إسلام ويب

حكم إتيان الكهنة والعرافين

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: حياكم الله.

====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين رمز إلى اسمه بالحروف (ع. م. د) أخونا رسالته من صفحتين مجمول ما في هاتين الصفحتين السؤال عن الكهان والمشعوذين حيث انتشر أمرهم حتى بين الطلبة في الامتحانات وبين أولئك الذين يبحثون عن عمل ولا يجدون، فهؤلاء يكتبون لهم أوراق ويأمرونهم بأشياء وأشياء يعتقدون من ورائها أنها ستكون مجلبة للعمل، ويرجون من سماحة الشيخ التوجيه جزاكم الله خيراً؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فقد أوضح النبي عليه الصلاة والسلام حكم الكهان والمنجمين والعرافين ومن في حكمهم ممن يدعي علم الحوادث وعلم المستقبل بالتنجيم أو بضرب الحصى أو بغير هذا من الطرق الخفية التي يزعم أنها تطلعه على علم الغيب، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم أن حكم هؤلاء أنهم لا يجوز أن يؤتوا ولا أن يسألوا ولا أن يصدقوا، فقد ثبت في صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)، هذا الحديث الصحيح يدل على تحريم السؤال مجرد من دون تصديق فكيف إذا كان مع التصديق؟ فلا يجوز سؤال الكهان ولا إتيانهم ولا تصديقهم.

وفي الحديث الثاني يقول عليه الصلاة والسلام: (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم) أخرجه أهل السنن بإسناد صحيح، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من سحر أو سحر له أو تكهن أو تكهن له أو تطير أو تطير له)، فالذين يدعون علم المغيبات أو الحظ أو الكف أو متى ينجح فلان أو متى يقبل في وظيفة أو غير هذا من هؤلاء وأشباههم كل ذلك مما حرم الله سؤالهم واللجوء إليهم أو تصديقهم، وإنما المؤمن يسأل ربه التوفيق والتسهيل والتيسير، يسأل ربه أن يقضي له حاجته من نجاح في اختبار ومن حصول وظيفة تنفعه.. إلى غير ذلك، أما إتيان الكهان الذين يدعون علم الغيب بأي طريقة فلا يجوز إتيانهم ولا سؤالهم ولا تصديقهم، لما ثبت في حقهم من الأحاديث الصحيحة التي سبق بعضها والله المستعان.

حكم نكاح الشغار

السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع (ع. ح. ع. العتيبي ) أخونا يقول في رسالته: أرجو إفادتي في هذه القضية: لي أخت ليست متزوجة والآن استحقت الزواج تقدم لخطبتها أحد الأشخاص وقال لوالدي: زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي، والمعنى على ما يدل بالبدل وقرر والدي بزواجها بدلاً، وكما سمعنا بأن البدل حرام ولذلك اعترضته -أنا أخوها- اعترضت على والدي حتى لا يتم هذا الزواج لكن في نفسي شيء هل أكون آثماً عندما أعترض على الوالد في مثل هذه الأشياء؟

الجواب: قد أحسنت فيما فعلت ولكن يكون ذلك بالأسلوب الحسن والنصيحة؛ لأن الوالد حقه عظيم فيكون الاعتراض عليه بالأسلوب الحسن والنصيحة والتوجيه وإرشاده إلى سؤال أهل العلم حتى يعلم الحكم الشرعي، وهذا النكاح الذي ذكرت يسمى: نكاح الشغار، ويسميه بعض الناس الآن: البدل؛ وهو: أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو غيرهما من مولياته كبنت أخيه ونحو ذلك على آخر بشرط أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته أو غيرهما أو يزوج ابنه، هذا لا يجوز سواء سمي مهراً أم لم يسم مهراً؛ لأنه ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه نهى عن الشغار في عدة أحاديث عنه عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر وحديث جابر وحديث أبي هريرة وغيرهم، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا شغار في الإسلام)، وقال: (الشغار أن يقول الرجل: زوجني بنتك وأزوجك بنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي)، وثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود عن معاوية رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى أمير المدينة في شخصين تزوجا بالشغار وبينهما مهر فأمره أن يفرق بينهما وقال: هذا هو الشغار الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان هناك مهر كالمعتاد فليس بشغار ولكنه قول مرجوح وضعيف والصواب أنه شغار مطلقاً سواء كان فيه مهر أم لم يكن فيه مهر، إذا كان كل واحد شرط على الآخر التزويج؛ زوجني وأزوجك، أو لا أزوجك حتى تزوجني.. أو ما أشبهه من العبارات الدالة على أنه شرط، أما إذا خطب بنت ووافق ثم خطب الآخر ووافق من دون مشارطة فلا حرج في ذلك، الممنوع المشارطة وأن هذا لا يزوج هذا إلا بشرط تزويجه موليته وهذا فيه فساد كبير؛ من ذلك أنه جعل بضع هذه مهراً لهذه هذا هو المعنى في الحقيقة، ومن ذلك أنه يفضي إلى إجبار النساء وظلمهن من أجل مصلحة الولي ومن ذلك أنه يفضي إلى خصومات كثيرة ونزاع كلما حصل بين هذه وزوجها شيء حصل بين الأخرى وزوجها شيء، وهذا يفضي إلى مفاسد لا تنتهي، ومن حكمة الله عز وجل ومن إحسانه إلى عباده ومن رحمته لهم أن حرم هذا العقد، فالواجب على أهل العلم وعلى كل مسلم أن يحذروا الناس من هذا العقد وأن يمتثلوا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك، وفيما أحل الله غنية وكفاية عما حرم الله.

ضرورة الاهتمام بالعقيدة

السؤال: المستمع (س. ع. م. ل) من الحبشة مقيم في مدينة جدة بعث برسالة يقول فيها: لقد تعلمت في بلدي الحبشة بعض العلوم الدينية ولكني لا أعلم صحتها خاصة فيما يتعلق بالعقيدة إذ تتخللها بعض التهويمات الصوفية، أدركت هذا بعد قدومي إلى هذا البلد، أرجو توجيهي جزاكم الله خيراً؟

الجواب: العقيدة أهم الأمور وهي أصل الدين وأساس الملة وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أممهم وبدأ بها نبينا صلى الله عليه وسلم أمته فمكث في مكة بعد النبوة عشر سنين يدعو إلى توحيد الله والإخلاص له والإيمان بأسمائه وصفاته وأنه رب العالمين وأنه الخلاق العليم وأنه مستحق للعبادة، وكانت العرب تعرف أن الله رب العالمين وأنه خالقهم ولكنهم يتخذون معه الأنداد والآلهة من الشجر والحجر والأصنام وبني آدم والجن.. وغير ذلك، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن العبادة حق الله وحده وأن الواجب عليهم إخلاص العبادة لله وحده وقال: يا قومي! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فلما قال لهم هذا استنكروا ذلك وأنزل الله في حقهم قوله تعالى عنهم أنهم قالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].

فالعقيدة هي أهم الأمور وهي أساس الدين فالواجب على طالب العلم أن يعتني بها حتى يتقنها على بصيرة وحتى يعلمها على بينة.

والخلاصة في ذلك أن الذي عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي بعث الله به الرسل وبعث بهم خاتمهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو الإيمان بالله وحده والإخلاص في عبادة الله جل وعلا والإيمان بأنه مستحق للعبادة فلا يدعى إلا هو ولا يستغاث إلا به ولا يتوكل إلا عليه ولا يتقرب بالذبائح والنذور إلا له سبحانه وتعالى.. إلى غير هذا من العبادات كما قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة:5]، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23]، وقال سبحانه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، وقال عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، وهذه العبادة خلق الله من أجلها الثقلين كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، المعنى: ليخصوني بالعبادة بالدعاء والخوف والرجاء والتوكل والصلاة والصوم والذبح والنذر ونحو ذلك، وبعث الله الرسل بذلك سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، والطاغوت: كل ما عبد من دون الله، قال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، فالتقرب إلى أصحاب القبور بالذبائح أو بالنذور أو بالدعاء أو طلب الشفاء أو المدد هذا من الشرك بالله عز وجل وهو يناقض قول: لا إله إلا الله، فالواجب على المسلمين أن يعبدوا الله وحده وأن يخصوه بدعائهم وخوفهم ورجائهم وذبحهم ونذرهم وصلاتهم وصومهم ونحو ذلك، أما الأموات المسلمون يدعى لهم بالمغفرة والرحمة، تزار قبورهم للذكرى ذكر الآخرة.. ذكر الموت وللدعاء لهم: اللهم اغفر لهم اللهم ارحمهم، كان النبي يزور القبور عليه الصلاة والسلام ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة ويقول (زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)وكان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، فعلم أصحابه أن يدعوا للأموات ويستغفرون لهم ويترحموا عليهم لا أن يدعوا مع الله ولا أن يستغاث بهم ولا أن يطلب منهم مدد، لا، هم عاجزون عن ذلك، هذا بيد الله سبحانه وتعالى وفي حاجة إلى الدعاء لهم في حاجة إلى أن يدعو لهم أخوهم المسلم ويستغفر لهم كان يزور البقيع عليه الصلاة والسلام ويقول: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين غداً مؤجلون وأتاكم ما توعدون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد)، يدعو لهم عليه الصلاة والسلام، هذا هو الواجب وهذا هو المشروع في زيارة الموتى الدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، أما أن يطلب منهم مدد المدد المدد يا فلان! هذا من الشرك الأكبر أو يا سيدي اشف مريضي، يا سيدي البدوي يا سيدي الحسين أو يا فلان أو يا فلان، هذا.. أو اشف لنا مرضانا أو المدد المدد أو انصرنا أو ما أشبه به هذا لا يجوز، بل هذا من أنواع الشرك الأكبر، وهكذا إذا فعله مع الأصنام أو مع الأشجار أو مع الجن كله شرك بالله سبحانه وتعالى، أما الحي فلا بأس أن يطلب منه ما يقدر عليه من الأمور العادية الحي الحاضر القادر، تقول: يا أخي! ساعدني على كذا أقرضني كذا، الشيء المعتاد لا بأس به بين الناس وليس من الشرك إنما الشرك طلب الأموات والاستغاثة بالأموات أو بالغائبين يعتقد أن فيهم سراً وأنهم يسمعون من بعيد يدعوهم يطلبهم المدد هذا هو الشرك الأكبر، أما حي حاضر قادر تخاطبه في أمور يقدر عليها أو تكتب إليه أو بالهاتف بالتلفون تقول له: أقرضني كذا أو ساعدني في مزرعتي في كذا أو بعني كذا أو ماذا ترى في كذا تشاوره في كذا، هذه أمور عادية بين المسلمين وغير المسلمين، بين الأحياء سواء كان من طريق المشافهة أو من طريق المكاتبة أو من طريق الهاتف -التلفون- أو البرقية أو ما أشبه ذلك هذه أمور عادية ليس فيها بأس إنما المنكر والشرك أن تدعو الأموات أو الأصنام الأحجار أو الأشجار تدعوهم تسألهم الشفاعة تسألهم الغوث المدد أو الغائبين عنك الذين يسمعونك تعتقد فيهم أنهم يسمعونك وأن لهم سراً أو تدعو الجن أو ما أشبه ذلك هذا هو المنكر وهذا هو الشرك الذي أنكرته الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنكره نبينا عليه الصلاة والسلام وبعث الله الرسل بإنكاره والتحذير منه، نسأل الله أن يوفق المسلمين لكل خير وأن يبصر المسلمين بما فيه رضاه، وأن يهدي جميع المسلمين للفقه في الدين.

حكم مخالفة أفعال الداعية لأقواله

السؤال: للأخ (س. ع. م. ل) من الحبشة سؤال آخر يقول فيه: إنني كثيراً ما أندفع للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى لكنني ألاحظ على نفسي عدم الامتثال لكل ما أقول وهذا يجعلني في حيرة وقلق، فبماذا تنصحونني جزاكم الله خيراً؟

الجواب: ننصحك أن تستعين بالله في الدعوة وفي العمل، وأن تجاهد نفسك حتى تعمل بما أوجب الله وحتى تنتهي عما حرم الله وحتى تكون من أسبق الناس إلى ما تدعو إليه من الخير وحتى تكون من أبعد الناس عما تنهى عنه من الشر، حتى لا يحتج عليك من تدعوه إلى الله وحتى لا يقول: لو كان هذا صادقاً لما خالف قوله عمله وعمله قوله، الله يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]، وينكر على بني إسرائيل ويقول لهم سبحانه: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ [البقرة:44]، فعليك يا أخي أن لا تجبن وأن لا تضعف عن الدعوة إذا كان عندك علم تدعو إلى الله على حسب علمك وبصيرتك وعليك أن تحذر القول على الله بغير علم عليك أن تتفقه في الدين وأن تتبصر وأن تدعو إلى الله على بصيرة كما قال سبحانه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108]، فإذا كان عندك علم فادع إلى الله على حسب العلم الذي عندك من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وعليك أن تسأل أهل العلم المعروفين بالخير والفضل والبصيرة عما أشكل عليك وأن تجتهد في تدبر كتاب الله والإكثار من قراءته وهكذا السنة تجتهد في حفظ ما تيسر منها وتتعقل مراد النبي صلى الله عليه وسلم وتذاكر أهل العلم في ذلك حتى تكون على بينة، وعليك مع ذلك أن تعمل بما أوجب الله عليك وأن تحذر ما حرم الله عليك، عليك أن لا تكون كالفتيلة يضيء للناس ويحرق نفسه، اتق الله لا تضئ للناس وتحرق نفسك ولكن أضئ للناس ونور للناس واعمل بطاعة ربك واحذر معصيته سبحانه وتعالى، جعلنا الله وإياك من الهداة المهتدين.

حكم عقد النكاح بدون ولي

السؤال: يسأل ويقول: لدينا ما يسمى بيسر عقد النكاح، وهو الاتفاق بين الزوجين على المهر وإحضار شاهدين بغير إذن الولي إما لعدم حضوره أو لعدم إذنه، فهل هذا العقد يعتبر صحيحاً؟

الجواب: ليس بصحيح، لا عقد إلا بولي يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا نكاح إلا بولي)، فالمرأة لا تزوج نفسها ولا تزوج غيرها فلابد في النكاح من الولي والنكاح يحضره أربعة: الولي والزوج والشاهدان هذا هو النكاح الشرعي؛ ولي وهو أقرب العصبة إلى المرأة أبوها ثم جدها وإن علا من آبائها الذكور ثم ابنها ثم ابن ابنها وإن نزل ثم أخوها الشقيق ثم أخوها لأب ثم بقية العصبة الأقرب فالأقرب، لابد من الولي وأن يكون مسلماً معروفاً بالخير عدلاً حسب التيسير، فإن لم يتيسر العدل جاز وإن كان غير عدل إذا كان مسلماً.

فالمقصود أنه لابد من الولي ولابد من شاهدين معروفين بالخير والعدالة فالزوج هو صاحب الحاجة والولي يزوج ويقول: زوجتك فلانة بنت فلان أو بنته أو أخته أو نحو ذلك والزوج يقول: قبلت، والشاهدان يشهدان بذلك، أما ما يسمى بالزواج العرفي وهو كونها تزوج نفسها من دون ولي هذا لا يجوز بل هو باطل عند جمهور أهل العلم وعليه دل النص الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام قوله: (لا نكاح إلا بولي)، قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها).

حكم إثبات هلال رمضان بواسطة المنظار المكبر

السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من أحد الإخوة المستمعين من المنطقة الشرقية يقول: طه محمد موسى أخونا له قضية يقول فيها: سؤالي هو: إذا كانت البدعة هي كل عمل لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أو كل عمل جاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن عليه أمره فماذا عن إثبات هلال رمضان بواسطة المنظار المكبر في الوقت الذي يصعب فيه رؤية الهلال بالعين المجردة، علماً بأن هذا المكبر لم يكن موجوداً في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) الحديث، ثم أليس المقصود هنا الرؤية بالعين المجردة؟

الجواب: البدعة هي التي أحدثها الناس تقرباً إلى الله ولم يشرعها الرسول صلى الله عليه وسلم هذه يقال لها: بدعة كما قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني: في ديننا، فالبدع هي العبادات المحدثة التي ما شرعها الله يقال لها: بدعة، مثل البناء على القبور اتخاذ المساجد عليها، مثل الاحتفال بالموالد مثل الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج وما أشبه ذلك هذه يقال لها: بدعة، أما الاستعانة بالمنظار على رؤية الهلال فليس هذا من القربات وليس هذا من البدع بل هذا مما يستعان به على الرؤية كما يستعان بكونه يكون في محل مرتفع كالمنارة أو السطوح المرتفعة أو يبتعد عن المحلات التي فيها ما يشوش على البصر من الغبار أو شبه ذلك، والعمدة في هذا العين، فالمنظار أو غير المنظار مما يعين على الرؤية لا يضر؛ لأن الرؤية بالعين فقط إنما هذا يعين على إدراكها المرئي وهو الهلال، فإذا استعان بكونه في السطح المرتفع أو في المنارة أو في محلات بعيدة عن التشويش على الرؤية، ومن ذلك المنظار فلا يضر إذا كان العمدة على رؤيته بالعين وإنما المنظار يساعد فقط فهذا لا يضر وإنما الذي يمنع أن يعتمد على الحساب كونه ولد هذه الليلة أو ما ولد فالحساب لا يعتمد عليه عند أهل العلم بل هو إجماع أهل العلم المعتبرين، أن الحساب لا يعول عليه في إثبات الهلال وإنما المعول على الرؤية بالعين لا بالحساب فالمنظار الذي يستعان به فقط على الرؤية والعمدة على العين كالمنارة والسقف المرتفع الذي يستعان بوجوده فيه وجلوسه للرؤية والله ولي التوفيق.

المقدم: جزاكم الله خيراً، إذاً البدعة هي ما كان له صلة مباشرة بالعبادة؟

الشيخ: نعم، أما ما يتعلق بالعادات أمور الدنيا ولو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم كالسيارات والطائرات والتلفون وأشباه ذلك والقطارات هذه لا تسمى بدعة من حيث الشرع وإن سميت بدعة من حيث اللغة لأنها جديدة.

وجوب الصوم برؤية الثقة للهلال

السؤال: يسأل ويقول: ما حكم من يعتمد في رؤية الهلال على العين المجردة إذا كانوا من أهل البادية وهم يقومون في ليلة تحري الهلال ذكوراً وإناثاً كباراً وصغاراً فينظرون عند غروب الشمس حتى مغيب الشفق فلا يرون الهلال مهما كانت السماء صافية ثم يفاجئون في منتصف الليل أنه قد ثبتت رؤية الهلال وذلك في وسائل الإعلام مثلاً، توجيهكم شيخ عبد العزيز حول هذه القضية جزاكم الله خيراً؟

الجواب: متى ثبت أنه رئي بشهادة الثقة وجب الصوم على من بلغه ذلك في المملكة المعينة، أو أي دولة أعلنت الهلال على الوجه الشرعي برؤية الهلال بالعين فإنه يلزم أن يصوم أولئك البادية وإن لم يروه فإن البصر يختلف ومعرفة محل الهلال والتحديد عليه تختلف بالنسبة إلى الناس، فليس كل من تراءه يعرف محله وموضع وجوده حتى يركز عليه وليست الأبصار على حد سواء بل هي مختلفة، فإذا ثبتت رؤيته عند غيرهم وجب عليهم أن يصوموا إذا كانت الرؤية معتبرة كإعلان هذه الدولة أو من دولة تعتمد على الرؤية لا على الحساب فإن الواجب اتباع ذلك وأن يصام بالرؤية وإن كان أولئك البادية مثلاً أو القرية أو المدينة لم يروا لأن النبي عليه السلام قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأتموا العدة ثلاثين فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا).

فاعتمد عليه الصلاة والسلام على الرؤية بالشهادة من دون حاجة إلى أن يراه الجميع بل متى شهد شاهدان كفى بل شاهد واحد ثقة يكفي، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام)، عليه الصلاة والسلام.

المقدم: جزاكم الله خيراً.

سماحة الشيخ! في الختام أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

الشيخ: نرجو ذلك.

المقدم: مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

شكراً لمتابعتكم وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (616) للشيخ : عبد العزيز بن باز

https://audio.islamweb.net