إسلام ويب

إن لصلاة الجماعة فضائل كثيرة، وكلما زاد العدد في صلاة الجماعة زاد الفضل، وتنعقد الجماعة برجلين، أو برجل وامرأة، وإمامة المرأة للنساء جائزة بالاتفاق، وهناك صور أخرى تتعلق بإمامة المرأة أو بإمامة الرجل للنساء فقط، اختلف فيها العلماء. وتجوز الصلاة وراء كل من قال: (لا إله إلا الله)، كما تجوز الصلاة عليه، ما لم يأت بناقض ينقضها، مع أن الأولى أن يصلى وراء من توفرت فيه صفات الإمام المنصوص عليها شرعاً.

تابع أحكام صلاة الجماعة

زيادة الفضل في صلاة الجماعة بزيادة عدد المصلين وعلة ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل) رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان ].

يأتي المؤلف رحمه الله بهذا الحديث تحت عنوان صلاة الجماعة والإمامة.

ونفهم من هذا الحديث أنه كلما كانت الجماعة أكثر عدداً كانت أفضل أجراً، وهذا هو الموضوع الإجمالي للحديث.

أما الحديث من حيث هو فمسائله متعددة.

منها: مسألة انعقاد الجماعة بالرجلين، فهل تنعقد الجماعة بإمام ومأموم فقط؟ أم لا بد للجماعة من ثلاثة فأكثر؛ لأن أقل الجمع ثلاثة؟ فهذه أول مسألة في الحديث، والتحقيق فيها أنه تنعقد الجماعة بالاثنين.

وفي حال كون الثاني امرأة -رجل وامرأة- فهل تعتبر جماعة أم لا تعتبر؟

يقولون: تصح الجماعة ولو كان المأموم امرأة فقط رداً على من يقول: لا تصح جماعة، ولا تنعقد إذا كان المأموم امرأة فقط، أما إذا كن جمعاً من النسوة فكما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (كنا نأخذ الغلمان من الكتاب يقومون بنا رمضان).

وعمر رضي الله تعالى عنه نصّب إماماً خاصاً للنساء في تراويح رمضان، حتى يُسرعن ويعدن إلى بيوتهن، فكون الرجل يؤم جماعة من النسوة هذا ليس فيه خلاف.

وبعضهم يستدل لصحة انعقاد الجماعة برجل وامرأة فقط بالحديث: (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتباً من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) فهنا: (فصليا جميعاً) إمام ومأموم، والإمام هو الزوج، والمأموم هو الزوجة، فتنعقد الجماعة باثنين ولو كان المأموم امرأة.

قوله: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى) (أزكى) بمعنى أكثر وأفضل، ومنه قوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [النجم:32] أي فلا تمدحوها ولا تفضلوها. وقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [الأعلى:14] أي: أكرم نفسه وتزود من الخير.

والزكاة: النمو والزيادة فهنا هما اثنان، وصليا جماعة.

فصحت الجماعة باثنين، وهذه من أوائل مسائل هذا الحديث.

وهنا صلاة الواحد مع الآخر أزكى من صلاته وحده، قال بعض العلماء: فيه دلالة بالإيماء والتنبيه على صحة صلاة المنفرد دون جماعة، وهذا الأمر قد تقدم الكلام فيه.

قوله: (وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل)، صلاة الواحد مع الاثنين أزكى من صلاته مع واحد فقط؛ لأنهم سيصيرون ثلاثة إماماً واثنين مأمومين، وما زاد فهو أفضل.

فموضوع هذا الحديث أن الجماعة كلما كانت أكثر عدداً كانت أفضل، ولهذا ينبغي على الإنسان أن يحرص على أداء الجماعة في المساجد التي يكثر فيها العدد، قالوا إلا إذا كان هناك مسجد في الحي، ووجود هذا الشخص في هذا المسجد سيشجع أهل الحي على الصلاة، أو سينتفع منه المصلون في هذا المسجد الصغير بتعليم أو فتوى، أو محافظة على الصلاة، أو سيحضرون خوفاً منه أو متابعةً له، فتكون صلاته في المسجد الأقل عدداً لمصالح أخرى في حقه هو أولى.

أما إذا لم تكن هناك مصالح أو جوانب خارجة عن مجرد الجماعة فكلما كان العدد أكثر كان أفضل.

لأن كل مصلٍ إنما يدعو لنفسه وللمسلمين، وهو واحد من المسلمين، فتناله الدعوات من جميع المصلين، فيشارك في الفضيلة أكثر مما لو كان العدد أقل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

إمامة المرأة صورها وخلاف العلماء في ذلك

قال رحمه الله تعالى: [وعن أم ورقة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تؤم أهل دارها) رواه أبو داود، وصححه ابن خزيمة]

قدم المؤلف رحمه الله النهي عن إمامة الأعرابي للمهاجر، والفاسق، والمرأة للرجل.

ولما قدم ذلك وكان سنده واهياً، جاء هنا ليبين صحة إمامة المرأة لأهل دارها، فهذا تخصيص من ذاك العموم الذي تقدم.

وأم ورقة هذه امرأة أنصارية، وهي صحابية جليلة، وكانت تلقب بالشهيدة وهي على قيد الحياة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما عزم الخروج إلى بدر قالت: يا رسول الله! ائذن لي أن أصحبكم لعلي أداوي الجرحى وأسقي المرضى فقال لها صلى الله عليه وسلم: (قري في بيتك؛ فإن الله عز وجل يرزقك الشهادة)، فلما قال لها ذلك لقبوها بالشهيدة، وكان صلى الله عليه وسلم يأتي إليها ويزورها، وكانت قد جمعت القرآن، وما سمعت بامرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جمعت القرآن غير هذه الصحابية الجليلة.

ولا أستبعد من مثل عائشة رضي الله تعالى عنها لشدة حفظها أن تكون جمعت القرآن أيضاً؛ لأنها ذكرت أنها تحفظ عشرات الآلاف من أبيات الشعر.

فهذه المرأة كانت بهذه الصفة، وكانت نهاية أمرها أن قتلها غلامها وجاريتها، فكتما نفسها بخميصة لها حتى ماتت وهربا، وكان اكتشاف ذلك أن عمر رضي الله تعالى عنه قال: (ما سمعت صوت خالتي أم ورقة الليلة)، فقد كانت كل ليلة تقوم وتقرأ القرآن، وكان عمر يسمعها، فافتقد صوتها تلك الليلة، ومن الغد دخل بيتها فلم يجدها، فدخل غرفتها فوجدها مخنوقة بالخميصة ميتة، ولم يجد غلامها ولا جاريتها.

فقال عمر : (من رأى هذين أو علم بهما فليأتني بهما)، فأُتي بهما فقتلهما وصلبهما.

وقضيتها -من حيث هي- حادثة تؤخذ منها أحكام عديدة قبل أن نأتي إلى موضوع إمامتها.

لقد كان لها تطلع إلى الشهادة، وقد جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وغيرها أن النساء أرسلنها وافدة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إني وافدة النساء إليك، وجدنا الرجال غلبونا بالجهاد، أفنجاهد؟ فقال: (عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة)، وفي الوقت نفسه صرح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض النسوة أن يشاركن في القتال، فأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تحمل الماء يوم أحد، وغيرها، وأم عطية سافرت وجاهدت، وكانت تضمد الجرحى، وتهيئ لهم الطعام.

فهذه المرأة الكريمة طلبت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأذن لها، ولم يكن الرجال يستأذنون للخروج، بل إذا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى الجهاد هب الجميع، والمرأة ليست من أهل القتال، كما قيل:

كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول.

فالمرأة ليست من أهل القتال، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأذن لها لتخرج على غير العادة، فكفاها المؤنة، فقال: (قري في بيتك؛ فإن الله عز وجل يرزقك الشهادة) فبهذا الوعد لقبت بالشهيدة وهي تمشي على وجه الأرض.

وإن هذه الإشارة -والله تعالى أعلم- لعلها التي جعلت أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه يقول: (اللهم ارزقنا شهادة في سبيلك في بلد رسولك).

قالوا: يا عمر ! أتريد القتال في المدينة؟ قال: فضل الله واسع. فجاءته الشهادة في المدينة، وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المحراب.

أقول: لعل عمر لما سمع البشرى لهذه المرأة أن: امكثي في بيتك وستأتيك الشهادة -أي: في بيتك- فطِن عمر رضي الله تعالى عنه، وقال: هذا يمكن ونالها.

فـأم ورقة دبرت غلاماً وجارية.

والتدبير باب من أبواب العتق، وهو تفعيل من الدبر، والدبر: ما كان خلف الشيء، فـ(عن دبر) أي: عن خلف وعن ظهر، وعن زمن بعده.

فإذا قال شخص: يا فلان! لك هذه الدار عن دبر مني. يعني: إذا مت فالدار لك.

أو قال: يا أولادي! أوصيكم أن إذا مت فأسكِنوا هذه الدار فلاناً.

أو يقول لغلامه: أنت حر بعد موتي فهنا تعلق العتق بموت المالك. أي: رب المال.

وهنا السؤال: إذا كان العبد ينتظر الحرية بموت سيده، فحينها يطلب سرعة موته، فإذا اعتدى عليه بالقتل ألغي التدبير، كما أن قاتل مورثه يحرم من الميراث.

والموقوف عليه، والموصى له إذا قتل الموقِف تسرعاً لانتقال الوقف إليه، أو تعجلاً لمجيء الوصية إليه مُنِع من استحقاق الوقف، ومُنِع من الوصية.

قالوا: معاملة له بنقيض قصده؛ فإنه تعجل لأجل الميراث فنحرمه منه؛ لكي يعلم كل حريص على الميراث أنه لن ينال الميراث إذا قتل مورثه، فيكف يده حتى لا يُحرم.

ونظير ذلك أيضاً لو أن امرأة أخفت عدتها، وادعت خروجها من العدة، وتواطأت مع رجل فتزوجته قبل أن تخرج من عدتها فسخ النكاح، ولا يتزوجان إلى الأبد، وهذا التحريم المؤبد؛ حتى لا تخفي امرأة أمر عدتها، فإذا علمت أنها لن تلتقي معه إلى الأبد حافظت على العدة، ومشت في طريق مستقيم.

فـأم ورقة دبرت غلاماً لها وجارية، فقد قالت: أنتما حران بعد موتي. فقاما عليها بالليل وخنقاها بخميصة حتى ماتت، وهربا.

وهنا ندخل في مبحث جنائي، فأمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه فطِن لافتقاد سماع قراءتها، وهكذا حق الجوار، أو أنه كان من عادته أن يعس المدينة، ونحن نعلم أمر عمر في خلافته، لقد كان يخرج ليلاً ويطوف في أزقة المدينة يتحسس أخبار الناس وحاجاتهم، ومن ذلك أنه سمع امرأة تقول لابنتها: قومي إلى الحليب فامزجيه بالماء. فقالت: يا أماه! ألم تسمعي بمنادي عمر ينهى عن مزج الحليب بالماء؟! قالت: يا بنيتي! وأين عمر منك الآن؟ فقالت الفتاة: والله -يا أماه- لإن كان عمر غائباً فرب عمر حاضر. وكان عمر عند الباب يسمع، ولم يقل لهما شيئاً، وقال لمن معه: اعرف لي هذا البيت. فعرفه، ومن الغد ذهب وخطب تلك الفتاة.

ونظير هذا -والشيء بالشيء يذكر- أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يطوف بالبيت، وكانت هناك امرأة عجوز مجذومة، أي: مريضة بمرض الجذام، وهذا المنظر قد يتأذى منه الناس أو من رائحته، فمر عمر بجانبها وهمس في أذنها وقال: يا أمة الله! لو عدت ومكثت في بيتك لكان خيراً لك. فخرجت من توها، وما أكملت الشوط، ورجعت إلى بيتها، فلما توفي عمر رضي الله تعالى عنه أُتيت فقيل لها: اخرجي. إن الذي نهاك قد مات. قالت: ما كنت لأطيعه حياً وأعصيه ميتاً أي: له حق في السمع والطاعة، فهذا هو التلاحم، وهذه هي حقيقة الإيمان.

وقد جاء عن بعض السلف أنه قال لـحذيفة رضي الله تعالى عنه: لقد حظيتم بصحبتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو كنا حضرنا لما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال: يابن أخي! لا تقل ذلك، والله لاتدري إن حضرت ماذا كنت تفعل؟! والله لقد جاءت علينا ليال يخاف الواحد منا أن يخرج يقضي حاجته.

وهذا في أمر الخندق وليلة الأحزاب والشدة التي لحقت المسلمين، ثم قال: قال آخر: والله وددت أني مت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أشهد يوم موته. فقال غيره: والله ما وددت ذلك، وتمنيت أن أعيش بعده لأطيعه بعد وفاته كما كنت أطيعه وهو حي.

فهذه النماذج تعطينا مدى ارتباط الأفراد بقادتهم في الإسلام، ومدى السمع والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تجد على وجه الأرض ملكاً من الملوك، أو رئيساً من الرؤساء، أو قيصراً من القياصرة تبلغ طاعته عند قومه عشر معشار هذا الحد.

فـعمر سمع المرأة، ومن الغد ذهب فخطبها لولده، وكانت جدة عمر بن عبد العزيز ، والشيء من معدنه لا يُستنكر.

وفي ليالي عمر وهو يعس في شوارع المدينة سمع امرأة في جوف الليل تقول:

ألا طال هذا الليل وازور جانبه وليس إلى جنبي خليل ألاعبه

فوالله لولا الله تخشى عواقبه لحرك من هذا السرير جوانبه

فتفكّر في حال امرأة في مغيب زوجها، فسأل عمر رضي الله تعالى عنه عنها، فقيل له: إنها امرأة فلان، وله في الغزاة ثمانية أشهر، فجاء عمر إلى ابنته حفصة وقال: أخبريني: كم تصبر المرأة عن زوجها؟

فاستحيت. قال: والله -يابنيتي- لولا أني أريد أن أنظر في أمر المسلمين ما سألتك هذا السؤال.

قالت: تصبر شهراً وشهرين، وفي الثالث تتضجر، وفي الرابع يضيق ذرعها..

فأرسل لأمراء الأجناد: لا يغيبن زوج عن زوجه فوق أربعة أشهر.

فكان الواحد يذهب للثغر يرابط شهراً، وعليه مرابطة شهرين، فشهر في الذهاب وشهران في المرابطة، وشهر في العودة، ولا يغيب أكثر من ذلك.

فـعمر رضي الله تعالى عنه افتقد صوت أم ورقة، فلما افتقد صوتها كان ذلك لافتاً للنظر.

يقولون عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله: إنه كان له جار يهودي، وكان كل ليلة يؤذيه برفع صوته، فيمضي الإمام ولا يكلم جاره بشيء، وفي ذات يوم أصبح فلم يجد ما كان يعتاد أن يجده، وفي اليوم الثاني والثالث كذلك، فاستغرب وسأل عن جاره فقيل له: إنه مسجون. فذهب إلى الوالي وطلب زيارته في سجنه فأذن له، ثم طلب من الوالي أن يطلقه له فأطلقه.

إمام جليل يأتي ليطلق إنساناً من سجنه، فجاء جاره وقال: أخبرني ما الذي أعلمك أني سجين؟ قال: الأمارة التي كنت تجعلها كل ليلة افتقدتها.

قال: وتسكت على ذلك، وتقابل إيذائي بأن تزورني في سجني، وأن تطلب إخراجي؟!

قال: نعم. هذا حق الجار في الإسلام.

قال: هذا دين يعامل أفراده بهذه المثابة. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.

فـعمر افتقد أم ورقة ، ولم يسمع قراءتها، وليس عندها إلا غلام وجارية، فلما أصبح دخل البيت فلم يجدها، ودخل الغرفة فوجدها على تلك الحالة، وهنا جاء البحث الجنائي عن الجناة، فأعلن عمر في المسجد عن أمرها، وطلب من الجميع من رآهما أو علم بهما الإتيان بهما.

وهنا تعاون المجتمع مع المسئولين في الدلالة على الجنايات العامة، ومعنى العامة: التي هي في حق المجتمع؛ لأن قتل إنسان إنساناً حق خاص، ولولي الدم أن يقتص أو أن يعفو، ولكن إذا كان بطريق الغيلة، أو أن يكون مستأمناً فيخون الأمانة فهذا حق عام، ولولي المسلمين أن يقوم بالمطالبة بالدم إذا لم يقم إنسان بالمطالبة به.

ولهذا إذا قتل يقتل حداً لا قصاصاً، والفرق بين الحد والقصاص أن القتل في القصاص يكن أن يتوقف فيه إذا سامح صاحب الحق، وإذا جاء ولي القتيل وقال: قد عفوت. فلا أحد له كلام في هذا، وبهذا تسقط عقوبة القصاص.

ولو كانوا عشرة أولاد وعفا واحد منهم عتق العُشر، فلا قتل؛ لأن القتل لا يتجزأ.

فأعلن عمر رضي الله تعالى عنه عن وقوع الجريمة، وطلب عمر من الجميع أن يتعاون معه من أجل أن يضع يده على الجناة.

وعمر رضي الله تعالى عنه لديه من الفراسة والخبرة والمعرفة ما لم يوجد -في نظري- عند أحد.

ففي يوم من الأيام وُجد شابٌ قتيل في جناحيه بالمدينة، فأخذوا يبحثون عن الجاني فلم يعثروا عليه، وفي موعد ذلك اليوم من السنة الآتية وجُد طفل في لفافة في ذلك المكان، فقال عمر : الآن عرفت الجاني.

فما علاقة الطفل المولود أمس بالجاني قبل سنة؟!

ثم دعا عمر امرأة وقال لها: هذه نفقة هذا الطفل كل أسبوع وكل شهر، ولكن بشرط أن تأخذيه وتطوفي به في طرقات المدينة حيثما ذهبت، وتفطني لأي امرأة تستدعيك، وتأخذه وتقبله، أو تضمه إلى صدرها وتظهر حناناً عليه أكثر من غيرها.

فأخذت المرأة الطفل على أنه لقيط وبيت مال المسلمين ينفق عليه، وفي يوم من الأيام مرت بمنطقة قريبة من ذاك المكان، وإذا بامرأة تناديها، فدخلت فأخذت الطفل وأخذت تقبله وتضمه إلى صدرها، ثم ردته إليها وأعطتها ما تيسر، فذهبت المرأة إلى عمر وأخبرته بما حدث، فجاء عمر حينما أمسى الليل إلى ذلك البيت وسيفه تحت ردائه، فوجد شيخاً عجوزاً على باب البيت فسلّم عليه واستأذن، ثم دخل فاستل عمر سيفه ووضعه، وقال: يا بنية! اصدقيني وإلا فالسيف أصدق منك. ما خبرك مع الطفل؟ قالت: على رسلك -يا عمر- أخبرك كانت أمي امرأة عجوزاً، ودخلت عليها امرأة ومعها ابنتها، وقالت لأمي: إني أريد سفراً، وعندي ابنتي هذه أخاف عليها، ولا آمن أحداً عليها غيرك فقالت: مرحباً فدخلت الفتاة وجلست وذهبت العجوز وتركت ابنتها عندنا، فلم أنتبه في نصف الليل إلا وتلك الفتاة قد خلعت ملابسها فإذا بها شاب يافع، فما كان منه إلا أن وقع علي، فما كان مني إلا أن أتيت بخنجر وقتلته، ثم وضعته في المكان الذي وجدتموه فيه، وهذا ولدي منه.

قال: جزاك الله خيراً وخرج فقال له الشيخ: ماذا عندك؟ قال: خيراً والحمد لله، فعرف من الذي قتل ذاك القتيل، واطمأن خاطره، وأنه أخذ جزاءه.

فـ عمر رضي الله تعالى عنه في باب الجنايات له مواقف عديدة، وهنا يهمنا وجوب تعاون المجتمع مع المسئولين والسلطة في الكشف عن الجناة في الحق العام، أما الحق الخاص فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لخال ماعز : (لو سترته بردائك كان خيراً لك)، وذلك لما جاء وقال له: ماعز فعل وفعل وفعل فهذا شيء بينه وبين الله، وهذا أمر فاحشة، ولا ينبغي إشاعتها، ( فقال: لو سترته بردائك كان خيراً لك)، ولا أحداً يستر أحداً بردائه في هذه الحالة، ولكن مبالغة في وجوب الستر على تلك المسائل ما لم تبرز وتصل إلى السلطان، فلا شفاعة حينئذٍ لأحد.

فأُتي عمر بالشخصين فقتلهما وصلبهما، لأنهما اقترفا جناية كبرى، باغتيال مولاتهما، وهي مؤتمنتهما على نفسها، فإذا بهما يغتالانها.

فـأم ورقة هذه استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمح لها باتخاذ مؤذن، فاتخذت مؤذناً يؤذن لها في بيتها، واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل بيتها، وأهل بيتها قبل أن تموت غلام وجارية، فأذن لها.

وهنا استدلوا على صحة إمامة المرأة لأهل بيتها ما لم يكن فيهم حر كبير؛ لأن هذا غلام مملوك لها، وهي مولاة له، والجارية امرأة مثلها، فمن هنا أذن لها صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل بيتها.

وهنا يبحث الفقهاء فيما إذا كان هناك مجموعة نسوة، فهل تؤمهن امرأة منهن أم لا؟

أو كان هناك جماعة نسوة ورجل واحد، فهل يؤم الرجل النسوة مع عدم وجود من يصلي خلفه من الرجال أم لا؟

فأجاز الجمهور المسألتين، فللرجل أن يؤم جماعة النسوة، حتى ولو لم يوجد رجل مؤتم به معهن، واستدلوا على ذلك بقصة أبي بن كعب حين جاء في رمضان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! أحدثت الليلة حدثاً قال: (وما ذاك يا أُبي ؟) قال: جئت خارجاً فتمسكن بي النسوة وقلن: ليس معنا قرآن، ومعك قرآن، ونريد أن تصلي بنا فهؤلاء جماعة نسوة وليس فيهن رجل، وصلى بهن أُبي، وكون المرأة تؤم جماعة النسوة فهذه أم ورقة أذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤم أهل بيتها.

ويقول الفقهاء تفريعاً على ذلك: للمرأة أن تؤم جماعة النسوة كثرن أو نقصن، بأي عدد كنَّ، لكن بشرط أن تقف الإمامة داخل الصف، ولا تبرز عنه، والله تعالى أعلم.

وهنا يرد سؤال: ما هو الحد وما هو القصاص؟

الجواب: الحد هو حكم مشروع لحق من حقوق الله، والحدود في هذا تنقسم إلى قسمين: ما هو محض حق لله وله تعلق بالخلق، وما هو محض حق للخلق وله تعلق بالخالق.

فمثلاً الزنا محض حق لله، وله تعلق بالخلق. والقذف محض حق للخلق وله تعلق بحق الله.

ومن هذه الناحية لن تجد حكماً شرعياً يناط به حكمه إلا وله جانبان: جانب تعبدي، وهو حق لله سبحانه؛ لأنه نهى عنه وحرّمه، فالذي يقترفه يكون مقتحماً حمى الله فيما ارتكب: (ألا وإن حمى الله محارمه).

والجانب الثاني: جانب الخلق، كقطع اليد، فالقطع حق لله تعالى، والمال المسروق حق لصاحب المال، إن شاء طلبه وإن شاء تركه، ولكن هل يملك المسروق منه أن يسقط حد السرقة عن السارق؟ لا يملك.

فصفوان بن أمية ما أُخذ رداؤه والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع يد السارق قال: صفوان: الرداء له، فقال صلى الله عليه وسلم: (فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به؟).

فبعد أن يصل الأمر إلى الحاكم ليس هناك شفاعة ولا إسقاط للحكم.

أما القصاص فهو حق شخصي لورثة القتيل. والقصاص مأخوذ من قصّ الأثر: أي: اتبعه والقصاص: من المقص، وقصة المقص تكون مستوية الطرفين، فإذا انحرف يميناً كانت القصة منحرفة في الطرفين، وكذلك إذا انحرف يساراً.

وعلى هذا يكون القصاص قتل بالمساواة، فكما قَتل يُقتل على سبيل المساواة، وكتسوية طرفي المقصوص بالمقص، أو أنه قص أثره حتى ظفر به وأخذ حقه.

فهذا حق لأصحابه وهم أولياء الدم، وذاك حق لله.

إمامة الأعمى في الصلاة

قال رحمه الله تعالى: [ وعن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى) رواه أحمد وأبو داود ].

قدم المؤلف رحمه الله ذكر محظور الإمامة من ناقص نقصاً معنوياً كأعرابي يؤم مهاجراً، والفرق بين الأعرابي والمهاجر ليس نقصاً في الخلقة، ولكنه أمر معنوي اعتباري.

والأعرابي إذا جاء وهاجر وجلس مدة في المدن أصبح حضرياً، وزال عنه وصف الأعرابي، وكذلك الفاسق.

فهذه أوصاف اعتبارية، وليست أوصافاً خلقِية.

فلما كان الأمر كذلك جاء المؤلف رحمه الله بعد هذا ببيان النقص الخلْقي في شخصية الإنسان، كأعرج، وأعور، وأعمى، فهل هذه النواقص الخلْقية تمنع من الإمامة أم لا؟

فذكر أكبر عاهة وهي العمى، وإذا جئنا إلى كتب القضاء فإن جمهور الفقهاء -ما عدا الحنابلة- يقولون: لا تصح ولاية القضاء للأعمى والحنابلة قالوا: العمى ليس نقصاً في العدالة، والمطلوب من القاضي أن يكون حاكماً بالعدل والجمهور قالوا: إن البصر والرؤية من وسائل معرفة المحق من المبطل، قال تعالى: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ [الفتح:29]، ومن الذي سيرى سيماهم؟ فاشتراط البصر يكون من كمال الوصف.

ولقد عرضت علي قضية، حيث جاء رجل أعجمي ووقف في الباب -وكان طويلاً- يصيح صياح المرأة الثكلى: مظلوم مظلوم وكان هذا في زمن الملك فيصل يغفر الله له.

فالكاتب الذي بجانبي قال: هذا مسكين فانظر كيف الظلم! فأردت أن أقول له: لا تفتح فمك، وتأمل مع هذا الصياح، والغرفة مليئة بالمراجعين والكتاب والقاضي، فإذا نظر الرجل كأنه سهم مصوب علي، فقابلته بسهم وسهم، وانتظرت.

فالجندي يريد أن يدخله، ولكن الرجل ممتنع، فقلت للجندي: أحضر العصا فسمع كلمة (عصا) فمشى ووقف أمامي، وأعاد الكرة، فقلت للجندي: اصفعه على وجهه إذا لم يجلس إن هذا قد يكون جنى، لكن للقاضي أن يتكلم بما لا يريد أن يفعل.

ثم إنه جلس، فقلنا له: اقرأ الدعوى، قال: لا أفهم قلت: أنت فهمت (أحضر العصا!)، وفهمت (أعطه كفاً) فيجب أن تفهم الباقي.

فذاك الصياح وذاك التوجع لو كنت خلف حجاب لقلت عنه: هذا ملأ الدنيا دموعاً وبكاء إلا أنه ما قطرة دمع واحدة نزلت من عينيه.

فألزمته بالإجابة فأجاب.

والمهم أنه ثبتت عليه الدعوى، وجاء أخوه وخلّصه مما لزم عليه.

أقول: إن البصر للقاضي قد يعينه على حل القضايا، والعون من الله سبحانه وتعالى، ولكن هذه وسائل، كما أن السمع من وسائل إيصال كلام الطرفين، ووسيلة لفهمه وعقله، كذلك البصر يساعد.

فهنا يذكر المؤلف أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف رجلاً أعمى، وهو ابن أم مكتوم المعروف، وكان قد استخلفه للصلاة وإمارة المدينة، وتارة كان يستخلف أبا هريرة، فجاء المؤلف رحمه الله في نهاية البحث وقال: إن كانت بعض الصفات الخلُقية تمنع من الإمامة فإن بعض الصفات الخلْقية لا تمنع منها، وعلى هذا تصح إمامة الأعمى.

ومن ينازع في إمامة الأعمى يقول: الأعمى لا يعرف القبلة أين هي، وإنما سيتوجه إلى القبلة تقليداً لغيره، ولكن المبصر يعرفها!

فيقال له: بماذا يعرفها المبصر، هل سيرى الكعبة؟ أنه لن يراها، ولكن بالجهات، وسيرى المحراب، فكذلك الأعمى يمكن أن يتحسس المحراب.

ولهذا قال بعض الناس: المحاريب في المساجد بدعة؛ لأنها لم تكن زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: نعمت البدعة، بل هي سنة حسنة؛ لأنه لو جاء أعمى في الليل ودخل مسجد قوم يريد أن يصلي فكيف يعرف القبلة، فجدران المسجد في أربع جهات ولا فارق بينها، فإذا تحسس بيده وجد المحراب وعرف أين القبلة.

فإمامة الأعمى صحيحة مع الشروط الأخرى: صلاحه و(أقرؤهم لكتاب الله) و(أعلمهم بالسنة).

قال: [ ونحوه لـابن حبان عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

من يصلى وراءه وعليه عند موته

قال رحمه الله تعالى: وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلوا على من قال لا إله إلا الله، وصلوا خلف من قال لا إله إلا الله) رواه الدارقطني بإسناد ضعيف].

هذا الحديث سواءٌ روي بإسناد ضعيف أم بإسناد صحيح له تعلق بمباحث العقيدة.

فمن قال: لا إله إلا الله اعتُبر مسلماً، لحديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله).

وهنا يبحث الفقهاء ويقولون: إذا كان يقول: لا إله إلا الله، وأمره سر وخفي لا نعلم عنه شيئاً فهو من أهل لا إله إلا الله، ولكن إذا كان يقولها، ويظهر منه ما يناقض قوله فهل (لا إله إلا الله) باقية أو نقضها بفعله؟

قالوا: إذا كان من يقول: لا إله إلا الله مظهراً لبدعة مكفِّرة فقد نقض قوله بفعله، فلا نصلي وراءه، ولا نصلي عليه، أما إذا كان ممن يقولها ولكنه متلبس ببدعة ليست مكفِّرة، أو كان ممن يرتكب الكبائر -والكبائر ليست مكفرة- فماذا نفعل معه؟

قالوا: أما الصلاة عليه فهو حق علينا، إلا إذا قتل في حد من حدود الله، فإن الإمام الراتب لا يصلي عليه؛ لأن في ذلك إقراراً لما فعل، أو تكريماً له، ولكن أداءً للواجب يصلي عليه أهله، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (صلوا على صاحبكم).

أما الصلاة خلفه فقالوا: أهو إمام راتب من قبل ولي أمر المسلمين وترك الصلاة خلفه شق للعصا، أم أنه شخص متبرع قال أنا أصلي لكم؟

فإن كان ولي المسلمين هو الذي ولاه الإمامة، أو كان هو بنفسه أمير البلد أو حاكمها فيصلَّى خلفه، مادام يقول: لا إله إلا الله أما إذا كان متبرعاً من عامة الناس ويرجع الأمر في اختيار الإمام للمأمومين فرفضهم له واجب.

وعلى هذا إنما يكون الإمام من خيار الناس، ومن قال: (لا إله إلا الله) ولم يظهر ما يخرجه من الإسلام فحينئذٍ حق (لا إله إلا الله) علينا أن نصلي عليه، فهذا مجمل هذه القضية، والتوسع فيها يرجع إلى كتب العقائد، والله تعالى أعلم.

صلاة المسبوق ومتابعته للإمام

قال رحمه الله تعالى: [ وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام) رواه الترمذي بإسناد ضعيف ].

قوله: (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال) يعني: على صفة من صفات الصلاة وأحوالها.

فإذا جاء الشخص والإمام يقرأ فعليه أن يكبر ويدخل مع الإمام ويقف في الصف، وإذا جاء والإمام راكع فعليه أن يكبر تكبيرة الإحرام ويركع مع الإمام، أو جاء والإمام ساجد فإنه يكبر تكبيرة الإحرام قائماً ويسجد مع الإمام، أو جاء والإمام جالس بين السجدتين فعليه أن يكبر تكبيرة الإحرام قائماً ويجلس، أو جاء والإمام يتشهد فكذلك، فعلى أي حال من أحوال الإمام في الصلاة يدخل معه فيها، لا أن يأتي فيجد الإمام ساجداً فيقف وينتظر حتى يقف الإمام فيكبر ويدخل معه، أو يجده جالساً للتشهد فما يدري أهو التشهد الأوسط أو الأخير فينتظر، فلا ينبغي هذا.

وتقدم لنا ما يتعلق بـمعاذ رضي الله تعالى عنه -فيما يرويه ابن كثير وغيره- أن الصلاة أحيلت ثلاث حالات، فقد كانوا إذا أرادوا الصلاة آذن بعضهم بعضاً، فقالوا: نتخذ أداة فاقترُح الناقوس، أو البوق، أو إشعال النار، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذلك، فجاء عبد الله بن زيد وقص رؤياه في الأذان، فقال: (إن صاحبكم قد رأى رؤيا، فاخرج مع بلال إلى المسجد، فألقها عليه، وليناد بلال؛ فإنه أندى منك صوتاً)، فصاروا يؤذنون ويجتمعون بالأذان.

فهذه حالة، والحالة الثانية أنهم كانوا يصلون إلى بيت المقدس فتحولوا إلى بيت الله الحرام (الكعبة).

والحالة الثالثة أن المسبوق كان إذا جاء سأل من في طرف الصف كم صليتم؟ ليعرف كم فاته من الصلاة، فيكبر تكبيرة الإحرام، ويأتي بما فاته، ويدخل مع الإمام في الحالة التي هو عليها، فقال معاذ : والله لإن أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا متأخر لأوافقنه على ما هو عليه فجاء مسبوقاً، فدخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحالة التي هو عليها، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قام وأتى بما كان قد فاته، فقال صلى الله عليه وسلم: (قد سن لكم معاذ فاقتدوا به)، فكانت هذه الحالة الثالثة.

وهنا يأتي النص عن علي رضي الله تعالى عنه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان إذا أتى إلى الجماعة فإنه يدخل مع الإمام على الحالة التي هو عليها، والجمهور على أنه يكبر تكبيرة الإحرام ويدخل بها في الصلاة ثم يتابع الإمام.

ثم يأتي بعد ذلك في بعض الروايات: (إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً).

وعن ابن عمر قال: (إذا أدركت الإمام راكعاً فركعت قبل أن يرفع فقد أدركت، وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك).

فمن جاء مسبوقاً فليدخل مع الإمام على الحالة التي هو عليها، فإن أدرك الإمام في الركوع واطمأن معه أقل ما يجزئ اعتد بهذه الركعة، ولا يكون قد فاته إلا قراءة الفاتحة، وإن وجد الإمام قد رفع من الركوع وهو في حالة الاعتدال بعد الركوع فليدخل معه في الرفع من الركوع، وفي السجدتين، والجلسة بينهما، ثم يقوم إلى الركعة التي بعدها، أو يسلم، ولا يعتد بهذه الركعة في صلاته، وعليه أن يأتي بالصلاة كاملة، والله سبحانه وتعالى أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الصلاة - باب صلاة الجماعة والإمامة [8] للشيخ : عطية محمد سالم

https://audio.islamweb.net