إسلام ويب

نقل لنا الصحابة رضوان الله عليهم صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام، وبتعدد روايات هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم يتبين لنا صفة صلاته وكأننا نراها؛ ولهذا اهتم العلماء بتدوين الأحاديث الواردة في ذلك.

تتمة وصف عائشة لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الرسول الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

عائشة رضي الله عنها، وقولها: (كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين).

وهل الأولى حملها على القراءة العامة أو القراءة الخاصة؟

العامة، وهذا أصح، وهذا يجنبنا مشاكل كثيرة، ويقرب الطريق عندنا، فإذا قرأ سورة الحمد لله وما تيسر معها، فبعد القراءة سيكون الركوع، وكيف كان ركوع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

قالت: (فإذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه)، تقول: هذا الشاخص، والعمود هذا يسمى شاخصاً، ويشخص بمعنى: يرفع، ويخفض بمعنى: ينزل، إذاً لا هذا، ولا ذاك، ولكن بين الأمرين، يستوي رأسه صلى الله عليه وسلم مع ظهره، حتى قالوا: لو وضعت قدحاً على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو راكع لم يتدفق القدح لاعتداله. (فإذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه؛ ولكن بين ذلك)، بين أن يشخص وبين أن يصوب، ومعناه: الاعتدال، لا زاوية منحرفة، ولا زاوية حادة، بل زاوية قائمة. (وكان إذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً)، وهكذا بعد الركوع لا يهوي إلى السجود حتى يستوي -والاستواء الاعتدال- قائماً، وهذا نص على الذين يقولون: ما بين الركوع والسجود ركن خفيف، ويكفي فيه مجرد إشارة اللفظ، فيكون راكعاً ثم يهوي إلى السجود، والحركة لم تنقطع بعد، وعند نقطة الصفر من الاعتدال يبدأ بالنزول، لكن قول أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (إذا كان راكعاً لم يسجد حتى يستوي -أي: يعتدل- قائماً) يعني بعد الركوع.

إذاً: الاعتدال بعد الركوع ركن، وتأتي موضوع الطمأنينة، فليست مجرد اعتدال إلى نقطة الصفر، بل طمأنينة مع هذا الاعتدال. (وكان إذا رفع رأسه من السجدة؛ لم يسجد حتى يستوي جالساً)، كذلك بين السجدتين، وهو مثل الاعتدال ما بين الركوع والسجود؛ لأن البعض أيضاً يقول: الجلسة بين السجدتين ركن خفيف، فلو سجدت ثم رفعت رأسك وقبل أن تعتدل رجعت وسجدت فلا بأس، والبعض ما يرفع يديه من الأرض بعد حتى يعود، وهذا خطأ في الصلاة؛ إذ لابد أن يعتدل قاعداً بين السجدتين، ولابد أن يظهر منه هيئة الجالس بين السجدتين. (وكان يقول في كل ركعتين التحية)، وهذا وصف عام، في كل ركعتين سواء كانت الصلاة كلها ركعتين، أو كانت الصلاة ركعتين وزيادة، فكل ركعتين فيها تحية، الصبح ركعتان وفيها تحية، والظهر أربع، وفي كل ركعتين تحية، تحية بعد الركعتين الأوليين، وتحية بعد الركعتين الأخريين، والمغرب ثلاث، فيها تحية بعد الركعتين الأوليين، وتحية عند الأخيرة ويسلم.

انظروا إلى هذا الإجمال في الصلاة! يقرأ التحية، وما هي التحية؟ لم تذكر، ولها نص مستقل، كذلك يركع ويسجد، وماذا يقول في ركوعه وسجوده؟ لها نصوص مستقلة، وإنما هي تصف الحركات الظاهرة من أعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الافتراش والتورك في الصلاة

قالت: (وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى)، معنى يفرش: أي: يجعل ظهر القدم على الأرض، ويجلس على بطن القدم اليسرى، ورجله اليمنى ينصب قدمها، ويلاحظ في نصب القدم اليمنى: أن تكون أطراف أصابع القدم اليمنى متجهة إلى القبلة، لا أن يجعلها مدبرة إلى الخلف، ما لم يكن هناك صعوبة أو مشقة، فبعض الناس يكون الله معطيه بسطة في الجسم، وإذا أراد أن يجلس هذه الجلسة تصعب عليه، فيجلس كيفما تيسر له، لكن الهيئة الأساسية من سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي هذه الحالة.

وهل هذا الصنيع في التشهدين معاً أم في التشهد الأول؟

هذا يكون في التشهد الأول باتفاق، ويقولون: السنة في التشهد الثاني الذي يعقبه السلام والخروج من الصلاة أن يتورك، بمعنى: أنه يدخل قدمه تحته ويفضي بإليته إلى الأرض، ولماذا يغير في الجلسة؟ هكذا فعل صلى الله عليه وسلم، لكن الفقهاء بحثوا عن العلة والسبب والحكمة من وراء ذلك.

نقول: أولاً: أيهما أطول في الجلوس؟ التشهد الثاني؛ فهل نظل في التشهد الثاني الطويل ناصبين للقدم وعاكسين الأصابع وننتظر متى يسلم أم نجلس مرتاحين؟

الجلسة في التشهد الأخير تعطي فرصة راحة وطمأنينة، ويستطيع الإنسان أن يدعو في التشهد بما يسر الله له. هذه ناحية.

الناحية الثانية: لو أنك جئت والإمام في التشهد، فإنك لا تدري هل الإمام في التشهد الأخير أم في الأوسط؟

قالوا: تنظر إلى هيئة الجلسة، فتعرف إن كان هذا التشهد هو الأول أو الأخير، فإن كان متحفزاً للقيام ومستعداً لأن يقوم علمت أنه في التشهد الأول، ولو رأيته جالساً على هدوء وهون علمت أنه ما بقي إلا أن يسلم، وما هي الفائدة من هذه؟

وهل ندخل معه في الصلاة أو ننشئ جماعة جديدة؟

الصحيح أننا ندخل معه.

أحكام عقبة الشيطان والافتراش كالسبع

في آخر هذا الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عقبة الشيطان، وأن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وفي لفظ: افتراش الكلب.

أما صفة عقبة الشيطان كما يفسرها علماء الحديث فهي أن ينصب ساقيه ويثني ركبتيه، ويجلس على الأرض على إليتيه، كالذي يعقد الحبوة، وعقد الحبوة هو: أن يأخذ الإنسان حزاماً أو نوعاً من الخيوط ويجعله خلف ظهره ثم يديره على ساقيه ويعتمد عليه، وكان هذا المنظر كثيراً ما يرى في المسجد النبوي، ويفعله الشيوخ وكبار السن خاصة بعد صلاة الصبح حينما ينتظرون في مجلسهم يذكرون الله حتى تطلع الشمس، وأحياناً بعد المغرب والعشاء، وحينما يفعل مثل هذا ويجعل يديه إلى الأرض، وركبتيه إلى الأعلى؛ فهذه عقبة الشيطان، وليس فيها حبل ولا حبوة، وبعضهم يصف عقبة الشيطان بأن ينصب القدمين، ويجلس على العقبين، ولكن هذه مردودة لأنها هيئة رواها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

وفي قول أم المؤمنين: (كان ينهى عن عقبة الشيطان)، ما خصصت رجلاً ولا امرأة، فالنهي في هذه الهيئة في الجلوس ممنوع بصفة عامة، وافتراش الرجل ذراعيه افتراش السبع يظهر هذا، ويتبين أكثر ما يكون في الكلب -أعزكم الله-، والسبع يطلق على كل حيوان مفترس، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه على رجل: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك)، فقالوا: الكلب يطلق على السبع، والسبع يطلق على الكلب، وقالوا: الكلب سبع؛ لأنه يفترس بنابه ويأكل اللحوم، وافتراش الذراعين كافتراش السبع هو: أن يمكن ذراعيه مع المرفق على الأرض؛ فطبيعة السجود أن يسجد بباطن الكفين على الأرض، والمرفق مرتفع عنها، ولا يكون ملامساً لها، والسنة أن يرفع المرفقين عن الأرض، ويكون معتمداً على الكفين فقط.

وإذا كان معتمداً على الكفين فأين يكون المرفقان؟

يرفعهما، ويجافي بينهما وبين ضبعيه، ولا يلصقهما بجانبيه، وتنصيص أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها على الرجل يدل بمفهومه على أن المرأة بخلاف ذلك، وهو مفهوم المخالفة وليس مفهوم صفة، والفرق بينه وبين مفهوم الصفة أن مفهوم الصفة لا حكم له في التشريع، ومفهوم الصفة إنما يتعلق باسم الجنس، فعندما تقول: أكلت تفاحاً لا يمنع أن تكون أكلت معه موزاً، وهل الإخبار بأكل التفاح يمنع أن تكون أكلت غيره معه؟ لا، ولكن لم آكل إلا التفاح! هنا جاء الحصر، ومنع أن تكون أكلت مع التفاح غيره.

لكن عندما تقول: بنى هذا البيت رجل، فمفهوم المخالفة: ليس امرأة، وإذا قيل: من يوجد في هذا البيت؟ توجد فيه امرأة، ومفهوم المخالفة: أنه لا يوجد فيه رجل، فإذا قلت: فيه امرأة، قالوا: هنا مفهوم الصفة، ومفهوم الصفة له عكسه، وينفى عنه الحكم، تقول: الصغير لا تكليف عليه، إذاً: الكبير عليه تكليف؛ لأن مفهوم صفة الصغير عكسها الكبير، فيكون له عكس الحكم.

وأنصح الإخوة طلبة العلم أن يرجعوا في هذه النقطة -وهي موضع خلاف عند الأصوليين- لأضواء البيان لوالدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في قوله سبحانه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ [النور:36-37]، بعض الناس يقول: هذا مفهومه مفهوم اللقب، ولا يمنع أن يسبح له فيها نساء، والشيخ يقول: التحقيق: أن المفهوم هنا مفهوم صفة لا مفهوم لقب؛ لأن حضور الجماعات وإقامة الصلاة في المساجد إنما هو من خصائص الرجال، فكون المرأة تحضر لا بأس وتصح صلاتها، ولكن صلاتها في بيتها خير من حضورها المسجد، إذاً: هي ليست مرادة أصالة في هذه الآية الكريمة، لمجيء امرأة من بني سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول: (يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت ولكن صلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك معي)؛ لأن فيه تقريب المشوار، واختصار الطريق (وصلاتك في عقر دارك خير من صلاتك في مسجد قومك)، فإذا كان هذا شأن المرأة فهل يناط بها الحكم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ ؟، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)، وجعل لها شروطاً.

وأم المؤمنين رضي الله تعالى عنها تنبه هنا: أنه نهى عن عقبة الشيطان، لكن نهى من؟ لم تعين المنهي المتوجه إليه النهي، فيكون عاماً في الرجال والنساء، ولكن في افتراش السبع قالت: (نهى الرجل)، إذاً: المرأة لها حكم آخر، وما دامت المرأة لها حكم آخر، فذكر الرجل مفهوم صفة له عكس الحكم؛ ولذا اتفق العلماء على أن المرأة لا تفعل كما يفعل الرجل في الصلاة، الرجل يجافي بين عضديه، وبين منكبيه وعضديه، ويكون هناك فجوة، وإن كان بعض الإخوة ربما بالغ في ذلك، إذا صلى في الجماعة تمدد بيديه ونزل على كفيه، وجنح بيديه يميناً ويساراً فيضايق من بجواره، وليس الأمر كذلك؛ إن كنت منفرداً فلا بأس وافعل ما شئت، لكن مع عدم الخروج عن اللياقة، وإن كنت في الجماعة فيجب أن تحافظ على الجماعة الذين يصلون عن يمينك ويسارك، فالسنة في الرجل مهما كان ألا يلصق منكبه بجانبه، بخلاف المرأة فإنها تضم نفسها وتفرش ذراعها، فالمرأة حكمها: أن تفترش الذراعين وتضمها إلى ضبعيها؛ لأن في تفريجها شيئاً من إظهار جسدها، أما ضمها نفسها ففي ذلك زيادة في تسترها.

إذاً: نهي الرجل خاص به، بخلاف المرأة فلها أن تفترش افتراش السبع، ويكون ذلك نوع من سترها في صلاتها، وكما يقال: كل له حكمه.

كيفية التسليم

قالت: (وكان صلى الله عليه وسلم يختتم الصلاة بالتسليم) وهنا مبحث من جهتين: كيفية التسليم، ونوعيته.

تسلم بعد التشهد والدعاء الذي يسره الله لك، أو ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الدعاء بعد التشهد، مثل التعوذ بالكلمات الأربع: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وعذاب النار، وفتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) وقد قال ابن حزم : إنها فريضة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بهذه الكلمات الأربع، وبعضهم يقول: إنها من التوجيهات والتعليمات لما يقال من الأدعية في الصلاة، وبعضهم يقول: إذا انتهيت من التشهد وذكرت الدعاء الوارد تمت صلاتك، وتخرج كيف شئت، والجمهور على أن المصلي لا يعتبر خرج من صلاته وأتمها إلا بالتسليم، وهذا نص الحديث: (كان يفتتح الصلاة بالتكبير ويختتمها بالتسليم)، وهنا كيف يسلم؟

هناك من يقول: يكتفي بسلام واحد، فيجلس مستقبلاً القبلة ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، وبعضهم يقول: لابد أن يسلم عن اليمين وعن اليسار، فإن كان في الجماعة فعن يمينه أخ مسلم، وعن يساره أخ مسلم، فيسلم على من بجانبيه، وإذا كان منفرداً أو في الخلاء وليس عنده أحد فإنه يسلم على الملائكة؛ لأن الملائكة تحضر صلاته، وقالوا: الكيفية أن يبدأ بالسلام: السلام عليكم -ويبدأ بالالتفات يميناً- ورحمة الله، ويعود إلى ما كان عليه، ويبدأ بالسلام عن اليسار أيضاً مستقبلاً القبلة، ثم يلتفت يساراً ويكمل الصيغة في السلام.

وأما عن حكم السلامين معاً: فكلاهما واجب؛ لأنهما ورد عنه صلى الله عليه وسلم، حتى قيل: (كان يلتفت حتى نرى بياض خديه)، إذا التفت يميناً رءوا بياض الخد اليمين، وإذا التفت يساراً رءوا بياض الخد اليسار، إذاً: هناك التفاتة وصورة واقعية، وكانوا يجعلون السلامين معاً.

وهناك من يقول: الأول فرض وبها يخرج من الصلاة، والثاني سنة، وعلى كل سيأتي تفصيل السلام في آخر الباب، إلا أنه كما تقدم في هذا الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: أنها أوردت لنا صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إجمالية: يفتتح الصلاة بالتكبير، وما قالت ما هي صيغة التكبير. وكان يفتتح القراءة بالحمد، ولم تفصل لنا ما هي القراءة. وإذا ركع، وإذا رفع، وجلس بين السجدتين، ثم نهى عن كذا وعن كذا، ويختتم الصلاة بالتسليم، ما هو نوع التسليم؟ لم تفصل، وأشرنا إلى أن هذا الأسلوب من الإجمال؛ ثم يأتي بعد ذلك التفصيل، وهو من أرقى أنواع الأساليب البيانية؛ لأن في الإجمال إيجازاً واختصاراً؛ فيقع هذا المجمل في ذهن السامع، ثم يأتي بعد ذلك التفصيل، ونستطيع أن نقول: هذا منهج الفقهاء، فهم يكتبون المتن مجملاً، ثم يأتي بعد ذلك الشرح مفصلاً، وبعض يزيد بالحواشي.

إذاً: يهمنا الأسلوب العلمي الناجح القريب السهل، وهو أن يؤتى بالموضوع مجملاً ثم يؤتى به بعد ذلك مفصلاً، وهذا ما سلكته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، وكل جزئية من تلك الجزئيات إما أن تقدم بيان لها، وإما أن يأتي لها تفصيل وتحقيق وزيادة روايات في بيانها تفصيلياً.

شرح حديث: كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة...)

قال رحمه الله: [وعن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع)، متفق عليه.

وفي حديث أبي حميد عند أبي داود : (يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر)].

هذه التكبيرات في حديث ابن عمر رضي الله عنهما يقولون عنها: تكبيرات الانتقال، ورفع اليدين عندها سنة، والتكبيرات واردة عند الانتقال من كل ركن في الصلاة ما عدا الرفع من الركوع، فإن الذكر فيه: (سمع الله لمن حمده)، (ربنا لك) أو (ربنا ولك الحمد)؛ على كلا الصيغتين.

عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع يديه حذو منكبيه)، والمحاذاة: المقابلة، والمنكبان هما: الكتفان عن اليمين واليسار، فيرفع يديه حذوهما، ولا يرفعهما عند رأسه، ولا ينزلهما عند صدره، وذلك في ثلاثة مواضع: عندما يفتتح الصلاة، وتقدم أيضاً في الصلاة، وسيأتي زيادة إيضاح في رواية: (حذو منكبيه)، ورواية: (أوائل أذنيه)، وأوائل الأذنين في الرأس، وأعلى الأذنين أي أواخرهما في الأعلى عند الرأس، ولا خلاف بين رواية: (حذو المنكبين)، وبين رواية: (أوائل الأذنين)؛ لأن من لاحظ الكف نظر لمحاذاة الكف إلى المنكب، ومن نظر إلى أطراف الأصابع فلن تذهب الأصابع إلا إلى أوائل الأذنين، فقيل: الروايتان تصدق كل منهما الأخرى، فهذا نظر إلى أدنى الكف، وهذا نظر إلى أعلى الأصابع، فأدناه منكبي الإنسان وأعلاه أدنى الأذنين، هذا في الموطن الأول. (كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة)، وإذا افتتح الصلاة يقول: الله أكبر، وتقدم شيء من التنبيه على ما يقوله العلماء في افتتاح الصلاة، يقول: الله أكبر، فلدينا نطق باللسان: تكبير، وحركة باليدين: رفع، وهل هما متلازمان أم أن أحدهما يسبق الآخر؟ تقدم بأنهما معاً سواء؛ فيبدأ بلفظ الجلالة عند بداية الحركة، ويشغل زمن الحركة بالتكبير.

الموطن الثاني: إذا كبر للركوع، فإذا أراد أن يركع رفع يديه، ويكبر إذا أراد أن يركع، وهذه تكبيرة الانتقال، والأولى تكبيرة افتتاح، ونلاحظ في كتب الفقه التدقيق، فلو أن إنساناً كان متأخراً وأدرك الإمام ليركع وركع معه، فكبر، هل نوى بتكبيرته تلك افتتاح الصلاة أو الانتقال والهوي إلى الركوع؟

إن نوى بتكبيرته افتتاح الصلاة فقد افتتح الصلاة وجاء بالتكبيرة التي هي افتتاحية الصلاة وواجبة، وإن نوى الدخول في الركوع وتكبيرة الانتقال فلا تجزئه، وإن نوى الأولى اندمجت معها تكبيرة الانتقال، وسيأتي هذا في الذي يدرك الإمام راكعاً ماذا يكون حاله؟

إذاً: يرفع يديه حذو منكبيه مع التكبير عند افتتاح الصلاة، ويكبر عند الهوي إلى الركوع. (وإذا رفع رأسه من الركوع)، الوارد في الرفع من الركوع: (سمع الله لمن حمده)، وهنا ابن عمر يريد رفع اليدين لا التكبير، فالمراد أن رفع اليدين ورد في ثلاثة مواطن: عند تكبيرة الافتتاح، والتكبير للركوع، ورفع الرأس من الركوع.

إذاً: في الافتتاح: الله أكبر، ويقرأ، وعند الركوع: الله أكبر، ويرفع يديه ويركع، وكذلك عند الرفع من الركوع، وليس معنى ذلك أنه يكبر ويرفع، لا، المراد أن هذا هو الموطن الثالث الذي ترفع فيه اليدان عند الانتقال، وهو الرفع من الركوع، لكن هل يكبر عند الرفع؟ لا. والوارد في ذلك: (سمع الله لمن حمده)، يقولها المنفرد، ويقولها الإمام، أما المأموم فله أن يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وله أن يكتفي بقول الإمام: سمع الله لمن حمده، ويجيب على ذلك: ربنا ولك الحمد. والواو مجيئها وعدم مجيئها نقطة بلاغية، ويتفقون على أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فالذي يقوله الإمام: سمع الله لمن حمده، ويقول من خلفه: ربنا لك الحمد، إجابة على قول الإمام: سمع الله لمن حمده، فأنا حمدته وسمع، والذي يقول: ربنا ولك الحمد، الواو عاطفة على تقدير معنى جديد، ربنا استجب لنا ولك الحمد على استجابتك لدعائنا أو لتحميدنا.

وبعد حركة الرفع من الركوع يأتي الهوي إلى السجود، هل يرفع يديه للهوي إلى السجود؟

الحديث لم ينص عليها، ولم يصفها ولم يقل فيها شيئاً.

فإذا سجد وأراد أن يجلس بين السجدتين هل يرفع يديه كما رفع عند الرفع من الركوع؟

ما ثبت شيء من هذا في هذا الحديث، وهل في تلك الحركات رفع لليدين؟ لا.

ولكن وردت حركة أخرى غير تلك الثلاث ألا وهي: حينما يقوم من تشهده الأوسط، وهي قاعدة يذكرها الفقهاء: عند قيامه لركعة وتر في صلاته، وركعة الوتر في صلاته هي الثالثة من الرباعية أو الثلاثية، فإذا أنهى التشهد الأول وأراد أن يقوم للركعة الثالثة؛ سواء كانت هي الأخيرة في المغرب أو الثالثة في الرباعية، فحينئذٍ يستوي قائماً للركعة الثالثة ويرفع يديه حذو منكبيه؛ لأنها في منزلة الصلاة الجديدة، لأن الصلاة أول ما فرضت ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر وأتمت في الحضر، وعلى هذا جاءت السنة، والقول برفع اليدين عند هذه المحلات الثلاث هو قول الجمهور، وهناك من يعارض فيها، وصاحب سبل السلام يعزو ذلك للهادوية، ويرد عليهم رداً شديداً، ويعرض بمن يقول بعدم رفعها، أو من يقول: إنها حركات زائدة تبطل الصلاة، ولا عبرة لشيء من هذا كله ما دام أن النص قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمل به الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.

قال: [ وفي حديث أبي حميد عند أبي داود : (يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يكبر).

ولـمسلم عن مالك بن الحويرث نحو حديث ابن عمر لكن قال: (حتى يحاذي بهما فروع أذنيه)].

المؤلف رحمه الله يعدد هذه الروايات ليستكمل صورة رفع اليدين إلى حذو المنكبين، وفروع الأذنين، وكل ذلك في منطقة واحدة، وكل الروايات يؤيد بعضها بعضاً ولا خلاف بينها.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الصلاة - باب صفة الصلاة [4] للشيخ : عطية محمد سالم

https://audio.islamweb.net