إسلام ويب

من رحمة الله تعالى بعباده بيانه لهم ما فيه خيرهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة، فبين أيدينا آيات حث الله تعالى العباد فيهن على تقواه، وبين لهم كيد الشيطان في انتزاع التقوى من قلوب العباد، وذكر المؤمنين بيوم القيامة، ووصفه بما يفيد قربه، ونهاهم عن نسيانه تعالى والغفلة عنه، وذكر عباده بأن سبيل المؤمنين أهل الجنة هو سبيل الفوز والفلاح دون سبيل أهل النار، ثم وصف لخلقه كلامه وهو القرآن الكريم، وعقبه بذكر بعض أسمائه الحسنى الدالة على عظمته وإلهيته، كل ذلك ليسلك العباد طريقاً موصلة لهم إلى رضا ربهم تبارك وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ...)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم في شأن اليهود: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [الحشر:16-17].

أي: مثل اليهود في انخداعهم بأهل النفاق، وذهاب وعود أهل النفاق عنهم كانخداعهم بالشيطان وذهاب وعود الشيطان عنهم وتبرؤه منهم، فكما أن أهل النفاق خدعوا اليهود وقالوا لهم: (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ)، فكذلك خدع الشيطان الإنسان وقال له: (اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، وقد ساق العلماء عند تفسير هذه الآية آثاراً، وهي لا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من الآثار الإسرائيلية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم وفي أمثالها: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا).. الآية)، أو كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالإسرائيليات منها ما يُحكى ولا يصدق ولا يكذب، ومنها ما يصدق قولاً واحداً، ومنها ما يُكذَّب قولاً واحدا.

فالإسرائيليات التي تصدق قولاً واحداً هي: الأخبار التي أقرّها ربنا وأقرّها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فما وافقه الشرع منها فإنه يصدق؛ إذ قد حكاها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.

والتي تكذب قولاً واحداً هي الإسرائيليات التي خالفت كتاب الله تعالى، وخالفت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنت في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

والتي بين ذلك هي: أخبار إسرائيلية لم يكذبها الله في كتابه، ولا رسوله محمد عليه الصلاة والسلام في سنته، ولم يرد في الكتاب والسنة ما يثبتها، فهذه تُحكى ولا تُصدق ولا تكذَّب.

ومن هذا القسم الذي لا يصدق ولا يكذب: ما ورد عند تفسير هذه الآية أنه كان في بني إسرائيل عابد من العباد يعبد الله في صومعته، وكان في بلدته فتاة حسناء، ولها إخوة أربعة، فأراد إخوتها السفر، فقالوا: لن نأمن على أختنا أفضل من هذا العابد، فذهبوا إليه في صومعته، فأبى أشد الإباء أن يقبلها أو يتفقد أحوالها، فأصروا عليه، فآل الأمر إلى أن قبل رعاية أختهم وهي في بيتها، فانطلقوا مسافرين، وذهب يتفقد أحوالها اليوم بعد الآخر ويطمئن على حالها، فزيّن له الشيطان سوء العمل، وقال: سلها، فلعلها مستوحشة من فقدان الرفقة، فصار بعد أن كان يترك الطعام على باب دارها يسألها عن حالها، ثم آل به الأمر إلى أن دخل وخلا بها وارتكب معها الفاحشة، فلما حملت خشي من الفضيحة فقتلها ودفنها، فلما جاء إخوتها سألوه عن أختهم، فقال لهم: قد ماتت، وقد أحسنت إليها وقمت بدفنها وبالصلاة عليها فصدّقوه، ثم إن الشيطان أتى إخوتها في منامهم، وأوعز إليهم بالذي كان وحدث، وقال: إن أختكم في مكان كذا وكذا، فذهبوا واستخرجوها، فأتوا به إلى الملك فقرر قتله بعد أن اعترف، فأُخِذ ليقتل فجاءه الشيطان وهو في طريق القتل وقال: أنا الذي حملتك على الخلوة بها، وأنا الذي حملتك على الزنا بها، وأنا الذي حملتك على قتلها، فإن أطعتني الآن أنجيتك، قال: وما تريد مني؟ قال: تسجد لي سجدة واحدة، فسجد له فقتل وهو ساجد للشيطان، قال تعالى: (فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ).

وهذه القصة -كما أسلفنا- ليست واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من الإسرائيليات، والعبرة منها مأخوذة، فالشيطان يغوي ابن آدم ثم يتبرأ منه يوم القيامة، كما قال تعالى عنه: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22]، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ [الزخرف:36-39]، فقوله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) أي: الشياطين، وقرناء السوء، وقوله تعالى: (جَاءَنَا) وقرئ: (جاءانا)، فكل خليل مبطل وقرين سوء يتبرأ من خليله وقرينه يوم القيامة، وقد جاء من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه السيوطي أن ابن عباس قال: كان عقبة بن أبي معيط رجلاً حليماً لا يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كفره، وكان مشركو مكة إذا جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم آذوه ونالوا منه، وكان لـعقبة خليل غائب بالشام، فرجع خليله من الشام فسأل امرأته: كيف حال فلان وفلان من أهل مكة؟ فأخبرته، فقال لها: وكيف حال أخي عقبة ؟ قالت له: لقد صبأ، ثم إن عقبة أتى يحيِّي صاحبه القادم من السفر، فدخل عليه يحييِّه فلم يرد عليه التحية، فقال: مالي أحييك ولا ترد علي تحيتي؟ قال: كيف أرد عليك التحية وقد صبأت؟! أي: دخلت دين محمد، وتركت دين قومك، قال: فماذا يرضيك عني حتى ترد علي تحيتي؟ قال: لا أرضى عنك بحال حتى تذهب إلى محمد في مجلسه فتسبه بأقبح ما تعلم من سبٍّ، وتشتمه بأقبح ما تعلم من شتائم، وتبصق في وجهه، فذهب الغويُّ إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فسبّه بأقبح السب، وشتمه بأقبح الشتائم، وبصق في وجهه، فما زاد الرسول صلى الله عليه وسلم على أن مسح البزاق عن وجهه وقال: (لئن أدركتك خارج جبال مكة لأقتلنك صبراً)، فلما كان يوم بدر أراد المشركون أن يُخرجوا عقبة بن أبي معيط معهم، فأبى وتذكر مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعطوه أفضل الإبل وقالوا: إن كانت لنا الدولة والدائرة شاركتنا المغنم، وإن كانت علينا فررت على هذا الجمل، فشاء الله أن يقع عقبة بن أبي معيط في الأسر، فقدِّم كي تضرب عنقه من بين الأسارى الذين قدموا الفداء، فقال: تقتلني من بين هؤلاء؟ قال: (نعم بما بزقت في وجهي)، ونزل قوله: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29]، فكل خليل يتبرأ من خليله يوم القيامة، وكل قرين يتبرأ من قرينه يوم القيامة، كما قال تعالى: الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

فجدير بكل واحد منا أن ينظر في أصدقائه وخلانه قبل أن يأتي يوم القيامة، فيلعن بعضهم بعضاً، كما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38].

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ...)

قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18]

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي: يا من آمنتم بالله وصدقتم المرسلين، (اتَّقُوا اللَّهَ) أي: اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، والوقاية تكون بكل أعمال البر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة)، وقد تلا النبي هذه الآية مع آية النساء الأولى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] في قصة، وقد تنزل الآية من عند الله سبحانه وتعالى في عدة وقائع، وقد تنزل عدة آيات في واقعة واحدة.

جاء وفد من غطفان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أثر الفقر والفاقة مجتابي النمار، أي: يلبسون جلود النمور من الفقر والفاقة، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى ما بهم من فاقة، ورأى الفقر الشديد يعلوهم، ورأى حالة المسكنة والانكسار تخيم عليهم، فخرج على أصحابه فتلا هاتين الآيتين: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]

وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، فعمَد رجلٌ إلى صدقة فتصدق بها، فتبعه الناس على ذلك، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم وأشرق وأضاء، ثم قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة).

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) أي: ليوم القيامة، وعُبِّر عنه بالغد لقرب وقوعه، كما قال تعالى: وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النحل:77].

وقوله تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) تأكيد على الأمر بتقوى الله، وآيات الكتاب العزيز متعددة وفي غاية الكثرة تأمر بتقوى الله، فهي وصية ربنا لنا، ووصية الأنبياء لأممهم، كما قال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131].

وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) هذا الختام يعظم مراقبة العبد لربه، وينبغي أن يكون العبد على هذه الحال من المراقبة، وهي مرتبة الإحسان التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وكما قال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:217-219]، أي: ويرى تقلبك مع الساجدين، فجدير بالعبد أن يعبد الله سبحانه وتعالى على هذه الصفة كأنه يرى ربه، فإن لم يكن يرى ربه فإن ربه سبحانه وتعالى يراه، وكما قال تعالى: يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19].

عاقبة نسيان الله تعالى

ثم قال سبحانه محذراً إيانا من التشبه بأهل الكفر الذين نسوا الذكر وكانوا قوماً بوراً: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19]، أي: تركوا العمل للقائه سبحانه، ونسوا ذكر ربهم كذلك. ومن العلماء من حمل النسيان هنا على الترك، أي: تركوا العمل للقاء الله، وتركوا ذكر الله سبحانه وتعالى، فأنساهم الله سبحانه وتعالى العمل لأخراهم.

تمايز أهل الجنة وأهل النار

قال تعالى: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:20] هذه الآية قد تكرر معناها في جملة آيات، من ذلك قوله تعالى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]، وقوله تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الرعد:19]، وقوله تعالى: أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:14]، وقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9]، وقوله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28]، إلى غير ذلك من الآيات.

عظمة القرآن ومقصد ضرب الأمثال

قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21].

قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ) أي: لو جعلنا للجبل إدراكاً، وأنزلنا هذا القرآن عليه وأوحيناه إليه لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، بعكس بني آدم، قال بعض أهل العلم: إن الجمادات لها إدراك يعلمه الله، ويعلم صفته، فإن الله سبحانه وتعالى قال في شأن الجبال: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا [الأحزاب:72]، فدل ذلك على أن للجبال إدراكاً، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أحدٌ جبل يحبنا ونحبه)، وقال الله جل ذكره في كتابه الكريم: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج:18]، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن)، وقد حن الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا نسمع للطعام تسبيحاً وهو يؤكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فاستُدِل بهذه الآيات مع قوله تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:74] على أن الجمادات لها إدراك يعلمه الله، ويعلم ماهيته، كما قال تعالى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:44]، وقال تعالى في شأن الجبال: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ [سبأ:10].

قال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21]، فهذا المقصد من وراء ضرب الأمثال للناس، ولذلك قال كثير من المفسرين: ينبغي أن نفكِّر في الآيات وفي الأمثال، ونبحث عن معانيها الغامضة، فإن القرآن نزل ليُتدبر، ونزل ليُتأمل ويُتفكر فيه، كما قال تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وكما قال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ [النساء:82]، وكما قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29].

أسماء الله الحسنى

قال الله سبحانه وتعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22].

هذه إحدى آيات توحيد الإلهية، وهي في كتاب الله في عدة مواطن، قال الله جل ذكره: إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [طه:98]، وقال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255]، وقال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ [آل عمران:2-3]، إلى غير ذلك من الآيات.

فقوله تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) أي: عالم الظاهر والباطن، ويعلم ما ظهر ويعلم ما استتر سبحانه وتعالى، كما قال تعالى حكاية عن لقمان في موعظته لولده يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ [لقمان:16]، فهو يعلم ما لطَف أي: ما دَقَّ، خبير بموطنه ومكانه سبحانه وتعالى.

وقوله تعالى: هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22] قال فريق من العلماء: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ومن أهل العلم من قال: إن الرحمن أعم من الرحيم، فالرحمن رحمته عامة بالمسلمين وبالكافرين في الدنيا، أما الرحيم فأخص من الرحمن؛ لقوله تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43]، وعلى هذا بعض المآخذ، تأتي في محلها إن شاء الله.

واسم الرحمن قد اختص به ربنا سبحانه وتعالى، فقد قال فريق من أهل العلم إن مسيلمة الكذاب لما تشدق وتطاول، وأطلق على نفسه (رحمان اليمامة) وُسِم بالكذب ووصِف به إلى يوم الدين، فلا يُقال إلا: مسيلمة الكذاب ، مع أن هناك كذابين آخرين، ككذاب اليمن الأسود العنسي ، والمختار بن أبي عبيد الثقفي ، وكلهم كذابون، لكن لفظة (الكذاب) كانت أشد التصاقاً بـمسيلمة ؛ لدعواه أنه رحمان اليمامة.

قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23]

الملك: هو المالك المتصرف في كل شيء، والقدوس: هو المطهَّر، ومنه قولهم:

لا قُدِّست أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويها، أي: ما طُهِّرت، ومنه قولهم: العاصمة المقدسة، أي المطهَّرة، وقوله تعالى: بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ [طه:12]، أي: المطهَّر، فالقدوس هو المُطَّهر.

وقوله تعالى: (السَّلامُ) للعلماء في المراد به أقوال:

فمنهم من قال: هو المسلَّم من كل عيب ومن كل نقص، ومنهم من قال: هو الذي يسلِّم عباده المؤمنين من النيران، ويدخلهم الجنان، إلى غير ذلك من الأقوال.

وقوله تعالى: (الْمُؤْمِنُ) في معناها أقوال لأهل العلم كذلك، فمنهم من يقول: هو الذي يؤمِّن عباده المؤمنين، وقيل: هو الذي يصدق المؤمنين فيما ينقلونه عن ربهم سبحانه وتعالى، وثم أقوال أخر. وقوله تعالى: (الْمُهَيْمِنُ) هو: الرقيب والشاهد، وقوله تعالى: (الْعَزِيزُ) أي: الذي لا يغلبه شيء ولا يُمانَع من شيءٍ أراده، وقوله تعالى: (الْجَبَّارُ) أي: الذي أجبر الخلق كلهم على أي شيء يريده، (سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

قال تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الحشر:24]

(البارئ) بمعنى الخالق، ومن العلماء من أضاف إليها معنى وهو: إظهار ما برأ، بخلاف أهل الدنيا، فقد يخترع الشخص شيئاً، أو يأتي بفكرة الشيء ولا يستطيع إظهاره، أما ربنا تعالى فليس كذلك، فهو الذي ينفِّذ ما أراد، ويُخرِج ما خلق.

وقوله تعالى: (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) الحسنى: جمع الأحسن. والتحرير يقتضي أن أسماء الله الحسنى لا يعلم عددها إلا هو، بدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحداً هم ولا حزن فقال: اللهم! إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك..)، فالله سبحانه استأثر عنده في علم الغيب بأسماء له لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

فأسماء الله الحسنى لا يحصيها إلا هو، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسماً -مائة إلا واحداً- من أحصاها دخل الجنة)، فهذا في فضيلة تسعة وتسعين اسماً من الأسماء من أحصاها دخل الجنة.

ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحصاها دخل الجنة) اختلف فيه العلماء، قال بعضهم: أي: من عمل بها مع معرفته لها، فتعرض من اسم التواب لأفعال تجلب له توبة الله عليه، وتعرَّض من اسم الرحيم لأفعالٍ تجلب له رحمة الله عليه، فليس مجرد العلم هو المعني بقوله عليه الصلاة والسلام: (من أحصاها دخل الجنة).

وهنا فائدة ينبه عليها، وهي أن الله جل ذكره قال في كتابه الكريم: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، فإذا جئت تدعو باسم من أسماء الله الحسنى فعليك أن تأتي باسم يوافق المسألة التي تريد، ومن هنا لم يستحب العلماء أن تقول عند الذبح: بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن الرحيم في هذا الموطن لا يتناسب مع الألم الذي جُرَّ إلى البهيمة، وإنما تقول: باسم الله، والله أكبر. أي: إن كنت تظن أنك كبيرٌ على هذه المذبوحة، فالله سبحانه وتعالى أكبر منك، وأعظم منك، كما قال تعالى في شأن النساء: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34] أي: كبيراً عليكم إذا أنتم طغيتم على نسائكم وظلمتموهن، فالدعاء باسم من الأسماء الحسنى ينبغي أن يوافق المسألة التي تريد، مثال ذلك: (اشف أنت الشافي)، (هازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم)، (ارزقنا وأنت خير الرازقين)، (اغفر لنا وأنت خير الغافرين)، ولا تقل كما يفعل المقلدة من أئمة المساجد: اللهم! أذل الشرك والمشركين برحمتك يا أرحم الراحمين. فكيف يذل الشرك بالرحمة؟! إنما يقال: وأذل الشرك والمشركين بعزتك يا رب العالمين! فالاسم ينبغي أن يوافق المسألة كما قال عيسى عليه الصلاة والسلام: وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ [المائدة:114]، وكما قال موسى عليه الصلاة والسلام: فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ [الأعراف:155].

ومن آداب الدعاء أن تتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى بين يدي الدعاء.

وقوله تعالى: (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز: منيع الجناب، عظيم السلطان، الذي لا يُغالب ولا يُمانع، والحكيم: الذي يفعل كل شيءٍ بحكمة، وأصل الحكمة: المنع، ومنه قيل للعاقل: (الحكيم)؛ لأن عقله يمنعه من ارتكاب المحاذير، ومنه قولنا للحبل الذي تربط به الدابة: (الحَكَمَة)؛ لأنه يحكِمها، ومنه قول الشاعر:

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكمو أن أغضبا

الأسئلة

أحاديث متفرقة، ومدى صحتها

باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد:

فحديث: (يؤتى يوم القيامة بناكح يديه ويداه حبلى) لا يثبت.

وحديث: (الجهاد مختصر طريق الجنة) لا يثبت.

وحديث: (لعن الله العقرب! لا تدع نبياً ولا مصلياً إلا لدغته) يحتاج إلى مراجعة.

وحديث: (تشهد يوم القيامة كل قطرة مني، وتقول لصاحبها: أين أبي وأمي؟) لا أعلم له أصلاً.

ترك طواف الوداع بعد العمرة

السؤال: قام والداي بأداء عمرة في رمضان، وأديا المناسك، وعند مغادرة مكة لم يطوفا بالبيت، فما حكم ذلك؟

الجواب: طواف الوداع للعمرة مستحب وليس بواجب، والعمرة صحيحة.

وأما طواف الوداع للحج فهو واجب؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت).

الاختلاف اليسير بين الإمام والمأموم في جهة القبلة

السؤال: هل الاختلاف -ولو كان قليلاً- في اتجاه القبلة بين الإمام والمأمومين يفسد الصلاة؟

الجواب: الاختلاف القليل في اتجاه القبلة لا يفسد الصلاة؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة).

وهذا القليل يبعدنا عن الوسوسة، حتى لا يأتينا من يقول: أنتم انحرفتم نصف درجة أو درجة! فالتشديد في الاتجاه بهذه الدرجة، أو التشديد في أوقات الصلاة، فيقال: نصف دقيقة حتى يجيء العِشاء، أو بقي ربع دقيقة، فكل هذه التشديدات في غير محلها، وغير محمودة.

اشتراط حل المطعم لإجابة الدعاء

السؤال: ما المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم لـسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أطب مطعمك تُجب دعوتك

الجواب: الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن استجابة دعوة سعد بن أبي وقاص على وجه الخصوص قد وردت في عدة مواطن، فلما دعا على من ظلمه وقال: (اللهم أطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، واجعل فقره بين عينيه) استجيبت دعوته في هذا الرجل -كما في صحيحي البخاري ومسلم رحمهما الله- حتى طال عمره، وسقط حاجبه على عينه، وكان مع هذا الكبر يمشي في الطرقات يغمِّز الفتيات، ويقول: أصابتني دعوة المبارك سعد .

وكان هذا شيئاً مشهوراً بين الصحابة رضي الله عنهم، حتى إن بعض بني مروان عوتِبوا في تصرفهم غير السديد في أموال المسلمين، فكان ممن عاتبهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال له مروان : إن هذا المال مالنا نعطي من شئنا، ونمنع من شئنا! فقال سعد : بل هو مال الله يعطيه الله من يشاء ويمنعه الله ممن يشاء، فقال: بل هو مالنا نعطيه من شئنا، ونمنعه من شئنا! فاتجه سعد ورفع يديه إلى السماء كي يدعو، فوثب مروان من على السرير، وقال له: لا تدعُ، هو مال الله يعطيه الله من يشاء، ويمنعه الله ممن يشاء.

وفي مستدرك الحاكم بسند صحيح أن سعداً رضي الله عنه رأى رجلاً يدعو على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو يسب علياً ، فقال له: يا هذا! أتسب علياً ؟ قال: نعم، قال: أتسب ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: زوج ابنته-؟ قال: نعم، قال: أتسب رجلاً شهد بدراً؟ قال: نعم، فقال سعد : اللهم! لا تفرق هذا الجمع حتى ترينا فيه آية، فاضطربت به فرسه في الحال وأسقطته، وداست عليه فمات في الحال.

وعلى كل حالٍ فالحديث المذكور معناه أن من لوازم إجابة الدعاء، أو من شروط إجابة الدعاء -وإن كان الله يستجيب بدون شروط، وإنما هي الأسباب والمسببات- تطييب المطعم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب له؟).

الدعاء عقب الصلوات المكتوبات

السؤال: هل الدعاء دبر الصلوات المكتوبة جائز أم غير جائز؟

الجواب: الدعاء دبر الصلوات المكتوبة بعد الأذكار فيه شيءٌ من النزاع، وأكثر أهل العلم على جوازه؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ! لا تدع أن تقول دبر كل صلاة: اللهم! أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك)؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من الصلاة قال: (رب! قني عذابك يوم تبعث عبادك)، وورد من حديث علي رضي الله عنه أنه أيضاً كان يقول: (اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدِّم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).

تكبير الإمام سراً في نفسه بعد تكبيره جهراً

السؤال: إمام كبّر مرة جهراً وكبر الناس خلفه، ثم كبر مرة ثانية سراً، فما حكم الصلاة؟

الجواب: الصلاة صحيحة، وإن كان خالف المسنون، لكن الصلاة صحيحة لا غبار عليها.

فوات الظهر مع إدراك الإمام في صلاة العصر

السؤال: رجل أدرك صلاة العصر جماعة ولم يصل صلاة الظهر، فكيف يصلي الصلاتين؟

الجواب: الأئمة الأربعة يقولون: يصلي مع الإمام الذي يصلي صلاة العصر، ثم بعد أن ينصرف من صلاة العصر يصلي الظهر الذي فاته.

ترك سجدة في الصلاة، والانتباه لها بعد السلام

السؤال: إمام نسي السجدة الأخيرة في آخر ركعة، ثم سلم، وبعد الصلاة نبهه المصلون، فماذا يفعل؟

الجواب: رأى بعض أهل العلم أنه يأتي بركعة جديدة؛ لكونه نسي ركناً من أركان الصلاة، ومن العلماء من يقول في هذه الحالة خاصة: يسجد ثم يتشهد.

حكم الوصية قبل الموت

السؤال: ما حكم من لم يوص قبل موته بوصية؟

الجواب: الوصية ليست بواجبة، وإنما هي في حق من له شيء يوصي فيه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده). فالوصية ليست بواجبة على كل أحد.

حكم ترك سنة العشاء والوتر

السؤال: ما حكم ترك سنة العشاء وصلاة الوتر؟ وهل يقضيهما؟

الجواب: ترك سنة العشاء وترك صلاة الوتر مكروه، لكن لا إثم فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال الأعرابي: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص -أي: الخمس الصلوات- قال: (أفلح إن صدق) ، أو (دخل الجنة إن صدق).

أما قضاء سنة العشاء الأخيرة فإنها تقضى قياساً على قضاء النبي صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر.

الشراء لشخص مع الزيادة في السعر دون علمه

السؤال: شخص قام بشراء أشياء لأشخاص دون سابق تحديد السعر، فهل له أن يزيد على السعر الأساسي نتيجة التعب والسفر وتكاليف السفر، علماً بأنه ليس بتاجر، ولكنه كلِّف بالصداقة؟

الجواب: هذا المشتري لا يخلو من أمور: فإما أن يكون وكيلاً فلا يزيد على السعر بحال من الأحوال، بل يقول: اشتريت بكذا، وسافرت بكذا، وأتعابي كذا، فيكون صريحاً، فله أن يزيد أو ينقص في أتعابه، ولكن يوضح أنها أتعاب، أما أن يغش، ويقول لهم: السلعة بكذا، وهي ليست بهذا الثمن! فهذا حرام.

فيحدد السعر الذي اشترُيت به السلعة، ويناقشهم في أمر الوكالة وأجرتها.

وأما إذا كان تاجراً يبيع لهم ويشتري منهم، فله أن يزيد، ولكن يخيرهم، فيقول: السلعة أمامكم، فإن شئتم خذوها بمائة، أو إن شئتم بخمسين، لكن هذه ليست مسألتنا، فالسائل قال: إنه ليس بتاجر.

الوصايا الجاهزة المبيعة في المكتبات

السؤال: ما حكم الوصايا الجاهزة المكتوبة في بعض الأوراق التي تبيعها المكتبات؟

الجواب: لا يلزم أن تكون وصية كل شخص مثل هذه الوصية التي في الورقة التي تبيعها المكتبات، فهذه الوصية برمتها ليست ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما كل شخص تختلف وصيته عن الشخص الآخر، وإن كان هناك أمور عامة، لكن لا يلزم أن توصي بها عند الموت، فيعقوب عليه الصلاة والسلام وصَّى عند الموت جميع أبنائه، وقال لهم: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي [البقرة:133]، وإبراهيم عليه السلام وصّى عند الموت أبناءه، فقال: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132]، وجاءت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم عند الموت لأمته بالصلاة فقال: (الصلاة وما ملكت أيمانكم)، ووصى بأهل بيته عليه الصلاة والسلام، وأوصى ابنته فاطمة رضي الله عنها وقال لها: (اتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك). أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وعبد الله بن حرام قال في غزوة أحد لابنه جابر رضي الله عنهما: أراني يا جابر! غداً مقتولاً، فاستوص بأخواتك خيراً، فاستشهد رضي الله عنه، وعمل جابر بوصية والده، فتزوج امرأة ثيباً، وضحى براحته من أجل أخواته.

فكل شخص تختلف وصيته عن الشخص الآخر، فكوني آتي بورقة مكتوبة مسجلة مسطرة وأُلزِم بها الناس، أو أفشيها في الناس؛ لا يصح أن أفعل هذا، إلا إذا كانت مأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وتلك الوصايا منها المأثور ومنها غير المأثور، ومنها الثابت ومنها غير الثابت، فليست بلازمة على كل شخص، وإنما لك أن تُجمل القول عند الموت، فتقول: اتبعوا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دفني، أو توصي بقضاء الديون إذا كان عليك ديون.

رضاع الرجل من زوجته

السؤال: ما حكم رضاع الرجل من زوجته؟

الجواب: يرضع كما يشاء، ففي الحديث: (إنما الرضاعة من المجاعة)، أي: الرضاعة المحرمة هي التي كانت في الصغر، والتي إذا تخلفت حدثت للطفل مجاعة، فالرضاعة المحرِّمة هي ما دون الحولين.

وفقنا الله تعالى وإياكم لما يحب ويرضى، والسلام عليكم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الحشر [3] للشيخ : مصطفى العدوي

https://audio.islamweb.net