إسلام ويب

أحياناً قد يترك المجتهد أو الفقيه العمل بحديث ما، وهذا الترك ليس عن هوى أو تعصب لباطل وما إلى ذلك، فإن علماء الأمة وأئمتها ينزهون عن مثل هذا، ولكن هناك أسباب هي التي تدعو ذلك المجتهد أو الإمام إلى ترك العمل بذلك الحديث، وقد بسطها شيخ الإسلام رحمه الله في رسالته رفع الملام، وشرحها الشيخ حفظه الله في هذه المادة.

أسباب ترك العلماء للعمل بحديث ما

قال المصنف رحمه الله: [وجميع الأعذار ثلاثة أصناف: أحدها: عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله. والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول. والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ].

سبقت الإشارة إلى أن جمهور كلام شيخ الإسلام يتعلق بمسألة الحديث من حيث الثبوت، أو من حيث الدلالة، أو من حيث النسخ، لكن المصنف -كما أسلفت- لم يتكلم عن جميع الأسباب في الخلاف الفقهي، إنما تكلم عن هذه الجهة وهي جهة الأحاديث النبوية من حيث الثبوت ومن حيث الدلالة، وذكر هذه الأسباب الثلاثة.

السبب الأول: أن لا يكون الحديث قد بلغه

قال المصنف رحمه الله:[ وهذه الأصناف الثلاثة تتفرع إلى أسباب متعددة:

السبب الأول: أن لا يكون الحديث قد بلغه].

فهذا سبب به قد يخالف كثير من الفقهاء في بعض المسائل، فنجد أنهم ربما خالفوا ظاهراً من السنة ويكون السبب متعلقاً بعدم بلوغ الحديث لهذا الفقيه.

وقد ذكر المؤلف لهذا السبب أمثلة في فقه عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم فضلاً عمن بعدهم.

السبب الثاني: عدم ثبوت الحديث عنده

قال رحمه الله: [السبب الثاني: أن يكون الحديث قد بلغه لكنه لم يثبت عنده].

وهنا يكون الحديث قد بلغه، ولكنه لم يثبت عنده؛ لأنه لم يصل إليه إلا من طريق ضعيف، ووصل إلى غيره من طريق صحيح، وهذا له مثالات بينة ولا سيما في رواية أهل الأمصار؛ كرواية الحجازيين عن الشاميين عن العراقيين ونحو ذلك.

السبب الثالث: اعتقاده أن الحديث ضعيف مع مخالفة غيره له

قال رحمه الله: [السبب الثالث: اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره].

كأن يكون له شرط في الصحة يخالف فيه الجمهور أو الأكثر من أهل الحديث، فنجد أنه لا يقبل هذا الحديث بهذا السند ويقبله غيره بنفس السند، وهذا هو الفرق بين هذا السبب وبين السبب الثاني، فإن السبب الثاني: أن يكون الحديث قد وصل إليه بسند لا يصح لا عنده ولا عند غيره، ووصل إلى غيره بطريق آخر صحيح، فيكون قد بلغه من طريق وبلغ غيره من طريق آخر، أما السبب الثالث: فهو أن يكون لإمام ما شرط في الصحة يخالفه فيه غيره، فإذا بلغه الحديث بهذا الإسناد لم يعتبره، وإذا بلغ الحديث غيره بهذا الإسناد اعتبره، ومن الأمثلة على ذلك: أن الحاكم في المستدرك وغيره يصحح كثيراً من الأسانيد التي لا يصححها غيره من العلماء، ونحو ذلك.

السبب الرابع: اشتراطه في خبر الواحد شروطاً يخالفه فيها غيره

قال رحمه الله: [السبب الرابع: اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره].

وهذا من جهة القبول لآحاد الأحاديث، أو للأحاديث المفردة، وليس المقصود بالآحاد هنا بالضرورة الآحاد الاصطلاحية؛ بل يتبين هذا السبب في الحديث الفرد عند المحدثين أو عند متقدمي المحدثين، وهذا السبب يعد من الأسباب التطبيقية القوية، أي: الثابتة في التطبيق، بمعنى: أن الحديث إذا كان فرداً فربما ترك بعض المحدثين العمل به، وربما عمل به بعضهم لكونه موافقاً لبعض الأصول عنده، ونحو ذلك، فمثلاً: إذا جاء حديث فرد على وفق عمل أهل المدينة، فنجد أن مالكاً يعمل به ويعتبره، وإذا جاء حديث فرد على خلاف عمل أهل المدينة فنجد أن مالكاً ربما لم يعمل به، وقد سبق لذلك بعض المثال.

فهذا يتعلق بمسألة الأحاديث المفردة، وليس له قاعدة مطردة يمكن أن تضبط بحد، بل إن المحدثين أصحاب هذا الشأن -أعني المتقدمين منهم- نجد أنهم قد يقبلون بعض الحديث الفرد وقد يردونه، مع أن ظاهر الإسناد عندهم الصحة، وهم لا يطعنون في رجاله أو في اتصاله؛ بل يكون ظاهره الاتصال، ويكون ظاهر الرواة العدالة والقبول؛ لكنهم لا يعتبرون الحديث لكونه فرداً جاء على خلاف أصل عندهم، ومن المعلوم أن لكل إمام بعض الأصول التي يخالفه فيها غيره، وقد ذكرنا سابقاً أن من اعتبر عمل أهل المدينة يقوي بعض الحديث الفرد، لكن هذا الأصل -وهو عمل أهل المدينة- ليس أصلاً عند أبي حنيفة مثلاً، وليس أصلاً عند الإمام أحمد من المحدثين، فلا يلزم بالضرورة أن يكون عمل أهل المدينة مقوياً لبعض الحديث الفرد عند أحمد كما هو عند الإمام مالك .

السبب الخامس: أن يكون قد نسي الحديث مع بلوغه وثبوته عنده

قال رحمه الله: [السبب الخامس: أن يكون الحديث قد بلغه وثبت عنده لكن نسيه، وهذا يرد في الكتاب والسنة].

وهذا السبب -وهو أن يكون قد نسي الحديث- له أمثلة كثيرة؛ ومنها: المثال المشهور في قصة عمر رضي الله عنه في التيمم من الجنابة عند عدم وجود الماء.

السبب السادس: عدم معرفته بدلالة الحديث

قال رحمه الله: [السبب السادس: عدم معرفته بدلالة الحديث، تارة لكون اللفظ الذي في الحديث غريباً عنده، مثل لفظ (المزابنة) و(المخابرة) و(المحاقلة) و(الملامسة) و(المنابذة) و(الغرر) إلى غير ذلك من الكلمات الغريبة التي قد يختلف العلماء في تفسيرها].

وإن كان وجود هذا السبب نادراً عند الأئمة؛ لأن عامة الحروف والكلمات هي معلومة عند الأئمة، لكن قد يعرض لهم ما هو من ذلك، وإلا فإن هذه الكلمات وإن كانت من غريب الحديث في الاصطلاح؛ كالمزابنة، والمحاقلة، والمنابذة، والملامسة، وهي في مسائل المعاملات ومسائل المزارعة ونحوها، إلا أن عامة الأئمة لا يخفى عليهم مثل ذلك، لكن قد يعرض عليهم هذا الأمر، فهو من أضيق الأسباب إذا ما اعتبر بحال الفقهاء، أما إذا ما اعتبر بحال من دون الفقهاء فهذا باب آخر.

لكن الذي هو واقع أن بعض الحروف الغريبة في الاصطلاح هي في سياق كلام العرب من الألفاظ المشتركة، بمعنى: أنه قد يفسر بمعانٍ قد تكون مختلفة وقد لا تكون متضادة أو متناقضة، وهذا هو الذي حصل في مثل هذه الحروف، فإذا كانت الكلمة أو الحرف مشتركاً فإنه قد يختلف فيه الفقهاء، ويكون من أسباب الخلاف: أن الحرف الذي ورد به النهي أو وردت به الإباحة حرف مشترك، فيحتمل معاني ليست متضادة ولكنها مختلفة، ومن هنا نجد أن الخلاف يقع ويحدث.

مثال ذلك: زواج الشغار؛ فإن هذا من حيث هو حرف فيه اشتراك واضح، وهو أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته، وليس بينهما صداق، فهل الشغار هو التعاقد بالنية الشرطية على أن يزوج رجل موليته برجل آخر مقابل أن يزوجه الآخر موليته، أم لا بد أن يقال: وليس بينهما صداق، فإن كان بينهما صداق فليس شغاراً؟ هذا محل تردد عند الفقهاء؛ لأنهم لم يختلفوا في أن الشغار منهي عنه، ولكن اختلفوا في صيغته وحده؛ لأن لفظه فيه اشتراك.

والتعبير بالمشترك أوسع وأدق من التعبير بالمجمل؛ لأن المجمل شأنه بين، فإنه يبينه المفصل، لكن المشترك في الغالب يرجع إلى فقه الألفاظ في حدود اللغة العربية.

السبب السابع: اعتقاده عدم وجود دلالة في الحديث

قال المصنف رحمه الله: [السبب السابع: اعتقاد أن لا دلالة في الحديث، والفرق بين هذا وبين الذي قبله: أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، والثاني عرف جهة الدلالة لكن اعتقد أنها ليست صحيحة، بأن يكون له من الأصول ما يرد تلك الدلالة، سواء كانت في نفس الأمر صواباً أو خطأً].

أي أنه لا يرى أن دلالة الحديث دلالة صحيحة، وأحياناً قد يتنازع الفقهاء في حديث، كصلاة ابن عباس رضي الله عنه إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره، قال: (فأخذني فأدارني عن يمينه)، فهل هذا يدل على أن المصافة إذا كان المأموم فرداً لازمة عن يمين الإمام، أم أنه يدل على أنها سنة؟

هنا الدلالة متنازع فيها بين الفقهاء، فالحنابلة يرون أنها لازمة، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أداره، فأحدث ذلك حركة في الصلاة للنبي صلى الله عليه وسلم وحركةً لـابن عباس ، ونحو ذلك مما يدل على اللزوم، ولو كان هذا من باب المستحب لتركه حتى ينصرف من صلاته ثم يبين له ذلك الأمر، والجمهور يرون أن الحديث لا يدل على اللزوم، قالوا: لأنه لو كان يدل على اللزوم والصحة لما صح تكبير ابن عباس للإحرام؛ لأن ابن عباس كبر تكبيرة الإحرام وهو عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم.

فأحياناً قد يكون الحديث واحداً ولكن هذا يأخذه من منزع، وهذا يأخذه من منزع آخر.

السبب الثامن: اعتقاده أن تلك الدلالة معارضة بما يدل على أنها غير مرادة

قال رحمه الله: [السبب الثامن: اعتقاده أن تلك الدلالة قد عارضها ما دل على أنها ليست مرادة].

ولا سيما إذا كانت الدلالة ليست نصاً أو ظاهراً، أما إذا كانت الدلالة ظاهرة بينة فإن هذا لا يتصور، لكن إذا كانت الدلالة دون الصريح ودون الظاهر البين؛ كدلالات المفهوم ونحو ذلك؛ فإن هذه إذا عارضها ما هو أقوى منها تركت، كما لو أن حديثاً ما تضمن دلالة مفهوم، وعارضه دلالة منطوق، فلولا معارضة دلالة المنطوق عند هذا الفقيه لعمل بالمفهوم؛ لأن من أصله: أنه يعمل ببعض المفهوم، لكنه ترك هذا المفهوم في هذا المقام لأن ما هو أقوى منه دلالة قد عارضه.

ومن أمثلته: حديث ابن عمر : (إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث)، فهذا الحديث منطوقه أن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، ومفهومه: أنه إن كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث.

قال الفقهاء من الحنابلة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بقوله: (لم يحمل الخبث)، أنه لا يقبل التنجس؛ لأنه متى ما تغير بالنجاسة ولو كان قلتين فأكثر فإنه ينجس بالإجماع، فلما قال: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، ليس المقصود أنه لا يتنجس مطلقاً؛ بل المقصود: أنه إن وقعت فيه نجاسة ولم يظهر أثر النجاسة فإنه لا يحمل الخبث، حتى ولو علمنا وقوع النجاسة فيه، قالوا: فدل ذلك على أن ما دون القلتين ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه، وإلا فلا معنى لمفهوم الحديث.

والطرف الآخر من الفقهاء -كـمالك في رواية المدنيين، وجملة من الفقهاء، بل يذكر ابن تيمية أن هذا هو مذهب الجمهور- يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث أبي سعيد : (إن الماء طهور لا ينجسه شيء)، فيجعلون حديث أبي سعيد منطوقاً، قالوا: فتقدم دلالة المنطوق على دلالة المفهوم.

ومن المعلوم أن مثل هذا التنظيم في طرق الاستدلال أمر فاضل وجيد، لكن أنبه إلى أنه ينبغي أن لا يلج فيه إلا صاحب ملكة في التمييز؛ لأنه أحياناً يتصور فيه البعض الانضباط البين في تحصيل النتيجة، مع أنه إذا تأملت في النتيجة وجدت أن هناك بعض العوارض التي انقطعت ولم يتفطن لها الناظر، فمثلاً: مسألة تحية المسجد في أوقات النهي، نجد أن ابن تيمية ينظر فيها بطريقة فيقول: إن أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي المعينة عام مخصوص، وحديث الأمر بتحية المسجد في حديث أبي قتادة في الصحيحين: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) عام محفوظ. يقول: فالنهي خص بالفريضة، فإن الفريضة تقضى في وقت النهي، وخص عند أكثر الفقهاء بصلاة الجنازة، وخص بركعتي الطواف، فإنه حتى عند الحنابلة -وهو الصحيح من المذهب- أن ركعتي الطواف تفعل ولو في وقت النهي، وإن كان في المذهب أكثر من قول كما هو معروف، فجعل النهي عاماً مخصوصاً، أي خصت منه بعض الصور، وجعل حديث: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) جعله عاماً محفوظاً، والقاعدة الأصولية: أن العام المحفوظ مقدم على العام المخصوص.

والإشكال هنا ليس هو في القاعدة، لكن الإشكال في صدق القاعدة على المثال، والذي أراه أن تطبيق القاعدة على المثال فيه تردد؛ لأن العام في النهي مخصوص، هذا لا جدال فيه، لكن حين يقال: إن حديث أبي قتادة عام محفوظ، فإن هذا استدلال بمحل النزاع، فمن الذي قال: إنه محفوظ؟ والجمهور لا يقولون عنه: إنه محفوظ؛ بل كما قالوا في النهي: يستثنى منه قضاء الفريضة، قالوا في حديث أبي قتادة: يستثنى منه أوقات النهي. فهو عند الشافعي ورواية عن أحمد وهي اختيار شيخ الإسلام : أنه عام محفوظ، لكن الجمهور يرونه عاماً مخصوصاً، فليس هناك اتفاق فقهي على أن حديث أبي قتادة عام محفوظ.

ومعنى: (عام محفوظ) أي: أنه باقٍ على عمومه، ولو كان عاماً محفوظاً لما وجد في المسألة خلاف؛ لأنه يقال: إن الذين يمنعون صلاة تحية المسجد في أوقات النهي لا يجعلونه عاماً محفوظاً؛ بل يجعلونه عاماً مخصوصاً بغير أوقات النهي.

إذاً: ليس الإشكال هنا في القاعدة، إنما الإشكال هو في تطبيق هذه القاعدة.

ومسألة التطبيقات تعتبر مسألة قابلة للنزاع كثيراً، وقد تكون هناك قاعدة أصولية، وهي من الضوابط لبعض المذاهب، ومع ذلك فليست قاعدة مطردة، كقاعدة: (ما ثبت في الفرض ثبت في النفل)، فإن هذا القاعدة ليست بالضرورة قاعدة مطردة. والقواعد اللازمة كقاعدة: اليقين لا يزول بالشك، والعادة محكمة، والمشقة تجلب التيسير، والضرر يزال، فإن هذه القواعد هي الجوامع، ولذلك يقول بعض كبار الشافعية: إن مدار فقه الشافعي على خمس قواعد، وهي: اليقين لا يزول بالشك، والمشقة تجلب التيسير، والضرر يزال، والعادة محكمة، والأمور بمقاصدها.

وأحياناً يفرق بينها وبين ما يسمى: ضوابط فقهية لبعض الفقهاء، وبين مفصل قواعد الأصوليين، مثل هذه الترددات بين الدلالات: العام المحفوظ والعام المخصوص أيهما أقوى؟.. إلخ، وهذا في الجملة جيد، لكن لا بد أن يحرر تحريراً منضبطاً.

السبب التاسع: اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله

قال المصنف رحمه الله: [السبب التاسع: اعتقاده أن الحديث معارض بما يدل على ضعفه، أو نسخه، أو تأوليه إن كان قابلاً للتأويل بما يصلح أن يكون معارضاً بالاتفاق، مثل آية، أو حديث آخر، أو مثل إجماع. ].

والفرق بين هذا السبب وبين الذي قبله: أن الذي قبله تعلقت المعارضة بالدلالة لأصل ما، وأما هذا السبب فهو أن يكون في السياق أكثر من حديث، أو أكثر من أثر، فمثلاً: هل حديث أبي سعيد مقابل في رفع الحكم لحديث القلتين، أم أنه تحت تكييف من أوجه الدلالة؟ بمعنى: هل أحدهما مثبت والآخر نافٍ على التصريح؟

الجواب: لا، بل جعلوا هذه الدلالة مقابلة لهذه الدلالة تحت تكييف فقهي، لكن إذا نظرنا إلى التعارض بين الإثبات والنفي ونحو ذلك فهذا من أمثلته: ما يتعلق بنقض الوضوء بمس الذكر، ففي حديث بسرة بنت صفوان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ)، وفي حديث طلق بن علي -وكلاهما في السنن والمسند-: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال: (إنما هو بضعة منك)، فهذا التقابل ليس تقابل تكييف في الدلالات كما هو في حديث القلتين وحديث أبي سعيد ، ومن هنا نجد أن من أهل العلم من يقدم أحدهما على الآخر؛ إما لكونه أقوى ثبوتاً عنده، أو لكونه مبقياً على الأصل، أو لكونه جرى عليه عمل جملة من الصحابة، أو لغير ذلك من الأسباب، ولهذا نجد أن بعض الفقهاء عمل بهذا وبعضهم عمل بذاك، ومنهم من قال: إن أحدهما ناسخ للآخر.. ومنهم من قال غير ذلك.

السبب العاشر: معارضته بما يدل على ضعفه أو نسفه أو تأويله

قال رحمه الله: [السبب العاشر: معارضته بما يدل على ضعفه أو نسخه أو تأويله مما لا يعتقده غيره أو جنسه معارضاً، أو لا يكون في الحقيقة معارضاً راجحاً].

أن يكون المعارض ليس بيناً ولم يشتهر، وإنما هو من أصله الخاص، أي: من أصل الفقيه الخاص.

هذه هي الأسباب العشرة التي جمع فيها المصنف رحمه الله ما أراد ذكره في مسألة السبب في اختلاف الفقهاء.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رسالة رفع الملام عن الأئمة الأعلام [4] للشيخ : يوسف الغفيص

https://audio.islamweb.net