إسلام ويب

بدأ الشيخ حديثه بذكر أهم الواجبات التي تقع على عاتق المسلم تجاه مجتمعه، مدعماً ذلك بذكر بعض الأمثلة من واقع الصحابة ومن واقعنا، ومؤكداً على ضرورة تطبيق الأخلاق الإسلامية، في واقع الحياة، موضحاً أن صفة الخيرية لا تزال ملازمة هذه الأمة حتى قيام الساعة.

الحقوق الواجبة علينا

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا إنك أنت العليم الحكيم.

إن الموضوع الذي نريد أن نتذاكر وإياكم حوله ما هو عليكم بجديد، وإن كان الناس في هذا الزمان قلَّ أن يتحدثوا عن الواجبات ولا سيما عما يجب عليهم هم.

فكما ترون الواقع اليوم: أكثر الناس إلا من رحم الله من أهل العدل -وقليل ما هم- هم الذين يتكلمون عما يجب عليهم، وعما يجب لهم، فإنما يتكلمون عما يجب لهم فقط ولا يتحدثون ولا يبحثون ولا يفكرون فيما يجب عليهم نحو أصحاب الحقوق الأخرى.

فمثلا: نجد أن الرجل أو الزوج كثيراً ما يتحدث عن حقوقه على الزوجة، ونجد الزوجة كثيراً ما تتحدث عن حقها على الزوج، ولكن قل من الرجال من يتحدث بإنصاف عن حق المرأة على الرجل، وكذلك قلَّ من النساء من يتحدثن بإنصاف عن حق الرجل أو الزوج على المرأة.

كما نجد أن الآباء أكثر ما يتحدثون عن حق الآباء على الأبناء، وقلَّ من الآباء من يتكلم عن حقوق الأبناء على الآباء.

ولو نظرنا إلى ما هو أكبر من ذلك، فإنا نجد أن الحكام أكثر ما يتحدثون أو يتكلمون عن حق الحاكم على المحكومين، ولكن يندر أن تجد من الحكام من يتكلم عن حق المحكومين على الحاكم.

وكذلك إذا نظرت إلى الرعية، فإنك أكثر ما تجد الناس يتكلمون دائماً عن حقهم على الحكام، ولكن هل تكلموا عن حق الحكام عليهم... هذا قليل.

وهكذا حال الناس إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وذلك لما ركب في طبع الإنسان وخلقته من الظلم والجهل الذي لا يعصمه منه، إلا أن يستمسك بهدى الله -تبارك وتعالى- كما قال عز وجل: إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].

ولذلك يجب على الإنسان المؤمن أن يعيد الأمر إلى نصابه، وأن يكون قواماً بالعدل قواماً بالقسط.

وإن تحدث فليكن أكثر ما يتحدث فيه عما يجب عليه؛ لأن الذي لك إن لم تأخذه في الدنيا فسوف تأخذه في الآخرة، لكن الذي يجب عليك، سوف تسأل عنه في الدنيا وفي الآخرة.

مجتمعات اليوم وأسلوب تعاملها مع الفرد والمجتمع

نحن نجد اليوم أن المجتمعات في هذه الأرض، وفي هذا العالم المزدحم بالأمواج من الفتن والآراء والأهواء والنظريات والفلسفات، على فريقين:

الفريق الأول: مجتمعات أو أمم تهضم حق الفرد، فلا ترى للفرد حقاً ولا تكاد تقيم له وزناً، وهي الدول العقائدية، أو الدول التي قامت على نظريات فلسفية منذ القدم، منذ أن نَظَّر أفلاطون لجمهوريته، وإلى الماركسيين المعاصرين في كثير من دول العالم، وكذلك الحكومات القومية في العالم الإسلامي وغيره، هذه كلها مجتمعات تجحف حق الفرد وتتناساه، وتربي الناس على حق الأمة وواجب الأمة وما ينبغي للأمة.

الفريق الثاني: المجتمعات الرأسمالية، وهي إنما تنزع إلى إحياء وبعث وتعميق النزعة الفردية، فالحق عندهم للفرد، ولا ينظرون إلى المجتمع إنما المهم هو الفرد والإنسان في ذاته.

وهذا -أصلاً- موجود في الفطرة فالإنسانية، الإنسان محببٌ إليه أن يسعى وأن يعمل لذاته وحدها، ولكنَّ ذلك أُصِّل وفق نظريات ومناهج في العالم الغربي الرأسمالي منذ أيام الرأسماليين الأوائل مثل آدم إلى ريكاردو وإلى الآن.

فإن الواقع الذي تعيشه الامبراطوريات المالية -كما يسمونها في العالم الغربي- نجد أفراداً أو قلة قليلة تتحكم في أكثر من ثلثي أو ثلاثة أرباع ثروة المجتمع ومُقدراته وإعلامه ورأيه وفكره.

وهكذا نجد أن الظلم الذي نجده في أنفسنا نحن المسلمين أو الجانب الذي نحاول أن نحاربه في أنفسنا ونشعر به، نجد أنه على مستوى العالم الآخر يكون كأشد ما تكون حالات الظلم وضوحاً وتجلياً، وما ذلك إلا للانحراف عن هدى الله، ومنهجه -تبارك وتعالى- الذي أنزل علينا الكتاب مفصَلاً، والذي تمت كلماته صدقاً وعدلاً، والذي أعطى كل ذي حق حقه، فلا يجور الفرد على المجتمع، ولا يجور المجتمع على الفرد، وإنما لكل منهم حقه المشروع، فلا تتصادم الحقوق ولا تتعارض، ولكن تنسجم وتتلاءم، وكلها فيما يرضي الله -تبارك وتعالى- فينال كل ذي حق حقه بالقسط، دون أن يحيف أو يجور في حالة من الحالات.

الحقوق الواجبة علينا تجاه مجتمعنا

نرجع إلى أصل قضيتنا: وهو أنه لا بد للواحد منا -والمقصود بالمسلم عندما نقول: "واجب المسلم" نحن طلبة العلم خاصة- أن يتذكر دائماً أن لهذا المجتمع حقاً علينا، أن المجتمع الذي تعيش فيه سواء كان مجتمع الحي الذي تقطنه، أو القرية التي تسكن فيها، أو المدينة التي تعيش فيها، أو البلد أو الأمة بأكملها، فإن عليك حقوقاً وواجبات تجاهها لا بد أن تُفكِّر فيها، وأن تعمل على أدائها بما يعينك به الله تبارك وتعالى.

وهذه الحقوق لا نستطيع أن نستعرض كل ما جاء فيها من نصوص وأحكام، فهي كثيرة جداً، لكن لابد أن نعلم -جميعاً- القاعدة التي تعلَّمناها من خلال اطلاعنا ومعرفتنا بالمصطلحات والألفاظ في البيان القرآني، أو في البيان النبوي، أن هناك جملة من الألفاظ والمصطلحات والمفردات، وإن تنوعت دلالتها عند الاقتران، فإنها لا تختلف عند الإفراد، مثل: البر، والتقوى، والخير، والهدى، والصلاح وأشباه ذلك، فإنها تُؤدي -جميعاً- إلى حقيقة واحدة ومؤدى واحد، وهذا من بلاغة البيان القرآني والبيان النبوي، وسمو وجمال اللغة العربية التي اختارها الله تبارك وتعالى، لتكون أداة لحمل هذا الدين، ولله الحمد.

النصيحة

يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جانب المعاملة وجانب الحقوق: {الدين النصيحة} انظروا! كيف كانت الجملة! مبتدأ وخبر، مسند إليه ومسند، بأبلغ وأوجز ما يمكن من العبارات، ولكن ذلك يشمل الدين كله، والخير كله، والبر كله، ولهذا لما قال أصحابه صلوات الله وسلامه عليه وعليهم جميعاً: لمن يا رسول الله؟ قال: {لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم} أي: وكأن الدين كله تجمعه كلمة واحدة، وهي كلمة النصيحة، فلا بد أن يكون المسلم ناصحاً.

والنصيحة تجمع أمرين: تجمع الإخلاص، وتجمع الصدق، فكأنك بهذه الكلمة تقول: كن مخلصاً وكن صادقاً، فإن الرجل إذا نصحك، ولو كان كلامه، وتوجيهه وإرشاده لك حقاً، ولكن لم يكن عن إخلاص، فإنه لا يُسمى ناصحاً، وكذلك لو كان مخلصاً في قوله، ولكن لم يكن صادقاً فإنه لا يُسمَّى ناصحاً.

فحقيقة النصيحة ما يجمع معنيين: الإخلاص والصدق، ولهذا قال الرسل الكرام: وَأَنْصَحُ لَكُمْ [الأعراف:62] وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف:68] فكأن عمل الدعاة يتلخص في أن الواحد منا يجب أن يكون ناصحاً أميناً، ينصح لهذه الأمة، كما بيَّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ينصح لله أولاً، ولكتاب الله تبارك وتعالى، ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم للأمة خاصتها وعامتها، فلا بد أن يسأل الإنسان نفسه عن ذلك: هل أنا ناصح فعلاً؟

وهل نصحت؟

وهل قمت بهذا الواجب؟

هذه أسئلة لا بد للإنسان منا أن يتأملها مع نفسه ومع إخوانه في الله، لينظر ما موقعه من هذا الحديث الشريف العظيم، الذي هو من جوامع كلمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك

ومثله وقريب منه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) هذا كلامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونأخذ من الحديث أهمية المحبة، وهذه المحبة لا تتعارض مع النص بل تقتضيه ويقتضيها، أن أحب لأخي ما أحب لنفسي.

والمقصود هو: أخوك المسلم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(المسلم أخو المسلم)، وكما قال: (وكونوا عباد الله إخواناً).

إذاً: لا بد أن تعلم أن أخاك المسلم يجب عليك أن تحب له من الخير مثل ما تحب لنفسك، فإن كنت تحب الجنة، فلابد أن تسعى لتجعل أخاك ممن ينالها ويسعى في طريقها، تريد أن تنجو من النار، فأحب لأخيك أن ينجو من النار، تحب أن تؤتى الخير، وأن تعطى من الدنيا أو من خير الدنيا أو خير الآخرة، فأحب ذلك لأخيك المسلم، تحب أن يُسمع لك، فاسمع لأخيك المسلم، تحب أن تُطاع فأطع أخاك المسلم، تحب أن تُحترم، فاحترم أخاك المسلم... وهكذا ضع نفسك مكانه وليكن ميزانك ميزان العدل والقسط.

فحينئذٍ تجد أنك تحقق -بإذن الله- هذا الواجب العظيم، الذي قلَّ من يرتقي إليه من المسلمين، وبذلك تصبح ممن يعيشون في درجة عالية، وعظيمة جداً، يغبطك عليها أكثر الخلق وأنت لا تشعر بها؛ لأنه ليس في هذه الدنيا من هو أكثر سعادة في حياته من الإنسان الذي سلم قلبه من الغل والحقد والحسد والغش لإخوانه المسلمين أبداً، هذا هو الإنسان الذي يعيش في اطمئنان.

إنْ كَثَّر الله خير إخوانه المسلمين وعافيتهم وأرزاقهم، فرح بذلك واطمأن، وإن ضاقت عليهم الدنيا ورأى من حالهم ما لا يرضى فإنه لا يشمت بهم، مهما آذوه، وإن كان بينهم أشد ما يكون من الخلاف، بل إنه يسأل الله تبارك وتعالى أن يعافيهم وألاَّ يبتليه، فيعيش مطمئن البال قرير العين مما وصل إليه من هذه الأمانة وهذا العدل، لأنه تحمل الأمانة حق التحمل، حتى أصبح يزن بميزان العدل الذي قلَّ من يتمسك به، ولا سيما في أواخر الزمان.

فالإنسان المسلم يستشعر هذا الواجب دائماً، الجار يشعر بواجبه الذي عليه لجاره، وكذلك الجار الآخر... وهكذا نجد جملة من الحقوق تنظم حال المسلم ودنياه.

الرسول صلى الله عليه وسلم والاهتمام بمن حوله

الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصحابته الكرام هم المثل والنموذج الأعلى في أداء الحقوق، فكيف كانت حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟

كان هو معلم الأمة، وكان هو الحاكم والوالي فيها، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الزوج الذي قام بحقوق الزوجية كاملة، وكان هو القائد الذي يقود الجيوش في المعارك، وكان هو المربي، وكان هو الشفوق والعطوف الحنون على الفقير والمسكين والأرملة، وهكذا جملة عظيمة من الحقوق قام بها صلوات الله وسلامه عليه خير قيام، مع أنه صاحب الفضل على هذه الأمة جميعاً، فهو الذي أخرج الله تبارك وتعالى به الأمة من الظلمات إلى النور.

كيف كان أصحابه الكرام؟

هل تعلمون أحداً من الصحابة أو حتى من العلماء التابعين أو تابعي التابعين كان يعيش هو وطلابه وحدهم منعزلين، يجتهدون فيما ينفعهم وحدهم، ولا يفكرون في حال الأمة ولا ينصحون لها، ولا يحسنون إليها، ولا يشفقون عليها؟!

لا تجدون ذلك أبداً، بل هم أشفق وأرحم الناس بالناس، هم الذين إن وجدوا الضعيف، وإن وجدوا الأرملة، وإن رأوا المحتاج أو المعتوه أو الأسير أو الفقير، فهم أول من يبادر إلى بذل الخير له والإحسان إليه، وحث الخلق على ذلك.

هم الذين بلغ بهم ذلك الموقف الإنساني الرفيع حداً لا يصدق، حتى كان الواحد منهم إذا اكتسى حلة يكسو غلامه، ويقول: هكذا علمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هكذا كان في عصر كانت الشعوب يستعبد بعضها بعضا، ويستذل بعضها بعضاً.

وأما اليوم فهل سمعنا عن بعض أرباب العمل وأصحاب الشركات والمؤسسات -مثلاً- من يشعر بالشفقة نحو عماله إلى حد أنه إن أكل أكلاً لذيذاً أو لبس لباساً نظيفاً، يتمنَّى مثل ذلك لعماله ولو أمنية بالقلب إلا من رحم الله؟!

هؤلاء قوم لم يكونوا يتخطون أقرباءهم ولا جيرانهم ولا من حولهم من المجتمع، إلى من ورائهم، وهم إنما يتخطونهم بالخير والهدى والنور، ولكن نورهم وعلمهم شمل تلامذتهم، وجيرانهم، ومجتمعاتهم، وشمل حكامهم ومحكوميهم، حتى أصبحت حياتهم كلها خيراً ويمناً وبركة...!

الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تستوقفه المرأة العجوز في الطريق فيتنحَّى لها، ويقف ويستمع حتى يقضي حاجتها، ثم ينصرف.

رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يجلس، وتأتي إليه المرأة تجادله في زوجها، وينزل الوحي من السماء: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة:1].

انظروا! إلى هذا الاهتمام بأحوال الناس، وبواقع حياة الناس، لكي يأخذ بأيديهم صلوات الله وسلامه عليه إلى الطريق القويم، وربه تبارك وتعالى من فوق عرشه العظيم يوحي إليه ويسدده ويوجهه ويبارك خطواته وأعماله وأقواله، وهكذا كان أصحابه الكرام.

الصحابة والقيام بالحقوق

كيف عاش عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

هل عاش عمر بن الخطاب لنفسه أو لأهله؟

لا! أمَّا ما بين العبد وربه، فقد قاموا بحق الله -تبارك وتعالى- خير قيام.

وحسبهم أن يثني الله -تبارك وتعالى- عليهم: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]، وغير ذلك من الثناء: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]

وهكذا أثنى الله تعالى عليهم، وزكَّاهم فيما بينهم وبينه، وما بينهم وبين غيرهم من الناس، لذلك نقول: عبادتهم لله قمة لم نصل إليها، لكن كيف كانوا في معاملتهم لعامة الخلق؟!

كيف كان عمر رضي الله عنه مع الأرملة؟!

كيف كان مع العجوز؟!

كيف كان مع الذمي الذي يراه هرماً كبيراً؟

فيقول: [[ما أنصفناك أخذنا منك الجزية شاباً وتركناك كهلاً]] فيصرف له من بيت المال ما يكفيه..!

وحتى العلماء والصالحون كان تعاملهم بالبر، وكان الواحد منهم مع شدة حاجته وما يعتريه من العوز، يتصدق بالصدقة يعطيها أخاه، فيأخذها الأخ فيعطيها أخاه، فيأخذها الآخر فيعطيها أخاه،فلا يدري الأول إلا وقد رجعت إليه، ومن كثرة تعاونهم حققوا قول الله تبارك وتعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2].

حققوا معنى الأخوة الإيمانية، وكما كانت بعثته صلوات الله وسلامه عليه، ودينه رحمة للعالمين، كانت حياتهم وأخلاقهم وتعاملهم رحمة للعالمين!

واقعنا في الاهتمام بمن حولنا

أقول: لو استطردنا في هذه الأمثلة لوجدنا العجب العجاب، ولكن ما واقعنا نحن؟

وكيف حالنا في مثل هذه الأحياء التي نسكنها ونعيش فيها؟

مع الجيران والأهل والجماعة ومع القبيلة والزملاء في العمل وغير ذلك؟

هل نحن على هذه المثل والقيم الرفيعة العظيمة التي علَّمنا إياها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأصحابه وعلماؤنا الأجلاء، أم نحن دون ذلك؟

الملاحظ أن بعض الشباب، وبعض طلبة العلم همَّه نفسه، يتعلم العلم ولا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فيعلمه ذلك العلم، لا يعلم الزوجة ذلك العلم، ولا يعلم جاره ذلك العلم -ولو شيئاً منه- حتى أبناءه أحياناً! وتتراكم لديه المسائل، ويجمع المسائل والأحكام بعضها فوق بعض، إلى أن يُذهِب آخرها أولها، وينسي بعضها بعضاً، ولم يخرج ولم ينفق منها شيئاً.

يرى الناس يتهافتون على المعاصي، ويراهم يتسابقون على طريق النار والعياذ بالله، يراهم تفتك بهم الفتن والمحن والأهواء والشهوات من كل جهة، وهو مطمئن بما أعطاه الله من العلم والهدى والخير، وغاية ما يقول: الحمد لله الذي عافاني من هذا الأمر الذي وقع فيه كثير من الخلق!

نعم! الحمد لله على ذلك، ولكن ما الذي فعلت؟

ما واجبك نحوهم؟

الحمد لله الذي وفقك فعرفت حق الله عليك في صلاة الجماعة، لكن ما واجبك نحو جارك الذي لا يُؤديها جماعة، وربما لا يؤديها مطلقاً.

الحمد لله الذي علَّمك أن تُطعم الفقير والمسكين، لكن هل بذلت مثل هذه النصيحة لجارك أو زميلك صاحب المال -صاحب العمل- صاحب المؤسسة فيمد يده بالخير إلى المحتاجين والمحسنين الآخرين، أم أنك أنت تؤدي ما عليك إن أديته، ولا تبالي أن يؤدي الآخرون؟... وهكذا؛ وبذلك وقع التخلخل في المجتمع.

نظرة الناس إلى طالب العلم إذا لم يهتم بهم

أصبح الإنسان المسلم ينظر إلى طالب العلم ويتأمل، أو يظل يُفكر ماذا يريد مني؟

الآن لو أن أحدنا قدم على جماعة من الناس ورأوه: ماذا يتوقعون؟

يفكرون بماذا سوف يأمرنا وماذا سيطلب منا! وكأنا أصبحنا نأمر فقط ونطلب، لكن ماذا نعطي؟!

وماذا نقدم؟!

كان الناس إذا رأوا أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبشون وتتهلل أساريرهم ويفرحون، لأنه جاء يعطيهم، ويبث لهم من هدايا الخير وعطاياه، يعطيهم آية من كتاب الله تبارك وتعالى، يُعلمهم سورة من القرآن، يُعطيهم حديثاً عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ينصح لهم، بل ربما أعطاهم من ماله.

أما نحن فيتوقع منا أوامر، يتوقع منا إنكاراً، وغلظة وشدة.

فإذا رآك ليناً هيناً، فرح واستبشر واطمأن، وقال: يا أخي! بارك الله فيك، يا ليت الناس كلهم مثلك! يا ليت طلاب العلم يعاملونا هذه المعاملة!

قد شعر بأنك غريب ومعاملتك غريبة؛ لأنه لا يوجد أحد يُشعر الناس حقيقةً بهذا الخير الكامن في قلوبنا، لم نحوله إلى واقع، وعمل، إلى محبة، وتآلف، أصبح الشاب المسلم إذا اهتدى، كأنه مثل الذي نجا في جزيرة من الجزر بنفسه ونأى بحاله، فلا يريد أن يمد جسراً إلى الآخرين لينجوا، كلما رآهم يغرقون يفرح، وربما يشمت بهم وهم يغرقون!

مُدَّ إليهم الحبال! مُدَّ إليهم جسور الخير! عَبِّدِ الطرق كي ينجو إخوانك كما نجوت!

طرق الاهتمام بالمجتمع وفعل الخير

كثير منا لا يفعل ذلك: وكثير منا يقول: وماذا نفعل؟!

وماذا نصنع؟!

هل ضيق الله تبارك وتعالى علينا طرق الخير ووسائل الخير التي بها نحقق هذا الواجب علينا؟

لا! يقول الله تبارك وتعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69].

أليس سبيل الله واحداً؟!

قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

إذاً: طريق الله واحد، وسبيله واحد، فعندما يقول هنا: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، هذه طرق الخير، فالخير له طرائق كثيرة! والجنة لها ثمانية أبواب، ومن الناس من يدخل من باب، ومنهم من يدخل من آخر، فلم لا تعمل يا أخي المسلم لكي تُدعى من أكثر أبوابها، إن لم يكن من أبوابها كلها؟!

ابحث عن السبيل الذي أهّلك الله به ومكنك منه أن تدخل إلى الخير، وإلى رضا الله وإلى إصلاح حال هذه الأمة، فلا تتردد فيه ولا تدع الفرصة تفوتك منه.

اغتنم شبابك وعمرك ووقتك وما أُهِّلت له، لتدخل من هذا الباب إلى رضوان الله -تبارك وتعالى- وهداية الخلق، واعلم أن رجلاً واحداً يهديه الله -تبارك وتعالى- على يديك خيرٌ لك من حمر النعم، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم}.

واعلم أن { موضع سوط أحدنا في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس } كما أخبر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

إذن: لماذا لم تبادر إلى أي عمل من أعمال الخير؟

لا تقل: ليس عندي إلا القليل من العلم! إن كنت طالب علم فابذل من هذا العلم، فما لديك فابذل منه، وتوقع أو تخيل أو تصور أنك أنت طالب العلم الوحيد في هذا الحي! أو أنك أنت صاحب المال الوحيد في هذا الحي، أو أنك أنت الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الوحيد في هذا الحي، لكي تعمل كثيراً ولا تستكثر أي عمل تعمله.

وإذا عمل كلٌ منا كذلك رأينا الخير -بإذن الله تعالى- يعم وينتشر في المجتمع كله، ولكن انظر إلى واجبك أنت، واعلم أنك لو لم تنفق إلا ريالاً واحداً، فلعلك تضع هذا الريال في يد رجل يرفع يده إلى السماء ويقول: اللهم بارك له، اللهم ارزقه، اللهم وفقه، فيبارك الله -تبارك وتعالى- لك في مالك وأعمالك، ويدفع عنك شراً عظيماً جداً بهذا الريال الذي وضعته وأنت لم تلق له بالاً، وربما قلت كلمة، فهدى الله تبارك وتعالى بها من لم تكن تطمع ولا يطمع غيرك أن يهديه الله تبارك وتعالى.

وليس شرطاً أن ترى ثمرة كلمتك الآن، ربما رميت الحبة وأنت تحرث أو تبذر الزرع فوقعت على حجر ولم تنبت شيئاً، ولكن قد يأتي بعد شهور أو أيام وتأتي الرياح وتأتي الأمطار وتدحرج تلك الحبة وتلقيها في الأرض وتنبت وتثمر وتصبح شجرة عظيمة، وجناها وثمرتها لك، وأنت لا تعلم، وأنت لا تدري متى ألقيتها وأين ألقيتها، لكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وهو الذي ينمي ويربي الخير ويزكيه، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة من فضله وجوده تبارك وتعالى.

فلا تحقر شيئاً من الخير، ولا تحقر شيئاً من المعروف، ولو أن تلق أخاك بوجه طلق، تقول له: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وتصافحه؛ فتتحات ذنوبكما كما يتحات ورق الشجر، سبحان الله العظيم، فلماذا نفوت هذا الخير؟!

تنافس الصحابة الكرام على الخير

اشتكى الصحابة رضي الله عنهم عندما جاءوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذي هو بالمؤمنين رءوف رحيم، فقالوا: (يا رسول الله! ذهب أهل الدثور بالأجور) وهذا التنافس ليس هو تنافس الفقراء والأغنياء، كما صورته الرأسمالية والشيوعية الكادحون، والطبقات البرجوازية ضد الطبقات الرأسمالية! لا، بل تنافس في الأجور: { ذهب أهل الدثور بالأجور ) أي أهل الأموال، ثم قالوا: (يُصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم) أي: زادوا علينا بالصدقة، ونحن لا نملكها، فعلمهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:(تُسبحون الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدون ثلاثاً وثلاثين، وتكبرون ثلاثاً وثلاثين)، ففعلها أولئك، وقالوا: الحمد لله! وجدنا باباً عظيماً من أبواب الخير نسبق به إخواننا.

فلمَّا فعل إخوانهم ذلك، جاءوا وشكوا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -انظروا التنافس إلى الخير- فقالوا: (يا رسول الله! قلنا ذلك فقالوا كما قلنا -أي: ما الحل؟- قال: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء).

ابتلاكم لتصبروا بالفقر، وابتلاهم ليشكروا بالمال وبالنعمة، لكن هذا هو الواجب أن نتنافس -جميعاً- في هذا الخير وأن نذكر الله، وإن لم نجد شيئاً فلندع الله تبارك وتعالى.

الاهتمام بالمسلمين والدعاء لهم

من منا لا يألم عندما يرى هذا الواقع المحزن المؤلم لهذه الأمة من أقصاها إلى أدناها؟

ويتذكر أن الدين النصيحة، ويتذكر أنه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، ثم يقول: لا أملك شيئاً، لا، بل أنت تملك ما لا يستطيع أي عدو للإسلام أن يملكه، وما ليس في إمكان أية قوة في الدنيا أن تملكه، وهو الدعاء، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رب أشعث أغبر ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبره)، الله أكبر، يقسم على رب العالمين، ويبره رب العالمين...!

لله سبحانه أولياء، وله عباد صالحون لهم عنده من الشأن والمنزلة ما الله به عليم، فلِمَ لا ترفع يديك؟

ارفع يديك وتضرع إلى ربك تبارك وتعالى بسجدة في جوف الليل لا يراك أحد، قبل السلام في كل الصلوات، وأنت ذاهب إلى بيت من بيوت الله, وأنت تضع اللقمة أو الريال في يد فقير أو محتاج، وأنت ترأف بمسكين أو تشفق عليه.

ادع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كم من هؤلاء الذين إن شفع فهو جديرٌ بألاَّ يُشَّفع، وإن خطب فهو جدير بألا ينكح ولا يُزوَّج، وإن طلب فهو جدير بأن يرد ولا يعطى، ولكنْ بينه وبين الله باب مفتوح، لو رفع إليه يديه بصدق وضراعة لحصل الخير، كما يريد الله تبارك وتعالى.

إذاً: ارفع يديك وادع الله، واعلم أنك لو دعيت لنفسك فربما يستجاب لك، وربما لا يستجاب لك، وإن كنت على أية حال لست بخاسر أبداً، لأنه كما جاء في الحديث: (إن ربكم حي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً).

أي: يردهما خاليتين، فلا يمكن ذلك... ولو ذهبت إلى أي كريم من الناس وطلبته وأنت تعرف كرمه، واجتمعت فيه الصفتان الكرم والغنى، هل يردك؟

يستحيل على كريم غني أن يرد أي واحد يأتيه، ولو بشيء بسيط، فكيف بمن له الغنى المطلق والكرم المطلق، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الذي طلب منا أن ندعوه، والذي يصدق فيه ما قال الشاعر:

الله يغضب إن تركت سؤاله وبُني آدم حين يُسأل يغضبُ

وقد قال الكريم الغني المفضال تبارك وتعالى:وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60]، يريد أن ندعوه، ادعه، ولن تكون خاسراً، بل أنت كاسب في أي حال من الأحوال، لكن ربما يحول بينك وبين الإجابة شهوات أو شبهات، أو ارتكاب لذنوب، أو محرمات، أو أكل مال حرام، أو أي حائل من الحوائل، لكن إذا دعوت لأخيك يستجاب لك بإذن الله تبارك وتعالى، لأنها دعوة عن إخلاص، لأن ذنبك أنت وتقصيرك لا ينسحب عليه فتدعو الله تبارك وتعالى له، فيقال: آمين ولك مثل ذلك! إذن لماذا نترك هذا الدعاء؟!

ما يمكن أن نعمله من أعمال الخير

نستطيع أن نعمل ما هو أكثر من الدعاء؟!

ألسنا نستطيع في كل حي من الأحياء، بل في كل مسجد أن نوجد لجنة أو أكثر من اللجان، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وللخير وللإحسان وللشفقة، ولنتواصى بالمرحمة كما أمر الله تبارك وتعالى، لنحنو على ضعيف أو مسكين، أو إنسان استهوته الشهوات أو الشبهات، فتاه وضل عن الطريق المستقيم، ألا نستطيع؟

ألم يعمل الإخوة الكرام -بارك الله فيهم- لجنة لمكافحة التدخين؟

هل أثمرت أو لم تثمر؟

ما رأيكم؟

أثمرت نجاحاً عظيماً جداً، كم من صاحب محل الآن يكتب نحن لا نبيع الدخان، عندما تجلس معه يقول: الله يجزيهم خير! الحمد لله، أنا أصلي وأصوم وأحب الخير، وإذا رأيت الإنسان من بعيد لا يدخن، حمدت الله، وإذا رأيته يدخن استعذت بالله منه، وابتعد عن طريقه، وهو الذي كان بالأمس إذا رأى المدخن استبشر، وكان إذا قلت له: لا تبيع الدخان، قال: الزبائن لا يأتون إلا من أجله، لو لم أبعه فلن أعمل، لكن كيف تحول، كيف تغير؟ لما وجدت لجنة ودعوة ونصيحة، انتفع، ولله الحمد.

لجان للفقراء، لجان لمناصحة أصحاب المنكرات في الأحياء، وأنا أطالب الإخوة أن يتركوا الأسماء هذه، لا يهم سموها لجنة أو جمعية، أم لم يسموها شيئاً، لا يهم هذا، المهم يكون منا ثلاثة أو أربعة أنفار يذهبون ويمرون على صاحب المحل: ماذا تبيع؟

يقول: عندي أغاني، يقال له: يا أخي الكريم! اتق الله، يقول لك: عندي تصريح، قل له: ما أتيت أخاطبك للتصريح ولا نحن من موظفي الإعلام، نحن جئنا نقول لك: إن هذا حرام، يفتح الله له نور قلبه، وتستنير بصيرته ويتوب قبل أن يدركه الموت، وهو على هذه المعصية.

إنسان آخر يتهاون بصلاة الجماعة، فهل الذي يعد نفسه آمراً بالمعروف، يخبر الهيئة ليوقفوه؟!

ليست مهمة الهيئة أن يأتوا ليأخذوه، اذهب أنت في ثلاثة نفر، وقل له موعظة يخشع لله، ويرق قلبه، ثم يأتي معك إلى المسجد، فتكون قد كسبته إلى الخير، وبعد ذلك تكسب به من وراءه إن شاء الله.

وهكذا... إذا كان معك في كل حي أو في كل مسجد أو جماعة أو قبيلة أو مجلس تجلسه فيه شيء من هذا التعاون والتواصل، بدلاً من أن تضيع الأوقات أو يتشتت المجتمع، إما أن نضيع أوقاتنا في لهو ولعب وغيبة ونميمة، وإما نتشتت فلا يلتقي منا اثنان كل مشغول في دينه، والخير في هذه الأمة مهمل ومنسي.

خيرية الأمة الإسلامية وضمانات البقاء

اعلموا أن هذه الأمة فيها خير عظيم, خير لا نكاد نتصوره نحن، ربما وجدت ذلك الإنسان الذي مظهره من بعيد يشعرك بالمعصية -مثلاً- أو يشعرك بالتقصير، ربما لو قدحت هذا الخير الذي في قلبه لأصبح نوراً عظيماً يشع ويضيء للحي كله، أو للبلد كله، ولكن من الذي قدح ذلك الخير؟

من وعظه؟

ومن ذكره؟

ومن جالسه؟

ومن صاحبه؟

ومن أهدى إليه؟

أهد إليه هدية: كتاباً، شريطاً.. أهد إليه هدية من هدايا الدنيا، أشعره أنك تحبه، ثم خاطبه من جسر المحبة.

أمتكم -الحمد لله- على خير! هذه الأمة فيها الخير إلى قيام الساعة، لا تظنوا أن ما وقع فيها من شهوات أو شبهات، سيمحو منها الخير.

إن ما انتشر في المجتمع الإسلامي من فواحش أو رذائل أو موبقات إلى غير ذلك، إنما هو بفعل الشهوات النفسية والشيطان، والاحتكاك بالغرب، لكن لا تزال المجتمعات الإسلامية اليوم، هي أفضل أنواع المجتمعات وأكثرها تواصلاً ولله الحمد، فالمجتمعات الأخرى تفككت ولا يرتبط بها أحد بآخر.

قد يكون هناك تماسك في المجتمع، لكن الصلات الأسرية مفقودة تماماً، ونحن -والحمد لله- لدينا الكثير من طرق الخير.

انظروا كيف كنا قبل رمضان، فلما جاء رمضان اجتمعنا في بيوت الله، واستمعنا إلى ذكر الله، وتسابقنا إلى الصناديق لنتصدق وننفق، وأخذنا نتساءل: كم عندكم في الحي من أرامل؟

كم عندكم من محتاجين؟

هل فعلتم كذا؟

هل جمعتم كذا؟

وإذا بكل واحد منا يدل الآخرين على الخير، ثم ذهب رمضان فتراخينا، وإذا بنا الآن نقول: ما هو الحل؟

فجاء الحج وهو موسم جديد، وفيه خير، وفيه.. وفيه... وهكذا، ولا يأتي موسم إلا وبعده موسم تتحرك الأمة فيه.

فالأمة الإسلامية بنيان، لكن على ماذا يقوم هذا البنيان؟

لا يقوم على اللبن، أو الحجارة، ولا يقوم على أي شيء، ولكن الحديد الذي بداخله هو أساس قيامه، وهم طلبة العلم وأهل الخير في هذا الحي أو في أي حي، هم مثل الحديد، إذا قام الحديد وقوي، فسيجتمع عليه بعد ذلك ما يوضع من البناء، ويكون كله قوياً بإذن الله تبارك وتعالى.

فالواجب علينا رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً، أياً كان موقعنا، أن نتذكر هذا الواجب وأن نسعى إلى نشر هذا الخير، وأن يعلم كل منا أنه مسئول أمام الله تبارك وتعالى في حدود ما يستطيع، وأن الواجب علينا أن نكون أمة داخل الأمة، أن نكون كما أمر الله تبارك وتعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104] هذه الأمة وهذا عملها داخل الأمة التي قال الله تبارك وتعالى فيها: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، وكما قال تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة:143]، فنحن طلبة العلم ورواد بيوت الله، والذين نحب الخير أمة داخل الأمة الإسلامية الكبرى، نحن مجتمع داخل هذا المجتمع، لا ننفصل عنه ولا ننعزل، لكن نقوم بواجب القِوامة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيهدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بنا هؤلاء ونكون ممن يدعون الناس، فهم بعد ذلك يستجيبون لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم، ولمن يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى من دعاة الخير والهدى والإصلاح في المجتمع.

من مظاهر التعاون على البر والتقوى

أقول: أي شكل من أشكال التعاون لا تضيعوه، لا تفتقدوه فيما بينكم، واعلموا أن كل حي فيه الكبير في السن الذي له قيمته، والذي لديه وجاهة عند الناس، وفيه الموظف الذي يُمكن أن يؤثر على الحي وعلى غير الحي، فيه التاجر الذي يمكن أن ينفع الله بماله في هذا الحي، فيه الشيخ أو طالب العلم الذي ينبغي أن ينفع الله تعالى بعلمه في هذا الحي.

فيجب أن نتعارف، كثير من الإخوان يقول لي: لماذا لا نتعاون؟

وأقول: لأننا أصلاً لم نتعارف؟!

فكيف نتعاون ونحن لم نتعارف، ونحن في شبه غيبوبة عن العلاقات التي أمرنا الله بها، لكن عندما نتعاون ونتعارف ونتحاب، ونشيع الخير فيما بيننا؛ فإن ذلك مما يرفع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به رءوسنا ويعزنا، ونشعر بحال أمتنا خارج حدود حيناً أو مدينتنا، سنشعر بأحوال إخواننا المسلمين الذي يقتلون في كل مكان.

وأحياناً نقول: لماذا -نحن أهل هذا الحي- لا يكون لنا عمل معين في بلد من بلدان المسلمين، لماذا لا يكون هناك مركز إسلامي دعوي -مثلاً- في مدينة من مدن الصومال أو كشمير، أو البوسنة لهذا الحي، وباسم هذا الحي؟

لماذا لا يكون باسمنا -نحن أهل الحي- طبع كتاب دعوي خمسين ألف أو مائة ألف نسخة وترسل إلى أنحاء العالم؟

حينئذٍ نفرح ويهنئ بعضنا بعضاً: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

لو نجحنا في إيجاد شبكة مجاري أو مياه أو شبكة هاتف -وهذا أمرٌ مطلوب- فإننا نفرح ونقول: ما شاء الله! مجلس الحي حقق هذا المشروع.. ولكن لماذا لم يجتهد -أيضاً- في أمر آخر من أمور الدعوة؟

لماذا لا يكون هناك أشرطة كل أسبوع توزع؟

إن كان حجاً عن الحج، وإن كان صياماً عن الصيام، وهكذا إذا توكلنا على الله فعلاً وفقنا الله لذلك.

بعض الأحياء يكثر فيها الفقر، وبعض الأحياء يكثر فيها العمال، وبعض الأحياء يغلب عليها الترف والبطر، وهكذا تختلف الأحياء في كل مكان بمقتضى حالنا وواقعنا، فمن يعالج هذا الواقع وهذا الحال بالعلاج الرباني؟

وبهذا الدين الذي أعطانا الله؟

وكل الإخوة في حيهم يستطيعون أن يضعُوا بنفس التفصيل الأعمال الخيرية للحي، والتخصيص يترك لهم، ولا أستطيع أنا أو الأخ أو الشيخ فلان بن فلان، لأنهم أعلم بالحي وأعلم بظروفه وأعلم بواقعه.

أرجو ألاَّ أكون أطلت عليكم، وأرجو أن يجعل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هذا اللقاء مذاكرة فيما بيننا ليشعر كل منا بواجبه، ويستشعر ما ينبغي أن يفعله تجاه إخوانه حتى تكتمل -أو تقارب الكمال- صورة ونموذج المجتمع المسلم الحي الذي يشد بعضه: (كالبنيان يشد بعضه بعضاً) كما ضرب المثل بذلك الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كان من أسئلة حول هذا الموضوع خاصة فيمكن أن نستعرضها إن شاء الله، وأرجو ألاَّ يخرج أي واحد منا إلا وقد وضع في ذهنه أي تصور، حتى لو لم تستطع أنت أن تفعل شيئاً من هذا..ضعه في يد مندوب الحي، قدمه إلى إمام المسجد، أو إلى خطيب الجمعة، أو إلى مدير مركز الدعوة، أو إلى داعية من الدعاة، قدم له ما تراه من مثال أو نموذج لكي يكون المجتمع متآخياً مترابطاً، ويحقق كل أخ لإخوانه المسلمين ما ينبغي أن يكون بإذن الله تبارك وتعالى.

الأسئلة

الوالد الذي لا يصلي

السؤال: ما واجب المسلم نحو والده الذي لا يصلي ولا يطيع الله ورسوله، ويشتم الدين الإسلامي، ولكنه يصوم رمضان ولا يصلي؟

الجواب: حسبنا الله ونعم الوكيل، نعوذ بالله، اعلموا أن حق الوالدين عظيم -ولو كانا مشركين؛ لأن الله -تبارك وتعالى- يقول: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15] لا تطعهما فتشرك بالله أو تعصي الله سبحانه، ولكن مع ذلك قال: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان:15].

أي: بأن تحسن إليهما، وترعى شئونهما، وتقوم بحقوقهما، وتشتري لهما كل ما يحتاجان إليه، وما طلباه من الخدمة تقوم به، ومع ذلك تجتهد بأن تنصح للأب أو للأم أو كليهما، اجتهد أن تنصح لهما، ولكن لا تطعهما في معصية الله.

وإنَّ من معصية الله عز وجل، والتي يغفل عنها كثير من الناس في باب الحقوق والواجبات، أن بعضهم يقول: إن من واجب الأب عليه إذا أمره أن يظلم زوجته أو أخاه أو جاره، أن يفعل ذلك! ويقول: أبي أمرني، أو أمي أمرتني!!

لا يا أخي الكريم! لا يجوز لك أن تعصي الله تبارك وتعالى براً بأحد وتقول بأنك تبر بأحد، لكن أنت من واجبك أن تتحمل أنت لأمك أو لأبيك، أما أن تظلم أخاك أو زوجتك أو جارك بأمر من أبيك، فلا يجوز ذلك، فتنبهوا لهذا، جزاكم الله خيراً.

أما كونه يصوم رمضان ولا يصلي، هذا لا ينفعه ولا يتقبل منه، وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم وهم خير القرون، وهم الذين إجماعهم هو آكد الاجماعات، أن تارك الصلاة كافر، ولم يكن الصحابة رضي الله عنهم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر سوى الصلاة، وقد ثبت ذلك بالإجماع عن بعضهم وعن بعض التابعين، أن ترك الصلاة تركاً مستديماً بحيث لا يصلي لله تعالى فريضة، أن فاعل ذلك كافر، لا حظ له في الإسلام، ومستند ذلك الإجماع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} وغير ذلك.

الاهتمام بالعلم وترك الدعوة

السؤال: إنني أسكن في حي من أحياء جدة وفي الحي طلبة علم كثير، ولكن لا ينصحون ولا يذكرون ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، وهمهم فقط حضور الدروس العلمية والتجمعات في المساجد والمنازل، وليس لديهم مجهود يذكر لحيهم، يقول: وإني في الحي وحيد، أذهب إلى مساجد كثيرة، وأسمع أكثر من خمس مواعظ وألقيها في الأسبوع، وألاحظ أن الناس بحاجة إلى المواعظ، وتذكيرهم بدينهم، والشيطان يثبطني أحياناً، ويقول: انظر إلى الشباب مستريحين، وأنت تدور على المساجد، وأحياناً يقول لي: إنك ليس لديك إخلاص، وأنا أخاف الرياء؟

الجواب: هذه مصيبة عندما توجد مثل هذه الشكوى، انظروا كيف هذا الأخ المسكين، من غربته في الحي بدأ الشيطان يشككه، ويوسوس له: أنك تعظ إلا لأنه ليس عندك إخلاص، تريد الناس أن يمدحوك، وهذا من الشيطان نعوذ بالله منه، ويريد أن يدخل منها إلى قلب هذا الأخ، نسأل الله أن يثبتنا وإياه على الحق.

الواجب على الإخوان في كل حي، أن يتآزروا ويتعاونوا، ويتعاطفوا، وأرجو من الإخوان أن يجربوا، وكثيراً ما نتكلم، ولكن ربما لو جربنا لرأينا ثمرة ذلك.

بعض الأحياء جربت أن ما يمر واحد منهم إلا ويقول "الصلاة"! ينبه كل أهل المحلات في الطريق، كل من يراه جالس من الناس في دكان يقول له: "الصلاة الصلاة"! جربوا شهرين أو ثلاثة أشهر، وبعد ذلك مُرَ ولا تتكلم، فمن بعيد يراك ويقول لك: "طيب طيب" مع أنك لم تتكلم؛ لأنه تعود منك هذا الشيء، ولأنك أحييت شعيرة من الشعائر، ولك أجرها وأجر من عمل بها.

لكن إذا سكتنا، وأصبحوا يروننا مع بعض نقول: ما رأيك في الكتاب الفلاني؟

ما آخر شريط؟

ما آخر محاضرة؟

ونتحدث ونمر على الناس، وهذا لاهي، وهذا يسمع الغناء، وهذا فاتح الدكان وقت الصلاة، وهذا ينظر إلى امرأة، وهذا يتفرج التلفزيون، وكأن الأمر لا يهمنا أبداً، وتعودوا هذا منا.

أصبحوا يقولون: والله لا ندري ما عندهم هؤلاء؟!

دائماً كلام كلام! فما علموا منا إلا هذا الشيء المبهم الذي لا يعلمونه وتأتي الأجهزة الإعلامية الشيطانية من أمريكا ولندن ومن الشرق والغرب، وتقول: المتطرفون، الأصوليون، الإرهابيون، فيقولون: انظروا هؤلاء، والله مثل صورة ذاك الإرهابي الذي رأيناه ذاك اليوم! لأنه ما رأى منك إلا هذه الصورة، لا تقل: لماذا ينظر لي هذه النظرة؟

فماذا علمته أنت غير هذه النظرة؟!

هذه شكوى، وليست من هذا الأخ وحده، وإنما -كما أتوقع- من أحياء كثيرة، ومن طلبة علم كثيرين.

الشباب الذين يعبثون أثناء الصلاة

السؤال: أرجو أن تقدم لهؤلاء نصيحة، وهي أن بعض الشباب يكثرون من العبث بالغترة والعمامة في الصلاة، نرجو النصح وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: الصلاة يا إخوان روحها الخشوع، وكما قال بعض الصحابة: [لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه] وكما علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل المسيء صلاته إذا ركعت فاركع حتى تطمئن راكعاً، واسجد حتى تطمئن ساجداً، علمه الطمأنينة في الأركان.

فلا شك أن الإنسان الذي يعبث بالغتره أو بالمنديل أو بالساعة، أو يتأمل في الزخارف أو غيرها، أنه يفقد من صلاته بقدر ما يفقد من الخشوع، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم عبادتنا، وأن يرزقنا فيها الإخلاص والخشوع؛ إنه سميع مجيب.

القرى المليئة بالمنكرات

السؤال: إني أسكن في قرية مليئة بالمنكرات والمعاصي، وإن أغلب أهلها لا يصلون -حسبنا الله ونعم الوكيل- حتى الصلاة المكتوبة، ولا يدخلون المسجد إلا في الجمعة، وقد لا يحضرونها، بل وهم مقيمون على السهرات والرحلات والمجالس المليئة بالمنكرات، وهم يستهزئون بالشباب الملتزم وهم قلة في هذه القرية، فما العمل؟

الجواب: أنا لا يهمني كثرة المنحرفين أو الغافلين، هكذا الحال! كما قال تعالى: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، وكما قال: وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ [الصافات:71]، هكذا أخبرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فالأكثرية ليست المشكلة، لكن المشكلة هي ما الذي يمكن أن تعمله هذه القلة من طلبة العلم في هذه القرية وما حولها من القرى؟

لماذا لا نوصل الخير إليها، عندما لا يكون فيها من يوصل إليها الخير؟

لماذا عندما يتخرج الواحد منا يقول: عينوني داخل المدينة، فإذا عينوه داخل القرية آثر الراحة على العمل!

وهذه مشكلة فعلاً، وكأننا لا نريد إلا الراحة، ولا شك أن الإنسان من حقه أن يطلب الراحة، ولكن لماذا لا نطلب الراحة العظمى عند الله؟

لماذا لا نضع سير الخطط والبرامج لتشمل هذه القرى؟

الإخوان في مركز الدعوة لا يقصرون، والبرامج الدعوية مهيأة من الرئاسة، ونسأل الله سبحانه أن يوفق الوالد سماحة الشيخ عبد العزيز -حفظه الله- فهو يبذل جهداً من البند الخيري، ومن البند الرسمي، ومن جهده الخاص، لكي تنتشر الدعوة في القرى والمناطق النائية، ويحثنا على ذلك كلما لقينا، والحمد لله سبل الخير موجودة؛ فرتبوا البرامج وأعينوا إخوانكم في هذه القرية وفي أي قرية..

فإذاً: يجب أن تصبر أنت وإخوانك في القرية وأن تتحملوا، وأن تُشعر الإخوان أين تقع هذه القرية ليدرسوا أحوالها، ويبتعثوا إليها.

الذي لم يجد أثر النصيحة

السؤال: إذا أنا نصحت جاري بالصلاة، ولكنه لم يصل، فهل يلزمني شيء بعد ذلك؟

الجواب: ليست النصيحة مجرد السلام والأمر بالصلاة فقط، بل اسمع له، وزره، وسلم عليه، وقدم له هدية، وارفق به، فقد يهديه الله سبحانه فيصبح قوياً في الحق وكل قلب له مفتاح، فانظر مفتاح قلب هذا الرجل من أي نوع، فإن كان مفتاحه الغيرة فذكره بالغيرة، وإن كان عنده غفلة فأعطه موعظة يصحو ويفيق، وإن كان الشيمة فحدثه عن الشيمة، وإن كان المروءة والأخلاق، فخاطبه باللغة التي تظن أنها توصل الخير إلى قلبه، بأسلوب طيب.

حاول أن تظهر له أنه قريب من الخير وأعرض عليه هل يريد خدمة أو طلباً فقدمه له.

قدم الدعوة مع شيء من الخير، بعد ذلك إذا رفض فما عليك إلا البلاغ، لأن هذا ما أوجبه الله على الرسل وهم خير منا، لكن ثقوا تماماً أننا نستطيع أن ندعو كثيراً من الخلق إلى الله، فيهتدوا -بإذن الله- إذا نحن أصلحنا أساليبنا في الدعوة، ووسعنا أنفسنا ومداركنا، وتبقى القلة الضئيلة التي لا تستجيب، فهذه موجودة في كل زمان ومكان.

الحزبيـة

السؤال: تعلم أن المسجد هو خير مكان تنطلق منه توعية الناس ونصحهم، ونحن في حي مزقته الحزبية، أئمة المساجد جميعهم متحزبون، لذلك قد حرم سكان الحي الخير، رغم أنك إذا زرت ذلك الحي ترى كثيراً من السكان ظاهرهم الصلاح، ولكن لا نشاط لهم في الحي، والله المستعان؟

الجواب: هذه الأمة كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فتنتها المال وعذابها الفرقة} عذابها الفرقة والاختلاف، والتحزب: تحزب قبلي، تحزب في العمل الدعوي، التحزب في الآراء، التعصب المذهبي، في كل شيء تجدها أحزاباً، والله سبحانه نهانا عن هذا فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ [آل عمران:105]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ [الأنعام: 159] نهانا الله سبحانه عن ذلك: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153].

فالواجب على الإنسان أن يتبع الحق، وأن يتحزب للحق، وأن يكون من حزب الله، فحزب الله هم أهل الحق، أينما كان الحق وعلى أي لسان قيل، لا يكذب ولا يجور على مخالفه، ولكن لا يتعصب أيضاً لرأيه، وإنما يقبل الحق أينما كان، والقضاء على الحزبية لا يكون بحزبية مقابلة، وإنما يكون ببذل النصح للجميع، بمحبة الجميع، بإيجاد ترابط وعلاقات من الجميع وإلى الجميع وتذكيرهم وتخويفهم بالله تبارك وتعالى، وأياً كان مصدر هذه الحزبية فهي شر ووبال ودمار، ولا سيما في العمل الدعوي بين الشباب.

واجب المسلمة نحو مجتمعها

السؤال: ما واجب المسلمة نحو مجتمعها المسلم، وهل تنحصر في بيتها فقط؟

الجواب: المسلم يخاطب أكثر من المسلمة، لأن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لم يجعل لها من الوسائل ويمكنها من الإتصال بالناس ما جعل للرجل، فأعظم واجب عليها هو بيتها، لكن من بيتها تستطيع أن تعمل الكثير، أن تزور وأن تستزير، أن تصلح أبناءها، وجاراتها وقريباتها... وهكذا، وإن كانت ممن تعمل في التدريس -مثلاً- فكذلك تصلح مدرستها وطالباتها، ويمكن أن تكتب الرسائل النافعة، والآن الحمد لله تنشر بمئات الألوف رسائل كتبتها واحدة في قعر بيتها والحمد لله.

فالأخت المسلمة عليها نفس الواجب، إلا أن الوسائل في حقها تنحصر في الوسائل الشرعية اللائقة بكرامتها وفكرها وصونها.

دور المسلم في البلاد التي لا يطبق فيها شرع الله

السؤال: ما واجبي الحقيقي نحو مجتمعنا المسلم الذي تصيبه الأوبئة الجماعية والأمراض، وهل هي ابتلاء أم حياة ضنك تصيب مجتمعنا، وما دوري كإنسان عادي خاصة إن لم يطبق الشرع الإسلامي في هذا المجتمع؟

الجواب: كأن الأخ يتحدث وكأني أشعر أنه من إحدى البلاد الإسلامية التي نكبت به الأوبئة والأمراض والحياة الضنك، وعدم تطبيق شرع الله سبحانه، نسأل الله سبحانه أن يرفع عنا البلاء، فما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة.

واجبك يا أخي أن تكون كراكب السفينة إذا استطاع أن ينصح لها ولربانها وركابها فليفعل، فإن لم يكن ذلك فليستقل بنفسه ولو على خشبة، ولينج هو وأهله ومن يستطيع؛ إما داخل المجتمع الذي هو فيه، أو يهاجر إلى خارجه، إلى أي مجتمع آخر من مجتمعات الخير.

أما المجتمعات التي يُحارَبُ فيها الإسلام علانية بقوة الحديد والنار، كما في الجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا والعراق وغيرها فلا.

وهذه المجتمعات نفسها فيها الخير الكثير والحمد لله، فيها قبول، واستجابة، وكأنني أتأمل وأرى هؤلاء الظالمين والمجرمين والعلمانيين والاشتراكيين، الذين يُمسكون بأزمّة الأمور في هذه البلاد، أو عملاء اليهود والنصارى وإن لم يكن لهم راية ولا مذهب، وهم يتحسرون على ما قبل عشرين سنة مضت حينما كان في إمكانهم أن يبطشوا، وأن يفعلوا ما شاءوا وهم في أمن.

أما الآن فالحمد لله، وأنا أبشركم بهذا وأنا مطمئن (العملاق قد خرج من القمقم) كما يقولون، ولم يعد بإمكانه أن يرجع إليه.

العملاق الإسلامي بدأ يفيق وينتشر ويستيقظ وتقوى عضلاته يوماً بعد يوم.

الآن يستحيل أن تحشر الأمة بالحديد والنار، لكي ينصرفوا عن دين الله وعن تطبيق شرع الله!!

فليفعلوا ما شاءوا، في مصر أو الجزائر أو تونس أو أي مكان، فنهايتهم خسارة، وكانوا كلما حدثت أشياء في مصر يقولون: سنة الحسم مع الجماعات الأصولية، ويحسمه الله ويذهب ويأتي غيره، والإسلام باقٍ والحمد لله؛ لأنه ليس قضية جماعات كما يقولون.

ولكن يجب أن نصبر كما قال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] وكما قال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45]، وكما قال تعالى: فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى طه:132]، العاقبة لنا بإذن الله، يستحيل أن يُقَاوَمَ هذا الدين.

في جمهوريات الاتحاد السوفيتي -كما يُسمى- ظنوا أنهم طمسوا هذا الدين ومحوه، ومع ذلك يأتون إلينا يحفظون كلام الله، ويتكلمون العربية الفصحى، ويطلبون منا كُتباً ما كنا نظن أنهم يعرفونها!!

من يستطيع أن يحارب الله؟! ولكن كما قال تعالى: إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ [الملك:20] يظن الكافر أنه قد يقضي على كل شيء فيحدد موعداً معيناً، ويعقد المؤتمرات.

يقول من خلالها: هدف المؤتمر أو هدف الزيارة القضاء على الإرهاب، أو القضاء على الأصولية!

غرور فقط!! وفي النهاية يذهب ويذهب سيده، ويذهب مؤتمره والحق باقٍ، والحمد لله.

فاطمأنوا فنحن لا نخاف -والحمد لله- بعد اليوم على هذا الدين، إنما نخاف على أنفسنا من ذنوبنا، من أخطاء الدعاة، ومن عيوبهم، وعدم صبرهم، وعدم تمسكهم بالحق، وتناصحهم فيما بينهم، ومن عدم التخطيط الواعي الجيد لمواجهة هذه الأحداث، فهذا الذي نخشى وهذا الذي نخاف.

أما أن نقول: {إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض}، فهذه لا تقال الآن؛ لأن صحوة الأمة كلها في كل مكان، لو عذبت طائفة فطوائف كثيرة تقوم بالواجب؛ فاصبر يا أخي في مجتمعك وادع الله.

وأنا أقول لكثير من الإخوان: لأن تكون في هذا المجتمع داعيةً، صابراً، مجاهداً، ولو مسجوناً، خير لك من أن تهاجر إلى بلد تبحث عن عمل، أو تأوي إليه، فتهان وتضطهد ولا تعرف قيمتك، لأن قيمة كل إنسان في بلده، مهما كان، ونحن أمةٌ واحدةٌ وبلد واحد بلا شك، ولكن قيمتك في بلدك وبين عشيرتك، ولو كنت مسجوناً فستظل عندهم قضية هذا الدين قضية حية، لكن إذا غبت وابتعدت، وغيرك ابتعد، تركنا الأمة فريسة للإعلام المفسد الضال المضل، فتعود بعد سنين إلى بلدك، وتجدهم قد ابتعدوا كثيراً، وانقطعوا عن طريق الله المستقيم.

مراتب الإنكار

السؤال: كثير من الناس يلومون بعض الدعاة على إنكاره بعض الأمور، ويقولون: يكفيك أن تنكر بقلبك، فأرجو أن توضحوا مراتب الإنكار باليد واللسان والقلب، وكيف يكون مراتب الناس على حسب أحوالهم؟

الجواب: الذي يلوم هو محاد لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) شاء ذلك أم أبى!!

فهو يحاد قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي رتَّب الإنكار بحسب الاستطاعة، أنت في بيتك يجب أن تنهى وتأمر بيدك، لأنك في بيتك، أنت في إدارة المدرسة أو رئيس الإدارة فلتغير المنكر عملياً، فإن لم يكن كذلك كأن تكون فقط إماماً في الحي، ولا تستطيع أن تغير فيه إلا باللسان، فيجب أن تنكر بلسانك، أما الإنكار بالقلب فهذا أدنى المراتب، وهو لمن لم يستطع المرتبتين الأوليين، ولهذا قال: (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).

ثم ما معنى الإنكار بالقلب؟

الإنكار بالقلب ليس معناه: أن أعلم أنه حرام، وأن أعلم أنه منكر، فهذه معرفة القلب، وهناك فرق بين مجرد المعرفة وبين الإنكار، الإنكار معرفة مع شعور بالواجب وإحساس بالألم، كما قال بعض السلف: [وددت لو أن جسمي يقرض بالمقاريض، وأن أحداً لم يعص الله عز وجل]، يتمنى أن يقرض جسمه ولا يرى معصية.

فيجب أن تكون لديك غيرة على محارم الله، وغيرة على حدود الله، يتقطع قلبك ويتألم أن ترى المنكر، ولكن لا تستطيع أن تقول: إنه منكر، ولذلك تغضب ويتمعر وجهك، وتدعو الله أن يزيل هذا المنكر، وتبحث عن وسيلة لكي تستطيع أن تغير باللسان... وهكذا.

هذا الإنكار بقلبك، ليس كإنكار الغافل الذي يمر على المنكر ويقول: أعلم أنه حرام، ثم يذهب، فهذا حال أدنى المراتب؛ فما بالك بما فوقها من المراتب؟! د

فالإنكار هو على هذا المنكر هداه الله.

قراءة سورة معينة عند الحج

السؤال: لقد ظهر في قريتنا بل على المناطق ظاهرة، لا أدري هل هي مبنية على دليل، وهي قولهم: إذا ذهبت الحج فاقرأ سورة يس أو غيرها من القرآن سبع مرات، فهل هذا صحيح، وهل يعمل به؟

الجواب: لم يصح عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه علّم ذلك أصحابه، والقرآن لا شك كله خير، وكله بركة، ولكن تخصيص سورة معينة وتقرأ بعدد معين، لا نعلم من ذلك شيئاً، إلا أن الواجب أو ينبغي على المسلم إذا خرج أن يدعو بأذكار الخروج وأذكار الطريق، وأن يسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دائماً من فضله، يدعو في الصباح بأذكار الصباح، ويدعو في المساء بأذكار المساء، ويقرأ القرآن، والله -سبحانه- سوف يبارك له في ماله وفي وقته، ويستجيب له بإذن الله.

نصيحة للمعلمين

السؤال: إن للمعلم دوراً في المجتمع، فهل من نصيحة لإخواننا المدرسين؟

الجواب: المعلم هو أكبر المربين في المجتمع هذه الأيام، لأني أنا وأنت والأخ الآخر، لو حسبنا كم نجلس مع أبنائنا، لوجدنا أن المعلم يجلس معهم أكثر مما أجلس أنا وأنت، وأنا لو كنت معلماً لجلستُ مع أبناء الناس أكثر مما أجلس مع أبنائي! إذاً هذا واجب عظيم ودور كبير على المعلم، فليكن أباً، وليكن واعظاً، وليكن معلماً، فلا يجعل من التعليم فقط أداء المنهج، إنما أب شفوق حنون عطوف، وواعظ يذكر طلابه ويرشدهم ويوجههم، ومعلم يعلمهم الخير ويعلمهم العلم الذي وُكل إليه أن يعلمهم إياه؛ لينال أجره حلالاً طيباً بإذن الله تبارك وتعالى.

وأيما أمة صلح معلموها وصلحت مناهجها، فاعلم أنها إلى الصلاح أقرب، وصلاح المعلم به يصلح المنهج؛ لأن المعلم يستطيع أن يعلم أبناءه الحق، حتى ولو كان في المنهج خلل، فلو وجد خلل في المنهج ولكن المعلم داعية حكيم، فإنه يستطيع أن يوجه طلابه إلى ذلك، لو كان يعلم علماً لا منفعة له في الآخرة، فإن في استطاعته -أيضاً- أن يعلم أبناءه الخير وما يقربهم إلى الله وإلى الدار الآخرة، فلا شك أن واجبه كبير، ولا تتسع لتفصيله هذه الدقائق.

أهمية إقامة الداعية في بلده

السؤال: تحدثت عن بقاء الداعية في بلده وبين عشيرته من أجل دعوتهم، وعدم الهجرة إلى أي بلد آخر لما يلاقيه من ذل واضطهاد، هل يكون ذلك إذا قدم إلى بلاد الإسلام الطاهرة، ليتعلم أمور دينه، في بلد الحرمين وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: إذا كان خروجك لطلب العلم في هذه البلاد أو غيرها، ثم تعود، فلا بأس؛ فإن هذا كما قال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122] لكن أنا أتكلم بصفة عامة لئلا يفهم الناس أنه إذا وقعت محنة أو فتنة أو أزمة على الدعاة أن عليهم أن يخرجوا ويفرغوا البلد للمفسدين، وأن يقيموا في بلاد أخرى بلا إقامة، وبلا وسائل معيشة، وبلا أمور تعينهم على الحياة، فيهربون من ذل إلى ذل دون أن يحققوا الهدف المنشود.

منكرات الزواج

السؤال: يسأل عن منكرات الزواج.

الجواب: منكرات الأعراس كثيرة، خذوا نموذجاً من حياتنا، الزواج في الإسلام وإلى عهد قريب من حياة آبائنا كان الزواج في أيامهم أمراً يسيراً، يخطب الرجل المرأة من أبيها وهما جالسان.

يقول لأبيها: هل تزوجني ابنتك؟

فإذا وافق، يأتي العاقد فيعقد بينهم، ثم يعملون حفلة بسيطة، وتأتي النساء التي عندها ثوب تلبسه، والتي ليس لديها تستعير، وذهبوا بها إلى العروس وانتهوا!

أمور ليس فيها تعقيد، سهلة ميسرة، وكانت الأمة تعيش بهذا الوضع، جئنا الآن فجعلنا عقبات كبيرة بحيث لو اتفق على الزواج؛ لا بد أن يتفق الآن على أن الزواج في العطلة الكبيرة.

ونبدأ في التأثيث، وفي التعقيدات، والمطبلات، ثم ليلة الزواج أو قبلها أو بعدها، الروتين الطويل والمراسم الطويلة العريضة، وكأن الزواج شيء نادر لا يقام في البلد إلا مرة في السنة مثل العيد، كل الناس يتزوجون، وكل الخلق الذين أمامك هم إما ذكور وإما إناث، وكل واحد سيتزوج ما كتب الله له، لماذا التعقيد، والمفاخرة والمباهاة والترف والديون العظيمة؟!

وغالباً ما تكون القطيعة وتكون المخاصمة بين الأرحام في ليلة الحفل، لأننا لا نخالف سنة من سنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وجدنا عاقبة ذلك خصاماً وخسارة وذلاً في الدنيا قبل الآخرة، ولو أقمنا سنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أنفسنا وأحوالنا كلها، لرأينا الخير والسعادة، والراحة والنعمة بإذن الله سبحانه.

فمنكرات الأعراس كثيرة، وتعقيداتها كبيرة، وما ذكر الأخ إلا واحدة منها فيما يتعلق باستئجار المطبلات وغيرهن، نسأل الله أن يكفي المسلمين شرهن، وهذا من أخبث الكسب والعياذ بالله أن يكون كسب الإنسان كذلك.

حكم العمل في البنك الربوي لمن لم يجد عملاً

السؤال: بحثت وأنا أعول أسرة ولم أجد أي عمل مناسب إلا أن أعمل في بنك القاهرة السعودي، هل أقبل هذا العرض؟

الجواب: لا تقبل العمل في أي بنك من البنوك حتى يلتزم بأمر الله، ويقيم دين الله، ويترك محاربة الله بهذا الربا، وأرجو أن يعوضك الله تبارك وتعالى خيراً، واصبر ولا بد بإذن الله أن تنال الخير، فعليك أن تصبر وتحتسب، وأن تبذل وتجتهد في أبواب الرزق وهي كثيرة، وهذا نتيجة تقصيرنا في التعاون، وهذا من الأشياء التي أقول: إنه لا بد أن ندرسها في الأحياء، وأن نوجد فرص عمل، لأي أخ في الحي، لا يشترط أن يكون مثل هذا الأخ، يمكن أن يكون عاملاً قادماً من بلاده في غربة ولا عمل له، ويحاول أن يجد فرصة ليعمل.

فنقول لهذا الأخ: لك أن تعمل في أي عمل مفيداً فإن أكثر الشباب اليوم الوظيفة عنده هي المصدر الأساسي، فيبحث عن الوظيفة مع أن هناك وسائل أخرى غير الوظيفة، ولو اتبعتها لفتح الله عليك، ولأصبح بعد سنوات صاحب الوظيفة يقول: ياليتني عملت مثل علمك، وكثيراً ما يفتح الله بمثل هذا، لكن نحن ضيقنا على أنفسنا.

الحمد لله بلد مثل هذا البلد، فيه خير كثير، وفيه كثافة سكانية كثيرة، وفيه مجالات عمل كثيرة، لا تنقصنا مجالات عمل أبداً، لكن ينقصنا تفكير في وسيلة عمل تكون مناسبة، فإذا كان لا يستطيع أن يفكر، أو يخطط، نفكر له نحن، جمعية الحي وجماعة المسجد في إيجاد فرص عمل، فأرجو من هذا الأخ أن يتقدم إلى مندوب الحي أو جماعة المسجد، ويفكروا ويتشاوروا في حال اجتماعهم في الحي في إيجاد هذا العمل وذلك إعانة له.

من عليها قضاء صيام، وتريد صيام الست من شوال

السؤال: امرأة عليها قضاء صوم عدة أيام من رمضان، هل تستطيع أن تصوم الست قبل القضاء، وإذا صامت وكان نيتها بالصوم القضاء، وبعد ذلك غيَّرت نيتها فأرادت صيام الست قبل القضاء فما الحكم؟

الجواب: الأفضل أن تتم ما عليها من قضاء شهر رمضان، ثم تعقب على ذلك بصيام الست من شوال، أما تغيير النية بأن تصوم قضاء ثم تنوي أنها الست، فلا يصح ذلك؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إنما الأعمال بالنيات)، فما نوته قضاء فهو قضاء، وإن كانت قد نوت الست من شوال، فإنما صامت الست من شوال وليس القضاء، ولا تغير النية بعد أن تكون قد صامت، ويجوز لها أن تقضي إلى رمضان القادم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: (كان يكون علي الصوم من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان) أي: الذي بعده، فلا بأس بذلك -إن شاء الله- على القول الآخر للعلماء، فبعض العلماء يرى أنه لا بأس أن يصوم الإنسان الست من شوال، ثم يتم قضاء ما عليه من رمضان؛ لأن النافلة وإن كانت نافلة وهي مؤخرة عن الفريضة، إلا أن النافلة إذا كان وقتها مضيقاً، فلا بأس أن يؤخر قضاء الفريضة إذا كان وقت القضاء موسعاً، وهذا على كل حال اجتهاد، وكل واحد من العلماء نظر نظرة، والأولى وهو ما يفتي به كبار علمائنا هنا في هذه البلاد، هو أن الأولى البدء بالصيام الواجب، ثم بعد ذلك يعقب بصيام التطوع، أو الست أو غيرها.

صحون البث الفضائي

السؤال: أنا إمام مسجد، وبعض أهل الحي لا يصلون في المسجد، والبعض قد ركب دشوش على منازلهم فما هو واجبي نحوهم؟

الجواب: الصلاة أمرها هو كما بينا من قبل، وهذه الدشوش: هي تعبير عن شيء داخل في النفس، إذا رأيت هذه الصحون على العمائر، فهي تعبير عن انفتاح القلوب، واستعداد القلوب لاستقبال أي شيء يأتي من الخارج، فليست المشكلة الحديد والشبكة الصغيرة هذه، المشكلة استعدادنا من داخلنا للاستقبال، وإذا لم نقطع الاستعداد الداخلي، لاستقبال ما يبث علينا من أعداء الله، فيمكن أن نستقبله ولو من تحت الأرض، ليست المسألة مسألة الدش، فإنما هو وسيلة، إنما نحن أمة ضعفت عندها مفاهيم الإيمان والعقيدة، والتربية الإيمانية ضعفت: في وسائل الإعلام، في المساجد، في الأسواق؛ فبقدر هذا الضعف، نجد استقبالنا لما يبثه الكفار علينا.

يا أخي الكريم: المسلم المعتز بإيمانه وعقيدته، لو يعرض عليه المفسد أو الكافر أن يعطيه المال ويركب له الدش ويدخل عليه التلفزيون، لقال له: ما أقبل أبداً، فكيف أنا أشتريه بمالي وربما أتدين حتى آتي بهذا الفساد!

هذا يدل على الخواء الداخلي في القلب والاستعداد للاستعمار.

ألم نقل نحن الآن: الاستعمار فعل بنا؟

ما ذنب الاستعمار، نحن لدينا قابلية للاستعمار الفكري أو المادي، والقابلية الموجودة لدينا جعلته يفعل فينا ما يشاء، يرسم مجلة، يبعث خطاباً، يبث أغنية ماجنة فيتلقفها الناس ويتتبعونها، فهل الذنب، واللوم عليه وحده، أو من يتلقفها ويتقبلها؟

إذاً: نحن الآن نفتح صدورنا، ونقول: يا أعداءنا افعلوا بنا ما شئتم! ونرحب بالتنصير والمجون والدعارة والفساد! افعلوا ما تشاءون فنحن مستعدون، وقلوبنا مفتوحة لكم بخوائها من معرفة الله ومن العقيدة الصحيحة ومن الموالاة والمعاداة.

ولذلك نُذَّكِر الأمة بالموالاة والمعاداة ووجوبها، حتى تعرف أن عدوك لا ينالك منه خير، ألم يوقف البث المباشر سنوات في أوروبا حتى تستطيع أوروبا الغربية، أن تواكب المحطات الأمريكية خشية وخوفاً على الغرب من أمريكا! باريس تخاف من فساد أمريكا! وما الفرق بينهما؟!

مكة هي التي يجب أن تخاف.. الأرض الطاهرة هي التي يجب أن تخاف من الفساد العالمي، أما هم فما الفرق بينهم؟!

هم يقولون: هذا غزو حضاري وتدفق حضاري مدمر، يدمر القيم، وهانحن نستقبله!

وأنا أريد بهذا الكلام أن تخاطبوهم وتذكروهم بالله وتخوفوهم به من هذه الفتنة ومن غيرها، فإذا قطعت شجرة حب الدنيا والشهوة، فالعصافير المضللة تصبح ولا تجد ما تقع عليه؛ لأن الشجرة من أصلها استأصلت، فيجب أن تقطع شجرة الشهوات من قلوب الناس، وإلا فماذا يستفيد من يرى هذه المناظر؟!

لا يستفيد شيئاً والله.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , واجب المسلم تجاه مجتمعه للشيخ : سفر الحوالي

https://audio.islamweb.net