إسلام ويب

قد أودع الله في الأرض من الكنوز والمعادن شيئاً كثيراً يمكن الاستفادة منه، والإنسان قد يجد ذلك كنزاً جاهزاً، وقد يحتاج في استخراجه وتصفيته إلى عمل، وما حصل من ذلك فللزكاة منه نصيب بشرطه على ما بينه الشيخ هنا.

حديث زكاة الركاز

قال المصنف رحمه الله: [وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وفي الركاز الخمس) متفق عليه].

حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه الذي ساقه المؤلف هنا جزء من حديث يشتمل على زيادة، وإن كان موضوعها غير موضوع الزكاة؛ لأن الحديث فيه: (العجماء جبار، والبئر جبار، وفي الركاز الخمس) .

جرح العجماء جبار

(والعجماء جُبار) في بعض رواياته كما يسوقه صاحب المنتقى: (جرح العجماء جبار) والجبار: هو المجبور الذي لا دية ولا قيمة.

والعجماء: هي الدابة لكونها لا تعرب عما في نفسها، وقالوا: إن كون العجماء جباراً فيه تفصيل؛ لأنها إما أن تكون مروضة كما يقال: مؤدبة، أو لا زالت لم تدرب، وكذلك إما أن تجني بمقدمها أو بمؤخرها، وإما أن تجني وعليها قائدها أو صاحبها، أو تجني وليس عليها أو معها أحد.

وكذلك قد تكون جنايتها بالليل أو بالنهار، وكل هذا مما تتطلبه الحياة، وخاصة عندما كانت العجماء وسيلة النقل والحمل دون غيرها.

فقالوا: إذا كان إنسان يركب دابة أو يقودها فجنت بمقدمها فإن راكبها أو قائدها مسئول عن جنايتها؛ لأن بيده مقودها، أما إذا جنت بمؤخرها وهو لا يدري، فجرحها جبار، بمعنى: إذا رمحت إنساناً فجرحته فليس على صاحبها شيء.

وقالوا: إذا كانت مؤدبة وربطها في طريق عام والطريق واسع، فجاء إنسان ونخزها فرمحته فهي جبار، وإذا كانت غير مؤدبة وربطها في طريق عام ومر إنسان ولم ينخزها ولم يؤذها فرمحته فهو مسئول؛ لأنه يعلم منها أنها ليست مروضة ولا تألف الناس، وتؤذي من يمر بها، فيكون قد عرض الناس لإيذائها فهو مسئول.

وهكذا إذا جنت ليلاً أو جنت نهاراً وليس عليها أحد أو لا يقودها أحد، فإن جنت ليلاً فعلى صاحبها جنايتها، وإن جنت نهاراً فليس في جنياتها نهاراً شيء، كما في ناقة البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه، أكلت حرث قوم فحكم صلى الله عليه وسلم أن على صاحب الناقة حفظها ليلاً، وعلى صاحب الزرع حمايته نهاراً.

وهكذا يذكرون ما يتعلق بجناية الدابة مروضة أو غير مروضة، معها إنسان أو ليس معها إنسان، وكذلك إذا كان يعلم منها أنها غير مروضة ومر بها داخل الأسواق والأسواق مزدحمة فآذت أحداً فهو ضامن، أما إذا كانت مروضة ومتعودة دخول الأسواق فلا تؤذي أحداً، ودخل بها سوقاً فآذت إنساناً، فإن كان بمقدمها فهو ضامن، وإن كان بمؤخرها فليس بضامن.

هذا ما يذكره العلماء رحمهم الله في قوله صلى الله عليه وسلم: (العجماء جبار).

ومن هنا -يا إخوان- ننظر إلى مدى شمول السنة النبوية فيما يتعلق بالتعامل بين الناس، سواء كان مباشراً أو عن طريق بهائمهم العجماوات.

البئر جبار

(والبئر جبار) أي: إذا استأجر إنساناً ليحفر له بئراً أو ليصلح له خراباً في بئر، فإن كان هذا الأجير عاقلاً مكلفاً مميزاً فأصابه شيء من عمله في البئر، بأن سقط منه عليه حجر أو انهار البئر عليه، فهذا جبار ولا دية له، أما إذا استعمل مجنوناً أو صغيراً أو معتوهاً أو من لا يتحمل المسئولية، فهو مسئول عنه؛ لأن ذاك -كما يقولون- عديم الأهلية أو ناقص الأهلية، كما لو كلف الصغير أو المجنون أن يطلع شجرة ليجني له منها ثمراً فسقط، فهو مسئول عنه، أما إذا كلف عاقلاً بالغاً مميزاً رشيداً فطلع كالعادة فسقط، فليس عليه في ذلك شيء.

تعريف الركاز في الشرع

قوله: (وفي الركاز الخمس) هذا محل الشاهد والعلاقة بباب الزكاة، والخمس: هو الحصة التي تؤخذ مما لا عناء في تحصيله، وهو تابع للغنيمة؛ لأن قوله: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ [الأنفال:41] الخمس في الأموال التي تؤخذ بدون عناء، والركاز: مأخوذ من ركزت الرمح إذا غرزته في الأرض، وتوجد مسميات: الكنز، والركاز، والمعدن، هذه المسميات الثلاث قد يتداخل بعضها مع بعض، وخاصة الركاز، فالركاز أعمها، يطلق على المعدن؛ لأنه مركوز في الأرض، وقد يتميز المعدن بجنسه عن الركاز.

والفرق عند المحققين: أن الركاز ما كان من فعل الآدمي فركزه في الأرض، والمعدن ما كان من فعل الله سبحانه وتعالى، وهو ما خلقه في الأرض يوم خلقها من أنواع المعادن أو الأجناس المغايرة للتربة.

فهنا الركاز والكنز والمعدن، فالركاز: هو ما وجده الإنسان مركوزاً في الأرض، وشبيه به الكنز، وقد يتعاوران ويطلق بعضهما على الآخر، والركاز أعم.

الأصل أن الركاز لمن وجده واستخرجه

إذا جاء إنسان وكان يعمل في أرض فوجد فيها مالاً مركوزاً، أي: مدفوناً، سواء كان هذا المال ذهباً أو فضة، أو كان جوهراً، أو شيئاً له قيمة، فيقولون باتفاق: إن وجده في ملكه فلا نزاع في شيء، فإنه يؤخذ منه الخمس ويترك له الأربعة الأخماس ملكاً له.

وإذا كان يعمل في أرض بيضاء ليست ملكاً له ولا لغيره فوجده فكذلك؛ لأن الأرض التي وجد فيها هذا الركاز ليست مملوكة لأحد.

أما إذا عمل في أرض مملوكة للغير فوجد فيها هذا الركاز، فهل يا ترى هذا الركاز للعامل الذي وجده أو لصاحب الأرض؟

فالأكثرون على أنه للذي وجده، وصاحب الأرض لا يعلم عنه شيئاً، فإذا وجد إنسان ركازاً في أي نوع من أنواع الأراضي، فبعضهم يقول: هو لواجده، حتى قالوا: لو أن إنساناً استأجر أجيراً يحفر له بئراً في أرضه فعثر الأجير على ركاز، فإن هذا الركاز للأجير؛ لأنه هو الذي وجده.

والآخرون يقولون: هو لصاحب الأرض؛ لأنه يملك الأرض وما فيها.

وبعضهم يقول: إن استأجره لحفر بئر فوجد ركازاً فهو للأجير، وإن استأجره للبحث عن ركاز فوجد الركاز فهو لصاحب الأرض بلا خلاف؛ لأنه يكون قد استأجره لعمل مباح له كما لو استأجره في أن يحتطب، فإنه يكون الحطب أو الماء لمن استأجره، وليس للأجير إلا أجرة يده.

إذاً: الركاز مأخوذ من ركزت الرمح إذا غرزته في الأرض وهو يكون من المعدن ولا يحتاج إلى عمل يستخرجه منه كما سيأتي في موضوع المعادن.

فإذا وجد إنسان معدناً ذهباً أو فضة أو ما له قيمة كجواهر ويواقيت مدفونة، فتسمى: مركوزة، فما حكم هذا الذي وجده الإنسان؟

إن كان وجده في ملكه فلا نزاع في ذلك، وعليه أن يؤدي الخمس، وإن كان وجده في مكان ليس ملكاً لأحد فهو كذلك؛ لأنه ليس هناك من يدعيه ملكاً له في أرضه، فهو لواجده، فعلى هذا: يعطيه الإمام الخمس ويرد عليه الأربعة الأخماس، وجاء في ذلك آثار عن علي رضي الله تعالى عنه: عن رجل وجد ألف دينار فأخذ منها مائتي دينار وأعطاه الباقي، وعن عمر أيضاً رضي الله تعالى عنه أنه أخذ الخمس ورد إليه الباقي.

وعلى هذا يتفق الجميع على أن الركاز فيه الخمس.

واختلفوا فيمن وجد هذا الركاز إذا كان ذمياً، هل يملكه أم لا؟ فقالوا: إنه يمتلكه.

وكذلك العبد إذا وجد الركاز هل يمتلكه أو يكون لسيده (العبد وما ملكت يده لسيده).

وعلى هذا فحكم الركاز الذي يجده الإنسان مدفوناً في الأرض من جواهر ومعادن نفيسة كالذهب والفضة، فإن هذا لواجده ما لم يكن أجيراً للحفر عن ركاز.

ومما فيه خلاف: من وجده في أرض الغير، واحتفر فيها حفراً مباحاً فوجد ذلك الكنز، فإنه أيضاً يملكه على خلاف فيما إذا كان يملكه هذا الواجد؟ أو يعود ملكاً لصاحب الأرض.

وكذلك يذكرون فيما لو استأجر إنسان داراً ثم أخذ يصلح فيها فوجد ركازاً، هل يكون هذا الركاز الذي وجده المسـتأجر للمستأجر الواجد أو يكون لصاحب الدار؟

يذكرون عن أحمد روايتين، وكذلك عن الشافعي، ويختلفون لأن صاحب الدار لا يعلم عنه، وليس هو الذي ركزه.

الفرق بين حكم ركاز الجاهلية وركاز الإسلام

ويختلفون أيضاً في موضوع الكنز -النقد- الذي وجده إنسان، إن كان من ركاز الجاهلية أو من ركاز الإسلام، ويعلم ذلك بالأمارات التي توجد على القطع النقدية، بأن كان عليه علامات الجاهلية من صور الأصنام، ومن عبارات أسماء ملوكهم؛ فإن ذلك له فيه الخمس، فيعطي الخمس ويتملك الباقي، وإذا وجد عليه علامات إسلامية بأن كان عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله) أو كان عليه نقش آية من كتاب الله، أو ما يدل على أنه لمسلم؛ فإنه يكون بمنزلة اللقطة، يعرفها سنة وبعد ذلك هو وشأنه بها.

إذا وجد الركاز في قرية مسكونة أو خربة

قال المؤلف: [وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كنز وجده رجل في خربة: (إن وجدته في قرية مسكونة فعرفه، وإن وجدته في قرية غير مسكونة، ففيه وفي الركاز الخمس) أخرجه ابن ماجة بإسناد حسن ].

هنا يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي وجد فيه الكنز، أهو في قرية مسكونة؟ فهذا مظنة أن يكون أهلها هم الذين دفنوه وركزوه، أو في قرية مهجورة خربة قديمة لا ندري متى عمرت ومتى خربت؟ فإنه يكون كدفن الجاهلية ففيه الخمس.

وإذا عرفه السنة فإن وجد من تعرف عليه وأتى بأماراته كما جاء في اللقطة: (احفظ عفاصها ووعاءها ثم عرفها سنة)، فإذا وجد لقطة في كيس عرف الكيس أهو من صوف أو قطن أو جلد، والرباط أهو من حرير أو من خيوط أو من جلد، فإذا جاء إنسان وذكر الأوصاف المطابقة لهذه اللقطة فهي له، وإذا لم يأته أحد أو جاء بوصف مغاير للحقيقة، فإنها تبقى عنده إلى تمام الحول.

وبعد تمام السنة مع تعريفها كما يقولون: في الأسبوع الأول كل يوم، وفي الشهر الأول يوماً كل أسبوع، ثم بعد ذلك في كل شهر يوماً حتى ينقضي الحول، فإذا لم يجد من يتعرف عليها فهي ملكه، ولكن كما يقولون: هو ملك غير تام، بأن يتصدق بها، وإن شاء تملكها ديناً في ذمته، فلو جاء إنسان يطلبها وصدق في تعريفها وجب أن يردها إليه.

أو إذا كان بعد هذه المدة لا يريد أن يتحملها في ذمته، وإذا جاء صاحبها ربما لا يجد ردها، تصدق بها على ذمة صاحبها، فإذا جاء صاحبها أخبره، أنه قد عرفها لمدة سنة فلم يأت أحد، فتصدقت بها على ذمة صاحبها، إن قبلت الصدقة على ذمتك فهي ماضية لك، وإن لم تقبلها فتكون الصدقة على ذمتي وأنا أدفع لك بدلها.

وهكذا إذا وجد في قرية مسكونة أو طريق مطروق، أو وجد في قرية خربة غير مسكونة، أو طريق مهجور لا يسلكه أحد، وكذلك الأرض إن كانت محياة لأحد أو ميتة لا يملكها أحد.

المعادن وحكم زكاتها في الشرع

[ وعن بلال بن الحارث رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة) رواه أبو داود ].

صاحب هذا الحديث بلال بن الحارث وفي بعض الروايات هلال بن الحارث : أن النبي صلى الله عليه وسلم: أقطعه معدن القبلية، والقبلية: مكان معين في جنوب المدينة من أعمال وادي الفرع، وبينه وبين المدينة كذا ميل، فيقولون: هذا لعله المهد الموجود الآن، وفيه المعدن، وفي هذا الحديث مبحث أو مباحث من عدة جهات:

أولاً: ما هو المعدن؟

ثم: ما يؤخذ من المعدن؟

وما هو حكمه من حيث المكان؟ ومن هو مصرف ما يؤخذ منه؟

المفهوم الشرعي للمعدن

المعدن من مادة عَدَن، وعَدَنَ بمعنى: أقام، ومنه كما يقولون: (جنة عدن) بمعنى: دار الإقامة، وهذه المعادن مقيمة في الأرض من يوم أن خلقها الله حتى يكتشفها الإنسان.

ولولي الأمر أن يقطع من شاء ما شاء ما لم تتعلق به منفعة الجماعة.

فإذا كان هناك ماء يسقي عدة مزارع، فليس لولي الأمر أن يقطع هذا الماء لشخص وحده؛ لأنه يفوت المنفعة على الآخرين، وفيه مضرة، فكذلك المعدن الذي فيه منفعة عامة، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: أنه أقطع فلاناً ملحاً، أي: معدن ملح، ثم قيل له: يا رسول الله! أتدري ما أقطعت فلاناً؟ قال: أرضاً، كان يعتقد صلى الله عليه وسلم أنه أقطعه الأرض ليزرعها ويستثمرها، قالوا: إنك أقطعته الماء العدة، والعد أي: الذي يستخلف، وكلما ذهب شيء جاء شيء آخر كالبئر الذي تأخذ الماء ويستخلف غيره، فاسترجعه صلى الله عليه وسلم ممن أقطعه إياه؛ لكونه يستفيد منه الجميع فلا يحصره على فرد؛ لأن الذي يستفيد منه الجميع هو ملك للجميع.

ولهذا قالوا: إن الإمام يقطع من المواد ما لا يتعلق به مصلحة لفرد أو لجماعة، فإذا كان المعدن يستفيد منه الجماعة كالماء والملح أو الكبريت أو الشيء يرجع على أهل الحي أو أهل المنطقة، فلا ينبغي أن يقطعه الإمام لشخص معين، وإذا أقطعه وهو لا يدري عن حقيقته استرجعه وتركه عاماً لجميع المسلمين، وهنا معدن القبلية.

والمعدن ما حكمه وما هو؟

يقول الإمام الشافعي رحمه الله: المعدن خاص بالذهب والفضة، وما عداه لا يعتبر معدناً ولا يطالب صاحبه بشيء.

وعند الحنابلة أن المعدن كل ما كان في الأرض من غير جنسها وله قيمة، كما يقول ابن قدامة في المغني، فهو عندهم كل ما كان في الأرض من غير جنسها، أي: من غير التراب.

ويوجد فيها من غير جنسها: الذهب، الفضة، النحاس، الكبريت، الزئبق، القصدير، الكحل، وعدد أشياء كثيرة حتى من الجواهر الألماز يكون أيضاً من الأرض، والأحجار الكريمة إذا كانت في باطن الأرض، حتى الأمور السائلة ومثَّل بالقار وبالنفط والكبريت إذا كانت سائلة في بطن الأرض، فكل ذلك يسمى عند الحنابلة معدناً؛ لأنه عدن في الأرض وهو من غير جنسها وله قيمة.

وعند الأحناف أن المعدن: ما كان صالحاً للذوبان والطبع، كأن يطبع سبائك أو قوالب، فيخرج عن ذلك الكبريت والزئبق والقار والنفط، ويخرج عن هذا ما ليس بمعادن؛ لأنها غير قابلة للإذابة بالنار وطبعها سبائك أو قوالب، ويصدق هذا على الذهب والفضة والرصاص والنحاس والقصدير، فهذه كلها تذاب وتصب في قوالب وتكون سبائك أو أحجاماً.

خلاف العلماء فيمن يتملك المعدن

المعادن التي توجد في الأرض لمن تكون؟

فهناك من يقول: هي كالركاز، والفرق بين الركاز والمعدن: أن الركاز وجده على حالته دون عمل، أما المعادن: فهي عروق في الأرض لا يحصل عليها إلا بتصنيع وعمل يجمعها ويصهرها في النار، فيحترق التراب ويذوب المعدن، وتجتمع فلزاته بعضها إلى بعض حتى يخرج منها كتلة، وهذه الطريقة معروفة في الجاهلية ومعروفة في الإسلام، ومعروفة في البادية وفي الحضر، ففي بعض بوادي أفريقيا تعرف بعض المعادن خاصة الحديد في بعض الأماكن، فتجمع التربة وتوقد عليها نار قوية، فتجتمع فلزات الحديد بعضها إلى بعض، ويخرجون بكتلة يصنعون منها الآلات التي ينتفع بها الإنسان.

وعلى هذا: فالمعدن من حيث هو هل يقطعه الإمام لأحد؟

الجمهور ما عدا مالك يقولون: كل معدن وجده الإنسان على ذاك التعريف، سواء قصرناه على مذهب الشافعي أو وسعناه على مذهب الأحناف، أو عممنا كل ما تتضمنه الأرض حتى الكحل والكبريت أو الملح، فالجمهور يقولون: إن هذا لواجده.

وإن كان على وجه الأرض مثل الملح قالوا: كذلك هذا لصاحبه الذي حصل عليه، وخاصة إذا كان في أرض موات، والآن مجريات الملح، ما اجتمع في أرض سبخة فتجففه فيخرج منه الملح الصالح للطعام، وهناك مواطن أو مياه يستخرجون منها ملح البوتاسيوم كالبحر الميت، فإنه يستخرج منه أملاح البوتاسيوم، وتنوع إلى أنواع، وهناك بحيرات صغيره تجمع فيها المياه وتترك للشمس لتبخرها، ويتجمع الملح الموجود فيؤخذ، ويصنع منه عدة أنواع من الأملاح المعدنية، فهذه يقولون: هي لواجدها ما دامت على وجه الأرض.

أما المعادن التي تحتاج إلى كلفة وعمل فبعض العلماء يقفل الباب، ويقول: هي لمن وجدها.

حكم زكاة المعادن

من وجد المعادن وعثر عليها فإنه يستطيع أن يصنعها ويستفيد منها، قالوا: إن استطاع فله ذلك، وكيف يزكي ما يحصل عليه؟ قالوا: الركاز فيه الخمس قليله أو كثيره، وفي المعادن كذلك الخمس، وبعضهم يقول: فيه العشر، بمعنى أنه يعامل معاملة الغنائم ومعاملة الركاز فيؤخذ منه الخمس. وهناك من يقول: ربع العشر.

أما الخمس فقياساً على الركاز مع وجود الفارق؛ لأن هذا يحتاج إلى عمل، ومن يقول: العشر فقياساً على ما تنبته الأرض من الحبوب والنبات والثمار: فإن فيه العشر، ومن قال: فيه ربع العشر قياساً على زكاة الذهب والفضة، فإن كان ذهباً وفضةً وأخذ منه ما يؤخذ من الذهب والفضة فيكون مالاً زكوياً، والجمهور على أنه مال زكوي.

ويقولون: لا يشترط للحصول عليه وتزكيته حولان الحول ولا بلوغ النصاب.

والآخرون كالحنابلة ومن وافقهم والمالكية يقولون: يشترط فيه النصاب، وليس المراد بالنصاب في كل دفعة يحصل عليها، كأن يكون اكتشفه اليوم وبدأ يعمل ويصفي فوجد ربع نصاب، فاحتفظ به، ثم عمل غداً وأخذ ربع نصاب، ثم بعد شهرين أو ثلاثة اكتمل عنده النصاب، فحينئذ يزكي في الحال ولا ينتظر الحول.

ثم بعد اكتمال النصاب يزكي كل ما حصل عليه يومياً، ولا ينتظر نصاباً للجديد الذي جاء بعد اكتمال النصاب الأول، فإن استمر العمل فعلى هذا الحال، وإن انقطع العمل أو انقطع النيل منه: فإن كان الانقطاع لعذر ممن وجده كمرض أو سفر أو عجز عن النفقة، وطال انقطاع العمل فإنه يستأنف من جديد، وإن تركه وجاء غيره فإنه يبتدئ ويستأنف من جديد، وإن كان الانقطاع لعدم وجود المعدن لكونه ليس متصلاً كبحيرة أو جبل، وإنما هو أجزاء في أماكن مختلفة، فإذا انقطع نيل المعدن لعدم وجوده في منطقة العمل واستمر يفتش وكان انقطاعه قريباً، فإن هذا الانقطاع لا يقطع حكم الزكاة على ما كان سابقاً، وإن طال الانقطاع وأصبح كأنه وجد معدناً من جديد بعد زمن طويل وعمل طويل، فحينئذ يستأنف النصاب ويبدأ يحسب من جديد كما لو كان قد وجده الآن.

الإمام مالك رحمه الله يقول: الأمور العامة التي ترجع إلى الأمة لا يملكها واجدها ويمثل بالنفط وبالقار ويقول: إن استخراجها يحتاج إلى نفقات كبيرة، وإن عائداتها لترجع للأمة بأجمعها، وللأمة فيها نصيب، وهنا يقول: إن ولي الأمر يضع يده عليها، وهو الذي يستخرجها، ومصرفها هي المصارف العامة للدولة، كمصرف الفيء الذي يغاير الغنيمة في مصرفه، فالفيء: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [الحشر:7]، فهنا يكون مصرف هذا المعدن العام الذي تتعلق به مصالح الأمة لولي الأمر ينفقه في المصالح العامة.

والمصالح العامة في الدولة هي التي توضع لها الميزانيات، فهناك من المصالح العامة: التعليم، وتموين الجيش، والصحة، والطرق، والبريد وكل ما تلتزم الدولة بإقامته لمصلحة العامة جميعاً، ولا يؤخذ عليه زكاة؛ لأن ولي الأمر أو المسئولين يجمعون المال من الأفراد كزكوات أو ضرائب، يفرضونها في حالة الحاجة أو غير ذلك، وتتكدس عندهم هذه الأموال، فلا يؤخذ عليهم فيها زكاة؛ لأنهم امتلكوها للمصالح العامة.

إذاً: لا نأخذ منهم لنرد عليهم، فهذه الفكرة العامة عما يتعلق بأمور المعادن.

المعدن الذي تتعلق به الزكاة

ما هو المعدن الذي تتعلق به الزكاة؟

الشافعي رحمه الله قصره على الذهب والفضة.

وأبو حنيفة رحمه الله جعله كل ما يذاب ويطبع ويكون سبائك، وكذلك المالكية والحنابلة عمموا كل معدن في الأرض من غير جنسها وله قيمة، وأدخلوا في ذلك كل المعادن حتى الكحل، والكبريت، والمضرة، والمضرة: تربة حمراء تكون في بعض الأماكن تؤخذ ويصبغ بها الثياب، وشاهدناها إلى عهد قريب بالمدينة يطلى بها الخشب في السقوف حتى لا تأتيها دودة الأرض التي تسمى الأرضة؛ لأن طعمها مر فلا تعيش فيها الدودة التي تفسد الأخشاب، وعمر رضي الله تعالى عنه لما رأى على عبد الرحمن بن عوف ثوباً أحمر، قال: أتصبغ بالزعفران؟ قال: يا أمير المؤمنين هذا ليس بورس ولا زعفران إنه المضرة، قال: إنكم رهط يقتدى بكم، أي: فيراه جاهل فيقول ابن عوف يصبغ بالزعفران؛ لأنه لا يفرق بين الزعفران وبين المضرة.

ومن هنا نعلم أن على السادة أو موضع القيادة والاقتداء أن يراعوا ما يقلدهم فيه العامة، فيتحرزون مما فيه شبهة؛ مخافة أن يقع العامة فيما هو محرم بناءً على ما يتقلده هؤلاء الناس.

إذاً: يهمنا نوعية ما يسمى معدناً عند الأئمة الأربعة رحمهم الله: وهذا مجمل ما يمكن أن يقال في موضوع المعادن وما يزكى منها وما لا يزكى.

زكاة مزارع الدواجن وشركات الأسماك ونحوها

ونحب أن ننبه على بعض الأشياء وهي: في خصوص عروض التجارة، أنه قد تجدون في بعض المؤلفات الحديثة: أنها لم تكن موجودة من قبل لا في العصر النبوي الشريف ولا في عصر الخلفاء ولا فيما بعدهم، وإنما استجدت في العصور المتأخرة.

وأقول قبل أن نناقش أقوالهم: إن كل ما يستجد أو كل ما استجد اليوم في عصر الحضارة والمدنية وما استجد من أنواع الاستثمار ليس بجديد على الإسلام، بل يوجد له أصل ونظير، والمتحفظ من المتأخرين لا يخرج عما كان قديما ويرد المستحدثات إلى نظائرها التي كانت من قبل، والبعض الذي يريد أن يبرز ربما أغفل ذلك، وحاول أن يجتهد فيلحقها بالزكاة.

ومن ذلك نجد من يقول: إن هنالك أموراً استثمارية لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تغل على أصحابها النماء والغلة الوفيرة، فيجب أن نجعل فيها زكاة، ويمثلون مثلاً بمزارع الدواجن، يقولون: إنها تغل على أصحابها من البيض ومن لحوم الدجاج والسماد ومن .. الشيء الكثير، وكذلك شركات صيد الأسماك، لأنها تستثمر فتحصل الشيء الكثير بالآلاف والملايين، خاصةً الآلات المستحدثة كالبواخر أو السفن.

وهناك أيضاً: ما يتعلق بمعادن البحر أو غير ذلك، وهناك العمارات الشاهقة كناطحات السحاب تستثمر بالملايين، ويقولون: يجب أن نجعل في أعيانها الزكاة.

ونقول: أيها الإخوة! إن من يقول بذلك يفوته الأصل الأساسي إذا قال: إننا نزكي البيض والدجاج والسمك، وهل هناك نصاب للبيض بالعدد أو بالكيل؟ هل هناك نصاب للدجاج بالوزن أم بالحبة؟ وكذلك السمك.

وإذا قلنا على قولهم بزكاتها فهل نعطي المسكين طبق بيض أو طبقين؟ ماذا يصنع بها؟! إن ادخرها فسدت، وإن سلقها لم يقدر على أن يأكلها! فسيضيع حقه فيها، وكذلك اللحوم والأسماك.

فهذه الأنواع من الأموال المستحدثة لها نظائرها في الخضروات، وكذلك فالأسماك موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك اللؤلؤ يستخرج من البحر، والعنبر يستخرج من البحر، كل ذلك كان معلوماً وما سن فيه رسول الله زكاة.

وإذا أرجعناه إلى القواعد الأساسية وقلنا: هذا الذي استخرج اللؤلؤ واصطاد السمك وجاء بالعنبر وأقام مزرعة الدواجن، إنه يبيع ويدخل عليه من ثمنها، فيكون ذلك (من طيبات ما كسبتم)، فأثمان هذه المنتجات الحديثة على رأيه سيكون كسباً ونماءً يدخل في ملكه وفي خزينته، فإذا حال عليه الحول زكاه، كما أنه لا تزكى الخضروات ولكن تزكى قيمتها إذا حال عليها الحول، فنقول: كذلك، صاحب البيض والدجاج وصاحب السمك وصاحب العنبر وصاحب اللؤلؤ، إذا اجتمع عنده بعد نفقته نصاب وحال عليه الحول زكى، فيزكي قيمة ما حصل عليه من تلك الأشياء التي لا أصل للزكاة في أعيانها.

أما قيمتها فكما تقدم لنا: لو أنه استثمر التراب لكان عليه من قيمته الزكاة، وبالله تعالى التوفيق.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الزكاة - مقدمة كتاب الزكاة [11] للشيخ : عطية محمد سالم

https://audio.islamweb.net