إسلام ويب

حكم الصيام على المصاب بغيبوبة من عدة سنوات

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير، هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة الإخوة المستمعين، فأهلاً وسهلاً.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: حياكم الله.

====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة، رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع: (أ. ب) من اليمن، أخونا له جمع من الأسئلة، في أحدها يقول: أصيب ابني بحادث أفقده الوعي لمدة ثلاث سنوات، ولازال حتى الآن، فما حكم الصيام بالنسبة له؟ هل يسقط أم تجب الكفارة؟ ولاسيما وأنه غير مكلف، نظراً لفقده الوعي، جزاكم الله خيراً؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فإن ابنك هذا ليس عليه شيء؛ لأنه فقد التكليف، بسبب زوال العقل، وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ)، وهذا من جنس المجنون، فاقد العقل حكمه حكم المجنون، وحكم الصغير الذي لم يبلغ.

المقصود؛ أن ابنك هذا ليس عليه شيء، فإذا عافاه الله، ليس عليه قضاء، وهكذا كل من أصيب بمثل هذا البلاء فإنه لا قضاء عليه؛ لأنه في حكم المعتوهين الذين زال عنهم التكليف، نسأل الله لنا ولهم العافية والسلامة والشفاء.

وليس عليه كفارة؛ لا إطعام، ولا صيام، ولا قضاء؛ لأنه غير مكلف.

رؤية النبي عليه الصلاة والسلام في المنام

السؤال: يسأل سؤالاً آخر فيقول: هل رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام رؤية صادقة؟

الجواب: نعم، يقول صلى الله عليه وسلم: (من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي) فإذا رآه في صورته ربعة من الرجال، أبيض اللون، مشرب بالحمرة، لحية كثيفة معتدلة، فيها قليل من الشيب، من أحسن الرجال بل هو أحسن الرجال، عليه الصلاة والسلام؛ إذا رآه في صورته؛ فهو محمد عليه الصلاة والسلام، إذا كان يعرف صورته، ومن أدلة ذلك: أن يأمره بالخير، وينهاه عن الشر، أما إذا أمره بالمعاصي أو بالبدع، هذه علامة أنه ليس هو الرسول عليه الصلاة والسلام، بل هو شيطان من الشياطين، أو على حالة غير صورته عليه الصلاة والسلام؛ فلم يره، إذا رآه حليقاً، أو رآه شاباً ليس له لحية، أو رآه شاباً قد ذهب سواد لحيته بالشيب، أو ما أشبه ذلك، هذا دليل على أنه لم ير النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه قال: (لا يتمثل في صورتي) عليه الصلاة والسلام، والشيطان قد يتمثل بالرسول صلى الله عليه وسلم في صور كثيرة، حتى يضل الناس، ويدعوهم إلى الشرك بالله عز وجل، لكن لا يستطيع أن يتمثل بصورته عليه الصلاة والسلام، فإذا رآه في صورته عليه الصلاة والسلام فإنه يراه، لكن قد تشتبه عليه الصورة، قد لا يعقل الصورة، قد يأمره بالشر، بالمعاصي، هذا كله دليل على أنه ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، من علامات أنها صورته: أن يأمره بالتوحيد، يأمره بالخير، يأمره ببر والديه، يأمره بطاعة الله ورسوله، هذه من علامات أنه النبي عليه الصلاة والسلام.

حكم ترك الزكاة

السؤال: يسأل سؤالاً آخر فيقول: هل ترك الزكاة يخرج من الملة أم لا؟

الجواب: ترك الزكاة لا يخرج من الملة، معصية كبيرة، من كبائر الذنوب، ولكن صاحبها لا يخرج من الملة، فهو تحت مشيئة الله؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها؛ إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار؛ فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أحميت عليه، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) ما قال إلى النار فقط، قال: (إلى الجنة أو النار)، فدل على أنه تحت مشيئة الله، وأنه قد يدخل الجنة بعد التعذيب، بعدما يعذب، كما أن كثيراً من العصاة يعذبون: كالزناة، وأصحاب العقوق، وآكل الربا، إلى غير ذلك، قد يعذبون ثم يدخلون الجنة، إذا كانوا ماتوا على التوحيد والإسلام.

وقد لا يعذبون إذا كان لهم حسنات عظيمة وأعمال صالحة وعفا الله عنهم، الله يعفو على من يشاء سبحانه وتعالى، كما قال عز وجل في كتابه العظيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]، ثم قال سبحانه: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، ما دون ذلك، يعني: ما دون الشرك: كالعقوق، وترك الزكاة، وترك الصيام، ترك الحج مع الاستطاعة، أكل الربا، شرب المسكر، كل هذه وأشباهها من المعاصي، تحت مشيئة الله، قد يدخل النار ويعذب، وقد يعفى عنه، لكن من دخل النار من أهل المعاصي لا يبقى فيها لا يخلد، بعد مضي مدة من بقائه فيها يخرجه الله، والمدة الله الذي يعلمها سبحانه وتعالى، على حسب معاصيه، بعد التطهير وبعد التمحيص يخرجه الله من النار إلى الجنة، إما بشفاعة الشفعاء؛ كنبينا صلى الله عليه وسلم، أو بشفاعة غيره، أو بمجرد رحمة الله سبحانه وتعالى وعفوه، إذا انتهت المدة التي كتبها الله عليه في النار، ولا يخلد، خلافاً: للخوارج والمعتزلة، الخوارج والمعتزلة يقولون: العاصي مخلد في النار: من ترك الزكاة يخلد في النار، من زنى؛ يخلد في النار، من عق والديه يخلد في النار، من شرب مسكر يخلد في النار، هذا غلط عظيم، الخوارج يقولون: كافر، ويخلد في النار، والمعتزلة يقولون: بالمنزلة بين المنزلتين، لا كافر ولا مسلم في الدنيا، ليس كافر ولا مسلم، لكنه في الآخرة مخلد في النار، فهم مع الخوارج في الآخرة، مخلد في النار، كالكفار، وهذا باطل، كلام باطل، خلافاً لأهل السنة والجماعة، أهل السنة والجماعة يقولون: العاصي ليس بكافر، كالزاني والسارق، ومن ترك الزكاة، أو ترك صيام رمضان، أو الحج مع الاستطاعة؛ ليس بكافر، إذا لم يجحد وجوبها، فإنه يكون عاصياً، متوعداً بالنار، فإن دخلها لم يخلد، وإن عفا الله عنه فهو أهل الكرم والجود سبحانه وتعالى، وإن دخل النار فإنه يعذب مدة يشاؤها الله، ثم يخرجه الله من النار إلى الجنة، فضلاً منه سبحانه وتعالى، ولا يخلد إلا الكفار، الذين ماتوا على الكفر بالله.

والعاصي إذا استحل يكون كافراً، إذا استحل ترك الزكاة، أو استحل ترك الصيام، قال: ما هو بواجب عليه صيام رمضان، بدون علة شرعية، أو قال وهو مستطيع: الحج ما هو بواجب؛ كفر، أو قال: الزنا ما هو بحرام، أو قال: عقوق الوالدين ما هو بحرام، أو قال: شرب المسكر ليس بحرام، أو قال: أكل الربا، ما فيه ربا، كله حلال، هذا كفر أكبر، يكون مع الكفرة، نعوذ بالله.

أما إذا تعاطى الربا وهو يعرف أنه عاصي، أو زنى وهو يعرف أنه عاصي، أو شرب مسكراً وهو يعرف أنه عاصي، أو عق والديه يعرف أنه عاصي، هذا تحت مشيئة الله، عاصي أتى كبيرة وعلى خطر من دخول النار، لكن لا يكون كافراً، خلافاً للخوارج، ولا يخلد في النار إذا دخلها، خلافاً للمعتزلة والخوارج جمعياً، ولكنه تحت مشيئة الله، فإن عفا الله عنه، بأسباب توحيده، وأعماله الصالحة، فالله سبحانه صاحب الجود والكرم، وإن عذبه على قدر المعاصي؛ فهو العدل سبحانه، الحكم العدل، يعذبه كما يشاء بقدر سيئاته وأعماله القبيحة، ثم إذا مضت المدة التي قدرها الله عليه، يخرجه الله من النار إلى الجنة، فضلاً منه وإحساناً، هذا قول أهل السنة والجماعة قاطبة، وهو قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم بإحسان، وهو الذي دل عليه كتاب الله، ودلت عليه سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا إذا زنى يحد لا يقتل، يحد حد البكر مائة جلدة وتغريب عام،، لو كان ردة قتل مرتداً، وإنما يقتل الثيب إذا زنى، وهو ثيب قد تزوج، ووطئ هذا يرجم، إذا كان حراً مكلفاً يرجم، أما إذا كان مجنون ما عنده عقل، هذا ليس عليه حدود.

فالمقصود: أنه إذا كان مكلفاً، وزنى وهو ثيب قد تزوج وأحصن ودخل بالمرأة ووطئها؛ يرجم حتى يموت حداً، ويصلى عليه، ما هو بكافر، وإن كان بكراً لم يتزوج، أو تزوج ولم يطأ؛ يجلد مائة جلدة ويغرب عام، فدل على أنه ليس بكافر، لو كان كافراً؛ يقتل، النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري ، فالمرتد كافر إذا ارتد عن الإسلام يقتل إلا أن يتوب، أما شارب الخمر لا يقتل، يجلد، العاق يعزر، الذي عق والديه يعزره ولي الأمر ويردعه ولا يقتل، كذلك صاحب الغيبة والنميمة، كلها معاصي، يستحق التأديب صاحبها، وليست كفراً، بل هي معاصي، صاحبها تحت مشيئة الله إذا مات عليها، خلافاً للخوارج قبحهم الله، الذين يكفرون بالذنوب، وخلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إنه مخلد في النار، نسأل الله السلامة والعافية.

حكم قراءة كتب تفسير الأحلام

السؤال: يسأل سؤالاً آخر سماحة الشيخ فيقول: هل تجوز قراءة كتب تفسير الأحلام، والاعتبار بما فيها؟ جزاكم الله خيراً؟

الجواب: لا أعلم حرجاً في قراءة كتب التفسير، ابن سيرين وغيره، كتب الأحلام يستفيد منها طالب العلم، لكن لا يعتمد عليها بل بالأدلة، لابد ينظر إلى الأدلة، ويتعلم، وينظر القرائن، وإذا أشكل عليه لا يجزم، يقول: لعل المراد كذا، إذا رأى رؤيا طيبة، حمد الله عليها، مثل: رأى أنه يتفقه في الدين، رأى أنه دخل الجنة، هذا يحمد الله على ذلك، رأى أنه بار بوالديه، رأى أنه يحافظ على الصلوات، كل هذا خير، يحمد الله على ذلك، فإن رأى ما يكره، كأن يرى أنه سقط في بئر، أو أنه قتل، أو أنه يشرب الخمر، أو ما أشبه ذلك، هذه من الشيطان، إذا رأى أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويقول: (أعوذ بالله من الشيطان، ومن شر ما رأيت -ثلاث مرات- ثم ينقلب على جنبه الآخر؛ فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحداً) فالذي يعبر الرؤيا ينظر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، يعرف الأحاديث الواردة، يستفيد من الكتب، لكن لا يعتمد على قول فلان وفلان، يعتمد على الأحاديث، والدلائل الشرعية، والقرائن الشرعية لتفيده، ويتثبت في الأمور، ولا يعبر الرؤيا إلا عن بصيرة، وإذا شك، يقول: لعل كذا، لعل كذا، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرؤيا الصالحة، قال: (يحمد الله عليها) إذا رأى ما يحب، أو ما يسره، قال: (يحمد الله، ويخبر بها من أحب) ولما سئل عن إذا رأى الإنسان ما يكره، قال صلى الله عليه وسلم (إذا رأى أحدكم ما يكره فلينفث عن يساره ثلاثاً، ويتعوذ بالله من الشيطان، ومن شر ما رأى -ثلاث مرات- ثم ينقلب على جنبه الآخر، فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحدا) هذا منهج عظيم بينه النبي صلى الله عليه وسلم.

أيها المسلم وأيها المسلمة؛ إذا رأى الإنسان ما يحب مثل يرى أنه يصلي على الوجه الشرعي، يرى أنه يتعلم علماً يتفقه في الدين، يرى أنه دخل الجنة، وما أشبه ذلك من المرائي الطيبة، يرى أنه يجالس الصالحين والأخيار، يرى أنه في حلقات العلم، هذه رؤية طيبة، يحمد الله، يقول: الحمد لله، إذا استيقظ، الحمد لله، يسر بهذا الشيء، يخبر بها أحبابه ومن أحب، لا بأس.

أما إذا رأى ما يكره، رأى أنه يضرب، أو يتوعد، أو أنه مع الأشرار، أو أنه دخل النار، أو أنه مريض، أو ما أشبه ذلك من الأشياء المكروهة، إذا استيقظ فزع منها، كرهها، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد أوصاه أنه: (يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويقول: أعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأيت -ثلاث مرات- ثم ينقلب على جنبه الآخر؛ فإنها لا تضره، ولا يخبر بها أحدا) وبين صلى الله عليه وسلم أن هذه من الشيطان، أن هذه الرؤيا من الشيطان ليحزن الإنسان، ليؤذيه، يريه هذه الرؤية ليحزنه ليؤذيه، فلا ينبغي أن يقر الشيطان ويسره، لا؛ بل ينبغي له أن يكون عدواً للشيطان، يتعوذ بالله من الشيطان، يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ بالله من الشيطان، ومن شر ما رأى، حتى يغيظ الشيطان، ثم ينقلب على جنبه الآخر، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخبر به، لا يقول: رأيت رأيت، يتركها، فإنها لا تضره، والحمد لله.

حادثة الإسراء والمعراج

السؤال: أخيراً يسأل سماحتكم فيقول: أرجو إعطاءنا فكرة عن الإسراء والمعراج بالرسول صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما مضى عليه عشر سنين في مكة، يدعو الناس إلى توحيد الله، وترك الشرك، أسري به إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السماء، وجاوز السبع الطباق، وارتفع فوق السماء السابعة عليه الصلاة والسلام، معه جبرائيل، فأوحى الله إليه ما أوحى، وفرض عليه الصلوات الخمس، الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، فرضها الله خمسين، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التخفيف؛ حتى جعلها خمساً سبحانه، فضلاً منه سبحانه وتعالى، ونادى منادٍ: (إني قد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي)فنزل بها عليه الصلاة والسلام، في ليلة الإسراء، وأنزل الله في هذا قوله سبحانه: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1]، فهذه الآية العظيمة بين فيها سبحانه الإسراء، أسري به من مكة على البراق، وهو دابة فوق الحمار ودون البغل، خطوه عند منتهى طرفه، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فركبه هو وجبرائيل حتى وصل إلى بيت المقدس، وصلى هناك بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماء، واستأذن له جبرائيل عند كل سماء، فيؤذن له، ووجد في السماء الدنيا آدم، آدم أباه عليه الصلاة والسلام، فرحب به وقال: مرحباً بالنبي الصالح، والابن الصالح، ثم لما أتى السماء الثانية وجد فيها عيسى ويحيى، ابني الخالة، فرحبا به، وقالا: مرحباً بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الثالثة فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال: مرحباً بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فوجد فيها إدريس، فرحب به، وقال: مرحباً بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فوجد فيها هارون عليه الصلاة والسلام، فرحب به، قال: مرحباً بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السادسة فوجد فيها موسى عليه الصلاة والسلام، فرحب به، وقال: مرحباً بالنبي الصالح، والأخ الصالح، ثم عرج به إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم أباه عليه الصلاة والسلام -هو من ذرية إبراهيم، محمد من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام- فرحب به إبراهيم، وقال: مرحباً بالنبي الصالح، والابن الصالح، مثلما قال آدم، مرحباً بالنبي الصالح، والابن الصالح، ثم عرج به إلى مستوى رفيع، فوق السماء السابعة، سمع فيهن من صريف الأقلام، التي يكتب بها القضاء والقدر، فكلمه الله عز وجل، وفرض عليه الصلوات الخمس خمسين، ثم لم يزل يسأل ربه التخفيف، حتى جعلها سبحانه خمساً، فضلاً منه وإحساناً، فهي خمس في الفرض، وفي الأجر خمسون، والحمد لله، فضلاً من الله عز وجل، وفق الله الجميع.

حكم إخفاء البضاعة الرديئة وإظهار الجيدة

السؤال: من جمهورية مصر العربية محافظة الإسكندرية، المستمع: ناجي فايز، يسأل ويقول: نحن أناس مزارعون، وعندما نريد بيع الخضار والفواكه نجعل النوع الجيد في أعلى السلال، والرديء في أدناها، أو الحبة الصغيرة، في أسفل السلال، فما حكم عملنا هذا؟ وجهونا جزاكم الله خيرا، وقد نوقشنا في هذه المسائل، فالبعض يقول: إن هذا من توريد البضاعة، والبعض الآخر يقول: إنه من تزوير البضاعة، فما هو القول الصحيح جزاكم الله خيراً؟

الجواب: الواجب على المسلم ألا يغش إخوانه في كل شيء، فإذا عرض بضاعة بعضها رديء وبعضها طيب، لابد يبين الجميع، لا يجعل الرديء أسفل والطيب فوق، بل يجعله في إناء يتضح في الجميع، أو الوكيل يبين، يقول: ترى الأسفل كذا، صفته كذا، وصفته كذا، يبين ولا يغش الناس، لا يجوز لكم ولا لغيركم أن تغشوا الناس، لا في الفواكه، ولا في التمور، ولا في غير ذلك، يجب أن يكون أسفل البضاعة مثل ظاهرها، يبين كل شيء؛ لأن المسلم أخو المسلم، لا يغره، ولا يخونه، ولا يغشه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)، والله يقول جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، هكذا يقول سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27]، ويقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58]، ويقول جل وعلا: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8]، هذه صفة المؤمن، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه مر على صبرة من طعام في السوق، فأدخل يده في الصبرة، فنالت أصابعه بللاً، فقال: يا صاحب الطعام ما هذا؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله -يعني: أصابه المطر- قال: أفلا جعلته فوق الطعام، كي يراه الناس، من غشنا فليس منا)، هذا واضحاً في المسألة، مسألتك أيها السائل، هذه منها، فإذا عرضت حبوباً أو فواكه أو غير ذلك، فالواجب عليك يا أخي أن تبين كل شيء، وعلى وكيلك ذلك أيضاً، وإلا صار خائناً غاشاً، فعليك وعلى الوكيل بيان الحقيقة، الباطن والظاهر، من التمر، والفواكه وغير ذلك، حتى يكون المشتري على بينة، وحتى تسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا) وفق الله الجميع.

أثر الدم الخارج من الفم عند الاستياك على الوضوء

السؤال: يقول: إنني أستعمل السواك عند كل صلاة، لكن ألاحظ أنه يخرج من أسناني دم في بعض الأحيان، فهل يؤثر ذلك على الوضوء والصلاة؟

الجواب: السواك سنة، وقربة للرجال والنساء جميعاً، السواك سنة للرجال والنساء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب)، رواه النسائي بإسناد صحيح، عن عائشة رضي الله عنها، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة) ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء) وتقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المنزل بدأ بالسواك) عليه الصلاة والسلام، فالسواك سنة دائماً، وسنة عند الوضوء، وعند الصلاة، فنوصي الجميع باستعماله، وهو من الأراك أطيب، من الأراك أحسن من غيره، يختار السواك اللين، الذي لا يتبحثر، ويتقطع في فمه، يحرص على النوع الطيب، الذي يدلك به الأسنان، وهو لا يتفتت، هذا هو السواك الطيب.

وإذا خرج شيء من الأسنان من دم أو نحوه لا يضر، الشيء اليسير يعفى عنه، فإن كان كثيراً تمضمض، وغسل ما خرج، أما إن كان قليلاً فالقليل يعفى عنه، إذا خرج من الأسنان دم يسير، يعفى عنه، قد يقع هذا، فيعفى عنه، والحمد لله.

المقدم: جزاكم الله خيرا، إذا كان كثيراً -سماحة الشيخ- يعيد الوضوء؟

الشيخ: إذا كان كثيراً يعيد الوضوء، هذا هو الأحوط له، يعني: فيه خلاف بين العلماء، لكن إذا كثر جداً يعيد الوضوء، وإن كان قليلاً، يتمضمض ويكفي، والحمد لله، وإن كان يسيراً جداً ما يحتاج المضمضة.

المقدم: بارك الله فيكم، هل تتفضلون بتحديد الكثرة سماحة الشيخ؟

الشيخ: الشيء اليسير عرفاً، مثل النقاط اليسيرة عرفاً يعفى عنها، أما الشيء يعده في نفسه كثيراً، يعتبره في نفسه كثيراً، هذا يتمضمض منه، ويتوضأ إذا تيسر احتياطاً، خروجاً من خلاف العلماء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)؛ لأن كثيراً من العلماء يقولون: إذا خرج الدم الكثير ينقض الوضوء، ويحتجون بحديث المستحاضة الذي قال لها: (توضئي لكل صلاة)، لكن حديث المستحاضة في خروج الدم من الفرج، هذا ناقض بلا خلاف، إذا خرج من الفرج ناقض بالإجماع، لكن الخلاف إذا كان الدم من الرجل، من الرأس، من الفم، هذا محل الخلاف، من توضأ هو أحوط، إذا كان الدم كثير أحوط، ومن لم يتوضأ فنرجو أن طهوره صحيح، لكن الوضوء أحوط وأحسن.

أما الشيء اليسير، الجرح اليسير، من الأسنان، من الأنف، شيء يسير هذا يعفى عنه، والحمد لله.

حكم من نسي شيئاً من القرآن

السؤال: يقول: إنني كنت حافظاً لبعض الأجزاء من القرآن الكريم، لكنني ألاحظ أنني نسيت بعض السور، فهل علي إثم؟

الجواب: عليك أن تجتهد، ولا إثم عليك إن شاء الله، الإنسان من طبيعته النسيان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون) الإنسان من طبيعته النسيان، ما يستطيع السلامة من النسيان، فإذا نسي بعض السور، يجتهد في حفظها، والحمد لله.

أما حديث: (من حفظ القرآن ثم نسيه، لقي الله وهو أجذم) فهذا حديث غير صحيح ، الحديث الذي فيه وعيد في نسيان القرآن بعد حفظه، هذا حديث ضعيف، ولفظه: (من حفظ القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم) حديث ضعيف، وأما قوله جل وعلا: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:123-126]، هذا المراد: نسيان العمل، نسيان العمل بترك العمل بطاعة الله ورسوله، ما هو بنسيان القلب، الرسول صلى الله عليه وسلم نسي، وسها في الصلاة، سلم من ثنتين، سلم من ثلاث، وزاد خامسة نسياناً، ترك التشهد الأول نسياناً، كل البشر ينسى، وإذا نسي بعض السور أو الآيات لا يضر، ونسي بعض الآيات عليه الصلاة والسلام، لكن المراد بالآية يعني: نسيان العمل، يعني: الترك، ترك العمل بطاعة الله ورسوله، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67] يعني: تركوا حق الله، تركوا دينه، وأعرضوا عنه، فنسيهم، يعني: أعرض عنهم، وإلا هو لا ينسى سبحانه وتعالى، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم:64]، لكن نسيهم؛ تركهم في ضلالهم، وعماهم، تركهم في النار يوم القيامة، فهكذا النسيان الذي ذمه الله هنا، يعني: ترك العمل، والإعراض عن الدين، نعوذ بالله من ذلك.

المقدم: جزاكم الله خيراً، وأحسن إليكم.

سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل، بعد شكر الله سبحانه وتعالى، على تفضلكم بإجابة الإخوة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

الشيخ: نرجو ذلك.

المقدم: اللهم آمين، مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذا الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، والدعوة والإرشاد.

شكراً لسماحة الشيخ، وأنتم يا مستمعي الكرام شكراً لحسن متابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (708) للشيخ : عبد العزيز بن باز

https://audio.islamweb.net