إسلام ويب

إكمال شخصية المسلم مطلب شرعي دلت عليه الدلائل من الكتاب والسنة. وأحوال السلف الصالح، وتميزهم في ذلك واضح وجلي، لكن الواقع يشهد كثيراً من العيوب والنقائص لدى كثير من أفراد الأمة، وفي هذا الدرس بيّن الشيخ أهمية إكمال شخصية المسلم، كما تحدث عن ظاهرة ضعف الرجولة، إضافة إلى حاجة المسلم إلى التفاعل مع الواقع، مع بيان حاجة شخصية المسلم إلى العلم والعبادة والأخلاق.

إكمال الشخصية المسلمة مطلب شرعي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعــد:

إخواني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فهذه فرصة طيبة أعبر لكم فيها عن سروري بلقائكم والحديث إليكم، وأنتم في هذه المدينة أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل مجلسنا هذا مجلساً نافعاً مباركاً، وأن يجعلنا ممن يذكرهم سبحانه وتعالى فيمن عنده، وأن يجعلنا من المتواصين بالحق والصبر، وأن يجعلنا من الصابرين والشاكرين والذاكرين الله كثيراً.

أيها الإخوة: هذا الحديث إليكم عن موضوع مهم، ولعل أهميته تكمن في الحاجة إليه في هذا العصر والزمان، الذي تدعو الحاجة فيه للتملي والتريث والتمعن في هذا الموضوع، والموضوع عن تكميل الشخصية الإسلامية.

كمال الشريعة الإسلامية

الشخصية الإسلامية كاملة كما ورد في هذه الشريعة، والله سبحانه وتعالى أنزل هذا الدين كاملاً، وقال الله عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3] فقد كمل الله هذا الدين، والحمد لله أن شريعتنا شريعة كاملة.

ومن نعمة الله عز وجل علينا أننا وجدنا في هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، ودينها أتم الأديان، وشريعتها أكمل الشرائع، وشرائع الأنبياء من قبلنا بالنسبة إلى شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شرائع ناقصة، وهي بالنسبة لكل أمة من الأمم كاملة لهم، لكن شرائعهم بالنسبة إلى شرائعنا ناقصة كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وهذا هو المعنى المتضمن في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً، فأحسنها وأكملها وأجملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها، فجعل الناس يطوفون بالبنيان، ويعجبون منه، ويقولون: لو تم موضع هذه اللبنة. فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة) رواه الإمام أحمد وغيره، ورواه البخاري رحمه الله تعالى بلفظ: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة. قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين) صلى الله عليه وسلم، فصارت هذه الشريعة هي أكمل الشرائع قاطبة من وجوه كثيرة ومتعددة، وشرائع الأنبياء من قبلنا منها ما كان فيها التركيز على الحلال والحرام كشريعة موسى، ومنها من كان فيه التركيز على أعمال القلوب كشريعة عيسى، لكن هذه الشريعة كاملة مكملة من جميع الجهات، فهي في الإيمان والعبادات والأعمال والمعاملات فيها ذكر وتبيان لكل شيء، والمسلم منا مطالب أن يتشبه بهذه الشريعة في كمالها، فيكمل شخصيته مما جاءت به هذه الشريعة.

وهذا المفهوم -مفهوم التكميل والإتمام- مفهوم إسلامي وشرعي، والنبي عليه الصلاة والسلام قد قال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) فنحن إذن مطالبون بصياغة شخصياتنا على ضوء هذه الشريعة، وأن نتمم شخصياتنا من الوحي الذي جاء في هذا الدين، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو نعيم رحمه الله عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه).

تميز شخصية المسلم

الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندخل في السلم كافة، وأن نأخذ بجميع شرائع الإسلام وشعب الإسلام والإيمان، وأن نتمثل هذه الشريعة بجميع أبوابها، ولسنا مطالبين بالعلم فقط ولا بالعبادة فقط ولا بحسن الخلق فقط ولا بمعرفة الآداب والتمسك بها فقط، وإنما نحن مطالبون ومتعبدون بكل ذلك.

ينبغي أن تكون شخصية المسلم متميزة بالعلم والعبادة والخلق والأدب، وجميع هذه الأشياء موجودة متمثلة فيه، وانظر مثلاً إلى إخفاء ذكر بعض شعب الإيمان في الأحاديث، على أي شيء يدل؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواه مسلم وغيره.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز) إذا أعطيت شاة عندك لرجل ليحتلبها وينتفع بها فترة من الزمن ثم يردها إليك، هذه تسمى منيحة العنز، وهي من أنواع الصدقات ومن أبواب الخير.

(أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة) ذكر ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث نقلاً عن ابن بطال رحمه الله: ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان عالماً بالأربعين المذكورة، وإنما لم يذكرها لمعنى هو أنفع لنا من ذكرها؛ وذلك خشية أن يكون التعيين لها مزهداً في غيرها من أبواب الخير، فإذاً ما ذكرت الأربعين لكي تحرص على تلمس الأربعين فتحرص على هذا الباب من أبواب الخير، وعلى هذا النوع من أنواع الصدقة، وعلى هذا المجال من مجالات العمل الصالح، رجاء أن تدرك هذه الأربعين، وهذا يدل على أنه ينبغي عليك أن تضرب بسهم في كل واد من أودية الخير، وأن تحرص على تكميل نفسك من جميع شعب الإيمان التي هي بضع وسبعون شعبة، ذكر لنا أعلاها وأدناها وعلينا أن نبحث عن الباقي ونتلمسه في النصوص الشرعية ونعمل به.

وهذه الأربعون كذلك مع أنها ليست من الأشياء الكبيرة كالصلاة والزكاة، لكن الذي يعمل بواحدة يرجو ثوابها عند الله، يصدق بموعودها يوعد بالجنة، إذاً المسألة مهمة، وسلعة الله غالية.

كمال الشخصية في شخصيات الإسلام

إننا نجد كمال الشخصية موجوداً في شخصيات هذا الدين وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صحابته، أما كمال شخصيته عليه الصلاة والسلام فهو مشهور ومعلوم، والنصوص كثيرة فيه، كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام قائماً بأعمال الخير والبر، كيف كانت شخصيته عليه الصلاة والسلام كاملة علماً وعملاً.

وكذلك شخصيات أصحابه أخذت من هذا التمام والكمال، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه (من أصبح اليوم صائماً؟ قال أبو بكر : أنا.) لا يريد أن يبين عمله، لكن لا بد من الإجابة، ولم يقلها رياءً ومفاخرة، وإنما قالها إجابة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سأل (من عاد منكم مريضاً؟ قال أبو بكر : أنا. من تبع منكم جنازة؟ قال أبو بكر : أنا. من أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر : أنا) فإذاً هو رضي الله عنه قد كمل نفسه من خصال الخير، وأبواب الخير كثيرة.

نقص الشخصية عيب وشين

وهذا الموضوع مهم -أيها الإخوة- أن نكمل فيه شخصياتنا؛ لأن النقص عيب وشين، وإذا نظرت في الواقع فنظرت إلى بعض الناس وجدت عنده جوانب من الخير فتراه: يصلي مع الجماعة، يقرأ القرآن، يذهب للعمرة والحج، يصوم، يتصدق، لكن في جوانب المعاملة مع الخلق تجده صاحب مثالب ومعايب، وعنده نقائص، وهذا المعنى موجود في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ( أتدرون من المفلس؟ ) يسألهم عليه الصلاة والسلام، يلفت نظرهم إلى هذا الموضوع (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة -لاحظ ماذا عند الرجل، هذا الرجل عنده صلاة وصيام وزكاة، ومع ذلك يصفه عليه الصلاة والسلام بأنه مفلس، كيف يكون صاحب الصلاة والزكاة والصيام مفلساً؟!- يقول: ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا) كم خصلة نحن مشتركون فيها من هذه الخصال الذميمة؟ قد يقول البعض: ما سفكنا دماء، نقول: لكن انظر في الواقع، كم شتمنا، كم قذفنا، كم ضربنا!

فأقول -أيها الإخوة- نظرة محاسبة لأنفسنا: كم عملنا من هذه المعايب والذنوب؟ وهل سنكون يوم القيامة في عداد المفلسين؟ نسأل الله السلامة، ماذا سيحصل؟ (فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته -يعطى للمظلوم من الظالم، صاحب الصلاة والزكاة والصيام- فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه؛ أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) إذاً: النقص عيب، لا بد أن نكمل شخصياتنا لأن هذه الأشياء تورد المهالك، ويمكن أن يدخل الإنسان النار بسببها، فينبغي أن نكمل شخصياتنا.

تكامل شخصية المسلم عند السلف

إن السلف رحمهم الله لما شرحوا الدين أتوا بهذا المفهوم واضحاً في كلامهم، مأخوذاً من الكتاب والسنة والأدلة الشرعية، فما نقله الإمام ابن بطة رحمه الله تعالى في كتاب الإبانة الكبرى نقل عبارات عن بعض السلف ، فمنها في هذا الجانب قوله: " إن من أخلاق المؤمنين: قوة في الدين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وحرص في علم، وقصد في غنى، وتجمل في فاقة، ورحمة للمجهود -المتعب- وعطاءٌ في حق، ونهي عن شهوة، وكسب في حلال، وتحرج عن طمع، ونشاط في هدى، وبر في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم في الحب -لا يتجاوز- ولا يدعي ما ليس له، ولا ينابز بالألقاب، ولا يشمت بالمصاب، ولا يضر بالجار، ولا يهمز، في الصلاة متخشع، وإلى الزكاة متسرع، إن صمت لم يغمه الصمت، وإن ضحك لم يعل صوته، في الزلازل وقور، وفي الرخاء شكور، قانع بالذي له، لا يجمح به الغيظ، ولا يغلبه الشح، يخالط الناس ليعْلم أو ليعَلم، ويصمت ليسلم، وينطق ليفهم، إن كان مع الذاكرين لم يكتب مع الغافلين، وإن كان مع الغافلين كتب من الذاكرين، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له يوم القيامة ".

إذن: فهمهم لسمات الشخصية الإسلامية، لصفات الإنسان المسلم متكامل، صلاة وزكاة، وحلم وعلم، ويقين وصبر وشكر، تعلم وتعليم، وقار...، إذاً المسألة متكاملة.

آثار النقص في الشخصية

أيها الإخوة! إذا نظرنا في الواقع وفي أنفسنا وفيمن حولنا وجدنا أن النقائص الموجودة في شخصياتنا لها آثار سلبية علينا وعلى غيرنا، فمثلاً: صاحب الشخصية الناقصة نقصها سلبي عليه، فقد يكون النقص في شخصيته نقصاً في الإيمان، يسبب الوقوع في المعاصي، يسبب شقاء النفس، يسبب قلة التوفيق، وإذا كان هذا مرضاً صار مرض قسوة القلب.

النقص في الشخصية ينعكس علينا حتى في بيوتنا، لا معاشرة بالمعروف، ولا رحمة بالصبيان، ولا رفق بالبيت، والله سبحانه وتعالى إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق، فإذا وجدت البيت فيه شدة وعنت ومعاملة جافية وغليظة؛ فاسأل الله أن يرزقك خيراً وأن يمنحك الرفق، فإنه يخشى منك ألا تكون ممن أراد بهم خيراً وممن أراد الله ببيوتهم خيراً.

ثم إن النقص في شخصياتنا ينعكس أيضاً على علاقاتنا بإخواننا، النقص في الآداب يسبب البغض والقطيعة، والكره والتنافر، لا تضحية ولا إيثار، ولا سعة صدر وحسن استقبال.

ثم إنه ينعكس أيضاً على الناس عموماً، تأمل لو أن هناك إنساناً صلى في الجماعة، واجتنب بعض المحرمات، وقام ببعض الواجبات، والتزم ببعض الأشياء في ظاهر شخصيته مثل إطلاق لحيته ونحو ذلك من السنن والأشياء الواجبة، ثم صار عنده نقص في شخصيته: غلظة في التعامل، خشونة، إخلاف مواعيد، عدم صدق في الحديث... ماذا سيكون أثر هذا على العامة؟ سيلوم الناس أصحاب اللحى، ويكون هذا ظلماً للغير، وفتح باب ينقد الآخرون من خلاله أهل الخير، وقد يصبح هذا الشخص بنقائصه من الذي يصدون عن سبيل الله، نحن بنقصنا وتصرفاتنا الخاطئة نعكس صورة مشوهة عن الإسلام في أعين غير المسلمين، ونعكس صورة مشوهة لمفهوم الالتزام بالدين في أعين غير الملتزمين بالدين.

أهمية تكميل الشخصية الإسلامية

إن تكميل الشخصية الإسلامية مهم؛ لأننا من المفترض أن نرث عن الأنبياء دورهم في إصلاح المجتمع، فنذكّر الناس إذا غفلوا، ونعلمهم إذا جهلوا، ونقيم الحجة عليهم إذا عاندو، بالوسائل السلمية، وكذلك بالوسائل العملية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حاجة الوقت إلى شخصية إسلامية قائدة

وتكميل الشخصية مهم؛ لأننا في هذا الزمان نحتاج إلى شخصيات إسلامية تقود، والناس بالتدريج سئموا من قيادة الغرب الكافر، وغيرهم لا يصلحون لقيادة العالم؛ فتجد كبيرهم واقعاً في الفواحش والزنا والسرقات والاختلاسات والسكر والخمور، وهمه في اللهو واللعب، وعزف القيثارة والمعازف، فمثل هذه الشخصيات لا تصلح لقيادة العالم، وإذا كانوا قد تحكموا في الناس بالقوة والسلاح لكن قيادتهم فارغة من مضامين الخلق والأدب الحسن والعدل؛ لأن العدل لا ينتج إلا باتباع الشريعة، وإذا زالت الشريعة حل الظلم، ولذلك فقيادتهم للعالم ظالمة، وهذه الرموز التي تقود لا بد أن تفلس، بل قد أفلست، والسقوط وشيك، وبمرور الزمن سيتهيأ المجال لأن تشغل مراكز التوجيه والتأثير في العالم شخصيات أخرى، والشخصيات الإسلامية هي المرشحة للقيادة في المستقبل، فلا بد أن يوجد من الشخصيات المكملة من إذا أتيح لها المجال لمنصب أو مركز إذا تبوأته أن تؤثر وتقوم بالعدل والإحسان: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ [النحل:90] ولا بد أن يوجد الاستعداد عند المسلمين لهذا الأمر، وهذه مسألة فيها عمق، وقد يتخيل أن فيها بعداً، لكن الله غالب على أمره والله متم نوره ولو كره الكافرون.

إننا نجد في الواقع القريب، أن أصحاب الشركات والموظفين فيها يترقون، فأنت تجد أنك تترقى في سلم الوظيفة وترشح لمنصب ولوظيفة أعلى من وظيفتك الحالية، وهكذا تتدرج في المستقبل، ولو كانت شخصيتك الإسلامية صحيحة ناضجة، لصار أثرك في منصبك ومركزك ووظيفتك أثراً إيجابياً إسلامياً نافعاً مباركاً، لكن لو كنت صاحب شخصية هزيلة وناقصة، وعندك من المعايب والمثالب والمعاصي والآثام؛ فإن هذا المركز سيكون وبالاً عليك، وسيظلم الناس من تحتك ولا شك، وسيكون كلام الناس عنك -أحياناً- كلام عن الدين نفسه الذي أنت تمثله، أو عن الالتزام الذي أنت تمثله ظاهرياً.

ولذلك أقول: إن هذا الموضوع مهم من جهة المستقبل للإسلام، من جهة أن الظرف الحالك الذي نمر به يحتاج إلى شخصيات قوية كاملة تقود، اذكر أبا بكر الصديق في زمن الردة، وكيف كانت شخصيته حازمة ومهمة في الخروج بالمسلمين من ذلك المضيق، اذكر شخصية الإمام أحمد رحمه الله في المحنة لما ثبت فثبت بثباته ملايين الناس، كانوا ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد ليكتبوا ويعملوا، اذكر ابن تيمية رحمه الله لما ثبت بشخصيته المتميزة بالعلم والحلم، بما جاء على ضوء هذه الشريعة، قيظه الله عز وجل لما ثبت في زمن التتر والمتصوفة والمتكلمين والفلاسفة؛ فأنقذ الله به فئاماً من الناس.

واذكر شيخ الإسلام المجدد/ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله لما صار الشرك عاماً في أنحاء العالم الإسلامي إلا من رحم الله، حتى في هذه الجزيرة عبدت الأصنام والأوثان، واضطربت أليات نساء بني دوس حول ذي الخلصة، والذي يقرأ تاريخ دعوة الشيخ يعرف أن بعض أصنام الجاهلية الأولى أعيدت، وبنيت القباب على القبور، وطاف الناس حول الأضرحة، وعبد الموتى من دون الله، فصارت تلك الشخصية العالمة المجاهدة إنقاذاً للناس ورحمة من رب العالمين.

إذاً: الظرف الذي نعيش فيه الآن من تسلط الكفار، ومظاهر الاستسلام التي تعم العالم الإسلامي والقنوط من رحمة الله، والخزي الموجود، والاستخذاء والضعف يحتاج إلى شخصيات قوية تنقذ الموقف، وهذه الشخصيات لا يصلح أن تكون شخصيات ناقصة مهلهلة مشوهة، ينبغي أن تكون شخصيات إسلامية، والتغيير حاصل حاصل، والله سبحانه وتعالى يداول الأيام بين الناس، وكما أن الغلبة اليوم للكفار ظاهرياً يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ [غافر:29] ماذا قال مؤمن آل فرعون؟ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29] فبأس الله سيأتيهم سيأتيهم، فمن سيملأ المواقع، ومن سيخلفهم، الله سبحانه وتعالى لا يؤتي النصر الذين لم ينصروه، وإنما ينصر من نصره وجاهد في سبيله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] سيحدث التغيير وسيبرق ضوء الفجر، لكن إذا صرنا على مستوى التغيير والمواجهة والجهاد، والقيام بأمر الله سبحانه وتعالى علماً وعملاً، عند ذلك ينصرنا الله عز وجل.

الرد على من يهينون الدين وأهله

كذلك تكميل الشخصية مهم في الرد على الذين يسمون المسلمين وأهل الدين بالصفات السيئة، فيسمونهم بالتخلف والرجعية والانتهازية والإرهابية ونحو ذلك، فمن الذي يمحو هذه الصورة السيئة عن المسلمين التي يعممها أعداء الإسلام في الأرض إعلامياً؟ يعممون سمة المسلم بأنه رجعي متخلف، وأنه إنسان همجي متوحش وغرضه السلب والنهب والإغارة والإرهاب، ما الذي سيغير هذه الفكرة؟ ما هي الشخصيات التي ستغير هذه الفكرة؟ إنها الشخصيات الإسلامية التي يسعى أصحابها إلى تكميلها، وليست الشخصيات الهزيلة والمهلهلة.

وكذلك فإننا لا نريد أن نكون أولاً وأخيراً من الذين يصدون عن سبيل الله بتصرفاتنا المنحرفة، حتى عند الخادمة والسائق الموجود في البيت فكثير من الناس صدوا الخادمات عن سبيل الله، وصدوا السائقين عن سبيل الله؛ لأن الخادمة والسائق رأوا من رب البيت فسقاً ومجوناً وخلاعةً، رأوا منه ظلماً وعتواً ونفوراً ووحشيةً، ورأوا منه قهراً وإذلالاً؛ فلذلك كيف يفكر أن يسلم ويدخل في الدين وهو يرى هذا النموذج أمامه؟ كذلك الذي جاء من بلاد بعيدة مثل الهند وباكستان ليعمل وهو مسلم، ثم يجد أمامه هؤلاء الناس وفيهم هذه النقائص والمعايب والمثالب وهو يظنهم في هذا المكان عند الحرم، وفي المكان الذي هبط فيه الوحي فيظنهم أولاد الصحابة، فإذا جاء وجدهم بهذه الحالة من اتباع الهوى والشهوات والجهل.

بعض المستقدمين علموا أهل البيت أشياء يجهلونها، صحيح أن الأكثر العكس؛ لأنه يوجد عندنا من العلم ما ليس موجوداً عند الآخرين بالنسبة والكثرة، لكن الأمثلة في المقابل موجودة، فهناك خادمة مصحفها على رف المطبخ لكن صاحبة البيت كل يوم في سوق، وكل مرة في حفلة وسهرة، فماذا يعني هذا عند غير العرب من الأعاجم المستوردين؟ نحن مخاطبون بالشريعة قبلهم والذي نزل عندنا قبلهم، فنحن من المفروض أن نكون قدوة للآخرين، لكن أصبح البعض بسلبياته من العوائق التي تصد عن دين الله!

إزالة القدوات السيئة من المجتمع

كذلك فإن تكميل الشخصية الإسلامية مهم في إزالة القدوات السيئة من المجتمع؛ لأن الناس يقتدون بشخصيات المغنين والمطربين والفنانين والرياضيين ونحو ذلك، وكثير منهم فسقة ومجرمون، ولا بد من إحلال شخصيات الشهداء والصالحين والصديقين؛ حتى يقتدي الناس بهؤلاء ويتركوا أولئك، حتى يكون هناك نجوم يقتدى بها بدلاً من هذه النجوم الوهمية.

أيها الإخوة! إن المسخ الذي حصل لكثير من شخصيات الناس خصوصاً الذين سافروا إلى الخارج ورجعوا بأفكار غربية غريبة، ورجعوا بأمور مخالفة للدين والشريعة بحكم الواقع الذي ضغط عليهم أو رباهم هناك، إن هذا يجعلنا نفكر مراراً وتكراراً في قضية تكميل الشخصية الإسلامية.

ولما نقول: يا مسلم.. يا عبد الله.. كمل شخصيتك؛ نذكر شخصيات الصحابة رضي الله تعالى عنهم، الله سبحانه وتعالى قص علينا أشياء كثيرة في الكتاب وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ [مريم:56] .. وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ [مريم:16] ذكر رجالاً ونساءً، وذكرهم بصفات في شخصياتهم من القنوت والعبادة وكثرة الذكر، والحكمة، وأنه لم يكن جباراً شقياً، ولم يكن عصياً... إلى آخر تلك الصفات التي وردت لشخصيات الأنبياء.

وصحابة النبي عليه الصلاة والسلام الآخذون من تلك الشخصيات اقتدوا بهم وكملوا شخصياتهم من تلك السير، فجاءت تلك النماذج عطرة، جيدة للغاية، فأنت يا أخي المسلم! يا عبد الله! عندما تريد أن تكمل شخصيتك بمسألة العلم مثلاً، تذكر ابن عباس وابن مسعود ، وتذكر معاذ بن جبل الذي يأتي وقد سبق العلماء يوم القيامة برمية سهم، وهو أعلم الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عن معاذ ، وتذكر علم زيد بن ثابت في الفرائض، وإذا جئت في الحفظ تذكر حفظ أبي هريرة رضي الله تعالى عنه.

وإذا جئت في جانب التضحية التي لا بد أن تكمل شخصيتك بها؛ تذكر تضحية مصعب بن عمير ، الشاب الذي ترك جو النعومة والغنى والثراء والترف، وصار صاحب أطمار وأكسية بالية، مطارداً، مشرداً، غريباً في المدينة عن أهله وعن وطنه، لكنه كان من الذين فتحوا المدينة بالقرآن ولم تفتح بالسيف، وهو الذي وطد وهيئ للنبي عليه الصلاة والسلام الأجواء قبل مقدمه إلى المدينة .

وتذكر في الشجاعة حمزة ، وتذكر في الجرأة في قول الحق أبا ذر رضي الله تعالى عنه، وتذكر في تحمل المسئولية أبا دجانة الذي حمل السيف بحقه، وتذكر في الثبات خبيب بن عدي الذي ثبت حتى آخر قطرة من دمه، وتذكر في العمل للإسلام حتى آخر لحظة عمرو بن الجموح ، الذي أصر أن يطأ بعرجته في الجنة، وخرج وهو في الثمانين إلى الجهاد.

وإذا تفكرت في مسألة استخدام المنصب والمركز لخدمة الدين؛ فإنك تذكر النجاشي وتذكر سعد بن معاذ ورئاسته فيهم، وإذا جئت لجانب الإيثار تذكر سعد بن الربيع الذي طلب من أخيه المهاجري أن يختار إحدى زوجتيه فيطلقها ليتزوجها هو ويشاطره في ماله، وتذكر في الجود والبذل -وهي خصلة مهمة يجب أن تكون في شخصيتك- أبا طلحة الأنصاري لما نزل قول الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92] تبرع وتصدق بأحسن ما عنده وهو بيرحاء، بستان عظيم كان قريباً من المسجد النبوي، يدخل النبي عليه الصلاة والسلام إليه فيشرب من مائه أحياناً.

وأنت تذكر في كتم السر حذيفة ، وألا تكون مهذاراً ولا كثير كلام ولا مفشياً للأسرار، المجالس بالأمانة، وكثير من الناس عندهم هذه الخصلة الذميمة وهي إفشاء أسرار الآخرين والكلام فيما يخص الآخرين، ينبغي أن يكون مستوراً فيعلنه، وأنت تذكر في حسن العبادة أبا موسى الأشعري رضي الله عنه، الذي كان بعض الصحابة يجتمعون في الليل يسمعون صوته وهو يقوم الليل، ذلك الذي أوتي مزماراً من مزامير آل داود.

وهكذا في سائر الصفات والخصال التي من المفترض أن تكون في الشخصية الإسلامية منها: التواضع والبعد عن الظهور، شخصية أويس القرني وهو خير التابعين، وهكذا من بعدهم، نحن نقتبس وينبغي علينا أن نأخذ ونكمل شخصياتنا من سير السلف ، بالإضافة إلى الشيء الأول وهو القرآن والسنة.

نقائص وعيوب في الشخصيات (ضعف جانب الرجولة)

أيها الإخوة! يوجد في شخصياتنا نقائص وعيوب، فمن ذلك بالنسبة للرجال: ضعف جانب الرجولة، جانب الرجولة من الخصال المهمة، والله سبحانه وتعالى وصف خيرة عباده بأنهم رجال وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ [يوسف:109] والذين اتصفوا بالصفات الحميدة يصفهم سبحانه وتعالى بأنهم رجال: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108] وقال الله عن الذاكرين في المساجد؟ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:36-38] كان أحدهم إذا رفع المطرقة، فأذن المؤذن ألقاها وراء ظهره.

قال أحد السلف : كانوا يبيعون ويشترون، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده يزن للناس خفضه -خفض الميزان، ترك البيع والشراء- وأقبل إلى الصلاة.

قال عمرو بن دينار : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد، فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة، وخمروا متاعهم -يعني: غطوا المتاع- فنظر سالم إلى أمتعتهم -دكاكين مغطاة، وأكوام البضاعة مغطاة- فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد، متاعه في السوق لوحده، الناس في المسجد، فتلا هذه الآية رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37]ثم قال: هم هؤلاء.

الرجولة من أسباب الثبات

قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب:23] .. قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ [المائدة:23] .. وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى [يس:20] أنت تقرأ الآية وتتأمل وتتملى في هذا الرجل الذي وصف بالرجولة جاء يسعى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ [يس:20-21] أما في قصة موسى: وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص:20] من هو الرجل الذي يكون من صفاته الشخصية إغاثة الملهوف والسعي إلى نصرة المظلوم وإنقاذ الآخرين -الذين هم في خطر- فذهب إليه خفية مع المشوار بعيد؛ لأنه جاء من أقصى المدينة قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص:20] فإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم، وإنقاذ حياة الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، والسعي في تخليصهم وإبعاد الأذى والشرور والأخطار عنهم، هذه من صفات الرجولة التي ينبغي أن تتصف بها شخصياتنا، الرجولة التي تسبب القيام لله بالحق، وغضبة لله في أماكن المنكرات وإذا انتهكت محارم الله، فإن الرجل يغضب لله، والمرأة كذلك تغضب لله سبحانه وتعالى فتغير في مكانها.

معاني الرجولة عند الناس

مع الأسف إن كثيراً من معاني الرجولة قد فقدت بين الناس، وظن بعضهم أن الرجولة هي تطويل الشوارب وحلق اللحى، أو الأخذ بالثارات وقتل الأبرياء، وبعض الناس يظن أن الرجولة هي التدخين، وبعضهم يظن أن الرجولة هي رفع الصوت والصياح وفرض الرأي بالقوة أو البطش بالعضلات، لكن الرجولة شيء آخر، هذه قضايا ضعف ومعاصي وآثام، فالمهم أن الإسلام يحتاج إلى رجال شخصياتهم قوية، قال عمر : تمنوا. فتمنى كل واحد شيئاً، قال: لكني أتمنى ملء هذه الحجرة رجالاً أمثال أبي عبيدة ، أخوض بهم الغمار، وأحمل بهم الأمم على الإسلام، فالرجولة ليست سناً أكثر مما هي صفات وشمائل وسجايا وطباع.

وماذا نفعت الرجولة الذين قال الله فيهم: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6]؟ وكأني بهذا الدين في هذا الزمان يهتف بأبنائه: أليس منكم رجل رشيد يحملني ويقوم بأمري؟

تكميل الشخصية المسلمة بالتربية والصقل

شخصياتنا -أيها الإخوة- تحتاج إلى صقل وتربية وتكميل، وتكميلها بتربيتها، فتنظر إلى الجهل الذي في شخصيتك فتحل محله العلم، تنظر إلى القسوة والجفاف الموجود وتحل محله الإيمان والتقوى التي طريقها العبادة وممارسة الشعائر التعبدية والإقبال على الفرائض أولاً (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) وإتباع ذلك بالمستحبات والنوافل ثانياً (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) وهذا هو أشرف حديث في الأولياء، وقد رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى معلقاً في صحيحه ، وهو صحيح بمجموع طرقه.

تكميل الشخصية المسلمة بالتأثر والتفاعل مع الواقع

شخصياتنا إذا أردنا أن نكملها فينبغي أن نحرص على أن تكون هذه الشخصيات شخصيات متأثرة ومتفاعلة، والتأثر والتفاعل ميزة مهمة ينبغي أن توجد في شخصياتنا؛ لأن التفاعل مع الواقع يؤدي إلى الاستفادة والأخذ والتلقي، والتلمذة والتقبل والاقتداء، وهذا مهم في تقدم الشخصيات.

بعض الناس الآن إذا نظرنا في الواقع -وهم قلة- إذا جئته سنة بعد سنة وجدت التغير ملموساً، التقدم حاصل، إجازة بعد إجازة وجدت الرجل علمه زاد، عبادته زادت، أخلاقه ارتفعت وارتقت، وبعض الناس مثلما هو، (مكانك قف!) ما زالوا في نفس المكان، لم يتقدموا في شيء، لا علمهم زاد، ولا أخلاقهم تحسنت، ولا عبادتهم كثرت، فهم لا زالوا في نفس المستوى الذي عهدتهم فيه، كما خبرتهم، هم هم ما تغير فيهم شيء!

واعلموا -رحمكم الله- أن وجوه أهل الإيمان والعبادة تزدان وتزداد حسناً وبهاءً، ووجوه أهل الشر والمعصية تسوء وتزداد قبحاً ودمامة، وقد نص على ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه العظيم الاستقامة فقال: وأنت ترى وجوه أهل الطاعة إذا تقدموا بالسن وكبروا ازدادت نظرة وجمالاً وعليها نور، وترى أهل المعصية والشر والبدعة يكون أحدهم في مقتبل عمره شاباً وسيماً أو أمرداً جميلاً، لكن لا يزال يواقع الفواحش ويقع فيها ويزاول المنكرات أو يستمر على البدع فيقبح وجهه في الكبر، تراه قبيحاً ذميماً، مع أنك لو رأيت صورته في شبابه ومقتبل عمره؛ لوجدته ربما يكون جميل الخلقة، فهكذا الطاعة تحسن المظهر، والمعصية تشوه المظهر.

ولذلك ترى أكثر أهل البدع حالهم في القبح والدمامة معروف، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى منهم في هذا الكتاب أهل الرفض قال: هم أقبح الناس منظراً، بل أثبت في كلامه أن بعضهم قد مسخوا قردة وخنازير، فقد مسخ الله اليهود قردة وخنازير من آثار المعاصي، وقبح حتى صورهم الظاهرة، ومسخهم في أسوء البهائم منظراً: قردة وخنازير.

نحن نحتاج -كما قلت- إلى قضية التأثر والتفاعل حتى نتقدم، يا أخي! عائشة رضي الله عنها لما حاضت في الحج تأثرت، تظن أنه الأجر فاتها حتى بكت، ودخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، وسألها فأخبرته أنها حاضت، فقال: (إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، إن حيضتك ليست بيدك) والآن تجد الكثير من الناس يظنون أن الحيض يمنع الإحرام، يقولون: وصلنا الميقات وما أحرمت المرأة التي معنا.. لماذا يا عباد الله؟ قال: لأنها حائض، لكن الحيض لا يمنع الإحرام.

وكثير من العامة يظنون أن عقد النكاح في الحيض لا يصلح، ولذلك يقولون: هل يجوز أن تعقد وعليها العادة الشهرية؟ نقول: نعم، وما المانع؟ الله سبحانه وتعالى حرم الوطء لكن ما حرم العقد، حرم الوطء في الحيض ولم يحرم العقد.

على أية حال تأثرت عائشة رضي الله عنها لهذا، انظر الآن تأثرت بأمر ليس بيدها وليس بتقصير منها، لكن انظر الآن إلى هذه الشخصيات الموجودة في المجتمع، تخرج أوقات العبادات وتفوت مواسم الخيرات، وتذهب فرصة ثمينة للأجر ولا تجد في نفوسهم تأثراً أو ندماً أبداً، مع أن التفريط منهم وما هم مثل عائشة، تلك رضي الله عنها تأثرت وبكت على شيء ليس بيدها، وهؤلاء لا يتأثرون ولا يبكون على تفريط وتضييع واضح مع أن الفرص بأيديهم.

وكذلك الإنسان إذا كانت شخصيته فيها تأثر وتفاعل إذا نبه للخطأ، إذا علم أنه أثم يستحي من الله، يرجع لأن عنده تأثراً، يتفاعل مع الكلام، يتأثر بالنصيحة، بالتوجيه، بالإنكار، لكن الناس إحساساتهم متبلدة، هذا أسامة بن زيد ، ذهب يجاهد ويقاتل بسيفه مع صغر سنه رضي الله تعالى عنه، أدرك رجلاً من الكفار، فرفع عليه السيف، فقال الرجل: لا إله إلا الله، لكن أسامة طعنه، فشعر بشيء من الحرج، وحاك في نفسه شيء، ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقص عليه القصة، فقال له: (قال: لا إله إلا الله وقتلته؟ قلت: يا رسول الله! إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ فما زال يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ) أي: لأن الإسلام يجب ما قبله، قال: تمنيت أنني دخلت الإسلام بعد الحادثة.

قال له في رواية: (فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قلت: يا رسول الله! استغفر لي. قال: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟ قال: فجعل لا يزيد على أن يقول: فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟) .

هذا رجل خارج في الجهاد ظن أن فعله صحيح، هذا رجل كافر أنكى بالمسلمين، فرفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله. وبعض الناس الآن إذا عاتبته على منكر واضح لم يفعله باجتهاد خاطئ.. لا، وإنما منكر واضح جلي، حكمه وفتاوى العلماء معروفة عنده، لكن تجد أنه لا يتحرك فيه شيء ولا يتأثر، بل قد يستهزئ، وعلى أحسن الأحوال يأتيك باعتذارات باردة أو يقول لك: هذا ليس شأنك هذا هو حالهم إذا أنكرت عليهم منكراً الآن.

فنقول: إن شخصياتنا يجب أن تكون متأثرة، جانب الاستقبال فيها قوي حتى نتقدم ونتفاعل، النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه قوم من الأعراب مجتابي النمار، مقطعة ثيابهم، ورأى ما بهم من الفاقة والفقر المدقع؛ تأثر صلى الله عليه وسلم وحزن وقام خطيباً بالناس، وأمر بلالاً فأذن وجمع الناس، ثم أمرهم بالصدقة وحثهم عليها، فجاء الناس بصدقاتهم، منهم من جاء بصرة كادت يداه أن تعجز عنها، بل قد عجزت، ومنهم من جاء بما عنده حتى أن بعض الصحابة قالوا: كنا نحامل، أي: يذهبون إلى السوق يشتغلون حمالين -كما ثبت في الحديث الصحيح- واحد ما عنده صدقة، ما عنده مال، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (تصدقوا) أمرهم بالصدقة، وهذا ما عنده مال، من أين يأتي بالمال؟ وهو لا يريد أن يفوت الأجر، يريد أن يتصدق وأن يلبي رغبة النبي عليه الصلاة والسلام وطلبه، فيذهب إلى السوق ويشتغل حمالاً ويأخذ الأجرة ويتصدق منها أو يتصدق بها..!

فكان عندهم تأثر لو نصحوا، لو قيل لهم: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، انفروا خفافاً وثقالاً للجهاد في سبيل الله؛ لرأيت الاستجابة حاصلة، لكن نحن المشكلة في شخصياتنا أن جانب التأثر والتفاعل ضعيف، وعليه فالاستقبال ضعيف، فمهما جاءت موجات النصائح والإنكار والتعليم لا تجد أثراً، أو أن الأثر ضعيف والموجة مشوشة، فلا نعمل إلا شيئاً يسيراً، وقد نبخل بالأموال مع أن أحدنا إذا أحيل إلى التقاعد، وصار يأخذ راتباً أقل مما كان يأخذه وهو على رأس العمل، أو فصل من وظيفته أو استغني عن خدماته وذهب إلى وظيفة ثانية راتبها أقل؛ يصير مهموماً وحزيناً، ولا بد أن يعمل عملاً آخر.. لماذا؟ قال: لا أريد زوجتي وأولادي يعلمون أن هناك تغيراً في المستوى المعيشي. أجل.. والفقراء والمسلمون والمجاهدون والمنكوبون الذين ليس عندهم مستوى معيشي أصلاً ما هو دورك بالنسبة لهم؟

هذا مستعد أن يعمل عملاً ثانياً وثالثاً، وإضافياً، يفتح مؤسسة ويشتغل من أجل ألا يتغير المستوى المعيشي، هو أصلاً ما ربى أهله على الزهد؛ ولذلك لما اختلف المستوى المعيشي صار عنده نكبة في البيت ومصيبة، وقامت الزوجة والأولاد عليه من جميع الجهات، كيف تخرج الولد من مدرسة خاصة وتدخله مدرسة حكومية؟

كيف تأتي لنا بسلعة من كذا وكذا وأين الذي كنت تأتي به من قبل؟

كيف نشتري تايوانياً وكنا نشتري أمريكياً؟ كيف نفعل... فالآن طبعاً الخطأ منه أصلاً؛ لأنه ما عودهم على شيء دنيوي ولا رباهم على الزهد، ولذلك لما تغيرت الأحوال صار هناك ضائقة ومشكلة.

على أية حال أنا أقول: نحن في الأمور الدنيوية نعطي لأنفسنا أحسن الأشياء، ونأكل في أفخر المطاعم، ونطبخ الولائم في المطاعم، نفعل أشياء، نشتري، نبذخ على أنفسنا، لكن إذا دعا داعي الصدقة لغيرنا من المسلمين؛ رأيت الإمساك والشح!

معاوية بن الحكم السلمي صحابي جليل، كان في البادية، وجاء ليتعلم عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقص عليه قصة، قال:

(يا رسول الله! كانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية -موضع بقرب المدينة - فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون -أغضب- لكنني صككتها صكة- رأيت الشاة نقصت من الغنم؛ فضربت الجارية- فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال: ائتني بها، فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة).

هذا الصحابي تأثر لما لامه الرسول عليه الصلاة والسلام على ضرب الجارية، والناس اليوم يضربون الخدم. يحدثني أحد الأطباء في مستشفى من المستشفيات يقول: يا شيخ! تكلموا في خطبة الجمعة، انصحوا الناس إن عندنا حالات محزنة، خادمات تأتينا فيها كسور، وهذه فيها جروح، والتي تأتي وقد أوشكت على الموت والهلاك مما يفتري بها رب البيت، يعني في الإذلال والإهانة والضرب.

فالشاهد -أيها الإخوة- أن هذا الصحابي الجليل تأثر، واليوم نحن نعتدي ونقسو ونفعل ونفعل، ذلك بلا شك لخلل في شخصياتنا.

تكميل الشخصية المسلمة بالعلم والعبادة والأخلاق

الشخصية الإسلامية تكميلها -كما قلنا- بالعلم والعبادة والأخلاق والآداب، والعلم كثير، وعلى رأسه العلم بالله وأسمائه وصفاته وتوحيده سبحانه وتعالى، العلم بالإيمان، العلم كيف نعبد الله؟ إذا عرفنا الله بالتوحيد فكيف نعبده؟ فنحتاج إلى تعلم الفقه، فإذا أردنا بعد ذلك أن نعامل الخلق فنحتاج إلى معرفة أحكام البيوع، ومن اغتنى احتاج إلى معرفة أحكام النكاح؛ لأنه سيتزوج.

ولذلك العلماء لما رتبوا أبواب الفقه؛ رتبوها ترتيباً موضوعياً فبدءوها بالإيمان والعقيدة، ثم قالوا: إذا عرف الله؛ يحتاج أن يعرف كيف يعبده، فوضعوا كتاب الصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم قالوا: إذا عرف العبادات؛ يحتاج أن يعرف المعاملات، فوضعوا البيوع، ثم قالوا: إذا اغتنى من البيوع؛ إنه يحتاج أن ينكح؛ فوضعوا النكاح بعد البيوع، ثم قالوا: إذا نكح؛ فإنه ربما يطغى ويضرب ويقتل ويجرح؛ فوضعوا كتاب القصاص والحدود والشهادات وما يتبع ذلك.

فالمهم شخصياتنا فيها جهل وتحتاج إلى تكميل بالعلم، فيها قسوة تحتاج إلى أن نهذبها بالعبادات، وفيها اعوجاجات تحتاج إلى تقويم بالأخلاق الحسنة، والآداب في التعامل مع الناس، فإذا كملت الشخصية وصارت شخصية لها هيبة، وهذه الهيبة ضرورية في الدعوة وإنكار المنكر، جاء في صحيح مسلم عن سعيد بن جبير قال: (مر ابن عمر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم) يعني: كل سهم خطأ يعطوه لصاحب الطير، طبعاً لا يجوز اتخاذ شيء فيه روح غرضاً وهدفاً (فلما رأوا ابن عمر قادماً تفرقوا، فقال ابن عمر : من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً) .

فالآن شخصية ابن عمر المتكاملة بالعلم والعبادة والدين والأخلاق صار لها هيبة، أي أن تكميل الشخصية يسبب هيبة، هذه الهيبة مهمة في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والموضوع سيطول بنا إذا جلسنا نتكلم في تكميل الشخصية الإسلامية، وقد سبق محاضرة بعنوان "وسائل تكوين الشخصية الإسلامية" تكمل هذا الموضوع.

جوانب يغفل عنها بعض الناس

بعض الناس كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ينتهون عن المحرمات لكن يفرطون في الواجبات، يقول: ما يزني ولا يأكل الربا ولا يشرب الخمر ولا ولا.. ولكن هناك واجبات مثل صلة الرحم، وحقوق الجار مفرط فيها، هذه من النقائص الموجودة في كثير من الشخصيات، حتى أن بعض المحسوبين على الالتزام تجده لا ينظر إلى النساء، لا يشاهد الأفلام، لا يسمع الأغاني، لا يسبل الثياب، فهو في المحظورات عنده شيء من الاهتمام، لكن في الواجبات مثل صلة الرحم، وبر الوالدين، وحقوق الأخوة، هناك تفريط واضح.

ولذلك أقول: ليس تكميل الشخصية فقط في مسألة الامتناع عن المحظورات وأخذ النقاط القوية، بعض الناس يظن أنه لا بد أن تكون الشخصية فيها نقاط قوة، فيظن أن الرحمة والشفقة والرقة واللين ليست من ضمن نقاط القوة في الشخصية الإسلامية، مع أنها في الحقيقة من ضمن نقاط القوة العظيمة في الشخصية الإسلامية، ولنأخذ عدداً من الأمثلة نختم بها الموضوع، وهذه أشياء نقلها ابن رجب رحمه الله في كتابه العظيم جامع العلوم والحكم : كان عند العرب الأوائل عيب على المرأة أن تحلب الشاة، وكان يستقبحون ذلك، ويحلبها الرجل، وإذا غاب الرجل الزوج أو الأب يحلب لهم الجار، فكان أبو بكر الصديق يحلب لأهل الحي أغنامهم، فلما استخلف وصار أمير المؤمنين قالت جارية منهم -يعني من نساء الحي- بعد أن صار أبو بكر خليفة: الآن لا يحلبها.

تقول: لقد صار قائد الدولة وأمير المؤمنين يسير الجيوش ويتحمل المسئوليات هل يلتفت إلى غنمنا ويحلبها؟ الآن لا يحلبها، فسمع بذلك أبو بكر رضي الله عنه فقال: بلى، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله.

وكان عمر رضي الله عنه يتعاهد الأرامل، فيسقي لهن الماء بالليل، رآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل طلحة إلى بيت هذه المرأة نهاراً، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة، فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندك؟ قالت: هذا له منذ كذا وكذا يتعاهدني، يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى..!

صار الواحد الآن إذا وجد أباه أو أمه أو جده مشلولاً لا يزيل عنه الأذى؟ وهذا عمر رضي الله عنه يزيل الأذى عن امرأة عجوز مقعدة عمياء ويأتي لها بما يصلحها، فقال طلحة لنفسه: [ثكلتك أمك يا طلحة ! عثرات عمر تتبع!!] .

وكان أبو وائل رحمه الله يطوف على نساء الحي وعجائزهم كل يوم، فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.

وقال مجاهد: [صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني] فقضية الرفق والشفقة واللين وخدمة الآخرين بعض الناس يغفلون عنها، ويظنونها ليست من نقاط القوة في الشخصيات، وبالعكس فإنها من نقاط القوة العظيمة في الشخصية.

السلام على الصبيان، في البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.

فأين هذه الشخصيات التي فيها هذا الجانب المتكامل في العلم والعبادة والأخلاق والآداب، وحتى جوانب الرفق واللين والعطف والشفقة والرحمة بالصبيان موجودة؟

فإذاً -أيها الإخوة- هذه الشخصية الإسلامية تحتاج إلى تكميل، وقد ذكرنا أهمية الموضوع وبعض الجوانب التي نحتاجها لتكميل شخصياتنا، واستعرضنا بعض قصص السلف في الموضوع، والجوانب المشرقة في ذلك التاريخ العظيم الذي جله مشرق ونور وضاء، منارات يهتدي بها الخلف من تاريخ وشخصيات السلف .

إن الواقع الموجود الآن -واقع المسلمين- يحتاج في بعض الجوانب والأحوال إلى تخصص، أي: كثرت الثغرات، من جهة العلم هناك نقص في العلم، يحتاج هذا النقص إلى شخصيات تتفرغ للعلم، من جهة الإغاثة هناك حاجة ماسة للإغاثة لدرجة أنها تستدعي تخصص أناس في هذا الجانب، في قضايا الجهاد الحاجة تستدعي لتخصص أناس في هذا الجانب، حتى مساعدة الشباب في الزواج على النساء الخيرات يحتاج إلى تخصص أناس في هذا الجانب، البحث عن عوائل فقيرة، وإنكار المنكر... الخ، والسؤال هو: هل التخصص الذي يفرضه وتدعو إليه الحكمة يتنافى مع التكامل المطلوب؟

طبعاً الجواب: لا يتنافى، والسبب: أن المسلم ينبغي أن يكون عنده حد أدنى في كل شيء، فمثلاً: ما يمكن واحد أن يقول: أنا ما علي من العلم، سأشتغل بالإغاثة أو الجهاد أو مساعدة الفقراء .. خطأ، يجب أن يكون هناك حد أدنى من العلم وهو ما تصح به عباداتك ومعاملاتك، إذا أردت أن تنكح فإنك تحتاج إلى أن تعرف أحكام النكاح، وإذا أردت أن تبيع؛ ينبغي أن تعرف أحكام البيوع، أما الصلاة فلا بد أن تعرف أحكام الصلاة والطهارة والزكاة، هذه أشياء فيها ممارسة دائمة، وإن كنت قادراً وكان عندك مال؛ تحتاج أن تعرف أحكام الحج، هناك أشياء لا بد أن تعرفها الآن، وهناك أشياء يمكن أن تعرفها في المستقبل إذا احتجت إليها، إذا أردت أن تنكح، إذا أردت أن تطلق، إذا أردت أن تبيع، فتوفر الحد الأدنى في كل جانب مهم، وبذلك تبقى الشخصية الإسلامية في نوع من التكامل، لا يقول أحدنا: أنا أطلب العلم وما علي من الصدقات ولن أتبرع بشيء. نقول: هذا الذي تقوله خطأ واعوجاج، أين إخراج الشح من نفسك ببذل الصدقات، صحيح أنك لا تذهب للعوائل وتبحث عنها وتوصل الأشياء بنفسك، لكن قدم.

فإذاً: وجود الحد الأدنى يبقي التكامل مع وجود التخصص المطلوب.

ثانياً: لا بد أن نقر بالجوانب الأخرى، يعني صاحب التخصص يقر بالحاجة إلى الأشياء الأخرى، ولا يقول: أنا مجالي فقط ومجال غيري ليس مهماً، لا. كل واحد يبدع في مجاله بحسب إمكاناته وقدراته التي أعطاها الله إياه، وكذلك يشارك بما يستطيع في الجوانب الأخرى، فمثلاً: المشتغل بالجهاد أو غيره قد توجد لديه أوقات للتعلم فهل يقول: ما دام ليس هناك قتال، فأنا لا أتعلم لأنه ليس من اختصاصي ولا هو من شئوني، هذا شغل العلماءـ لا. هذا خطأ وانحراف، فنقول: أنت يا صاحب التخصص! ينبغي عليك أن تشتغل في المجالات الأخرى ما دام عندك إمكانية، وما دامت الفرصة متاحة لك، وبذلك نحافظ على أكبر قدر من التكامل المطلوب مع الاختصاص المطلوب.

الأسئلة

علاج الشخصيات الهزلية

السؤال: أنا شاب عرف عني الهزل بين الشباب، فما جلست مجلساً إلا ابتليت بداء التعليق، وقد حاولت جاهداً أن أزيلها ولكني وجدت أن الأمر أصبح عادة ولا أستطيع تركها فأرشدني؟

الجواب: الشخصيات الهزلية دليل على خلل في الشخصية، وهذه الطبيعة لها أسباب منها: أن يكون قد نشأ على ذلك في بيته وأهله، فهم كلهم هزليون ، وكل مسألة فيها ضحك ونكت، وما هي آخر نكتة؟ إضافة إلى تربية المدارس والفصول والطلاب مع بعضهم البعض، والناس في الدوائر والوظائف فتجدهم يبحثون عن آخر نكتة، فهذا مما يربي الهزل، وكذلك بعض النفوس -لهذه الشخصيات- عندها قدرة على إضحاك الآخرين، فبعض الشباب -مع الأسف- بدلاً من أن يساعدوا أخاهم الهزلي على أن يتخلص من هزليته، يجعلون الفرصة متاحة له أن يكمل فيها هزليته أكثر؛ ولذلك كلما جاء بحركة ضحكوا، كلما جاء بنكتة ضحكوا، وكلما جاء بتعليق أغرقوا في الضحك، فيحس أن له قبولاً بينهم، ولذلك فهو يكثر منها، ثم إن بعضهم قد يقصده للضحك، يذهب إليه يقول له: ما عندك آخر شيء وآخر كذا، وهذا من هنا ينغز، وهذا من هنا، أي: يجعلون فيه مداخل من أجل استجلاب ما عنده من الحركات المضحكة والكلام المضحك، وهذا من خطأ الذين حوله، فهناك مسئولية ملقاة عليه وهي:

أولاً: ألا يكذب؛ لأنه ويل لمضحك القوم (ويل لمن يكذب ليضحك به القوم) .

وثانياً: ألا يتخذ الإضحاك نفسه ميزته وأن يكون مضحك القوم، فهذه ميزة سخيفة وليست في الحقيقة تقضي على كل جانب جدي في شخصيته، وكيف يتقبل الناس منه علماً حتى يقول: واحد هذا إذا نصحني، والله ما أدري هذا فعلاً سامعها من شيخ أو هذه من ألاعيبه؛ بسبب أنه تكونت عنه فكرة أنه شخصية هزلية.

فإذاً لا يكذب ولا يجعل وظيفته مضحكة قوم.

ثالثاً: أنه لا يقهقه أو يأتي بما يجعل الآخرين يكثرون الضحك فيجعل قلوبهم ميتة؛ لأن كثرة الضحك تميت القلب، وعليه أن يجاهد نفسه ويكون جاداً، ويتجنب أن يتصدر المجالس ويتكلم، وما دام أنه لن يقول خيراً ولكن سيضحك الناس فليسكت، وعلى إخوانه ممن حوله أن يساعدوه على التخلص من هذا، ولا أقصد -طبعاً- أن يصل من مرحلة الهزل والضحك إلى مرحلة العبوس، والجمود والتكشير، وإن كان التكشير صار الآن مفهومه بعكس المعنى "إنا نكشر في وجوه أقوام" أي: يتبسم.

على أية حال لا نريد هذه النقلة المعيبة لكن نريد الاعتدال.

دعائم الشخصية الإسلامية في هذا العصر

السؤال: ما هي دعائم الشخصية الإسلامية في هذا العصر الذي صارت الأمة فيه مهزومة ويذبحون ذبح النعاج؟

الجواب: أولاً: قضية الوعي لا بد أن تكون متوفرة في الشخصية الإسلامية، وكذلك معرفة ما يدور وما يحاك.

ثانياً: قضية العزة، لا بد أن تكون الشخصية الإسلامية عزيزة، لا تلين لأهل الكفر، ولا تخنع وتذل لأهل بدعة أو تلاطف وتجامل على حساب الدين، لا بد أن يكون هناك عزة، قضية الولاء والبراء من المفاهيم العقدية التي تصون الشخصية الإسلامية وتجعل الإنسان داعية بشخصيته وبأفعاله.

أسباب الملل والكسل السريع

السؤال: كثير من الناس يسعى لتكميل شخصيته؛ لكن ما يلبث أن يدب فيه الملل والكسل؟

الجواب: من الأسباب: أنه هجم هجمة واحدة قوية أكثر مما يتحمله بدون فترات راحة وتخفيف، وإنما أخذها شدة واحدة، فهو في هذه الحالة سينقطع به الطريق؛ لأنه حمل نفسه أشياء لا تطيقها، فالنفس تتحمل يوماً أو يومين، أسبوعاً أو أسبوعين، شهراً أو شهرين ثم تمل النفس، ولذلك لو أن واحداً لا يقوم الليل أبداً وأراد أن يقوم الليل من هذه الليلة، فأحسن شيء أن يصلي إحدى عشرة ركعة، وبالنسبة للقرآن الصحابة كانوا يختمونه في أسبوع، فيقول: أنا سأنهيه في أسبوع، ممكن أن يكون مع الحماس والكلام الذي سمعه في الموضوع أو قرأ في الفضائل أن يفعل ذلك في الليلة الأولى، لكن هل تتحمل نفسه هذا؟ لا تتحمل نفسه، ولا تطيق ذلك.

أو يقول: ما هو أفضل الصيام؟ صيام داود، أصوم يوماً وأفطر يوماً، من غد أصوم يوماً وأفطر يوماً، هو ما تعود على الصيام، يريد أن ينتقل إلى هذه المرحلة مباشرة، طبعاً نحن لا نريد أن نميت الهمم ونقول: يا فلان! إن كنت تستطيع أن تفعل فلا تفعل.. لا. المستطيع يفعل، النبي عليه الصلاة والسلام قال لـعبد الله بن عمرو بن العاص : (فإنك إن فعلت ذلك؛ نفهت نفسك) تعبت عينك، ونفهت نفسك، أي: كلت وملت. ولكن يرفق ما دمنا في النوافل، أما الواجبات فليس فيها تنازل أبداً ولا تساهل ولا شيء اسمه تدرج بمعنى: أول شيء نصلي العشاء في المسجد وبعد ذلك نصلي المغرب ثم نصلي العصر ثم نصلي الفجر في الخطة الخمسية إن شاء الله، هذا الكلام لا يصلح، هذه واجبات لا بد من اليوم أن يقوم الإنسان بها، نحن نتكلم عن النوافل ونقول: يرفق الشخص بنفسه ويتدرج.

حكم طاعة الكافر في مجال العمل

السؤال: هل يجب على الإنسان المسلم طاعة الرجل الكافر في مجال العمل؟

الجواب: نقول: يجوز ذلك إذا كان في مجال العمل، وليس له علاقة في التنازل عن الدين، افرض أنك ابتليت برئيس كافر فقال لك مثلاً: اضغط الزر، اكتب هذا التقرير، احضر اجتماع العمل.

كذلك ليس هناك ارتكاب لمحرم، مثل أن يقول لك: احضر اجتماعاً مختلطاً أو اسمع هذا المقطع الموسيقي، أو مثلاً اكتب هذا الشيء الذي فيه ضرر بالناس أو المسلمين، ففي هذه الحالة يكون هذا حراماً.

نعم أن تسعى لأن تكون أحسن منه أو تكون أنت في مكانه هذا مهم، لكن إلى ذلك الوقت؛ فإن التعامل معهم في حدود العمل المباح جائز .

حكم الإعجاب بالكفار

السؤال: بعض الناس أصيبوا بالمسخ في الشخصيات نتيجة الإعجاب بالكفار؟

الجواب: صحيح أن بعض شبابنا صار معجباً بالكفار والفسقة، والناس يعجبون بهم، لأنه ليس هناك قدوات بارزة في الساحة، ثم الناس أنفسهم شخصياتهم هزيلة، فصار كل فاسق يعجب به، يسهل عليهم أن ينخدعوا بالفاسق والماجن والمطرب مع أنه إنسان تافه، حتى لو قرأت كلامه أو سيرته الذاتية لوجدته فاشلاً، لماذا دخل الفن والموسيقى لأنه فاشل، لا يستطيع أن يدخل الطب ولا الهندسة ولا العلوم ولا الصيدلة ولا كذا، فاتجه إلى معهد الفن والموسيقى، فصارت حركاتهم ترفع وكلامهم يعرض، فصار الناس لهزالة شخصياتهم يتبعون ذلك.

ثم إني قلت: إن كثيراً من الناس الذين سافروا إلى الخارج والبعثات مسخوا مسخاً، وصاروا خلقاً آخر.

أحدهم ذهب إلى ألمانيا وعاش هناك وتزوج ألمانية، ثم جاء أهله ليزوروه -أمه وأبوه- في ألمانيا بعد سنين طويلة، فقالت له زوجته: اسمع، إذا جلسنا مع بعض؛ فممنوع تتكلم مع أهلك بالعربي، تكلم بالألماني، تسمع أو لا؟ -طبعاً هي قالتها بالألماني تسمع أو لا- فلما حضروا، جاء واستقبلهم في البيت بالألماني، وجلس يحييهم بالألماني، وكان هناك واحد يترجم؛ لأنه مسكين، شخصيته هزيلة ومهزوزة أمام هذه المرأة الكافرة التي تسلطت عليه، فصار المجلس من أضحك ما يكون، هذا يتكلم بالألماني وقريبه يترجم، ثم يرد عليه الأب والأم بالعربي ويترجم المترجم.. هذا من الأمثلة.

وبعضهم يذهب ثم بعد سنوات يرجع فيقول له الناس: هاه يا فلان! أين صلاة الفجر، الصيام، السحور؟ يقول: لا، أنتم ما عرفتم أن هذا يضعف الخلايا، نحن عرفنا أشياء، هذا الصيام يعمل كذا وكذا، فنقول: صار المسخ في العبادات وكذلك في اللغة، فتراهم يستخدمون لغة الكفار حتى في محادثاتهم الشخصية، لا يوجد كافر في مجلس، فتجد اثنين من الشباب جالسين في المكتب يرطنون بلغة الأعاجم.. لماذا؟ ما هي المصلحة؟ ما هي الحاجة؟

وكثير منهم يلبس عليه بقضية دعوة الكفار، يقول: لا بد أن نطور لغتنا ونحسن، سأسمع إذاعة كذا وأسمع كذا، وأقرأ آخر كورس لغة، وأقرأ في كتب، وليس هناك شيء من الدعوة.

بعض الناس والله من إخلاصهم ربما يسلم ناس على أيديهم وهم لا يعرفون لغة القوم، لكنه جاء بهذا الكافر إلى إمام المسجد أو على شخص يعرف لغة، أو على مركز توعية الجاليات مع أنه لا يعرف لغة هذا، لكن من إخلاصه أسلم ناس، فهو بلغة الإشارات والكلمات التي يعرفها تسبب في إسلام ناس، وهذا الأخ الذي جاء هنا جالس يقول: أتعلم لغتهم وأسافر إلى الخارج وأتحدث مع الكفار. يقول: لأن هذه الأشياء "الأكسنت" ما اسمها؟ هل هي هكذا أو لا؟ عندما يقولون اللغة، لا بد أن نكتسبها. لماذا يا أخي؟ هم يتكلمون بالعربي معنا؟ وإذا تكلموا يتكلموا الفصحى؟ لماذا نحن لا بد أن نتعلم اللكنة ونتكلم مثلهم؟

فالمهم أنا أقول: إنها من جوانب مسخ الشخصية الحاصلة.

معاملة الكفار بالحسنى والتضييق عليهم

السؤال: كيف نجمع بين قول النبي عليه الصلاة والسلام: فاضطروهم إلى أضيقه، وبين معاملتهم بالحسنى؟

الجواب: طبعاً هذا يشير إلى حديث (فاضطروهم إلى أضيقه) يعني: إذا مشيت أنت وهو في الطريق، ولا تقول للكافر: تفضل.. أنت تدخل قبلي أو اخرج قبلي أو يقدم له شيئاً، لا، أنت لا تقدمه في شيء، يقول: كيف نجمع بين هذا وبين معاملتهم بالأخلاق الحسنة؟

نقول: أولاً: إذا كنا نريد أن نعاملهم بالأخلاق الحسنة؛ لا بد أن يكونوا من غير المعادين لنا والمحاربين في الدين لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة:8] فإذاً الإحسان إليهم ومعاملتهم بالحسنى عندما لا يكون محارباً لنا في الدين.

ثانياً: لا ينبني على ذلك إذلال للمسلم؛ لأن بعض الناس يجعل الإحسان في المعاملة إذلالاً له، يصبح ذلاً للإسلام، يذل الدين في عين الكافر بسبب هذه المعاملة، ليست معاملة بالحسنى.

ثالثاً: أن تعامله بالحسنى في مجال الدعوة؛ لتكسب قلبه، لكن أن تقول: أزوره في بيته، وأحضر معه في مناسباته حتى أكسب قلبه، هذا شيء خاطئ إذا كنت تظن أن هذه المعصية ستؤدي إلى طاعة وهي دعوة، يجب أن تكون وسيلتك في الدعوة شرعية كلين الكلام، تبسمك في وجهه صحيح، وتقديم الحجج والبراهين والمنطق في الكلام الشرعي طبعاً هذا مطلوب. ثم إكرامه بوليمة أو شيء تدعوه إليه لتكسب قلبه نعم، لكن بعض الناس يفعلون ذلك دون أن يكون له قصد في الدعوة، يا أخي بدل أن تدعو هذا الكافر وتعمل له وليمة انظر إلى إخوانك المسلمين الذين يحتاجون إلى كل قرش فما بالك ترغب عنهم لتعطي ذاك؟

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كمِّل شخصيتك للشيخ : محمد المنجد

https://audio.islamweb.net