إسلام ويب

لقد منَّ الله علينا بنعم كثيرة لا تحصى، ومع ذلك ترى الكثير من شباب المسلمين لاهين غافلين لا يؤدون شكر نعمة من نعمه، ولو أن هؤلاء الشباب سخروا أوقاتهم وأموالهم وأسفارهم للدعوة إلى الله عز وجل لكان خيراً كثيراً ولكن ألهتهم الشهوات، وسوف يعلمون.

عظمة الله تعالى

الحمد لله القائل في محكم كتابه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:11]، والقائل في محكم كتابه: أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً [القيامة:36] أحمده على آلائه، وأشكره على نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: والله إني لأستحي أن أحدثكم وأنا جالس أو قاعد، وإكراماً لوجوهكم وإفادة بكوامن الشعور والإخاء والمودة بيني وبينكم، لا أرضى لكم ولا أرضى لمقامكم من نفسي إلا أن أقف بينكم، وأسأل الله جل وعلا، أن يجعل مقامي ومقامكم هذا في خالص أعمالنا يوم نلقى الله يوم القيامة.

أيها الأحبة: إن مما يطعن قلوب اليهود والنصارى، ومما يُبطل مخططات أعداء الإسلام، ويفسد مؤامرات أهل الكيد والتخطيط والتدبير في شباب الجزيرة مثل هذا الاجتماع، إن اجتماعكم هذا -أيها الشباب- لأعظم طعنة وأعظم بصقة في وجه أولئك الذين أصبحوا يراهنون عليكم، ووالله ثم والله، لقد تحدث الأعداء عنكم وقالوا: كفيتم شأن هؤلاء الشباب، أشغلناهم بالأفلام، وبالمعاكسات، والمجلات، والتفحيط والمخدرات، والشذوذ والعلاقات الشاذة، والأمور الخبيثة.. إلى غير ذلك من كل جديد يبتكرونه وينتجونه لصدكم عن صراط الله المستقيم.

أما وقد عادت شوارعنا مجالس ذكر، وعادت مساجدنا رياض جنة، وعاد شبابنا دعاة إلى التوحيد وإلى الاستقامة والصلاح، فهذا والله موطن يغيض الكفار، هذا موطن يغيض أعداءكم وأعداء أمتكم، وأعداء بلادكم، وأعداء المسلمين في كل مكان.

يا شباب الإسلام! يا شباب العقيدة! أتظنون أن الله جل وعلا خلق الواحد منكم في أحسن تقويم: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]؟

يا شباب الإسلام! أتظنون أن الله كرمكم، وفضلكم وجعل لكم منزلة فوق سائر المخلوقات: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70]؟

يا شباب الإسلام! أتظنون أن الله أسجد الملائكة لأبيكم آدم: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا [البقرة:34]؟

الملائكة خلق عظيم شديد، كلهم ما بين راكع وساجد، ومسبح ومكبر ومؤتمر بأمر الله: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] الملائكة يسجدون لأبيكم، أليس هذا دليل تكريم لكم؟ أليس هذا دليل منزلة لكم؟ أليس هذا بيان مرتبة لكم؟ بلى والله، ولكن كثيراً من شبابنا وأبنائنا يدعون إلى مائدة القرآن ليكرموا، فيختارون موائد السفالة والرذيلة.

إن بعض شبابنا يدعون إلى رحمة الله لينجوا فيختارون المعصية والهلكة.

إن كثيراً من شبابنا، يدعون إلى العز والكرامة، فيختارون الذلة والهوان.

إن كثيراً من شبابنا يدعون إلى مرضاة الله، ويدعون إلى حِلقٍ تغشاها السكينة، وتتنزل فيها الرحمة، وتحفها الملائكة، ويذكر الله الجالسين فيها فيمن عنده، فيختارون مجالس لا يفتح فيها إلا صفحات السيئات، ولا يكتب فيها إلا ملائكة السيئات، يجلسون في سيئة، ويأكلون على سيئة، ويشربون على سيئة، ويتحدثون في سيئة، ويقيمون عن خطيئة وربما انتهت بسوء الخاتمة والعياذ بالله.

أيها الشباب! إن واقعنا في هذا اليوم يحتم علينا أياً كان الواحد منا، أستاذاً أو تلميذاً، مدرساً أو معلماً، موظفاً أو بناء، أو أياً كانت وظيفته، أو أياً كان عمله، إن واقعنا وواجب ديننا علينا أن يشعر الواحد منا أنه مربوب لله معبود لله، تذكر أنك عبد لله قبل كل شيء، وتذكر أنك مخلوق صغير جداً بالنسبة لخلق الله جل وعلا.

فيا عجباً كيف يعصى الإله>>>>>أم كيف يجحده الجاحد

كيف يجرؤ ابن آدم على معصية الله وهو خلق صغير جداً جداً أمام عظمة الله جل وعلا، ما تظنون في هذه المدينة العظيمة؟ فسيحة جداً، وما تظنون في المدن الأخرى؟ أكبر منها، ما تظنون في دول العالم؟ كبيرة جداً جداً، ما ظنكم بعرش الله جل وعلا؟ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].

استوى ربنا على عرشه، استواءً يليق بجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وعرش الله أكبر من هذه الأرضين جمعياً، بل أكبر من السماوات جميعاً، إذا كان هذا عرش الله، فما بالكم بربكم؟ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ [الأنعام:103].

أيها الشباب! قبل أن ندخل في تفاصيل الحديث، اعرفوا من أنتم؟ واعرفوا من هو ربكم؟ أمَّا نحن فخلق ضعيف وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً [النساء:28] أما نحن فخلق عجول: وَكَانَ الْأِنْسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11].

أما نحن فخلق هلوع جزوع منوع: إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً [المعارج:19-21].

أما نحن فخلق ضعيف، إذا أصابنا ألم انكسرنا ونقول: يا الله، يا الله، يا الله، فإذا عوفينا وعادت العافية إلى أبداننا، ودبت الدماء في عروقنا، بدأنا نقول: دعنا من كلام الله، دعنا من كلام رسول الله، آخر أغنية ما هي؟ آخر مسرحية ما هي؟ آخر شريط ما هو؟ يوم أن كنا في بلاء المرض والألم، كان الواحد يصيح: يا الله، ولما سرت الحياة في عروقه، وانتفض الدم في جوفه، أصبح يلتفت يمنة ويسرة فيسمع الأذان ولا يجيب، ويرى جلسة اللهو والطرب فيستجيب، يسمع نداء (حي على الصلاة، حي على الفلاح) فلا يهب ولا يتحرك، ويسمع جلسةً فيها عزف أو وتر أو طرب فيتحرك، ولا أقول: إن من حضر جلسة طرب قد انقطع الأمل فيه، لا والله فيه من الإيمان خير، فيه من الإسلام بقية، ولكن كيف غلبه الشيطان!

أيها الأحبة: يقول الله جل وعلا: وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12].

وأنا أعطيكم أكبر دليل على هذا، أنتم ترون شاباً ربما أتى إلى الإسعاف في ليلة من الليالي على أثر مرض، أو صداع أو شيء يؤلمه، ثم بعد ذلك يؤتى به في حالة إسعافية، وماذا بعد ذلك؟ يؤتى إليه بالعربية، أو بالسرير الذي أعد للإسعاف، فيوضع على هذا السرير، وهو يقول: آه، آه، آه، يصيح من المرض، يتألم، والممرضات في طريقه ولا يلتفت إليهن، والزائرات في طريقه ولا يراهن، والحسناوات مقبلات مدبرات ولا ينظر إليهن، فإذا دخل المستشفى ووضع المغذي في عروقه، واعتني بصحته، ودبت إليه العافية، إذا جاءت الممرضة تعطيه علاجاً أخذ ينظر إليها بطرفٍ خفي، نعم لما دخل المستشفى في تلك الليلة، وهو يصيح: آه آه من المرض والألم لم يكن يلتفت لحسناء ولا ممرضة ولا مقبلة ولا مدبرة، ولكن لما دبت العافية في عروقه، وسال الدم دفاقاً قوياً في شرايينه، أصبح لا يرى مقبلة إلا أحرقها ببصره، ولا يرى مدبرة إلا نفذها ببصره، ولا يسمع شيئاً إلا أرهف الحس لنغمه وطربه، ألست أنت وأنا ذلك المسكين؟! وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ [يونس:12] لما كان في الإسعاف أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ [يونس:12].

الحث على الدعوة إلى دين الله

أيها الشباب: إن المرجو فيكم والمرجو منكم، والمؤمل فيكم، فوق ما أنتم عليه، وإن العالم الإسلامي، والكرة الأرضية أبصارها تتجه إليكم.

يا شباب الجزيرة! إن العالم الإسلامي ودول العالم تعلم يقيناً: إن كان هناك إسلام فالإسلام في بلادكم، وإن كان هناك بلاد اسمها بلادكم فهي بلاد الإسلام، فإذا جاء الوافدون، أو سافر أبناؤنا إلى الخارج، ورأينا من أبنائنا أول ما يسأل أين (night club) أين النادي الليلي، أين المرقص؟ أين مكان كذا وكذا؟ أين السينما؟ أين هذه الملهاة؟ أين مكان الأهازيج؟ إذا علم أولئك أن هؤلاء هم أبناء هذه البلاد، قالوا: أي أمل نعقده فيكم؟! أي أمل نعقده في بلادكم؟! خذوا مني وإن كنت أود لا أتكلم بهذا قبل أوانه، كنا في زيارة لـكمبوديا، وكمبوديا دولة كانت شيوعية، قتل فيها من المسلمين سبعمائة ألف مسلم، ذبحوا ذبح النعاج.

والله لقد رأينا مكاناً كبيراً من جماجم المسلمين، تصوروا -نسأل الله ألا يقدر عليكم شراً أو مكروهاً- لو أن سيفاً جاء وقطع هذه الرقاب جميعاً، وجمع الجماجم ماذا تتصور أن تجد؟ جبلاً من الجماجم، والله لقد رأينا جماجم المسلمين، صنع منها خريطة على الطبيعة، خريطة كبيرة على حائط طويل عريض يقال: هذه خريطة هذه البلاد وهي من جماجم المسلمين، أي: أن الأمر لم يستمر ولم يستقر إلا على رقاب المسلمين.

أيها الشباب! أيها الإخوة! أهذه جماجم إخواننا، وتلك جلسات لهونا وطربنا؟! أهذه جماجم أمهاتنا وبناتنا وفلذات أكبادنا وأطفالنا وأولادنا؟ أهذه جماجمهم وتلك محلات لهونا وطربنا؟! لا والله يا شباب الإسلام.

العالم ينتظر منكم أن تقدموا شيئاً، كم عدد الشباب الذين سافروا إلى مانلا ؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى بانكوك؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى كازا بلانكا ؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى جاكرتا؟ كم عدد الشباب الذين سافروا إلى بلاد العهر والدعارة والفساد، أو سافروا إلى بلاد وكان قصدهم الدعارة والعهر والفساد؟! كم أنفق الواحد في تذكرته ذهاباً وإياباً؟! كم أنفق في الفندق والهوتيل ذهاباً وجلوساً وإقامته؟! كم أنفق على طعامه وشرابه؟ في كمبوديا رأينا واحداً من كبار المسلمين، يسكن في بيته عدد من أيتام المسلمين ويعمل من الصباح إلى الظهر ومن قبل العصر إلى العشاء وراتبه ستة عشر دولاراً.

يا شباب! ستة عشر دولاراً اضرب ستة عشر في ثلاثة فاصل خمسة وسبعين، تقريباً ستين ريالاً، أي: هذه الآلاف التي صرفها بعض أحبابنا وبعض شبابنا -نسأل الله أن يمن عليهم بالهداية- كان بوسعها أن تحمي المسلمين، وأن تجعل لهم دوراً بدلاً من الفيضانات التي تجتاحهم، تلك الآلاف التي ينفقها بعض الشباب في اللهو والدعارة والطرب وغير ذلك، كان بإمكانك أن تشتري بها قارباً صغيراً لخمس أسر من المسلمين يعيشون على النهر ويصطادون من السمك ويأكلون من رزق الله.

حياة الفقراء، حياة المساكين، واقع المسلمين هناك شيء، وواقع شبابنا شيء آخر، تايلاند، بانكوك، كم بينها وبين بنوم بنه عاصمة كمبوديا ؟ ما بينهما إلا ساعتين فقط، وربما تجد في بعض البلدان مسلماً لا يزال متمسكاً بالإسلام، لكنه لا يعرف أحداً يعلمه الإسلام، يقول: أنا مسلم، يدعى إلى الكنيسة فيأبى أن يدخل، ويدعى إلى معبد البوذيين فيأبى أن يدخل، ويدعى إلى المسجد فيأتي، وربما يتمنى أن يقام في بلده مسجد، وربما لا يزال يحافظ على هويته الإسلامية، ولا يعرف من الإسلام إلا أنه لا يأكل لحم الخنزير، ويريد من يعلمه الوضوء، ويريد من يعلمه الصلاة، ومن يعلمه الفاتحة، وإذا علموا أن مسلماً جاء إلى بلادهم تدافعوا إليه زرافاتٍ ووحدانا، وجلسوا حوله كالنحل حول الملكة، جلسوا حوله كالسوار على المعصم، والمشكلة أنه يأتي بجوارك لا يعرف لغتك وأنت لا تعرف لغته، أتدرون من الذي استطاع أن يترجم لنا؟ مسلم هناك، كيف نجا من القتل؟ لما بدأ حاكم تلك البلاد بحملات المذابح في المسلمين، قام ذلك المسلم الذي يجيد اللغة العربية وأزال كوفيته وأزال كثيراً من ملابسه، وجعل الطين على رأسه وجسمه، والروائح الخبيثة على بدنه وأخذ يمشي ويركض ويصرخ في الشوارع، يدعي أنه مجنون، لعله أن يسلم من القتل، وفعلاً سلم ذلك المسلم ووجدنا مسلماً يترجم لنا، ويترجم حديثنا مع هؤلاء.

فيا أحبابنا الشباب! الذين سافروا إلى الفلبين، والذين سافروا إلى تايلاند ، هل كانوا لا يعرفون الوضوء؟ بلى والله يعرفون الوضوء، هل كانوا لا يعرفون الصلاة؟ بلى يعرفون الصلاة، هل كانوا لا يعرفون القرآن؟ بلى يعرفون القرآن، فشبابنا لو تقدموا ساعتين وبدلاً من الجلوس في أحضان العاهرات والفاجرات، امتدوا خطوات لكي يعلموا القرآن الكريم، ولكي يعلموا الفاتحة والوضوء والصلاة، لكي يعلموا أركان الإسلام، لكي يعلموا توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، لكانوا على ذلك من القادرين.

والله إن الشاب الذي أمضى جزءاً من حياته في فسادٍ وانحرافٍ ودعارةٍ يستطيع أن يكون داعية على الأقل إلى تعليم الوضوء والصلاة والفاتحة، وأجره أعظم من أجورنا هنا جميعاً.

يا إخوان! العالم ينتظر منكم شيئاً عظيماً في أولان باتور عاصمة منغوليا خمسة عشر ألف مسلم لا يوجد فيهم من يحسن الفاتحة، ومسلمون يدعون إلى الشيوعية فيرفضون، ويدعون إلى النصرانية فيرفضون، ويدعون إلى البوذية فيرفضون من أنتم؟ مسلمون، ينتظرون مسلماً يأتي إليهم، فما بالكم إذا وطئت قدم شاب مسلم أرضاً قريباً من أرضهم، فقيل: هذا مسلم فلحقوه يتبعونه، فإذا تبعوه وجدوه آخر الطريق يسهر في مرقص، فإذا تبعوه وجدوه آخر الطريق في مكان دعارة، فإذا تبعوه، وجدوه في آخر المسار في ملهاة ومعصية وأمر لا يرضي الله جل وعلا.

أيها الشباب! إن أمة الإسلام تنتظر منكم شيئاً عظيماً، وإن ما نراه من شبابنا اليوم من إقبالٍ على الله جل وعلا وصحوة عمت صغيرهم وكبيرهم، وعمت ذكرهم وأنثاهم وفتاهم وفتاتهم، هذه لابد أن يكون لها ثمرة، وثمرتها فيكم وفي جهودكم. إن من أهم واجباتنا ومن أهم أمورنا -يا شبابنا- أن ننظف مجتمعنا من الرذيلة، وأن ننظف مجتمعنا من الانحراف، ليس غريباً أن تسافر إلى دولة كافرة أو إلى دولة علمانية، أو إلى دولة شرقية أو غربية، فترى الخمور تباع علناً، وترى الدعارة مقننة، وترى الأرصفة مليئة بالفجرة والفسقة الذين يسهرون على الشراب والمنكرات، لكن في بلادنا الطبيعي والمؤمل والمنتظر كما نرى في المساجد رياض الجنة وحلق الذكر أن نرى على الطرقات من يكونون عوناً فيها، وإرشاداً للمارين (أما وإن جلستم فأعطوا الطريق حقه، قيل: وما حقه يا رسول الله؟ قال: كف الأذى، ورد السلام، وغض البصر) فهل الجالسون في طرقاتنا اليوم يقومون بحقوق الطريق؟ هل هم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف؟ هل يعرفون أن أوقاتهم محسوبة عليهم؟ هذا منتظر منكم -أيها الشباب- وإني يوم أن أكرمني الله جل وعلا بحضور هذا المقام هذه الليلة، أطلب منكم طلباً واحداً، إذا حضرت فأريدك أن تأتي بشاب منحرف معك، لا أريدك أن تأتي بشاب قد منّ الله عليه بالمحافظة على صلاة الفجر مع الجماعة وسائر الصلوات، وشاب لا يسمع الملاهي ولا يشغل وقته بها، أو شاب أشغل وقته بالقراءة وطلب العلم، هذا قد سلك الطريق، وعرف الجادة، وظهرت عنده الحجة، واستقام على المحجة، ولكن أيها الشباب! أريد من كل واحد منكم أن يبحث في حيه عن أفجر وأفسق شاب في الحي، وأكثر شباب الحي انحرافاً، فيأتي به، ولو كان في جيبه الدخان، ولو كان في جيبه الصور، وإن كان أشعث أغبر متطاير الشعر، فأت به هنا إلى رياض الجنة، وإلى غسيل القلوب، وإلى طريق الحياة، فهنا البداية، اُدع والدعوة بإذن الله إذا ظهرت منكم بإخلاص واتجهت إلى إخوانكم بشفقة ورحمة وسمعتم ووافق السماع قلباً مستعداً بإذن الله جل وعلا سوف ترى المنحرف بالأمس إماماً اليوم، وسترى الضال بالأمس هادياً مهدياً في الغد، هذا هو الذي نرجوه، وهذا الذي نأمله يا شبابنا، لئن كانت هذه الجالسة في هذا الشارع، فإنا بحاجة إلى جلسات في شوارع عديدة.

شباب يقولون: أين أنتم؟ ما وجدنا من يحدثنا، ما وجدنا من يسلم علينا، ما وجدنا من يُهدينا شريطاً، ما وجدنا من يعطينا كلمة، ما وجدنا من يصبر على رائحة الدخان فينا قليلاً، ما وجدنا من يجلس معنا ولو تجهم وجوهنا، وأنكر ما يرى من ملامحنا، فليسمعنا، إن قلوب هؤلاء الشباب ليست غلفاً بمعنى لا يمكن أن تقبل الحق أبداً، ولكن يوم أن يأتي من يلينها بلطيف الموعظة، ودقيق الحكمة، ولذيذ الأسلوب، بإذن الله جل وعلا سيجد فيها خيراً كثيراً.

لو أسلم حمار آل الخطاب ما أسلم عمر

كانت أرغب أن أحضر معي هذه الليلة فناناً من الفنانين، ومطرباً من المطربين، في مدينة من مدن المملكة ، يقول لي وزارني في البيت، ورسالته عندي، ومع زيارته لي يقول: كنت أول من فتح محل الفيديو في مدينتي، وكنت أسهر في هذا المحل من فلم مصارعة النساء إلى رقصات النساء، ومن فلم المطاردات إلى فلم الجنس، ومن فلم الخلاعة إلى فلم الشذوذ، وهكذا كانت حياتي، وزيادة على ذلك يقول: كنت مطرباً، أعزف العود عزفاً أنافس فيه أحسن المطربين، وكنت شاعراً أقول الشعر بنوعيه فصيحه ونبطيه، وما كنت أحب أحداً من أهل الخير، وإذا رأيت متديناً تجهمته، وإذا رأيت ملتحياً كرهته، وإذا رأيت مستقيماً أعرضت عنه، فأحدث في نفسي أمراً عجيباً جعل الناس يضجرون مني، حتى جاءني ذات ليلة شابان أول ما رأيتهما، يقول: تمنيت لو رأيت الشيطان وما رأيتهما، وهم من أهل الخير! لكن ليس عجيباً إذا استحكمت المعاصي وأصبحت القلوب غلف إلى درجة مغلقة: وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر:45].

قال: جاءني شابان سيماهم في وجوههم من أثر الطاعة، وإكرام لحاهم، وحسن سمتهم، وهدي سلوكهم، قال: فلما جاءا إليّ قلت لهما: ماذا تريدان مني؟ عندي فيديو، عندي عود، عندي شعر، وأقول شعراً نبطياً خليعاً، يقول: والله كنت أتغزل والعياذ بالله إلى درجة الإفساد والتشبيب، وأحكي قصصاً مفصلة، كما لو كنت فعلتها وهي لم تفعل.

قال: فلما جلسا إليّ، قالا لي: السلام عليكم، قلت: وعليكم السلام، ماذا تريدان؟ قالا: يا أخي! نريد أن نسمع منك قصيدة، ما عندك قصيدة؟ قال: بلى عندي قصيدة، قالا: نسمع بالشارع؟! نريد أن ندخل عندك ونسمع قصيدة، نسمع قصيدة على الرصيف؟! لا يصلح، قال: فدخلا عندي، وكان عندي شقة مخصصة فقط للفساد والمعاصي -والله يا شباب- قال: فلما دخلا عندي وأردت أن أعرض ما عندي عليهما عرضا عليّ بضاعة كسرت مغاليق قلبي: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21].

قالا: اسمع منا، اسمع منا؟ فأسمعاه كلاماً ثم خرجا من عنده، قال: فبت تلك الليلة وأنا على أمر عجيب، ضيقة في صدري، وقلق في نفسي، وتناقض في كواملي، حالةٌ لا أستطيع أن أصفها من نفسي.

قال: فتذكرت شيئاً من كلامهما، وقلت: ماذا لو ذهبت إلى المسجد؟ قال: فذهبت وتوضأت -قال: والله قد كان يمر عليّ أربعة أيام وأنا جنب، لا يغتسل والعياذ بالله- قال: فتوضأت وذهبت إلى المسجد، فلما دخلت كأن شيئاً دخل في جوفي، أرى منه إشراقاً ونوراً، وكان والدي هو إمام المسجد، فلما دخلت قبل أبي إلى المسجد في صلاة الفجر، إذا بأبي يفاجأ عندما رآني في المسجد، فما كان من والدي إلا أن رفع يديه، وقال: اللهم اهده.

الأمل في الله عظيم -أيها الشباب- لا نيئس من هداية إخواننا، الأرصفة مليئة، ولكن الشباب الذين على الأرصفة فيهم خير كثير بإذن الله جل وعلا، ومتى يتفجر هذا الخير هدىً ودعوة وصلاحاً واستقامةً وأمراً بخير ونهياً عن شر؟ يوم أن يكون لكم هذا النشاط، إذا أتيت إلى هذا المكان، ائت بواحد منحرف أو اثنين فقط، نريد من كل واحد أن يأتي بواحد معه، حتى تسمعه كلام الله، وتقيم عليه الحجة، وتبين له المحجة.

يقول: فلما بدأت أصلي كنت كالذي يتذكر شيئاً فقده من زمان وهو أني لم أكن أصلي، قال: فلما هويت ساجداً إذ بأمرٍ ينتابني، قال: فسال دمعي وأنا أصيح وأقول: يا الله! يا الله! يا الله! اهدني وافتح على قلبي، اشرح صدري، يا خالقي! يا رب! قال: أخذت أناجي الله جل وعلا بكل ما تيسر على ذاكرتي من اسم أو صفة لله جل وعلا، قال: فلما رفعت من السجدة الأولى، إذ كأن صدري هذا قد شق وأدخلت الدنيا فيه من ساعتي.

قال: فلما عدت إلى السجدة الثانية وفيها من البكاء والنحيب والتضرع والانكسار ومناجاة الله جل وعلا.

يأيها الشباب! يقول ربنا جل وعلا: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] وهل هناك ضرورة أعظم من ضرورة الضال إلى الهداية؟ وأعظم من حاجة الضال إلى الهداية، هل هناك ضرورة أعظم من حاجة المنحرف إلى الاستقامة؟ وهل هناك ضرورة أعظم من حاجة الذي لا يصلي في المسجد من صلاته إليها؟ هل هناك ضرورة أعظم من حاجة الذي امتلأ رأسه وقلبه وجوفه ودماغه بالغناء ومزمار الشيطان أعظم من حاجته إلى كلام الرحمن؟ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62].

حاجتك إلى دينك أعظم من حاجتك إلى الطعام والشراب، حاجتك إلى معرفة ربك أعظم من حاجتك إلى الطعام والشراب، أخي! قلت لك في بداية الكلمة، إن الله كرمك، وأسجد الملائكة لأبيك، وفضلك على كثيرٍ ممن خلق، ولكن متى؟ يوم أن تهتدي بهداية الله، وإلا إن ضللت عن نهج الله وطريق الله: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف:176] يوم أن يضل عن طاعة الله: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] يقول صاحبنا: فما كان مني بعد أن فرغت من تلك الركعتين إلا وقررت أن أترك المعصية إلى غير رجعة، فتخلصت من محلي ومن أشرطتي ومن شقتي، ومن أعوادي ومزاميري وما عندي، وأصبحت مؤذناً للمسجد خلف أبي، فلما كبر سن والدي أصبحت مؤذناً وإماماً.

فضل الدعوة إلى الله وتعليم الدين

يا إخواني! الواجب والمسئولية والدور يقع عليكم أنتم، كم يوجد في سجون المخدرات من الشباب؟ لو أن كل واحدٍ مع صديقه، عقدا العزم على أن يسخرا ويسلطا جهودهما لعلاقة بذلك الشاب المنحرف في زيارته وذهاب معه، وإياب به، وهديته ودعوته ومخالطته وقطع الطريق بينه وبين الأشرار الذين يزينون له المعاصي، والله لأنتجتم للمجتمع خيراً كثيراً.

يا شباب الإسلام! هذا هو الدور المنتظر، لو أن كل اثنين أو ثلاثة منكم عقدوا العزم على أن يحدثوا في هذا المجتمع خيراً لأحدثوه، بلادنا فسيحة والناس بحاجة إلى من يعلمهم جزءاً من القرآن الكريم، وعشرة من الأحاديث، وجملة من الأحكام، وشيئاً من أصول العقائد، وأنتم تتقنون هذا، كما قلت: الذين ذهبوا إلى بانكوك ومانلا، هل هم لا يعرفون الصلاة؟ بل ربما الواحد منهم صلى سنين طويلة، ولا يزال يصلي، فهذا الذي سافر وهو يعرف الوضوء والصلاة ويعرف الفاتحة ويعرف شيئاً من القرآن، لو مد الخطوة ساعتين وترك طاعة الشيطان إلى الدعوة إلى دين الله جل وعلا، وعلم عشرين أو ثلاثين مسلماً الوضوء والفاتحة، والتوحيد، لعاد يوم القيامة بأجر آلاف المسلمين.

إن الواحد منكم، يمكن أن يبقى واحداً، ويمكن أن يصبح مائة، أنت أيها الشاب! بإمكانك أن تكون واحداً، ولدت واحداً، وتعيش واحداً، وتموت واحداً، وبإمكانك أن تكون مائة، وبإمكانك أن تكون ألفاً، وبإمكانك أن تكون عشرات الآلاف، كيف تبقى واحداً؟ إذا كان جهدك حول نفسك.

طعامك وشرابك ونومك وسيارتك وحاجتك ملهياتك، لا يكون عندك شيء من اهتماماتك الرخيصة، وبإمكانك أن تكون مائة يوم أن يكون وقتك في الدعوة إلى الله، قدوة لتطبيق ذلك على نفسك، واستقامة على مرضاة الله، ودعوة الآخرين والصبر على الأذى فيه، والصبر على ما ينالك في هذا:

والناس ألف منهم كواحد>>>>>وواحد كالألف إن أمر عنى

يا شبابنا! هذه الأرض فيها من رميم البشر قبلنا شيء كثير، خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد، الأرض التي تسيرون عليها قبلكم أمم سارت عليها ودفنوا الآن تحتكم، أنتم تمشون على رميم أمم قبلكم في هذه الدنيا، وستمشي أقوام على رميمكم، ولكن أين ستكون أرواحكم؟ في أعلى عليين أو في أسفل سافلين: فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ [الواقعة:89] أو تكون في زقوم وحميم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يا شباب الإسلام: إياكم أن يأتي الشيطان لأحدكم، فيقول: أنت لا تستطيع أن تكون صالحاً ولا مصلحاً، إياكم أن يأتي الشيطان إليكم، فيقول: أنت أيها التافه أيها الحقير يا صاحب الرصيف! يا صاحب التفحيط! يا صاحب الدخان والشيشة! يا صاحب المطرب! يا صاحب التمثيلية! والفلم! يا صاحب كذا، إنما أنت هينٌ حقيرٌ تافه، ويبدأ يحقر من شأنك فتنقاد للشيطان، وإذا أردت أن ترفع نفسك، ضربك الشيطان ضربة على أم رأسك، وقال: اجلس يا ذليل يا حقير يا تافه.

حينما تذل للشيطان فإن الشيطان لن يدعك، لن يدعك الشيطان تشم نسمة من نسمات العزة، ولكن إن أردت الحق، فأنت عزيز بعزة الله، قوي بقوة الله، غني بفضل الله، عليم بما علمك الله، كريم بما أكرمك الله به، تستطيع أن ترفع من نفسك.

وإذا كانت النفوس كباراً >>>>>تعبت في مرادها الأجسام

إخوانكم الشباب في أفغانستان ، شابٌ بالأمس كان من أهل التفحيط والفساد، أصبح قائداً على جبل كرجل، شابٌ كان بالأمس في المنطقة الشرقية لا هم له، ولا هم لجهاز الأمن إلا مطاردته من كثرة جرائمه ومعاصيه، فلما فتح الله عليه، يسمي بالله ويمسك الشيوعي ويذبحه بالسكين على رقبته، الله أكبر! أي إيمان جعل من هذا الحقير التافه الذليل صاحب المعاصي والمنكرات والفواحش والسيئات، رفعه إلى درجة أصبح يضع رجله على رقبة الشيوعي ويسل السكين ويذبحه، وهو يقول: إيماناً بالله وتصديقاً بسنة رسول الله في الجهاد: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة:14].

قال: والله لما ذبحتهم بيدي وجدت شفاء روحي، ووجدت راحةً في صدري؛ لأنهم قتلوا عدداً من إخواني المجاهدين، فما وجدت شفاء الصدر إلا في هذه الآية، لكن أين كان بالأمس؟ كان منحرفاً، وكان يعاكس ويغازل، وكان له صديقات، وله أمور عجيبة جداً، فلما أكرمه الله بالتوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والله يفرح به (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم أضل ناقته في فلاة وعليها طعامه وشرابه، فلما تيقن هلكته، توسد يده موقناً بهلاكه، فلما أفاق وجد راحلته عنده، فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

إذا كان هذا فرح ربنا جل وعلا، فمن واجبنا أن نفرح بتوبة إخواننا، وأن ندعوهم إلى التوبة، وأن نفرح بتوبتهم، وأن نقدم لهم وقتنا، وهديتنا، ودعاءنا بظهر الغيب، ونصحنا، ولكن أين الذين يعملون؟ أين الذين يدعون إلى الله جل وعلا؟ أين الذين يحرصون على الدعوة؟

إن دعوة الشاب الضال والمنحرف والذي وقع في كثيرٍ من الأمور لا تحتاج إلى شهادة الليسانس أو بكالوريوس أو ماجستير أو شهادة من الشهادات العلمية العصرية، تحتاج دعوة هؤلاء أولاً: إلى إخلاص، وإلى نية صادقة ورغبة كما هداك الله أن يهديهم الله: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94].

أن يمنّ الله عليه بما منّ الله عليك، توبة صادقة، ومن ذاق لذة الدعوة إلى الله بعد توبة نصوح صادقة، والله لا يكل ولا يمل أبداً و(ما مع الحب إن أخلصت من سأم).

يوم أن تكون محباً لهذه الدعوة مخلصاً إياها لوجه الله جل وعلا، فلن ترَ سأماً ولا مللاً.

يا إخواننا! يا من جمعتم وتجمعتم في هذا المكان الطيب المبارك! أسألكم بالله: هل فيكم من قال: أنا لها؟ هل فيكم من قال: سمعنا وأطعنا؟ هل فيكم من قال: استفدنا مما سمعنا؟ هل فيكم من قال: عرفت فالزم؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً [النساء:66] لو فعلتم ما تسمعون وطبقتم ما به تنصحون، لكان خيراً لكم وأشد تثبيتاً: لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ [النساء:66-70].

هذه أفضال الله، وهذه نعم الله، وهذه بركات الله تتدفق عليكم تترى، ولكن من المؤسف -كما قلت- أن تعرض علينا العزة فنختار الذلة، وتعرض الكرامة فنختار الهوان، ويعرض الغنى فنختار الفقر، ويعرض الخير فنختار الشر، وتعرض الهداية فنختار الضلالة، وتعرض الاستقامة فنختار الانحراف، معاذ الله أن نكون كذلك.

أسأل الله جل وعلا بأسمائه وصفاته، أسأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، أسأله بكل اسم هو له، سمى به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو علمه أحداً من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده، أن يمنحكم نفحةً من بركاته، وأن يمنحكم بركةً من فيض رحمته، وأن يمنحكم خيراً وتوبة، وإيماناً ودعوة، وإخلاصاً وصدقاً، وثباتاً واستقامة حتى نلقى الله بذلك وإياي والسامعين وإياكم أجمعين.

أيها الأحبة: قد زانت هذه الليلة، والليالي تزينها الأقمار، وتعطر هذا اللقاء وازدان هذا المجلس بحضور والدنا وحبيبنا وشيخنا نسأل الله أن يجعله مباركاً أينما كان، نسأل الله جل وعلا أن يجعل كل خطوة من خطواته في موازين أعماله، نسأل الله أن ينفعنا بعلمه، وألا يحرمنا بركته، وأن يريه ما تقر به عينه فيكم وفي أبنائكم وفي ذريته وأبناء ذريته من الهداية والاستقامة والعلم والعمل والدعوة، ذلكم هو سماحة الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين قد زين هذا اللقاء متواضعاً بمجيئه، أسأل الله أن يرفع درجاته في عليين.

اللهم ارفع درجاته في عليين، واجعلنا بركبه سائرين على نهج سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , على شارع الحياة للشيخ : سعد البريك

https://audio.islamweb.net