إسلام ويب

التوسل المشروع والممنوع

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة المستمعون الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله إلى لقاء طيب مبارك من برنامج نور على الدرب.

ضيف اللقاء هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، مع مطلع هذا اللقاء نرحب بسماحة الشيخ فأهلاً ومرحباً يا سماحة الشيخ!

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: وفيكم.

====السؤال: على بركة الله نبدأ هذا اللقاء بسؤال السائل من السودان علي محمد الطيب يقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ! ما هو التوسل؟ وهل يصح العمل به؟ عندما يقول العبد طالباً من ربه: اللهم ارحمني وارزقني بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وربما البعض من الإخوة في الإسلام يذهب للشيخ يقول له مثلاً: اسأل لنا الله عز وجل في بعض الأمور، فما حكم الشرع في نظركم سماحة الشيخ في هذه القضية؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فالتوسل أقسام:

- أقسام ممنوعة.

- وأقسام جائزة.

فالأقسام الممنوعة التوسل الذي هو الشرك يسميه المسلمون توسلاً وهو دعوة الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم، هذا يسميه المسلمون توسلاً وهو الشرك الأكبر، فالواجب الحذر منه دعوة الميت والاستغاثة به والنذر له ونحو ذلك هذا كله من الشرك الأكبر، وإن سماه توسلاً قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس:18] ويقول سبحانه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] والنوع الثاني الشرك الأصغر وهو التوسل بجاه فلان وبفلان كأسألك بجاه نبيك محمد أو بجاه الأنبياء أو بجاه الشيخ عبد القادر أو بجاه أبي بكر أو عمر أو بذواتهم أسألك بـعمر أو بـعثمان هذا من التوسل الذي هو منكر وهو يسمى شركاً أصغر وهو من وسائل الشرك الأكبر، هذا من وسائل الشرك الأكبر.

وهناك توسل ثالث جائز وهو التوسل بدعاء الحي وطلب أن يدعو لك مثلما قال الرجل للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ادع الله لي أن يرد علي بصري، تقول لأخيك: ادع الله لي أن يشفيني، هذا توسل بدعائه ما هو بدعاك أنت بدعائه لك وهو حي موجود هذا جائز توسل جائز تقول: يا أخي! ادع الله لي أن يشفيني، ادع الله أن يرزقني ولد، ادع الله أن يغنيني من الفقر، مثلما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لـعمر لما ذهب إلى العمرة: (لا تنسانا من دعائك) رواه الترمذي وجماعة وفي سنده ضعف.

ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة: (إنه يقدم عليكم رجل من اليمن يقال له أويس القرني كان براً بأمه فمن لقيه منكم فليطلب منه أن يستغفر له).

أما التوسل الشرعي فهو التوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به، هذا توسل شرعي تقول: اللهم إني أسألك بتوحيدك واتباعي لنبيك وطاعتي لك أن تغفر لي، اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، اللهم إني أشهد بأنك الرحمن الرحيم بأنك الرب الكريم بأنك خالق كل شيء، فالتوسل بالله وبأسمائه وصفاته هذا مشروع، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد) هذا كله من التوسل الشرعي، اللهم إني أسألك بإيماني بك ومحبتي لنبيك أن تغفر لي، ومن هذا قوله عليه الصلاة والسلام في تعليمه لبعض الصحابة لما علمهم أن يتوسلوا علمهم أن يقولوا: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت) وفي اللفظ الآخر: (اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم) كل هذا توسل بأسمائه وصفاته، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على ذلك وذكر أن هذه التوسلات من أسباب الإجابة في بعضها (لقد سأل الله باسمه الأعظم) فالتوسل بتوحيد الله والإيمان بالله وبأسماء الله وبصفات الله توسل شرعي من أسباب الإجابة.

حكم دعاء الموتى

السؤال: يقول هذا السائل من السودان سماحة الشيخ: في الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) البعض من الناس يذهب لقبر أحد الأشخاص كأن يكون شيخاً ويطلب منه كذا وكذا، هل يجوز ذلك؟ وما حكم من يفعل ذلك في الشرع؟ وكيف ندعو للميت من منطلق هذا الحديث (ابن صالح يدعو له) كيف ندعو بعد الممات جزاكم الله خيراً؟

الجواب: تقول اللهم اغفر لأبي اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم نجه من النار.. ونحو ذلك هذا الدعاء له، أما دعاء الميت والتوجه إلى الميت تقول له: يا فلان انصرني أو أنا في حسبك أو أغثني هذا الشرك الأكبر، أو اشفع لي، أو أنا في جوارك، أو ما أشبه ذلك هذا الشرك الأكبر، هذا فعل المشركين مع اللات والعزى ومع أصنامهم، وهذا فعل المشركين مع الشيخ عبد القادر الجيلاني ومع البدوي ومع الحسين ما يجوز هذا..

لا يقل: يا سيدي فلان انصرني أو أنا في حسبك، أو أنا في جوارك، أو اشفع لي، هذا ما يقال للميت يقال للحي، يقول للحي: اشفع لي ادع الله لي ؛ما يخالف الحي، تقول: ادع الله ليغفر لي ادع الله أن يرحمني هذا لا بأس، أما الميت تقول له: يا فلان! يا شيخ عبد القادر أو يا حسين أو يا ست زينب أو يا فلان -وهو ميت- ادع الله لي هذا ما يجوز لأنه غير قادر لا يستطيع شيء أو اشفع لي هذا توسل بميت لا يقدر، كالذي يقول للصنم: انصرني أو اشفع لي جماد لا قدرة له على شيء، فسؤال الأموات والاستغاثة بالأموات والتشفع بالأموات هذا هو عمل المشركين وهذا هو المنكر ولا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر نسأل الله العافية. نعم.

ومثله الغائبون يا ملائكة الله يا جبريل يا ميكائيل أو يا جن الفلانيين يا جن الظهران يا جن الحسا يا جن أمريكا يا جن مصر أو يا جني الفلاني كل هذا من الشرك الأكبر، وقد ذم الله بعض المشركين في هذا قال عنهم: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] يعني: زادوهم شراً وبلاء نسأل الله العافية.

ضابط العذر بالجهل في مسائل الأحكام والعقيدة

السؤال: هذا السائل يقول: سماحة الشيخ! العذر بالجهل عموماً هل له قواعد وأسس يقوم عليها؟ ثم هل هو عام بمعنى في كل زمان ومكان؟ وهل يعذر الجهل في المجتمع المسلم عامة والمجتمع الذي فيه مسلم وغيره؟ أيضاً سماحة الشيخ لعل لكم توجيه في هذا الموضوع، وما هي الأسس والقواعد في إقامة الحجة وهل كل من بلغ آية أو حديث يعتبر قائماً بالحجة؟

الجواب: الجهل فيه تفصيل: العذر فيما قد يخفى من مسائل الأحكام أو مسائل العقيدة التي قد تخفى، وأما جنس الجهل في الأمور الظاهرة ما هو بعذر لأن صاحبه هو المقصر المتساهل يقول الله جل وعلا: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ [التوبة:115] ما قال: حتى يتبين لهم قال: حتى يبين لهم، قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] ما قال: حتى يفهموا كلام الرسول قال: (حتى نبعث رسولاً)، فعلى الرعية وعلى الأمة أن تتفهم كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أن تتفهم القرآن أن تسأل عما أشكل عليها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ والقرآن مبلغ هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم:52]، ويقول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] ويقول سبحانه: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الأنعام:19] فالأمة مبلغة بالقرآن وبالرسول، فالذي يعيش بين المسلمين والقرآن موجود والسنة موجودة ولا يبالي ولا يسأل ما هو معذور أما في دقائق الأمور مثل بعض الأحكام، بعض مسائل الربا، بعض مسائل العقود قد تخفى عليه يعذر، إذا كان مثله لا يحسن معرفة ذلك، مثل الذي قال لأولاده: إذا مت فحرقوني ثم ذروني في البحر فلئن قدر الله ليعذبني، ظن أن هذا يفوت الله لجهله بكمال قدرة الله سبحانه وتعالى، فعذره الله لما جمع ما في البر والبحر من جسمه وقام بين يديه سأله ما حملك على هذا قال: خوفك فغفر الله له من أجل شدة خوفه من الله وجهله بهذا الأمر الدقيق، وهكذا في مسائل كثيرة في العقود في البيع وفي المحرمات قد يخفى عليه بعض الأشياء التي يخفى دليلها.

أما إنسان يسمع القرآن ويسمع السنة وعنده من يرشده ولا يبالي ولا يسأل الشرك أعظم الذنوب، لا يتساهل في هذا مثل مسائل أخرى عقوقه لوالديه أمر واضح، مثلما يفعل بعض الناس من ترك الصلاة لأن هذا أمر واضح ما هو معذور، لأنه شيء واضح بين المسلمين، أما الشيء الدقيق الذي قد يخفى يعذر فيه.

المقدم: جزاكم الله خير سماحة الشيخ، إذاً يا سماحة الشيخ! العامة عليهم أن يسألوا عما أشكل عليهم؟

الشيخ: الله يقول: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43]، عليهم أن يسألوا، وعامة الكفار في مكة ما عذرهم الله الرسول صلى الله عليه وسلم بين أيدهم، وهكذا في المدينة ما عذر المنافقين ولا عذر اليهود لأنهم يسمعون كلام الله ويسمعون القرآن ولم يستجيبوا.

وفيهم العامة.

حكم حديث: (بلغوا عني ولو آية)

السؤال: هذا السائل يقول: صحة حديث: (بلغوا عني ولو آية

الجواب: هذا صحيح رواه البخاري في صحيحه.

(بلغوا عني ولو آية) الواجب التبليغ عن الله ولو آية ولو حديث واحد، الذي يحفظ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد:33] يبلغ، يحفظ قوله جل وعلا: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِين [البقرة:238] يبلغ، هكذا الذي هو يفهم، يحفظ قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56] يبلغ يسمع حديث ويحفظ: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) يبلغ الأعمال بالنيات، يسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله! من يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) وما أشبه ذلك الذي يحفظ.

حكم من يخل ببعض الفرائض والطهارة بسبب كبر السن

السؤال: السائل (ن. المنصور الفرعة) يقول: امرأة كبيرة في السن تصلي فروضاً وتترك أخرى وإذا صلت يكون عليها نجاسة، وتفوت بعض الأشياء هل يلحقها شيء في ذلك؟

الجواب: إذا كان عقلها قد اختل ما عليها شيء ما هي مكلفة، إذا كان هذا بسبب عقلها اختل ما عليها شيء، أما إذا كان لا ما هو بعقلها معها لأنها قد تنسى شيء يبين لها إذا كانت عاقلة تفهم، أما إذا كان قد اختل عقلها لكبر سن أو لمرض.. أو ما أشبه ذلك فالله جل وعلا رفع عنها القلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق) ومن كان عقله مختل مثل المجنون سواء.

المقدم: جزاكم الله خيراً سماحة الشيخ!

لعل لكم سماحة الشيخ كلمة توجيهية للأبناء والبنات في العناية بوالديهم عند كبر سنهم وعجزهم؛ لأن الملاحظ أن بعض الأولاد والبنات يهملون والديهم في كبر السن يا شيخ!

الشيخ: الواجب على البنين والبنات تقوى الله في هذا وأن يحسنوا إلى والديهم وأن يصبروا، قد صبر الوالدان عليهم في صغرهم وربياهم وأحسنا إليهم فالواجب على الأولاد أن يتقوا الله في الوالدين وأن يحسنوا إليهما وأن يصبروا على ما قد يقع من التعب لمرضهما أو اختلال عقلهما لابد من الصبر، الله يقول جل وعلا: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:23-24]، ويقول جل وعلا: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14].

فالواجب الصبر على الوالدين والإحسان إليهما وتحمل ما قد يقع من الأذى، وفي الحديث: (رضا الله في رضا الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) جعل عقوق الوالدين قرين الشرك، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (من الكبائر شتم الرجل والديه، قيل: يا رسول الله! وهل يسب الرجل والديه؟ قال: نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه) فإذا كان سبه للناس سباً لوالديه لأنهم يسبون والديه إذا سب والديهم فكيف إذا سبهما وأساء إليهما الأمر أعظم، نسأل الله العافية.

صفات السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب

السؤال: هذا السائل يقول -سماحة الشيخ-: ورد حديث يخبر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه يدخل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الجنة سبعون ألف من غير حساب ولا عذاب، ولما سأل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم من هم وما هي صفاتهم خرج عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فأخبرهم بما جرى بينهم وأخبر صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، نرجو من سماحتكم يقول السائل أن تفسروا لنا هذه الصفات لعلنا نتمسك بها؟

الجواب: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يدخل من أمته سبعون ألفاً بغير حساب ولا عذاب، وفي رواية (مع كل ألف سبعين ألفا)، سئل عليه الصلاة والسلام عن صفاتهم قال: (هم الذي لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) يعني: هم الذين استقاموا على دين الله من أهل التقوى والإيمان وعبدوا الله وحده وأدوا فرائضه وتركوا محارمه واجتهدوا في أنواع الخير، حتى تركوا بعض ما يستحب تركه كالاسترقاء والكي من كمال إيمانهم لا يسترقون، يعني: لا يطلبوا من يرقيهم ولا يكتوون لأن الكي تركه أفضل، إلا عند الحاجة، والاسترقاء تركه أفضل إلا عند الحاجة هذا من كمال إيمانهم.

وإذا احتاج الإنسان إلى الاسترقاء لا بأس أن يسترقي كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تسترقي وأمر أم أولاد جعفر بن أبي طالب أن تسترقي لأولاده لما أصابتهم العين، فدل على أنه لا بأس بالاسترقاء عند الحاجة، ولكن تركه أفضل إذا تيسر دواء آخر، واستغني عنه، وهكذا الكي إذا تيسر دواء يقوم مقامه فهو أفضل وإن دعت الحاجة إلى الكي فلا بأس، فقد كوى الصحابة كما كوى خباب بن الأرت وغيره، قد كوى النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه للحاجة، فهذا من الكمال، ولا يخرجه عن السبعين إذا استرقى أو كذا لكن هذه من أعمالهم الحسنة ترك الكي إذا استغني عنه، ترك الاسترقاء إذا استغني عنه، وإلا فالسبعون ألف هم أهل الاستقامة، هم أهل الخير والاستقامة في طاعة الله وترك معصيته المحافظون على الخير.

حكم الوساوس والأفكار وكيفية التخلص منها

السؤال: يقول السائل في ثاني أسئلته، هل يحاسب الإنسان على ما يجول في نفسه من كلام وتخيلات وتساؤلات فيما يخص الحال بعد الموت، وكيف يمكن التخلص من هذه الأفكار؟

الجواب: الوساوس التي تعرض للإنسان في نفسه ولا تستقر لا يؤاخذ عليها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم) فالوساوس في الصدور معفو عنها إلا إذا كانت عملاً، ولما سأله الصحابة عن الوساوس وقالوا: يا رسول الله! إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يخر من السماء أهون عليه من أن ينطق به أو أسهل عليه من أن ينطق به قال: (تلك الوسوسة -وفي لفظ: ذاك صريح الإيمان- فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسله وليستعذ بالله من الشيطان ولينته)، فقد يأتيه الشيطان يوسوس له في ربه أو في الجنة أو في النار أو في البعث والنشور فإذا وجد ذلك فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليقل: آمنت بالله ورسله، هكذا علم النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الخواطر تعرض وتزول هذه ما تضر يعفى عنها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم) لكن إذا استقر وآذاه يقول: آمنت بالله ورسوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليعلم أن الله جل وعلا سوف يسامحه في هذا، الشيء الذي ما هو باختياره لكن إذا كثر عليه يقول: آمنت بالله ورسله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وينتهي.

حكم الجهر في صلاة الفجر لمن فاتته الجماعة

السؤال: هذا المستمع للبرنامج سعد عبد الوهاب من خميس مشيط يقول: عندما ينام الشخص عن صلاة الفجر وفي حالة استيقاظه يصلي فهل يجهر في صلاته أم تكون الصلاة سرية؟ وهل يصلي الراتبة قبل ذلك أم بعدها أفتونا عن هذا السؤال؟

الجواب: نعم إذا استيقظ ولو بعد الشمس يصلي الراتبة ويصلي الفريضة ويجهر كما لو فعلها في الوقت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره نام هو والصحابة عن الفجر، فلم يستيقظوا إلا بحر الشمس، فلما استيقظوا أمر بالأذان فأذن المؤذن وصلى الراتبة وأقام الصلاة وصلى الفريضة، وجهر فيها كما كان يفعل في وقتها هذا هو السنة إذا نام عنها واستيقظ بعد الشمس يتوضأ ويصلي الراتبة ويصلي الفريضة ويجهر فيها كما لو فعلها في الوقت تأسياً بالنبي عليه الصلاة والسلام.

حكم تعلم أسماء الله تعالى وصفاته

السؤال: هناك سؤال سماحة الشيخ! الحقيقة يتعلق في العقيدة من السائل قحطان بن سعيد من محافظة حضرموت يقول في هذا السؤال: سماحة الشيخ! هل تعلم صفات الله عز وجل واجب أم مستحب؟ أم أنه سواء تعلم ذلك أم لم يتعلم هذه الصفات؟ وماذا تقولون في الذين يقولون بأن تعلم هذه الصفات لا ينبغي؛ لأنه يجعل الإنسان يوسوس له كلمة كيف وماذا؟ وما الكتب التي تنصحوننا بتعلمها في هذا الباب مأجورين؟

الجواب: تعلم أسماء الله وصفاته من القرآن العظيم والسنة المطهرة من أفضل القربات؛ لأن هذا يعين على تعظيم الله وتقديسه وسؤاله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى، والله يقول: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] دل على أنه يشرع لنا أن نعرفها حتى ندعوه بها، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة وهو وتر يحب الوتر) دل على أنه ينبغي لأهل العلم ولأهل الإيمان تعلم أسماء الله وصفاته حتى يسألوه بها، وحتى يثنوا عليه بها، وحتى يعملوا بمقتضاها فتحصل لهم الجنة، هكذا ينبغي للمؤمن، ويعلم أن الله جل وعلا ذو الأسماء الحسنى وأنه لا شبيه له ولا كفء له ولا ند له، وأنه الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، ولا يشبه الله بخلقه؛ لأنه سبحانه يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فهو الرحمن برحمة لا كرحمتنا، وهو العلي علو لا كعلونا، وهو المستوي على العرش لا كاستوائنا، رحيم لا كرحمتنا، يغضب لا كغضبنا، يضحك لا كضحكنا.. إلى غير هذا من صفاته سبحانه وتعالى.

كتب ينصح بقراءتها

السؤال: يقول بالنسبة للكتب التي تنصحوننا في قراءتها في هذه المجالس سماحة الشيخ؟

الجواب: أعظم كتاب القرآن أنصحك بالقرآن العظيم، ننصح جميع المسلمين بالعناية بالقرآن والإكثار من تلاوته فهو كتاب الله فيه الهدى والنور كما قال سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] قال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ [فصلت:44]، وقال سبحانه: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص:29] قال سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

فنوصي جميع المسلمين رجالاً ونساءً نوصيهم بالقرآن، نوصيهم بالإكثار من تلاوته وتدبر معانيه وحفظه أو ما تيسر منه فهو كتاب الله فيه الهدى والنور، فيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فيه الدعوة إلى فعل ما أوجب الله وترك ما حرم الله، فيه قصص الأنبياء والمرسلين، فيه قصص الأخيار حتى يتأسى بهم، فيه قصص الأشرار حتى تجتنب أعمالهم.

ثم كتب الحديث الشريف كالصحيحين للبخاري ومسلم السنن الأربعة لمن كان عنده علم يقرأ فيهما.

وأما المبتدئ -طالب العلم المبتدئ- فنوصيه بمثل المختصرات التي يستطيع حفظها، مثل بلوغ المرام، مثل كتاب التوحيد، العقيدة الواسطية، ثلاثة الأصول، الأربع القواعد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كتاب التوحيد وثلاثة الأصول والقواعد الأربع للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كشف الشبهات كذلك له رحمه الله، العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية بلوغ المرام للحافظ ابن حجر عمدة الحديث للحافظ الشيخ عبد الغني بن سرور المقدسي هذه كتب ينبغي حفظها تفيد تنفع لأنها كتب مهمة.

حكم القنوت في صلاة الفجر

السؤال: في ثاني أسئلة هذا السائل من محافظة حضرموت يقول: سماحة الشيخ! بالنسبة لدعاء القنوت في صلاة الفجر وهو الدعاء المعروف: اللهم اهدنا فيمن هديت.. إلى آخره، هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قنت؟

الجواب: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت في النوازل إذا نزل بالمسلمين نازلة عدو نزل بهم وشدة دعا لهم، في الفجر وغيرها، أما اعتياد بعض الناس القنوت في الفجر من دون سبب لا، ما هو بمشروع، في الحديث الصحيح عن سعد بن طارق الأشجعي قال: (قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر

وعمر

وعثمان

وعلي

أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث) يعني ما كان يقنتوا في الفجر، إلا إذا حدث حادث مثل عدو حاصر البلد، أو غزى المسلمين يدعى عليه في القنوت في الفجر وفي غيره، القنوت في الفجر في المغرب في العشاء في الظهر في العصر يرفع يديه في الركعة الأخيرة بعد الركوع ويدعو على العدو، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه على المشركين.

المقدم: سماحة الشيخ! حفظكم الله سائل يقول: هل نطلق على الإمام الذي يلزم هذا القنوت نقول: بأنه مبتدع؟ وأيضاً سؤالنا ما الرد على الذين يقولون بأنه سنة ويستدلون بقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] الآية، وأيضاً في قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ[البقرة:238] وبالحديث (بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت إلى أن فارق الحياة

الشيخ: هذا يقال له: إن تركه أفضل، يقال: مبتدع؛ لأن بعض أهل العلم يقول بذلك، بعض الأئمة مثل الشافعي وجماعة يرون القنوت في الفجر دائماً، وهو قول ضعيف مرجوح، ولكن يعلم يقال هذا هو الأفضل، أما حديث (لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا) فهو حديث ضعيف ليس بصحيح وإنما قنت في الدعاء على المشركين، أما القنوت دائماً في الفجر من دون حاجة لا ما هو مشروع إنما يشرع عند النوازل عند وجود العدو في الفجر وغيره، ولكن من فعله استدلالاً ببعض الأحاديث الضعيفة فهذا يعلم أن السنة خلاف ذلك ويبين له بالكلام الطيب والأسلوب الحسن فقط.

المقدم: شكر الله لكم -سماحة الشيخ- وبارك الله فيكم وفي علمكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين.

أيها الإخوة والأخوات! أجاب عن أسئلتكم سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء.

شكر الله لسماحته على ما بين لنا في هذا اللقاء الطيب المبارك، شكراً لكم أنتم إلى الملتقى إن شاء الله.

في الختام تقبلوا تحيات الزملاء معي في الإذاعة الخارجية الزميل فهد العثمان ، من هندسة الصوت الزميل سعد بن عبد العزيز بن خميس .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (792) للشيخ : عبد العزيز بن باز

https://audio.islamweb.net