إسلام ويب

الشروط في البيع منها ما هو صحيح ومنها ما هو فاسد، فالشروط الصحيحة هي التي تكون من مقتضى العقد ولا تخالفه، والشروط الباطلة هي التي تنافي مقتضى العقد وتخالفه، فهذه تفسد عقد البيع وتبطله.

الشروط في البيع

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[فصل: والشروط في البيع ضربان:

صحيح: كشرط رهن وضامن وتأجيل ثمن، وشرط بائع نفعاً معلوماً في مبيع كسكنى الدار شهراً، ومشتر نفع بائع كحمل حطب أو تكسيره، وإن جمع بين شرطين بطل البيع.

وفاسد يبطله: كشرط عقد آخر من قرض وغيره، أو ما يعلق البيع كبعتك إن جئتني بكذا، أو رضي زيد.

وفاسد لا يبطله : كشرط أن لا خسارة، أو متى نفق وإلا رده، ونحو ذلك.

وإن شرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ].

بدأ المؤلف بالشروط، وهي جمع شرط، وهو في اللغة: العلامة، ومنه قوله تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] أي: علامات الساعة.

وفي اصطلاح الفقهاء: الشرط إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة. ويتضح بالأمثلة التي تأتي إن شاء الله، وذكر أن الشروط في البيع نوعان: نوع صحيح، ونوع باطل، والباطل ينقسم إلى نوعين: نوع يبطل العقد، ونوع يبطل الشرط وحده.

الشروط الصحيحة في البيع

ذكروا أن الصحيح ثلاثة أنواع:

الأول: شرط مقتضى العقد.

الثاني: شرط البائع.

الثالث: شرط المشتري.

والشروط الأصل أنها صحيحة، ودليل ذلك الحديث المشهور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً) فدل على أن الشروط كلها معتبرة إلا إذا خالفت الشرع.

فمثال شرط مقتضى العقد -وهو لم يذكر هنا-: لو اشترط شرطاً لا أهمية له، كأن يقول: اشتريت منك الثوب بشرط أن ألبسه، أو أهديه، أو لولدي، واشتريت منك الدابة بشرط أن أتمكن من حلبها، أو من ركوبها إذا كانت مركوبة، أو من ذبحها إذا كانت مما يؤكل، واشتريت منك الدار بشرط أن أسكنه أو أؤجره، أو أسكن فيه أولادي... كل هذا لا حاجة إليه؛ لأنك إذا ملكته فلك التصرف فيه، إذا ملكت الكتاب فلك أن تنسخه، ولك أن تقرأ فيه، ولك أن تعيره من يقرأ فيه، ولك أن تبيعه، ولك أن تورثه من بعدك، فقد ملكته، وإذا اشتريت الثوب فقد ملكته، فلك أن تلبسه، ولك أن تكسوه أحد أولادك أو من تريد، ولك أن تبيعه، فقد دخل في تصرفك، فهذا النوع الأول يسمونه: شرط مقتضى العقد؛ لأن العقد يقتضي ملكية المشتري للسلعة، ويقتضي ملكية البائع للعوض، وهو الثمن الذي بذلته للبائع قد دخل في ملكه، فهذه الدراهم ثمن هذا الثوب أو الكيس قد ملكها، فله أن يتصرف فيها كيف يشاء.

أما شروط البائع فالبائع قد يكون محتاجاً للسلعة، فيقول: بعتك البيت بشرط أن أسكنه شهراً، يعني: أنه بحاجة إلى سكناه هذه المدة، أو سنة -مثلاً-؛ فله ذلك، أو يقول: بعتك السيارة بشرط أن تبقى معي خمسة أيام أنقل عليها رحلي.. أو نحو ذلك، فهذا شرط له فيه مصلحة، أو قال: بعتك الكتاب بشرط أن أستعيره منك لمدة خمسة أيام أقرأ فيه.. أو نحو ذلك، فيشترط البائع منفعة في المبيع، وتكون تلك المنفعة مباحة، أما إذا كانت لا تباح فلا يجوز، فلو قال: بعتك الأمة بشرط أن تمكنني من وطئها شهراً أو يوماً، فلا يجوز؛ وذلك لأنها لما انتقلت من ملكه حرم عليه وطؤها، وكذلك الشروط التي فيها شيء يدخل في الحرام، ومنه إذا قال: بعتك الشاة بشرط أن تقرضني مائة. فإن هذا قرض جر نفعاً فيكون ربا؛ لما ورد في بعض الأحاديث: (كل قرض جر منفعة فهو ربا) فمثل هذه شروط باطلة.

والشروط التي من قبل المشتري: إما صفة في المبيع، وإما خدمة من البائع، فالصفة مثالها أن يقول: اشتريت منك العبد بشرط أن يكون كاتباً. فإن هذه الصفة تزيد في قيمته، أو الأمة بشرط أن تكون بكراً، أو الدابة بشرط أن تكون هملاجة أو ذات لبن، فهذا ونحوه يصح لأن فيه منفعة للمشتري؛ لأنها إذا فقدت ثبت له الخيار، فإذا اشترى الدابة ولم يجد فيها اللبن جاز له ردها، أو وجدها شروقاً شروداً وقد اشترط أن تكون هملاجة -يعني: مذللة- معسوفة، فإن هذا يفوت عليه منفعة، وكذلك إذا شرط صفة في المبيع له فيها منفعة.

ومن الشروط التي للمشتري إذا اشترط على البائع: خياطة الثوب أو تفصيله، كأن يقول: اشتريت منك هذه القطعة القماش بشرط أن تفصلها، أو بشرط أن تخيطها، فإن هذا فيه مصلحة للمشتري، أو يقول: اشتريت منك هذه الحزمة الحطب بشرط أن توصلها إلى المنزل، أو بشرط أن تكسر أعواد هذا الحطب، فإن هذا -أيضاً- فيه مصلحة للمشتري، وهكذا إذا اشترط عليه حمل الكيس فقال: اشتريت منك هذا الكيس بشرط أن تحمله إلى سيارتي أو إلى بيتي، ولا شك أنه يزيد في الثمن مقابل أجرة إيصاله؛ وذلك لأن العادة أن هناك قيمتان: قيمة للكيس، وأجرة لإيصاله إلى المنزل، فمعلوم أنك إذا اشتريت كيسين: كيس ستحمله أنت، والكيس الثاني سيحمله البائع معك إلى منزلك الذي يبعد -مثلاً- عن المستودع هذا حوالى نصف كيلو؛ فلا شك أنه سيزيد عليك في قيمة الكيس الذي يحمله، ولكن يعتبر هذا شرطاً إذا اشترطت أن يوصله.

فالحاصل: أن هذه شروط صحيحة.

حكم الجمع بين شرطين في البيع

قال: [إن جمع بين شرطين بطل البيع]؛ لأنه ورد في الحديث (أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، وعن شرطين في بيع) ، وقال: (لا شرطان في بيع) وهذا الحديث أشكل على كثير من العلماء، وتوقف كثير منهم وتورعوا عن هذه الشروط، وورد -أيضاً- حديث بلفظ: (نهى عن بيع وشرط) ، ومع ذلك فالصحيح أنها تجوز الشروط التي من مصلحة العقد، وقد ثبت في الصحيح أن جابراً باع جمله على النبي صلى الله عليه وسلم، واشترط حملانه إلى المدينة، وهذا شرط من مصلحة البائع، أي: لمصلحة جابر ، فهو دليل على جواز جنس الشروط إذا كان فيها مصلحة، والشرع لا ينهى عن شيء فيه مصلحة وليس فيه مضرة.

وحديث: (ولا شرطان في بيع) نلتمس له صورة تنطبق عليه، فيحمل على شرطين باطلين؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة : (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)، ويراد بـ(كتاب الله) شرع الله، أي: كل شرط مخالف لشرع الله فهو باطل، فعلى هذا إذا قال: اشتريت منك الدابة بشرط أن تكون هملاجة ولبوناً. فهل هذان شرطان؟ الصحيح أنه جائز، والهملاجة: المذللة، واللبون: ذات اللبن، والمعنى: أنه اشترط فيها صفة فيها منفعة، فهي صفة ينتفع بها هذا المشتري، فلا محذور في ذلك، وكذلك يجوز على الصحيح أن يقال: اشتريت منك هذا القماش بشرطين: أن تفصله وأن تخيطه. فهذا من مصلحة المشتري، ولا محذور في ذلك، خلافاً لما فهمه كثير من الفقهاء، وكذلك لو قال: اشتريت منك الحطب بشرط أن تحمله ثم تكسره. فهذان -أيضاً- من مصلحة المشتري؛ وذلك لأنه قد يشق عليه حمله وتكسيره، فله في ذلك مصلحة، ولا محذور في ذلك.

وعلى هذا كيف يحمل حديث: (لا شرطان في بيع

يحمل على أن المراد الشرطان الفاسدان اللذان ينافيان مقتضى العقد، كأن يشترط -مثلاً- أن لا خسارة عليه، أو يشترط أن الولاء له، أو ما أشبه ذلك من شروط تنافي مقتضى العقد، ويمكن أن يدخل في ذلك -أيضاً- الشروط الربوية التي توقع في المحظور من الربا ونحوه.

والحاصل: أن هذه الأنواع شروط صحيحة، سواء كانت شروطاً من مقتضى العقد، أو شروطاً من البائع كسكنى الدار شهراً، أو حملان البعير إلى موضع معين، أو من المشتري كحمل الحطب وتكسيره، وخياطة الثوب وتفصيله، وكذلك صفات المبيع ككون العبد كاتباً أو خصياً أو مسلماً، والأمة بكراً، والدابة هملاجة أو لبوناً، وهكذا الصفات في المبيع.

الشروط الباطلة في البيع

الشروط الفاسدة في البيع منها: شروط تنافي مقتضى العقد، وهذه تفسد العقد، فإذا قال -مثلاً-: بعتك الكتاب بشرط ألا تقرأ فيه، ولا تبعه، ولا تعره، ولا تمكن أحداً يقرأ فيه. فماذا أنتفع به وما حاجتي به؟ أو يقول: بعتك البيت بشرط ألا تسكنه، وألا تؤجره، ولا تستبدله، ولا تبعه.. فهذه شروط تفسد العقد، وهكذا بقية أنواع الانتفاع؛ لأنك -مثلاً- ما اشتريت الثوب -مثلاً- إلا لتلبسه أو لتهبه أو لتبيعه، فكيف يمنعك من ذلك؟! وما اشتريت هذا الطعام إلا لتأكله، أو لتتصدق به، أو لتطعمه ضيفك أو أهلك، فكيف يشترط عليك منعك من ذلك؟! فهذا ينافي مقتضى العقد.

ومن الشروط ما يبطل الشرط ويصح العقد، ومثلوا لذلك بما ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، والولاء لمن أعتق) ورد هذا في قصة بريرة لما شرط أهلها أن الولاء لهم لما أعتقوها، وإنما الولاء لمن أعتق.

فإذا قال: بعتك العبد بشرط ألا تعتقه، ولا تستخدمه، ولا تبيعه، أو بشرط أنك إذا أعتقته فلي الولاء. فمثل هذا شرط باطل، والعقد صحيح.

وهكذا في الرهن، لو قال: اشتريت منك -مثلاً- هذه الأكياس، ورهنتك هذا السلاح، بشرط أنك لا تبعه إذا حل الدين. أو قال -مثلاً-: إذا حل الدين ولم أوفك فالسلاح لك. فهذا كله شرط باطل، والبيع صحيح، وماذا يفعل؟ يبيعه إذا حل الدين، ويستوفي دينه من ثمنه، وبقية الثمن يرده لصاحبه، وقد ورد في الحديث: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه) .

هذه أمثلة لهذه الشروط ما يصح منها وما لا يصح.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح أخصر المختصرات [26] للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

https://audio.islamweb.net