إسلام ويب

تفسير سورة الطلاق (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأحكام التي ضبطتها الشريعة الإسلامية أحكام الطلاق، فقد أمر الله سبحانه وتعالى من طلق امرأته أن يطلقها لعدتها، بحيث يكون طلاقها في طهر لم يجامعها فيه، وإذا أراد مراجعتها في طلاق رجعي فعليه أن يشهد شاهدين عدلين على ذلك، ومتى ما راجعها قبل انقضاء العدة فتبقى زوجته وتحسب عليه طلقة، وعدة المطلقة ثلاثة أشهر إن كانت آيسة أو صغيرة لم تحض بعد، أو أن تضع ما في بطنها إن كانت حاملاً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: ها نحن الليلة مع سورة الطلاق المدنية، وهي ثلاث عشرة آية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة بعضها، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:1-3].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره بعد بسم الله الرحمن الرحيم: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1]، المراد من النبي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان سبب نزول هذه الآيات: أنه صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر ، فأنزل الله تعالى بيان العدة، وكيف تطلق وتعود. فهي سنة ماضية في المؤمنين إلى يوم القيامة.

    معنى قوله تعالى: (فطلقوهن لعدتهن)

    قال تعالى: (( إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ))[الطلاق:1]، أي: عزمتم على طلاقهن (( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ))[الطلاق:1]. ومعنى لعدتهن: لأول العدة. فإن عزمت على الطلاق وأنت واعٍ فطلق امرأتك في أول الطهر قبل أن تجامعها فيه، فإذا كنت عازماً على طلاقها فانتظرها، ولما تحيض وتطهر لا تجامعها وطلقها في طهرها، فيكون هذا أول طلاقها، كما قال تعالى: (( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ))[الطلاق:1]، أي: لأول العدة. وهذا يجعل الطلاق خفيفاً على المطلقة إذا عد هذا الطلاق في أول الطهر، ثم تحيض وتطهر ويكون هذا الطهر الثاني، ثم تحيض الثالثة فتطلق أو ترجع؛ لأن الله قال في سورة البقرة: (( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ))[البقرة:228]. فالمطلقات يتربصن بأنفسهن وما يستعجلن ثلاثة قروء. وهنا خلاف بين المسلمين هل المراد من القرء هو الطهر أو الحيض؟ فإن قلنا: القرء الطهر فتكون العدة أخف، كما قلت لكم. فإذا طلقها في طهر لم يمسها فيه فهذا طهر، ثم إذا حاضت وطهرت هذا يكون الثاني، ثم إذا حاضت وطهرت يكون هذا هو الطهر الثالث، ولكن إذا قلنا: إن القرء الحيض، فإذا طلقها فينتظر حتى تحيض حيضة، ثم تطهر وتحيض، ثم تطهر وتحيض، فتحيض أربع حيض. فقوله تعالى: (( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ))[الطلاق:1]، أي: لأول العدة، وهي الطهر الذي لم يمسها فيه، أي: لم يجامعها فيه. وهذا الذي نعمل به. فمن أراد أن يطلق امرأته لسبب -ألا وهو عدم سعادته بها، أو عدم سعادتها به، أو ما وجد ما تطمئن نفسه وتألم، ورأى أنه لا بد من الطلاق- فحينئذ ينتظرها لما تحيض وتطهر وتغتسل وتدخل تصلي، ثمَّ لا يجامعها في ذلك الطهر ويطلقها فيه، وتنتظر هي ثلاثة أطهار، أي: طهرين بعد ذلك الطهر، فيكونوا ثلاثة أطهار. فإذا انقضت الأطهار الثلاثة بانت منه بينونة صغرى، ولا تحل له إلا بعقد جديد. وقوله: (( يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ))[الطلاق:1]، أي: لأول العدة.

    معنى قوله تعالى: (وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم)

    قال تعالى: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1]، أي: عدوها واحصوها.. لا تفرطوا فيها. وإذ قلنا: إنها أطهار فتنتهي بعد الأطهار الثلاثة، وإذا قلنا: إنها حيض فنعد ثلاث حيض؛ لقوله تعالى: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1]، أي: عدوها، واجمعوا ولا تفرقوا في العدد. وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ [الطلاق:1] وأطيعوه، وطلقوا كما أرادكم أن تطلقوا، وأحصوا العدة ولا تفرطوا فيها أبداً. والعدة كما علمتم ثلاثة أطهار أو ثلاث حيض.

    معنى قوله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ...)

    قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]. فإذا طلقت يا عبد الله! امرأتك الطلاق الشرعي وعزمت عليه لما هناك من أسباب تقتضي الطلاق، فإذا طلقتها عد الطلقات، وأثناء العدة لا تخرجها من بيتها، بل تبقى في بيتك تأكل وتشرب حتى تنتهي عدتها؛ لقوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]. فإذا طلقتها اليوم فانتظر بها ثلاثة أشهر إذا كانت لا تحيض لكبر أو لصغر، أو ثلاث حيض أو أطهار، فإذا انقضت فهنا تخرجها من البيت وتذهب إلى أهلها، أو تأخذها أنت وتوصلها إلى أهلها؛ لقوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]. اللهم إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، أي: واضحة ظاهرة كالزنا، والعياذ بالله، أو أن تؤذي أهل البيت، سواء بالسب أو الشتم، أو التقبيح أو الأذى، فحينئذ نخرجها دفعاً للأذى، ودفعاً للضرر على المؤمنين. وأما إذا لم تأت بفاحشة مبينة فلا يحل إخراجها إلا إذا هي طلبت ذلك، فإذا هي رغبت وقالت: أرجعني إلى أهلي فلا بأس. ولكن لها الحق أن تبقى في عدة الطلاق ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض أو أطهار في بيتك، وتأكل وتشرب؛ لعل عز وجل يردها عليه. فقد تندم أنت وتتأسف، فتجدها في بيتها ما أصابها شيء، فلا ترجع لا بعقد جديد، ولا بأن تشهد اثنين وتراجعها. وهذا والله من رحمة الله وتدبيره لأوليائه. وهذا ما هو من صنع البشر أبداً، بل هذا من صنع الله، فهو الذي قال: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، أي: واضحة ظاهرة، تستوجب إخراجها والذهاب بها إلى أهلها، كأن تؤذي أهل البيت. والأذية لا يحبها الله لعباده المؤمنين، وقد قال: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ).

    معنى قوله تعالى: (وتلك حدود الله ...)

    قال تعالى: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ [الطلاق:1]. فهذه حدود الله التي حدها، فانتبهوا لها، ولا تتجاوزوها. فأولاً: لا تطلق إلا في طهر، ولا تطلق في حيض، وثانياً: يجب أن تعد الأطهار الثلاثة، وثالثاً: لا تخرجها من بيتك، بل تبقى تأكل وتشرب معك ومع أولادك حتى تنتهي عدتها. اللهم إلا إذا آذتكم -والعياذ بالله- وأتت بفاحشة من القول أو الفعل، أو قبيحة، فحينئذ يجوز إخراجها، فأخرجها إلى أهلها. تلك هي حدود الله، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ [الطلاق:1] مطلقاً، سواء هذه الحدود أو غيرها فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1]، وعرضها لغضب الله وسخطه، ثم لعذابه وانتقامه.

    فيا عباد الله! لا تتعدوا حدود الله، وهذا الحد لا تتجاوزه. فقد حرم الله الكذب فلا تكذبوا، وحرم الله الخيانة فلا تخونوا، وحرم الله الزنا فلا تزنوا، وحرم الله الغش فلا تغشوا، وحرم الله ترك الصلاة فلا تتركوها، وهكذا. فالحدود نقف عندها، ولا نتجاوزها غير مبالين بها. ولذلك قال تعالى: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ [الطلاق:1] حتى في الطلاق فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1].

    معنى قوله تعالى: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً)

    قال تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]. فقد ألزمك بأن تبقيها في بيتك يا عبد الله! وذلك لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً، فتميل نفسك إلى بقائها، وترغب في بقائها عندك، فتجد هذه الفرصة متاحة، فهي ثلاثة أشهر تقريباً.

    هذه هي سنة الطلاق، وهي: أولاً: نطلقها وهي طاهر قبل أن نجامعها في ذلك الطهر؛ لتخف المدة والزمن.

    وثانياً: أن نبقيها في بيتها، ولا نخرجها إلا إذا فعلت فاحشة اقتضت إخراجها. وإلا فتبقى ثلاثة أشهر أو ثلاثة أطهار؛ لأنه يمكن أن يحدث الله لذلك أمراً، فقد تندم أنت، فتجدها في بيتك، والحمد لله، فتشهد اثنين وتقول: أشهدكما أني راجعت زوجتي فقط، بلا صداق وبلا مهر، وبلا طعام وبلا كذا. وهذا الإشهاد سنة مسنونة، ولو ما فعلته صح الإرجاع، ولكن لا بد من فعل السنة، فتقول لهما: أشهدكما أني راجعت زوجتي.

    هكذا يقول تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1]. ألا وهو أن يرغبك، وأن يوجد في نفسك رغبة في أن تعود إليك زوجتك، فالفرصة متاحة، فهي ما زالت في بيتك لم تخرج، ولم تبين منك، فلا عقد ولا غير ذلك. والحمد لله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088038387

    عدد مرات الحفظ

    775331790