إسلام ويب

الشفاعة يوم القيامة ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهي رحمة من الله تعالى لعباده، ينجو بها من يشاء الله تعالى له النجاة من النار، وترتفع بها درجات المؤمنين في الجنة، وحقيقتها إرادة الله تعالى إكرام الشافع، ورحمة المشفع له.

الشفاعة لله

يقول المصنف رحمه الله:

[ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ الله لها أقواماً فيدخلهم الجنة.

وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار وتفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء، والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء، وفي العلم الموروث عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه وجده.]

تقدمت أقسام الشفاعة وأن منها ما هو عام وما هو خاص، وهذه الأقسام من الأسباب التي ينجو بها من شاء الله جل علا أن ينجو من النار وكل الأمر راجع إلى الله جل وعلا، كما قال جل وعلا: أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً [الزمر:43-44]، فالملك كله له.

وسبق أن حقيقة الشفاعة إرادة الله جل وعلا إكرام الشافع وإظهار ذلك للخلق ورحمة المشفوع له، فالأمر كله لله جل وعلا.

الشفاعة لأهل التوحيد فقط

قوله: (ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة) يعني: هؤلاء قوم من أهل التوحيد دخلوا النار، أما أهل الشرك وأهل الكفر فلا يخرجون من النار أبداً، كما أخبر الله جل وعلا عنهم بقوله: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، وهذا معلق على شيء مستحيل، وإذا كان مستحيلاً فخروجهم من النار مستحيل، وسم الخياط هو فتحة الإبرة، ولا يمكن أن يدخل الجمل منها؛ فإنه مستحيل، وكذلك قوله: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ [البقرة:167] ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا [السجدة:20]، و(كلما) للشيء المتجدد الذي لا نهاية له، وإنما الخارج من النار بمشيئة الله ورحمته هم أهل التوحيد الذين أخلوا بشرع الله وأمره وارتكبوا الكبائر فاستحقوا دخول النار، ارتكبوا ذنوباً كثيرة أوبقتهم، ثم إن الله جل وعلا يرحمهم ويخرجهم برحمته، وهؤلاء خارجون عن شفاعة الشفعاء؛ لأنهم ليس عندهم شيء يستحقون به أن يشفع لهم، وقد جاء تعيين الذين يشفع لهم: (من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان). إلى أن قال: (أدنى أدنى مثقال حبة)، وبعد ذلك يخرج الله جل وعلا من غير هؤلاء من يدخلهم الجنة وقد احترقوا وكانوا حمماً، فيلقيهم الله جل وعلا في نهر من أنهار الجنة فتنبت أجسادهم كما تنبت البقول والأعشاب، فيعرفون بعد ذلك بأنهم عتقاء الرحمن من النار، وقوله في الحديث: (من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خير، أو قال: من إيمان) يقول العلماء: هذا شيء زائد على أصل الإيمان الذي لا بد منه لدخول الجنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يبلغ عن ربه جل وعلا في المجامع أنه: (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة) وهذا شيء تكاثرت فيه النصوص، وهؤلاء الذين يخرجهم الله جل وعلا من النار بفضله ورحمته عندهم أصل الإيمان.

فضل الله الواسع وكرمه

قوله: (ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها) يعني: فضل مساكن، (فينشئ الله لها أقواماً) إنشاءً لم يعملوا أعمالاً يستحقون بها دخول الجنة، ينشئهم فيسكنهم فضل الجنة؛ لأن الله جل وعلا أقسم بعزته أنه سيملأ الجنة ويملأ النار، وأن ذلك وعداً عليه، ولسعة الجنة وكثرة مساكنها يبقى فيها فضل عمن يدخلها ولو بعد الشفاعة، وهذا بمشيئته جل وعلا، وأما ما في الصحيح صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: (إن الله ينشئ أقواماً فيسكنهم النار، ولا تزال النار تقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30] فينشئ الله أقواماً فيسكنهم النار) فهذا -كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم -: غلط من الراوي انقلب عليه، والبخاري رحمه الله بين أن هذا غلط بذكر الصواب بعده في حديث أنس، وأن هذا في الجنة وليس في النار، أما النار فإن الله أقسم بعزته أنه سيملؤها من بني آدم ومن ذرية الشيطان مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين [هود:119]، فهم الذين يملؤون النار، وقد ورد أنها لا تزال تقول: (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)، تطلب الزيادة: (فيضع الله جل وعلا فيها رجله - تعالى وتقدس - فينزوي بعضها على بعض -يعني: تتضايق على أهلها- وتقول: (قط قط) يعني: حسبي قد امتلأت، ويكفيني ما ألقي فيّ والله لا يظلم أحداً من خلقه، ولا يسكن النار إلا من جاءته الرسل كما دل على ذلك كتاب الله: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا [الملك:8-9]، ولهذا فكل من ألقي فيها تسأله الخزنة: هل أتاكم من نذير؟ فيقولون: بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ [الملك:9]، ثم قال عنهم: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10]، فالذي عنده سمع ينفع وعقل يستفيد منه لا يكون من أصحاب جهنم؛ لأن الأدلة والنذر جاءته، وإنما يكون من أهل النار الذين لم يستفيدوا من أسماعهم وأبصارهم والأدلة التي أقامها الله جل وعلا لهم.

تفاصيل اليوم الآخر ثابتة في الكتاب والسنة

ثم قال: ( وأصناف ما تضمنته الدار الآخرة من الحساب والثواب والعقاب والجنة والنار تفاصيل ذلك مذكورة في الكتب المنزلة من السماء، والآثار من العلم المأثور عن الأنبياء، وفي العلم المأثور عن محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك ما يشفي ويكفي فمن ابتغاه وجده ).

سبق أن هذا كله من الإيمان باليوم الآخر، وأن هذا مذكور في القرآن بكثرة، ونصوص المعاد وتفاصيله كثيرة جداً، وقد أخبر الله جل وعلا عن اليوم الآخر بأنه قريب، وأخبر عن شدته وعن عظمته كثيراً، قال جل وعلا: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-3] ، الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:2-3] ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2] ، وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ [مريم:39] في كثير من آيات كتاب الله يحذر فيها عن هذا اليوم؛ لما فيه من الفظائع والعظائم، وتفاصيله موجودة في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تفسر ذلك وتوضحه، والأنبياء الذين قص الله قصصهم علينا في القرآن نصوا على هذا فإبراهيم عليه السلام يقول: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:82] إلى آخر ما طلب من ربه، ونوح عليه السلام أنذر قومه وقال: أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً [نوح:17-18] إلى آخره وهكذا بقية الأنبياء يذكرون هذا اليوم ويحذرون منه ويخبرون أقوامهم بأنهم سيكونون بين يدي الله ويجازيهم بما عملوا.

أما رسولنا صلى الله عليه وسلم لكون أمته هي آخر الأمم فقد جاء بتفصيل ذلك تفصيلاً دقيقاً، كأنه يشاهد ذلك اليوم، وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يطلبها، وأن يتعرف عليها ثم يعمل على ذلك، وهي كثيرة وموجودة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العقيدة الواسطية [22] للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

https://audio.islamweb.net