إسلام ويب

خلق الله الخلق وابتلاهم لينظر كيف يعملون، وجعل الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات، فمن راقب الله في سره وعلنه وتذكر نظر الله إليه عند المعصية فاجتنبها فاز برضاه، وإلا فيا خسارته وبواره!

مراقبة الله

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد..

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة بالنار.

معاشر الأحبة!

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا وأنت وأنت في ليلة أذكرها بعنوان: ( الذي يراك حين تقوم ).

وأي عنوان أحلى وأجمل من هذا؟ أي أسطر أجمل من تلك التي تتكلم عن الله وعن عظمته وبره ورحمته.

لن أذكر للعنوان عناصراً، بل سأدع العناصر يسوق بعضها بعضاً حتى الختام.

فهيا ننطلق!

الدافع للموضوع: ما نراه من كثرة الفواحش والمنكرات، ما نلمسه من ضعف الوازع عن المحرمات، وما تأتي به الأخبار عن ضعف التربية، وقلة المراقبة في الخلوات هذا يتساهل في النظر، وذاك يمارس عادات، وآخر يأكل الربا وغيره يتمايل مع الغناء.

أحبتي!

كثير من الناس وجودهم كالعدم، لم يتأملوا دلائل الوحدانية، ولم يقفوا عند أوامر الله ونواهيه، هم كالأنعام بل هم أضل، إن وافق الشرع مرادهم قبلوه وإن لم يوافق تركوه، إن حصلوا على الدرهم والدينار رضوا وأخذوه، ولم يبالوا من حلال أم من حرام كسبوه، إن سهلت عليهم الصلاة فعلوها، وإن لم تسهل تركوها.

أحبتي!

من تفكر في العواقب أخذ الحذر! ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر!

تمضي السنون وتنقضي الأيام

والناس تلهو والأنام نيام

والناس تسعى للحياة بغفلة

لم يذكروا القرآن والإسلام

والمال أصبح جمعه كتهجد

وتمتع الشهوات صار قيام

قد زين الشيطان كل رذيلة

والناس تفعل ما تريد حرام

يا نفس يكفي فالذنوب كثيرة

إن الغرور يسبب الإجرام

هل تعلم اليوم المحدد وقته

الله يعلم وحده العلام

ماذا تقول إذا حملت جنازة

ودفنت بالقبر الشديد ظلام

هذا السؤال فهل علمت جوابه

ماذا تجيب إذا نطقت كلام

من ذا نصيرك إن روحك غرغرت

جاء المفرط كي يقول ختام

اليوم تفعل ما تشاء وتشتهي

وغداً تموت وترفع الأقلام

يروى أن عيسى بن مريم عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: لا أحصيهم! قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت:بل كلهم قتلت! فقال عيسى عليه السلام: بؤساً لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين؟.

اعلم رعاك الله! واسمعي بارك الله فيك!

لا يقطع الطريق إلا بالصبر والتسلية كما قيل، فإن تشكت فعللها المجرة من ضوء الصباح وعدها بالرواح ضحى.

حكي عن بشر الحافي أنه سار ومعه رجل في طريق طويل فعطش صاحبه فقال له: نشرب من هذه البئر، فقال بشر : اصبر إلى البئر الأخرى, فلما وصلا إليها قال له: اصبر إلى البئر الأخرى، فما زال يعلله ويصبره ثم قال:

هكذا تنقطع الدنيا، بالصبر والتصبير.

فدرب النفس على هذا الأصل وتلطف بها وعدها الجميل لتصبر على ما قد حملت.

كان بعض السلف يقول لنفسه: والله ما أريد بمنعك هذا الذي تحبين إلا من الإشفاق عليك.

وقال أبو يزيد : ما زلت أسوق نفسي إلى الله تعالى وهي تبكي حتى سقتها وهي تضحك.

يعني أكرهتها على العمل حتى استقامت ورضيت.

فمن هجر اللذات نال على المنى

ومن عشق اللذات عض على اليد

ففي قمع أهواء النفوس اعتزازها

وفي نيلها ما تشتهي ذل سرمد

آية ومعنى

آية ومعنى:

قال سبحانه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:217-220].

قال السعدي رحمه الله: وأعظم مساعد للعبد على القيام بما أمر به الاعتماد على ربه، والاستعانة بمولاه على توفيقه للقيام بالمأمور، فذلك أمر الله تعالى بالتوكل عليه فقال: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [الشعراء:217].

والتوكل: هو اعتماد القلب على الله تعالى في جلب المنافع ودفع المضار، مع ثقته بالله وحسن ظنه بحصول مطلوبه، فإنه عزيز رحيم بعزته يقدر على إيصال الخير ودفع الشر عن عبده وأمته، وكل ذلك برحمته.

ثم نبهه عند فعل الأوامر وترك النواهي باستحضار قرب الله والنزول في منزل الإحسان فقال: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، أي يراك في هذه العبادة العظيمة التي هي الصلاة، يراك وقت قيامك وتقلبك راكعاً ساجداً، خصها بالذكر -يعني الصلاة- لفضلها وشرفها، ولا بد من استحضار القلب حين فعلها، لأنه من استحضر فيها قرب ربه خشع وذل وأكملها، وبتكميلها يكمل سائر عمله ويستعين بها على جميع أموره.

ثم قال: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الشعراء:22 ] أي: السميع لسائر الأصوات على اختلاف تشتتها وتنوعها، والعليم الذي أحاط بالظواهر والبواطن والغيب والشهادة.

فاستحضار العبد رؤية الله له في جميع أحواله وسمعه لكل ما ينطق به وعلمه بما ينطوي عليه قلبه من الهم والعزم والنيات يعينه على بلوغ منزلة الإحسان.

معنى الإحسان والمراقبة

فما هو الإحسان؟

الإحسان جاء في الحديث الصحيح عند مسلم في حديث وصف الإسلام والإيمان لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحسان قال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

نعم يراك ويعلم سرك ونجواك، في الصحراء يراك، في الجو أو في السماء يراك، إن كنت وحيداً رآك، أو كنت في جمع رآك، يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد:4].

معنى الإحسان: استحضار عظمة الله ومراقبته في كل حال.

فما هي المراقبة؟

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين من منازل إياك نعبد وإياك نستعين: المراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامته لهذا العلم واليقين بذلك هي المراقبة، وهي ثمرة علمه بأن الله سبحانه رقيب عليه ناظر إليه سامع لقوله مطلع على عمله، ومن راقب الله في خواطره عصمه الله في حركات جوارحه.

قال أحدهم: والله إني لأستحي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه.

قال ذو النون: علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظم الله، وتصغير ما صغر الله.

وقال إبراهيم الخواص : المراقبة: خلوص السر والعلن لله جل في علاه، من علم أن الله يراه حيث كان، وأن الله مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلوته أوجب له ذلك العلم واليقين.

كان بعض السلف يقول لأصحابه: زهدنا الله وإياكم في الحرام زهد من قدر عليه في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته جل في علاه. أو كما قال.

وقال الشافعي : أعز الأشياء ثلاثة:

الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف.

وقالوا: أعظم العبادات مراقبة الله في سائر الأوقات.

قال ابن القيم : والمراقبة: هي التعبد بأسمائه الرقيب, الحفيظ, العليم, السميع, البصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.

أسماء الله الحسنى وأثرها على من استحضرها

فهيا معاً أحبتي ننظر في معاني هذه الأسماء وآثارها.

من آثار هذه المعاني والصفات:

اعلم بارك الله فيك واعلمي رعاك الله! أن أسماء الله الحسنى هي التي أثبتها الله تعالى لنفسه وأثبتها له عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآمن بها جميع المؤمنين قال تعالى:

وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180]، وقال: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الإسراء:110]، وقال: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8].

وجاء في الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)، ومعنى أحصاها: حفظها وعدها واستوفاها وعمل بمقتضاها.

فكما أن القرآن لا ينفع حفظ ألفاظه دون العمل به كذلك أسماء الله وصفاته، ولا بد أن نعلم أن أسماء الله ليست بمنحصرة في التسعة والتسعين المذكورة في حديث أبي هريرة ولا فيما استخرجه العلماء من القرآن، ولا فيما علمته الرسل والملائكة وجميع المخلوقين، لحديث ابن مسعود عند أحمد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أصاب أحداً همّ ولا حزن فقال: اللهم أنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، من قالها أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً، فقيل: يا رسول الله! أفلا نتعلمها؟ فقال: بلى. ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها).

فتعلموها وعلموها رعاكم الله.

واعلم واعلمي أن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترناً بمقابله، فإذا أطلق وحده أوهم نقصاً تعالى الله عن ذلك، فمنها المعطي المانع والضار النافع والقابض الباسط والمعز المذل والخافض الرافع، فلا تطلق على انفرادها بل لا بد من ازدواجها بمقابلها إذ لم تذكر في القرآن والسنة إلا كذلك.

ومن ذلك: ( المنتقم ) لم يأت في القرآن إلا مضافاً إلى: ( ذي ) كقوله: ( عزيز ذو انتقام ) أو مقيداً بالمجرمين كقوله: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22].

ومما يجب علمه أيضاً أنه ورد في القرآن أفعال أطلقها الله عز وجل على نفسه على سبيل الجزاء والعدل والمقابلة، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال في ذات الله عز وجل؛ لكن لا يجوز أن يشتق له تعالى اسم منها ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات، كقوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142]، وقوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران:54]، وقوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67]، وقوله: وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة:14-15].

فلا يطلق على الله تعالى أنه مخادع ولا ماكر ولا ناس ولا مستهزئ ونحو ذلك، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ولا يقال: الله يستهزئ ويخادع ويمكر وينسى على سبيل الإطلاق، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ ولكن هذا فعله بالمخادعين ومكره بالماكرين واستهزاؤه بالمستهزئين ونسيانه للذين نسوه.

وهي في هذا السياق مدح وكمال.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وفي كتاب الله من ذكر أسمائه وصفاته أكثر من ذكر آيات الجنة والنار، وإن الآيات المتضمنة لأسمائه ولصفاته أعظم قدراً من آيات المعاد.

استشعار اسم الله تعالى الرقيب

المواضع في القرآن التي ورد فيها ذكر اسم الله: (الرقيب)

من أسمائه جل في علاه: الرقيب، ورد هذا الاسم في القرآن ثلاث مرات في سورة المائدة في قوله تعالى مخاطباً عيسى عليه السلام يوم القيامة في مشهد عظيم وموقف جسيم وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:116-118].

فمن هم الناجون في ذلك اليوم؟ اسمعوا رعاكم الله!

قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119]، لن ينجو إلا أهل الصدق والإخلاص لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:119-120].

وجاء ذكر الرقيب في قوله تعالى في آية من سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ، قال ابن جرير في قوله: ( إن الله كان عليكم رقيباً ) يعني: إن الله لم يزل عليكم رقيباً حفيظاً، محصياًً عليكم أعمالكم ومتفقداً أحوالكم.

وجاء ذكر الرقيب في سورة الأحزاب في قوله جل في علاه: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:52]، قال الزجاج : الرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وقال الحليمي: الرقيب هو الذي لا يغفل عما خلق.

وفي نونية ابن القيم :

هو الرقيب على الخواطر واللوا حظ كيف بالأفعال والأركان

قال السعدي : الرقيب: المطلع على ما أكنته الصدور القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير، فهو سبحانه رقيب على الأشياء بعلمه الذي وسع كل شيء رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا [غافر:7].

وهو رقيب على الأشياء ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، وهو رقيب على الأشياء بسمعه المدرك لكل حركة وكلام.

فأين أثر هذا في حياتنا؟ إنه يسمع ويرى ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فأين أثر هذا في تصرفاتنا, في معاملاتنا, في عباداتنا؟

قصة إسلام عمير بن وهب بعد علمه أنه الله مطلع عليه

جاء في السير: بعد معركة بدر وبعد أن عادت قريش تجر أذيال الهزيمة وبعد أن تلقت درساً من معسكر الإيمان قعد صفوان بن أمية وعمير بن وهب في الحجر، فأخذا يتذاكران أصحاب القليب، وكان صفوان بن أمية قد قتل أبوه وأخوه يوم بدر.

فقال عمير لـصفوان: لولا صبية صغار لا أحد يرعاهم بعدي وديون ركبتني لذهبت إلى المدينة وقتلت محمداً، فقال صفوان: دينك علي وأنا أرعى صغارك على أن تقتل محمداً.

فاتفقا ولا ثالث معهما إلا الله الذي يعلم السر وأخفى، وصل عمير إلى المدينة متظاهراً بأنه جاء لدفع الفداء عن ابنه وهب الذي كان أسيراً عند المسلمين.

فرآه عمر رضي الله عنه فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد وقال: يا رسول الله! هذا عدو الله عمير جاء متوشحاً سيفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أدخلوه علي، فجاء به عمر وقد أخذ بتلابيبه فأوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: أرسله يا عمر ! ثم قال: ادن يا عمير ! فدنا ثم قال: أنعم صباحاً يا محمد! وكانت هذه تحية الجاهلية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير أكرمنا بالسلام تحية أهل الجنة تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب:44].

ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك يا عمير ؟ فقال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئاً يوم بدر؟! قال: اصدقني يا عمير ! ما الذي جئت من أجله؟ قال: ما جئت إلا لذاك.

قال: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب، ثم قلت أنت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً. فتحمل لك صفوان بن أمية بالدين ورعاية العيال على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك، فقال عمير : أشهد أنك رسول الله، قد كنا يا رسول الله! نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما يتنزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، والله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله! فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا أسيره.

الله أكبر ولا إله إلا الله، تدبر في قوله جل ّفي علاه:

يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء:108].

أين أثر هذه الآيات في حياتنا؟!

بل أين أثر قوله جل في علاه: وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة:235].

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل

خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

ولا أن ما يخفى عليه يغيب

ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب

وأن غداً للناظرين قريب

قال ابن كثير : إن عميراً هذا بعد أن هداه الله للإسلام استأذن الرسول صلى الله عليه وسلم في العودة إلى مكة ليكون داعيةً إلى الإسلام فقال: يا رسول الله! إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام لعل الله أن يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم.

فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة، وكان صفوان ينتظر وصوله بين آونة وأخرى، فكان يسأل عنه الركبان حتى قدم راكب قبل عمير فأخبر صفوان عن إسلامه، فغضب غضباً شديداً وحلف ألا يكلمه أبداً ولا ينفعه نفعاً أبداً.

قال ابن إسحاق : فلما قدم عمير مكة وكان شجاعاً مهيباً جاهر أهل مكة بإسلامه ولم يجرءوا على التعرض له، وأخذ يدعو إلى الإسلام.

أسألك بالله من أين أتت الشجاعة؟

لما دخل موسى وهارون على فرعون قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا َخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:45-46].

فأخذ عمير يدعو إلى الإسلام ويؤذي من خالفه أذىً شديداً، فأسلم على يديه خلق كثير.

لكن قل لي وقولي لي: كيف أسلم عمير ؟! أسلم يوم استشعر عظمة الله ورقابة الله وإحاطة الله بكل شيء.

فهلا استشعرنا ذلك واستشعرنا قوله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59].

لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5].

استشعار اسم الله تعالى : الحفيظ

مفهوم اسم الله: (الحفيظ)

ومن أسمائه جل في علاه: الحفيظ.

وهو الذي حفظ خلقه وأحاط علمه بما أوجده، وحفظ أولياءه من وقوعهم في الذنوب والهلكات، ولطف بهم في الحركات والسكنات، وأحصى على العباد أعمالهم وجزاؤها.

هل تعرف معنى: ( احفظ الله يحفظك ) معناها: احفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، وحفظ ذلك هو الوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا نتجاوزها.

المعنى: فعل الواجبات جميعاً وترك المحرمات جميعاً.

وقد مدح الله عباده الذين يحفظون حدوده، فقال في معرض بيانه لصفات المؤمنين الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112].

نعم! بشرهم إذا حفظوا أوامره وحدوده، حفظهم في دينهم ودنياهم وفي أولاهم وأخراهم.

التوحيد أعظم ما يجب حفظه

ومن أعظم ما يجب على العباد حفظه من حقوق الله هو التوحيد، وهو أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً،

روى البخاري من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معاذ بن جبل

قال: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: هل تدري ما حق الله على العباد؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم!

قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً.

ثم سار ساعة ثم قال:يا معاذ بن جبل!

قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك! قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم! قال: ألا يعذبهم).

فهذا هو حق العظيم الذي أمر الله سبحانه عباده أن يحفظوه ويراعوه، ومن أجل حفظه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب وكان الله رقيباً على الجميع لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن:28].

فمن حفظ توحيده في الدنيا حفظه الله تعالى من عذابه يوم القيامة وسلمه وأمنه، وكان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ويجيره من النار، وإن عذب بسبب ذنوبه إن لم يتب منها فإنه أيضاًً محفوظ بتوحيده من الخلود في النار مع الكفار الذين ضيعوا هذا الحق العظيم .

الصلاة من أعظم ما أمر الله بحفظه

ومن أعظم ما أمر الله بحفظه من الواجبات: الصلاة، وما أدراك ما الصلاة؟ قال سبحانه: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وقال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:9].

فمن حافظ على الصلوات وحفظ أركانها حفظه الله من نقمته وعذابه وكانت له نجاة يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة).

قال ابن القيم رحمه الله: والصلاة مجلبة للرزق, حافظة للصحة, دافعة للأذى, مطردة للأدواء مقوية للقلب, مبيضة للوجه، مفرحة للنفس, مذهبة للكسل, منشطة للجوارح, ممدة للقوة, شارحة للصدر, مغذية للروح, منورة للقلب, حافظة للنعمة, دافعة للنقمة، جالبة للبركة, مبعدة من الشيطان, مقربة من الرحمن.

وللصلاة تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب وقواهما ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منهما أقل وعاقبته أسلم.

وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، لا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة ولا استجلبت مصالحها بمثل الصلاة.

وسر ذلك: أن الصلاة صلة بالله عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بربه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها وتقطع عنه من الشرور أسبابها، تأمل في قوله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: (يا ابن آدم اركع لي من أول النهار أربع ركعات أكفيك آخره).

ومن حفظ الله للمصلين أن صلاتهم تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، أما من ضيعها، فقد توعده الله بالهلاك والشر العظيم قال سبحانه: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59].

فكيف هي صلاتنا؟ هل حفظناها؟ هل راقبنا الله فيها؟ هل تدبرنا قوله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]؟

كم مرة تفوتك صلاة الجماعة؟ كم مرة تفوتك تكبيرة الإحرام؟ كم مرة تنام عن الصلاة المكتوبة؟

والله لن يستقيم لحال إلا إذا استقام العبد والأمة في أداء الصلاة.

حفظ السمع والبصر

ومما أمرنا بحفظه السمع والبصر والفؤاد، قال سبحانه: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].

فاحفظ سمعك فلا تسمع إلا ما يرضيه، واحفظ بصرك فلا تنظر إلا إلى ما يرضيه، واحفظ قلبك فلا يمتلئ إلا بما يحبه ويرضيه، واحفظ عقلك فلا تفكر إلا في طاعته ومراضيه.

حفظ الفروج

ومما أمرنا بحفظه الفروج، قال سبحانه: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30]، وقال سبحانه: وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31].

ومدح الله المؤمنين والمؤمنات بذلك فقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5].

حفظ الأيمان

ومما أمرنا بحفظه الأيمان، فقال سبحانه: وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] وقال: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، لأن حفظ اليمين يدل على إيمان المرء وورعه.

فكثير من الناس يتساهلون في الحلف والقسم، وقد تلزمه الكفارة وهو لا يدري، أو يعجز عنها فيقع في الإثم لتضييعه وعدم حفظه لأيمانه.

وبالجملة فالعبد مأمور بحفظ دينه أجمع، فلا يترك منه شيئاً لتعارضه مع هواه ومصلحته، بل هو مطيع لربه على أي حال وفي كل زمان ومكان، لأن ربه يراه ويسمع سره ونجواه وكلما كان وفاء العبد والأمة بحفظ حدود الله وشرائعه أعظم كان حفظ الله له ولها مثل ذلك، قال سبحانه: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وقال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152]، وقال: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

استشعار اسم الله تعالى: السميع

مفهوم اسم الله: (السميع)

ومن أسمائه سبحانه السميع: قال جل في علاه: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة:127]، أي تسمع وتجيب.

وقال عن نفسه: إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]، وقال عن نفسه: إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ [سبأ:50].

فهو السميع لأقوال عباده وحركات مخلوقاته، يسمع السر وأخفى، سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ * لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ * هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد:10-13]، فهو سميع ذو سمع بلا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل.

قصة المجادلة: ( خولة بنت ثعلبة )

جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها قالت:قال لي أنت علي كظهر أمي.

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما أراك إلا قد حرمت عليه).

تشتكي وترفع شكواها إلى الله قالت: يا رسول الله! إن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إلي جاعوا، وإن ضممتهم إليه ضاعوا فقال بأبي هو وأمي: (والله ما أراك إلا قد حرمت عليه).

قالت تجادل وتشتكي وترفع شكواها إلى الله: لقد أفنى شبابي وأفنى مالي، فيقول لها النبي صلى الله عليه وسلم: (والله ما أراك إلا قد حرمت عليه).

وما هي إلا لحظات حتى جاء جواب ربها يواسيها ويرفع عنها الظلم والعدوان: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ [المجادلة:1-2].

تقول عائشة : تبارك الله الذي وسع سمعه كل شيء، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وتجادله وأنا في ناحية البيت ما بيني وبينها إلا ستار، والله ما سمعت شيئاً من كلامها، وفي رواية: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات!

تأمل في قوله يوم ناداه زكريا نداءً خفياً، فسمع الصوت وأجاب الدعاء.

عند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكنا إذا علونا كبرنا فقال: أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا تدعون سميعاً بصيراً قريباً).

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]

سار عمر يوماً ومعه أبو عبيدة : فالتقته امرأة في الطريق فقالت: إيه يا عمر لقد كنت تسمي عميراً تصارع الفتيان في أسواق عكاظ، ثم ما لبثت أن سميت عمر، ثم ما لبثت حتى أصبحت أميراً للمؤمنين فاتق الله يا عمر ! واعلم أن الله سائلك عن الرعية كيف رعيتها.

فبكى عمر بكاءً شديداً، فلام أبو عبيدة المرأة على قسوتها على عمر فقال له عمر : دعها يا أبا عبيدة فهذه التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، فحري على عمر أن يسمع قولها.

سبحانه سميع لدعاء الخلق وألفاظهم عند تفرقهم وعند اجتماعهم، لا تختلف عليه اللهجات ولا اللغات، يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقول، وقد يعجز القائل عن التعبير عن مراده والله يعلم ذلك فيعطيه الذي في قلبه.

وجاء اسمه السميع مقترناً بغيره من الأسماء: ( سميع عليم )، ( سميع بصير )، ( سميع قريب )، وهي تدل على الإحاطة بالمخلوقات كلها وأن الله محيط بها لا يفوته شيء منها ولا يخفى عليه، بل الجميع تحت سمعه وبصره وعلمه، وفي ذلك تنبيه للعاقل وتذكير للغافل كي يراقب نفسه وما يصدر عنها من أقوال وأفعال، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

ومتى آمن الناس بذلك وتذكروه فإن أحوالهم تتغير من القبيح إلى الحسن ومن الشر إلى الخير وإذا تناسوا ذلك فسدت أخلاقهم وأعمالهم.

استشعار اسم الله تعالى: البصير

ومن أسمائه جل في علاه: البصير، أي: له بصر يرى به سبحانه.

ويعني كذلك أنه ذو البصيرة بالأشياء الخبير بها، يبصر كل شيء كبر أو صغر، يبصر ما تحت الأرض وما فوق السماء وما في أعماق البحار: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام:103].

لا تراه في الدنيا العيون ولا تخالطه الظنون ولا تغيره الحوادث والسنون، لا تواري عنه سماء سماءً ولا أرض أرضاً، ولا جبل ما في وعره ولا بحر ما في قعره، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].

هذه آثار وأخبار نعرفها تمام المعرفة لكن أين أثرها في حياتنا؟

سمع عمر ليلة عجوزاً تقول لبنيتها: امزجي اللبن بالماء، فقالت البنية: أما علمت يا جدة أن أمير لمؤمنين عمر نهى عن مزج اللبن بالماء، فقالت العجوز في لحظة غفلة: وأين عمر حتى يرانا؟ فقالت المؤمنة الموقنة بنظر الله: إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا.

قصة يعرفها الصغير والكبير، ولكن أين أثرها في حياتنا وفي معاملاتنا؟

وفي ليلة أخرى يتجول عمر فإذا بامرأة في ظلام الليل تردد هذه الأبيات:

تطاول هذا الليل واسود جانبه

وأرقني أن لا خليل ألاعبه

فوالله لولا الله لا شيء غيره

لحرك من هذا السرير جوانبه

ولكن تقوى الله عن ذا تصدني

وحفظاً لبعلي أن تنال مراكبه

الله أكبر! عظموا الله فراقبوه، واستحيوا منه فهابوه.

الله أكبر! عظم الأمر فعظمت الأوامر.

ومر ابن عمر على رويعي غنم في صحراء فقال له امتحاناً: بعنا من هذه الشياه! فقال: أنا مملوك ومؤتمن، فقال ابن عمر ممتحناً إيمانه: قل للمالك أكلها الذئب!

فقال رويعي الغنم الذي امتلأ قلبه خشية من الله: إن قلت للمالك أكلها لذئب فماذا أقول لله؟

ماذا يقول إذا نطقت الجوارح والأركان يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا َعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:24-25]، فبكى ابن عمر وأرسل إليه من يعتقه وقال له:كلمة أعتقتك في الدنيا أسأل الله أن تعتقك يوم أن تلقاه.

هذه أخبار كلنا يعرفها وسمعها مرات ومرات!

لكن أيها الغالي! أيتها الغالية! أين أثر هذا في حياتنا؟ أين أثر هذا في حياتنا؟!

ومن معاني البصير: أي الخبير بأحوالهم وأفعالهم يعلم من يستحق الهداية ومن يستحق الغواية إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى:27]، وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً [الإسراء:17].

استشعار اسم الله تعالى: العليم

ومن أسمائه سبحانه العليم: أي: الذي يعلم ما كان وما سيكون وما هو كائن لو كان كيف سيكون، عليم بكل ما أخفته صدور خلقه من كفر وإيمان وحق وباطل وخير وشر، العالم بالسرائر والخفيات، هو عليم بذات الصدور.

قال السعدي : وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

قال ابن القيم في نونيته:

وهو العليم أحاط علماً بالذي

في الكون من سر ومن إعلان

وبكل شيء علمه سبحانه

فهو المحيط وليس ذا نسيان

وكذا يعلم ما يكون غداً

وما قد كان والموجود في ذا الآن

وكذاك أمر لم يكن لو كان

كيف يكون ذاك الأمر ذا إمكان

تأمل وتدبر في قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ َمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].

وتأمل في قوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:60-62].

هذه بعض من أسمائه وصفاته جل في علاه فأين أثرها في حياتنا؟ أين الإيمان في حياتنا؟ أين أثر الإحسان في معاملاتنا وعباداتنا؟

إذا أردت أن تعرف مدى إيمانك فراقب نفسك في الخلوات، إن الإيمان لا يظهر في صلاة ركعتين أو صيام نهار بل يظهر في مجاهدة النفس والهوى.

من راقب الله نال رضاه

والله ما صعد يوسف عليه السلام ولا سعد إلا في مثل ذلك المقام: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41].

من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل لا ظله رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، وآخر دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله.

أف للذنوب ما أقبح آثارها، وما أسوأ أخبارها، وهل تحدث الذنوب إلا في الغفلات والخلوات!

يا من لا يقصر لحظة عما يشتهي قل لي من أنت، وما علمك، وإلى أي مقام ارتفع قدرك؟ بالله عليك أتدري من الرجل؟ الرجل والله من إذا خلا بما يحب من المحرم وقدر عليه تذكر وتفكر وعلم أن الله يراه، ونظر إلى نظر الحق إليه فاستحيا من ربه كيف يعصيه وهو يراه.

هيهات.. هيهات!

والله لن تنال ولاية الله حتى تكون معاملتك له خالصة، والله لن تنال ولايته حتى تترك شهواتك، وتصبر على مكروهاتك، وتبذل نفسك لمرضاته، إن أقواماً أحبهم فأحبوه، واشتاق للقياهم فاشتاقوا إليه.

رأى عبد الله بن عمرو الأنصاري ليلة أحد أنه يقتل فأوصى جابراً بأمه وأخواته خيراً فقالت الأم: أين الملتقى يا أبا جابر ؟ قال: الملتقى الجنة. فخرج يريد الموت ويتمناه فأعطاه الله ما تمنى، مقبلاً غير مدبر، فحزن عليه ابنه جابر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع، وإن الله كلم أباك كفاحاً ليس بينه وبينه ترجمان، فقال: تمن يا عبدي! فقال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك، قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون ، فتمن يا عبدي! قال: رب أن ترضى عني فإني قد رضيت عنك! قال: فإني أحللت عليك رضواني فلا أسخط عليك أبداً. ثم جعل الله روحه وأرواح إخوانه الذين قتلوا معه في حواصل طير خضر ترد الجنة فتأكل من ثمارها وتشرب من أنهارها وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش حتى يرث الأرض ومن عليها، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لََهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:32-35]).

في كل يوم للجنان قوافل

شهداء راض عنهم العلام

ماذا أقول بوصف ما قاموا

به عجز البيان وجفت الأقلام

لله در ضياغم من أسدنا

لعظائم الأعمال فيها قاموا

من كل عاف للحياة مجاهداً

وسلاحه الإيمان والإقدام

عظموا الله فخافوه، فعظموا أوامره ونواهيه.

كيف لا يعظمونه والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون، كيف لا يعظمونه وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

التحذير من الغرور بالدنيا

روى الترمذي في الحديث الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قرأ رسول الله صلَى الله عليه وسلَم: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، قال: قرأها حتى ختمها ثم قال: إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك ساجد وملك قائم، والله لو تعلمون ما أعلم لضحتكم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصُعدات تجأرون إلى الله تعالى).

ومعنى الحديث: لو علمتم ما أعلم من عظمته جل في علاه وانتقامه ممن يعصيه لطال بكاؤكم وحزنكم وخوفكم مما ينتظركم، ولما ضحكتم أصلاً.

يا مذنب الذنب أما تستحي الله في الخلوة ثانيك

غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويك

اسمع فضيحة العصاة يوم القيامة: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65].

إياك والاغترار بحلمه وكرمه فكم قد استدرج من عاص وقصم من جبار وظالم!

إذا همت النفس بالمعصية فذكرها بنظر الله، لا يكن الله أهون الناظرين إليك.

إذا ما خلوت الدهر يوماً بريبة والنفس داعية إلى العصيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

الله الله! في مراقبته الحق جل في علاه!

الله الله في الخلوات!

الله الله في البوطن!

الله الله في النيات!

فإن عليكم من الله عيناً ناظرة، فسبحان الذي يراك حين تقوم، وتقلبك في الساجدين إنه هو السميع العليم.

راقب العواقب تسلم، لا تمل مع الهوى فتندم.

أين لذة المعصية؟ أين تعب الطاعة؟ رحل كل بما فيه.

فليت الذنوب إذا تخلت خلت.

إن كنت تعتقد أنه لا يراك فما أعظم كفرك! وإن كنت تعصيه مع علمك باطلاعه عليك فما أشد وقاحتك! وما أقل حياءك!

اقبل الموعظة، اعمل بالنصيحة؛ لأنه من أعرض عن الموعظة فقد رضي بالنار، فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ * بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً * كَلَّا بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ * كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ [المدثر:49-56].

يا مسكين! بأي بدن ستقف بين يدي الله، وبأي لسان ستجيب!

أعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً!

فماذا أعددت للنجاة من عظيم عقاب الله وأليم عذابه؟

لا يندفع ذلك إلا بحصن التوحيد وخندق الطاعات!

اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك قول الحق في الرضا والغضب ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة.

اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين.

اللهم إنك ترى ما حل بإخواننا في العراق وما حل بإخواننا في فلسطين وما حل بهم في الشيشان وأفغانستان؛ اللهم إنك ترى مكانهم وتسمع كلامهم، فرحماك بهم يا أرحم الراحمين.

اللهم رحماك بالأطفال الرضع، ورحماك بالشيوخ الركع، ورحماك بالبهائم الرتع.

اللهم إنهم خائفون فأمنهم، اللهم إنهم مظلومون.

اللهم انصر من نصرهم، اللهم اخذل من خذلهم.

اللهم لا تدع للكافرين قوة في الأرض إلا دمرتها، ولا قوة في السماء إلا أسقطتها، ولا قوة في البحر إلا أغرقتها.

اللهم سلط عليهم ما خرج من الأرض وما نزل من السماء.

اللهم اقلب عليهم البحر ناراً، والسماء شُهباً وإعصاراً، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.

اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه يا رب العالمين، أصلح ولاة أمورنا ووفقهم للعمل بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين.

اللهم أقم علم الجهاد واقمع أهل الشرك والزيغ والفساد، أبرم لأمتنا أمراً رشداً يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين.

اللهم ارحم ضعفنا وتقصيرنا وجهلنا وإسرافنا في أمرنا يا أرحم الراحمين.

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافين.

وصلى اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الذي يراك حين تقوم للشيخ : خالد الراشد

https://audio.islamweb.net