إسلام ويب

إن حقيقة عبادة الشيطان هذه النبتة الخبيثة، وهذا الفكر الخبيث هي عبارة عن انتكاس للفطرة السليمة، وانزلاق في مهاوي الحيرة والضياع الذي أصاب المجتمعات البعيدة عن تعاليم ربها، وهي ظاهرة ناتجة عن الفراغ القاتل، ورفقاء السوء، وغياب دور الأسرة، وتأثير المناهج التعليمية المشوهة، وكذلك الإعلام الفاسد، حيث تنشأ مثل هذه الأفكار الهدامة المستقاة من الغرب، والتي بدأت في أوروبا ومن ثم أمريكا ثم تلقاها بعض العرب السذج؛ ليقع فيها كثير من الشباب والفتيات التائهين عن تعاليم الدين.

كلمات حزينة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة؛ فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فحياكم الله جميعاً، أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا الجمع المهيب الكريم المبارك على طاعته، أن يجمعنا مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار كرامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحبتي في الله: لا ينبغي للعلماء والدعاة أن يكونوا بموضوعاتهم في واد، وأن تكون الأمة بشرائحها ومشكلاتها وأزماتها في واد آخر، ومن هذا المنطلق؛ فإن لقاءنا اليوم معكم بعنوان: عبدة الشيطان.

وكعادتنا فسوف ينتظم حديثنا معكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية:

أولاً: كلمات حزينة.

ثانياً: تاريخ أسود.

ثالثاً: عقيدة فاسدة، وطقوس شيطانية غامضة.

رابعاً: الشياطين تعترف.

خامساً وأخيراً: الأسباب والعلاج.

فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا الموضوع الآن من الأهمية والخطورة بمكان، والله أسأل أن يجعلنا ممن:

يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:18].

مسكين والله هذا الجيل الذي ينشأ ويربى في ظل جملة هائلة من المتناقضات والأزمات والمشكلات، وكأنه يعيش فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ، بل إذا امتدت إليه يد حانية مشفقة طاهرة لتنقذه من هذا الغرق المحقق، جذبته أيادٍ أخرى كثيرة بكثرة الأعداء المتربصين بهذا الجيل ممن لا يريدون لهذا الجيل أن يتربى أبداً على منهج الإسلام، وعلى سنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.

بعد سنوات طوال عجاف، وبعد تجربة مريرة طويلة، حان وقت الحصاد، فلم تجنِ الأمة إلا الفشل الذريع في كل مجالات الحياة، يوم أن أعرضت الأمة عن منهج الله جل وعلا، وأيقن الآن المنصفون ممن يحترمون أنفسهم وعقولهم، أيقنوا الآن وهم الذين كانوا يدافعون بالأمس القريب عن المناهج التربوية الغربية الدخيلة على عقيدتنا وأخلاقنا وديننا، أيقن المنصفون منهم أنهم قصدوا سراباً، وزرعوا حنظلاً، وحصدوا شقاءً وتعاسة، وصدق ربي إذ يقول: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طـه:124].

إنهم يرون الآن نبتة السوء، النبتة التي سقيت طوال السنين الماضية بمداد خبيث، يرون النبتة التي غذيت طيلة السنوات الماضية؛ بفكر منحرف زائغ ضال ضائع تائه، تتمثل هذه النبتة في مجموعة من شباب المسلمين والمسلمات، ومن شباب هذه الأمة، إنهم يعبدون الشيطان الرجيم، لا في أوروبا، ولا في أمريكا ، بل في مصر بلد الأزهر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وخرج علينا الإعلام، بل وخرج علينا الكثيرون ليقولوا لنا: إنهم مساكين، إنها شرذمة شاذة خرجت من بين هذه الضغوط التي مورست عليهم في وسط هذا المجتمع، يريد الإعلام لنا أن نعتقد أن هذه الجماعة قد خرجت من خلال الصدفة، وأرادوا أن يلبسوا على الأمة أن جماعة عبدة الشيطان جماعة منظمة، لها عقيدة مؤصلة، ولها طقوس منظمة.

تاريخ أسود

أيها الشباب! أيها المسلمون والمسلمات: لاشك أن الشيطان قد عبد في الأرض منذ أول لحظة عصى فيها الإنسان الرحمن وأطاع الشيطان، إلا أن أقدم وثيقة لجماعة عبدة الشيطان ترجع إلى عام (1022) من ميلاد المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

تدبر لتقف على تأصيل هذه العقيدة منذ القدم، فلقد اعتدنا أن نؤصل المعلومة حتى لا يُظن أننا ممن يثير العواطف فقط.

أقول: إن تاريخ الجماعة الأسود يبدأ منذ أن اكتشفت أول وثيقة منظمة لجماعة عبدة الشيطان في عام (1022) من ميلاد المسيح عليه السلام، في مدينة أورلانس بـفرنسا، ومن فرنسا خرجت جماعة فرسان الهيكل الماسوني مع الحملات الصليبية المبكرة على بلاد المسلمين، واستطاعت جماعة فرسان الهيكل أن تقيم لها ولأول مرة في بلاد المسلمين، بل ستعجبون إذا علمتم في القدس الشريف على وجه التحديد، استطاعت هذه الجماعة الماسونية الخبيثة أن تقيم لها كنيسة في بيت المقدس، وفي القدس الشريف -أسأل الله أن يطهره، وأن يرده إلى الأمة رداً جميلاً، وأن يرد الأمة إليه رداً جميلاً- استطاعت هذه الجماعة أن تقيم لها كنيسة في بيت المقدس، لتمارس فيها لأول مرة طقوس عبادة الشيطان بإشراف الكنيسة الكاثوليكية في هذه الديار.

ومن بيت المقدس وفرنسا انتشرت الدعوة إلى بلاد أوروبا في ألمانيا وإنجلترا، وإلى بقية الدول الأوروبية، ثم انتقلت هذه العقيدة الخبيثة من الأوروبيين إلى أمريكا الجديدة بعد اكتشافها لأول مرة، وأصبحت أمريكا بعد ذلك مرتعاً خصباً لعبادة الشيطان، بل وقفزت هذه العبادة قفزات هائلة جداً على يد الكاهن الخبيث الأمريكي المجرم الذي يدعى انطون لافي، الذي بنى أخطر كنيسة على وجه الأرض، هذه الكنيسة تسمى: كنيسة عبدة الشيطان، وهذا الكنيسة أنشئت في سان فرانسيسكو.

ثم أنشأت الكنيسة لها فروعاً في كل أنحاء الولايات الأمريكية، ثم في مدن أوروبية، ثم في جنوب أفريقيا على وجه التحديد بصورة مكثفة، ولم تكتفِ الكنيسة بذلك، بل أرسلت منصرين ومبشرين -على حد تعبيرهم- ودعاة لهذه العقيدة الخبيثة الفاسدة في كل أنحاء الدنيا.

قدم هذا الكاهن الخبيث انطون لافي، الإنجيل المعروف الذي يسمى: بالإنجيل الأسود في عام (1969م) نشر هذا الإنجيل بعدة لغات، وفي عدة طبعات فخمة فاخرة، يسمى بالإنجيل الأسود، يدعو فيه إلى عبادة وتمجيد الشيطان وكراهية الملك الرحمن جل وعلا، والذي هو أصل أصول هذه العقيدة الخبيثة وهذه الجماعة الشيطانية المتمردة.

وفي عدد أكتوبر (1982م) -أًؤصل لكم تاريخاً، حتى لا تغتروا بما يريد هؤلاء أن يؤصلوه في عقول وشباب هذه الأمة المسكينة- نشرت مجلة التايمز الأمريكية مقالاً في (25) صفحة، تحت عنوان: عودة الشيطان المقدس إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وقالت المجلة في هذا المقال: إن عبادة الشيطان تتم ضمن أجواء خاصة تبدأ بالرقص العاري، وسط أصوات الموسيقى الصاخبة، ثم تقدم فتاة عذراء لم تمارس الزنا من قبل، وتنام على خشبة عارية، وتغطى بغطاء جلدي، ويتقدم الكاهن -الخبيث- ويلبس على وجهه قناعاً أسوداً كرمز للشيطان، وهو يلبس معطفه الأسود، تتقدم العاهرات اللائي يلبسن الثياب الحمراء، من أعضاء جماعة عباد الشيطان، وهذا يسمى عندهم القُدّاس الأسود.

فيتقدم الكاهن ليبدأ هذا القُدّاس الخبيث، بوضع كأس مليء بالدماء بين ثديي هذه الفتاة العارية، فيكشف عنها الغطاء، ويأخذ هذا الكأس الذي مُلئ بالدم، ثم يشربه ويأذن ببداية الطقوس الخبيثة، فيقوم أعضاء الجماعة ليمارسوا الجنس مع هذه الفتاة العذراء بصورة جماعية، ثم ينطلقون بعد ذلك في صورة بهيمية لممارسة الجنس، إما أن يكون الذكور مع الذكور، أو الإناث مع الإناث، أو الذكور مع الإناث، ويلتفون حول دائرة أو حول نجمة خماسية، يسمونها بالنجمة الخماسية المقدسة، ويثبتون في أركان هذه النجمة الشموع السوداء، ويرقصون عبر هذه الأصوات الموسيقية الصاخبة، وعبر هذه الأضواء المتحركة، حتى يصلوا إلى حالة من فقد الوعي والهستيريا.

تقول المجلة: يرتكبون في هذه الحالة بعض الجرائم الشاذة الغامضة، القُدّاس الأسود لجماعة عبدة الشيطان، لاحظ أن هذه الصورة قد انتقلت بحذافيرها إلى هؤلاء المجرمين المتمردين في مصر بلد الأزهر، وقد أعلنت الجرائد ذلك، بل وقد صرحت التقارير الأمنية بذلك، ونُشر هذا الكلام ولم يعد خافياً على أحد، وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء.

عقيدة خبيثة فاسدة وطقوس شيطانية غامضة

إنهم يعتقدون أقذر عقيدة على وجه الأرض، إنهم يعبدون الشيطان، ويكفرون بالرحمن الذي حذر من عداوة هذا العدو اللدود، فقال سبحانه: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6] وأخبرنا الحق جل جلاله أن هذا الشيطان الرجيم سيتبرأ من عبّاده وأتباعه، قال تعالى: كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ [الحشر:16] ويوم القيامة يعتلي الشيطان الرجيم منبراً من النار، ليبكت عُبّاده وأتباعه، قال تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22].

إنهم يعبدون الشيطان الرجيم، ويكفرون بالرحمن الرحيم جل جلاله، ويعتقدون أن الله قد ظلم إبليس؛ لأنه طرده من الجنة، وأنهم يعبدون إبليس؛ لأنه هو الذي سيخلص العالم كله من الشر، وما ملأ العالم كله بالشر إلا إبليس الرجيم.

عقيدة خبيثة، وعقيدة فاسدة، وسأبيّن لكم الآن بالدليل أنهم يعتقدون هذه العقيدة، حتى لا يخرج علينا قائل يقول: عاملوهم بالرحمة والشفقة، هؤلاء مساكين، لماذا لا تقولوا هذا مع شباب طاهر مسلم انحرف فكرياً وسلوكياً؟ يوم أن انصرف عن الدعاة، فانصرف الشاب يقرأ من بطون الكتب، ففهم من تلقاء نفسه، فوقع بعض الشباب في بعض الأخطاء الفكرية والحركية، لا ننكر ذلك، لكن لماذا لم تعلنوا هذه المعاملة مع شباب طاهر طائع، أراد أن يخدم دين الله جل وعلا، وانصرف عن كل معصية لله، وإن زل عاد متضرعاً خاشعاً باكياً إلى الله؟ لماذا لم تكن المعاملة لهذا الشباب بالمثل؟ تلك إذاً قسمة ضيزى ورب الكعبة.

سأبين لكم بالدليل أنهم يعتقدون ذلك على ألسنة أعضائهم، حتى لا نُتهم بأننا نأخذ من بين السطور ما لا ينبغي أن يؤخذ، كلا، فليس هذا من منهجنا ورب الكعبة؛ لأننا تحترق قلوبنا على هذه الأمة المسكينة، وعلى شباب يجب عليه أن يرفع راية الجهاد، وأن يتحرك لدين الله جل وعلا، في وقت تحرك فيه أهل الباطل بكل قوة للكفر وللباطل وللفسق وللزندقة، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

طقوس خبيثة انتقلت من بلاد الكفر إلى بلد الأزهر إلى مصر ، أسأل الله أن يرفع عنها الفتن، وأن يحفظها بحفظه، إنه على كل شيء قدير.

تبدأ الطقوس في مصر بالرقص تحت أصوات الموسيقى الصاخبة، والعالم كله يغني ويرقص، الإعلام العالمي يغني للشباب المسكين الذي قتله الفراغ الديني؛ كما سأبين الآن، العالم يرقص، والشباب يرقص، والفتيات يرقصن مع الشباب، الفتاة في مصر كما قالت التقارير الأمنية التي نشرت: فتاة ترقص بين شابين على حد تعبير قولهم، كهيئة (السندويتش) شاب من أمام الفتاة قد التصق بها، وشاب من خلفها قد التصق بها، رقص على أصوات الموسيقى الصاخبة حول نجمة خماسية رُكِزَت الشموع السوداء في أركانها، وتنام فتاة شبه عارية -هم يقولون- ويبدأ القُداس بذبح خنـزير أو دجاجة على جسد هذه الفتاة، ويلطخ جسدها بالدماء، ويمرر الكأس على أعضاء الجماعة وقد ملئ بالدم -لاحظ الاتفاق- فيشرب كل واحد منهم رشفة ليبينوا ولاءهم للشيطان، وليتمنوا على الشيطان أن يقبل منهم النذر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم يبدأ الرقص الجماعي عبر رائحة المخدرات، ويمارسون الجنس الجماعي، هكذا أعلنت الصحف والمجلات، اتفاق وطقوس ثابتة وعقيدة ثابتة لجماعة عِبَادَةِ الشيطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

الشياطين تعترف

اعترف عضو أساسي في جماعة عبادة الشيطان، وهو طالب في المدرسة الثانوية الإنجليزية بالزمالِكِ وهو في العشرين من عمره، قال -وانتبهوا لخطورة ما يقول- قال: إن هذه الأفكار والمعتقدات قد نقلت إلى الشباب المصري عن طريق الإسرائيليين عبر الحدود بين مصر وإسرائيل، وفي منطقة طابا على وجه الخصوص.

فالصهاينة متخصصون في تدمير شباب الأمة، وفي صناعة سينما الدياثة في هوليود لامتصاص دماء شباب هذه الأمة المسكينة.

لقد نجسوا أرض سيناء الطاهرة بالعاهرات اللائي يحملن الإيدز، وهذه ليست منكم ببعيد، أخبار معلومة قديمة، يقول: يجتذب الإسرائيليون الشباب المصري بالمخدرات والجنس والموسيقى، فإذا ما دخل الشاب إلى هذا الثلاثي الخبيث المدمر، تُعرض عليه أفكار جماعة عبدة الشيطان.

ثم يقول هذا الشاب: وهناك اتصالات وتبادل معلومات بين أعضاء الجماعة في مصر وإسرائيل.

ويقول عضو آخر -وتدبر ما قال- وهو طالب في كلية الهندسة في السنة الدراسية الأولى، يقول: إننا نعبد الشيطان لسببين -كلام واضح، وعقيدة واضحة، هكذا يقول هذا العضو- السبب الأول: لأن الشيطان يبيح المتعة السريعة، فهو يبيح كل ما تحرمه الأديان -فالهدف الأساسي الجنس، وإشباع الغريزة الجنسية بكل وسيلة، فهم لا يمتنعون على الإطلاق من ممارسة الجنس في أجساد الأموات والبهائم، ومع الوالدين والأبناء من الأطفال الصغار، عقيدة وطقوس ثابتة- يقول هذا المجرم: إننا نعبد الشيطان لسببين -كلام صريح، فلا ينبغي أن يخرج علينا من يقول: إنهم لا يعبدون الشيطان- الأول: لأن الشيطان يبيح المتعة السريعة، فهو يبيح كل ما تحرمه الأديان.

والسبب الثاني يقول: من أجل خلاف ما اعتاد عليه الناس للتميز عليهم، حب الجديد، هذه الدعوة التي تنفخ كل يوم وتثير التمرد على القديم، وتقول: دعك من هذه العادات البالية، دعك من الدين، دعك من هذه القيود وتحرر، وانطلق أيها الشاب، وانطلقي أيتها الفتاة الجامعية وقلدي الداعرات في سينما هوليود ، انطلقوا وتحرروا، ودعوكم من هذه التقاليد العتيقة.

فالشاب يقول: نريد أن نتحرر من القديم، نريد أن نتميز على الآخرين، نريد أن نخالط الآخرين، ثم يعلل صور هذا التميز فيقول: فالفتاة بدلاً من أن تضع على شفتيها اللون الأحمر تضع اللون الأسود؛ لأنه رمز الشيطان، نريد أن تخالف الفتاة التي تعتقد عقيدتنا كل الفتيات، فتضع اللون الأسود على شفتيها، وتطلي الأظافر الطويلة جداً باللون الأسود، وتلبس (الشورت) الصغير باللون الأسود، وهكذا الشاب يطيل الشعر جداً، ويلبس الزي الأسود المعروف، ويضع النجمة الخماسية على صدره، ويلبس هذا الغطاء على الرأس الذي يخرج منه قرنان، يريد أن يتشبه بالشيطان في كل منظر وزي.

وحينما أنكرنا على هؤلاء، قالوا: لنا حرية شخصية، وحينما دعوناهم لأن يفسحوا الأبواب للمنتقبات في الجامعات، قالوا: لا، هذا تطرف، لماذا لم يكن لبس المنتقبة حرية شخصية؟ لماذا لا تطبق نفس القاعدة على الطاهرات كما فتحت الأبواب للعاريات؟! لماذا غلقت الأبواب في وجوه الطاهرات؟ وقلتم: حرية شخصية للعارية، لماذا لم تقولوا: حرية شخصية للطاهرة والمنتقبة الشريفة العفيفة؟ تلك إذاً قسمة ضيزى ورب الكعبة.

فكرٌ يبث في الليل والنهار، فيُخرج لنا هذه النبتة السوداء الخبيثة الفاسدة، اعترافات خطيرة، لا أريد أن أطيل في مثل هذا الشق الأول من الموضوع.

الأسباب والعلاج

أختم هذا الموضوع بهذا العنصر الأخير، الذي قد يحتاج منا إلى بعض الوقت، ألا وهو الأسباب والعلاج: هذا هو الأصل في موضوعنا، فإننا لا نريد أن نعري أحداً أو نجرح أحداً، وإنما نريد ورب الكعبة .. أن نضع الدواء الذي أسأل الله أن ينفعني وأن ينفعكم وأن ينفع شباب الأمة به، وأتمنى لو حرص كل شاب منكم -كما سأقول الآن- أن يُقدم هذا الشريط هدية لشاب يشعر منه أنه قد انحرف أو انصرف أو ابتعد عن طريق الهداية، لعل الله أن يجعل هداية هذا الشاب على يديك أيها الشاب الطائع الحبيب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) أسأل الله أن يثبت قلوبنا على الهداية، وأن يوفقنا وإياكم للثبات على طريق الاستقامة، وأن يختم لنا بخاتمة الإيمان والتوحيد: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].

ما الأسباب والعلاج؟ وتعمدت أن أتكلم عن العلاج مع الأسباب في عنصر واحد؛ لأنني أعتقد اعتقاداً جازماً أن العلاج يكمن في الأسباب، فمن المحال أن أُشخص الدواء قبل أن أُشخص الداء، ومستحيل أن يصف طبيب ذكي الدواء وهو لا يعرف الداء، فإن عرف الداء حدد الدواء بدقة، فأنا أقول: إن الدواء يكمن في أسباب الداء.

السبب الأول: استقالة الوالدين وغياب القدوة

أيها الآباء.. أيتها الأخوات.. أيها الإخوة! ماذا تقولون لو قلت لكم الآن: إن والداً قد قدم استقالة مكتوبة لزوجته أنه قد استقال من تربية الأبناء؟ ستضحكون بملء أفواهكم، وتقولون: إنه زوج أو أب مجنون.

ماذا تقولون لو قلت لكم: إن أماً قد قدمت استقالة مكتوبة أو شفوية لزوجها في البيت، لتخبره فيها بأنها قد استقالت من تربية الأبناء؟ ستتهم بالجنون.

ولكن لو نظرتم نظرة فاحصة مدققة لواقعٍ مريرٍ أليمٍ تعيشه بيوت المسلمين، لرأيتم استقالةً لا أقول: فردية، بل جماعية من كثير من الآباء والأمهات، استقال الأب عن أغلى وظيفة له، واستقالت الأم عن التربية، الطفل ينزل كصفحة بيضاء، وأول الخطوط التي تخط على هذه الصفحة، تخط في داخل الأسرة والبيت، أين الوالد؟ أين الأم؟ أين الأب الذي استقال منذ زمن؟ أين الأم التي استقالت منذ زمن؟ وظن الأب المسكين أن وظيفته أن يكون ممثلاً لوزارة المالية، وأن ينفق على الأولاد، وأن يُوفر المأكل والمشرب والمسكن فقط، هذه وظيفته، لقد صرح والد من هؤلاء المساكين، وقال: أنا لم أر ولدي منذ سنة، قلنا: ربما كان الوالد مسافراً، قال: لا.. لم أكن مسافراً، ولم ير ولده منذ سنة، وقالت أم: أنا لم أدخل غرفة ولدي، ولم أر هذه المناظر إلا الآن.

أين الأب؟ أين الأم؟

انشغل الأب بالتجارة والوظيفة والأموال، والسفر والحل والترحال.

قد أقول لكم الآن: بأنني أعذر كثيراً من الآباء؛ لأن الظروف الاقتصادية تطحن الناس طحناً، فقد لا يجد الوالد رمقاً من الوقت ليوفر لأولاده الحياة الطيبة الكريمة، هذا صنف، لكنني أتكلم عن صنف آخر، حتى لو تبقى له رمق من الوقت في آخر النهار، يرجع ليقتل هذا الرمق قتلاً بالمكث أمام الشيطان الذي جثم على صدورنا في البيوت، أمام التلفاز، يجلس ليقضي ما تبقى من الوقت أمام فلم داعر، أو مسلسل هابط، أو برنامج: العالم يغني، وهاهم الأولاد رقصوا وغنوا.

أين الأب؟

يا إخوة! إن جلوس الأب بين أبنائه ولو كان صامتاً فيه من عمق التربية ما فيه، فما بالك لو تكلم، لو ذكر أبناءه بالجنة وحذرهم من النار، لو حل مشكلة، ولو أجاب على تساؤل، ولو أزاح هماً، ولو خطط لأبنائه داخل البيت وخارجه، ماذا ستكون النتيجة؟

وتزداد الكارثة -يا إخوة!- إذا انضمت إلى استقالة الأب استقالة الأم، فانشغلت الأم المسكينة بالمسلسلات والمباريات والأفلام، والضرب في الأسواق، واللهث وراء أحدث المجلات والموضات والمضلات، انشغلت الأم وتركت الأبناء، فانطلق الأبناء وهم يشعرون باليتم التربوي، ليقتاتوا من أين؟ من الشوارع، ومن وسائل الإعلام التي تبث الرذيلة بثاً.

ليس اليتيم من انتهى أبواه من>>>>>هم الحياة وخلفاه ذليلاً

فقد يكون الوالد صالحاً، وقد تكون الأم صالحة، ويخرج الولد على غير الطريق، وهذا الاستثناء لا ينقض أصل القاعدة، فهأنذا أتذكر الآن بيتاً هو أطهر بيت في زمانه، الوالد الذي يقوم فيه على التربية إنه نبي من أنبياء الله، ومع ذلك خرج ابن هذا النبي كافراً مشركاً بالله جل وعلا: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ [هود:43].

وفي المقابل أرى بيتاً هو أخبث بيتٍ على ظهر الأرض في زمانه، بل وفي كل زمان، إنه بيت فرعون، يقوم على أمر التربية فيه طاغوت، يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] ومع ذلك خرج من هذا البيت نبي الله موسى، الذي قال الله جل وعلا له: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه:41] لكن غالب فساد الأبناء يرجع إلى إهمال الأمهات والآباء.

أيها الإخوة! أيها الآباء الفضلاء: كما أن للوالدين حقوقاً على الأبناء، فإن للأبناء حقوقاً على الوالدين، وما أروع ما أصله فاروق الأمة عمر يوم أن جاءه والد يشكو إليه عقوق ولده، فقال: [ائتني به، فجاء الشاب فوقف بين يدي عمر، فقال له: لمَ تعق والدك؟

فقال الشاب: ما حقي على أبي يا أمير المؤمنين؟!

قال: حقك عليه أن يحسن اختيار أمك، وأن يحسن اختيار اسمك، وأن يعلمك القرآن.

فقال الشاب: والله ما فعل أبي شيئاً من ذلك يا أمير المؤمنين.

فالتفت عمر للوالد وقال: لقد عققت ولدك قبل أن يعقك.].

عقوق متبادل أخرج هذه النبتة السيئة والحصاد المر، وإهمال الوالدين للأبناء لن يضر الأبناء فحسب، بل يضر الآباء قبل الأبناء في الدنيا والآخرة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته).

فإن غش الراعي الرعية حرم الله عليه الجنة، ففي الصحيحين من حديث معقل بن يسار ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبدٍ يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) فاستقالة الأسرة، وغياب القدوة، الولد الذي يرى أباه لا يصلي، كيف يتعلم الصلاة إلا إذا وفقه المولى جل في علاه؟ البنت التي ترى أمها متبرجة مستهترة لا تُخلص لزوجها كيف ستتعلم الفضيلة؟!

مشى الطاوس يوماً باختيـال>>>>>فقلده بمشيته بنوه

العلاج: أن تعي الأسرة مسئولية التربية، وأن يتق الوالدان الله، وأن يعلما يقيناً أنهما مسئولان بين يدي الرحمن جل وعلا، أسأل الله أن يستر عليّ وعليكم في الدنيا والآخرة.

السبب الثاني: المناهج التعليمية الحديثة

إن المناهج التعليمية في مدارسنا وجامعاتنا تُحسن أن تعلم الجيل المعارف والمعاني والعلوم، ولكنها لا تُحسن أن تُعلم عيونهم الدموع، ولا قلوبهم الخشوع، لا تُجيد هذا أبداً، قد يدرس الشاب في كلية من الكليات أربع سنوات، لا يدرس في كتاب واحد كلمة تقربه من الله أو تبعده عن المعصية، وأنا أتحدى من يعارض، يدرس الشاب أربع سنوات لا يجد آية تقربه إلى الله، ولا يجد قدوة بين يديه يذكره بالله، بل قد يرى الأستاذ الدكتور ينظر إليه وهو يسخر منه، إذا رأى الشاب قد جلس وحده بعيداً عن الفتيات، يقول له: يا فلاح! اقترب من زميلاتك، ورب الكعبة لقد قيلت لي يوماً من الأيام.

سبحان الله! حتى الأستاذ! فالعملية التعليمية برمتها تحتاج إلى مراجعة، اختلاط مدمر، وأعتقد أنه قد آن الأوان ليحترم كل منصف نفسه، ولا يقول: بأن الاختلاط سيخفف حدة الكبت الجنسي عند الصنفين والنوعين، كلام لم يعد رجل يحترم نفسه يقول به الآن، فهاهي نتيجة الاختلاط ظاهرة وبينة، اختلاط بين شباب وفتيات في سن المراهقة، وفي سن خطير، نقدم النار ونقربها من (بنزين)، ونقول: إياك أن تشتعلي أيتها النار!

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال لـه>>>>>إياك إياك أن تبتل بالماء

أمر عجب! مستحيل أن شاباً له غريزته وشهوته، وشابة أو فتاة لها غريزتها وشهوتها، متعطرة ومتزينة ومتجملة، كأنها ما خرجت إلا لمسرح أو لسينما، وما خرجت إلى الحرم الجامعي، وشاب مسكين، ماذا تنتظرون -يا سادة- بعد هذا؟ وقد أمر الله الصحابة وهم أطهر القلوب على وجه الأرض بعد الأنبياء، إذا كلموا أمهات المؤمنين أن يكلموهن من وراء حجاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53] إن أصلنا ذلك على صفحات المجلات نتهم نحن بالتطرف والإرهاب، تقول صحفية تنكر عليّ: إنه يحرم الاختلاط في الجامعة والمواصلات والمدارس، إنه التطرف، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

أصبحت الأصول تطرفاً، وأصبحت أصول هذا الدين خروجاً، اختلاط سافر بين الشباب والفتيات، وانظروا إلى التاريخ الإسلامي في كتب أبنائنا، حصة الدين ثانوية بل في آخر اليوم الدراسي، يقول لي ولدي: يا أبتي! إن المدرسة التي تدرسني الدين متبرجة، تلبس القصير، فقلت لها: يا أستاذة! التبرج حرام، فقالت له: اسكت يا حمار! وجاء ولدي يقول لي: حصة الدين، يدخل علينا المدرس ربما (بالسيجارة) ومدرسة ربما متبرجة قد كشفت عن شعرها لتدرس أبناءنا وبناتنا حصة الدين في آخر اليوم الدراسي، وقد تعب الطلاب، ولا يفهمون شيئاً، بل ويسعد الأبناء سعادة غامرة بمدرس يدخل ليقضي حصة الدين في الفكاهات والكلام الفارغ، حتى تنتهي الحصة والأبناء سعداء بهذا كله.

حذفت من كتب أبنائنا قصة الفدائي الصغير: علي بن أبي طالب ، يوم أن فدى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، أبحث في الكتاب عن الفدائي الصغير فلم أجده، قلت: لعلهم وضعوا الفدائي الكبير أبا بكر أو عمر ، وإذا بهم في مثل هذا الموضع يضعون قصة مخترع السينما بدلاً من علي بن أبي طالب ، والله لا نقول هذا للإثارة أبداً، وإنما أحمل الجميع المسئولية أمام الله، فمحال أن يخلو هذا الجمع الكبير المهيب من مسئول له كلمة تُسمع، فاتق الله أيها الحبيب! وقل قولة حق، بأسلوب طيب رقيق رقراق، لعل الله أن ينفع بكلمتك، ويرفع بنصيحتك الضرر الكبير عن أبنائنا وبناتنا، وفي الجملة عن هذه الأمة المسكينة.

وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

السبب الثالث: الإعلام

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة؛ فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها الأحبة الكرام! السبب الثالث: الإعلام، وما أدراك ما الإعلام، فإن القائمين على الإعلام لا يرقبون في المؤمنين إلاً ولا ذمة، وأستطيع أن أعلن بكل ثقة واطمئنان أن الناظر إلى الخريطة الإعلامية المقدمة سيخرج بهذه النتيجة الحتمية دون لف أو دوران، ألا وهي أن هذه الخريطة في الجملة تعزف على وتر الجريمة، والعنف، والجنس، كم عدد الأفلام التي تعرض للراقصات؟ كم عدد الأفلام التي تعرض للفاحشة في أدق التفاصيل؟ كم عدد الأفلام التي تعرض للعزف على وتر الجريمة؟ وللعزف على وتر (الفهلوة) ليتعلم الأبناء والبنات.

يجلس الطفل المسكين أمام التلفاز، أو حتى الشاب، فيرى ممثلاً ساقطاً هابطاً لا يجيد إلا أدوار العنف والقذارة والجريمة، هذا هو دوره، وفي فيلم آخر أو مسلسل جديد يرى نفس المجرم يلبس العباءة، وقد ركب لحية، وأمسك المسبحة، ويتمتم بآيات القرآن، وبحديث النبي عليه الصلاة والسلام، فيرى الطفل أو الشاب هذا الممثل في هذا الدور، وهو بالأمس القريب رآه في فلم آخر يمثل دور الجريمة والفاحشة، فتختل في قلوب أبنائنا وبناتنا الفضيلة، وتستوي الفضيلة مع الرذيلة، ويستوي الحلال مع الحرام، والحق مع الباطل، لم يعد يفرق بين أي الشخصيتين يختار.

وفي وسط هذا الغثاء حديث الروح بالموسيقى، أو بعده فاصل من الرقص الراقي الذي يسمى بفن الباليه، أو بفن البلاء، تخرج فيه المرأة وهي شبه عارية، التمجيد للممثلين والممثلات واللاعبين واللاعبات في كل مناسبة، يقدم هذا الممثل على أنه فاتح وبطل، فيتمنى الطفل الصغير أن لو كان قدوته يتمثل في هؤلاء.

غياب القدوة أمر خطير، خريطة إعلامية معلنة، ونعتقد أن جهاز التلفاز من أخطر الوسائل للدعوة إلى الأفكار، لو استغل استغلالاً يرضي العزيز الغفار لرأينا العجب العجاب، فليتقِ الله القائمون على أمر الإعلام، كل مسلم يستطيع أن ينكر، لكن الأمة تبلدت مشاعرها وأحاسيسها بصورة تقتل، حتى الكلمة بخلنا بها، ارفع سماعة الهاتف واتصل بوزير الإعلام، وإن كنت مسئولاً اتصل على مخرج البرامج، اتصل على أي مسئول وذكره بالله، قل كلمة لعل الله أن يحول قلبه، وما يدريك، المهم أن تصنع شيئاً، دعونا من هذه السلبية القاتلة.

والله لو أن هذا الجمع تكلم كل واحد فيه كلمة، وأنا أقول: بالحكمة والرحمة وبالكلمة الرقراقة الرقيقة البسيطة المتواضعة، لا نطلب أكثر من ذلك، ومع ذلك يبخل المسلم وتبخل المسلمة، اكتب رسالة، وعوِّد نفسك على أن تعبر عن الحق بأي سبيل، إما عن طريق الهاتف، أو عن طريق الزيارة، أو عن طريق المكاتبة، بأي سبيل من هذه السبل عبر عن رأيك، انصح هؤلاء: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول لله؟! قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) انصح وابذل النصيحة لعل الله أن يجري الخير على يديك.

فالإعلام سبب خطير من الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة من التفسخ والضياع، انظر إلى عدد الإعلانات الملصقة بالألوان بالأحجام الضخمة للراقصين والراقصات، تثير الشهوات الكامنة، وتستثير الغرائز الهاجعة.

السبب الرابع: الفراغ الديني القاتل، وعدم قيام المساجد بدورها

إن هذا الشاب الذي خرج ليعبد الشيطان ما عرف الرحمن، وغيره من الشباب يعيش الآن في فراغ ديني قاتل، والدين هو الوقاية والعصمة والحصن: فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:123-124].

وأنا أود أن أقول للجميع الآن: قارنوا مقارنة سريعة بين هذا الشاب الطاهر الطائع، وبين هذا الشاب التائه الضائع، إنه الدين، شاب يبتلى ويفتتن ومع ذلك يقبض على دينه كأنما يقبض على الجمر، يأتي الشاب إن زل في معصية يبكي ويعتصر قلبه، ويقول: كلما عاهدت الله على التوبة غلبني الشيطان فقمت وارتكبت المعصية المشهورة المعروفة بين شبابنا، ويتألم ويبكي، وبين شاب يمارس الزنا ويشرب المخدرات ويشرب الخمر.

والله لقد وقفت على دراسة كاد قلبي أن ينخلع، أجريت الدراسة في جامعة القاهرة على عينة عشوائية من الطلاب، تتكون هذه العينة من سبعمائة طالب وطالبة، فكانت النتيجة مروعة، (36.4%) من نتيجة العينة شربوا المخدرات، و(50%) من نتيجة العينة شموا (الهيروين) في الجامعة وبين شبابنا! فراغ ديني قاتل، وأخيراً يحارب المنبر، حتى المنبر يحارب، يمنع الدعاة، لماذا؟ نحن مع من يقول، وأعلنها بين يدي هذا الجمع: لا ينبغي أن يرتقي المنبر أي أحد، نعم، مأساة أن يرتقي المنبر من لا يعرف شيئاً عن كتاب الله، ومن لا يعرف شيئاً عن حديث رسول الله الصحيح.

والله لقد سمعت بأذني على المنبر كلاماً يخلع القلب، وأنا في سفر ذات مرة، مررت على المسجد لأصلي في الطريق، وسمعت الرجل على المنبر يقول: لما قتل عثمان بن عفان أرسل معاوية -هكذا بدون تكريم- إلى نائلة زوج عثمان ، وقال: أريد أن أتزوجك، فقالت: ولماذا؟ قال: أعشقك، قالت: وأي شيء فيّ يُعشق؟ قال: أعشق عينيك، فقال الخطيب المفوه: فخلعت نائلة عينيها، ووضعت العينين على طبق، وأرسلت بالطبق إلى معاوية ، وكتبت له تقول:

يا اللي أنت غاوي الجمال>>>>>رح القبر واطلع

تلقى الجمال بقى>>>>>رمم العظم متخلع

نعم، يقال هذا على المنبر، وهذا أمر خطير، بل تشوه وتحرف العقيدة، الشريعة أصبحت مغيبة وضائعة، فيخرج على المنبر من يزيد النار اشتعالاً، ومن يزيد الناس ضلالاً، فنحن لسنا مع أي أحد يرتقي المنبر، وإنما في الوقت ذاته لا ينبغي على الإطلاق أن يحال بين المنبر وبين فرسانه، حتى وإن كانوا لا ينتسبون إلى الأزهر، فنحن لا نعرف في دين الله جل وعلا كهنوتية ولا رجال دين، لكن إذا ارتقى المنبر يقول: قال الله جل وعلا، وقال الرسول المصطفى في حديثه الصحيح، لا ينبغي أن يحال بين المنبر وبين فرسانه من الدعاة الصادقين المخلصين.

فلو نظرتم الآن إلى ساحة الدعوة، لرأيتم جُلّ دعاتنا المخلصين الصادقين المؤثرين ما تخرجوا من الأزهر، هل يُمنع هؤلاء؟ وهل يحال بين المنبر وبين هؤلاء؟! الذين قد وصلوا إلى درجة تفوق وبكل ثقة أعلنها، كثيراً ممن تخرجوا من هذه الجامعة العريقة لا أقلل من شأنها، لكن هؤلاء يضعون أيديهم في أيدي إخوانهم من علماء الأزهر، ومن شيوخنا الفضلاء الأكارم، ليرفع الجميع راية الدعوة إلى الله بالحكمة البالغة والموعظة الحسنة، والكلمة الرقراقة الطيبة الكريمة.

الفراغ الديني، والعلاج: ألا يحال بين المساجد وبين الشباب، وبين الشباب وبين المساجد، وألا نخشى المساجد، فالمساجد: هي الحضن التربوي الطاهر الذي يحمي أبناءنا بإذن الله من الانحراف، لما أُغلقت المساجد في وجوه الشباب، انطلق الشباب ليبحثوا عن العلم في الظلام، فأتى العلم مظلماً، ولما حيل بين الشباب وبين العلماء والدعاة انطلق الشباب ليبحثوا عن العلم في بطون الكتب، فجاء العلم في بعض الأحيان منحرفاً من خلال الفهم الخاطئ، فمن كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابه، فلا تخشوا المساجد، وافتحوا المساجد للعلماء وللدعاة وللشباب؛ ليتربى أبناؤنا وبناتنا، بل وآباؤنا وأمهاتنا في الأحضان التربوية الطاهرة.

وقد آن الأوان أن تُرفع من كل وسائل الإعلام كل صور الامتهان للعلماء والمشايخ والدعاة، لازلنا إلى الساعة نمر على أبنائنا في المدارس، فيقولون: إرهابي ومتطرف، إفراز للإعلام، قُدمت له هذه الصورة، صورة اللحية، وصورة سنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، على أنها الإرهاب، ولم يفرق الإعلام بين الإرهاب وبين الدين.

فينبغي أن ترد كرامة التدين، وكرامة أهل الدين، وأنت أيها المسئول! أيها الأخ الكريم! قد تكون مسئولاً في الجوازات، وقد تكون مسئولاً في المطارات، وقد تكون مسئولاً في الشوارع والطرقات، ما أصَّل لك القانون أن تهين إخوانك من المسلمين والمسلمات، بل يجب عليك أن تُجِلَّهم وتقدرهم وأن تحترمهم، وإذا رأيت واحداً من أهل الدين ومن أهل العلم وجب عليك أن ترد للدين هيبته، وللعلماء اعتبارهم، وللمشايخ كرامتهم.

لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك، فإني أخشى أن أشق على هذا الجمع الكريم، والله أسأل أن يُقر أعيينا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين، اللهم أقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم اهدِ شبابنا، اللهم أصلح شبابنا، اللهم استر نساءنا، اللهم استر بناتنا، اللهم هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم لا تدع لأحد في هذا الجمع الكريم ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً لنا إلا رحمته، ولا عيباً إلا سترته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى.

اللهم ثبت قلوبنا على الإيمان، يا مقلب القلوب والأبصار! ثبت قلوبنا على دينك، اللهم ارزقنا جميعاً قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً ورضواناً، اللهم ارفع عن مصر البلاء يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح شبابها وشباب المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارفع الفتن ما ظهر منها وما بطن عن مصر يا رب العالمين، وجميع بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم احمل المسلمين الحفاة، واكس المسلمين العراة، وأطعم المسلمين الجياع، اللهم مكن لدينك يا رب العالمين، اللهم قيض للأمة القائد الرباني الذي يحكم الأمة بكتابك وسنة نبيك إنك على كل شيء قدير، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر بقدرتك يا أرحم الراحمين.

هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأٍ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أذكركم بالله وأنساه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , عبدة الشيطان للشيخ : محمد حسان

https://audio.islamweb.net