلاد التي ما زالت فيها بقايا خير، بل -الحمد لله- فيها خير كثير، يركزون عليها أكثر من أي بلدة أخرى؛ لأنهم يرون أن وجود هذه الأخلاق والفضائل والمحافظة عليها في هذا البلد إنما يهدد مخططاتهم ويفسد مفعولهم ويبطل إرادتهم.

فالمهم أن هذا غزو فكري عجيب متتابع منصب على بلاد المسلمين، وحرص شديد على البلاد المحافظة، وعلى المنطقة التي حماها الله عز وجل برجال عندهم غيرة وأخلاق وخشية من الله عز وجل، وبنساء صالحات رفضن كل هذه الدعوات.

إذاً لا تعجب، فإن ما حصل ليس بالصدفة؛ لأنه ليس في هذا العالم شيء صدفة، وإنما هو بإرادة الله عز وجل، والله تعالى يقول: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20].

إذاً حرص أعداء الإسلام على المرأة من عدة جوانب منها:

أرادوا أن تفسد المرأة في المجتمع، وأن تتفسخ وأن تخرج متبرجة، وأن تخرج شبه عارية من أجل أن يفسد هذا المجتمع، وإذا عجزوا عن امرأة المجتمع أن تصل إلى هذا المستوى الهابط فإنهم سوف يأتون لها بالصور وبالمناظر المزعجة المؤثرة التي لربما تتأثر بها بعض النساء؛ لأن النساء بطبيعتهن يعشقن كل جديد، ولديهن العواطف أكثر من العقول، ولربما تتغلب العواطف عند النساء أكثر من العقول فتغلب العقولَ، ومن هنا تتأثر بهذه الموضات.

وهذه الأفلام التي غزت بيوت المسلمين من عراء وعشق وغرام ومسلسلات وأفلام كل هذه تشكل خطورة، وكلها تضاد وتحارب قول الله عز وجل: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ... [النور:31] إلى غير ذلك.

ثم يقول تعالى: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) أياً كانت هذه الزينة، سواء أكانت زينة الجسد، أم زينة اللباس، أم زينة التقاسيم للجسد، أم الطيب؛ لأن الطيب يفتن كما يفتن أي نوع من أنواع الجمال، أم المزاحمة والاختلاط بالرجال الذي يسعى إليه أعداء الإسلام، ويقولون: إنهم يريدون أن يشغلوا المرأة حتى لا يبقى هذا المجتمع يتنفس برئة واحدة كما يقولون!

من تبدي المرأة زينتها بحضرته

قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31] البعل: هو الزوج وهذا البعل الذي هو أعلى درجة من المحارم تبدي له المرأة كل شيء من جسدها، فليس هناك شيء ممنوع من النظر إليه من جسد المرأة.

فالزوج يأتي في الدرجة الأولى، ولا يطالب بأن يغض بصره عن أي شيء من جمال هذه المرأة؛ لأنها خلقت له وخلق لها من أجل أن يكون التمتع، ومن أجل أن يكون الإنجاب، ومن أجل أن تكون الحياة السعيدة.

قوله: (أَوْ آبَائِهِنَّ) الأب يأتي في الدرجة الثانية، لكنه ليس في درجة الزوج، فلا تبدي له المرأة إلا ما يظهر غالباً من الشعر، والنحر والذراعين، أي: الأشياء التي جرت العادة بإخراجها للمحارم، حتى إن المحارم أنفسهم يختلفون فيما بينهم، فما تكشفه للأب غير ما تكشفه للأخ، وما تكشفه للأخ من النسب غير ما تكشفه للأخ من الرضاعة، وهكذا.

قوله: (أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) آباء الأزواج من المحارم، لأن زوجة الابن محرمة على أبي الزوج تحريماً أبدياً، كما قال الله عز وجل: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23].

قوله: ( أَوْ أَبْنَائِهِنَّ ) ولد المرأة تكشف له ما جرت العادة بكشفه.

قوله: ( أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ) أي: أولاد الأزواج؛ لأن زوجة الأب تحرم عليه تحريماً مؤبداً، فلا مانع أن تكشف شيئاً مما جرت العادة بكشفه لولد الزوج؛ لأن الله تعالى حرم عليه زوجة أبيه إلى الأبد، قال عز وجل: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22] فالقاعدة عندنا: (من حرم الزواج به فإنه يجوز أن يبدى له شيء من الزينة)، هذه هي القاعدة المطردة.

قوله: (أَوْ إِخْوَانِهِنَّ) الأخ الشقيق والأخ لأب والأخ لأم، حتى الأخ من الرضاعة، هؤلاء كلهم يدخلون على المرأة، لكن يتفاوت الأمر بالنسبة لكل واحد منهم.

قوله: (أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ) أي: أولاد الإخوة، فهي عمتهم، فالعمة من محارم ابن أخيها، وكذلك أبناء الأخوات، لقوله تعالى: (أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ) فهي خالتهم، فيجوز لها أن تبرز لهم شيئاً من الجمال الذي جرت به العادة لأبناء الإخوة وأبناء الأخوات.

وجه عدم ذكر العم والخال في الآية من المحارم

لم يذكر الله عز وجل الأخوال ولا الأعمام، مع أن الخال والعم من المحارم، فلماذا لم يذكر هنا الخال أو العم، فلم يقل الله سبحانه وتعالى: أو أخوالهن أو أعمامهن؟

يقول بعض المفسرين: العلة في ذلك أن ولد الخال أو ولد العم يباح له أن يتزوج بهذه المرأة، أي: ببنت عمته أو بنت عمِّه، ولذلك لم يذكرا هنا؛ لأن الخال والعم ربما يصفها لابنه وهي ليست من محارم ولده. ولكن هذا الكلام أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف شيئاً من جمالها لخالها أو عمها غير صحيح.

والأقرب -والله أعلم- هنا أنه لم يذكر الخال ولا العم لأنه تعالى ذكر أبناء الأخوات وأبناء الإخوة، وأبناء الأخوات يقابلهم الأخوال، وأبناء الإخوة يقابلهم الأعمام؛ فتكون هي خالته أو هو خالها، أو هي عمته أو هو عمها، ولذلك هنا لم يذكر الله عز وجل العم ولا الخال، ولكنه دخل بطريق المقابلة في أبناء الإخوة وأبناء الأخوات، والله أعلم.

المقصود بقوله تعالى: أو نسائهن

قوله: (أَوْ نِسَائِهِنَّ) جمهور المفسرين على أن قوله تعالى: (أَوْ نِسَائِهِنَّ) أي: المسلمات. وعلى هذا هناك فرق في العورة التي تكشف للمرأة المسلمة وللمرأة الكافرة، فيجوز للمرأة أن تبدي للمرأة المسلمة شيئاً من زينتها أكثر مما تبديه لامرأة كافرة، فلينتبه الذين يأتون لنا بطبيبات غير مسلمات، فهذا حكم الله، ولهذا يقول الله تعالى: (أَوْ نِسَائِهِنَّ) ولم يقل: (أو النساء).

وعلى هذا نقول: إن المرأة يجوز لها أن تكشف شيئاً من جمالها للمرأة المسلمة؛ لأن المرأة المسلمة كسائر المحارم، لكن المرأة الكافرة تكشف لها الأشياء الضرورية كالوجه وما أشبه ذلك.

حد عورة المرأة أمام مملوكها والمملوكة أمام سيدها

قوله: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) العبد الرقيق يجوز لسيدته أن تكشف له شيئاً من جسدها مما جرت العادة بكشفه، بشرط أن تؤمن الفتنة أيضاً، ولكن ذلك لا يصل إلى درجة ما تكشفه للزوج، وهذا يكون خلاف ما تكشفه المرأة المملوكة لسيدها، فإنه يجوز للمرأة المملوكة أن تكشف لسيدها كل شيء من عورتها؛ لأن حكمها حكم الزوجة.

أما بالنسبة للمرأة فلا يجوز لها أن تكشف شيئاً من عورتها لمملوكها إلا ما جرت العادة بكشفه، ولذلك الله تعالى وضعه في المؤخرة ولم يضعه في المقدمة مع الأزواج.

فهذا حكم المملوك مع سيدته فيما تكشفه من عورتها بمقدار ما تكشفه لمحارمها غير زيادة، وهذا معنى قوله تعالى: ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) أي: الأرقاء، فإذا ملكت المرأة الرقيق جاز لها أن تكشف بمقدار معين.

المقصود بالتابع في قوله تعالى: أو التابعين

قوله: (أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ) التابع غير أولي الإربة هو الرجل الخصي، أو الرجل الذي ليس له شهوة في النساء.

وقوله: (أو التابعين) لأنه أقرب ما يكون من المرأة هذا الرجل، وهو الذي ليست فيه شهوة يميل بها إلى النساء، فإذا تأكدنا بأن هذا الرجل فقدت عنده الشهوة تماماً مع النساء، وأنه أصبح إنساناًبين الرجل والمرأة، فليس له حظ وليس له مطمع في النساء، بحيث لو نظر إلى النساء أو خالطهن فإنه لا يستطيع أن يفعل ما يفعله الرجال؛ لأنه لا شهوة عنده كشهوة الرجال ففي مثل هذه الحال نلحقه بالمحارم، فيجوز للمرأة أن تكشف ما جرت العادة بكشفه أمام هذا الرجل الذي هو بين الرجل والمرأة.

الطفل الذي يجوز له الدخل على النساء

قوله: (أَوْ الطِّفْلِ) أي: جنس الأطفال. فمن هو الطفل الذي يجوز للمرأة أن تكشف له شيئاً من جمالها؟

قال تعالى: (الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) أي: الذين لم يصلوا إلى درجة معرفة الجمال عند النساء ولم يكن عندهم شهوة، ولم يبلغوا سن الحلم، حتى لو كان أحدهم مميزاً، أما إذا كان قريباً من سن الحلم ولديه شهوة رغبة في النساء وإن لم يبلغ الحلم ففي مثل هذه الحال تبتعد عنه النساء، لكن الأطفال الذين لم يظهروا على عورات النساء، ولا يميزون بين العورات، ولا يتمتعون بالنظر إلى النساء، ولا تتحرك الشهوة بالنسبة لهم إذا رأوا المرأة هؤلاء يعاملون معاملة الرجل الخصي أو الرجل الذي ليس لديه الشهوة.

والأطفال يختلفون في هذا السن، فقد يكون أحدهم صغيراً في سن التمييز، أو قريباً من سن التمييز لكن عنده دوافع وعنده قوة ورغبة في النظر إلى النساء، فهذا يبتعد عن النظر إلى النساء.

وقد يبلغ سن التمييز لكنه لا يصل إلى درجة البلوغ، وليست لديه هذه الدوافع، فلا مانع من أن لا يحذر منه النساء.

إذاً هؤلاء هم الذين يجوز أن تكشف لهم المرأة شيئاً من جمالها، ولم يسقط من هؤلاء المحارم إلا العم والخال، وعرفنا كيف نوجه سقوط ذكر العم والخال.

الآثار المترتبة على وجود الخادمات الأجنبيات في البيوت

لا يجوز لأحد أن ينظر إلى شيء من المرأة التي ليست بمحرم أياً كانت هذه المرأة، حتى لو كانت خادمة، وهو الذي وقع فيه كثير من الناس اليوم، فلربما يؤتى بفتاة جميلة في سن صغير، ثم تعيش داخل بيت فيه رجال ويخلو بها الرجال، وينظرون إليها، وهذا من أكبر المحرمات، نسأل الله السلامة والعافية.

إن مثل هذا يحدث فتنة، سيما إذا كانت هناك خلوة، وإذا غابت الأعين الأمينة، وإذا غابت النساء عن هذا البيت وخلا ذلك الرجل بهذه الخادمة، ولربما تكون امرأته عجوزاً وهذه الخادمة شابة، ولربما تكون أجمل من زوجته، بل هب أنها ليست بشابة ولا بجميلة، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

إذاً لماذا يتجرأ الناس على هذا الأمر من أوامر الله عز وجل، نظرات متكررة، وكأنه يعيش مع زوجته أو ابنته أو أخته، لا يبالي بأن ينظر إليها صباحاً ومساءً، وتمر مئات بل آلاف النظرات المحرمة يومياً بين هذا الرجل وهذه المرأة التي جاءت بصفة خادمة، ويسجل في الكتاب على هذا الرجل النظرات وهو في غفلة، ويوم القيامة ينشر هذا الكتاب ويقال له: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الإسراء:14].

كيف يتحمل الناس هذه المسئولية الكبيرة وهذه النظرات الكثيرة المتكررة المحرمة، والله تعالى يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]؟ ولا يمكن أن يغض بصره وأمامه هذه الفتاة أو هذه المرأة التي أصبحت كأنها قاعدة البيت، بل لربما تقابل الرجال وتخدمهم أكثر من أن تخدمهم الزوجة والبنت والأخت، فهذه فتنة عظيمة علينا أن نحذرها، ولذلك الله تعالى حذرنا وقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30].

معنى ضرب النساء بالأرجل ليعلم ما يخفين من الزينة وحكمه

يقول الله تعالى: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) الخطاب للنساء، والضرب بالرجل معناه: لا تحرك المرأة رجلها بقوة على الأرض ليظهر صوت الخلخال، حتى لا يسمع الرجال الأجانب صوت الخلخال.

فما الفرق بين هذا وما يوجد في الأمة الإسلامية من نساء راقصات مغنيات مائلات مميلات؟! الناس ابتعدوا كثيراً عن أوامر الله عز وجل، فالله تعالى نهى عن ضرب الرجل في الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال، والآن تضرب المرأة بنفسها على الأرض ليرى الرجل كثيراً من جمالها، فهي تتكسر وتتمايل أمام الرجال الأجانب، فهذا هو ما وقع المسلمون فيه اليوم، مصيبة وفتنة وبلية، تغني بصوتها الجميل الرقيق الذي يفتن الناس.

أيهما أشد: صوت الغناء أم صوت الخلخال الذي حرم الله عز وجل أن تظهره المرأة أمام الرجال الأجانب؟!

إذاً هذا يدل على ابتعاد كثير من الناس عن أوامر الله سبحانه وتعالى، إن الناس في جانب وأوامر الله سبحانه وتعالى في جانب، إلا من رحم الله سبحانه وتعالى.

فما على المسلمين إلا أن يعودوا إلى ربهم سبحانه وتعالى تائبين.

دعوة عامة إلى التوبة المؤدية إلى الفلاح

بعد ذلك الله تعالى يخاطب الأمة؛ لأنها معرضة للفتن ومعرضة للخطأ، ولأن من طبيعة بني آدم أنهم خطاءون كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وخير الخطائين التوابون.

فباب التوبة ما زال مفتوحاً، وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى، حتى الذين وقعوا في الكبائر والذين ينشرون الفساد في الأرض باب التوبة مفتوح أمامهم، حتى الذين حرقوا المؤمنين -كأصحاب الأخدود- فإن الله تعالى يقول فيهم: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج:10] أي: الذين أحرقوا المؤمنين بدون ذنب إلا لأنهم آمنوا بالله. ومع ذلك فالله تعالى يقول لهم: (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا). أي أنه تعالى دعاهم إلى التوبة بعد تحريقهم المؤمنين.

فمن نعمة الله عز وجل علينا أن باب التوبة ما زال مفتوحاً، فنقول للرجل الذي أفسد بيته بالمحرمات وبالأفلام: إن باب التوبة ما زال مفتوحاً أمامك، فعليك أن تبادر قبل أن يغلق هذا الباب، وإغلاق هذا الباب يكون بأحد أمرين: إما بطلوع الشمس من مغربها وهو نهاية الحياة الدنيا، أو بالغرغرة وبلوغ الروح الحلقوم، وهذا قريب من الإنسان أيضاً، فليس بين الإنسان وبين هذا إلا أن تحضره ملائكة الموت، ولذلك الله تعالى يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

أي: توبوا جميعاً كلكم، فلا يكون هناك أناس يتوبون وأناس ما زالوا في غي اللهو واللعب، ولا يكون هناك أناس مع الله وأناس بعيدون عن الله عز وجل، ولا تكون هناك توبة في بعض الأمور وإهمال في أمور أخرى، لابد من أن تكون التوبة من جميع الناس وفي جميع الأوامر والنواهي التي شرعها الله عز وجل وسنها.

أما الذين لا يتوبون ويغترون بالصحة أو بالعافية أو بالتمكين في الأرض، أو بأمر من الأمور التي أصبحت مغرية من مغريات هذه الحياة لهم فعليهم أن ينتظروا ساعة الحساب وساعة القدوم على الله عز وجل، فالله تعالى يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

قوله: (أيها المؤمنون) كما قال في أول الآية التي قبل هذه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] فالتقى الطرفان في هذه الآية والتي قبلها، ويسمى في علم البلاغة: تلاقي الأطراف فالخطاب للمؤمنين في أول الآيات، وينتهي بالمؤمنين؛ لأن غير المؤمنين لا ينتبهون لهذه الأوامر ولا لهذه النواهي، ولأن من طبع الله على قلبه وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة لا يسمع هذه الأوامر ولا ينتبه لها، والمؤمن المصدق بأوامر الله عز وجل هو الذي يقبل هذه الأوامر، فالله تعالى يقول: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

قوله: (تفلحون) أي: تفوزون بسعادة الدنيا والآخرة، و(لعل) هنا أصلها في اللغة العربية للترجي، لكنها إذا جاءت من عند الله فليست للترجي؛ لأن الله تعالى لا يترجى؛ لأن الترجي يكون من الأدنى إلى الأعلى، فمعناها للتوقع، أي: يتوقع فلاحكم إذا تبتم إلى الله عز وجل.

وإني أنصح كل من أهمل أمره أو بيته، أو أطلق بصره فيما حرم الله أن يأخذ بأمر الله عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:31]، وأنصح كل من سعى في أمر يريد أن يخدع به المسلمين، أو يريد أن ينشر الفساد في بلاد المسلمين وفي الأمة الإسلامية عن طريق الكتابة، أو عن طريق الفلم، أو عن طريق المكتبة، أو عن طريق التسجيلات، أو عن أي طريق من الطرق التي تعددت في أيامنا الحاضرة أن يبادر إلى التوبة، وأن يطيع ربه الذي يقول له: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:31]؛ لأني أخشى أن لا يفكر في التوبة إلا بعد أن تفوت هذه الفرصة، ويبحث عن هذه الفرصة ولكن لات ساعة مندم.

فأرجو من إخواني الذين ابتلوا بشيء من ذلك -سواء من كان منهم يشيع الفاحشة في المجتمع، أو من يدعو النساء بصفة خاصة إلى التفسخ والفساد، أو من ينشر الفساد بواسطة الأفلام أو بواسطة التسجيلات أو الأشرطة أو التجارة أو ما أشبه ذلك- أرجو أن يتقوا الله عز وجل؛ فإنها أمانة.

كذلك أنصح أصحاب المكتبات الذين ينشرون الصور الفاتنة، والقصص الماجنة، والمسلسلات أنصحهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل، كذلك أنصح الذين يقومون على إعلام المسلمين الذين بدءوا بنشر هذه الأشياء أنصحهم أن يتقوا الله عز وجل؛ فإن الله سائلهم عن هذه الأمانة، وعن كل ما أحدثوا في هذا المجتمع من أسباب الفتنة والفساد ومن نشر الفاحشة بين المسلمين؛ لأن الله سبحانه قال: (جميعاً) أي: سواء منكم من يتقبل هذا الفساد أو من ينشر هذا الفساد، أو من يساهم في إيجاد شيء من هذا الفساد. جميعاً توبوا -أيها المؤمنون- لعلكم تفلحون.

الزواج المبكر والآثار الإيجابية المترتبة عليه

العنصر الأخير من عناصر المحافظة على المجتمع قوله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32] فالإسلام لا يؤمن بمبدأ:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال لهإياك إياك أن تبتل بالماء

فهذا مبدأ غير واقعي وغير حقيقي، ولذلك فإن الذي سد طرق الحرام فتح طرق الحلال؛ لأن الله عز وجل حينما ركب هذا الإنسان ركبه على هذه الشهوة بين الذكر والأنثى، وهذه الشهوة هي سبب تكاثر هذا العالم في هذا الوجود، ولولا هذه الشهوة ما كان لهذا العالم وجود على ظهر الأرض، ولذلك فإن الله عز وجل الذي سد طرق الفاحشة من تحريم الحديث عن الفاحشة، والنهي عن دخول البيوت دون استئذان، ومنع الاختلاط، وتحريم النظر الحرام هو الذي جعل الطريق مفتوحاً بالحلال، حتى لا يقال: ماذا يفعل الإنسان بالشهوة التي ركبها الله تعالى فيه؟ وهو هو طريق واسع يصل إلى أربع زوجات بحيث تسد حاجة أي واحد من الناس، وتستهلك كل الطاقة النسوية الموجودة في المجتمع، حتى لا تقول امرأة: إنها لم تجد زوجاً. وحتى لا يقول الرجل: إنه لم يجد طريقاً لإشباع هذه الرغبة وهذه الشهوة. ولذلك جاء الأمر من الله لمحاربة الفاحشة فقال: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].

فمن طرق دفع الفاحشة وسد بابها الزواج، فهو المنفذ الوحيد الذي أباحه الله عز وجل من أجل أن تستهلك فيه هذه الطاقة الجنسية التي فطر الله الناس عليها، وهذا هو طريق الحلال الذي تبنى عليه الحياة الإنسانية على عش طاهر نظيف، ليس بالزنا ولكن بالزواج الذي شرعه الله عز وجل فقال عنه: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32].

فقوله تعالى: (وأنكحوا) أي: زوجوا. (الأيامى) جمع أيِّم، أي: غير المتزوج ومعنى ذلك أن الرجل غير المتزوج يزوج، والمرأة غير المتزوجة تزوج، حتى لا تبقى النساء عوانس في البيوت، ولا يبقى الرجال عزاباً داخل البيوت؛ لأن هذا النوع من البشر هو الذي يبحث عن الفاحشة، ولأن الزواج يغني عن الحرام، ولذلك الله تعالى هنا أمر بالزواج فقال: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى) أي: غير المتزوجين.

(منكم) أي:من المسلمين، (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) الصالح ضد الفاسق.

(من عبادكم) أي: الذكور، جمع عبد.

(وإمائكم) أي: الإماء، جمع أمة وهي الأنثى، أي: ابذلوا المال لتزويج هؤلاء. وكذلك على الأولياء أن يبادروا بتزويج مولياتهم من النساء إذا جاء الأكفياء؛ وكذلك الرجال إذا بلغوا سن الحلم وشعروا بالحاجة الملحة وبالشهوة، فإن عليهم أن يبادروا بالزواج قبل أن يقعوا فيما حرم الله، والنساء كذلك إذا بلغن هذه السن وخفن من الوقوع فيما حرم الله عليهن أن يبادرن بهذا الزواج، ولا يكون شيء من الأمور يحول بينهم وبين أمر من أمور الله، لا التعليم ولا العمل ولا الوظيفة ولا شيء من ذلك.

وهذا هو البلاء الذي حل بالأمة الآن، فالفتاة تقول: لا أتزوج حتى أكمل الدراسة الجامعية. فإذا أكملت الدراسة الجامعية قالت: لا أتزوج حتى أخدم وطني مدة من الزمن. ويمكن يا أختي أن تتزوجي وتكملي الدراسة، ويمكن أن تتزوجي وتشتغلي في المجال الذي يخص المرأة، دون أن يكون هناك شطط أو ميل أو اختلاط أو نظر، فهذا مفتوح أمام النساء والحمد لله.

إذاً هذه من الفتن، ولربما تكون وراءها دعايات مضللة تريد أن تحول بين الفتاة وبين الزواج، أو بين الشباب وبين الزواج، فيتأخر الزواج فتمتلئ البيوت بالنساء العوانس، فيصبح الرجال عزاباً، فيبحثون عن الفاحشة في عصر فسد فيه الإعلام، وانتشرت فيه الصور والمحرمات، وتضخمت فيه وسائل النقل السريع، فتنقل الإنسان من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في سويعات، فهذه كلها عوامل ساعدت على هذا الأمر الخطير، لذلك أقول: الله عز وجل يأمرنا بالزواج المبكر، فيقول: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: تكاليف الزواج- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

الآثار المترتبة على عدم اختيار الصالح عند الزواج

الله عز وجل هنا في قوله: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32] نبه على الصلاح، ولذلك فإن على الرجل إذا أراد أن يبحث عن امرأة أن يبحث عن المرأة الصالحة، يقول عليه الصلاة والسلام: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)، وقال: (اظفر بذات الدين تربت يداك).

وكذلك المرأة إذا أرادت أن تبحث عن زوج، أو أراد وليها أن يزوجها فعليه أن يبحث عن الرجل الصالح؛ لأن الله تعالى يقول: ( وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ ) ويقول عليه الصلاة والسلام: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كثير) ولذلك كانت الفتنة وكان الفساد العريض عندما أعرض كثير من الناس عن هذا الأمر من أوامر الله، فساروا يشترون الرجل صاحب المركز أو صاحب الشهادة العملاقة، أو الرجل المثقف، أو صاحب المال الكثير، فأغفلت كل الجوانب الأخرى إلا ما شاء الله، ولم يلتفت إليها إلا أناس قلة، فكان ذلك سبباً في وجود فتنة في الأرض وفساد كبير.

وانظر كم يسافر اليوم من أبناء المسلمين للفساد؟! وكم تنقل الطائرات؟! وكم تفتح من بيوت للفساد في العالم تستقبل أبناء المسلمين الذين ولدوا على الفطرة وعاشوا على الفطرة؟!

الفتنة بدأت منا نحن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فمن يتحمل هذه المسئولية أمام الله؟ هل يتحملها ذلك الشاب الذي يقول: لا أتزوج حتى أملك بيتاً يتكون من طابقين، وأثاثاً راقياً، وأملك سيارة جميلة، وحتى وحتى، فإذا به يسوف في الزواج، ولربما يقع بعضهم في غضب الله عز وجل، أم تلك الفتاة التي أراد وليها أن يساوم عليها مساومة بالمزاد العلني، ويبحث عن أثرى الناس وأكثرهم مالاً، ويغفل كل الصفات التي يستفيد منها هو في الدنيا والآخرة وتستفيد منها تلك البنت التي تنظر إلى الصالح الذي يحترمها ويخاف الله عز وجل فيها، وينجب لها -بإذن الله- أولاداً صالحين يكونون لها سعادة في الدنيا والآخرة، هذه هي المشكلة وهذا هو الفساد العريض، والذي تسبب في وجود الفساد العريض هم الذين لا يحسنون اختيار الزوج، أو لا يحسنون اختيار الزوجة، فهنا يقول الله تعالى: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النور:32]!!!

وكم من الناس من يأتي إلينا ويشتكي إلينا أمر موليته، فيقول: والله -يا أخي- لقد زوجت ابنتي رجلاً يشرب الخمر، فحل مشكلتي. نقول: لا نملك لك من الله شيئاً، هل حينما خطب ذلك الرجل البعيد ابنتك سألت عن أخلاقه وسلوكه ومن يخالط؟ لا نستطيع أن نخلصك من هذه المشكلة، ولربما ينجب من ابنتك أولاداً فسدت نطفتهم؛ لأن هذه تقارير علماء الاجتماع، أن إدمان المسكرات ربما ينتقل عن طريق النطفة لينجب أولاداً إما مجرمين وإما مدمني خمر، هكذا يقول علماء الاجتماع والمسئولية عليهم.

ويقول آخر: زوجت ابنتي رجلاً لا يصلي فماذا أفعل؟ نقول: هو كافر وهي مسلمة، فكيف تضع امرأة مسلمة في عصمة رجل كافر والله تعالى يقول: فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [الممتحنة:10]؟! حتى العودة لا تعود فكيف بالابتداء؟! لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة:10] لا نملك لك من الله شيئاً، فالزواج غير صحيح، ويقول بعض علماء المسلمين: الأولاد الذين يولدون في هذه الفترة غير شرعيين؛ لأن الزواج فاسد بطبيعته ما دام أنه رجل كافر مرتد وهي امرأة مسلمة. فهذا أمر خطير لا يدركه كثير من الناس إلا بعد أن يقع، فلماذا لا نبحث فيه قبل أن نقع وقبل أن ندخل في هذه المشكلة؟! لماذا إذا خطب هذا الرجل لا أبحث عمن يخالط؟ وأسأل الناس عنه هل هو رجل صالح أو غير صالح؟ هب أنه رجل فقير، أليس يقول الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] فهي لن تموت جوعاً عند ذلك الرجل؛ لأن الله تعالى يقول: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6] بل هي تموت عند الرجل المجرم الذي يهينها ولا يأتيها إلا في الهزيع الأخير من الليل، هذا الرجل الذي يفسد شهوته فيما حرم الله، هذا الرجل الذي يتناول المسكرات والمخدرات، ذلك الرجل الملحد الذي لا يصلي ولا يعرف الله طرفة عين، ذلك الرجل الذي يسب دين الله ويتجرأ على ما حرم الله، هذا هو الذي يجب أن يحذره، أما الفقير فإن الله تعالى سوف يغنيه، ومن أكبر عوامل الغنى الزواج، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم...)، وذكر منهم الرجل يتزوج يريد إعفاف نفسه، ويقول الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] وعد من الله تعالى، ألا يصدق أولياء النساء؟! ألا تصدق النساء بوعد الله؟!

فكم من أناس كانوا في فقر مدقع لا يملك أحدهم قوت ليلة، فبعد أن يتزوج إذا بالدنيا تنفتح عليه من كل جانب؛ لأن رزق المرأة اجتمع مع رزق الرجل مع رزق الأولاد الذين سيأتون بإذن الله تعالى، فتجتمع هذه الأرزاق فتكون رزقاً واسعاً، إذاً لماذا لا يثق الناس بوعد الله وبرزق الله؟!

ثم يقول الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] أي: العبيد الذين ستزوجونهم إذا كانوا فقراء فإن الله يعطيهم بكرمه.

ثم يقول الله تعالى: وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32] أي أن الله تعالى له خزائن السماوات والأرض، فعنده من السعة في الرزق ما يغني جميع المخلوقات فضلاً عن ذلك الرجل الذي تزوج لإعفاف نفسه، ويدر عليه الرزق لنفقة هذه الزوجة التي رضيت بهذا الرجل الصالح الفقير من أجل تعفه وتعف نفسها.

لزوم الاستعفاف لمن لا يجد القدرة على النكاح

قال الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً [النور:33] أي: الذي لا يجد وسائل النكاح عليه أن يستعف، ويطلب العفاف ويبتعد عن مواطن الفتن حتى ييسر الله له طريق المهر فيتزوج بهذا المال الذي أعطاه الله تعالى.

ولكن هناك طريق أخرى لا نغفل عنها، فلماذا لا تقدم الصدقات والزكوات وفضل المال العريض الذي من الله علينا به لتزويج هؤلاء العزاب؟! كذلك يجب أن يتعاون أولياء النساء مع الشباب في تخفيف هذه المهور؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثرهن بركة أيسرهن مئونة) ولذلك بمقدار ما تقل المئونة وتقل تكاليف الزواج تكثر البركة، ولكن حينما تكثر تكاليف الزواج تقل البركة، وهذا شيء نشاهده من خلال دراسة أحوال المجتمع، إذا خسر رجل على زوجته مئات الآلاف من الريالات فإنه لا تمضي مدة من الزمن إلا وهو يكرهها؛ لأنها أثقلته بالديون، وهب أنها ليست ديوناً، فإنه يشعر دائماً أنه اشتراها بثمن غال نفيس من ماله، وتجد أنه يستثقلها دائماً وأبداً، ولربما لا يتم لها مدة حتى يطلقها أو يؤذيها ليسترجع هذا المهر مرة أخرى وليتزوج امرأة أخرى، وهذا -والله- واقع كثيرٍ من الذين يبذلون المال الكثير في الزواج، لكن الذين يبذلون المال القليل يجعل الله عز جل فيه البركة، فعندما لا تبنى العلاقة الزوجية على مطامع مادية بل تبنى على محبة وعلى إحسان تكون النتيجة طيبة، ولذلك يقول الله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33].

فندعوا أصحاب الأموال إلى تقديم زكاة أموالهم للشباب العاجز عن الزواج، فإن هذا -في اعتقادي- هو أفضل ما يقدم فيه المال في أيامنا الحاضرة، وأظنه من المال الذي نقدمه للجهاد في سبيل الله؛ لأن هذا نوع من الجهاد، ومحاربة للرذيلة، وإنشاء لبيوت مسلمة، سيما إذا كان الرجل صالحاً والمرأة صالحة، لكن حينما نبخل بهذا المال يكون الفساد العريض.

فلابد من أن نقدم كثيراً من المال لتزويج العزاب، وأنا أدعو الجمعيات الخيرية وأدعو أصحاب الخير والمال لتزويج العزاب، لعل الله سبحانه وتعالى أن يحفظهم من هذه الفتن التي غصت بها الحياة الدنيا.

قوله: (وَلْيَسْتَعْفِفْ) أي: يطلب العفة.

قوله: (الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً) أي: أسباب النكاح.

(حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) فيصوم إن كان الصوم يكسر الشهوة، ويغض البصر، ويبتعد عن مواطن الفتن إلى غير ذلك من الأمور التي يستغني بها العزب عن الحرام.

حقيقة المكاتبة وشروطها

قوله: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النور:33] هذه الآية نزلت فيمن يريد أن يشتري نفسه من سيده كالعبيد الأرقاء، فيساعد هؤلاء الأرقاء حتى يعتقوا أنفسهم من سادتهم.

فقوله: (يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ) أي: المكاتبة (مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أي: الأرقاء.

(فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) أي: إذا طلب أن تبيع نفسه عليه نجوماً وتقسيطاً فبع نفسه عليه نجوماً وتقسيطاً، لكن إذا علمت فيه ديناً وخلقاً.

(وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) أي: أحسنوا إلى هؤلاء الأرقاء وأعطوهم من مال الله.

حرمة إكراه الإماء على الزنا عند إرادة التحصن وعدمه

يقول الله تعالى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور:33] هذه نزلت في قوم من المشركين كان أحدهم يشتري جواري ويؤجرهن للزنا، نعوذ بالله، فالله تعالى قال: لا تفعلوا هذا العمل. مع أنهم غير مؤمنين وغير مسلمين، لكن لأن فعلهم هذا هو من باب نشر الفاحشة في المجتمع.

قوله: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ) أي: الرقيقات.

(عَلَى الْبِغَاءِ) أي: على الزنا.

(إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) جملة (إن أردن تحصناً) قيد لا مفهوم له، حتى لو لم ترد التحصن لا يجوز له أن يفعل هذا العمل.

يقول الله تعالى: لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [النور:33] أي أنكم تؤجرون الجواري للزنا من أجل المال، فهذا أمر محرم وعظيم عند الله عز وجل، وجملة (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) -أيضاً- قيد آخر لا مفهوم له، حتى لو لم يبتغوا عرض الحياة الدنيا فلا يجوز فعل ذلك.

يقول الله تعالى: وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:33] أي: لو ألزمتها بهذه الفاحشة وهي تكره ذلك فإن الله يتجاوز عنها وأنت تتحمل الإثم يوم القيامة بين يدي الله عز وجل.

الأسئلة

حكم لبس النقاب ذي الفتحات الواسعة

السؤال: ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة النقاب بكثرة، وصارت فتحة النقاب تكبر تدريجياً، ويحتج بذلك أنه من الشريعة، فما رأي الشرع في ذلك؟

الجواب: أجمع علماء المسلمين على أنه لا يجوز كشف الوجه إذا كانت الفتنة، والفتنة موجودة، لكن كشف المرأة عن عينيها وما حول العينين وتغطية بقية الوجه فأنا أعتقد أن النساء -خاصة غير الجميلات- لو كشفن الوجه لكان أسهل من أن كشف العينين؛ لأنه ربما يكون الوجه ليس فيه مظهر من مظاهر الجمال، وجميع عيون النساء فيهن هذا الجمال، ولذلك أنا أعتقد أن هذا النقاب لربما يكون أخطر من السفور في بعض الأحيان، وذلك حينما تكون المرأة غير جميلة، وعلى كل فإن العينين هما أجمل ما في الوجه، وإخراج أجمل ما في الوجه يعني إخراج الوجه كاملاً أو أشد من إخراج الوجه.

حكم تعدد الزوجات

السؤال: معلوم أن الزواج من أعظم ما يعين على حفظ الفروج، سيما وأن النساء في مجتمعنا بكثرة، فأرجو توجيه كلمة إلى كل زوجة تعارض زوجها أن يعدد؟

الجواب: أنا أعتقد أن التعدد هو الأصل، وأن الإفراد هو الفرع بالنسبة للتعدد، ولربما يكون هذا الاعتقاد راجحاً في مثل هذه الأيام؛ لأننا نجد في هذه الأيام فيضاً في عدد النساء يزيد على عدد الرجال، بل إن الله سبحانه وتعالى الحكيم الخبير هو الذي أباح للرجل أن يتزوج أربع نساء؛ لأنه يعلم أن كل رجل يريد أن يتزوج أكثر من واحدة، ولأن الله تعالى يعلم أن النسبة سوف تصل إلى هذا الحد، بل ستصل إلى أكبر من ذلك، فقد جاء في الحديث: (أنه في آخر الزمان يكون لخمسين امرأة القيم الواحد يلذن به من قلة الرجال)، وليس معنى ذلك أن تكون له خمسون زوجة، لا، وإنما يعطف على خمسين امرأة ينفق عليهن، منهن الزوجة ومنهن غير الزوجة.

وعلى كل لا حاجة إلى الإحصائيات، فهذا أمر من أوامر الله عز وجل، والله تعالى لما ذكر الزواج قال: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [النساء:3] فمعنى ذلك -حسب هذه الآية- أن التعدد أفضل، وهذا أولاً.

ثانياً: أن الإفراد يكون في حال الخوف، والقاعدة الشرعية أن كل شيء ينهى عنه في حال الخوف يكون فعله أفضل في حال عدم الخوف، ويكفي أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم هو التعدد، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل، ويكفي أن الله تعالى جعل للرجل أن يميل بعض الميل إلى بعض الزوجات، وإن كان منع كل الميل؛ لقوله تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ [النساء:129] فكلمة (كُلَّ) تفيد أن بعض ذلك مباح، وهو ميل القلب، إذاً لماذا أبيح الميل والنساء بحاجة إلى العدل؟! لأن مصلحة التعدد ترجح مصلحة مضرة شيء من الميل.

وعلى كلٍ فإني أقول: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو عارض أحدنا وقال: أنا لا أؤمن بها نقول: أنت كافر مرتد. ولو قال أحد: أنا لا أستسيغها نقول: إن كنت تعني لا تستسيغها ولا ترغب فيها فأنت حر، لكن لو قال: أنا أعارضها وأرفضها نقول: أنت مرتد عن دين الله عز وجل وكافر بالقرآن.

وإني أدعو المرأة الصالحة إلى أن لا تعرقل زوجها في هذا الأمر؛ لأنها حينما تعرقله لربما يلجأ إلى ما حرم الله، فتكون هي السبب في نظرات محرمة وفعلات محرمة، أسأل الله تعالى أن يوفق النساء حتى لا يثقلن على الرجال في هذا الجانب.

قياس الخادمة والسائق بالرقيق وحكم خروج المرأة مع السائق مع أطفال صغار

السؤال: ألا يكون للسائق والخادمة والعاملين في البيوت نفس حكم الرقيق؟ وما حكم الركوب مع السائق الأجنبي داخل المدينة مع أطفال لم يبلغوا سن الرشد؟

الجواب: أولاً: القياس الأول فاسد؛ لأن الله تعالى ذكر في الرق حكماً شرعياً، أما غير الرق فإنه حرم ذلك، فلا يمكن أن نقيس محرماً على مباح أو على أمر مشروع، وهذا لم يقل به أحد من العلماء، ولا يصح أن يقال هذا؛ لأن هذه المرأة الخادمة التي تعمل في البيوت ليست رقيقة، وليس ذلك الرجل السائق الذي يعمل داخل البيت رقيقاً ولا محرماً، فلا يجوز أن يباع السائق والخادمة ولا أن يشتريا، ولا يجري عليهم غير ذلك من أحكام الرقيق.

فالأمر خطير، وفي الحديث: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وإني متأكد من أن أي بيت لابد من أن تكون فيه خلوة؛ لأن ربة البيت لا تبقى في البيت، ولأن أهل البيت ربما يخرجون ويبقى الولد، أو يبقى رب البيت، والشيطان يكون الثالث، والأمر يكون خطيراً، وكذلك العكس، فلو جاء بسائق وجعله داخل بيته وخرج هو وزوجته وبقي السائق وإحدى البنات أو إحدى الأخوات يصبح الأمر خطيراً.

أما أن تسير المرأة مع السائق ومعها محارم فهذا لا بأس به ما دام أنه ليس هناك سفر، فالمنهي عنه هو السفر أو الخلوة، فإذا كانت خلوة يكون الأمر محرماً، وإذا كان سفراً كان الأمر محرماً، ولكن لو كان الذي معهما أطفالاً صغاراً فأنا أعتقد أن الأطفال الصغار الذين لا يتصورون الموقف لا يصلحون للمحرمية، فلابد من أن يكون رجلاً بالغاً أو امرأة بالغة ثانية، فإذا كنّ أكثر من واحدة تزول الخلوة، أما إذا كان طفلاً صغيراً لا يعقل فلربما لا يستطيع أن يدافع عن هذه المرأة التي تكون مع هذا السائق.

حكم من يقول بأن ترك القرآن واستبدال الغناء به يعتبر رقياً

السؤال: لقد قام التلفاز بمقابلة مع أحد المغنين المشهورين، ومن ضمن الأسئلة الموجهة لهذا المغني أن المذيع قال له بالحرف الواحد: كيف ارتقيت من مجرد قارئ للقرآن إلى فنان كبير صاحب شهرة عظيمة؟ فما حكم هذا القول؟

الجواب: الله المستعان! إذا كان ترك القرآن إلى الغناء يعتبر رقياً فماذا يكون الهبوط؟! هذا أمر خطير أن يقال مثل هذا الكلام، نسأل الله العافية والسلامة.

أقول: إن كان هذا السائل يعتقد ما يقول ويتصور معنى ما يقول فقد وقع في خطر، ويكون بذلك قد خرج من دائرة الإسلام، ولكن لعله لا يتصور معنى ما يقول، وإنما هي أساليب يمارسها دون أن يتصور معناها.

وعلى كل فإني أرجو أن لا نسأل عن التلفاز ولا عن غيره من هذه الوسائل؛ لأن هذه الوسائل أصبحت الآن موضع إشكال لدى الناس، وموضع التباس في الأمر.

والأمر خطير ولا أطالب بأكثر من أن يقف كل واحد على باب داره حتى لا تتسرب هذه الأفلام أياً كان مصدرها، سواء أكان التلفاز أم (الفيديو) أم أي وسيلة من الوسائل الأخرى، فأنت أمير ومسئول عن البيت، والله تعالى سوف يسألك عن الذرية وعن الأمانة، والله تعالى يقول: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].

تحذير الآباء مما يعرض في التلفاز للأطفال

السؤال: كذلك نود من فضيلتكم تحذير الآباء وأولياء الأمور مما يعرض في التلفاز من أفلام الكرتون التي من ضمنها أن يقال في بداية ما يعرض للأطفال: (نسير نسير لا ندري إلى أين المصير)، وأرجو من فضيلتكم إيضاح هذا الموضوع الذي انتشر في كثير من البيوت، وادعى الأولياء أنهم لا يستطيعون تخليص بيوتهم من ذلك، والله عز وجل يقول: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6]؟!

الجواب: أما أفلام الكرتون فأنا لا أدري ما يعرض فيها، فإن كان فيها: (نسير نسير لا ندري إلى أين المصير)، فمعنى ذلك أنهم يشككون أبناء المسلمين في الحكمة من خلق هذا الكون، وخلق هذه الأمة، وخلق هذا العالم، ونحن نؤمن بأنا خلقنا للعبادة، وأنا نسير إلى الدار الآخرة، وأن أمامنا حياة غير هذه الحياة التي نعيشها الآن.

وإذا وجد مثل هذا في بيوت المسلمين وأمام أطفال المسلمين فالأمر خطير، نسأل الله العافية والسلامة، أما بالنسبة لهذه الأشياء عموماً فأنا أقول: كل امرئ راع ومسئول عن رعيته، فالله الله أن يخون هذه الأمانة وهذه الرعاية، فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].

حكم النظر إلى الشاب الأمرد

السؤال: ربما ينزعج ويستثقل ويستعظم كثير من الناس النظر إلى النساء، ولكنهم يبيحون لأنفسهم ويستهينون بالنظر إلى المردان من الرجال، فيدخل عليهم الشيطان من كونه نظر رجل لرجل خالياً من الشهوة، وهل آية الأمر بغض البصر عن النساء دليل على النهي عن هذا الأمر، سيما ونحن نرى تلك الفاحشة التي بدايتها النظر قد انتشرت؟

الجواب: يقول الفقهاء: كما أنه لا يجوز النظر إلى المرأة فإنه لا يجوز النظر إلى الشاب الأمرد الذي فيه وضاءة وفيه جمال في وجهه وهذا قد يحدث فتنة، لكن لا يدخل هذا في البحث الذي نبحثه بالنسبة للآية، والأصل هو غض البصر عن كل ما يثير الشهوة، سواء أكان نظراً إلى امرأة أم إلى رجل، والمسلم بطبيعته يدرك الخطر في هذا وهذا، فالمهم أن نغض البصر عن كل ما حرم الله، وعن كل ما قد يحدث فتنة في نفوس الناس.

توجيه حديث: (عفوا تعف نساؤكم)

السؤال: إذا كان لأحد من الناس علاقة محرمة مع إحدى النساء، فهل يقتضي ذلك أن تقع إحدى محارمه في مثل هذه العلاقة حتى لو تاب من هذه الأفعال أو كان البيت بيتاً صالحاً؟

الجواب: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان في هذا الباب، وليس معنى ذلك أنه يلزم إذا كان له علاقة محرمة بامرأة أن يكون لإحدى محارمه علاقة محرمة، معاذ الله أن نقول هذا، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن مثل هذه الأفعال قد تعرض أهله لهذه المشكلة، أما القاعدة الأصلية فإن الله تعالى يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]، لكن لربما يكون هذا الرجل الذي وقع فيما حرم الله لديه غيرة شديدة على محارمه لا يريد أن يقعوا فيما حرم الله، فيعاقب من هذا الجانب، وقد يحدث هذا بأن يحصل فساد في بيته بمقدار ما يحدثه من الفساد في بيوت الناس، والمهم أن الذي يفعل هذه الأمور يخاطر بأهل بيته، فنقول له: اتق الله حتى لا تعرض بيتك لمثل هذه الفتنة، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (عفوا تعف نساؤكم) فالمرأة التي لا يعف زوجها أو لا يعف أخوها أو لا يعف أبوها هي معرضة في يوم من الأيام بأن تصاب بشيء من ذلك عقوبة لهم.

حكم الخروج من البيت الذي فيه خادمة غير متحجبة

السؤال: هناك من يوجد في بيته خادمة، وأينما ذهب -تقريباً- يجدها أمامه، وأهله يمنعونه من أن يأمرها بالحجاب أو المكث في المطبخ وما شابه ذلك، وإذا كان مرغماً على مثل هذا الأمر هل يغادر البيت ويتركه على أنقاضه؟ أم ماذا يفعل؟

الجواب: كثيراً ما ترد الأسئلة في هذا الموضوع من شباب متدينين -والحمد لله- يكونون عند آبائهم أو إخوانهم الكبار فيفرضون عليهم هذه الأمور، ويعرضونهم لهذه الفتنة، فالشاب تجده خائفاً على نفسه، فنقول: عليك أن تبذل جهدك في أن تنظف هذا البيت مما حرم الله، وأن تنصح أباك أو أخاك الأكبر أن يتقي الله عز وجل، وأن يحفظ هذه الأمانة، فإذا عجزت فعليك أن تغض بصرك وأن تبتعد عن مواطن الفتن، ولو قدر لك أن تنعزل في بيت آخر بعيداً عن هذه الفتنة فذلك أولى.

الحكمة من إباحة تزوج الرجل بأربع والمرأة بواحد

السؤال: كيف نرد على من قال: إن الرجل أبيح له أربع زوجات ليقضي طاقته الجنسية، والمرأة لم يسمح لها إلا بزوج واحد، فكيف تقضي المرأة التي عندها طاقة جنسية حاجتها؟

الجواب: ليس الهدف هو إشباع الغريزة وإن كان ذلك مقصوداً؛ لأن أكبر الأهداف من ذلك هو الإنجاب، والقاعدة معروفة أن الرجل تكون له أربع زوجات يستطيع أن ينجب أربعة أولاد في السنة أو في السنتين بإذن الله، لكن امرأة لو قدر أنها تأخذ أكثر من زوج فهل يمكن أن تنجب أكثر من واحد؟! ولمن يكون هذا الولد؟! فالمسألة بعيدة عن المعقول، والله سبحانه وتعالى حكيم حيث أباح للرجل أكثر من زوجة ولم يبح للمرأة أكثر من زوج، فهذه حكمة الله سبحانه وتعالى ولا يجوز الاعتراض عليها؛ لأن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

حكم لبس المرأة للبنطال أو الملابس الضيقة والمفتوحة أمام النساء

السؤال: لبس البنطال للمرأة أمام النساء، وكذلك لبس الملابس الضيقة المفتوحة إلى الركبة، وظهور الذراعين وكذلك جزء من الصدر والظهر هل هذا يجوز إذا كان أمام النساء؟

الجواب: إن المرأة المسلمة يجوز لها أن تبرز شيئاً مما جرت العادة بإبرازه، فإذا كانت جرت العادة بإبراز هذه الأشياء ولا تثير النساء ولا تحرك فيهن الغرائز فذلك ربما يجوز ويغتفر أمام النساء المسلمات، والبعد عن ذلك أفضل.

أما لبس البنطال الضيق أو المشقوق وما أشبه ذلك أمام المحارم -خاصة الأخ أو الأخ من الرضاعة- فهذا غير مستساغ وغير صحيح؛ لأنه لم تجر العادة بلبسه أمام الإخوة.

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ذلك أزكى لهم للشيخ : عبد الله الجلالي

https://audio.islamweb.net