إسلام ويب

المني سائل معروف، وهو مما تعم به البلوى فيصيب الثياب، وجمهور العلماء على أن المني طاهر وإن أصاب الثياب فهو كالنخامة إذا أصابت الثوب، فإنها لا تنجسه ولكنها تزال؛ لأن بقاءها على الثوب يُعد قذراً، وكذلك المني، وطريقة إزالة المني تكون بالفرك إذا كان يابساً، وبالغسل إذا كان رطباً، وله أحكام غير ذلك ينبغي على المكلف معرفتها ومراعاتها.

حديث: (كان صلى الله عليه وسلم يغسل المني...)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل)، متفق عليه.

ولـمسلم: (لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه)، وفي لفظ له: لقد كنت أحكه يابساً بظفري من ثوبه].

ذكر المصنف رحمه الله من ما يتعلق بالمني، وقد جاءت في المني عدة أحاديث، منها:

حديث عائشة رضي الله عنها الذي ذكره المصنف: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل المني، ثم يخرج للصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل)، فهذا النص الأول فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل المني، والغسل يكون للطهارة، ويكون للقذارة، فهل كان المني نجساً فغسله، أو كان مستقذراً في الثوب فغسله؟

وفي الموطأ أن عمر رضي الله تعالى عنه في عام المجاعة -في أواخرها- صلى بالناس الصبح ثم خرج إلى بستانه جهة الغابة في الجرف، وبعد طلوع الشمس وجد المني في ثوبه، فقال: ما أُراني إلا صليت بالناس جنباً -فاحتلم ولم يدر-، وقال: لما أصبنا الودك، لانت العروق، وجرى المني، وهذا معروف، فقد يحتلم الإنسان، ولا يرى شيئاً في منامه، ولا يعلم بالاحتلام إلا إذا وجد المني في الثوب، فيفيض الماء، دون شعور الإنسان، أي: أن الشعور الداخلي عمل عمله، وهو لا يدري، فغسل ثوبه وأعاد صلاته.

وهنا يأتي الخلاف في غسل المني، فقوم قالوا: غسل المني لنجاسته؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل المني من ثوبه، ومالك يروي أن عمر غسل ثوبه من المني، فالمني نجس، وهذا قول مالك وأبي حنيفة رحمهما الله، وقالوا: إنه فضلات تخرج من الجسم، كبقية الفضلات الخارجة من غير الفم والأنف؛ لأن الفضلات الخارجة من الفم والأنف ليست بنجسة، والفضلات التي تخرج من القبل والدبر كلها نجسة، وهذا تابع لها، هكذا قالوا.

لكن إذا جئنا إلى النصوص الأخرى مثل حديث عائشة الذي تفرد به مسلم : (لقد كنت أفركه من ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فركاً فيصلي فيه).

قوله: ولـمسلم أي: في رواية مسلم ، عن عائشة ، وفيها: أنها كانت تفرك المني من الثوب فركاً، ثم يصلي فيه، فهل -يا ترى- الفرك يطهر الثوب من النجاسة؟ فلو كانت في الثوب عذرة، أو دم، فهل الفرك يطهره؟! لا.

إذاً: جاء المصنف رحمه الله بهذا الحديث -حديث الفرك- ليبين أن الغسل لم يكن عن نجاسة، وإنما كان للنظافة، إذ أن بقاء المني في الثوب مستقذر، وإنما كان يفرك من الثوب؛ حتى تضيع بعض معالمه، وهذا بخلاف النجاسة، وسيأتينا في باب الحيض لما سئل صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب؟ قال: (حتيه، واقرصيه بالماء، ثم انضحيه، ثم لا يضركِ أثره)، اغسلي، وانضحي، وحتي، وإذا لم يذهب الأثر؟! قال: لا يضركِ بعد هذا؛ لأنكِ بذلتِ الجهد.

إذاً: الفرك يقف في جانب من جانبي الغسل، فمثلاً إذا وقعت ملوخية على الثياب، فهل تتركها أم تغسلها؟! تغسلها، وهل هي نجسة؟ لا. لأنك تأكلها، ولكنها مستقذرة إذا وقعت في الثوب.

إذاً: تغسيل الثياب -الوارد في المني- يحتمل أن يكون للنجاسة، ويحتمل أن يكون للنظافة، فلما جاء المؤلف بحديث الفرك عرفنا أن الغسل للنظافة لا للنجاسة.

وفي لفظ له: (لقد كنت أحكه له يابساً بظفري من ثوبه).

لقد كنت أحكه يابساً بظفري؛ لأن الظفر أشد حدادة، فإن فركته لا يذهب، ولكن إذا حكيته بالظفر شيئاً فشيئاً فإنه يذهب كله.

وجاء في بعض الروايات: إذا كان يابساً حككته بظفري، وإذا لم يكن يابساً أماطه بعود الإذخر، إذاً: لا يتعين غسله بالماء سواء كان رطباً أو يابساً، ومجموع تلك الصور: أن المني تارة يغسل، إن كان رطباً، وتارة يحك، إن كان يابساً، وهذا مذهب وسط؛ وأحمد والشافعي قالا بطهارته، وهناك من أراد أن يوفق بين الرأيين فقال: هو نجس ولكن يكتفى في تطهيره، إن كان رطباً فبالغسل، وإن كان يابساً فبالفرك، والحك بالظفر، ولكن التحقيق من عموم النصوص: أن المني طاهر.

مرور المني في مجرى البول ليس دليلاً على نجاسة المني

وقال بعضهم: المني في الأصل طاهر، ولكنه عند خروجه يمر بممر البول؛ وإذا مر بممر البول علق فيه من أصل البول، أو أثره، في الطريق فتنجس، ولكن أجيب على ذلك: بأن الممر الداخلي لسنا مسئولين عنه؛ لأنك كلما دخلت إلى الداخل، وجدت النجاسة، فالمثانة معبأة بالبول، ولم نقل: إنها نجسه ويجب تفريغها! فإن كل واحد يصلي ويتوضأ، وهو يحمل كيساً من البول! وكذلك الدم يجري داخل العروق، ولم نؤمر بإخراجه!

والمياه الخارجة من الإنسان -غير البول- ثلاثة مياه:

1- المني.

2- والمذي، بالذال المعجمة.

3- والودي، بالواو والدال والياء، ودي.

كيفية تكون المني وتحوله

وطبيعة المني: تحول كامل، وأين تحدث عملية التحول؟ وأين المعمل الذي حوله؟

من الدم الخالص إلى هذه المادة المنوية؛ يقول علم التشريح: إن المسئول عن تحويل الدم إلى المني إحدى الخصيتين، ومن العجب أنهم يقولون: إن إحدى الخصيتين مسئولة عن إفراز المني، والأخرى مسئولة عن إنبات شعر اللحية، ولذا تجد العبد إذا خصي، لو كانت عنده لحية فصغيرة؛ لأن أصلها قد أزيل، ولو أزيل في الصغر لا تنبت له لحية، هكذا يقولون، والله أعلم.

ويقولون: إن عملية التحويل تأتي عند الحاجة، بمعنى: لو جئت بمائة رجل وشرحتهم، فلن تحصل على جرام واحد من المني داخل الجسم؛ لأنه يطبخ ويحول فوراً، حينما تشتد الشهوة، وكما يقولون: حالة الإخراج، أو الإفراز، أو.. أو.. إلى آخره، تكون في تلك اللحظة التي تتم فيها عمليه الطبخ، ثم يفرز ضخاً ودفقاً كما يقولون، وقبل هذا لا وجود له.

ولهذا إذا استعجل على الطبخة ولم ينضجها خرج مذياً، وهو أبيض ولكن لا ينعقد، فيخرج كخروج البول ما فيه دفع؛ لأن الطبخة ما نضجت.

والودي إنما يأتي -كما يقولون- عقب الانعاض وقبل التبول، وقد يأتي أيضاً في حالات الإمساك الشديد؛ بسبب الضغط على ما يسمى البروستات في الداخل، فتعمل هذا الإعصار.

إذاً: المني من حيث هو: مادة تطورت عن الدم، وتطور المادة -كما تقدم لنا في الخمر- وتحولها إذا كان بنفسه؛ صارت طاهرة، وكذلك هنا، فالدم تحول بنفسه، وصار من دم أحمر جار داخل العرق، إلى مادة المني التي فيها الحيوان، وفيها الإخصاب وو..، مع أنه لا يوجد في الدم، أي عنصر من العناصر الموجودة في المني.

ويقولون في ذلك: الدفقة الواحدة فيها ما يزيد عن ثمانية ملايين وحدة منوية، والذي يلقح البويضة واحد فقط.

ويقول بعض علماء الجنس: لو جمعت الحيوانات المنوية للعالم من أول أولاد آدم إلى آخر الناس ما ملأت كستبان الخياط، وكستبان الخياط كالخاتم يوضع في الأنملة ليدفع الإبرة داخل القماشة، وحجمه 2سم.

إذاً: الحيوان المنوي لا يرى بالعين العادية.

إذاً: تحول الدم إلى مادة مغايرة كل المغايرة للدم، وهذا الحيوان الضئيل جداً يحمل كل خصائص الإنسان المولود بغرائزه، وشبهه بآبائه، أو بإخوانه، إلى غير ذلك من حكم الله سبحانه وتعالى.

إذاً: تحول المني أشبه ما يكون بتحول عصارة الفرث والدم إلى لبن خالص، اللبن محول عن ماذا؟

مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ [النحل:66]، سبحان الله! لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ [النحل:66]، فهذا دم محول، يقولون: إن عملية التحويل، والتطور، في الدم إلى مني، تشبه عملية التحويل، والتطوير، في الحليب في الحيوانات، وفي الإنسان. والله تعالى أعلم.

وبعض الناس يستدل على كون المني طاهراً بقوله: إن المني أصل الإنسان، فهل نجعل أصل الإنسان نجساً؟ وقد قال الله تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70].

ولكن بعض العلماء يقول: هذه ناحية عاطفية، وما الذي يمنع أن يكون الإنسان من أصل نجس، ولكن تحول إلى طاهر، والإنسان أصله من تراب وماء، ثم تحول إلى دم ولحم، فلا نقول: إنه راجع إلى الترابية، ولا إلى المائية؛ لأنه تحول طوراً جديداً.

حكم مني الحيوان

ما حكم مني الحيوان؟

قد يخالط بعض الرعاة مني بعض الحيوانات عند الإخصاب والتلقيح، فيقولون: هو بحسب لحمه، فمأكول اللحم منيه طاهر، وغير مأكول اللحم منيه غير طاهر، قياساً على بوله ورجيعه، وسيأتي البحث في أن بول مأكول اللحم طاهر إن شاء الله، والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الطهارة - باب إزالة النجاسة وبيانها [3] للشيخ : عطية محمد سالم

https://audio.islamweb.net