إسلام ويب

تكلم الشيخ رحمه الله عن أصناف أهل الزكاة الذين يستحقونها، وما هي صفاتهم التي بها يعطون من أموال الزكاة، ثم تطرق لتفسير قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة:1] وأتى بما فيها من أحكام.

الأصناف التي تصرف لهم الزكاة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن هذا هو اللقاء الثالث من لقاءات شهر رمضان في الجامع الكبير في عنيزة ، الواقع في ليلة الأحد، الثاني عشر من شهر رمضان عام (1412هـ).

وقد وعدنا فيما سبق أن يكون هذا اللقاء في الكلام عن أهل الزكاة الذين فرض الله سبحانه وتعالى صرف الزكاة إليهم، وذلك لأن الله عز وجل حد حدوداً لعباده وقال لهم: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا [البقرة:229] فلما فرض عليهم الزكاة بين لهم أين توضع هذه الزكاة، في قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60] هؤلاء ثمانية أصناف: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل.

قال العلماء: وهذه الآية تبين أن أهل الزكاة صنفان:

1- صنف يعطون لحاجتهم.

2- صنف يعطون لحاجة الناس إليهم، هذا من جهة.

وأن أهل الزكاة صنفان أيضاً:

1- صنف يعطونها على سبيل التمليك, ولابد من تمليكهم.

2- صنف يعطونها على أنهم جهة لا يشترط التمليك.

من يعطى لحاجته، ومن يعطى لحاجة الناس إليه

(الفقراء والمساكين) يعطون لحاجتهم. والعاملون عليها يعطون لحاجة الناس إليهم؛ لأن العاملين على الزكاة هم الذين ينصبهم ولي الأمر ليقوموا بجباية الزكاة وتصريفها في أهلها، فهم محتاجون إليهم.وفي الرقاب: محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاجون.(والغارمين): الغارمون قسمان: محتاجون، ومحتاج إليهم؛ فإن كان الغرم لأنفسهم فهم محتاجون، وإن كان الغرم لغيرهم فهم محتاج إليهم، وذلك لأن الغارمين هم المدينون وهم نوعان: غارم لنفسه، وغارم لغيره، فإن كان الغرم في حاجة الإنسان كما لو استدان الإنسان لشراء حوائج له فهؤلاء يعطون لحاجتهم وإن كانوا غارمين لغيرهم وهم الذين يصلحون بين القبائل بعوض يلتزمون به، فهؤلاء محتاج إليهم.مثال ذلك: رجل فاضل رأى بين قبيلتين عداوة وشحناء فأصلح بينهم بعوض التزم به، فهذا يقال: غارم لغيره، ويعطى من الزكاة ما يسدد به الغرامة التي التزم بها للإصلاح بين الناس.(وفي سبيل الله) هؤلاء محتاجون أو محتاج إليهم؟ محتاج إليهم؛ لأن في سبيل الله هم المجاهدون والمجاهدون يعطون ولو كانوا أغنياء، إذاً هم يعطون لحاجة الناس إليهم لا لحاجتهم.فصار الذين يعطون لحاجة الناس إليهم: العاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والغارمون لغيرهم، وفي سبيل الله، هؤلاء يعطون لحاجة الناس إليهم.والفقراء، والمساكين، والرقاب، والغارم لنفسه، وابن السبيل يعطون لحاجتهم.

من يعطى على سبيل التمليك أو أنها جهة من الجهات

الوجه الثاني من أقسام هذه الآية: أنها دلت على أن الذي يعطى الزكاة ينقسم إلى قسمين: من يأخذها على سبيل التملك، ومن يأخذها على أنها جهة من الجهات.

فما صدر بـ(اللام) فهو على سبيل التملك وما صدر بـ(في) فهو على سبيل الجهة، ولننظر: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60].

الأصناف الأربعة الأولى يعطونها لسبيل التمليك؛ لأن استحقاقهم صدر بـ(اللام) واللام تفيد الملك.

أما الآخرون الأربعة فإن استحقاقهم صدر بـ (في) وفي للظرفية، والمعنى: أنهم جهة تصرف إليها الزكاة، ولهذا لو رأيت عبداً عند سيده، فذهبت فاشتريته من سيده من الزكاة، فهل أنا ملكت هذا العبد أو لا؟ لا، لكني اشتريته من سيده.

كذلك أيضاً الجهاد في سبيل الله، لو أنني اشتريت أسلحة وأعطيتها المجاهدين ليجاهدوا فيها فهل أنا ملكتهم؟ لا، لأنهم صاروا بدونها بعد انتهاء الحرب، إذاً نقول: ما صدر بـ(في) فإنه لا يشترط فيه التمليك.

الغارم المدين: لو ذهبت إلى الدائن وسددت دين المدين أجزأ أم لا؟

أجزأ مع أن المدين لم يملكه، لأنه صدر بـ(في).

الشرح الإجمالي للأصناف التي تصرف لهم الزكاة

تفسير قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)

الفقراء والمساكين هم المحتاجون الذين لا يملكون كفايتهم وكفاية عائلتهم لمدة سنة، وكيف نعرف ذلك؟ نعرف ذلك إذا رأينا الرجل ليس بيده شيء ويشتري حوائج بيته بالدين، أو رأينا أن له راتباً محدوداً ونفقته أكثر من هذا الراتب، مثل لو كان راتبه ثلاثة آلاف ريال ونفقته أربعة آلاف ريال هذا فقير، يحتاج إلى ربع النفقة، ولهذا إذا كان هذا الرجل راتبه ثلاثة آلاف ريال وإنفاقه أربعة آلاف ريال نعطيه في السنة (12.000) ريال لنسدد كفايته.

فإذا قال قائل: لماذا حددتم بسنة؟ لماذا لا تعطونه كفايته على الدوام إلى أن يموت؟

قلنا: إعطاؤه إلى الموت غير ممكن، لماذا؟

لأنه لا ندري متى يموت، فإذا قدرنا أنه يموت بعد عشر سنوات وإنفاقه في السنة عشرة، نعطيه على هذا مائة، ولكن لا ندري قد يموت في أول سنة، ولهذا نقدر بسنة.

وأيضاً: الأموال الزكوية لا تجب فيها الزكاة إلا عند تمام الحول، فهو يتمتع بهذه الزكاة حتى يأتي دور الزكاة الأخرى التي تكون عند الحول.

تفسير قوله تعالى: (والعاملين عليها)

أما العاملون عليها فقلت: إنهم الذين ينصبهم ولي الأمر لأخذ الزكاة من أهلها وصرفها في محلها، فهم نائبون عن ولي الأمر، ولهذا إذا وصلتهم الزكاة برئت ذمة المزكي ولو تلفت.

لو أن الجباة الذين تبعثهم الدولة يأتون إلي ويأخذون زكاتي ثم تتلف قبل أن تصل إلى الفقراء فأنا منها بريء، بخلاف ما لو وكلت شخصاً قلت: يا فلان! هذه عشرة آلاف ريال زكاة وزعها على نظرك، ثم تلفت فإنها لا تبرأ الذمة، يجب عليَّ أن أخرج بدلها، ثم أرجع إلى صاحبي إن كان قد تعدى أو فرط فإنه يضمن، وإن لم يتعد ولم يفرط فلا ضمان عليه.

أما العاملون عليها فالذي بلغهم من الزكوات تبرأ به الذمة حتى لو تلف، لأن العاملين عليها جهة صرف.

تفسير قوله تعالى: (والمؤلفة قلوبهم)

المؤلفة قلوبهم من هم؟

المؤلفة قلوبهم: هم الذين يعطون لتأليفهم على الإسلام، أو لتأليفهم على قوة الإيمان، ولا يشترط على الأظهر أن يكونوا من السادة أي: من ذوي الشرف في بني جنسهم، بل كل من احتاج إلى التعليم فإنه يعطى، فلو رأينا شخصاً أسلم عن قرب ولكنه مزعزع، فإذا أعطيناه قوي إيمانه، فهنا نعطيه من الزكاة لتأليف قلبه، ولو خفنا شر إنسان فإننا نعطيه من الزكاة اتقاء شره، فهذا كله داخل في المؤلفة قلوبهم.

تفسير قوله تعالى: (وفي الرقاب)

قال العلماء إن لها صور:

الصورة الأولى: أن يشتري عبداً من سيده فيعتقه، معلوم لكن من أي مال؟ يشتريه من مال الزكاة ثم يعتقه، أو أن يرى عبداً مكاتباً؛ والعبد المكاتب: هو الذي اتفق مع سيده على أن يبذل له دراهم ثم يعتق بعدها، فيعين هذا المكاتب من الزكاة، هذا أيضاً داخل في قوله: (وفي الرقاب).

الصورة الثانية: أن يرى أسيراً مسلماً عند الكفار فيأخذه منهم بعوض ليخلصه من الأسر أو ما وراء الأسر وهو القتل، هذا أيضاً داخل في قوله: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة:60] لأنه يفك هذا الأسير.

تفسير قوله تعالى: (والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل)

الغارم: هو الذي عليه دين في ذمته كثمن مبيع، وأجرة بيت، وغرم حادث، وما أشبه ذلك، فهذا يعطى ما يسدد دينه، ويجوز أن أذهب إلى الذي يطلبه وأعطيه من الزكاة وأقول: هذا عن فلان لأنه داخل في قوله: والْغَارِمِينَ [التوبة:60].

أما في سبيل الله فهو الجهاد, إذا وجدنا أناساً يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، فإننا نعطيهم من الزكاة ما يكفيهم لجهادهم.

وأما ابن السبيل: فهو المسافر الذي انقطع به السفر، ولم يجد ما يوصله إلى بلده، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده.

حاجات البيت: من ثلاجة، وغاز، وفرش، هل تعتبر من الكفاية أم لا؟

الغاز من الكفاية، والثلاجة الآن من الكفاية، والفرش بعضها من الكفاية وبعضها زائد، فمثلاً: فرش الدرج ليس من الكفاية، يعني: لو بقت الدرج غير مكسوة وغير مفروشة لاستقامت الحال، أما الفرش التي تكون في المجالس فهي من الحاجة لا شك.

الزواج هل هو من الكفاية؟

نعم من الكفاية، لأن الإنسان يحتاج إليه، ولأن فيه مصالح كثيرة.

ولهذا من هذا المكان نحث إخواننا أولياء البنات أن يحرصوا على تزويجهم وأن يقتنعوا بما تيسر من المهر لما في ذلك من الخير والبركة، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مئؤنة.. مهراً أو غير مهر، وأما الصفقات التي يفعلها بعض الناس اليوم مع من ولاهم الله عليهن بحيث يبيعها كأنها سلعة، فهذا حرام ولا يجوز، والواجب أن نختار من هو أفضل في دينه وخلقه ونزوجه بما تيسر، ولكن مع ذلك نقول: إن الفقير المحتاج إلى النكاح يعطى من الزكاة لأنه داخل في قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].

حكم إعطاء القرابة والمدين وشراء أسلحة للمجاهدين من الزكاة

هل يجوز أن يعطي الإنسان من زكاته أحداً من قرابته؟فيه تفصيل: إن كان ممن تجب عليه نفقته فإنه لا يجوز أن يعطيه الزكاة؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد خدم ماله، وأحيا ماله، مثاله: رجل أخ لشخص غني والثاني فقير، فالواجب على الغني أن يقوم بكفاية الفقير ما دام لا يرثه إلا هو، ومن النفقة أن يزوجه فإن أبى زوجناه من الزكاة؛ لأن النكاح من أهم الحاجات وأعظمها وأفضلها. المدين داخل في قوله: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60] وهل يشترط تمليكه أو لا؟لا يشترط؛ لأنه داخل بـ (في)، الغارمين معطوفة على ما سبق، وهو مجرور بـ(في)، وعلى هذا فلا يشترط أن أملك المدين، بل يجوز أن أذهب إلى الدائن وأقول: إنك تطلب فلاناً كذا وكذا، وهذا سداده، وإن لم يعلم المدين؛ لأنه لا يشترط فيه تمليك المعطى.هل يجوز أن أشتري أسلحة من الزكاة وأعين بها المجاهدين؟نعم. لأنه لا يشترط تمليكهم، وإذا لم يشترط تمليكهم فلي أن أشتري أسلحة وأدفعها إلى جبهات القتال.هذا ما أردنا أن نتكلم عليه حول أهل الزكاة.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود)

أما ما اقترحتم من أن نتكلم على شيء من الآيات التي مرت علينا فأهم شيء قوله تعالى، بل هو من أهم شيء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] فإن هذه الآية موجهة لكل مؤمن أن يوفي بالعهد الذي بينه وبين عباد الله، سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، وهذه الآية كقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34] فيدخل في ذلك:

عقود المبايعات: يجب أن نفي بها، فلا يجوز أن نفسد البيع بعد انعقاده انعقاداً لازماً؛ لأن بعض الناس -والعياذ بالله- إذا رأى أنه مغبون في السلعة ذهب يماطل ويدعي أن فيها عيباً من أجل أن يفسخ العقد، وهذا حرام.

ومن الوفاء بالعقود: الوفاء بالشروط المقرونة بالعقود؛ لأن الشروط المقرونة بالعقود أوصاف للعقود، والأمر بالوفاء بالعقود يشمل الأمر بها ذاتها والأمر بما تتضمنه من أوصاف، فيجب على الإنسان أن يوفي بالشرط الذي التزمه عند العقد.

ومن ذلك: ما يكون بين الموظفين وبين الدولة من الشروط فإنه يجب علينا أن نوفي بها، فلا نتخلف عن موعد الحضور، ولا نتقدم على موعد النهاية، كذلك لا يجوز أن نذهب إلى العمرة وندع الوظيفة، ولا يجوز أن نذهب إلى المساجد إلى الاعتكاف وندع الوظيفة؛ لأن البقاء في الوظيفة فرض، الوظيفة عقد بين الموظف وبين الدولة وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ فإذا كانت الدولة لا تسمح أن يذهب الإنسان إلى عمرة أو أن ينحصر في مسجد فإنه لا يجوز أن يذهب إلى عمرة ولا أن ينحصر في مسجد، وما يسمى بالإجازة الاضطرارية فهي على اسمها إجازة اضطرارية؛ إن اضطر الموظف إليها فله الرخص، وإن لم يضطر فلا، ولننظر هل الذهاب إلى العمرة يعتبر ضرورة؟

لا، ليس ضرورة حسية، ولا ضرورة شرعية، بل هي نفل من النوافل، والقيام بواجب الوظيفة واجب، فكيف نسقط الواجب من أجل فعل مستحب؟!!

ثم إن هذا الواجب قد رتب عليه مكافئة من الدولة، المكافئة تقابل جزءاً من زمن الخدمة، فإذا أهملت أجزاءً فإن هذا يعني أن الأجرة ينقص منها بقدر ما أهملت وهذا أمر خطير جداً، لأن هؤلاء الذين يدعون وظائفهم كل ساعة تمر عليهم فإنهم بها آثمون والعياذ بالله، وقد يتحيل بعض الناس فيقدم إلى مكتب العمل والعمال بأنه في ضرورة فيرجو الإجازة، ويذكر أنه ممرض لأبيه أو لابنته أو لابنه وهو كاذب في هذا، هذا حرام ولا يجوز؛ لأن التحيل على إسقاط الواجب لا يسقطه، بل لا يزيده إلا تأكيداً، والإنسان الذي يتحيل على إسقاط ما وجب الله لا شك أنه متحيل وأنه يخشى أن يقلب قلبه والعياذ بالله.

ومن ذلك أيضاً: أن من المعروف أن الموظف لا يشتغل بالتجارة، بل إما أن يبقى على وظيفته ويدع التجارة، وإما أن يأخذ بالتجارة ويدع الوظيفة، أما الجمع بينهما فالمعروف أن هذا ممنوع، لكن يأتي واحد يتحيل يكتب الدكان باسم أحد من أولاده أو آبائه وهو في الحقيقة له، هذا يعتبر خيانة وأكل للمال بالباطل، ولا يحل للإنسان أن يخادع الدولة التي اشترطت عليه أنه لا يتاجر.

فإن قال قائل: هل المضاربة تدخل في هذا؟

فالجواب: المعروف أن المضاربة يكون العامل فيها هو العامل هذا هو المعروف، فإذا أعطى الشخص الموظف شيئاً من ماله لآخر ليعمل فيه والربح بينهما، فالظاهر أن هذا لا يدخل في المنع، لا بأس به، لماذا؟

لأن هذا الرجل الموظف لم يباشر العمل، من الذي يباشره؟ العامل المضارب، أما إذا تولى هو شيئاً من العمل فإنه يدخل في المنع، وعلى الإنسان أن يوفي بكل عقد إذا لم يكن محرماً.

من العقود أو من أوصاف العقود: أن يشترط على المشتري بأن السلعة فيها كل عيب، فهل هذا الشرط صحيح؟

نقول: فيه التفصيل: إذا كان البائع لا يعلم العيوب التي فيها فلا بأس أن يشترط شرطاً عاماً فيقول: أنا بريء من كل عيب فيها، أما إذا كان يعلم بأن فيها العيب الفلاني فإنه يجب عليه أن يبين وإلا كان غاشاً، وقد بلغنا أن معارض السيارات إذا باعوا سيارة على الميكرفون كما يقولون: فإنهم يقولون: للمشتري فيها كل عيب، لا تشتري إلا إطار العجلات، لا تشتري إلا المفتاح، وما أشبه ذلك من الأشياء التي يوهمون فيها المشتري ويغرونه.

فالمهم خلاصة هذه المسألة: أن البائع إذا كان يعلم العيب فإنه يجب عليه أن يبينه نصاً بعينه، وإذا كان لا يعلمه فلا بأس أن يبرأ على سبيل العموم.

وهذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ من أجمع الآيات، ولهذا تأتي هذه الآية على جميع أبواب المعاملات من البيوع والإيجارات والرهون وغيرها، وكذلك أيضاً تأتي على جميع الشروط التي تشترط في عقود الأنكحة والأوقاف وغيرها، فهي من أجمع الآيات: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

الأسئلة

جواز الزواج بدون إذن الأم لمن احتاج إليه

السؤال: أنا شاب بحاجة إلى الزواج، والدتي رفضت ذلك، وعذرها أننا لم نزل في بيت مستأجر، وأنه ما زال علينا بعض الديون، فهل يجوز لي أن أخالف رضاها وأجعل أحداً يخطب لي لأنها قد رفضت أن تخطب لي، أرجو النصيحة لي ولها؟

وماذا يفعل الشخص الذي كحالي وأنا موظف أستطيع -إن شاء الله- أن أجمع مهراً أو آخذ من يمين أو شمال، جزاكم الله عني خير الجزاء؟

الجواب: أولاً نصيحة موجهة للوالدة: لا يجوز لأي والدة أن تحول بين الولد وبين الزواج بعلل تافهة لا تمنع، والواجب عليها أن تنصح لابنها كما تنصح لنفسها، وأن تعينه على طاعة الله وعلى ما ينفعه، ولا شك أن النكاح من طاعة الله وأنه مما ينفعه، ولا يضره إذا تزوج بل لا يزيدها إلا خيراً، لأنه قد يتزوج امرأة صالحة تخدمه وتخدم والدته، كما يقع ذلك كثيراً ولله الحمد.

أما بالنسبة له فإني أقول: لا حرج عليك أن تتزوج ولو كرهت أمك؛ لأن هذا مصلحة لك ودفع مضرة عنك، وهو لا يضر الأم شيئاً، فأنت ابحث الآن عن امرأة تكون صالحة ثم تزوج، وفي ظني أن الأم إذا رأت الأمر الواقع فإنها تستسلم له.

زكاة الغنم

السؤال: هل على هذه الأعداد من الغنم زكاة أم لا، (104) من الخرفان منها ما لا يبلغ ستة أشهر. وجزاكم الله خيراً؟الجواب: هذا العدد من الغنم فيه الزكاة إن كانت سائمة؛ لأن أدنى نصاب الغنم أربعون شاة، متى كان عند الإنسان أربعون شاة وجبت فيها الزكاة، لكن يشترط أن تكون للنماء والدر والتنمية، وأن تكون سائمة: وهي التي ترعى أكثر الحول، فأما التي للتجارة كالذي يكون مع الشريطية يشترون الشاة صباحاً ويبيعونها مساءً فهذا فيه الزكاة ولو كان أقل من ذلك بكثير ربما تكون شاة واحدة فيها زكاة لأن عروض التجارة معتبر فيها القيمة فمتى بلغت قيمتها نصاباً وجبت الزكاة، وأيضاً إذا كانت للتجارة لا يشترط أن تكون سائمة بل تجب فيها الزكاة ولو كانت معلوفة لأن عروض التجارة بمنزلة سلعة التاجر في الدكان، والتاجر في الدكان يحتاج إلى أجرة الدكان وتنظيف المحل وغير ذلك مما هو معروف.والحاصل أن هذه الغنم إذا كانت للتنمية والنسل فإنه يشترط أن تكون سائمة: وهي التي ترعى أكثر الحول، أما إذا كانت للتجارة فإن الزكاة واجبة فيها وإن كانت معلوفة.

وصف الاستحاضة وحكمها في الصلاة والصيام

السؤال: أنا فتاة أتتني الدورة في (18/ شعبان) ثم استمرت ثمانية أيام، وهي الأيام التي اعتدتها ولم أشاهد طهراً ولكني اغتسلت، ثم استمر الدم معي حتى هذا اليوم، إلا أنه توقف يوماً واحداً ثم عاد في النزول، مع العلم أنه يتأخر عني الحيض من أربعة إلى خمسة أشهر، كذلك أنا الآن أصوم وأصلي مع وجود هذا الدم. ما حكم صلاتي وصيامي، وما هو توجيهكم؟الجواب: الأصل في الدم الذي يصيب المرأة أنه دم حيض هذا الأصل، لكن إذا وجد سبب يثير الدم وخرج الدم من العروق فليس بحيض لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة: (إنما ذلك دم عرق).والاستحاضة أن تستمر المرأة أكثر المدة يعني: بأن ترى الدم خمسة عشر يوماً أو أكثر فهذه مستحاضة، والمستحاضة ترجع أولاً إلى عادتها فإذا كانت عادتها من أول الشهر ستة أيام فإنها تجلس من أول الشهر ستة أيام وتغتسل وتصلي، وإذا لم يكن لها عادة بأن كان من أول ما جاءها الحيض استمر معها فإنها تعمل بالتمييز؛ تنظر الدم إذا كان أسود فهو حيض، إذا كان منتناً فهو حيض -يعني: له روائح كريهة- إذا كان غليظاً فهو حيض، وإذا كان بالعكس كان رقيقاً وأحمر ولا رائحة له فهذه استحاضة، هذه علامة، وذكر بعض الناس المتأخرين أن من العلامات: أن دم الحيض لا يتجمد ودم غير الحيض يتجمد وعلل ذلك: بأن دم الحيض يخرج من أقصى الرحم بعد أن كان متجمداً يتشقق ثم يخرج، وأما غيره فالأمر بالعكس، فهذه من العلامات البينة إذا جربت وصارت على ما سمعنا.وإذا كان من (18/ شعبان) معناه: أنها أخذت اثنا عشر يوماً من شعبان واثنا عشر يوماً من رمضان أي: أربعة وعشرين يوماً، إذاً الآن تغتسل وتصلي وتصوم، وما فات من أيام الصلاة إن قضتها فهو أحسن وإلا فليس عليها شيء.

الضابط في إعطاء الزكاة لمن لا يكفيه راتبه

السؤال: فضيلة الشيخ: بعض الناس يقول: أخذ بعض الناس من قولكم إذا كان رجلاً كريماً يوسع على نفسه، ولم يكفه الراتب في المأكل فيجوز له الزكاة؟الجواب: أما الإنفاق فإن الإنسان الذي ينفق نفقة الأغنياء وهو فقير يعتبر سفيهاً ويعتبر مسرفاً ولا يعطى من الزكاة، أما إذا كان ينفق نفقة الفقير أو نفقة مثله ولكن لا يكفيه الراتب فهذا يعطى من الزكاة وإلا لو أطلقنا للإنسان عنان ما يشتهي من المآكل والمشارب لكان لا يكفيه الشيء ولو كان كثيراً، فهذا ينظر كل إنسان بقدر حاجته.

معنى انصراف الإمام من الصلاة، وأجر قيام ليلة

السؤال: فضيلة الشيخ: والله! إني أحبك في الله، ما المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (حتى ينصرف) في الحديث الذي رواه أهل السنن في قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ولو كان نائماً في فراشه) هل هذا الانصراف من الصلاة أم قيام الإمام من المحراب؟الجواب: أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أحبابه وأوليائه وحزبه.أما المسألة الأولى وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى ينصرف) فالمراد ينصرف من الصلاة وليس المراد أن ينصرف يقوم ويخرج بل ينصرف من الصلاة، ولهذا قال العلماء: إن الإمام إذا سلم سواء في التراويح أو غيرها لا يطيل القيام مستقبل القبلة بل إذا قال: أستغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ينصرف لئلا يحبس الناس، والناس ما دام الإمام لم ينصرف إلى اتجاههم فإنهم مأمورون بالبقاء، لكن لا يحبس الناس يبقى بقدر ما يقول: أستغفر الله ثلاث مرات، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف، هذا المراد.وأما قوله: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كتب له قيام ليلة ولو كان نائماً على فراشه) فإن قوله: (ولو كان نائماً على فراشه) إدراج، يعني: ليست من أصل الحديث، إنما المعنى صحيح؛ فإن الصحابة لما قام بهم النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: (يا رسول الله! لو نفلتنا بقية ليلتنا -يعني: لو زدت- قال: إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة).وأحب أن أنبه أن بعض الناس ظن أن الرجل إذا تابع الإمام في الوتر ثم قام بعد سلامه وأتى بركعة ليكون الوتر شفعاً ظن أن هذا يخالف قوله: (حتى ينصرف) ونحن نقول: هذا غلط، قوله: (حتى ينصرف) فإذا سلم الإمام وأتيت بعده بركعة فإنك قد بقيت حتى انصرف، فالانصراف هو الحد الأعلى ولم يقل عليه الصلاة والسلام: وانصرف مع انصرافه، حتى نقول: إنك إذا شفعت لقد خالفت الحديث، بل قال: (من قام حتى ينصرف) ومن بقي مع الإمام حتى سلم ثم جاء بعده بركعة فقد بقي معه حتى ينصرف ولا شك في ذلك.

الفرق بين الفقير والمسكين

السؤال: ما الفرق بين الفقير والمسكين؟الجواب: الفقير والمسكين إذا ذكر أحدهما مفرداً فهما بمعنىً واحد، وإن ذكرا جميعاً فالفقير أشد حاجة.قال العلماء: الفقير في آية الصدقات من يجد أقل من نصف الكفاية، والمسكين من يجد النصف فما فوق لكن لا يجد الكفاية التامة، ويتضح الحال بالمثال: رجل راتبه ألفان ونفقته ثلاثة آلاف فقير أو مسكين؟هذا مسكين؛ لأنه يجد أكثر من النصف، الراتب ألفان والنفقة ثلاثة.إذاً: هو مسكين.رجل راتبه ألف ونفقته ثلاثة آلاف هذا فقير.رجل نفقته ألف وليس له راتب؟ فقير، وهذا أشد.أما إذا ذكرا جميعاً فكل واحد لوحده.

حكم إنفاق الزكاة في الكماليات

السؤال: إنسان عليه دين فأخذ زكاة من زوجته ليسدد بها دينه ولكنه وضعها في جيبه ثم أنفقها على نفسه وعلى زوجته في أشياء غير ضرورية وذلك في العام الماضي، فهل الزكاة عن زوجته مجزئة في هذه الحال؟ وإن كان لا فماذا يجب الآن؟

الجواب: أما الزكاة فهي مجزئة؛ لأنها وضعت في موضعها، وأما تصرف الزوج فهو خطأ؛ لأنه لا ينبغي للإنسان أن يتمتع بالكمال وهو عليه دين، صرح بعض العلماء: بأن الذي عليه دين لا يجوز أن يتصدق، مع أن الصدقة تقرب إلى الله قالوا: لأن قضاء الدين واجب والصدقة مستحبة.

وجوب الإنفاق على الجدة

السؤال: ما حكم دفع الزكاة للجدة وهي محتاجة إلى ذلك؟ وما حكم دفع الزكاة إلى أخي وعليه أقساط سيارة وهو محتاج للسيارة للذهاب والإياب بها إلى الجامعة وليس له دخل يستطيع دفع هذه الأقساط؟الجواب: أما دفع الزكاة للأخ فلا بأس لأنه قضاء دين، وأما دفع الزكاة للجدة فإنه لا يجوز لأن الجدة يجب عليك أن تنفق عليها، اللهم إلا إذا لم يكن في مالك سعة تستطيع الإنفاق عليها فلك أن تعطيها من الزكاة، أما إذا كان في مالك سعة فالواجب عليك أن تنفق عليها من مالك الخاص.

حكم كشف المرأة وجهها أثناء الصلاة

السؤال: فضيلة الشيخ: هل الأفضل للمرأة أن تصلي كاشفة وجهها أم متغطية إذا لم يكن لديها رجال أجانب؟ وهل الغطاء حائل مكروه أثناء السجود؟الجواب: الأصل للمرأة في حال صلاتها أن تكشف وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير المحارم؛ لأن ذلك أحسن للصلاة وأمكن من مباشرة أعضاء السجود للأرض، ثم إنه قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يغطي الرجل فاه يعني: في حال الصلاة؛ لأن هذا يكتم النفس ويذهب انشراح الصدر.فالمرأة إذا كان ليس عندها رجال أجانب من غير المحارم نقول لها الأفضل تكشف الوجه، أما إذا كان عندها رجال أجانب فالواجب عليها أن تغطيه، وفي حال السجود الأفضل أن تباشر الجبهة محل السجود، وعلى هذا فإذا أرادت أن تسجد ولو كان حولها رجال كشفت عن وجهها وباشرت الأرض بوجهها.

معنى الجمع في السفر، ومتى يكون

السؤال: من المعلوم بأن جمع المسافر يكون إما جمع تقديم أو جمع تأخير، سؤالي هنا: ما هو حكم الجمع في وسط الوقتين؟ وهل يجوز لمن أراد السفر أن يجمع جمع تقديم في بلده فهو أيسر له خاصة النساء؟الجواب: أقول: الجمع ليس معناه أن تكون الصلاتان بين الوقتين، الجمع معناه الضم، أن تضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى إما الثانية للأولى إذا كان جمع تقديم، أو الأولى إلى الثانية إذا كان جمع تأخير، سواء في أول وقت الأولى أو في آخر وقت الثانية أو في الوسط، كلها على حد سواء، لكن افعل ما هو أرفق بك إن كان أرفق جمع التقديم فقدم وإن كان أرفق جمع التأخير فأخر.وأما جمع المسافر قبل أن يغادر بلده فإنه لا يجوز إلا إذا كان يخشى المشقة مثل أن تكون رحلته في الطائرة ويخشى أن يشق عليه تأخير العصر، أو امرأة كما جاء في السؤال يشق عليها أن تتوضأ في السفر فحينئذ لها أن تجمع جمع تقديم.

زكاة أموال الأسهم في الشركات

السائل: هل يزكى المال الذي تمت المساهمة به في شراء مستشفىً وتشغيله، أم تزكى أرباحه فقط؟ وما حكم تزكية الأسهم في شركات الاستثمار حيث إن السهم قد يكون في بناء أو سيارة أو غيرها؟الجواب: يجب أن نعلم أن الزكاة في الشركات والمساهمات إنما تجب في النقود فقط، أما الأعيان فلا تجب ما لم يكن يولج بها التجارة، فإن كان يولج بها التجارة فهي من عروض التجارة، أما إذا كان يريد التنمية في ذلك فإن أعيان المساهمات لا تجب فيها الزكاة.

أضرار الخادمات، وحكم وقوف الأبناء في وجه الآباء بسبب ذلك

السؤال: ما حكم من كان عنده خادمة في بيته غير مسلمة فماذا يفعل بها؟وحول هذا في مسألة الخادمة هناك سؤال مقارب يقول: كثيراً ما يحصل بين والدي ووالدتي خلاف يصل إلى درجة الإهانة كأن يضربها أمامنا ونحن صغار ووالدتي صابرة على هذا، وحدث أن رأت والدتي ووالدي وهو يراود الخادمة عن نفسها، وتبع ذلك أنها ازدادت كرهاً لوالدي وصارت لا تطيقه في البيت، علماً بأن والدي يبلغ من العمر خمس وسبعون سنة، هل على والدتي إثم في أنها تقدم له الخدمة على أكمل وجه ولكنها لا تحدثه إطلاقاً واستمرت على هذه الحال أكثر من ثلاثة شهور، علماً بأنه مسامح لوالدتي على هذا، وهل ينطبق عليها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في غضب الزوج على زوجته، وأحياناً أقف في وجه أبي في حالة أفقد فيها شعوري خصوصاً عندما أرى والدتي تبكي أو تتشاجر معه فهل يلحقني إثم كبير في ذلك. أرجو منكم النصيحة والتوجيه في هذا؟الجواب: هذا يا إخوان! من أكبر الزواجر عن جلب الخدم، رجل له خمسة وسبعون سنة يعني: ليس شاباً فيزني بهذه الخادمة والعياذ بالله وهو داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان -الأشيمط يعني: الشائب- وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه).وهذه المسألة التي ذكرها السائل ليست بعيدة لأنه يرد علينا أسئلة مثلها أو أشد والعياذ بالله، ونحن نحذر دائماً من استجلاب الخدم، وقد اتصلت بي امرأة مرة من المرات وقالت: إنها محتاجة إلى خادم، وأنها ترى بأن يأتي زوجها بخادم ولكن الزوج يأبى، فأشرت عليها بمشورة طيبة فقلت: أنا أرى أن يتزوج امرأة ثانية، ولكنها غضبت وضربت بالتلفون.ولا شك أن هذا خطأ منها بلا شك؛ لأن الزوجة الثانية يأتيها الزوج بالحلال وربما يهديها الله للكبيرة الأولى وتكون لها منزلة البنت تخدمها وتقوم بمصالحها، وإذا ضاقت بالثانية مثلاً نقول: أشيري عليه بثالثة لأن الغالب أنه إذا تزوج الثالثة هانت على النساء كما هو مشاهد؛ لأن الأولى إذا غارت من الثانية وجاءت الثالثة جديدة صارت ضد الثانية فهانت على الأولى والثانية الوسطى لا يهمها الثالثة لأنها كانت بالأول عندها امرأة ثانية يعني: الأمر قد هان عليها.على كل حال أقول: الإتيان بالخدم مضرتها شديدة، وأن من جملة الأسباب التي تهون مسألتها أن يتزوج الرجال امرأة ثانية يستفيدون السلامة من هؤلاء الخدم ويستفيدون أيضاً أن هؤلاء النساء العوانس اللاتي في البيوت يكون لهن أزواج يحصنون فروجهن، ونستفيد فائدة ثالثة وهي تكثير النسل في الأمة الإسلامية والذي كان عليه الصلاة والسلام يحث عليه يقول: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء) لهذا أنا أنصح لإخواننا الذين لهم قدرة وتحتاج بيوتهم إلى نساء أنصحهم بالزواج، وأنصح النساء أن يتحملن ذلك وأن يتذكرن أمهات المؤمنين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مات عن تسع، وأن هذا أمر ليس فيه شيء يتعب أو يخجل فلتحتسب المرأة الأولى ولتصبر ولتكن عوناً لزوجها على حل هذه المشكلة.أما بالنسبة للشخص فأنا أشكره على هذا العمل الطيب وأقول: حاول أن تخرج هذه الخادمة في أسرع وقت ممكن؛ لأن بقاءها في البيت ثغر لا شك.وأما كونه يقف في وجهه غضباً لله، والمطلوب يا شباب غضباً لله هذا طيب لكنه ينبغي أن يلاطفه في الكلام كما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يلاطف أباه وهو ينهاه عن الشرك يقول: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ [مريم:42-43] ولم يقل: يا أبت إنك جاهل، قال: جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً [مريم:43-45] كل هذه: (يا أبت) كلها تلطف مع أبيه وهو مشرك كافر ولكن كان أبوه عنيفاً ماذا قال؟ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ [مريم:46] هذا استفهام استنكار، أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ هذا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً [مريم:46] نسأل الله العافية.نسأل الله لنا ولكم التوفيق، وأن يعيذنا وإياكم من مضلات الفتن، وأن يحمينا وإياكم مما يكرهه إنه جواد كريم.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , جلسات رمضانية لعام 1412ه [3] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net