اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , رأس المنافقين للشيخ : محمد المنجد
أما بعد..
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الأخوة: شخصية عجيبة تلك التي سنتناولها في هذه الخطبة إن شاء الله، كان لها أثر كبير في وقتها، وقد جاءت بشأنها آيات من الكتاب العزيز، وأحاديث في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته.
وكان النبي صلى الله وعليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب -كما أمرهم الله- ويصبرون على الأذى، أي: في تلك المرحلة التي جاءت بعدها مرحلة أخرى، كما قال الله عز وجل: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً [آل عمران:186] إلى آخر الآية.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتأول العفو ما أمره الله به حتى أذن الله فيهم، ونزلت الآيات بالأمر بجهاد الكفار والمنافقين، والغلظة عليهم، وتغيَّر الحال، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً ، فقتل الله به صناديد كفار قريش، قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجه -أي: ظهر وبان، وقوي الإسلام وقام عموده- فبايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأسلموا، أي: في الظاهر.
لقد اضطر ابن أبي أن ينتقل من العداوة الجهرية للدين إلى العداوة السرية، والكيد للإسلام وأهله، لقد فوت عليه هذا الدين الملك، فشرق من أجل ملكه، ونافق، وصار يعادي الإسلام والمسلمين، ويدبر المؤامرات ويحبكها هو وأعوانه كيداً للدين وأهله، وكان مما يخفي به أمره أنه كان يقوم بعد خطبة الجمعة، بعد أن كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطبها، يدعو قومه إلى الإسلام متظاهراً أنه ينصر الله ورسوله، وهكذا كان يتظاهر بالحرص على مصلحة المسلمين.
وفي الجهاد كان لا يريد المسلمين أن يخرجوا من المدينة إلى أحد، حتى لا ينكشف هو وأصحابه، ولكن الله عز وجل أراد أمراً آخر، فاضطر للخروج، ثم انسحب، وهكذا صار أمرهم في بقية الغزوات أنهم لا يخرجون، ويتخلفون بالأعذار الواهية، وإذا خروا خرجوا ليرجعوا، أو ليثيروا الفتنة في جيش المسلمين.
إن ذلك الرجل يكره الدين وأهله، وتجرأ أن يقول للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خمر أنفه بردائه: لا تغبروا علينا، وفي رواية أخرى للبخاري أنه قال للنبي عليه الصلاة والسلام: إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لـعبد الله رجل من قومه فشتمه، فغضب لكل واحد منهم أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال.
سلك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المسلك إيثاراً لسلامة الدين والدعوة، وحتى لا يتحدث العرب الذين لا يعرفون القصة، وهم البعيدون عن المدينة وظروفها والأحوال والملابسات، حتى لا يقال إن محمداً قتل ابن أبي وهو قد تابعه وأظهر الإسلام، فترك النبي صلى الله عليه وسلم قتله، فانبرى ابنه عبد الله ، وكان رجلاً مسلماً صادقاً - عبد الله بن عبد الله بن أبي ، والله يخرج الحي من الميت- فقال لأبيه: والله لا تنقلب حتى تقر أنك الذليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز، ففعل رغماً عنه، حبسه على باب المدينة ، الحديث رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
لقد فعل ابن أبي من المؤامرات عجيباً، ومن ذلك أنه خان الله ورسوله؛ وهذا من أشنع الأمور، والله سبحانه وتعالى قال لنبيه: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء:107] أي: يخونونها بالمعصية إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً [النساء:107] وخان الخيانات جميعاً الصغرى إلى العظمى، إلى خيانة دولة المسلمين، وإلى التجسس لحساب العدو مع إخوانه المنافقين، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ [المائدة:41].
هل تعرفون -يا أيها الأخوة- هذه الآية: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ [المائدة:41] قال أهل التفسير، وذكره ابن كثير رحمه الله: هذه الآية في المنافقين، وقال في شرحها: سماعون من أجل قوم آخرين، فكانوا يأتون مجالس النبي صلى الله عليه وسلم، وينقلون أخباره إلى قوم وصفهم الله بقوله: لم يأتوك قال تعالى: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ [المائدة:41] فكان هناك كفار صرحاء لا يستطيعون الإتيان، وكان هؤلاء المنافقون يجلسون عند النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون الأخبار، وينقلونها إلى قوم لم يأتوه: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41].
قال تعالى: وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة:14] لقد كان أمراً عجيباً ذلك الذي فعله ابن أبي في الطعن وكشف عورات المسلمين، وإفشاء أسرارهم، والتجسس للمشركين على المسلمين، ونقل أخبار المسلمين والتآمر عليهم، كانوا طابوراً خامساً وصفاً خلفياً، يريدون أن يظهر في المسلمين عورة تنقل إلى الكفار، وثغرة يخبر بها الكفار، واتخذوا مسجد الضرار كفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وتستروا بالمسجد، وهو في الحقيقة ضرار للإسلام وأهله، هكذا كانوا يتسترون بالإسلام وهم على الكفر الأكبر، وهكذا فعلوا عندما نصبوا ذلك الصرح ليجعلوه وكراً لمؤامراتهم، حتى لا تنتبه إليهم عيون المسلمين، وكانوا يحرضون الكفار على المسلمين قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ [الحشر:11] وهكذا صنع أعداء الله، وهكذا جاملوهم وكانوا في صفهم، قال الله تعالى عنهم: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:138-139] فكانوا يصانعون اليهود في المدينة ليبتغوا عزة، وإذا كانت الدائرة على المسلمين قالوا: لقد دخلنا في الصف الأقوى قال تعالى: أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:139] وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ [المائدة:51-52] إنها مسارعة وهرولة، إنها ركض وسعي، يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:52-53].
لقد كان أولئك المنافقون بقيادة عبد الله بن أبي يتخلفون عن الجهاد الحقيقي، ويصانعون أعداء الله، وكانوا من تخلفهم لا يعدون عدة، ولقد كشف الله أستارهم وأسرارهم وقال: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة:46] فلو كانوا يريدون الجهاد حقيقةً لأعدوا عدة الجهاد، ولكنهم لم يعدوها، ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، كانوا يتخلفون عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأعذار القبيحة، وكذلك فعل عبد الله بن أبي ، وكان المسلمون يكتشفون المنافق من وجهه ونصيحته لمن هي، ولذلك قال بعضهم في رجل اتهمه بالنفاق: إنا لنرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، وهكذا كانت سور القرآن تنزل، كالتوبة والمنافقين، والنساء والنور؛ كاشفة لأستار هؤلاء، فإن الله تعالى لم يكن ليترك نبيه دون كشف حالهم، وسميت سورة من القرآن بالفاضحة، لأنها كانت تفضحهم، والعجب كيف كان شعور ابن أبي وغيره من المنافقين والسور تنزل في فضحهم، والله يقول: يقولون، يقولون، وهو كلامهم بالنص، وهكذا كان القرآن ينزل بكلامهم بالنص الذي قالوه سراً، فاطلع الله عليه، فأطلع المؤمنين عليه.
اللهم إنا نسألك البراءة من النفاق، اللهم إنا نسألك البراءة من النفاق، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألستنا من الكذب، إنك حي قيوم سميع مجيب، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله! وبعد حياة حافلة بالمؤامرات على الإسلام مات عبد الله بن أبي ابن سلول، وذهب منافقاً إلى ربه، فماذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم؟ وماذا حصل في نهاية قصة ذلك الرجل؟ روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر ، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خيرني الله، فقال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة:80] وسأزيده على السبعين، قال: إنه منافق، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84]) الحديث رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه ، قال ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني صاحب كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري رحمه الله تعالى في قول البخاري : جاء ابنه عبد الله بن عبد الله .. القصة: لما احتضر عبد الله ، أي: ابن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا نبي الله إن أبي قد احتضر فأحب أن تشهده وتصلي عليه، قال: ما اسمك؟ قال: الحباب ، قال: بل أنت عبد الله ).
وكان عبد الله بن عبد الله بن أبي من فضلاء الصحابة، وشهد بدراً وما بعدها، واستشهد يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق ، ومن مناقبه: أنه بلغه بعض مقالات أبيه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتله، خشي إن قتله أحد المسلمين ألا يتحمل الموقف، فقال: أقتله بيدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بل أحسن صحبته) أخرجه ابن مندة من حديث أبي هريرة بإسناد حسن، وكأنه كان يحمل أمر أبيه على ظاهر الإسلام، فلذلك التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر عنده ويصلي عليه، ولا سيما وقد ورد ما يدل على أنه فعل ذلك بعهد أبيه، ويؤيد ذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر والطبري من طريق سعيد كلاهما عن قتادة ، قال: أرسل عبد الله بن أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل عليه أي: على المنافق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أهلكك حب يهود) فقال: يا رسول الله! إنما أرسلت إليك لتستغفر لي، ولم أرسل إليك لتوبخني، ثم سأله أن يعطيه قميصه ليكفن فيه، فأجابه، وهذا مرسل مع ثقة رجاله، ويعضده ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال: لما مرض عبد الله بن أبي ، جاءه النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الحديث، قال ابن حجر : وكأن عبد الله أراد بذلك دفع العار عن ولده وعشيرته بعد موته، فأظهر الرغبة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ووقعت إجابته إلى سؤاله بحسب ما ظهر من حاله، إلى أن كشف الله الغطاء عن ذلك، وهذا من أحسن الأجوبة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: [فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة، وثبتُ إليه فقلت: يا رسول الله! أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا كذا وكذا؟ أعدد عليه قوله] يشير بذلك إلى مثل قوله: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وإلى مثل قوله: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، وقال عمر يا رسول الله: أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ وكأن عمر رضي الله عنه فهم من قوله تعالى: إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة:80] أن النبي صلى الله عليه وسلم حتى لو زاد على السبعين لن يغفر الله لـعبد الله بن أبي مادام قد مات على النفاق، وهذا مقتضى كلام العرب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يريد أن يتألف قوم عبد الله بن أبي وولده المسلم أيضاً، وكذلك فإنه كان رحيماً بأمته، فمشى على فهم كان قد تراءى له، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت) وهكذا أراد أن يزيد، فطول القيام تطويلاً طويلاً، كما جاء في بعض الطرق لهذا الحديث، وقال: (تأخر عني يا عمر) فلما تأخر عنه، وحصلت الصلاة، نزلت الآيات، والله سبحانه وتعالى يبين للمؤمنين: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84] قال في رواية: فذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (وما يغني عنه قميصي من الله، وإني لأرجو أن يسلم بذلك ألف من قومه) وأنزل الله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ [التوبة:84].
وفي حديث ابن عباس ، فلم يمكث إلا يسيراً، حتى نزلت، أي الآية، قال: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله، وهكذا حصل في هذه السيرة لهذا الرجل، وانتهت بإعلان واضح وصريح من رب العزة سبحانه وتعالى بأنه لا مجاملات على حساب العقيدة، وأنه لا يمكن أن يستغفر المؤمنون لرجل من المشركين: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] كان النبي صلى الله عليه وسلم يعمل بالظاهر حتى يعلم الحق والحقيقة بالأدلة التي يراها في الواقع، أو بما يوحيه الله إليه، وبين الله تعالى لنا صفات المنافقين، في سور كثيرة من القرآن، وآيات معددة لنحذر منهم، وليس بعجيب ولا غريب أن تكون عدد الآيات في صدر سورة البقرة التي تتكلم عن المنافقين أضعاف عدد الآيات التي تتكلم عن المؤمنين، وكذلك التي تتكلم عن الكافرين الصرحاء، لأن الناس ثلاثة أقسام: مسلم، وكافر صريح، ومنافق يخفي الكفر ويظهر الإسلام، ونظراً لخفاء حال هؤلاء فقد اعتنى الله عز وجل عناية بالغة بذكر صفاتهم، ليحذرهم المؤمنون، وهكذا كان جهادهم أمراً واجباً، بنص قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ [التحريم:9].
اللهم إن نسألك أن تحيي الإيمان في قلوبنا، اللهم اجعل قلوبنا معمورة بالإيمان واليقين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , رأس المنافقين للشيخ : محمد المنجد
https://audio.islamweb.net