إسلام ويب

تحدث الشيخ في هذا اللقاء عن فضل مجالس العلم، وتدبر القرآن، ثم فسر آيات من سورة البروج، وذكر حكم البسملة وأنها إنما أنزلت للفصل بين السور. وأجاب عن بعض الأسئلة، مثل: كيفية التعامل مع الشيعة، وحكم من يدعو غير الله ويعتقد فيه النفع والضر ومات على ذلك، وفسر المقصود بتكفير المعين عند ابن تيمية.

فضل مجالس العلم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

نفتتح لقاءنا هذا، وهو اللقاء الثاني من شهر ربيع الثاني، يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر ربيع الثاني عام (1414هـ)، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا جميعاً في أعمارنا وأعمالنا، وأن يجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا وأسعدها يوم نلقاه.

هذه اللقاءات المباركة بين العلماء وطلبة العلم، وبين طلبة العلم وعوام الناس، لا شك أنها لقاءات خيرة ونافعة، تجعل الناس يستبصرون في دينهم، ويتآلفون فيما بينهم، ويشكو بعضهم إلى بعض حوائجه ونوائبه، ولا غرابة في ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) وهذا هو الواجب في حق الأمة الإسلامية أن تكون جسداً واحداً، إذا تألم منه عضو تألم سائر الجسد له حتى يبرأ ويهدأ، وكذلك يجب أن يكونوا كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه إشارةً إلى أن البنيان كلما تراصّ وتلاءم كان أقوى له.

لقاءاتنا هذه ولله الحمد فيها بركة، يستفيد منها الحاضرون، ويستفيد منها المستمعون، ويستفيد منها السامعون بما مَنَّ الله به علينا في هذا الزمن من تسهيل الأشرطة المنتشرة بين الناس.

فقد يكون الإنسان قائداً لسيارته وهو يستمع إلى الشيخ يحدثه بدون تعب ولا ملل، ويكون الإنسان مضطجعاً في فراشه وهو يستمع إلى العلم، كل هذا بما مَنَّ الله به علينا من هذه الأشرطة، ولذلك نرى ولله الحمد آثار هذه الأشرطة في البيوت عند الصغار والكبار والنساء والرجال، وهذا لا شك أنه من الخير والبركة.

ومن عادتنا أننا نفتتح اللقاء بكلام على آيات من القرآن الكريم، ابتدأناها بسورة النبأ حتى وصلنا إلى سورة البروج، واخترنا هذا الجزء؛ لأنه يكثر سماعه من الناس في الصلوات، والقرآن الكريم لم ينزل لمجرد التلاوة بل نزل للتلاوة وللتدبر وللتذكر، كما قال تعالى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:29] وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل.

والذي ليس له حظ من القرآن إلا التلاوة هو أمي في الحقيقة، كما قال الله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ [البقرة:78] أي: إلا قراءة، فوصفهم الله بأنهم أميون، مع أنهم يقرءون، فلا بد من أن يتعلم المسلمون معاني القرآن، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الذي يسمى ( مقدمة في علم التفسير ) قال: إن الناس لو جعل لهم كتاب يدرسونه في الطب أو في أي علم كان، فلا بد أن يفهموا معناه حتى يستفيدوا منه، فإذا كان هذا في الكتب العلمية التي هي من كلام البشر، فكيف بأم العلم وأصل العلم الذي هو من كلام الله عز وجل، فهو أولى وأجدر أن نعتني به، ونفهم معناه وتفسيره، ونتلقاه من أئمة التفسير الذين عُرفوا بصحة العقيدة وسلامة المنهج.

تفسير آيات من سورة البروج

وقفنا عند سورة البروج وفيها يقول الله سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج:1-2].

البسملة آية مستقلة في الكتاب العزيز، وليست من السورة التي قبلها ولا من السورة التي بعدها، يؤتى بها في أول كل سورة إلا سورة براءة، فإن الصحابة رضي الله عنهم لم يكتبوها في هذه السورة فبقيت بدون بسملة، وما اشتهر عند العوام من أن الجن اختطفوا بسملة سورة براءة، فهذا لا شك أنه باطل؛ لأن الله يقول: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] ولا يمكن أن يسلط عليه الشياطين أو الجن حتى يختطفوا منه، بل إن الله تعالى حماه حين نزوله، وحماه بعد نزوله، وما ذكر عن بعض العلماء: أنه لم يذكر فيها البسملة؛ لأنها نزلت بالسيف؛ لأن فيها الأمر بقتال المشركين، فهذا غير صحيح؛ لأن البسملة بركة والجهاد في سبيل الله من أعظم ما يطلب فيه البركة.

على كل حال هي آية مستقلة من أول كل سورة إلا سورة براءة، وليست من الفاتحة على القول الراجح الذي دل عليه الحديث القدسي، وهو قوله تعالى فيما رواه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال: حمدني عبدي ...) إلى آخر الحديث، وهذا يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة، وكذلك أول ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة (اقرأ) أقرأه إياها جبريل، ولم يكن فيها بسم الله الرحمن الرحيم، فدل هذا على أنها ليست من السورة.

تفسير قوله تعالى: (والسماء ذات البروج)

قال تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1] الواو: حرف قسم، يعني: يقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج، أي: صاحبة البروج، والبروج جمع برج، وهي المجموعة العظيمة من النجوم، وسُميت بروجاً لعلوها وارتفاعها وظهورها وبيانها، والبروج عند الفلكيين اثنا عشر برجاً جمعت في قول الناظم:

حمل فثور فجوزاء فسرطـان>>>>>فأسـد فعذراء فميزان

فعقرب قوس فجدي وكـذا>>>>>دلو وذي آخرها الحيتان

فهي اثنا عشر برجاً؛ ثلاثة منها للربيع، وثلاثة للصيف، وثلاثة للخريف، وثلاثة للشتاء.

فيقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج، وله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، أما نحن فلا نقسم إلا بالله وبأسمائه وصفاته، ولا نقسم بشيء من مخلوقاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ولقوله: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

تفسير قوله تعالى: (واليوم الموعود)

قال تعالى: وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج:2] اليوم الموعود هو: يوم القيامة .. وعد الله سبحانه وتعالى به، وبينه في كتابه، ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتماً، كما قال تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104].

ثم قال تعالى: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج:3] ذكر علماء التفسير في معنى الشاهد والمشهود عدة أقوال، يجمعها: أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود، والشهود كثيرون منهم:

محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شهيد علينا.

ومنهم نحن -هذه الأمة- سوف نشهد على الناس.

وكذلك أعضاء الإنسان تشهد عليه يوم القيامة بما عمل من خير وشر.

وكذلك الملائكة يشهدون يوم القيامة، فكل من شهد بالحق فهو داخل في قوله: (وشاهد).

وأما المشهود فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة كما قال تعالى: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود:103] فأقسم الله بكل شاهد وبكل مشهود.

تفسير قوله تعالى: (قتل أصحاب الأخدود)

ثم قال تعالى: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ [البروج:4] (قُتل) أي: أُهلك، وقيل: القتل هنا بمعنى اللعن، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله، وأصحاب الأخدود هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار.

وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم منها شيء في الشام ومنها شيء في اليمن ، والمقصود أن هؤلاء الكفار حاولوا أن يردوا المؤمنين عن دينهم، ولكنهم عجزوا فحفروا أخدوداً -أي: حفراً ممدودة- في الأرض كالنهر، وجمعوا الحطب الكثير وأحرقوا المؤمنين -والعياذ بالله- ولهذا قال: النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج:5] أي: أن الأخدود هو أخدود النار (ذات الوقود) أي: الحطب الكثير المتأجج.

تفسير قوله تعالى: (إذ هم عليها قعود)

قال تعالى: إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ [البروج:6] أي: أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين، كان - والعياذ بالله - عندهم قسوة وجبروت، يرون النار تلتهم هؤلاء البشر وهم قعود عليها فاكهين كأن شيئاً لم يكن -والعياذ بالله- وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان أحد البشر تلتهمه النار وهو جالس يتفكه بالحديث ولا يبالي: وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:7] أي: هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين، أي: حضور لا يغيب عنهم ما فعلوا بالمؤمنين، ولذلك استحقوا هذا الوعيد؛ بل استحقوا هذه العقوبة، أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته.

الأسئلة

حال طوائف الشيعة وكيفية معاملتهم

السؤال: فضيلة الشيخ: هل عموم الشيعة الموجودين في هذا الزمان انقرضوا إلا طائفة الرافضة ؟ وإذا لم يبق إلا هؤلاء الرافضة كيف يعاملهم من لا يعلم منهجهم، وهل يعاملهم كالمنافقين، أم ماذا؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وبعد:

الشيعة : هم كل من يزعم أنه يتشيع لآل البيت، أي: لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم طوائف وفرق كثيرة، وقد ذكر المتكلمون على فرق هذه الأمة أنهم يزيدون على عشرين فرقة، وهذا يعني أننا لا يمكن أن نحكم على جميعهم بحكم واحد، بل لا بد أن ننظر ماذا يفعلون، وماذا يعتقدون في النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا يعتقدون في الصحابة؟

فمثلاً: إذا قالوا: نحن نعتقد أن علي بن أبي طالب إله وربٌّ ، كما يُذكر عن عبد الله بن سبأ الذي قابل علياً رضي الله عنه بالمواجهة الصريحة فقال: أنت الله، فأمر علي رضي الله عنه بالأخاديد فخدت ثم أحرقهم بالنار لشناعة قولهم والعياذ بالله.

كذلك أيضاً من قال: إن الصحابة ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً من آل البيت فهم كفار أيضاً؛ لأن هذا يؤدي إلى القدح في الشريعة الإسلامية، وألا نثق بما نقل إلينا منها، لا القرآن ولا ما ينسب للرسول صلى الله عليه وسلم منها، وإذا كان هذا يتضمن القدح في الشريعة ونسفها فهو كفر بالله تعالى وكفر بشريعته أيضاً.

ومن قال: إن علياً ولي وأنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر؛ لأن المسلمين أجمعوا على أن محمداً صلى الله عليه وسلم أفضل البشر.

والمهم أن ننظر إلى عقيدة هذا الرافضي أو الشيعي، فإذا كانت تقتضي الكفر حكمنا بكفره، وإذا كانت لا تصل إلى الكفر بل هي بدعة تجعله فاسقاً لا كافراً حكمنا بما تقتضيه بدعته.

أما معاملتهم فإننا نعاملهم بما تقتضيه المصلحة .. فكل ما تقتضيه المصلحة فإننا نعاملهم به، فلو كان من المصلحة أن نهاديه لندعوه إلى الحق ونبين له أنه هو الواجب، وأنه لا يجوز العدول عنه فلا حرج من أن نهاديه، ومن اقتضت حاله سوى ذلك فلنعامله بما تقتضيه حاله، وأما بالنسبة للتقية لا شك أنها من مذهبهم -أعني الرافضة- فهم يعتقدونها ديناً، ولكن قد لا يكون عند بعضهم تقية؛ لكنه رجل عامي مخدوع بكبرائهم وزعمائهم فلكل مقام مقال، والإنسان العاقل يستطيع أن يعامل الناس بتوفيق الله حسب ما تقتضيه حالهم.

حكم من مات وهو يعتقد أن غير الله ينفع أو يضر

السؤال: فضيلة الشيخ: يعلم الله أننا نحبك في الله، وأما سؤالنا فهو عمن كان يعتقد بأن الأولياء المقبورين ينفعونهم أو يضرونهم! مع اعتقادهم بوجود الخالق، وإقامتهم للصلاة، فما مصير هؤلاء الناس بعد مماتهم؟ هل يكونون بحكم الكفرة أم الموحدين؟

الجواب: أسأل الله أن يحبك كما أحببتني فيه، وأن يجعلنا جميعاً من أحباب الله وأولياء الله.

أولياء الله سبحانه وتعالى هم الذين جمعوا بين وصفين: الإيمان، والتقوى، كما قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63] وحينئذٍ قبل أن نقول: إن هذا قبر ولي، يحتاج أن ننظر في سيرة هذا الميت، هل هو من المؤمنين المتقين؟ فإذا كان كذلك فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله، أم هو من المخرفين المشعوذين الخداعين الذين يظهرون للناس بمظهر الصلاح، وهم أبعد الناس عن الصلاح فهذا ليس بولي، وإن زعم أنه ولي، هذا أولاً.

ثانياً: إذا تقرر أنه بما يظهر لنا من حاله أنه من المؤمنين المتقين، فإننا نرجو له الخير، ونعلم أنه هو نفسه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وأنه ما آمن واتقى إلا خوفاً من عقاب الله، ليس له من الأمر شيء، فإذا كان هو لا يملك لنفسه شيئاً، فكيف يملك لنا؟

ثم كيف يملك لنا ذلك وهو الآن جثة هامدة، وربما أكلته الأرض؟ وإذا كان الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ [الأعراف:188] وقال له: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ [الأنعام:50] وقال له: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ [الجـن:21-23] يعني: ليست وظيفتي إلا البلاغ، فإذا كان كذلك فمن دونه من باب أولى.

والصحابة رضي الله عنهم لما نزل بهم القحط والجدب في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العام المشهور الذي يعرف بعام الرمادة، لم يستسقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأتوا إلى القبرة ليقولوا: يا رسول الله! ادعُ الله أن يسقنا، وادعُ الله أن يغيثنا، وإنما هم دعوا الله عز وجل، وطلب عمر من العباس أن يقوم فيدعو الله تعالى بالسقيا.

لكن مع ذلك فهؤلاء الذين يأتون إلى الأولياء ويدعونهم وهم جهال، ليس عندهم من يعلمهم، ولا من ينبههم، ولكنهم يقولون: نحن مسلمون .. يُصلون، ويتصدقون، ويصومون، ويحجون، ويجتهدون، ويتهجدون، لكن لا يعلمون عن هذا الأمر شيئاً، ولم ينبهم عليه أحد، ولم يخبرهم به أحد، فهؤلاء معذورون بجهلهم، ويُحكم بأنهم مسلمون، وأما من بلغه أن هذا شرك ولكنه أصر وقال: إن هذا دين آبائي وأجدادي ولا يمكن أن أحيد عنه، فهذا يحكم بكفره؛ لأن قوله هذا كقول من قال: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ [الزخرف:23].

حكم إهداء الجوائز التشجيعية من التجار لزبائنهم

السؤال: فضيلة الشيخ: هناك بعض التجار يضع جوائز وهدايا للذين يشترون من المحل بمبالغ معينة فهل هذا جائز؟

الجواب: هذا لا بأس به بشرط أن يكون بيعه كبيع الناس، فمثلاً إذا كان هذا الكرتون عند الناس بعشرة وهو يبيع بعشرة، لكن وضع للناس جائزة لمن اشترى مائة كرتون مثلاً، أو اشترى بمبلغ ألف ريال، فهذا لا بأس به، هذا بالنسبة لواضع الجائزة.

أما بالنسبة للمشتري إذا كان يشتري الشيء بدون حاجة إليه لكن لعله يربح جائزة، فهذا حرام؛ لأنه إضاعة مال، وقد سمعت أن بعض الناس يشتري كراتين اللبن وهو لا يريدها ويريقها، ولكن من أجل أن ينال الجائزة، وهذا لا يجوز؛ لأنه من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.

فالمسألة فيها الآن نظران: النظر الأول لواضع الجائزة، والنظر الثاني: للمشتري.

فواضع الجائزة إذا كان لا يضيف إلى سلعته مبلغاً زائداً من أجل الجائزة يعني: الناس يبيعون بعشرة وهو يبيع بعشرة، فهذا لا شيء عليه، أما بالنسبة للمشتري نقول له: هل أنت تشتري لأنك محتاج لهذه السلعة، وتقول: مادمت محتاجاً لها فكوني أشتري من هذا البائع الذي عنده الجائزة لعلها تصيبني أحب إليَّ من أن أشتري من شخص ليس عنده جائزة، فهذا لا بأس به.

أما إذا كان يشتري وليس له حاجة، ولكن لعله ينال الجائزة، فهذا حرام لأنه إضاعة للمال، ولأنه ربما يشتري أشياء كثيرة ولا يحصل على الجائزة، فيكون مغامراً مخاطراً.

بقي أن يقال في المسألة الأولى: إذا كان واضع الجائزة يبيع كما يبيع الناس، أفلا يكون هذا من باب قطع رزق الآخرين؛ لأنه ربما يقبل الناس على هذا ويتركون الآخرين؟ نقول: هذا صحيح، إنه قد يؤثر، فإذا رأى ولي الأمر أو من ينوب عنه -كالبلدية مثلاً التي ترعى أسواق الناس- منع مثل ذلك فلهم ذلك، ويكون هذا من باب التنظيم وحفظ الأسواق عن التلاعب.

حرمة الحلف بغير الله

السؤال: في بداية التفسير علمنا أن الله عز وجل أقسم بمخلوقاته كالسماء والليل، ونجد بعض الناس يحلف ويقول: وحياة أولادي، ويقول: عليَّ الطلاق، أو حرام عليَّ ما أفعل كذا وكذا، فما حكم ذلك؟

الجواب: أما (وحياة أولادي) فهذا قسم صريح لا يجوز، وهو يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

وأما: عليَّ الطلاق لأفعلن .. فهذا ليس قسماً لكن له حكم القسم، فإذا قال: الحرام عليَّ ما أشرب من هذا.. الحرام عليَّ ما أزور فلاناً.. الحرام عليَّ ما آكل طعام هذا.. حرام عليَّ ما تذبح لي ذبيحة.

فهذا ليس بقسم من حيث الصيغة لكنه بمعنى القسم، والدليل على هذا قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:1-2] فسمى الله التحريم يميناً، أما الحكم فنقول: إذا قلت مثل هذا فكفِّر عن يمينك، وذلك بأن تطعم عشرة مساكين، ولا فرق بين أن يقول: حرام عليَّ زوجتي، أو عليَّ الطلاق، أو حرام عليَّ أن أفعل كذا، لكن في مسألة الطلاق إن أراد الطلاق وقع إن حنث فيما قال.

الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر

السؤال: فضيلة الشيخ: ما هو الضابط في التفريق بين النصوص في الشرك الأكبر والأصغر؟

الجواب: هذا السؤال يسأل عنه كثير من الناس يقولون: ما الفرق بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر؟

الشرك الأكبر هو: الذي إذا حصل من الإنسان خرج عن الملة.

والأصغر هو: الذي دون ذلك.

فصرف العبادة لغير الله شرك أكبر، وتعظيم المخلوق كتعظيم الله، بأن يجعل له حقاً في الربوبية، أو التعظيم كما يعظم الخالق؛ فهذا شرك أكبر.

وما دون ذلك فهو شرك أصغر، مثلاً: مسألة الحلف بغير الله شرك أصغر في الأصل، لكن لو كان في قلب الحالف أن الذي حلف به مثل الله؛ صار شركاً أكبر.

فالضابط أن ما أطلق عليه الشارع اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة فهو شرك أصغر، وما كان يخرج من الملة فهو شرك أكبر.

ويبقى علينا سؤال آخر: ما هو الذي يخرج من الملة؟ وما هو الذي لا يخرج؟

هذا يتوقف على النص الوارد، فمن جعل للمخلوق حقاً يختص به الخالق فهذا شرك أكبر، وما دون ذلك فهو شرك أصغر.

وأضرب لك مثلاً: لو أن إنساناً يعظم والده، وكلما جاء قبل يده أو قبل جبهته ووضع له النعال، وقرب له السيارة، فهذا تعظيم، ولو جاء لإنسان آخر وفعل به مثل ما فعل بوالده، فهذا جعل غير الوالد مثل الوالد، لكن لو قدم له النعال فقط، فهل يكون مساوياً لهذا الغير مع والده؟ طبعاً لا.

حكم مخالفة المأموم للإمام في بعض السنن

السؤال: فضيلة الشيخ: ما حكم الإتيان ببعض السنن والتخلف البسيط عن الإمام كجلسة الاستراحة وكالإقعاء في الصلاة، وهل هذا يستوجب على المأموم المتابعة في الصلاة أم الإتيان بها، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: الأصل موافقة الإمام في الأفعال، وأقصد بالموافقة المتابعة بأن يأتي بها بعد الإمام مباشرة. هذا هو السنة، وأما ما لا يقتضي التخلف عن الإمام مثل أن يجلس مقعياً بين السجدتين والإمام مفترش، أو أن يتورك في التشهد الأخير والإمام مفترش، فإن هذا لا يعد مخالفة، أو أن يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع من الركوع، والإمام لا يرى ذلك، فهذا لا يعد مخالفة، لأنه ليس فيه التخلف، وأما جلسة الاستراحة ففيها تخلف، لكن لكونه تخلفاً يسيراً لا نقول إنها حرام، لكن نقول الأولى أنك لا تجلس إذا كان الإمام لا يجلس، كما نص على هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوي قال: الأولى أن المأموم إذا كان يرى جلسة الاستراحة سنة والإمام لا يراها أن يتابع إمامه؛ لأن متابعة الإمام أفضل، وكذلك العكس لو أن الإمام يرى الجلسة، وأنت لا تراها، فإذا جلس فاجلس؛ لأن المتابعة أتم، فما أدى إلى تأخر المأموم عن الإمام فإنه لا يفعله، وما لا يؤدي إلى ذلك ولكن اختلاف في الصفة؛ فهذا لا بأس به، ولا يعد ذلك مخالفة.

حكم الجهر بالبسملة في الصلاة

السؤال: هل نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم الجهر بالبسملة في الفاتحة في الصلاة؟

الجواب: ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه جهر لكن أحاديث الإسرار أكثر، وبعض العلماء ضعف ما ورد من الجهر وحكم بشذوذه، والشاذ لا يعمل به.

والأقرب أن يقال: المسألة ليس فيها كبير مخالفة، فلو صليت خلف إمام يجهر بالقراءة - قراءة البسملة- فلا تنكر عليه، لكن لك أن تسأل -مثلاً- هل هي سنة أو ليست بسنة؟ وإذا جهرت بها أحياناً تأليفاً للقلوب إذا صليت بقوم لا يرون الإسرار بها فلا بأس به، المهم ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك، فبعض العلماء قال: إنه ضعيف لأنه شاذ، وبعضهم قال: إنه صحيح لكن الأكثر الإسرار.

حكم تكفير المعين

السؤال: ما معنى مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية : تكفير المعين يحتاج إلى دليل معين؟

الجواب: أنت تعرف -بارك الله فيك- أن الأحكام تارة تكون معلقة بالوصف، وتارة تكون معلقة بالشخص، فمثلاً نقول: كل مؤمن هو من أهل الجنة، هذه كلمة عامة معلقة بوصف، كل مؤمن فهو في الجنة، وكل كافر فهو في النار، لكن هل تقول لهذا الشخص المعين: فلان من أهل الجنة؟ لا. وهل تقول لهذا الشخص المعين: فلان من أهل النار؟ لا. ففرق بين المعلق بالوصف والمعلق بالشخص.

فإذا قال الإنسان كلمة كفر، أو فعل فِعل كفر فإننا لا نكفره حتى ننظر ما الحامل له على هذا؟ ثم نعامله بما يقتضيه حاله.

رجل أكره على أن يسجد لصنم فسجد، ورجل آخر أكره على أن يقول كلمة كفر فقالها هل يكفر هذان الرجلان؟ لا؛ لأن الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ [النحل:106] فقوله: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ [ النحل:106] يشمل من كفر بالقول أو الفعل، فهذا الرجل سجد لصنم مكرهاً، والرجل الذي قال كلمة كفر مكرهاً، هل فعله كفر أم لا؟ نعم. فعله فعل كفر، فهل هو كافر؟ لا؛ لأنه وجد مانع من التكفير وهو الإكراه، والرجل الذي كان مسرفاً على نفسه، قال لأهله: إذا مت فاحرقوني وذروني في اليمّ، فعل هذا ظناً منه أنه ينجو بذلك من عذاب الله، ثم فعل أهله به ما قال، فجمعه الله عز وجل وسأله: لم فعلت هذا؟ قال: ربي خوفاً من عقابك، فغفر الله له، هذا الرجل فعله فعل كفر لماذا؟ لأنه شاك في قدرة الله على أن يجمعه ويعاقبه، لكن لما كان الحامل له على ذلك الخوف من عقاب الله عز وجل غفر الله له.

فمعنى كلام شيخ الإسلام رحمه الله أن يقال: إن الكفر معلق بالوصف يحكم به على كل حال، من كفر بالله فهو في النار، من سجد لصنم فهو كافر، من قال: إن مع الله إلهاً آخر، فهو كافر، لكن الشخص المعين لا تحكم عليه حتى تنظر، قد يكون جاهلاً ولا يدري، قد يكون متأولاً، وقد يكون هناك حال تستدعي أن يقول هذا الشيء بدون إرادة.

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الله أشد فرحاً بتوبة العبد من رجل كانت له راحلة فضاعت في البر، فطلبها فلم يجدها، فأيس، فاضطجع تحت ظل شجرة ينتظر الموت، فإذا بخطام ناقته معلق بالشجرة، فأخذ بالخطام وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك) الكلمة هنا كلمة كفر؛ لأنه ادعى الربوبية لنفسه، وادعى العبودية لله، لكن لما كان لا يقصد هذا، إنما أخطأ من شدة الفرح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذه الله.

حكم التصوير بالفيديو

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يجوز التصوير بالفيديو؟

الجواب: التصوير بالفيديو حسب المصور، وماذا تريد أن تصور؟ فما يفعله بعض الناس الآن في أيام العرس يصورون المحفل، فهذا خطأ عظيم وجناية؛ لأن هذه الصورة سوف يشاهدها كل الناس، قد يكون فيه النساء متبرجات بزينة، قد يكون فيه النساء كاشفات الوجوه، قد يكون النساء فيما بينهن يتكلم بعضهن إلى بعض ويضحك بعضهن إلى بعض، فيحصل بذلك فتنة، هذا حرام ولا إشكال فيه، وقد يكون التصوير لنقل مواد علمية كتمرين على صناعة الشيء، أو على تحضير الشيء، المهم مادة علمية مفيدة، وقد يكون محاضرة لإنسان يتكلم مع الناس يرشدهم ويعظهم، فهذا لا شيء فيه، فالمهم أنه على حسب الشيء الذي يصور.

كيفية زكاة الدين

السؤال: بالنسبة لزكاة الدين، إذا أسلف شخص شخصاً آخر كيف يزكي عن هذا؟ ولو تأخر المدين عن السداد ثلاث سنين؟

الجواب: الدين بارك الله فيك، هل فيه زكاة أم لا؟ فيه تفصيل، إذا كان الدين على معسر فلا زكاة فيه، ولو بقي عشر سنوات، لكن إذا قبضته فتؤديه سنة واحدة فقط، هذا إذا كان على فقير.

أما إذا كان على غني وامتدت المدة فتزكيه كل سنة، لكنك بالخيار إن شئت تدفع زكاته مع مالك كل سنة، وإن شئت إذا قبضته تزكي لما مضى، وأستحب أن تزكيه مع مالك؛ لأنه ربما يموت الإنسان ويتهاون الورثة في إخراج الزكاة، وربما يحصل أشياء تمنع الزكاة، فإذا أديته مع مالك يكون اطمئناناً لقلبك، أما إذا ماطل الغني: فإن كان لا يمكن مطالبته كالأب وكالسلطان وكالأمير المتسلط وما أشبه ذلك فهو كالمعسر ليس فيه زكاة إلا سنة قبضه.

وأما إذا ماطل وهو يمكن مطالبته تشكوه إلى الأمير ويسلمك فهذا عليك الزكاة فيه؛ لأن الأمر باختيارك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , لقاء الباب المفتوح [36] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net