إسلام ويب

منح الله الإنسان الكثير من النعم، وجعلها متفاوتة في الفائدة، ولكن من أعظم نعم الله على الإنسان نعمة السمع؛ لأن بها يعلم خطاب الشرع له فيعمل به، فالسمع أعم وأشمل من غيره من الحواس؛ لذا عاب الله على الكفار أن سمعوا الله ولم يفهموا ويدركوا مراده. وقد رتب الله في شرعه الكثير من الأحكام على السمع، وجعل لصاحبه آداباً يسير على نهجها، وأوجب عليه سماع ما يجب ونهاه عن كل ما لا يحبه ولا يرضاه.

قيمة حاسة السمع بالنسبة لحياة الإنسان

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

عباد الله! إن نعم الله علينا كثيرةٌ متعددةٌ، وإذا تأملنا في أنفسنا؛ وجدنا لله تعالى نعماً عظيمةً: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ومن هذه النعم: نعمة السمع التي وهبنا الله إياها كقوة ندرك بها الأصوات، وهذه النعمة من أهم حواس الإنسان وأشرفها حتى من البصر؛ لأن بها يدرك المكلف خطاب الشارع -الذي به التكليف- من سائر الجهات، كما يدرك غيره من سائر الجهات وفي كل الأحوال، بخلاف البصر الذي يتوقف الإدراك به على الجهة المقابلة، قال الله تعالى مذكراً إيانا بهذه النعمة، ومذكراً إيانا بالمسئولية عنها: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

وهذه النعمة العظيمة لفائدتها أجمع أهل العلم على أن فيها الدية، فإذا أذهب شخصٌ سمع آخر خطأً، فعليه الدين كاملة، وعمداً عليه القصاص.

ولأجل فائدتها وعظمها، اشترط أهل العلم في المناصب العامة كالإمامة والقضاء أن يكون سميعاً، وهي أكبر مدخل إلى القلب، ومن يفقد السمع أسوأ حالاً من الذي يفقد البصر، ولذلك فإن عقله يضعف جداً في الغالب، فلا تكاد تجد أصم إلا وفي عقله شيء بخلاف الأعمى.

وهو طريق من طرق اكتساب العلم، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "المدرك بحاسة السمع أعم وأشمل من غيرها من الحواس، فللسمع العموم والشمول والإحاطة بالموجود والمعدوم والحاضر والغائب، والحسي والمعنوي، فالسماع أصل العقل وأساس الإيمان".

وقد رحم الله أسماعنا، فهناك أصواتٌ لو سمعناها لصعقنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعت الجنازة، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني .. قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت لأهلها: يا ويلها أين تذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق).

وقد أمر الله بالسماع، فقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا [المائدة:108] وقال عز وجل: وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا [التغابن:16].

السماع على ثلاثة أنواع

النوع الأول: سماع الإدراك: كقوله عز وجل: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [الجن:1-2].

النوع الثاني: سماع الفهم: وهو الذي نفاه الله عن الأموات كقوله عز وجل: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [الروم:52] ونفاه عن أهل الإعراض، فقال: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ [الروم:52].

النوع الثالث: سماع القبول والإجابة: كقوله تعالى: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285] وفي حالة الجن المسلمين اتصل سماع الإدراك بسماع الإجابة بعد سماع الفهم، فاجتمعت فآمنوا وأسلموا، ويا حظ من كان سمعه موافقاً لمرضاة الله تعالى، ولذلك قال في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) يعني: لا يسمع إلا ما يرضي الله عز وجل.

أيها المسلمون! إن سماع الفهم والإجابة في غاية الأهمية، وهو سماعٌ مفقودٌ عند الكثيرين، فيسمعون بأُذن الرأس، لكن لا يسمعون بأُذن القلب، ولذلك يواجه الدعاة إلى الله تعالى من المشكلات والمصاعب ما الله به عليم؛ نتيجةً لتخلف سماع الفهم وسماع الإجابة عند الناس.

سماع الرأس والإدراك أمرٌ ميسورٌ لأكثر الناس، أما سماع الفهم فيحتاج إلى إمعان وتركيز، وتفرغ وحضور قلب، أما سماع الإجابة فيحتاج إلى إخلاص وتجرد، ولذلك لا يرزقه إلا القليل، فقليل من الناس الذين يسمعون سماع الإجابة .. سماع التأثر .. سماع الانقياد، ولذلك ترى هؤلاء الناس كثيراً ما يسمعون الخطب والمواعظ، لكن قل من يستجيب، وقل من يتأثر لتخلف سماع الإجابة، وسماع التأثر والانقياد.

ولذلك كان من علامات أهل الكفر وأعمالهم أنهم لا يريدون سماع الحق، قال الله تعالى عن نبيه الكريم نوح عليه السلام، الداعية الذي دعا قومه: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [نوح:7] لكي لا يسمعوا فيتأثروا، وكذلك الكفار: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ [فصلت:26] حتى لا تتأثروا به، ولذلك جعل الطفيل في أذنيه كرسفاً -أي: قطناً- من الدعاية والإعلام الباطل الذي وجهه كفار قريش لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسمعه وهداه، وكذا كل من يريد الله به خيراً.

وقال الله عز وجل مبيناً أن هناك سماعاً بالرأس، لكنه ليس بسماع القلب: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] فأثبت لهم سمع الرأس، ولكن نفى عنهم سمع القلب، لهم آذان ولهم سمع الرأس؛ لكنهم لا يسمعون بها، فالاستجابة معدومة، والانقياد غير حاصل.

هناك سماع للصوت؛ لكن ليس هناك استجابة، ولذلك وصفهم الله بأنهم أضل من الأنعام، فإن الأنعام إذا سمعت صوت الراعي ودعاءه ونداءه استجابت واستأنست وعرفته فتقبل إليه، أما هؤلاء فلا، وهذا السماع هو المقصود من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).

أما سماع الفهم: فهو سماعٌ شريف أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه: (نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، ثم بلغها عني، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، فربما يكون الثاني فقيهاً له سمع الفهم، فيفقه ويبلغ وينذر.

عباد الله! إن فهم هذه الأشياء تبين لنا لماذا لا يفهم كثيرٌ من الناس، ثم لماذا لا يستجيبون، ولماذا لا يتأثرون، ولماذا لا ينقادون؟

الأحكام المرتبطة بالسمع في الشريعة

عباد الله! إن هذا السمع مسئولية، وقد رتب الشارع أحكاماً عليه، وجعل فيه واجبات ومحرمات، وجعل فيه تبعات ومسئوليات، ولذلك قال ربنا: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء:140] أي: في الكفر ومعاندة الشريعة.

إذا سمعت -يا أيها المسلم- آيات الله يستهزؤ بها في المجالس، وإذا سمعت بشرع الله يستهزؤ به في مجالس الناس ومنتدياتهم، وإذا سمعتهم يخوضون في الكتاب والسنة بالباطل، وإذا سمعتهم ينتقصون من الدين، ويعيبون الشريعة والأحكام، فعندك خياران لا ثالث لهما: إما أن تنكر فتسكتهم، أو تقوم وتغادر المجلس، ولا بد من ذلك، أما إذا سكت وجلست، فأنت شيطان أخرس: (الساكت عن الحق شيطان أخرس) وما أكثر المجالس التي تلمز فيها الشريعة اليوم، وتعاب فيها الأحكام، ويسخر فيها من الدين والمتدينين، وفي المقابل ما أقل المنكرين الذين يقومون بالواجب الشرعي تجاه هؤلاء العابثين، وكذلك ذكر الله من صفات المؤمنين أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، ولم يتأثروا به، ولم ينصتوا إليه، ولم يستمعوا، وإنما أعرضوا.

وتأمل بعض ما في الشريعة من الأحكام المرتبطة بالسمع كقوله صلى الله عليه وسلم: (الجمعة على من سمع النداء) فإذا كان قريباً يسمع النداء وجب عليه الحضور، بخلاف ما إذا كان بعيداً.

وكذلك حضور صلاة الجماعة في المسجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يأته؛ فلا صلاة له إلا من عذر) فإذا سمع النداء ولم يأت المسجد فهو آثم، وما أكثر الآثمين في هذا الباب الذين يتخلفون عن صلاة الجماعة، فإذا فرض أن هناك مؤذناً صيِّتاً يؤذن على سطح المسجد، والسامع حسن السمع، وليس بينهما جدران ولا عوائق، والريح ساكنة، فإذا كان يسمع؛ فلا بد من الإجابة، هذا الضابط الذي تجب به على المكلف الجماعة وحضورها: (إذا سمعت النداء؛ فأجب داعي الله: حي على الصلاة) حديث صحيح.

وكذلك (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول) كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (وإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، فإن من وافق قوله قول الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه) فسمع الله لمن حمده بمعنى: أجابه وأثابه، فإذا سمعتها وسائر أذكار الصلاة وتكبيرات الإمام، فأنت تجيب، وأنت تتابع.

وكذلك جعل الشارع من المسموعات ما يتفاعل به قلب الإنسان المؤمن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سمعتم صوت الديكة، فسلوا الله من فضله) لأنها رأت ملكاً، وهي ترى ما لا نراه، وقال في الحديث أيضاً: (إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمير بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان) لماذا؟ لأنها رأت شيطاناً.

وكذلك فإن من سمع بفتنة، فلا بد أن ينأى عنها، وأن يبتعد، فإذا سمعت بمكان فيه فتنة، فلا يجوز لك أن تسافر إليه، ولا أن تذهب إليه، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الدجال: (من سمع بالدجال، فلينأ عنه) أي: ليبتعد، وما أكثر الدجاجلة الصغار قبل الدجال الأكبر الذين يذهب إليهم الناس للاستماع! وما أكثر أماكن الفتنة التي يسافرون إليها!

آداب السمع في الإسلام

وقد جاء الشارع أيضاً بآداب لما نسمع، وإرشادات لما نتكلم به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما يسمع) وما أكثر النقلة الذين ينقلون ولا يتثبتون، ويحدثون بكل ما يسمعون! فلا يحذفون، ولا يكتمون، ولا يحفظون، ويحتفظون بالكذب والباطل والمشكوك فيه والإشاعات الكاذبة.

وكذلك فإن السمع مدار تحديد الوسوسة في الصلاة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدكم في الصلاة، فوجد حركةً في دبره أحدث أم لم يحدث، فأشكل عليه، فلا ينصرف) لا يقطع الصلاة، لا يجوز له ذلك (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) علاجٌ بالغٌ للوسوسة، ولمن يسمع أصواتاً في بطنه ورزَّاء، فإنه لا يقطع الصلاة حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، والشريعة تريد البينة، وتربي المسلم على الدليل، وليس على اتباع الشكوك والأوهام الظنون.

عباد الله! إن حكم السماع يختلف بحسب المسموع، فقد يكون واجباً، أو مستحباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، قال ابن القيم رحمه الله تعالى في عبوديات الجوارح: "فعلى السمع -يعني: من العبادة- وجوب الإنصات والاستماع لما أوجبه الله ورسوله عليه من استماع الإسلام والإيمان وفروضهما، وكذلك استماع القراءة في الجهر إذا جهر الإمام، واستماع خطبة الجمعة في أصح قولي العلماء واجب، ويحرم عليه استماع الكفر والبدع -كالموالد التي ضجوا بها والاحتفالات والاحتفاءات البدعية التي ملأت الدنيا من أرباب الصوفية ومشركي هذا الزمان، وأصحاب البدع- ويحرم عليه استماع الكفر والبدع إلا حيث يكون في استماعه مصلحةٌ راجحةٌ من رده -الرد عليه- أو الشهادة على قائله بالكفر والبدع عند القاضي ليقام الحد، ويؤخذ بما هو لازم لمكافحة هذا الأمر، أو زيادة قوة الإيمان والسنة، فإن الإنسان المسلم الصادق إذا سمع ببعض ديانات الهندوس والبوذيين مثلاً، حمد الله على النعمة".

"وكذلك يحرم استماع أسرار من يهرب عنك بسره، ولا يحب أن يطلعك عليه ما لم يكن متضمناً لحقٍ يجب القيام به، أو لأذى مسلم يتعين نصحه وتحذيره منه، وكذلك يحرم استماع أصوات النساء الأجانب التي تخشى الفتنة بأصواتهن إذا لم تدع حاجة من شهادة عند القاضي، أو معاملة، أو استفتاء، أو محاكمة، أو مداواة عند طبيبٍ ثقةٍ ونحو ذلك".

فيتبين لك أيها المسلم أن كثيراً من الذين يستخدمون سماعات الهاتف في سماعٍ إنما يستخدمونها في حرام، ويأثمون بالسماع، ويجلس يسمع الساعات، ويتكلم حراماً في حرام، وإثماً في إثم، ومعصية بعد معصية، والملك يكتب، وسخط الله نازل، والوعيد شديد، والآخرة متحققة، والجزاء واقع، وجنة أو نار.

وكذلك يحرم استماع آلات المعازف والطرب والعود والطنبور واليراع كما ذكر ذلك ابن القيم في عصره، وفي عصرنا الكمنجة والقانون والأرج وغيرها من أنواع المعازف.

وكذلك قال رحمه الله: "ولا يجب عليه سد أُذنه إذا سمع الصوت وهو لا يريد استماعه" إذا كان يمشي في الشارع، فسمع صوت غناء، أو سمع صوت موسيقى وهو لا يريد استماعها، لا يجب عليه سد أذنيه، إلا إذا خاف السكون إليه والإنصات، فإنه حينئذٍ يجب عليه سد أُذنيه لتجنب سماعه من باب سد الذرائع، ونظير هذا المُحْرِم لا يجوز له تعمد شم الطيب، ولكن إذا حملت الريح رائحته، وألقتها في مشامه، لم يجب عليه سد أنفه.

وأما السمع المستحب: فكاستماع المستحب من العلم وقراءة القرآن وذكر الله، واستماع كل ما يحبه الله مما ليس بفرض، والمكروه عكسه وهو استماع كل ما يكره ولا يعاقب عليه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا أسماعنا، وأن يحفظ علينا أبصارنا، اللهم متعنا بأسماعنا، ومتعنا بأبصارنا، اللهم متعنا بسائر قواتنا، واجعلها الوارث منا، اللهم احفظ أسماعنا من الحرام، وأبصارنا من الحرام، وحواسنا من الحرام، واجعل ما نسمعه في مرضاتك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

سماع القرآن لا يجتمع وسماع الشيطان

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، هو السميع العليم .. هو السميع البصير .. سبحان الذي وسع سمعه الأصوات!

أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا يشغله سمعٌ عن سمع، ولا يشغله صوتٌ من أصوات عباده عن صوت آخر، ولا يشغله دعاء واحد عن آخر، فهو يسمع الجميع سبحانه وتعالى، يسمع أصواتهم على اختلاف لغاتهم، وتنوع حاجاتهم، فيجيب هذا، ويمنع هذا، ويؤخر هذا، ويثيب هذا سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، سمع كلام الله فأسمعنا وبلغنا وأدى إلينا، صلى الله عليه وعلى أصحابه وآله وذريته الطيبين الطاهرين.

عباد الله! إن مما يجب أن يشغل أسماعنا: سماع العلم .. سماع الآيات .. سماع أخبار المسلمين .. سماع فتاوى أهل العلم .. سماع الدين .. سماع كل ما يحيي القلوب، ومما يجب صرفه: سماع الغناء والحرام.

نريد سماع الآيات لا سماع الأبيات، وسماع القرآن لا سماع مزامير الشيطان، وسماع كلام الأنبياء والمرسلين لا كلام المغنين والمطربين، فهذا السماع سماعٌ يحدو القلوب إلى جوار علام الغيوب، وسائقٌ يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح، ومحركٌ يثير ساكن العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات (إني أحب أن أسمعه من غيري).

وطريقة الصحابة في التلاوة أن يقرأ أحدهم والباقون يستمعون، ولا شك أن القلب يا عباد الله! يتأثر بالسماع بحسب ما فيه من المحبة، فإذا امتلأ من محبة الله، يرغب في سماع كلام المحبوب، والإنصات إليه، والتفاعل معه، وأما إذا كان مملوءاً بالعشق والفسق، فإنه يريد سماع الأغاني والطرب، وحرامٌ على قلب تربى على سماع الشيطان أن يجد شيئاً من ذلك في سماع القرآن، بل إن حصل له نوع لذة، فهو من قبل الصوت المشترك، هذا لحن قارئٍ جميلٍ، وهذا لحن أغنيةٍ جميلةٍ، فهو من قبل الصوت المشترك، ولذلك تراهم يطربون عند سماع القارئ ويقولون: الله .. الله .. ونحو ذلك من الأفعال المبتدعة لإعجابهم بصوته ونغمته وسحبته، لا لمعنى ما يقول ويقرأ، مثل طرب بعض الناس لما يسمعون أصوات بعض المقرئين الذين تفننوا بتنـزيل صوتهم في القرآن على ألحان الأغاني، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وما اعتاده أحدٌ إلا نافق قلبه وهو لا يشعر، فما اجتمع في قلب عبدٍ محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى ولو بعد حين.

قال ابن القيم رحمه الله: "وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء، وسماعه وتطربهم به، وصياحهم بالقارئ إذا طول عليهم، وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرأ، فلا تتحرك، ولا تخشع، فإذا جاء قرآن الشيطان، فلا إله إلا الله كيف تخشع الأصوات، وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب وتطمئن، ويقع طيب السهر، وتمني طول الليل".

تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفـةً>>>>>لكنه إطراقُ ساهٍ لاهِ

وأتى الغناء فكالذباب تراقصوا>>>>>والله ما رقصوا لأجل اللهِ

دفٌ ومزمارٌ ونغمةُ شادن>>>>>فمتى شهدت عبادة بملاهي

ثقل الكتاب عليهمُ لما رأوا>>>>>تقييده بأوامر ونواهي

فانظر إلى النشوان عند شرابـه>>>>>وانظر إلى النسوان عند ملاهي

واحكم فأي الخمرتين أحق بالـ>>>>>تحريم والتأثيم عند اللهِ

اسمع كلام الله، اسمع عذر إخوانك، اسمع شكوى المراجع أيها الموظف، السماع إذاً كثيرٌ طيبٌ، لكن من الذي يفعله؟!

أما سماع المعصية، سماع البدعة كسماع الصوفية وترانيمهم، وسماع أغانيهم في الموالد، فلا. وسماع الاحتفالات في الموالد، فلا.

قال القشيري : سمعت أبا عبد الله السلمي يقول: دخلت على أبي عثمان المغرمي ورجلٌ يستقي الماء من البئر على بكرة، فقال: يا أبا عبد الرحمن ! أتدري ماذا تقول هذه البكرة؟ فقلت: لا. قال: تقول الله الله.

هذا هو شُغل الصوفية البكرة تقول الله الله، صوت الماء يسحب على البكرة يعني: الله الله وهكذا.

أيها المسلمون! نسأل الله أن يدخلنا الجنة، فإننا إذا دخلنا الجنة فلن نجد أحلى ولا أعظم نعمة من رؤية الرب وسماع كلامه، ولذلك ليس في نعيم أهل الجنة أعلى من رؤيتهم وجه الله وسماع كلامه، وكذلك سماع غناء الحور العين الذي يكون ثواباً لمن امتنع عن سماع الغناء في الدنيا، قال الله في وصف أهل الجنة ونعيمهم: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [الروم:15] يحبرون: يسمعون غناء الحور العين.

علاقة السماع بموضوع البوسنة

أما علاقة موضوع السماع بـالبوسنة ، فإنه قول الشاعر:

ربَّ وامعتصماه انطلقت>>>>>ملئ أفواه الصبايا اليتمِ

لامست أسماعهم لكنها>>>>>لم تلامس نخوة المعتصم

وهؤلاء اليوم يخططون، وتبرز الخطط بين الصرب والكروات وكما قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].. وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89] وسيظهر ذلك عاجلاً أو آجلاً.

سلموا لهم المنطقة مقابل خروجهم بعَددهم وعُددهم إلى أراضي المسلمين، إنهم يريدون ملء جيبا وسربنتسا وغيرها من البلدان التي احتلوها والمدن الإسلامية بالصرب الجدد، إنهم قد استولوا على (70%) من أراضي البوسنة ، لكن ليس عندهم شعب كاف ليملئوا تلك الأراضي، فهم يخرجونهم الآن من مكان إلى مكان، والبلد هذا يذهب إلى كفار، وتملأ البلدان الأخرى من الكفار الآخرين، والمسألة كفر في كفر، ومؤامرة في مؤامرة، ويدلك على ذلك أقوال بعض قادة الصرب: إننا لم نفاجأ، ولم تبد علينا الدهشة، أي لأنه أمرٌ قد قضي بليل.

عباد الله! بعضهم يعد، وبعضهم يخطط، وبعضهم ينفذ، ويعضهم يغطي على بعض، أولئك أئمة الكفر، والله يقول: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ [التوبة:12] لا عهد لهم ولا ذمة، كيف نثق بهم؟ كيف نركن إليهم أياً ما كانوا؟ سواء كانوا أرثوذكس، أو بروتستانت، أو كاثوليك، الكفر ملة واحدة، ولذلك ظن بعض السذج أن هؤلاء أرادوا الدفاع عن المسلمين، وأخذتهم الحمية فنصروا المسلمين، والله ما أرادوا ذلك، إنما أرادوا مصلحتهم، وقد يتعللون في الظاهر بشيء لمصلحة المسلمين، ولكن أياديهم ملوثة بدماء المسلمين مما قريب، فكيف يثق العصفور بمن افترس أخاه.

يا عباد الله! ربما تأتي أخبارٌ وأيامٌ قادمةٍ بمحن مزلزلة شديدة تحمل أنباء اتفاق الكفرة على المسلمين من الجانبين، ونحن نسأل الله عز وجل أن يحفظ إخواننا، وأن يرزق إخواننا الفهم والوعي، وأن يردهم إلى دينهم، وأن ينقيهم من الشوائب، ونسأله أن يعجل بفرجهم ويأتي بنصرهم، وأن يوقظ في قلوب المسلمين الحمية، ويرزقهم القيام بواجب إخوانهم.

اللهم إنا نسألك أن تنصر المجاهدين في سبيلك، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك الذين يريدون إعلاء كلمتك، اللهم من أراد دينك بسوءٍ، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

اللهم آمنا في دورنا وبلداننا، اللهم اجعل بلاد المسلمين آمنةً مطمئنةً بتحكيم شريعتك يا رب العالمين! آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، اللهم اجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.

اللهم أيقظ في قلوب المسلمين الحمية للجهاد في سبيلك، اللهم اكتب للمسلمين النصر على الأعداء يا رب العالمين!

اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، واقض ديوننا، واستر عيوبنا يا أرحم الراحمين!

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ماذا تسمع؟ للشيخ : محمد المنجد

https://audio.islamweb.net