اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الرحمن [1] للشيخ : مصطفى العدوي
وبعد:
فسورة الرحمن مدنية على رأي أكثر العلماء، سميت باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى، وهذا الاسم من أسماء الله لا يشاركه فيه أحد، وهناك أسماء لله سبحانه وتعالى قد يشاركه فيها البشر، كالعزيز، فإنه اسم من أسماء الله وصفة لبعض خلقه: قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ [يوسف:51]، وقال إخوة يوسف: يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ [يوسف:88]، وكذلك الكريم اسم من أسماء الله وصفة لبعض خلقه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام) ، وثم أسماء أخرى على هذا المنوال.
لكن اسم الرحمن لا يتسمى به أحد إلا الله سبحانه وتعالى، ولما تشدق مسيلمة الكذاب وأطلق على نفسه رحمان اليمامة وُصِفَ دائماً بأنه كذاب، فلا يقال: إلا مسيلمة الكذاب .
واسم الرحمن كان مستنكراً عند المشركين، ومن ثم استنكره سهيل بن عمرو في صلح الحديبية عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتبه في الاتفاقية، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي : (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قال سهيل بن عمرو : لا ندري ما الرحمن؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم).
وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110]، وقال سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان:60]، فاسم الرحمن كان مستنكراً عند أهل الشرك من أهل مكة، عند مبعث الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم.
يثني الله سبحانه وتعالى على نفسه، ويمدح الله سبحانه وتعالى نفسه، ليس ذلك للبشر، فليس لنا أن نمدح أنفسنا، ولا أن نثني عليها، إلا إذا دعت ضرورة لذلك، كما قال يوسف الصديق عليه السلام: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55]، وكما قال عثمان رضي الله عنه: (أناشدكم الله، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة فحفرتها؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أناشدكم الله، هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة فجهزته؟ قالوا: اللهم نعم) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي؟ قالوا: اللهم نعم ..) إلى آخر الحديث، فالثناء على النفس الأصل أنه ممنوع إلا إذا دعت حاجة إليه، لكن ربنا سبحانه وتعالى يثني على نفسه، فهو المنان سبحانه، فيقول سبحانه: الرَّحْمَنُ [الرحمن:1]، ثم يعدد نعمه على خلقه، فيقول سبحانه في بداية هذه النعم، وأوائل هذه النعم: عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:2]، فهي أكبر نعمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها علينا، هي تعليمنا القرآن، ولولا تعليمنا القرآن لكنا من أهل النيران والعياذ بالله! وأي خسار بعد هذا الخسار أن يودع الشخص في سجين والعياذ بالله؟!
فأول نعمة ذكرت في هذه السورة الكريمة -التي يطلق عليها بعض العلماء: سورة النعم- هي نعمة تعليم القرآن، ففي تعليم القرآن فضائل ذكر بعضها في كتاب الله.
أما سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيها: (خيركم من تعلّم القرآن وعلمه) ، وقال صلوات الله وسلامه عليه: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين).
فيقول سبحانه: عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:2] فهو سبحانه علم الطب وعلم الهندسة وعلم الزراعة والصناعة والحرف، ولكن لم يكن الامتنان الأول بقوله: علم الطب، ولا علم الزراعة، ولا علم الهندسة، إنما صدر بقوله تعالى: عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن:2]، وبضمينة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، وبضمينة قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] تظهر فضل تعلم القرآن.
عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ [الرحمن:2-3] فذكر تعليم القرآن وفضله قبل خلق الإنسان.
وأصل البيان: إظهار ما في نفس الشخص للآخرين، وهذا يكون إما عن طريق اللسان، وإما عن طريق القلم، فالامتنان بالتعليم بالقلم ذكر في سورة العلق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-5]، فنعمة من الله إذ امتن علينا بتعليمنا البيان بكل أنواعه، وبهذا يفارق بنو آدم سائر العجماوات، من البهائم وسائر الدواب.
فإن قال قائل: إن الله سبحانه وتعالى امتن علينا بتعليمنا البيان بنوعيه كما ذكرتم، وكما أسلفنا ثمّ أنواع أخر من أنواع البيان كالإشارات وكالنظرات، لكنها ليست بتلك الشهرة، إذ كتاب الله يذكر الغالب الأشهر.
فإذا قال قائل: إن الله امتن علينا بتعليمنا البيان، كما امتن على عيسى صلى الله عليه وسلم بقوله: اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ [المائدة:110]، فإذا كانت هذه نعماً فسؤال يطرح: لِم لم يعلمها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ بل قال الله في شأنه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ [الأعراف:157]؟! فلماذا لم يمتن الله على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بتعليمه البيان بالقلم؟!
العلة من ذلك ظهرت في قوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت:48-49].
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتعلم البيان بالقلم لعلة ألا وهي: دفع الشكوك عن الذين كانوا يزعمون أن بشراً يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص على ذلك في كتاب الله بقول الله سبحانه: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103].
النجم على رأي أكثر العلماء هنا ليس المراد به الثريا، وإن كان هذا القول قد قال به فريق من العلماء، وليس المراد به النجم الساطع في السماء الذي أقسم الله به بقوله: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1]، إنما النجم هو النبت الذي لا ساق له في الأرض، وذلك كالحشيش الذي في الأرض، فهذا نبت، قال كثير من أهل التفسير: إن كل نبات ليس له ساق يطلق عليه نجم، وكل نبات له ساق يطلق عليه شجر، فذكر الله شيئين في السماء: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ [الرحمن:5]، وشيئين في الأرض وهما: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن:6]، وقد قال بعض أهل العلم بالقول الأول، لكن الأكثرون على أن المراد بالنجم النبت الذي لا ساق له.
وأصل تسمية النجم مأخوذة من النجوم وهو الظهور، نجم النبات عن نزول المطر، أي: ظهر بسبب نزول المطر، نجمت هذه المشكلة عن شيء، أو نجم هذا الشيء عن مشكلة حدثت أي ظهر.
أثبتت الآية الكريمة أن الشجر يسجد، وأن النجم يسجد صراحة، فالله يقول: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [الرحمن:6]، وقد قال الله جل ذكره: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ [الحج:18]، وقال سبحانه: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء:44].
وقد حنّ الجذع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وثمّ أدلة أخر في الجمادات وغيرها قد تقدمت، قال صلوات الله وسلامه عليه: (إني أعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ، إني أعرفه الآن).
وقال الله سبحانه في شأن الأحجار: وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة:74].
من أهل العلم من قال: إن المراد بالميزان الحق والعدل، شرعه الله سبحانه، فوضعه هنا أي: شرعه للناس، شرع للناس الحكم بالعدل، فشرع لهم الحكم بالقسط.
ومن أهل العلم من قال -وهذا قول لا تشهد له كثير أدلة-: إن الميزان الذي له كفتان نزل مع آدم صلى الله عليه وسلم، مع السندان مع أشياء أخر، لكن الآثار بذلك مقطوعة، أي: من أقوال بعض التابعين لا يثبت منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قوله: وَالرَّيْحَانُ [الرحمن:12] إذا قلت: إن الريحان هنا بالضم كما هو مثبت في المصاحف التي بين أيدينا: وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ [الرحمن:12] فتكون (الريحان) هنا لها تأويل يختلف شيئاً ما عما إذا قلت: (والحب ذو العصف والريحانِ) حيث تكون الريحان صفة للعصف، ويكون المراد بها على قول لفريق من المفسرين: الاخضرار، فيقال: والحب ذو الخضرة وذو اليبس، فهو أولاً يكون أخضر، ثم بعد ذلك ييبس ويصبح عصفاً.
أما على قراءة من قرأها معطوفة على الحب، فيقول: إن المراد بالحب النبات الأخضر، أو يقول: الريحان المعهود ذو الرائحة الطيبة.
وقد ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب في صحته نزاع، لكن تشهد لمعانيه عمومات، ألا وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تلا هذه الآيات على أصحابه وسكتوا، قال: إن الجن كانت أحسن قيلاً منكم، قالوا: وكيف؟ قال: لما تليت عليهم هذه الآيات قالوا: لا نكذب بشيء من آلائك ربنا) أي: لا نكذب ولا نجحد بشيء من نعمك يا ربنا.
والحديث وإن كانت أسانيده فيها بعض الأقوال وبعض النزاع، إلا أن هناك نصاً عاماً تندرج تحته مثل هذه الأجوبة، من هذه النصوص العامة التي تندرج تحتها هذه الأجوبة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل فلا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوذ) عليه الصلاة والسلام.
كما يقول الله سبحانه وتعالى (الكتاب) فأحياناً يأتي ذكر الكتاب ويراد به كتاباً معهوداً بعينه، وأحياناً يأتي ذكر الكتاب مراداً به جنس الكتب، فمثلاً: يقول الله سبحانه وتعالى: وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [النساء:113] فالمراد بالكتاب هنا القرآن، فالمراد به كتاب معهود نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن.
لكن: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ [الحديد:25] فالكتاب هنا اسم جنس، لا يراد به كتاباً معهوداً بعينه، إنما يراد به كل الكتب التي نزلت من عند الله سبحانه وتعالى.
وكذلك الإنسان أحياناً يأتي ذكر الإنسان ويراد به إنساناً بعينه وهو آدم صلى الله عليه وسلم أو غير آدم، وأحياناً يأتي ذكر الإنسان للجنس، فمثلاً: خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ [الرحمن:14] الإنسان الذي خلق من صلصال كالفخار هو آدم صلى الله عليه وسلم، لكن قوله تعالى: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ [الإنسان:2] فالإنسان هنا ذرية آدم.
فقوله سبحانه: خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ [الرحمن:14] إن قال قائل: كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ [الحج:5]، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ [الرحمن:14] ومِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26]، فالصلصال من حمأ مسنون: الطين المتغير المنتن؟!
نقول: إن هذه مراحل خلق الإنسان، خلق من تراب: عجن التراب بالماء، فأصبح طيناً، ثم ترك الطين حتى أنتن فأصبح حمأً مسنوناً، خلق منه الإنسان وترك حتى يبس فأصبح صلصالاً كالفخار، إلى غير ذلك.
قوله سبحانه: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن:15] بهذه الآية وبقول إبليس: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ [الأعراف:12] يقوى قول من قال: إن إبليس من الجن كما دل عليه الكتاب العزيز صراحة في قوله تعالى: كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50].
أما الإشكال الذي قد يرد ألا وهو: إن الله سبحانه وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، فإبليس لم يكن على هذا الزعم موجهاً له الخطاب؛ لأنه ليس من الملائكة، فلماذا يُعَاْقَبُ وهو ليس من الملائكة والله يقول: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ [البقرة:34]؟
الإجابة على هذا الإشكال: أن الله وجه إليه الأمر بالسجود كذلك مع الملائكة، فلما امتنع عوقب بامتناعه.
قال الله سبحانه وتعالى: وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ [الرحمن:15] قد يأتي شخص ويقول: كيف يعذب الجان وهو مخلوق من نار؟ نقول: هذا من الممكن؛ فأنت يا من خلقت من طين قد تعذب بالطين وبالأحجار الطينية، وقد عذب قوم لوط بحجارة من سجين، أي: من طين منضود متحجر.
الجمع أيسر من أن يتكلف: فالمشرق والمغرب لها تأويلات أحدها: مشرق الشمس ومغربها، والمشرقان والمغربان أي: مشرق الشمس والقمر ومغربهما، والمشارق والمغارب مشارق الشمس والقمر والنجوم ومغاربها، هذا قول.
وقول آخر: أن الشمس لها في الجملة مشرق ومغرب، وعلى التفصيل كل يوم يختلف مشرقها عن مغربها أي: يختلف مشرقها عن اليوم الذي قبله، فالشمس اليوم لها مشرق، وغداً لها مشرق، وبعد غد لها مشرق، وإن كانت الاختلافات طفيفة لا يعلمها إلا الله، لكنها على كلٍ مشارق ومغارب، والله أعلم.
فأولاً من ناحية اللغة: يطلق البحر على النهر كذلك، فإن البحر مأخوذ من الاتساع، والنهر كذلك مأخوذ من الاتساع، فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم أن سمع صوتاً في المدينة فامتطى فرسه وكان عريان -أي: الفرس- وتتبع أثر الصوت فقال: (ما وجدنا شيئاً، إن وجدناه لبحراً) أي: وجدنا الفرس سريع الخطى، واسع الخطى، فالواسع يطلق عليه بحر، ومنه قول العامة: هذا بحر في العلم، أي: علمه واسع.
والنهر كذلك يطلق على الاتساع والشدة، قال عليه الصلاة والسلام: (ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السنَّ والظُّفُرَ) فما أنهر الدم أي: ما أخرج الدم بغزارة، فالبحر يطلق على النهر أحياناً، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الجنة-: (فيها بحر اللبن، وبحر العسل، وبحر الخمر، وبحر الماء)، وفي الكتاب العزيز: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [محمد:15] فعبر عن البحر بالنهر، وعن النهر بالبحر.
فإما أن يقال: أطلق على النهر والبحر بحران تغليباً كما يقول العرب: جاء العمران ويقصدون: أبا بكر وعمر ، وكما نقول نحن الوالدان أو الأبوان، ونريد بالأبوين: الأب والأم، فأطلق عليهما الأبوان تغليباً، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) والمراد بهما الأذان والإقامة.
قال تعالى في شأن البحرين: بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ [الرحمن:20] أي: يحجز الملح عن العذب، فلا يتداخلان، وإلا لو دخل الملح على العذب لوصل الملح إلى بلادنا ولأفسد علينا سقيانا ومزارعنا، ولكن من حكمة الله الحكيم الحميد أنه سبحانه جعلهما في الحياة الدنيا لا يبغيان.
أما بين يدي الساعة فكما قال فريق من أهل العلم: وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ [الانفطار:3] قال بعضهم: اختلط مالحها بعذبها، ودخل مالحها في عذبها.
أما هذه الآية الكريمة: بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ [الرحمن:20] فهي من الأدلة على قدرة الله سبحانه وتعالى، ولو شاء الله لخلطهما.
قال فريق من أهل العلم: إن اللؤلؤ لا يخرج إلا من البحار، فكيف قيل: يَخْرُجُ مِنْهُمَا [الرحمن:22]؟
فالإجابة من وجوه:
أحدها: ما تقدم، ألا وهو أنه أطلق: يَخْرُجُ مِنْهُمَا [الرحمن:22] تغليباً، وإن كان يخرج من البحر.
والثاني: يَخْرُجُ مِنْهُمَا [الرحمن:22] قال البعض: ثبت الآن أن اللؤلؤ أيضاً يخرج من الأنهار، فالله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: وَلَهُ الْجَوَارِ أي: السفن، جمع جارية كما قال تعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11] وسميت جارية لجريها، كما أطلق على الفتاة جارية لجريها في خدمة أبويها، وعلى الأمة جارية لجريها ولسعيها في خدمة سيدها، فيطلق على السفن، والجواري، والفلك، قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ [الحاقة:11].
الأعلام المراد بها الجبال، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولينزلن قوم إلى جنب علم) فالعلم هنا هو الجبل، فالجوار المنشآت في البحر كالجبال هي لله سبحانه وتعالى: إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:33-34] إن يشأ الله يغرقها وإن يشأ الله يسيرها.
كما قال الله سبحانه لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30]، وكما قال سبحانه: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، وكما قال الله سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185].
فهنا يذكر سبحانه لفظاً عاماً في كل الخلائق : كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27] الجلال مأخوذة من الإجلال، وقولك: أنا أجل الشخص عن كذا، أي: أنزهه وأرفعه عن هذا المستوى، فتقول: أنا أجلك عن هذا الفعل، أي: أرفع قدرك، فلا يليق بك أن تنزل إلى هذا المستوى الرديء وتفعل هذا الفعل، فأنت أجل من هذا الفعل، وأعظم من هذا الفعل، فالجلال هنا من هذا المعنى.
وكذلك: الإكرام، بمعنى: أنا أكرمك أن تصنع هذا الصنيع، وأن تنزل إلى هذا المستوى، فربنا أجل وأكرم، فهو لا يتطرق إليه سبحانه عيب ولا نقص بحال من الأحوال، منزه عن كل قبيح، ومنزه عن كل نقص، ومنزه عن كل عيب سبحانه وتعالى.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام) أي: ألحوا في الدعاء وأكثروا في الدعاء، من قول: يا ذا الجلال والإكرام، فتقول مثلاً: يا ذا الجلال والإكرام افعل لي وافعل، كما تقول بعد الصلاة: اللهم! أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فتخلل بها أدعيتك.
أما أنا وأنت إذا حدّثنا شخصان في آن واحد، نقول لأحدهما: اسكت، حتى ينتهي الآخر من حديثه، حتى أفهم مراده؛ لأنه كما قال سبحانه: مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب:4].
لكن ربنا سبحانه وتعالى ليس كذلك، فكل من في السماوات والأرض يسألون ربهم، وهو يسمعهم ويجيبهم: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32].
الجواب: نعم، يجوز لك ذلك إذا كنت ستصلي في جماعة أخرى في مسجد آخر.
أما حديث الرجل الذي خرج من المسجد بعد سماع المؤذن وقول الصحابي: (أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم)فمحمول على أنه خرج بلا عذر، وأنه خرج ولم يصلها في جماعة.
أما إذا خرج لعذر وخرج قاصداً الصلاة في جماعة أخرى وأدرك شيئاً من الصلاة في هذا المسجد فلا بأس بذلك، والله أعلم.
الجواب: لا، ليس بتأويل أبداً؛ لأنه قد جرى على هذا كلام العرب، وهذه أقوال مفسري أهل السنة، وإن شئت فاقرأ كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، وإلا فما معنى: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14] عندك أيها السائل؟
فالعلماء من أهل السنة يقولون: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14] أي: تجري بحفظ الله وبرعايته، وعلى مرأى منه، هذه أقوال أهل السنة.
الجواب: هذا المال يسمى اللقطة، فيجري عليه حكم اللقطة، فيعرفه عاماً إن كان مالاً يعرف، أما إذا كان مالاً لا يعرف كنصف أو ربع جنيه أو جنيه فكيف تعرفه عاماً؟ هذا ضرب من الجنون أن تبقى لمدة سنة تقول: الذي ضيع جنيهاً فليأت ليأخذه. لكن إذا كان المال كثيراً مما يجعل صاحبه يظل يبحث عنه طيلة هذه المدة، فحينئذ يعرف المال عاماً فإن أتى صاحبه وإلا فليستمتع به بعد الحول.
الجواب: بالنسبة لهذه المسألة فالأراضي هذه تعتبر هبات، وللحكومة أن تهب ما تشاء لمن تشاء، أعني: من الرعية، أي: أن للوالي أن يهب ما يشاء، فإذا جاء والٍ وقال: كل أم من الأمهات لها فدان مثلاً، أو كل بنت كبيرة من أسرة مكونة من بنات، نعطيها ألفي جنيه، الوالي يقول: أنا أختار البنت الكبيرة من الأسر، وقرر هذا القرار، من الناحية الشرعية -بغض النظر عن حكومتنا وما فيها من قول- ليس هناك ما يمنع من ذلك شرعاً، والله أعلم.
الجواب: هو كذاب، لكن لا تقع به طلقة.
الجواب: الصلاة (بالبنطلون) صحيحة، لكن إذا كان ضيقاً ومسبلاً كرهت، لكنها أيضاً مع الكراهية صحيحة.
الجواب: نعم تجوز؛ لحديث: (من يتصدق على هذا؟) ولم ينه رسول الله عليه الصلاة والسلام عن ذلك.
الجواب: نعم أخذت شيئاً ليس من حقك، إن هذا موضوع للفقراء، وأنت لست بفقير، فأنت تدخلت على حق الفقراء وأخذته ببحث مزور.
السائل: ولما سألت الموظف عن ثمن (البجامة) علمت أنها بثمانية وثلاثين جنيهاً وكان معي (بجامة) أخرى بواحد وثلاثين فخلطتهما وأخذت (البجامة) ذات السعر ثمانية وثلاثين بواحد وثلاثين؟!
الشيخ: يعني غش الموظف..
السائل: وقد مر على هذا الموضوع عامان فماذا أفعل في السبعة جنيهات؟
الجواب: تصدق بها؛ لأنه الآن يصعب الوصول إلى الموظف الذي خدع، فتصدق بها ويصل ثواب الصدقة إلى الموظف الذي غش، والله أعلم.
وقد حضرتني في هذا الباب مسألة لرجل غل من غنيمة بعض المعارك، في زمان أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه، فلما قسمت الغنائم سمع حديث الغلول والوعيد الوارد فيه، فأراد التوبة، فذهب إلى أمير المؤمنين معاوية وقال: معي غلول، لا أدري ماذا أصنع به وقد تبت إلى الله. قال: ما أدري أنا كيف أصنع والغنيمة قد قسمت. فذهب إلى بعض الصحابة فأفتي: أن تصدق بها والله يقبل التوبة عن عباده، وثوابها يصل إلى المجاهدين إن شاء الله.
الجواب: الأورع لها والأتقى أن لا تحبسه؛ لأن الله يقول: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237] هذا من ناحية.
ثم إن الأحكام التي صدرت ليست -من حيث الأصل- شرعية من الدرجة الأولى، ففيها بعض ما يعتري هذه المحاكم.
فالأولى لها أن تصبر وتعفو: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237] كما قال الله سبحانه وتعالى.
السؤال: هل لي أن آخذ نصف راتب زوجتي؟
الجواب: إن هي اشترطت عليه قبل بداية الزواج أنها ستعمل فهي أحق براتبها، وإن لم تشترط عليه أنها تعمل فالأمر بينهما على ما يتفقان عليه؛ لأنه من حقه أن يمنعهما من العمل كزوجة، لكن هذا الحق الذي له يسقط إذا اشترطت قبل الزواج أن تعمل؛ لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أحق الشروط بالوفاء ما استحللتم به الفروج).
لكن إذا تزوجها وهي موظفة ولم يحدث اشتراط، ولم يحدث أي شيء ثم دخل بها، فقال لها: قد أنجبنا فاجلسي في البيت، قالت: أنا أريد الوظيفة، فمن حقه شرعاً أن يجلسها في البيت، فإن اتفقا على نصف المرتب فلا حرج ولا بأس على ما اتفقا عليه.
الجواب: لا يجب على المرأة أن تغطي شعرها عند تلاوة القرآن؛ إذ لا دليل يلزم بذلك، لكنه من تمام الزينة التي ذكرها العلماء ضمناً، في قول بعض السلف الصالح كـابن عباس وغيره، أو قول عروة : الله أحق من تزين له. لكن كدليل يلزم أو يوجب على المرأة أن تغطي رأسها عند تلاوة القرآن، لا أعلم دليلاً يدل على ذلك.
الجواب: نرجو أن يثيبه الله سبحانه وتعالى، صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات ...) وهو أعطى السائل مائة (دولار) وليست له نية إلا في الربع جنيه، فهو مثاب على الربع جنيه، لكن فضل الله أوسع، والله سبحانه وتعالى كريم.
الجواب: الصحيح أن تقول: أنا جلست بينهما مصلحاً، وسمعت من هذا كذا، وسمعت من هذا كذا، إلا إذا كانت هناك خدعة خُدِعَ بها شخص، فأحياناً نوجد مخرجاً لهذا الشخص في بعض الحيل، لو أن شخصاً قال: الأخ فلان استلف من فلان ألف جنيه، وهما الاثنان أصدقاء لي، لكن أنا ما رأيتهما عندما أسلف أحدهما الآخر، لكن ثقتي فيهما كبيرة جداً، فجاء واحد وقال: فلان استلف مني ألف جنيه فاشهد على ذلك، فشهدت على الألف جنيه، وبعدها حصلت مماطلة، فأخونا الدائن ذهب إلى المحكمة يشكو المدين، فالقاضي استدعاني، فكيف أشهد أنا الآن؟ وكيف أصنع أمام القاضي؛ فإنه سيطلب مني الآن اليمين؟ فأنا واقع بين خطرين: إن شهدت أنه اقترض ألفاً فأنا ما رأيت، وإذا لم أشهد سيقول لي القاضي: لماذا وقعت؟
فله أن يذهب ويحتال على المدين، ويقول له: أنت لماذا لم تسدد الدين لصاحب الدين؟ قال: والله ليس عندي ما أدفعه، فهنا الحمد لله ثبت أنه أخذ الألف جنيه، فحينما يشهد؛ لأنه بعد ذلك يكون أخف الأضرار.
الجواب: إذا كان (البنطلون) واسعاً وسابغاً في البيت فلا بأس.
الجواب: نعم يجوز لك الزواج من بنت خالتك؛ لأن ابن خالتك هو الذي رضع من أمك، فهو أخوك من الرضاعة فقط، لكن لو أنت الذي رضعت من خالتك فتكون أخاً للبنت فتحرم عليك، لكن الصلة المذكورة ليست كذلك فلك أن تتزوج بنت خالتك.
الجواب: هذه تسمية صحيحة.
الجواب: لا أعلم له الآن سنداً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
الجواب: بالنسبة للبس النساء بصفة عامة يجوز للمرأة أن تلبس الأسود، وهو الأحب؛ لأنه فعل نساء الأنصار ونساء المهاجرين الأول، النساء المهاجرات الأول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما نزلت آية الحجاب خرجن كأن على رءوسهن الغربان من السواد، لكن إن لبست المرأة لبساً آخر غير الأسود فلا مانع أبداً منه، إلا إذا كان يلفت أنظار الناس إليها، ويحدث فتنة بها، فمثلاً: لو لبست امرأة ثوباً أحمر -وإن كان سابغاً- وهو فاتح ومشت في الشارع، كل الناس سينظرون إليها، وهي مأمورة أن تصرف أنظار الناس عنها؛ لقوله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31].
لكن إن لبست ثوباً بنياً ولم يكن بلافت للنظر فلا بأس بذلك، وقد طافت عائشة بثوب مورد، ليس معناه: أن فيه ورداً، إنما هو في الجملة وردي، لكنه محمول على أنه وردي ليس بملفت للنظر، روى ذلك عنها -أظنه- عطاء بن أبي رباح ، قال: رأيت عائشة تطوف وقد لبست ثوباً مورداً.
إذاً إن وجدت الفتنة منع هذا الثوب، وإن لم توجد الفتنة لبس الثوب قال تعالى: قُل مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32].
إلى هنا وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الرحمن [1] للشيخ : مصطفى العدوي
https://audio.islamweb.net