إسلام ويب

الحج وتزكية النفوسللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله لنا الشرائع لإصلاح النفس البشرية، وتقويمها وربطها بالله سبحانه وتعالى، فالحج شرعه الله تعالى وفرضه مرة واحدة في العمر، ولكنه زاد لذلك العمر كله يتزود منه الإنسان بتقوى الله عز وجل، والثبات عليها. ومن أخطاء المسلمين في هذه العبادات: أن بعضهم مع الأسف يظن أنه يكفي أن يؤدي شكلها وصورتها، ثم بعد ذلك ينسى مضمونها ومعناها وثمرتها، وتزكية النفس لا تقوم إلا بأمرين: الإخلاص لله سبحانه وتعالى، والاستقامة على طريق النبي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    الحكمة من تشريع الشعائر

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]، أما بعد..

    فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعةٍ ضلاله وكل ضلالة في النار.

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، ويتقبل حجنا وحجكم، ويجعله حجاً مبرورا، وأن يردنا مغفورة ذنوبنا، وأن يوفقنا للاستمرار في العمل الصالح أيامنا كلها حتى نلقاه، وأهنئكم بأن وفقكم الله سبحانه وتعالى لأداء هذه الفريضة العظيمة، وهذا النسك العظيم، وهذه العبادة الجليلة التي تقرب من الله سبحانه وتعالى، والتي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس له جزاء إلا الجنة، ( والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).

    فنسأل الله سبحانه وتعالى ألا يحرمنا وإياكم من الحج المبرور، وألا يحرمنا بعد ذلك من ثوابه وجزائه، وأسأل الله أن يزيدنا وإياكم توفيقا، وعملاً بما يرضيه وبراً وطاعة، وهذا العمل هو من جملة شرائع الإسلام، وشعائره التي شرعها الله سبحانه وتعالى لإصلاح النفس البشرية، وتقويمها وربطها بالله سبحانه وتعالى، ولا يخفى عليكم أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا شعائر تقربنا منه زلفى، وتطهر نفوسنا وتزكيها، وتنمي الخير في نفوسنا، وتربينا على الاستمرار على الصراط المستقيم، والاستقامة على هدى الله عز وجل.

    وهذه العبادات وهذه الشعائر منها ما هو مؤقت، ومنها ما هو غير مؤقت، والإنسان يحتاج إلى أن يتزود منها دائماً لأنه في سفر، فالإنسان مسافر في رحلة الدينا ومستقره بعد هذا السفر إما جنة وإما نار، نسأل الله أن يجعل مستقرنا وإياكم والجنة، وأن يعيذنا وإياكم من النار، ولكي يستقر الإنسان من هذا السفر في مستقر رحمة الله سبحانه وتعالى، لابد أن يظل على صلة بالله، وارتباطاً به، فأعظم ما يصل بالله سبحانه وتعالى ذكره، ذكر الله عز وجل من أعظم ما يصل بالله، والعبد لابد أن يذكر الله سبحانه وتعالى حتى لا ينساه فينسيه الله نفسه، كما قال سبحانه وتعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر:19-20]، فلا يحق للإنسان ولا يليق به ولا يجوز له أن ينسى الله سبحانه وتعالى.

    فشرع الله سبحانه وتعالى ذكره لكيلا ينسى الإنسان ربه فينسيه الله سبحانه وتعالى نفسه، نسأل الله سلامة والعافية، وجميع شعائر الإسلام المقصود الأسمى منها، هو ذكر الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نذكره: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:42].

    ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى لما أمرنا برمي الجمرات في أيام التشريق سمى ذلك الرمي ذكر، فقال سبحانه: وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203]، أي: برمي الجمرات: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:203]، فدل هذا على أن كل عمل اتبعت فيه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأراد به فاعله وجه الله عز وجل فهو ذكر لله عز وجل.

    1.   

    المداومة على العمل الصالح

    وهذه الأعمال التي يذكر به الله سبحانه وتعالى، منها ما يتكرر في اليوم الواحد، ومنها ما يتكرر في السنة، ومنها ما يتكرر سنة بعد سنة، ومنها ما لا يجب إلا مرة واحدة في العمر، ويحث وينبغي تكراره كلما استطاع الإنسان إلى ذلك، فالحج الذي نحن فيه مثلاً، شرعه الله تعالى وفرضه مرة واحدة في العمر، ولكنه زاد لذلك العمر كله يتزود منه الإنسان بتقوى الله عز وجل، والثبات عليها.

    والصلاة شرعها تعالى خمس مرات في اليوم، كلما غفل الإنسان أو كاد أن يغفل أو خيف عليه أن يغفل، إذا بالصلاة تأتيه، فتذكره بالله سبحانه وتعالى، وتنبهه وتوقظه وتصل ما بينه وبين الله عز وجل.

    والصوم يتكرر كل سنة، فعلى الإنسان أن يتزود منه بالتقوى لسنته كلها، ولهذا قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:183-184]، ومن أخطاء المسلمين في هذه العبادات أن بعضهم مع الأسف يظن أنه يكفي أن يؤديها أو أن يؤدي شكلها وصورتها، ثم بعد ذلك ينسى مضمونها ومعناها وثمرتها، يظن أنه يكفي أن يؤدي صورتها وبعد ذلك ينسى مضمونها، ومغزاها، ونتيجتها، وهذا لا ينبغي، فإن الإنسان ينبغي أن يحرص على الخير، وأن لا يضيع ما حصل عليه من الخير، فأنتم تعلمون جميعاً أن الإنسان إذا حصل على دراهم معدودة لا يحب أن يضيعها، ولا يرضى بأن تضيع منه، ويبذل كل الوسائل لحفظ هذه الدراهم المعدودة، فكيف إذا حصل الإنسان على زاد من التقوى زادٍ يقربه من الله سبحانه وتعالى، وزاد يباعده عن النار، كيف يرضى أن يضيع منه هذا الزاد، كيف ترجع من الحج مغفوراً ذنبك، ثم بعد ذلك تبدأ تتزود من الذنوب، وتتحمل الذنوب على نفسك، كيف تخرج من الصلاة وقد ذكرت الله سبحانه وتعالى، وشكرته وتقربت منه ثم بعد ذلك تبعد نفسك عن الله سبحانه وتعالى بالمعاصي، كيف تخرج من الصوم وقد حصلت على التقوى ثم تضيع هذه التقوى بمعصية الله سبحانه وتعالى،.. فكيف يقبل الإنسان وكيف يرضى بأن يضيع زاداً حصل عليه من التقوى بالصوم، أو بالصلاة، أو بالحج، أو بالزكاة، أو بغير ذلك، هذا لا يليق بمسلم.

    ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى حذرنا من الدين الموسمي، وبين لنا أن الذي يرضيه من الدين هو الدين الدائم الثابت، فقال سبحانه وتعالى: وَقَالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ * وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ [النحل:51-53]، وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا [النحل:52]، الواصب هو الدائم الثابت؛ أي وله الدين حال كونه دائماً واصباً، ومفهوم ذلك أن الدين الذي يكون عليه صاحبه تارة ويتركه تارة ليس هو الدين المرضي عند الله سبحانه وتعالى، إنما الدين المرضي عند الله هو ما داوم عليه صاحبه، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أحب الدين إلى الله أدومه وإن قل )، وفي رواية: ( ما كان ديمة، وكان يحب من الأعمال ما دوم عليه صاحبه وإن قل )، فينبغي للإنسان أن يروض نفسه، ويدربها ويربيها على أن تلزم التقوى، وأن تستمر على الجادة، وأن تواصل السير على الصراط المستقيم، وألا تزل ولا تزيغ وألا تضيع شيئاً مما حصلت عليه مما يرضي الله سبحانه وتعالى.

    والنبي صلى الله عليه وسلم نعى على أحد أصحابه أنه كان يقوم الليل فترك قيام الليل، لا تكن مثل فلان، ( يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل)، مع أن قيام الليل ليس واجباً، لكن لما عمله الإنسان بعض الزمن ثم تركه كان هذا تضييعاً لزاده، وتضييعاً لشيء من الخير حصل عليه الإنسان، والإنسان لا ينبغي أن يضيع الخير إذا حصل عليه، فلهذا نعى النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الصحابي أنه حصل على شيء ثم تركه، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يحبون أن يموتوا بمكة بعد أن هاجروا منها، خوفاً من أن يضيع ذلك ثواب هجرتهم؛ لأنهم هاجروا لله وتركوا مكة لله، فيخافون أن يموتوا بها، والنبي صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن أبي وقاص في مرض اشتد به، فقال سعد بن أبي وقاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني امرؤ ذو مالٍ ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، قلت: فالشطر. قال: لا، قلت: فالثلث، قال: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقةً تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعله في في امرأتك، قال: قلت أخلف بعد أصحابي قال: إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله) -أخلف بعد أصحابي محل الشاهد- (إلا ازدت به درجة ورفعه، ولعلك أن تخلف فينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون، اللهم امضِ لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خولة، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة).

    1.   

    مقصود العبادة تزكية النفس

    والاستمرار على العمل الصالح والمداومة عليه وعدم تضييع ما حصل عليه الإنسان منه يحيلنا إلى مسألة أساسية وعظيمة الفائدة، وهي أن المقصود بهذه العبادات وهذه الأعمال الصالحات هو تزكية الإنسان نفسه، أن يزكي الإنسان نفسه ويربيها ويمرنها على العمل الصالح، والله سبحانه وتعالى بين لنا أن النفس إذا زكها الإنسان فقد فاز صاحبها، وإذا دساها ولم يطهرها فقد خسر الخسران المبين، قال سبحانه وتعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:7-9]، أي طهرها من الذنوب والمعاصي ورباها على طاعة الله، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، أي: أفسدها وضيعها، ونجسها بالمعاصي والذنوب، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10].

    وقال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15]، ولا شك أن كل إنسان يحب أن يزكي نفسه وينمي به الخير والإيمان، والنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا طريق تزكية النفوس الذي ينبغي أن نسلكه.

    كيف نزكي أنفسنا

    فينبغي ونحن نستعد، أو نكاد نستعد للانصراف من حجتنا هذه، نسأل الله أن يتقبلها، أن نسائل أنفسنا، كيف نستمر على عمل تزكوا به نفوسنا وتتطهر به قلوبنا، ونتقرب به إلى ربنا، ونستمر على العمل الصالح في أوقاتنا كلها، كيف يمكن ذلك؟

    والجواب: على هذا يقتضي أن نعلم أولاً مسلمة عند كل مسلم، وهي أن الطريقة التي ربى بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وزكى بها نفوسهم هي الطريقة المثلى للتربية، بل ليس لتزكية النفوس طريقة صالحة مرضية عند الله سبحانه وتعالى إلا الطريقة التي زكى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نفوس أصحابه.

    أسس تزكية النفوس

    هذه الطريقة تقوم على أسس.

    أول هذه الأسس: هو الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وإرادة الخير لكل عمل يعمله الإنسان، فلابد أن يخلص الإنسان عمله لله سبحانه، والله تعالى يقول: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، فقدم الإخلاص للعمل نفسه؛ لأنه هو إكسيره وهو الذي به يصلح العمل، فالإخلاص أولاً وقبل كل شيء هو أساس العمل، ولا يكون العمل مرضياً عند الله سبحانه وتعالى، ولا مثاباً عليه صاحبه إلا إذا كان مخلصاً فيه لله سبحانه وتعالى، وقال سبحانه: أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3]، ثم قال بعد ذلك في نفس السورة: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ [الزمر:11-15]، والنبي صلى الله عليه وسلم ما أمر إلا بإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى ونحن ما أمرنا إلا بإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى.

    وقد ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )، فهذا المخلص لله عز وجل وجد ثواب هجرته عند الله، ولن يضيع الله ثواب هجرته، والذي هاجر لغرض دنيوي، لن يجد من الجزاء إلا ما يجده عند من هاجر له، وهاجر في سبيله، وكذلك كل عامل إنما يجد من الجزاء بقدر إخلاصه لله سبحانه وتعالى، والإخلاص لا يكفي وحده فلابد من الشرط الثاني من شروط تزكية النفس.

    والقاعدة الثانية من قواعد تزكية النفس: هي الاستقامة على طريق النبي صلى الله عليه وسلم، اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يقبل عمل إلا إذا كان صالحاً صواباً، ولا يكون صالحاً صواباً إلا بكونه على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى أرسل إلينا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا مناهج الهدى وطرق الخير، فمن اتبعه وأطاعه سلك الصراط المستقيم، وهدي ورشد، ومن اتبع غيره واتبع غير سبيله يوله الله ما تولى، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:115]، ولهذا كثر في القرآن وفي السنة أمرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ونهينا عن مخالفته، وقال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:20-25]، وقال سبحانه: قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران:32]، وقال: قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ المُبِينُ [النور:54]، وقال: وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ المُبِينُ [المائدة:92]، وقال سبحانه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا [النساء:80]، وقال سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، ولما بين سبحانه وتعالى أن رحمته وسعت كل شيء، وأنها تسع الخلائق كلها، بين أن السبيل إلى هذه الرحمة هو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [الأعراف:156-157]، أي: هم وحدهم هم المفلحون، فمن اتبع غير سبيل النبي صلى الله عليه وسلم، لا يرجى له فلاح، ولو أننا تأملنا شعيرة الحج التي كنا بها لوجدنا فيها معالم دالة على ذلك.

    فنحن مثلاً مضت علينا فترة يحرم علينا أن نلبس المخيط، ويحرم علينا أن نغطي رؤوسنا بملاصق، ويحرم علينا أن نتطيب، ويحرم علينا أن نزيل الشعر، ثم جاءت فترة وجب علينا فيها أن نزيل الشعر، وحل لنا أن نلبس المخيط، وأن نتطيب وأن نفعل محظورات الإحرام، لماذا كان حلق الشعر حراماً ثم أصبح واجباً؟

    لأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعبد الله بأهوائنا، إنما نعبده بحسب ما جاءنا به النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاءنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نحلق شعورنا حلقناها، وإذا جاءنا بأن نتركها تركناها، وإذا جاءنا بأن نقص أظافرنا قصصناها، وإذا جاءنا بأن نتركها تركناها، وإذا جاءنا بأن نترك المخيط تركناه، وإذا جاءنا بأنه يحل لنا لبس المخيط لبسناه، فهذا يدلنا ويبين لنا أن الطريقة الصحيحة لكل عمل يتقرب به الإنسان لله سبحانه وتعالى، هو أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة، وأن لا يقدم هواه، واجتهاده، ورأيه على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه إن فعل ذلك كان مقدماً بين يدي الله ورسوله، والله سبحانه وتعالى يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا[الحجرات:1].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756330920