إسلام ويب

مقدمات في العلوم الشرعية [5]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • علم القراءات: علم من علوم الرواية المحضة، والإنسان فيه محتاج إلى كثير من الضبط والدقة في العزو، وفائدة التوسع في هذا العلم زيادة الأجر لأن الإنسان كلما قرأ حرفاً من كتاب الله كتب له به عشر حسنات، وهذا العلم أصل تقعيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا القرآن أنزل علي على سبعة أحرف فلا تختلفوا فيه)، والقراءات التي لدينا ليست هي الأحرف السبعة التي أنزلت لكن يمكن أن تكون كل قراءة منها ملفقة من الحروف السبعة كلها، فلم تكن القراءات المتواترة مجموعة في الصدر الأول حتى جمعها ابن مجاهد فاختار منها سبع قراءات.

    1.   

    علم القراءات

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    أما بعد:

    فإن علم القراءات هو علم من علوم الرواية المحضة والإنسان فيه محتاج إلى كثير من الضبط والدقة في العزو، وفائدة التوسع في هذا العلم زيادة الأجر لأن الإنسان كلما قرأ حرفاً من كتاب الله كتب له به عشر حسنات ( لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف )، واختلاف القراءات يقتضي اختلاف عدد الحروف، وكذلك اختلاف القراءات قد يكون مؤثراً في المعنى؛ كقول الله تعالى: (قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك) فإن قوله: (من كل زوجين اثنين) يصعب فهمها هكذا، فإذا قرأت القراءة الأخرى: قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ [هود:40]؛ تبين لك معنى قوله: (من كل زوجين اثنين) ونظير هذا كثير جداً في القرآن، وبعض القراءات تفيد معاني جديدة كقوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثاً) إذا قرأت بالقراءة الأخرى: الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا [الزخرف:19]؛ ازددت معنى جديداً وتوسعت مداركك وفهمت إعجاز القرآن حيث لا تختلف الكتابة ولا الرسم وإنما يختلف النطق فقط.

    1.   

    معنى الأحرف السبعة

    وهذا العلم أصل تقعيده قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن هذا القرآن أنزل علي على سبعة أحرف فلا تختلفوا فيه )، وقد اختلف الناس في معنى قوله: ( أنزل علي على سبعة أحرف )، وأوصل العلماء ذلك إلى أربعين قولاً، في تفسير هذا الحديث أشهرها وأقواها ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أن المقصود بالحرف وجه القراءة أي: أن ينزل عليه على وجه يقرأه عليه ثم على وجه آخر ثم على وجه آخر، وهذا أقوى ما يفسر به هذا الحديث، ودليله: أن هشام بن حكيم بن حزام عندما قرأ سورة الفرقان فسمعها عمر فقال: ( إن هذا قرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم هشاماً أن يقرأ فقرأ فقال: هكذا أنزل، ثم أمر عمر أن يقرأ فقرأ فقال: هكذا أنزل )، هذا دليل على أن المقصود بقوله على سبعة أحرف أوجه القراءة، وهو دليل واضح جداً، وهو سبب ورود الحديث وسبب ورود الحديث مقدم في تفسيره وشرحه.

    القول الثاني: أن المقصود بقوله: (على سبعة أحرف) على سبع مترادفات؛ كأن يأتي بلفظ ثم بما يرادفه، وهذا القول شهره كثير من أهل التفسير ويرد عليه كثير من الاعتراضات:

    أولاً: أنه يندر في لغة العرب أن تجد كلمة لها سبع مترادفات، بل أنكر بعض أهل اللغة الترادف أصلاً فـ(جلس) و (قعد) ليستا مترادفتين بينهما فرق، و (قام) و (وقف) ليستا مترادفتين بينهما فرق وهكذا.

    وهذا القول سبب ترجيح كثير من أهل التفسير له أنه رأي ابن مسعود رضي الله ولكن يبدو أنه اجتهاد منه، ولا أرى ترجيحه.

    القول الثالث: أن قوله: (أنزل علي على سبعة أحرف) أي: على سبع لغات من لغات العرب فهي مجتمعة فيه ولا يقتضي ذلك اختلاف النطق بل تأتي كلمة من لغة حمير وكلمة من لغة قريش وكلمة من لغة تميم وكلمة من لغة طيء وهكذا، وهذا الوجه لا منافاة بينه وبين الأوجه الأخرى كلها لأنه لا شك أن القرآن نزل بلسان عربي مبين ولم ينزل بلغة قبيلة واحدة من العرب، لكن حصر عدد القبائل العربية أو حصر اللهجات العربية واللغات العربية في سبع فقط مشكل؛ لأن قبائل العرب أكثر من هذا، والقبائل كذلك لا تختلف لغاتها باختلاف أنسابها وإنما تختلف باختلاف مناطقها وبيئتها، ولا يمكن أن تصل إلى هذا العدد وقد اشتهر قديماً من لهجات العرب أربع لهجات: اللهجة اليمانية، وهذه أقواها وأكثرها انتشاراً في صدر الإسلام، واللهجة الحجازية وهي التي جاءت بها النصوص في أغلبها، واللهجة النجدية، ثم لهجة أهل الشمال والبادية؛ فهذه أربع لهجات هي التي اشتهرت فلهجة أهل الشمال والبادية قد خالطتها لهجة الأنباط الذين خالطوا الأعاجم من العرب ولهجة أهل نجد تأثرت ببيئتها؛ ولذلك فيها الإمالة وتسهيل الهمزة وغير ذلك، ويمكن أن تقول: إن أبعد هذه اللهجات عن أن تكون مندثرة أو أن تكون داخلة في غيرها هي اللهجة اليمانية فبينها وبين اللهجة الحجازية فروق واضحة وقد حصلت مناظرات بين أصحاب هذه اللهجات في صدر الإسلام فقد كان في مجلس الرشيد رجل من قريش من بني هاشم ورجل من أهل اليمن ففخر اليماني حتى قال: (والقرآن قد نزل بلغتنا) وعد كثيراً من الكلمات التي هي في القرآن بلغة أهل اليمن ولا يعرف معناها أهل الحجاز وعد منها قوله: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا [عبس:31]، وقوله: عَلَى تَخَوُّفٍ [النحل:47]، وغير ذلك من الكلمات؛ فقال الرشيد للهاشمي الذي عنده: ما تقول في ما يقول هذا؟ قال: لا أدري ما يقول غير أن الله تعالى يقول: جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [نوح:7]، ولم يقل: جعلوا شناترهم في صناراتهم! فلغة أهل اليمن الأصابع يقولون فيها: الشناتر والآذان يقولون فيها: الصنارات، قال: إن الله تعالى يقول: جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [نوح:7]، ولم يقل: جعلوا شناترهم في صناراتهم!

    ومع ذلك فالكلمات التي جاءت في القرآن على لغة أهل اليمن كثيرة جداً فقد روي أن عمر بن الخطاب كان في مجلسه فجاءته امرأة من اليمن فقالت: (يا أمير المؤمنين إن بعلي عبد حقي وترك الوصيد رهواً ولي عليه مهيمن فهل لي عليه مسيطر؟) أو (من مسيطر؟) فقال عمر: ما فهمت ما تقولين؟ فقال ابن عباس: (كلمات كلهن في كتاب الله) قولها: (إن بعلي) أي: إن زوجي فقد قال الله تعالى: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [هود:72]، (عبد حقي) أي: تركه وقد قال الله تعالى: إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ [الزخرف:81]، أي: التاركين لعبادته أو لعبادة ذلك الولد، (وترك الوصيد رهواً) أي: ترك الباب مفتوحاً؛ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف:18]، وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا [الدخان:24]، (ولي عليه مهيمن) أي: شاهد وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48]، (فهل لي عليه من مسيطر؟) أي: حاكم، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22]، فاستغرب عمر ذلك!

    وعموماً فإن الأحرف السبعة التي أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم على القول الذي اخترناه أن المقصود بها أوجه القراءة لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم كل وجه من هذه الأحرف السبعة أو هذه الأوجه السبعة في القرآن كله حتى يكون ذلك قراءة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما روى الناس عنه القرآن بهذه الأحرف كلها ولم يأمر أحداً من الأعراب أو من أهل الحاضرة بتغيير نطقه بالحروف، بل كان يأتيه النجدي ويقرأ عليه القرآن فيقرأه هو على هيئة الحروف فلا يأمره بتغيير ذلك، ويأتيه اليماني فيقرأ عليه القرآن فيقرأه بطريقة نطقه بالحروف فلا يأمره بترك ذلك وهكذا.

    وعموماً فالقراءات التي لدينا ليست هي الأحرف السبع التي أنزلت لكن يمكن أن تكون كل قراءة منها ملفقة من الحروف السبعة كلها؛ فمثلاً بالإمكان أن نتصور أن الحرف الأول الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه إمالة ولا إشمام ولا وقف بالروم وليس فيه ترقيق للراء ولا تسهيل للهمز ولا نقل للحركة مثلاً، والحرف الثاني فيه الإمالة وليس فيه بقيتها، الحرف الثالث فيه الإشمام وليس فيه بقيتها، الحرف الرابع فيه نقل الهمزة وليس فيه بقيتها، الحرف الخامس فيه تسهيل الهمزة وليس فيه بقيتها، والحرف السادس فيه اثنان من هذه، والحرف السابع فيه كل هذه.. وهكذا حتى تجتمع لدينا أوجه القراءة. وقد أمر عثمان الصحابة بكتابة المصاحف فكتبوها فكانت ممكنة من قراءة الأحرف السبعة كلها، فقد حوت الأحرف السبعة كلها وهذا هو الراجح.

    وقد ذهب بعض أهل التفسير إلى أن الأحرف السبعة قد نسخت إلا الحرف الأخير وهو العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه لكن هذا الذي قالوه مرجوح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأحرف السبعة في وجه الامتنان وبيان التوسعة على الأمة قال: ( أنزل علي على سبعة أحرف فلا تختلفوا فيه )، فلو كانت الأحرف الأخرى قد نسخت لما كان لهذا معنىً ولا فائدة فلذلك الراجح بقاء الأحرف السبعة وأنها لم تنسخ وما كتبه الصحابة رضوان الله عليهم من المصاحف يمكن أن تقرأ منه هذه الأوجه المختلفة في القراءة وهذا وجه من الإعجاز في القرآن، ومع هذا لم يقع الاختلاف بين المصاحف التي كتبها الصحابة إلا في حروف معدودة؛ ففي مصحف أهل مكة إثبات (من) في سورة التوبة ولم يثبتها شيء من المصاحف الأخرى في قول الله تعالى: جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ [التوبة:100]؛ فالمصاحف الأخرى كلها لم تثبت (من) والمصحف الذي أرسله عثمان إلى أهل مكة فيه إثبات (من) ولذلك قرأ بها ابن كثير وحده دون بقية القراء، كذلك في مصحف أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل مكة إثبات واوات ليست في مصحف أهل المدينة ومصحف عثمان ومصحف أهل الشام هذه الواوات هي قول الله تعالى في سورة آل عمران: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133]، وقوله تعالى في سورة المائدة: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ [المائدة:53]، وقوله تعالى في سورة التوبة: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا [التوبة:107]، وكذلك الفاء في قوله تعالى في سورة الشورى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وكذلك الواو بدل الفاء في قول الله تعالى في سورة الضحى: وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا [الشمس:15] بدل: (فلا يخاف عقباها) كذلك إضافة لفظة (هو) فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد:24]، في سورة الحديد في مصحف الكوفيين والبصريين دون بقية المصاحف فقط هذه الألفاظ التي اختلفت فيها المصاحف، أما ما عداها فلا اختلاف بين المصاحف فيه أصلاً، وهذه الألفاظ التي اختلفت فيها المصاحف لا تأثير لها في المعنى نهائياً ولا علاقة لها به سواءً أثبت الواوات أو حذفتها أو أثبت الفاء في قوله: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30]، أو حذفتها لا فرق في المعنى، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد:24] (إن الله الغني الحميد) لا فرق في المعنى؛ فلذلك لا شك أن إثباتها حرف من الحروف المنزلة وأن حذفها حرف من الحروف المنزلة؛ فهي قطعاً كلها من ما أنزل الله على رسوله سواءً بالإثبات أو بالحذف.

    واتفقت المصاحف في ما سوى ذلك على هيئة تمكن من قراءة الأحرف كلها؛ ولهذا فإن الصحابة اجتهدوا في كتابة الكلمات التي أنزلت بالجمع تارة وبالإفراد تارة فكتبوها على طريقة حذفوا منها ألف الجمع وأثبتوا فيها التاء بدل الهاء في الكتابة مثل قول الله تعالى: (وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً) فمنهم من قرأها بالجمع ومنهم قرأها بالإفراد: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا [الأنعام:115]، فكتبوها بالتاء ولم يكتبوها بالهاء وحذفوا الألف فكان ذلك معجزاً لأنه ممكن من قراءة الوجهين، ونظير هذا كثير.

    ولم تكن النقاط موجودة في عصر الصحابة ولذلك سهل بأن تقرأ الكلمة على اختلاف النقط مثل قوله: كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259] (كيف ننشرها) ومثل قوله: (الذين هم عند الرحمن) الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ [الزخرف:19] فالفرق فقط هو فرق في النقط دون غيره ولم يكن الضبط موجوداً في عصر الصحابة والضبط هو الشكل؛ ولذلك كثر الاختلاف في الضبط، والضبط إما أن يكون مع حذف بعض الحروف أو مع الإضافة أو دون ذلك فمع حذف بعض الحروف حذف بعض الحروف دون تغيير الشكل مثل قوله: (ملك يوم الدين) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] فالضبط كما هو وإنما حصل الاختلاف بإثبات المدة أو حذفها فقط، ومثل ذلك رسم الحرف بوجه يمكن أن ينطق به بأوجه مختلفة مثل (صراط) اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7]، أو (اهدنا السراط المستقيم سراط الذين أنعمت عليهم) أو بالإشمام بقرب الزاي، نعم، ومثل ذلك (بمسيطر) (بمصيطر) و (يبسط) و (يبصط) ونحو هذا؛ فتكتب بحرف واحد ويقرأ الحرف الآخر لتقاربهما في المخرج ولعدم اختلاف المعنى باختلاف الحرف.

    وأما اختلاف الشكل مع حذف حرف فهو مثل: (وما يخادعون إلا أنفسهم) أو وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ [البقرة:9]؛ فالشكل يختلف مع إثبات الحرف و حذفه، وأما اختلاف الشكل دون تغير رسمي فمن أمثلته قول الله تعالى: قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119] (قال الله هذا يومَ ينفع الصادقين صدقهم) (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ المُجْرِمِينَ [يوسف:110]، ومثل قوله : (ليحصنكم من بأسكم) و لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ [الأنبياء:80]، اختلاف النقط فقط، ونظير هذا كثير؛ فهذا إذاً فيه تكمن أهمية علم القراءة، والذي يريد أن يحضر درساً في هذا لابد أن يستوعب أولا تاريخ القراءات وتحديدها فبدايتها كلها من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه واختلافهم في الرواية عنه وكلها راجعة إلى المصاحف المرسومة، وهي تنقسم إلى قسمين: إلى قراءات متواترة وقراءات شاذة، والمقصود بالمتواترة التي رواها أهل الأمصار وثبتت بنقل الكافة عن الكافة ونسبتها لشخص معين لا ينافي ذلك فإذا قلنا: هذه قراءة نافع وهذه قراءة عاصم ليس معنى ذلك أنه لم يروها في طبقة من طبقات الإسناد غير هذا القارئ، بل المقصود أنها قراءة ذلك البلد قراءة نافع هي القراءة التي اشتهرت في المدينة قراءة عاصم مثلاً قراءة أهل الكوفة قراءة أبي عمرو البصري قراءة أهل البصرة قراءة ابن كثير قراءة أهل مكة قراءة ابن عامر قراءة أهل الشام وهكذا فهذا نقل الكافة عن الكافة، ولكنها اشتهر من مدرسيها بين الكافة هذا القارئ، والقارئ الذي اشتهر بين الكافة بالرجوع إليه في عصر التابعين وأتباعهم هو الذي تنسب إليه القراءة بلفظ القارئ يسمى قارئاً، ومن اشتهر بالنقل عنه سواءً كان نقل عنه بالمباشرة أو نقل عنه بالواسطة يسمى راوياً، ومن اشتهر عن الراوي بالنقل عنه يسمى طريقاً؛ فهذا الاصطلاح لابد من معرفته أن يميز الإنسان بين القراءة والرواية والطريق؛ فالقراءة هي الكبرى وتحتها الرواية وتحت ذلك الطريق.

    1.   

    القراءات والقراء السبعة

    والقراءات المتواترة لم تكن مجموعة في الصدر الأول حتى جمعها ابن مجاهد فاختار منها سبع قراءات هي قراءة نافع بالمدينة وابن كثير بمكة وأبي عمرو بالبصرة وعبد الله بن عامر بدمشق وعاصم بن بهدلة بن أبي النجود بالكوفة وعلي الكسائي كذلك وحمزة الزيات كذلك؛ فهذه السبع التي اختارها ابن مجاهد واشتهرت بالقراءات السبع بين الناس، وهي قطعا متواترة يجوز التعبد بها والقراءة بها في الصلاة وقراءتها على الملأ، بل يطلب ذلك ويثاب الإنسان عليه؛ فهذه السبع قطعاً متواترة.

    وهذه السبع اشتهرت رواياتها فعن نافع قالون وورش، وهما أشهر من روى عنه وقد روى عن نافع كثير سواهما لكن اشتهرت قراءته من هاتين الروايتين من رواية عيسى ابن ميناء وهو قالون ومن رواية عثمان المشهور بـورش، وكذلك قراءة ابن كثير اشتهرت من رواية البزي وقنبل ولم يرويا عنه بالمباشرة وإنما رويا عنه بالواسطة، ومثل ذلك قراءة أبي عمرو بن العلاء البصري اشتهرت من رواية حفص الدوري وأبي شعيب السوسي ولم يرويا عنه بالمباشرة، وإنما رويا عنه بالإسناد، ومثل ذلك قراءة عبد الله بن عامر فقد اشتهرت عنه من رواية هشام الدمشقي وعبد الله بن ذكوان وكذلك قراءة عاصم بن بهدلة اشتهرت عنه من رواية أبي بكر بن عياش المشهور بـشعبة ومن رواية حفص وكذلك قراءة الكسائي اشتهرت عنه من رواية أبي الحارث ومن رواية حفص الدوري الذي سبقت روايته عن أبي عمرو وكذلك حمزة اشتهرت قراءته من طريق خلف ومن طريق خلاد فهما اللذان رويا عنه، فيتحصل لدينا هنا سبع قراءات من أربع عشرة رواية، وكل رواية كذلك فيها طريقان؛ فمثلاً رواية ورش عن نافع من طريق أبي يعقوب الأزرق ومن طريق الأصبهاني ورواية قالون من طريق ابن نشيط ومن طريق الحلواني، وكذلك حفص عن عاصم من طريق عبد الله بن الصباح أو عبيد بن الصباح ومن طريق عمرو بن الصباح، وهكذا؛ فهذه يحصل لنا منها ثمانية وعشرون طريقاً، ثم نكمل العشرة؛ فنضيف أبا جعفر يزيد بن القعقاع بالمدينة وهو شيخ نافع ونضيف كذلك خلفاً الذي ذكرناه راوياً عن حمزة فله قراءة مستقلة ونضيف كذلك يعقوب الخراساني فله قراءة مستقلة، وكل واحد من هؤلاء الثلاثة اشتهر عنه راويان كذلك فيكمل بذلك لدينا عشر قراءات من عشرين رواية، وكل رواية فيه طريقان مشتهرتان؛ فتكمل لدينا إذا أربعون طريقاً، ويمكن أن نضيف ثلاثة إلى العشرة وهم الأعمش وابن محيصن والحسن البصري؛ فلهؤلاء قراءات اشتهرت عنهم أيضاً.

    1.   

    القراءات الشاذة والاحتجاج بها

    فهذه القراءات عليها المعول كذلك في فهم كتاب الله سبحانه وتعالى؛ لأن بعض القرآن يفسر بعضاً، ويقدر كذلك تقييده به عند الإطلاق؛ فالقراءات وإن كانت شاذة إلا أنها يؤخذ منها تفسير المتواتر، وكذلك يحتج بها في اللغويات مطلقاً واختلف في الاحتجاج بالشاذ في الشرعيات في أخذ الأحكام من القراءات الشاذة على ثلاثة أقوال:

    القول الأول: أنها حجة مطلقاً، وبهذا أخذ الشافعية وهو رواية عن الحنابلة أن القراءة إذا صح إسنادها فهي حجة مطلقاً، ومثال ذلك قراءة ابن مسعود في سورة المائدة قول الله تعالى: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير ر قبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) فلفظة (متتابعات) شاذة لأنها ليست موافقة لرسم المصحف وهي قراءة ابن مسعود فأوجب الشافعية والحنابلة في رواية تتابع صيام كفارة اليمين بناءً على هذه القراءة الشاذة، ومثل ذلك قول الله تعالى في قراءة أبي وابن مسعود: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله) فإن القراءة المتواترة أيديهما وهذه القراءة الشاذة فيها تخصيص ذلك بالأيمان، ويترتب على هذا عدم القطع ثانية إن سرق بعد القطع معناه: إذا سرق قطعت يمينه فإن سرق أخرى لم يترتب على ذلك إلا التعزير، انتهى الحد، وعند الجمهور إذا سرق المرة الأولى تقطع يمينه وتحسم ثم إذا سرق الثانية تقطع شماله أو رجله اليسرى ثم يسرى يديه ثم رجله اليمنى كذلك، ثم بعد هذا يحبس وينفق عليه من بيت المال.

    والجمهور يستدلون بأن لهذا جنسا في الشرع لأن التدرج في إقامة الحد شرعي بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الثالثة فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إذا زنت الرابعة فليبعها ولو بحبل )، فالتدرج في مثل هذا مقصد شرعي وموجود في الحدود عموماً.

    القول الثاني: أن القراءات الشاذة ليست حجة مطلقاً؛ لأنها ليست قرآنا إذ ليست بين دفتي المصحف ولا هي حديث لأنها لم تنسب إلى النبي صلى الله عليه من قوله، وهذا القول هو مذهب مالك؛ ولذلك فإن المالكية يرون أن الرضاع لا يحتاج فيه إلى خمس رضعات معلومات حيث قال مالك: هذا الذي روته عائشة: (كان مما يتلى عليكم عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مما يتلى عليكم) ليس بقرآن لأنه ليس في المصحف ولا هو حديث لأنها لم تنسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله والحجة إنما هي بالكتاب أو بالسنة وليس هذا كتاباً ولا سنة، وقد احتج بهذا الشافعية والحنابلة على أن نصاب الرضاعة المحرم هو خمس رضعات معلومات على خلاف بينهم في تحقق الرضعات الخمس هل تحصل بالمصات أو بالرضعة حتى ينتزع فاه من الثدي وكذلك في ضبط ما إذا احتلبت له فشرب كم يعتبر خمس رضعات من ذلك؟ وهذا الخلاف يقتضي تضعيفاً لهذا القول لأنه يبدو فيه عدم الانضباط.

    والقول الثالث: أن القراءات الشاذة حجة كحجية الأحاديث لا كحجية القرآن، معناه أنها مثل أخبار الآحاد من الحديث لا تعارض المتواتر من الكتاب أو السنة لكن يمكن أن يخصص بها أو يقيد وتعارض ما دون المتواتر إذا ساواها في المرتبة وهذا القول هو اختيار الشافعي وإليه إشارة السيوطي رحمه الله بقوله:

    وأجمعوا أن الشواذ لم تبح قراءة بها ولكن الأصح

    كخبر في الاحتجاج تجري وأنها التي وراء العشر

    (وأجمعوا أن الشواذ لم تبح قراءة بها) أي في الصلاة أو القراءة لتعليم القرآن (ولكن الأصح كخبر في الاحتجاج تجري) أنها كخبر الآحاد في الاحتجاج تجري (وأنها التي وراء العشر).

    ثم القراءات الشاذة أجمع على أن ما زاد على الثلاثة عشر شاذ حتى لو نسب إلى صحابي وثبت إسناده عنه يعتبر شاذاً، واختلف فأجمع كذلك على أن السبعة متواترة، القراءات السبع الأولى التي عددناها أولا بالإجماع متواترة، وبين هاتين المنزلتين سنذكر إن شاء الله في الفقه أننا عند ذكر المسائل الخلافية خطوات ذلك أن تذكر الأقوال ثم يحرر محل النزاع ثم تذكر الثمرة المترتبة على الخلاف فتحرير محل النزاع أن تقول: لا خلاف أن ما زاد على الثلاثة عشر غير متواتر إلا خلافاً ضعيفاً في القراءة الرابعة عشرة لبعض الأصوليين ولا خلاف كذلك أن السبعة متواترة إلا خلافاً يسيراً وهو الخلاف في ما اختلف فيه القراء وفي هيئة الأداء هل هي متواترة أم لا؟ فمثلاً هيئة الأداء التي يسمعها الإنسان عند المشارقة غير هيئة الأداء عند المغاربة وذلك راجع إلى النغمات والتأثر بأصوات الأشخاص ومراعاة التفاصح ونحوه فاختلف هل هذا متواتر أو غير متواتر نظراً لتباين الناس فيه؟ وكذلك ما اختلف فيه القراء من الألفاظ فيه خلاف هل هو متواتر أم لا؟ ما حصل الاختلاف فيه اللفظ نفسه الذي حصل الاختلاف فيه، فيه خلاف هل متواتر أم لا؟ وهذان الخلافان أشار إليهما السيوطي رحمه الله في قوله:

    والسبع قطعا للتواتر انتما

    وقيل إلا هيئة الأداء قيل وخلف اللفظ للقراء

    ثم الخلاف في مرتبتين:

    المرتبة الأولى الثلاث المتممة للعشر وهذه الراجح فيها التواتر إن شاء الله وقد جزم بها الجزري، ومع ذلك فقد رأى عدد من أهل العلم عدم تواترها ومنهم الإمام الشاطبي رحمه الله فإنه لم ينظمها في الشاطبية نظم في الشاطبية السبعة فقط ولذلك قال في مقدمتها:

    جزى الله بالإحسان عنا أئمة هم نقلوا القرآن عذباً مسلسلا

    فمنهم بدور سبعة قد توسطت سماء العلا والعدل زهراً وكملا

    لا شهب عنها استنارت فنورت سواد الدجى حتى تفرق وانجلا

    وسوف تراهم واحداً بعد واحد مع اثنين من أصحابه متمثلا

    فذكر السبعة ولم يذكر تمام العشرة، ونظم ابن الجزري الثلاثة المتممة للعشرة في الدرة التي تتمها على وزن الشاطبية وجعل لها رموزاً كرموز الشاطبية لكن هذه الرموز من حفظها مع الشاطبية التبست عليه لأنه يرمز بنفس الرموز التي رمز بها الشاطبي من قبل للقراء لأن الشاطبي يقول: (جعلت أبا جاد على كل قارئ دليلاً على المذكور في النظم أولاً أو على الترتيب أول أولا) فما ذكره مرتب على هذه الحروف فالألف لـنافع والباء لـورش والجيم لـقالون والدال لـابن كثير .. وهكذا حتى يتم الأحرف إلا أن الواو لم يجعلها رمزا لأنها تأتي عاطفة فتخلص منها، والرموز الجمعية مثل الثاء التي جعلها رمزاً جمعياً ومثل لفظة (سماء) ومثل لفظة (الحرمي) ومثل لفظة (حصن) وبعض الألفاظ التي يجمع بها عدداً من القراء على اصطلاحه وقد بينه في المقدمة هذه لا لبس فيها لكن الحروف التي رتب عليها ابن الجزري الدرة هي نفس أبا جاد في بداية الترتيب عند الشاطبي.

    ثم إن ابن الجزري رحمه الله عندما ألف مختصره للتيسير، تيسير كتاب الإمام أبي عمرو الداني ضمنه القراءات السبع فقط أضاف إليه ابن الجزري الثلاثة المكملة للعشر ولخصه في كتابه "تحبير التيسير" فيضيف القراءات الثلاثة دائما عندما يغفلها الداني يذكرها هو، ونظم ذلك في أرجوزته الموسعة التي سماها "طيبة النشر" وقد ذكر فيها الطرق التي ليست في الشاطبية والدرة ووسعها أراد بها تقريباً استيعاب أشهر ما ذكره في النشر لأن النشر ذكر فيه ألف طريق وطريق واحد، وهذه الطرق كلها من طريق أبي داود وسليمان بن نجيح عن أبي عمرو الداني، نعم.

    فلهذا الراجح أن الثلاثة المتممة للعشرة متواترة، أما الثلاثة الزائدة على العشرة متممة للثلاثة عشرة فإنما قال بتواترها بعض المشارقة وبعض الأصوليين، بعض المشارقة من القراء وبعض الأصوليين والراجح فيها عدم التواتر، الراجح فيها أنها ليست متواترة؛ وعليه تندب الإعادة في الوقت لمن صلى بها أما إذا خرج الوقت فلا تندب له الإعادة مراعاة للخلاف لأن بعض أهل العلم يرى أنها متواترة وقد ثبت إسنادها، وقد استشكل بعض أهل العلم التواتر في بعض القراءات السبعية نظراً لمخالفته للعربية لأن الضابط الذي ذكره ابن الجزري رحمه الله في التواتر هو قوله:

    وكل ما وافق وجها النحو وكان للرسم احتمالا يحوي

    وصح إسناداً هو القرآن فهذه الثلاثة الأركان

    قوله: (صح إسناداً) يقصد به ما تواتر.

    فهذه القيود الثلاثة تقريباً مخرجة لسكتات خلاد على (أل) القمرية ونحوها فـخلاد يسكت سكتات، ومثلها سكتات البزي عن ابن كثير، وهذه السكتات لا تكاد توافق العربية وبالأخص ما كان منها بين المد وسببه فالمد هو حرف المد الذي يمد به الصوت وسببه الهمزة أو السكون؛ فعند خلاد تقف على المد قبل الهمزة تقول: (سيقول السفهاءْ من الناس) يسكن يسيراً، وهذا لا يوافق العربية في الأصل، لا يوافق الوجه النحوي لكن مع ذلك يدخل في الخلاف السابق في ما ذكرنا في المسائل التي انفرد بها كل قارئ هل تعتبر شاذة أو متواترة من السبع؟

    وأما ما روي عن الإمام أحمد أنه أنكر تواتر قراءة حمزة وكره القراءة بها في الصلاة فلعلها لم تصل إليه متواترة أو لم تكن متواترة في زمانه ثم تواترت بعد ذلك والتواتر يمكن على التعريف الذي سقناه من قبل أن يتجدد ولعل أحمد رحمه الله إنما أنكر تقعر بعض القراء بها لأن كثيراً من القراء يقع في التقعر ولهذا فإن الذهبي رحمه الله في كتابه الصغير "زغل العلم" ذكر ملحوظة على القراء هي التقعر وعد الأوجه ومثَّل لذلك مثلاً بأوجه التوسط في مد البدل في: (آلآن وقد عصيت قبل) (آلآن) في قراءة ورش له في هذه الكلمة اثنا عشر وجهاً، كلمة واحدة فيها اثنا عشر وجها لـورش وحده في المدين، فأنكر الذهبي هذا وقال هذا من التقعر والتكلف الذي نهي عنه محمد صلى لله عليه وسلم في قوله تعالى: وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ [ص:86]، ومثل ذلك لعل أحمد أنكر كثرة الإمالات المحضة في قراءة حمزة لأن حمزة اجتمع في قراءته أربع إمالات في كلمة واحدة (كهيعص) إمالتان محضتان وإمالتان بالتقليل: كاف ها يا عين صاد، أربع إمالات في كلمة واحدة وهذه التي ألغز بها أحد القراء في قوله:

    أخبروني عن آية جاء فيها كل حكم قد كان للنونات

    وإمالات أربع بمحل قد عزوها لحمزة الزيات

    إذاً هذا ما يتعلق بالحكم على هذه القراءات.

    1.   

    من آداب دارس علم القراءات

    بقي من آداب الذي يدرس القراءات ومما ينبغي له أن يراجع ويحضر دائماً وأن لا يتكل على حفظه في ما يتعلق باختلاف الأوجه لأن من النادر أن تستوي ذاكرة الإنسان في قراءات متعددة، يمكن أن يكون الإنسان حاضر الذاكرة في قراءتين في ثلاث لكن ما زاد على ذلك يصعب عليه استحضاره دائماً، ومن هنا يحسن به قبل الدرس أن يراجع كتب القراءات فيما يتعلق بالدرس نفسه دائماً بهيئة دائمة، كذلك من واجباته أن يقرأ بكل وجه ذكره حتى يسمع الطالب ذلك من نطقه هو لأن الأصل في القراءات أنها سنة متبعة وأنها تؤخذ من أفواه الرجال لا من ألفاظ الكتب؛ ولذلك فكثير من الأمور لا تحقق في القراءات إلا عن طريق السماع كالإمالة والإشمام والروم والوقف بالتقليل وغير ذلك من الأوجه التي لا يمكن أن تدرك بمجرد قراءتها مكتوبة، فلو قارنا هذا بالمهارات العلمية اليوم المدروسة لطرق التدريس فإن ما يسميه أهل طرق التدريس بالقراءة الصامتة، القراءة الصامتة يقصد بها تدبر الكلمات استخراج الكلمات العويصة لشرحها واستنباط الفوائد من النص هذا أيضا فيما يتعلق بالقراءة الناطقة مهارة من مهارات تدريس القراءات هو أمر لابد منه، وهذه القراءة مختلف في هيأتها على قولين:

    القول الأول: أنها يجوز فيها الجمع والفرق، القول الثاني: أنها لابد فيها من الفرق ولا يجوز فيها الجمع، والجمع هو أن يقرأ الإنسان آية في الأصل بقراءة واحدة من رواية واحدة ثم يبين من اندرج مع ذلك الراوي في تلك القراءة، يبين من اندرج معه وإذا حصل انفراد أو زيادة يتمم القراءات في تلك القراءة ثم يتركها ويذهب إلى ما بعدها وبهذا يكون في الآية الواحدة أو في المقطع الواحد قد جمع القراءات كلها على طريقة الاندراج؛ لأنك في الأصل مثلا تقرأ بـقالون ثم يقال لك: من اندرج معه؟ فتقول: فلان وفلان وفلان إلا في كذا فقد قرأ قالون مثلاً ميم الجمع بالتخيير بين الضم والإسكان (وقالون بتخييره تلا) وكذلك في ما يتعلق بالإمالة في التوراة فيها وجهان لـقالون وكذلك ما يتعلق بالإبدال بـ(الذئب) وفي (بئر معطلة) وفي (المؤتفكات) خلاف لـقالون أيضاً، فإذا أردت أن تقرأ به تبين من اندرج معه في الوجه الأول من أوجهه مثلاً ثم تأتي بالوجه الثاني وتبين من اندرج معه وكثيراً ما تستوعب القراءات إذا كان المقطع قصيراً بهذا. هذا القراءة بالجمع.

    الوجه الثاني: القراءة بالفرق أو بالإفراد، وهو أن تقرأ ختمة لكل قارئ على حدة ولا شك أن هذه أسلم وأقرب لمنهج السلف فيما يتعلق بتعلم القراءات، وأيضاً فإن الذي يقرأ بالفرق هو الذي يمهر ويتقن بخلاف من يقرأ بالجمع دائماً، الماهر هو الذي يقرأ بالفرق.

    1.   

    مراجع في علم القراءات

    بالنسبة للرجوع إلى المراجع الأصلية في هذا العلم فإن مراجعه التي ينبغي حفظها لمن اشتغل بهذا العلم أو يجب حفظها لمن يشتغل بعلم القراءات أهمها متن الشاطبية ولابد أن يتقن الإنسان رموزها وحفظ هذه الرموز وأن يتقن كذلك إصلاح كلماتها ففيها كثير من الكلمات الغريبة في اللغة وكثير من الكلمات التي يشق ضبطها فيحتاج الإنسان إلى مراجعة الشروح، وشروح الشاطبية من أعظمها وأهمها كتاب "سراج القارئ" فهو من أكثرها نفعا من أكثر المطبوع منها نفعا وقد طبع لها ثلاثة شروح لكن أهمها هذا الشرح وطبع معه كذلك كتب نافعة مثل "غيث النفع" وغيره مطبوعة على الهامش، وكذلك "الدرة" التي هي تكملة الشاطبية فينبغي للقراء بالعشر حفظها وكذلك "طيبة النشر" لمن أراد التوسع في هذه القراءات العشر وكذلك نظم ابن بري المسمى بـ(الدرر اللوامع في مقرئ الإمام نافع ) وهو نظم نافع جداً كما سماه مؤلفه فهو درر لوامع في الواقع وهذا الكتاب له شروح متعددة أحسنها "النجوم الطوالع" وهو مطبوع شرح متوسع جيد، وله شروح أخرى وعليه منظومات، إضافات إليه، والذي يبتدئ في علم القراءات ينبغي أن يبدأ به لسهولته ويسره ولأن أول ما يبدأ به في القراءات قراءة نافع؛ فهي أول القراءات دائما عند كل المؤلفين في القراءات جميعاً وهو قد أتقنها أتقن روايتي ورش وقالون، ورش من طريق أبي يعقوب الأزرق وقالون من طريق أبي نشيط.

    ثم الكتب التي هي للمطالعة من أيسرها "تحبير التيسير" وهذا الكتاب ينبغي أن يكون دائماً مع كل شخص في حقيبته الخاصة لأنه يحل له إشكالات القراءات بسرعة ويسر وسهولة ليس فيه رموز ولا إشكالات يبين لك القواعد المطلقة ثم يردفها بالفرش ويرتب ذلك على ترتيب المصحف للسور، وهو في حجمه لطيف وكذلك لغته واضحة وسهلة.

    ثم بعد هذا "النشر" وهو بحر لا ساحل له ومشكلته العويصة رداءة الطبعة فقد طبع طبعة واحدة فيها كثير من الأخطاء ومن ليس من أهل القراءات كثيراً ما يلتبس عليه الأمر لأنه يحذف من هذه الطبعة (لا) النافية فيقال: يجوز عند فلان كذا بدل: لا يجوز، ونحو هذا؛ فلذلك هذا الكتاب ينبغي فيه الرجوع إلى أهل القراءات ومن كان لديه منه نسخة لابد في الحكم أن يصححها على مراجع أخرى أو على من كان مختصاً.

    وكذلك كتب الإمام الداني فهي أصل هذا العلم كله وهي المرجع عند الاختلاف وأعظمها "التيسير" وهو أيضاً قد طبع طبعة فيها أخطاء فادحة وفيها سقط بين بعض الأحيان تتجاوز ثلاثة أسطر بين سطرين ونحو هذا لكنه متوفر مخطوطاً ويحقق الآن وسينشر إن شاء الله وملخصاته كثيرة، الكتب التي هي اختصارات له أو شروح طبع منها عدد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755949535