إسلام ويب

إن الله جل وعلا قد عظم شأن المساجد ورفع منزلتها وقدرها، وعظم منزلة المشائين إليها، ولما كان اهتمام جل المسلمين بعمارة المسجد حسياً كان لابد من بيان أهمية عمارتها المعنوية، وهو ما بينه الشيخ في هذه المادة، واذكراً آداب المساجد وضرورة العناية بها.

فضل المساجد

الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [الأحزاب:70] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

معاشر المؤمنين: لا يخفاكم أن الله جلَّ وعلا قد عظَّم شأن المساجد، ورفع منـزلتها ودرجتها، وعظم منـزلة المشَّائين إليها، فقال جل وعلا مضيفاً هذه المساجد إلى نفسه إضافة تشريف ورفعة، جل من قائلٍ عليما: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18].

وقال جل وعلا في بيان أولئك الذين يعتنون بالمساجد ويقيمونها إقامةً حسيةً ومعنوية: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ [التوبة:18].

فيا عباد الله: هذه بيوت الله جل وعلا، قد رفع منزلتها وجعلها مهابط رحمته ومتنزل ملائكته، بل تكفل الله جل وعلا على لسان نبيه برفعة الدرجات وتكفير الخطايا والسيئات بالمشي إلى المساجد، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بما يكفر الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم أيضاً: (بشر المشَّائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة).

لم هذا كله يا عباد الله؟!

لأن المشي إلى المساجد، ولأن إقامة الصلاة في المساجد، ولأن عمارة المساجد بالصلاة مع الجماعة فيها ركنٌ عظيم من أركان الإسلام، ولذا فلا عجب ولا غرو أن تكون هذه المنـزلة العظيمة لمن قام بحق هذه المساجد، وعرف قدرها بمعرفته قدر الله جل وعلا بتعظيمها ورفعة منزلتها.

عمارة المساجد وأنواعها

أيها الأحبة: لسنا بحاجةٍ إلى بيان مزيدٍ من الأحكام المتعلقة بالمساجد؛ كأن لا يمكث فيها الجنب، وألا تمكث فيها الحائض وإن كان يجوز لها المرور بها، وألا يدخلها ويقربها من أكل ثوماً أو بصلاً لئلا يؤذي المسلمين.. إلى غير ذلك من الأحكام.

لكن يهمنا أيها الإخوة! حكم من أهم أحكامها ألا وهو عمارتها؛ عمارتها الحسية، وعمارتها المعنوية.

عمارة المساجد الحسية

فأما عمارتها الحسية، فإن الله جل وعلا قد أذن برفع هذه المساجد وتشييدها وبنائها، يقول سبحانه: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37].

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاةٍ بنى الله له به بيتاً في الجنة) وكلكم لا يخفاه هذا القدر، من البناء الحسي للمساجد وتشييدها، ولكن الأمر المهم أيضاً هو أن نهتم بالبناء المعنوي لهذه المساجد.

عمارة المساجد المعنوية

ونعني بها اهتمام المجتمعات الإسلامية بمساجدهم، إن طوائف كثيرة من المسلمين يظنون أن المسجد فقط للأذان، ثم للإقامة، ثم للصلاة، ثم تغلق أبواب المساجد بعد ذلك، لا والله! ما شيدت المساجد لكي يستفاد منها أربع ساعات أو خمس ساعات في اليوم والليلة فقط، بل شيدت لتكون مساراً للذاكرين والتالين والقارئين وطالبي العلم والمتعلمين والمتفقهين والدارسين، إن هذه المساجد شيدت لكي يفزع ويضرع إلى الجلوس فيها لمناجاة الله جل وعلا من هَمَّ بمحاسبة نفسه؛ لكي يخلو فيها مع نفسه خلوة تدبرٍِ واستغفارٍ ومحاسبةٍ وتذكر، فلو أن كل المساجد لا تفتح إلا في ساعاتٍ معينة من اليوم والليلة فقد حصرت مكانة المسجد في الأذان والإقامة والصلاة، إنما مكانة المساجد أن تكون خلية نحلٍ يرد الناس إليها ويصدرون عنها، مليئة عقولهم وأفئدتهم بالذكر وبالعلم النافع والمواعظ الحسنة.

فيا عباد الله: انتبهوا لهذا الأمر المهم.. انتبهوا لهذا الدور العظيم للمسجد، إن كثيراً من مساجدنا لا نرى لها دوراً إلا الصلاة والنداء والإقامة فقط، فلو فتشت في جنبات المسجد فلن ترى فيه مكتبةً تضم أهم الكتب النافعة، وأمهات كتب مذاهب الإسلام العظيمة، وكتب الحديث والتفسير، والفقه والعقيدة، لوجدتها خلواً من هذا العلم العظيم، ولو تأملت هل يوجد فيها من الأشرطة السمعية النافعة فيما حوته من كلام العلماء الثقات الأجلاء لوجدتها خلواً من هذا كله.

إن هذين الأمرين لمن أهم الأمور التي ينبغي أن نعتني بها، وأن نقررها ونثبتها في مساجدنا، لكي تكون المساجد خليةً يرد إليها كل منهوم لعلم، ويصدر عنها ريان النفس والفكر، عبقاً بالمواعظ والنفع والفوائد والأحكام.

فانتبهوا لذلك -يا عباد الله- وتفقدوا مساجدكم، فأي مسجدٍ ترونه خلواً من هذا فاعتنوا بعون الله جل وعلا على إنشاء المكتبة النافعة، سواء كانت داخل المسجد أو في جنبة من جنباته، أو خارج المسجد أو قربه، المهم ألا يخلو المسجد من مكتبةٍ إسلاميةٍ نافعة، مكتبة مقروءة، ومكتبة مسموعة.

كذلك أيها الأحبة في الله: ينبغي ألا تخلو المساجد من حلقات الذكر، وحلق تعليم القرآن الكريم، وفي هذا المقام نشكر الله جل وعلا، ثم نشكر الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن، التي كان لها دور عظيم منذ سنين عديدة، كان لها الأثر السباق، وكان لها الفضل الأجل بعد الله جل وعلا في تأسيس كثيرٍ من هذه المدارس الخيرية، فجزى الله القائمين عليها خير الجزاء.

أيها الأحبة في الله: إن كثيراً من المسلمين يعتنون ببناء المساجد، ولكن المؤسف حقاً أن ترى ملايين طائلة قد بذلت وأنفقت وصرفت في بناء مسجد واحد، وما زالت مناطق أخرى يصلي الناس فيها تحت البناء البدائي من الحجر والسقف المخشب ونحو ذلك، فلو أن من قام ببناء مسجدٍ أنفق عليه هذه الملايين الطائلة قسم هذه المبالغ لكي يبني بها عدداً أكبر من المساجد لنال بذلك خيراً عظيماً، واعلموا أن أهم ما تحتاج إليه المساجد، إن كان من الجوامع أن يكون في مكانٍ محاطٍ بالفسحة والرحبات الواسعة من جوانبه، لكي يتمكن الناس أن يجتمعوا فيه، ولكي يكون أهلاً أن يجمع فيه، أما ما نراه اليوم من كثرة مساجد الجمع فهذا فيه مخالفةٌ للسنة، وإن كان الأمر قد اضطر القائمون إليه اضطراراً لعدم التقدير الدقيق، وهذا ليس راجعاً إليهم، لأن المناطق لا تعلم سلفاً من سيجتمع فيها ومن سيفترق عنها، إلا أن من الواجب أن تقلل الجوامع، وأن تكون مركزيةً، ففي كل جهةٍ وفي كل منطقة، عددٌ محدودٌ من الجوامع والمساجد حتى نعتني بتطبيق السنة في أمر الجمعة، أما ما نراه في كثيرٍ من الناس، ومطالبتهم وإصرارهم وإلحاحهم على كثيرٍ من المسئولين بأن تكون مساجدهم مساجد جمعة، فهذا ليس بسبيل، وليس هذا في طريقٍ مشروع، فالواجب أن نعتني بالسنة، وأن نجتهد في معرفة الجوامع معرفةً دقيقة، وأحكامها، وما ينبغي لها، ومواقعها، ولو كان ذلك على حساب التجميع في مساجدنا التي نعلو بها، أو التي نعتني بها، فنسأل الله أن يمن على القائمين بهذا الأمر، وأن يلتفتوا إليه التفاتاً مهماً.

أيها الأحبة في الله: إننا ينبغي أن ندرك أن عمارة المسجد بإقامة الصلاة فيها من أهم الأمور، إن كثيراً من الناس قد يعمرون مساجد لا يشهدونها، ويقيمون بيوتاً لا يصلون فيها، إن أهم عمارة للمساجد أن يجتمع الناس للصلاة فيها، وإن المساجد في هذا الزمان لتشكو إلى ربها هجر المصلين، لتشكو إلى ربها ضعف المسلمين من العناية بعمارتها، والصلاة مع الجماعة فيها، وليسأل كل واحدٍ منكم نفسه، فَسِّروا واشرحوا وعللوا؛ لماذا لا ترون صفاً مكتملاً أو صفين مكتملين في صلاة الفجر؟! أين أولئك الذين يملئون المساجد؟

هل عرج بهم إلى السماء أم خسف بهم باطن الأرض؟ أم خطفت أرواحهم في ليلةٍ واحدة؟! إنه لأمرٌ عجيب غريب والله يا عباد الله!! وما الجواب في ذلك إلا ضعف العناية بعمارة المساجد، وضوى الجهل بالفضيلة الجليلة العظيمة بالمشي إلى المساجد، حتى ولو كانت بعيدة، فإن كل خطوة إلى المسجد يخطوها العبد لترفع له بها درجة ولتحط عنه بها خطيئة.

جاء بنو سلمة يريدون أن يقتربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن دُورَهُم بعيدة شيئاً ما عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا بني سلمة! دياركم تكتب آثاركم) والتقدير: الزموا دياركم وابقوا في أماكنكم، ولا تُقرِّبوا مساكنكم؛ لأن الآثار والخطا لتشهد لمن قام بها عند الله جل وعلا يوم القيامة.

إن الأزقة والطرقات لتشهد عند الله جل وعلا: لفلان بن فلان يوم كان يعبرها متجهاً في طريقه إلى المسجد، والملائكة تشرح له جنبات الطريق، فلم هجر المساجد؟! ولم هذه الجفوة عن صلاة الفجر خاصةً في المساجد؟! اسألوا وتواصوا وتناصحوا ومروا بعضكم بالمعروف وتناهوا عن المنكر، واعمروا بيوت الله بأجَلِّ فريضةٍ من فرائض الله ألا وهي الصلاة..

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

وجوب التزين للمساجد

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلاله، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

يقول الله جل وعلا: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31].

أيها الأحبة في الله: إن كثيراً من الناس لا يعتنون بأمر الزينة عند المساجد، ولا يعتنون بالهيئة والملبس والشخصية والصفة عند المساجد، وهذا أمرٌ ينبغي ألا يتفق وألا يقع عند المسلمين، ينبغي أن نعرف للمساجد قدرها ومكانتها، لو أن واحداً أراد أن يتابع أمراً من أموره في دائرةٍ عليا من الدوائر، لتراه تطيب بأحسن طيبٍ، ولبس أحسن حلة، فالله جل وعلا أحق من تزين له، كما قال ذلك ابن عباس ، فينبغي أن نتزين لمقابلة الله، وللقاء الله سبحانه وتعالى.

ألا وإن من الأمور التي وقع فيها كثيرٌ من الناس، أن تجدهم يشهدون صلاة الفجر بثياب باليةٍ، أو بثياب خلقةٍ، أو بثيابٍ كلها من الروائح التي تؤذي المصلين والمسلمين، فهذا مما لا ينبغي، فصلاة الفجر كغيرها من سائر الصلوات ينبغي أن نستعد لها بالزينة المناسبة، وأن يجعل الإنسان ثوب الصلاة أبهى حلة، وهو ثوب مقابلة أجل حبيبٍ يحبه، لا أن يكون بيت الله أهون الأماكن في المقابلة بالنسبة له، ولا أن يكون الله هو أهون الناظرين إليه، فينبغي له أن يعتني بذلك، وأن يلبس الحلل الجميلة البهية الزاهية، لكي يشهد بها الصلاة في المسجد.

أرأيتم لو أن كل واحدٍ اعتنى بتطييب نفسه، ولبس أبهى حلةٍ من حلله يوم أن يتوجه إلى المسجد، أتجدون رائحةً خبيثة؟ أترون زيَّاً خَلِقاً؟ لا والله يا عباد الله! ثم ما الأمر إذا اجتمعت هذه الروائح العبقة العطرة الطيبة في بيتٍ من بيوت الله، ترى المصلي يتمنى أن يمكث في هذا البيت في جوٍ تملؤه الملائكة، والروائح العطرة الطيبة عبقةٌ في جنباته، أما من دخل المسجد وقد شم الروائح الكريهة والخبيثة من الدخان والعرق والأوساخ وغيرها، فكيف يحلو له أن يبقى في هذا المسجد؟ وكيف يطمئن للمكث أو الاعتكاف أو البقاء فيه؟ فينبغي أن نعتني بذلك.

ألا وإن مما تركه الناس في هذا الزمان، ترك التزين لصلاة الجمعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (غسل الجمعة واجبٌ على كل محتلم) وقال صلى الله عليه وسلم: (من غسّل واغتسل، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ومس ما تيسر من طيبه، وجلس وأنصت ولم يَلْغُ، غفر له ما كان في جمعته السابقة، أو ما كان منه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فيا عباد الله: ينبغي أن نعتني لصلاة الجمعة بمزيدٍ من النظافة، ومزيدٍ من الحلل، كان الناس في العصر القديم، بل في العصر القريب أيضاً، لا يخرجون إلى صلاة الجمعة إلا وما يسمى بالمشالح أو البشوت كلٌ يرتديها، ومن خرج إلى الجمعة ولم يرتدِ عباءته أو مشلحه نظر الناس إليه نظرة قصورٍ أو نظرة انتقاد، لأنها فريضةٌ ينبغي أن يتزيّ الناس وأن يتزينوا لها، فالتفتوا لذلك -يا عباد الله!- واعتنوا بذلك، والبسوا مشالحكم، وبشوتكم، وأبهى حللكم للحضور لصلاة الجمعة، لكي نبرز هذا اليوم الذي هو عيد الأسبوع، ولكي يرى الناس ويرى الوافدون، ويرى القادمون، ونري ربنا قبل ذلك تعظيماً منا لهذه الشعيرة العظيمة، فالتفتوا لذلك ولا تتغافلوا عنه، ولا تظنوا أن هذا الزي -وأعني به: العباءة- أو المشلح هو قصرٌ على العلماء، أو الأمراء، أو على المشايخ، بل هو زينةٌ ينبغي لكل مسلمٍ أن يتزين بها، وأن يلبسها، وأن يحضر بها ما تيسر له من المناسبات، لأنه زينة القوم في هذا الزمان، والله جل وعلا يقول: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] فالحاصل أن هذا من الأمور التي غفل عنها كثيرٌ من الناس.

وفي القديم -القريب ليس البعيد- كان النادر من لا ترى عليه عباءة، والآن تجول ببصرك في الجوامع والمساجد، لا ترى في أربعة من الصفوف أو خمسة إلا واحداً أو اثنين قد لبسوا عباءاتهم، فلم هذا البخل على هذه الفريضة الجليلة؟ وإن كل واحدٍ بحمد الله ومنّه، لا يعجزه أن يوجد في بيته هذا الزي الجميل، فالتفتوا لذلك واعتنوا به عباد الله.

الاهتمام بالمساجد مسئولية الجميع

أيها الأحبة: إن من النعم العظيمة على هذه الأمة، أن المساجد لها هيئة، ووزارةٌ، وجهةٌ مسئولة تقوم بخدماتها وحاجتها وصيانتها وتأمين كل ما يلزمها، فهذه من النعم التي تفردت بها هذه البلاد دون غيرها من كثيرٍ من الدول، فالحمد لله الذي فضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ويبقى أن يتحد الناس ويجتمعوا لمعرفة مصالح مساجدهم، فإن كان المسجد يحتاج إلى شيءٍ من التكييف طالبوا وذهبوا وراجعوا واتصلوا من أجل إثبات ذلك، لا أن يقول جماعة: هذه مسئولية الإمام، أو هذه مسئولية المؤذن، لا وألف لا. كمسجد الحي، كل واحدٍ من أفراد الحي مسئولٌ عن نظافته وزينته، وعن مرافقه وخدماته، فينبغي أن نعتني بذلك عنايةً عظيمة.

وإن من نعم الله على هذه الدولة أنك لا ترى أضرحةً ولا قبوراً ولا مزارات قرب المساجد، فهذه نعمةٌ من نعم الله جل وعلا، خلافاً لما عليه الأمر في كثيرٍ من دول العالم، حيث يندر في بعضها أن ترى مسجداً إلا وفي قبلته ضريح، أو في جنباته قبرٌ أو قبورٌ عديدة، فإنها نعمةٌ عظيمةٌ قد من الله على هذه الأمة بها، والفضل لله أولاً، ثم للشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، حيث قاموا بدعوة التوحيد التي طهرت أرجاء الجزيرة من أدران الشرك والوثنية.

أسأل الله أن يديم علينا النعمة والأمن والطمأنينة في هذه البلاد، وأن يجعل مساجدنا حيةً عطرة بحلقات الذكر ومجالس تعليم القرآن، والندوات والمحاضرات والتذكير، والنفع العام لعموم المسلمين أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك الصالحين المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان ، وانصر اللهم المجاهدين في فلسطين ، وارحم اللهم المستضعفين، اللهم ارفع الكربة عنهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، واجمع كلمتهم، وسدد رصاصهم في نحور أعدائهم يا رب العالمين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة يا رب العالمين، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، وأجدادنا وجداتنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا غائباً إلا رددته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مريضاً إلى شفيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مريضاً إلا شفيته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً.

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا، اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً غدقاً نافعاً طبقاً، مجللاً غير ضار، اللهم أسق العباد والبهائم والبلاد بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضلك، ولا تمنع عنا بمعاصينا رحمتك، اللهم إن عظمت منا الذنوب فإن الرحمة منك أعظم وأكبر يا رب العالمين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , العناية بشئون المساجد للشيخ : سعد البريك

https://audio.islamweb.net