إسلام ويب

ينبغي على المسلم عند تعامله مع إخوانه أن يعلم أن أخاه أحد رجلين: محسن أو مسيء، وأن الله لم يكتب العصمة لأحد من خلقه بعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، ومن أكثر معاتبة الإخوان جاء اليوم الذي لا يبقى له فيه أخ أو صاحب.

ضوابط في فن التعامل

مراعاة مراتب الناس وأحوالهم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

وبعد: فإن التعامل بين المسلمين فن من الفنون التي ينبغي أن يعتنى بها.

وهناك لوازم وضوابط لنجاح التعامل بين الناس: منها: مراعاة مراتبهم وأحوالهم، فمراعاة أحوال الناس ومراتبهم من أسباب النجاح في التعاملات مع الناس، فكم من شخص يتحمل منك الكلمات الشديدة، وثم أشخاص لا يتحملون منك نظرة غضب فقط فضلاً عن الكلمات النابية الشديدة، فمن ثم كان لزاماً عليك أن تتعامل مع الناس بحسب أحوالهم.

ونذكر في ذلك واقعتين واقعتان حدثتا لـأبي بكر الصديق رضي الله عنه:

أما الواقعة الأولى فحدثت لـأبي بكر مع عمر ، وعمر وهو رجل من فضلاء الصحابة رضي الله عنه، له قبيلته وقدره في قريش.

وأما الثانية فحدثت لـأبي بكر مع بلال وسلمان وصهيب وهم من الفقراء الذين ليست لهم قبائل في مكة ولا في المدينة. ولتنظر كيف تعامل أبو بكر مع هذا؟ وكيف تعامل مع هؤلاء؟ ولتنظر ما هو تعقيب رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التصرفات؟

أولاً: كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما شيء فقال أبو بكر عن نفسه: وكنت أنا أظلم. يعني: أنا الذي كنت مخطأ في حق عمر رضي الله عنهم، وكل الناس تخطئ.

قال: (أخطأت في حق عمر فذهبت إلى عمر رضي الله عنه أعتذر إليه من خطئي، فلم يقبل عمر العذر، فذهب أبو بكر حزيناً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! قد كان بيني وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيء، وأنا والله يا رسول الله كنت أظلم، فذهبت فاعتذرت إليه فلم يقبل عذري. فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً.

ثم إن عمر أيضاً أحس بخطئه فكيف يأتي أبو بكر يعتذر إليه ولا يقبل عذره؟ فانطلق مسرعاً إلى بيت أبي بكر رضي الله عنه، فقالوا له: إن أبا بكر ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول جالس مع أصحابه وأبو بكر بجواره، فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عمر ، قام مغضباً في وجهه غاية الغضب، وقال: هل أنت تارك لي صاحبي يا ابن الخطاب ؟ صدقني إذ كذبتموني، وأعطاني إذ منعتموني، فوالله لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن خلة الإسلام أفضل. لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر ؛ واستمر عليه الصلاة والسلام في لوم عمر رضي الله عنه وتأنيبه)، وأبو بكر يقول: (أنا أظلم يا رسول الله).

ورد في بعض الروايات خارج الصحيح (استغفر لي يا رسول الله، وإذا لم تستغفر لي من يستغفر لي يا رسول الله).

ثانياً: أبو بكر مع بلال وسلمان وصهيب وهم من الفقراء: (مر أبو سفيان على سلمان وصهيب وبلال فقال سلمان وصهيب وبلال: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها عام الفتح) أي: كان ينبغي أن يقتل هذا الرجل المؤذي الذي كان يؤذي رسول الله، (فقال أبو بكر : أتقولون هذا لسيد قريش؟ ثم انطلق أبو بكر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! صدر من سلمان وبلال وصهيب كذا وكذا. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لـأبي بكر -الذي كان ينتصر له في موقفه مع عمر لكن مع هؤلاء الضعفاء ماذا قال؟- قال: أأغضبتهم يا أبا بكر ؟ لأن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك عز وجل. فانطلق أبو بكر سريعاً إلى إخوته وقال: أغضبتكم يا إخوتاه؟ قالوا: غفر الله لك يا أخانا).

إذاً: أحوال الناس تختلف، الضعيف والمسكين خاطره يكسر بكلمة، بل بنظرة، لكن الآخر الصلب يتحمل إذ هو يستطيع الدفاع عن نفسه، ولذلك كان التعامل مع الأيتام يحتاج إلى دقة ورقة، والتعامل مع الكبار البالغون، غير التعامل مع الصغار والأيتام.

فلابد أن تفهم هذه الطرق في التعامل مع الناس، من الذي أمامك؟ ما هو قدر تحمله لك، هل هو كبير السن يحتاج إلى توقير؟ أو شاب مثلك يحتاج إلى أن تتعامل معه معاملة الند للند؟ أم هو أصغر منك فيحتاج إلى أن ترحمه؟ أو هو امرأة ضعيفة العقل تحتاج إلى تطييب الخاطر؟ أو هو سفيه يحتاج إلى المداراة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً مقبلاً فقال: (بئس أخو العشيرة)، فلما قدم ألان له صلى الله عليه وسلم القول، مع أن الرجل سيء وبذيء الأخلاق. وقد ألان له الرسول صلى الله عليه وسلم القول، ليس عن جبن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا رياء أبداً، بل دفعاً لسفهه وطيشه، في نفس الوقت الذي يقول فيه عليه الصلاة والسلام فيه: (بئس أخو العشيرة).

فتراه صلى الله عليه وسلم يشتد على الأفاضل من أصحابه، كالثلاثة الذين خلفوا، جاءوا واعتذروا إلى الرسول وقالوا: (تخلفنا يا رسول الله وليس لنا عذر)، ومنهم هلال بن أمية وهو بدري -شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك هجرهم الرسول عليه الصلاة والسلام خمسين ليلة.

فأحياناً يعتذر إليك شخص وتشدد في قبول اعتذاره، ويعتذر شخص آخر اعتذاراً واحداً وتقبل منه العذر.

إقالة ذوي الهيئات عثراتهم

ومنها: إقالة ذوي الهيئات عثراتهم: ومن ذلك ما ورد في قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه، فقد كان من جلساء رسول الله عليه الصلاة والسلام وممن شهد بدراً، بل ذكر بعض العلماء: أنه كان من مستشاري رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستشيره الرسول صلى الله عليه وسلم في أموره بل وفي أمور المسلمين، فخطط الرسول يوماً لغزو مكة، وأطلع حاطباً على هذا السر، فأرسل حاطب رسالة سرية مع امرأة من المشركين إلى مشركي قريش خلاصتها: إن النبي صلى الله عليه وسلم يريد غزوكم فخذوا حذركم -رسالة بهذه الصورة من حاطب إلى هؤلاء المشركين، والرسول صلى الله عليه وسلم يستأمنه على هذا السر- فأطلع الله نبيه على هذه الرسالة، وأعلمه إياها، فجاء الرسول واستدعى ثلاثة: علياً والمقداد والزبير وقال لهم: انطلقوا حتى تأتوا مكاناً يقال له: روضة خاخ، وستجدون هناك ضعينة -مسافرة- معها رسالة من حاطب إلى المشركين، فأتوني بالرسالة. قال علي : (فانطلقنا تعادى بنا خيولنا، حتى التقينا بالمرأة فقلنا لها: أخرجي الكتاب الذي معك. قالت: ما عندي كتاب. ففتشوها ودققوا التفتيش فما وجدوا شيئاً، فهموا بالانصراف، فقال علي : ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن الكتاب أو لنجردن الثياب. فلما رأت المرأة الجدّ في قول علي أهوت إلى حجيزتها فاستخرجت الرسالة وسلمتها لـعلي، فانطلقوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا بها: من حاطب إلى فلان وفلان من المشركين .. وقرئت الرسالة على رسول الله عليه الصلاة والسلام وكان عمر جالساً بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم، ورأى أن هذا الأمر جريمة كبرى، بل خيانة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وخيانة لأهل الإسلام، وكشفاً لسر من أسرار المسلمين للكفار، فأرسل الرسول إلى حاطب فجيء به، فقال عمر : يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، إنه رجل خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين).

ولكن رسول الله -الرسول الأسوة- جاء يخاطب -المتهم- يسمع منه.

وقد قال بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24] عقب قوله تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ [ص:21-22] ثم بدأ أحدهم في بث الشكوى: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي [ص:23] أي: غلبني فِي الْخِطَابِ [ص:23] اشتكى إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص:23] فأصدر داود الحكم مباشرة وقال: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ [ص:24].

قال العلماء في تفسيرها وهو أولى الأقوال والله أعلم: إن داود استغفر ربه وخر راكعاً وأناب؛ لأنه لم يسمع قول الخصم الآخر بل حكم للخصم الأول دون سماع ما عند الخصم الآخر.

الشاهد: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لـحاطب : (يا حاطب !! ما حملك على ما صنعت؟ قال حاطب رضي الله عنه: والله يا رسول الله!! ما كفرت بالله، بل أنا رجل مؤمن أحب الله وأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكني يا رسول الله!! نظرت إلى نفسي وإلى أصحابك، فرأيت أصحابك يا رسول الله كل منهم له قريب في مكة، يدفع الله بهذا القريب عن أهله وماله الذي تركه بمكة، وأنا ليس لي أقارب في مكة يا رسول الله، فأردت أن أصنع معروفـاً وجميلاً في المشركين حتى يحافظوا على أهلي وأموالي بمكة.

وهذا من إيمانه رضوان الله عليه: فقد وكل الأمر إلى الله فقال: يدفع الله بها عن أهلي ومالي يا رسول الله، فكل أصحابك له أهل يدفع الله بهم عنه.

فانفعل عمر أيضاً وقال: دعني أضرب عنق هذا الرجل يا رسول الله، منافق خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين، فقال عليه الصلاة والسلام: إنه قد صدقكم، فلا تقولوا له إلا خيراً، وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: يا أهل بدر اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم)، وكان عمر رضي الله عنه يعرف قدر نفسه فبكى عمر ودمعت عيناه وقال: الله ورسوله أعلم.

إذاً: الرجل زلت قدمه زلة خطيرة لكن له سابقة خير، فقد شهد بدر فلا تذهب السيئة بعموم الحسنات، فلابد من تذكر أفعال البر التي عملها من وقع في خطأ، فلا تدفع أفعال البر نتيجة سيئة واحدة اقترفت وإن كانت كبيرة من الكبائر، فهي لا تنـزع عن المسلم لباس الأخوة الإيمانية.

ومثلاً: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات كبيرة من أكبر الكبائر:

أن تأتي إلى امرأة غافلة مؤمنة محصنة عفيفة، فتقول: فلانة زنت. كبيرة من أكبر الكبائر، فكيف إذا تعدت هذه الكبيرة إلى قذف امرأة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ويقول القائل: عائشة فعلت كذا وكذا وكذا مع فلان، فهي كبيرة ضم إلى كونها كبيرة أنها طعن في عرض رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ومع هذا كله نزل تكذيب هذا القائل ليس من عندي ولا من عندك بل تكذيبه من الله، ومع ذلك كله أيضاً يقول الله لـأبي بكر : وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا [النور:22] فعند وزن الناس بأعمالهم عليك أن تزن بميزان عدل وميزان قسط، فلا تزن بميزان جور وميزان هوى والعياذ بالله.

عليك أن تدرك هذه المفاهيم جيداً ولا تكن أبداً يوماً عوناً للشيطان على إخوانك، فإن غلب الشيطان أخاك ثم جاء تائباً فافتح له صدرك لتقبل منه العذر. ما حديث شارب الخمر بخفي عنكم: رجل يجلد لشرب الخمر ثم يذهب ويؤتى به ويجلد مراراً، حتى قال بعض الصحابة: (لعنك الله ما أكثر ما يؤتى بك، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم، إنه والله ما علمته إلا يحب الله ورسوله).

إذاً: قد يذنب الشخص، لكن هذا الذنب لا ينـزع عنه حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء أخوك معتذراً فلا تسد أبواب الاعتذار أمامه بل افتح له الباب، وقل له: يا أخي كلنا نذنب. غفر الله لي ولك، ستر الله عليّ وستر الله عليك، ووفقني الله وإياك، واستر عليه وساعده، واقبل منه الاعتذار حتى يصلح حاله، أما أن تغلق في وجهه الأبواب فما عساه أن يجني من وراء موقفك هذا، إلا أن يشرد عنك بل ويشرد عن الدين.

إذاً: إذا وجدت في مسلم من المسلمين خطأ وفيه مناقب فعليك أن تثني عليه بما تعلم من المناقب التي فيه، ثم تذكِّره عرضاً بالخطأ، وهذه طريقة مضطردة في كتاب الله، الله سبحانه وتعالى، فقد ذكّر نبيه داود صلى الله عليه وسلم فقال: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ [الأنبياء:78-79] يعني: الولد وحتى يحفظ عرض داود أيضاً قال تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:79] يعني: داود عنده فهم أيضاً فلا تظن غير ذلك. لذلك قال: وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء:79].

وقال الله سبحانه أيضاً في شأن يعقوب لما قال لبنيه: وَقَالَ يَا بَنِيَ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [يوسف:67] إلى قوله: وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ [يوسف:68] ولكنه بين السبب فقال: إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا [يوسف:68] وحتى لا يأتي شخص ويقول يعقوب لا يفهم قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:68].

فإذا أردت أن تنتقد فانتقد وأظهر المحاسن التي في أخيك المسلم، كأن تقول لمن بدرت منه بادرة سيئة: أنت مخك نظيف وعقلك ناضج، لكن هذه فلتة فلتت منك فارجع إلى نظافة العقل، وآرائك السديدة التي نسمعها منك دائماً. إذاً: لا تجعل الخطأ يأتي على كل المحاسن، فهذا نوع من أنواع الظلم -والعياذ بالله- بل افتح للناس باب التوبة وباب الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وسهله عليهم، وعرّف الناس بربهم وخالقهم وعلمهم أن الله رحيم حليم يغفر الذنوب جميعاً.

معرفة أنه لا عصمة لأحد بعد النبي عليه الصلاة والسلام

ومنها: معرفة أنه لا معصوم بعد النبي عليه الصلاة والسلام: ولتعلم أيضاً أن الناس بشر يعتريهم ما يعتري البشر، أبوهم آدم أكملهم عقلاً كما في الحديث جحد فمن ثَم جحدت ذريته، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أبوهم آدم أشدهم حلماً نسي فنسيت ذريته). عصا فعصت ذريته، وهو من أكمل الخلق وأعقل الخلق وأحلم الخلق صلى الله عليه وسلم، فبنوه كذلك تصدر منهم هذه الأخطاء، فأحياناً يصدر منهم حب للنفس، فيغفر لهم في خضم فضائلهم، وفي ذلك قصص أخرجها البخاري وغيره:

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ) وكان سعد بن معاذ سيداً للأوس وكان سعد بن عبادة سيداً للخزرج، وكان بين الحيين في الجاهلية ضغائن وحروب طاحنة. قال جابر مع أن جابر من الخزرج وسعد بن معاذ من الأوس، وكان الحيان يفتخران، حتى قال بعضهم: منا من حمته الدبر -يعني: النحل حمته من المشركين أن يقطعوا منه شيئاً- ومنا من اهتز له العرش.

الشاهد: قول جابر وهو من الخزرج: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ . فقيل لـجابر : إن البراء يقول: إن الذي اهتز إنما هو السرير، يريد أن يؤول العرش بالسرير؛ لأن العرش يطلق عليه سرير، نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا [النمل:41] العرش: هو سرير الملك.

فهم هكذا رضي الله تعالى عنه، وقد يكون سمع الحديث لكن أحياناً كما يقول القائل:

وعين الرضا عن كل عيب كليلةكما أن عين السخط تبدي المساويا

فعندما يكون بينك وبين شخص عداوة فإنك تراه بمنظار آخر، يأتيك أبيض فتحسبه أسود، يأتيك مبتسماً فتقول: جاء يشتم ويسب.

فالشاهد: أن قائلاً قال لـجابر : إن البراء يقول: اهتز السرير. فقال جابر : لا قد اهتز العرش إنما كان بين هذين الحيين ضغائن.

أي: كان بين الأوس والخزرج ضغائن ففسر العرش بالسرير.

فالشاهد: أن البراء بشر التبس عليه الأمر، وجاء في الرواية: إن البراء يقول: إن ثبت عنه فهو من البشر يجري عليه ما يجري على البشر.

أيضاً: أمنا عائشة لما رأت مدى حب الرسول صلى الله عليه وسلم لـخديجة ، وقد كان عليه الصلاة والسلام وفياً غاية الوفاء لـخديجة ، وكان يحبها حتى بعد موتها، وإذا جاءت أختها هالة تستأذن ذكرته نبرات صوتها بـخديجة رضي الله عنها، فيرتاع لها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: (اللهم هالة)، وكانت عائشة رضي الله عنها تغار من اهتمام الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه الزوجة، وإن كان قد ماتت، وعائشة لا تعرفها أصلاً بل إن فاطمة بنت الرسول بنت خديجة أكبر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهن أجمعين، فـعائشة تسمع رسول الله يقول: (اللهم هالة) قالت: (والله يا رسول الله ما غرت من امرأة قط كما غرت من خديجة ، وإن كنت لم أرها)، لكثرة ما سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرها.

حتى قالت: يا رسول الله! ما تذكر امرأة عجوز، ماتت في غابر الزمان قد أبدلك الله خير منها، فيقول عليه الصلاة والسلام: (إني رزقت حبها).

عائشة ما رأتها ومع ذلك طعنت فيها بدون أن تراها رضي الله تعالى عنها، فأحياناً يعتري البشر في حب للنفس والانتصار لها ما يعتريهم.

وكما حدث مع الرسول عندما قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة لـحفصة : قولي له أبو بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك فلم يسمع الناس من البكاء، ولكن مر عمر فقال عليه الصلاة والسلام: (إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس).

والشاهد: أن عائشة تقول عن نفسها: (والله ما كنت أبداً أريد ألا يؤم أبو بكر بالناس إلا لشيء، إني خشيت إذا وقف أبو بكر مكان رسول الله أن يتشاءم الناس بـأبي بكر لكونه جاء بعد الرسول).

فحاصل كلامها: أردت أن ألحق هذا التشاؤم بـعمر لا بأبي؛ فأرادت عائشة أن تدفع هذا كله عن أبيها وتلصقه بـعمر .

وفي حادثة الإفك قال عليه الصلاة والسلام: (من يعذرني من رجل بلغني أنه قال في أهلي، والله ما علمت عن أهلي إلا خيراً فـسعد بن معاذ قام فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من عندنا من الأوس قتلناه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا فقتلناه، فقام سعد بن عبادة وقال: والله لا تقتله ولا تقدر على ذلك، وإن كان من قبيلتك لم تحب أن يقتل، فيقوم أسيد بن حضير ويقول: والله لنقتلنه، إنك منافق، تجادل عن المنافقين)، فهذه هفوات تغتفر للبشر.

- واقعة أخرى في هذا الصدد: كان هناك رجل يقال له: أبو السنابل بن بعكك صحابي من أصحاب رسول الله، وكان رضي الله عنه قد تقدم لخطبة امرأة يقال لها سبيعة الأسلمية بعد أن مات زوجها، فأبت أن تتزوجه، وكانت سبيعة امرأة تتجمل للخطاب، قد اكتحلت واختضبت وتجملت للخطاب، لما رآها أبو السنابل متجملة وقد ردته قال: (ما لي أراك تجملت للخطاب؟ والله لا تحلين لأحد حتى يبلغ الكتاب أجلَه)، أي: حتى تنقضي أربعة أشهر وعشراً، وهذه عدة المتوفى عنها زوجها، وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] وسبيعة عدتها عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل، فقال هذه الكلمة وهو الذي لم يلبث أن خطبها، (فحملت عليها ثيابها وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أبا السنابل يقول: كذا وكذا يا رسول الله، قال: قد حللت حين وضعت، فاصنعي ما بدا لكِ) أي: بمجرد الوضع قد حللت للخطاب فتزوجي إن شئت.

وهذا الحديث هو عمدة العلماء القائلين: بأن أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، حتى المتوفى عنها زوجها، وليس في المطلقات فحسب؛ لأن سبيعة كانت قد توفي عنها زوجها.

فالحاصل: أنهم بشر يعتريهم ما يعتري البشر ويغفر لهم ما يغفر للبشر (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم).

أيضاً عليك أن تعلم القاعدة المضطردة في كتاب الله ( أن هناك فضل وهناك عدل ) ، فضل وعدل، تنـزيل ذلك أو استنباطه من الآيات إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90]، فالعدل جزاء السيئة بالسيئة، والإحسان العفو، وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ [المائدة:45] كله عدل، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ [المائدة:45] فضل وعفو، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40] عدل، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ [الشورى:40] عفو، ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ [الحج:60] عدل إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [الحج:60] عفو وفضل.

هناك عدل وهناك فضل، فيجوز لك أن تأخذ بالعدل، ويجوز لك أن تأخذ بالفضل، فليس معنى أني جئته في وقت من الأوقات فلم أعف. وطلبت بحقي أني ظالم.

وفي صحيح البخاري أيضاً (أن الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمع عليه أهله في مرضه، فأرادوا أن يضعوا له اللد في فمه -دواء مر، يوضع في الفم رغم الأنف، فيفتح الفم بقوة ويصب فيه الدواء- فأشار إليهم الرسول ألا تفعلوا، فما التفتوا إلى إشارة الرسول بل قالوا: ما من مريض إلا وهو يكره الدواء- فوضعوا للرسول الدواء في فمه رغماً عنه).

الشاهد: أنه لما أفاق قال: (لا يبقين أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر). يعني: كل واحد في البيت كان يشاهد الموقف لابد أن يوضع اللدود في فمه أمام عيني، عليه الصلاة والسلام.

وقال: (إلا العباس فإنه لم يشهدكم) فالرسول أراد أن يعاقب حتى لا تصبح الأمور دوماً مفتوحة لمن أراد أن يخالف، أو من أراد أن يظلم أو أي شيء من هذا الباب، وهذا تزكية لأمته صلى الله عليه وسلم، فليس معنى كونه أخذ بالعدل أنه ظلم صلى الله عليه وسلم.

الملاطفة وجبر الخاطر

ومنها: الملاطفة في القول وجبر الخاطر: يوجد في شرعنا في تعاملنا مع الناس لكسب قلوبهم ما يسمى بجبر الخاطر، له أدلة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أدلتها من الكتاب: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [البقرة:241] فجبر خاطر المطلقة بالمتعة.

وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:8] يعني: الفقراء المساكين إذا حضروا تقسيم التركة فلا بأس أن يجبر خاطرهم بشيء من المال.

ومن العلماء من قال: إن خاطر إبراهيم صلى الله عليه وسلم جبر لما لم يؤمن به إلا القليل، فجبر الله خاطره بأن جعل كل الأنبياء الذين جاؤوا من بعده من ذريته عليه السلام، وَجَعَلَهَا [الزخرف:28] أي: كلمة التوحيد كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:28].

وجبر خاطر الصديق يوسف صلى الله عليه وسلم لما سجن واتهم بأن جعله عزيزاً على مصر، فجاء إخوته يقولون كما قال الله: فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ [يوسف:88].

فاجبر خاطر الناس ولو بكلمة طيبة، فهي في بعض الأحيان تقوم في مقام جبر الخاطر أفضل من آلاف الجنيهات، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قسم الغنائم، أعطى قوماً ضعفاء الإيمان وأكرمهم عليه الصلاة والسلام غاية الكرم، ومنهم عيينة بن حصن أعطاه مائة من الإبل الأقرع بن حابس مائة من الإبل غيرهم وغيرهم من المنافقين أو ضعاف الإيمان، وممن أكرمهم: رجل اسمه عمرو بن تغلب كان جالساً ولم يأخذ من الغنيمة إلا الشيء اليسير جداً إن ذكر، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (والله إني أعطي قوماً وغيرهم أحب إلي منهم، أعطي قوماً وأكل قوماً إلى ما في قلوبهم من إيمان منهم عمرو بن تغلب ، فكان عمرو يقول: والله هذه الكلمة لي من رسول الله أحب إليّ من حمر النعم) يعني: إذا أعطي عمرو بن تغلب مليون جمل لا تعدل عنده هذه الشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالكلمة الطيبة تجبر الخاطر، أفضل من كثير من المال، ومن ثم قال تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة:263].

وهذه فضيلة باقية لـعمرو بن تغلب إلى يوم القيامة، ندارسها نحن وحديثها في البخاري ويدارسها من بعدنا إلى يوم القيامة، وهي شهادة من رسول الله لـعمرو بن تغلب رضي الله تعالى عنه، فالكلمة الطيبة صدقة كما الرسول صلى الله عليه وسلم، وتؤتي أكلها في الناس بإذن الله، ولكن المهتدي إليها من هداه الله، والله يقول: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج:24] فسل الله أن يهديك لهذه الكلمات الطيبة.

يقول الله عز وجل: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10] أي: العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، تتكلم بكلام طيب وتتبعه بعمل صالح العمل الصالح يرفع الكلم الطيب إلى الله سبحانه وتعالى، والله يقول: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [إبراهيم:24-25] وإن كان أكثر العلماء على تفسير الكلمة الطيبة بلا إله إلا الله. تخرج من اللسان، أصلها ثابت في القلب، وفرعها في السماء، تصعد ثمرتها إلى السماء وتتقبل، وتفتح لها أبواب السماء، لكن مع هذا القول بأنها لا إله إلا الله لا مانع من دخول غيرها معها، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (الكلمة الطيبة صدقة) والآية عامة أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إبراهيم:24] فلا إله إلا الله أفضل كلمة، ويلتحق بها عموم الكلم الطيب وإن كان دونها في الفضل.

هذه بعض الملاحظات التي نريد أن ننبه عليها، والباب واسع، ولكن كلل أعمالك برحمة العباد والعفو عن الناس.

وتحضرنا واقعة وإن لم يكن إسنادها صحيح ولكن نأخذ منها العبرة: ذكر عدد من المفسرين في تفسير قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] أن رجلاً من التابعين كان عنده أضياف فأتته جاريته بمرق حار فمن ربكتها سقط منها المرق على الأرض فتغيض عليها سيدها، وقام ليلطمها. فقالت: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران:134] فسكت، فخشيت بعد ذلك أن يضربها فقالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134] حتى تأخذ منه وعداً أنه لا يضربها فيما بعد، فقال: قد عفوت عنك. فقالت: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134] قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله، وهكذا كان الناس وقافين عند كتاب الله سبحانه وتعالى.

ومن هذه القصة نأخذ: فضل الفقه الذي كان سبب نجاة وعتق هذه الأمة رضي الله عنها وعن سيدها.

فجدير بنا معشر الإخوة أن نتخلق بخلق رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن نتبع سنته وأثره.

طيبة النفس في الأخذ والعطاء

ومنها: ألا تأخذ شيئاً من أخيك عن غير طيب نفس منه، فلا يبارك لك فيه:

أخرج البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: (أتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله) أي: نطلب منه أن يحملنا للجهاد على إبل الصدقة أو على خيل نجاهد عليها في سبيل الله، وهو في معنى قوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ [التوبة:92].

الشاهد: (أتينا إلى رسول الله نستحمله فقال: والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه، فانطلقنا، فأتي إلى رسول الله بخيل فدعانا وأعطانا خيولاً أو إبلاً نركب عليها للقتال فانصرفنا، فقلنا في طريقنا: استغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه) يعني: أخذنا من الرسول الخيل وكان قد أقسم أنه لا يبارك لنا في هذه الخيل فقالوا: (نرجع إلى رسول الله).

الشاهد: أن الصحابة تورعوا عن أن يكونوا قد أخذوا شيئاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم على حين غفلة، أو على حين غرة، فكذلك لا تفعل مع إخوانك، فلا تستغفل أخاك حتى تأخذ منه حقاً ليس لك، أو شيئاً بغير طيب نفس منه.

(فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنك أقسمت ألا تحملنا ثم حملتنا. فقال عليه الصلاة والسلام: إني والله ما حملتكم والله حملكم، وإني والله لا أحلف يميناً فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير).

فحينئذٍ تأكدوا أنهم لم يستغفلوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكل هذا رجاء أن يبارك لهم في هذا العطاء، ولذلك نجد أن من أخذ شيئاً من أخيه بنفس غير طيبة، أو عن شك أو ريبة في طيبة نفسه بذلك الشيء، نجده في قلق دائم، ولا يبارك له في هذا الشيء والمقدر سيكون، ولا يظن أحدنا أن ملازمة الورع تنقص الرزق، فهذا خطأ بين، فلا يحمل أحدنا استبطاء الرزق على أن يستغفل الناس أو أن ينال الزرق بمعصية الله سبحانه.

والحقيقة أيها الأحبة! أن الموضوع طويل ولكن نكتفي بهذا القدر، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه التعامل بين المسلمين [2] للشيخ : مصطفى العدوي

https://audio.islamweb.net