إسلام ويب

نصيحة للنساء المتساهلات بالحجاب

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج: نور على الدرب. قضاياكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

في بداية لقائنا نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بالإجابة على رسائل وقضايا السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز .

الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

المقدم: حياكم الله.

====

السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى برنامج من (م. ع. ن. ز) من جمهورية مصر العربية أخونا يرجو مناقشة كثير من الأمور تتعلق بالحج، فيصورها كما يلي: نرى كثيراً من النساء لاسيما القادمات من خارج البلاد يتساهلن بالحجاب ويعلم سماحتكم ما يحصل من الفتنة بسبب ذلك، فما نصيحتكم لهؤلاء النسوة أثابكم الله؟

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فلاشك أن النساء فتنة للرجال والخطر بتبرجهن وإظهارهن المحاسن عظيم، كما قال الله عز وجل في كتابه المبين: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] وصح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) فالواجب على الرجال التحرز من ذلك بغض البصر وحفظ الفرج، كما قال الله سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، والواجب على النساء كذلك في قوله سبحانه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31] وعليهن مع ذلك زيادة العناية بالتستر والحجاب وعدم إبداء الزينة لغير محارمهن، لقوله في نفس الآية من سورة النور: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية، وقال سبحانه في سورة الأحزاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53].

فالواجب على النساء الابتعاد عن كل ما يفتن الرجال من إظهار المحاسن والمفاتن من رأس أو وجه أو صدر أو ساق أو قدم أو غير ذلك، فالواجب عليها -أي: المرأة- أن تعنى بالحجاب في الحج وغيره، والحج مجمع للناس من كل جنس، فالتستر فيه من أهم المهمات والحجاب فيه من أوجب الواجبات حذراً من الفتنة، والنبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين) ليس معناه الإذن لهن في إظهار محاسنهن وإبداء مفاتنهن، لا، إنما معناه: ترك هذا الشيء ترك النقاب وهو ما خيط على قدر الوجه، وترك القفاز وهو ما خيط على قدر اليدين، فلا تلبس النقاب الذي تلبسه النساء عادة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم ويكون ساتراً للوجه غير العينين، ولا تلبس القفازين وهما كساءان وإن شئت قلت: غشاءان يجعلان لليدين من الصوف أو من القطن أو من غيرهما، هذا ممنوع في حق المرأة وقت إحرامها بالحج أو بالعمرة، لكن ليس معنى ذلك أن تبدي هذه الزينة بل تغطي ذلك بغير النقاب وبغير القفاز، فتغطي اليدين بجلبابها وبغيره من الملابس العامة، وتغطي وجهها بغير النقاب كالجلباب والخمار ونحو ذلك، ولهذا جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فإذا دنا منا الرجال سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه).

فالمطلوب من هذا كله هو البعد عن الفتنة، فإذا كانت بين الرجال وقرب الرجال احتجبت بالجلباب أو بالخمار بدلاً من النقاب وكذلك ترك ما يجلب الفتنة من وجود أشياء ظاهرة من ملابس جميلة تلفت النظر أو أشياء قد تبدو في اليد من الحلي ونحو ذلك، فينبغي لها أن تلاحظ هذا حتى تستر جميع بدنها وحتى لا تكون سبباً لفتنة أحد من الناس في هذا الموسم العظيم موسم الحج، فتكون ساترة وجهها وكفيها وجميع بدنها حتى لا يرى منها ما يفتن أحداً من الناس عند اجتماعها بالرجال وعند اختلاطها بالرجال في الطواف في السعي في عرفات في مزدلفة في أي مكان تبتعد عن أسباب الفتنة؛ لأن الله جل وعلا أمر النساء بالحجاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] فأبان سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع، يعني: أبعد عن أسباب الفتنة، فإن الفواحش نجاسة، وطاعة الله ورسوله والابتعاد عما حرم الله كله طهارة، ولهذا قال: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] وقال في غض البصر وحفظ الفرج: ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] فالواجب على الجميع هو الابتعاد عن كل ما حرم الله، الرجل يبتعد عن أسباب الفتنة بغض بصره وحفظ فرجه وعدم الخلوة بالمرأة الأجنبية كما جاءت السنة بذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما) وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وقال: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) كل ذلك لصيانة المؤمن من أسباب الفتنة ولصيانة المؤمنة من أسباب الفتنة، وهذا يعم الحج وغيره، يعم سفر الحج ويعم غير ذلك ويعم المرأة في الحج وفي غير الحج، فهي فتنة أينما كانت، فعليها أن تبتعد عن أسباب الافتتان بها وعلى الرجل أيضاً أن يبتعد عن أسباب الفتنة به وأن لا يكون عرضة لفتنة النساء وأن لا يفتتن هو أيضاً بالنساء، كل واحد منهما يحذر أسباب الفتنة به لعله ينجو ولعله يسلم في موسم الحج وفي غيره.

آداب زيارة المسجد النبوي للحجاج

السؤال: نسمع الكثير من الحجاج وغيرهم إذا دخلوا المسجد النبوي نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: يا رسول الله! أتيتك من بلاد كذا وكذا فاشف مريضي واقض حاجتي وارزقني كذا وكذا إلى آخره، فما هو توجيه سماحتكم لهؤلاء أعزكم الله؟

الجواب: الزيارة للمسجد النبوي سنة وقربة وطاعة ويشد لها الرحال، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) فهذه الثلاثة المساجد هي أفضل مساجد الدنيا ولهذا شرع الله شد الرحال لها للعبادة، المسجد الحرام للحج والعمرة والصلاة فيه والقراءة والاعتكاف، والمسجد النبوي للصلاة فيه والقراءة والذكر والاعتكاف والتعلم والتعليم كما في المسجد الحرام، لكن يختص المسجد الحرام بالطواف؛ لأن الله شرع الطواف به ويقصد لأداء الحج والعمرة، أما المسجد النبوي فيقصد لما يقصد فيه الصلاة والقراءة فيه والذكر والاعتكاف ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة) فهذا فضل عظيم، والسنة للزائر إذا زار المسجد أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، يقف على قبره وقبر صاحبيه ويسلم على الجميع، فيقف أمام القبر الشريف ويقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله عن أمتك أفضل الجزاء وأحسنه. وإن اكتفى بالسلام فقط وانصرف فلا بأس، ثم يأخذ عن يمينه قليلاً فيسلم على الصديق ويقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته جزاك الله عن أمة محمد خيراً ورضي الله عنك، فلقد نصحت وأديت الأمانة.. ونحو ذلك، وهكذا ينحرف قليلاً عن يمينه أيضاً ويسلم على عمر الفاروق رضي الله عنه كما سلم على الصديق ويدعو له رضي الله عن الجميع، هذا السنة.

أما أن يناديه من قريب أو من بعيد يقول: يا رسول الله! أغثني أو اشف مريضي أو جئتك من بلاد بعيدة لتشفيني أو لتعطيني كذا وكذا، هذا هو الشرك الأكبر، هذا لا يجوز لا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره ولا مع الصديق ولا مع عمر ولا مع أي أحد من الناس؛ لأن العبادة حق الله وحده، والدعاء هو العبادة، فلا يجوز صرفه لغير الله كائناً من كان، والأموات لا يسألون ولا يدعون ولا يستغاث بهم، سواء كانوا من الأنبياء أو من غير الأنبياء، فالواجب إخلاص العبادة لله وحده، كما قال الله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] وقال سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] وقال سبحانه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] فقوله: (أحداً) نكرة في سياق النهي تعم الأنبياء وتعم الصالحين وتعم الأصنام والأشجار والملائكة وغير ذلك: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] يعني: كائناً من كان، وهكذا قوله سبحانه: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] يعني: المشركين، وكل من سوى الله لا ينفع ولا يضر، فالله سبحانه هو النافع الضار وهو الذي يجعل المنفعة فيمن يشاء ويسلبها عمن يشاء ويجعل المضرة فيمن يشاء ويسلبها عمن يشاء، هو سبحانه النافع الضار المعطي المانع القوي العزيز جل وعلا، فهو الذي يسأل ويطلب سبحانه وتعالى، فإذا جئت إلى رسول الله للسلام عليه أو إلى أي مقبرة للسلام على القبور والدعاء لهم فاحذر أن تدعوهم مع الله، لا تقل: يا سيدي فلان اشف مريضي أو اقض حاجتي أو أنا في حسبك أو أنا في جوارك أو قد جئتك قاصداً لك لتغفر لي أو لترحمني أو لتشفي مريضي أو لتسهل كربتي لا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره، هذا حق الله سبحانه وتعالى، ولكن تسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه وتترضى عنهما وتصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشهد له بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، هذا حق، أما الزيادة على هذه بأن تقول: يا رسول الله! اشفع لي أو انصرني أو اشف مريضي أو أنا في جوارك أو أنا في حسبك أو أنا مظلوم فانصرني أو أمتك قد أصابها ما أصابها فانصرها أو اشفها مما أصابها أو ما أشبه ذلك فهذا لا يجوز، هذا من الشرك بالله سبحانه وتعالى، ولكن هذا يطلب من الله، تطلب في صلاتك في المسجد النبوي وغيره في بيتك، تقول: يا رب انصرني، يا رب أصلح أمة محمد يا رب وفقهم يا رب اجمع كلمتهم على الحق، يا رب احمهم من شر أعدائهم، يا رب اغفر لي، يا رب اشفي مريضي، هذا بينك وبين الله سبحانه وتعالى في المساجد، في الصلاة، في غير ذلك، أما المخلوق وإن كان نبياً لا يملك هذا، كله بيد الله عز وجل، يقول الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم لما قنت مدة من الزمن يدعو على أحياء من العرب أنزل الله في حقه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128] فالأمر لله سبحانه وتعالى، هو الذي بيده الهداية والإضلال والضر والنفع والعطاء والمنع وغير ذلك، كله بيده سبحانه وتعالى، هو المالك لكل شيء والشفاعة حق لله سبحانه وتعالى: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا [الزمر:44] ملك له سبحانه وتعالى يعطيه من يشاء، وقد أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن الله يشفعه يوم القيامة، ما في حاجة إلى أن تسأله أنت وهو في قبره، إذا كان يوم القيامة إن كنت من أهل الجنة دخلت في شفاعته وكذلك يشفع في أهل الموقف يقضى بينهم وأنت منهم، فلا حاجة إلى أن تسأله أنت تسألها الله، تقول: اللهم شفع في نبيك اللهم اجعلني من أهل شفاعته اللهم اجزه عنا خيراً وما أشبه ذلك، أما أن تطلبها من النبي صلى الله عليه وسلم فلا، أما في حياته فلا بأس إن كان حياً بين الناس عليه الصلاة والسلام تقول: يا رسول الله! اشفع لي أن الله يهديني، أن الله يرزقني، كان يشفع لأصحابه، ولما أصابهم الجدب والقحط في بعض السنوات أتى بعضهم إليه وهو يخطب يوم الجمعة، فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا، فرفع يديه عليه الصلاة والسلام وقال: اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) فأنشأ الله السحاب ثم أمطر، فخرج الناس في المطر كل يهم نفسه أن يصل إلى بيته ولم يزل المطر إلى الجمعة الأخرى (ثم جاء ذلك الرجل أو غيره في الجمعة الأخرى، وقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكه عنا، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) فانقشع السحاب ووقف المطر عن المدينة وأجاب الله دعوته في الحال في الأولى والأخرى عليه الصلاة والسلام وذلك من علامات نبوته وأنه رسول الله حقاً عليه الصلاة والسلام، ففي حياته لا مانع أن يطلب منه أن يستغيث للمسلمين أن يشفع لهم، وهكذا يوم القيامة وهو بين أظهرهم يوم القيامة يتوجه إليه المؤمنون ويسألونه أن يشفع حتى يريح الله الناس من هول الموقف وحتى يقضي بينهم ثم يطلب الله أيضاً للمؤمنين أن يدخلوا الجنة، يشفع إلى الله سبحانه في دخول أهل الجنة الجنة، هذا حق جاءت به النصوص.

أما وهو في قبره بعد البرزخ بعدما مات عليه الصلاة والسلام فإنه لا يطلب منه شيء بل يصلى عليه عليه الصلاة والسلام وتتبع سنته ويعظم أمره ونهيه، أما أن يسأل شفاء المرضى أو قضاء الحاجات عند قبره أو في أي بلد فهذا هو الذي لا يجوز، هذا هو الشرك الأكبر الذي حرمه الله على عباده في قوله سبحانه: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] وفي قوله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72] وفي قوله سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] وفي قوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48] فالواجب على كل مكلف وعلى كل إنسان أن ينتبه لهذا الأمر، سواء كان حاجاً أو غير حاج، فليحذر الاستغاثة بالأنبياء أو بالصالحين أو بالملائكة أو بالجن في أي مكان بل يجعل دعاءه لله وحده ويخص ربه بالدعاء والاستغاثة ويلجأ إليه سبحانه ويسأله قضاء حاجاته وتفريج كروبه فهو سبحانه القادر على كل شيء جل وعلا، أما الأنبياء والملائكة والجن وسائر الخلق فليس في أيديهم شيء، الملك لله وحده سبحانه وتعالى، هو المالك لكل شيء جل وعلا: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120] سبحانه وتعالى، فاتق الله يا عبد الله واحذر ما حرم الله عليك وانصح من معك من إخوانك وبين لهم ما شرع الله لهم في الحج وفي غيره وحذرهم مما حرم الله عليهم وهكذا النساء يعلمن ويوجهن إلى ما يرضي الله ويقربهن إليه ويبين لهن أيضاً ما شرع الله لهن في الحج حتى يكون الجميع على بصيرة في حجهم وفي زيارتهم للمسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام.

وصايا هامة للحجاج

السؤال: أخونا أيضاً يسأل ويقول: الكثير من الحجاج هداهم الله يأتون من مكان بعيد ويتكبدون الصعوبات والمشاق ولكنهم لا يصونون حجهم مما يفسده أو ينقصه، مثل التساهل بالصلاة مع الجماعة ولعب الورق واستماع آلات اللهو وشرب المحرمات وغير ذلك، فنرجو بيان حرمة هذا العمل لاسيما في هذا السبيل جزاكم الله خيراً؟

الجواب: وصيتي لجميع الحجاج من الرجال والنساء أن يتقوا الله عز وجل في كل مكان، في طريقهم للحج وفي مشاعر الحج وفي المسجد الحرام وفي كل مكان، وصيتي للجميع أن يتقوا الله وأن يحرصوا كثيراً على أداء ما فرض الله وعلى ترك ما حرم الله، وأن يكملوا حجهم بالبعد عن كل ما حرم الله عليهم حتى يكون الحج كاملاً تاماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) وهذا فضل عظيم، فالمؤمن إذا أكمل حجه فلم يرفث ولم يفسق رجع من هذا الحج العظيم رجع كيوم ولدته أمه مغفوراً له، يعني: قد غفر الله له، والرفث هو الجماع للمرأة وما يدعو إليه من القول والفعل، فالمحرم يبتعد عن ذلك، لا يجامع زوجته حتى ينتهي من إحرامه من رمي الجمار والحلق أو التقصير والطواف والسعي بعد نزوله من عرفات، والمعتمر كذلك إذا أحرم بالعمرة لا يأتي زوجته ولا يداعبها ولا يمسها لشهوة حتى يطوف ويسعى ويقصر أو يحلق ويتم عمرته، هذا هو الرفث، فالجماع وما يدعو إليه يسمى رفثاً، فالمحرم يبتعد عن ذلك في حجه وعمرته حتى يكمل حجه، حتى يتحلل من عمرته وحتى يتحلل التحلل الثاني من حجه بعد الطواف والسعي ورمي الجمار يوم العيد والحلق أو التقصير، هذا هو الواجب على الحاج والمعتمر وكذلك الفسوق يجتنبه، الفسوق والمعاصي كلها، فالمؤمن يجتنب الفسوق في الحج وفي غيره، فكل المعاصي تسمى فسوقاً، ومن ذلك الغيبة والنميمة والتعدي على الناس بالضرب أو بغيره، أو التعدي عليهم في أموالهم والسب والشتم، كل هذا من المعاصي، فالواجب على الحاج والمعتمر وغيرهما من رجال ونساء أن يتجنبوا ذلك، ومن ذلك التكاسل عن الصلاة في الجماعة فإن صلاة الجماعة فريضة، والواجب على الحاج أن يصلي في الجماعة وأن لا يتساهل، وأعظم من ذلك وأكبر، أن يدع الصلاة وأن يتساهل بها هذا أعظم وأكبر يجب أن يحافظ على الصلاة في أوقاتها فإنها عمود الإسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) وقال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه، وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.

فالواجب على الجميع من الرجال والنساء العناية بالصلاة والمحافظة عليها في أوقاتها في الحج وفي غيره وفي أي مكان فهي عمود الإسلام وهي أعظم الفرائض بعد الشهادتين، فيجب على الرجال والنساء من المسلمين العناية بالصلاة والمحافظة عليها وأداؤها بخشوع والطمأنينة، والإقبال عليها وعدم العجلة، يؤديها بطمأنينة وعدم نقر وعدم عجلة في أيام الحج وفي غير الحج هكذا المؤمن وهكذا المؤمنة، وكذلك آلات الملاهي والغناء يبتعد المؤمن عن ذلك في الحج وفي غيره؛ لأن الغناء كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل. والله سبحانه يقول : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [لقمان:6] قال أكثر العلماء من المفسرين: (لهو الحديث) هو الغناء. وإذا كان من النساء ومن يتشبه بالنساء صارت الفتنة أكبر وأعظم، وإذا كان في الإذاعة وفي مواسم الحج صار أشد، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو أحد علماء الصحابة أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع، الغناء هو ما يقع من الأشعار الملحنة في مدح الزنا أو الخمور أو ذكر النساء أو الفتنة بالنساء أو غير هذا مما يجر إلى الفساد والشر، فهذا خطره عظيم في الحج وفي غيره، فالواجب اجتنابه، وإذا كان مع الغناء آلات اللهو من العود والكمان والمزمار والموسيقى صار الشر أكثر وصارت الفتنة أكبر وصار الإثم أشد، فيجب على المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك في أي مكان في الحج في السيارة في الطائرة في القطار في بلاده في غير بلاده أينما كان فالمؤمن مع إخوانه يتواصون بالخير، فالله سبحانه يقول: : وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3] هؤلاء هم الرابحون هؤلاء هم السعداء: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62] صدقوا الله ورسوله ووحدوا الله وعظموه وأخلصوا له العبادة وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه واتبعوه وعملوا الصالحات، يعني: أدوا فرائض الله واجتنبوا محارم الله، ثم مع ذلك تواصوا بالحق، يعني: يتناصحون يتعاونون على البر والتقوى وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:3] أيضاً على ذلك، هؤلاء هم الصالحون هؤلاء هم الرابحون هؤلاء هم السعداء هم الأخيار، فعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يحرص على أن يكون من هؤلاء.

المقدم: سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى على تفضلكم بإجابة قضايا هذه الحلقة، وآمل أن يتجدد اللقاء دائماً وأنتم على خير وفي صحة وعافية.

مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

من الإذاعة الخارجية سجلها لكم زميلنا مطر محمد الغامدي شكراً لكم جميعاً وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب (159) للشيخ : عبد العزيز بن باز

https://audio.islamweb.net