إسلام ويب

الإسلام في مواجهة الجريمةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الجرائم شؤم على الأرض وأهلها، فهي سبب للهلاك العام الذي لا ينجو منه إلا من حاربها وأنكرها، وهي وبال على أصحابها في الآخرة إن لم يتوبوا منها ويصلحوا ما أفسدوا، وللجرائم أسباب تؤدي إليها، فيجب اجتنابها، وإذا وقعت فلها علاج يزيلها ويمنع ضررها، وقد أخفقت كل المبادئ والأنظمة في علاج الجرائم أو حتى في التخفيف من ضررها على المجتمعات، ولم ينجح في علاجها وسد أبوابها إلا الإسلام الذي جاء ببيان خطورتها والتحذير منها، وإغلاق كل الطرق المفضية إليها.

    1.   

    الإجرام معناه وخطورته

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بُعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى قد أكثر في كتابه من لوم المجرمين، ومن وصفهم بأنواع النعوت المؤلمة المخوفة من مصيرهم ومآلهم؛ وذلك للتنبيه على خطر الإجرام وضرره.

    فحري بنا أن نبحث في ظاهرة الإجرام، وأن نبحث في مظاهر هذا الإجرام ووسائله وأسبابه وعلاجه كذلك.

    معنى الإجرام

    الإجرام: مصدر أجرم الإنسان بمعنى: اقترف جريمة، والجريمة هي في الأصل من الجرم الذي هو الجرح، فكأن الإنسان جرح جرحاً لا يستطيع علاجه، وذلك أن سكان هذه الأرض بمثابة قوم يركبون سفينة في عمق البحر، فالذين يجرمون يشقون هذه السفينة لتغرق بأهلها ومن فيها، فما أهون الأرض على الله إذا عصاه أهلها، فإنه سبحانه وتعالى لو كشف الحجاب لحظة واحدة لأحرقت سبحات وجهه السماوات والأرض وما فيهن، ما أهون الأرض على الله إذا عصاه أهلها!!

    وجوب الأخذ على يد المجرم

    إن الذين يعصون الله سبحانه وتعالى في هذه الأرض يشقون فيها شقاً فيتسع هذا الشقُّ، فيشق علاجه بعد ذلك ويصعب؛ ولهذا أوجب الله على المؤمنين أن يمسكوا بأيدي هؤلاء وأن يكفوهم عما هم فيه، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أن الرجل كان يلقى الرجل فيقول: يا هذا! اتق الله ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وقعيده وشريبه، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم تلا قوله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ[المائدة:78-81] ثم قال: كلا، والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهُون عن المنكر، ولتأخذُن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً -أو: لتقصرنه على الحق قصراً- أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم ليلعننكم كما لعنهم).

    الجرائم سبب للهلاك العام الذي لا ينجو منه إلا من نهى عنها

    إن الأخذ على يد المجرم ومنعه من جريمته أول مستفيد منه هو الآخذ على يد المجرم؛ لأنه ينجو بنفسه وينجي أهله من عذاب الله وعقوبته، وإن الذي يظن أن السعي للحيلولة دون الإجرام هو تدخل في الشئون الداخلية، وأنه مما لا يعني الإنسان وينبغي تركه، جاهل بمقتضى الواقع؛ لأنه بمثابة الإنسان الذي في السفينة في عمق البحر ومعه راكب يراه بعين بصره يخرق السفينة لتغرق بأهلها، فهل تدخُّله هنا تدخل في شئون الغير؟!

    هو تدخل في شئون النفس؛ يريد إنقاذ نفسه؛ ولذلك أخرج البخاري في صحيحه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، وقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).

    وقد قص الله علينا في كتابه قصة قرية من بني إسرائيل كانت حاضرة البحر، فحصل فيها الإجرام، فسكت أهلها عن التغيير إلا قليلاً منهم، فجاء البلاء من الله سبحانه وتعالى وعاجلتهم العقوبة، فأخذ الله الذين اقترفوا الإجرام أخذاً وبيلاً، وألحق بهم الذين سكتوا ورضوا وتابعوا، وأنجى الذين كانوا ينهون عن السوء وحدهم؛ ولذلك قال في كتابه: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ[الأعراف:163-166] فهذا أخذ الله الوبيل وعقوبته الشديدة لمن لم يتمعر وجهه في ذات الله، ولم يغير المنكر إذا رآه!!

    شؤم الجرائم على الأرض وساكنيها

    إذا ظهر الإجرام في بلد فسيتعدى ضرره وينتشر، وإذا لم تعالج الناس العقوبة فإنه يعالجهم ما يتعلق بذلك الإجرام -نسأل الله السلامة والعافية- من الشؤم؛ فإن لكل ذنب شؤماً يلحقه، وهذا الشؤم لا يختص بصاحب الذنب الذي اقترفه، بل يتعداه إلى من سواه.

    وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم بعض مظاهر الإجرام التي حصلت في الأرض، وهي تبين تاريخ هذه الجريمة على هذه الأرض، فهذه الأرض كانت نقية طاهرة، يُعبد عليها الله وحده، كان بها الملائكة، فأراد الله -لحكمة بالغة- أن يمتحن هذا الجنس البشري، فيحله في هذه الأرض الطاهرة الطيبة التي فيها ما يحتاج إليه بنو الإنسان من الأقوات والأمكنة، وكل ما يحتاجون إليه في شئون حياتهم، فامتحنهم الله سبحانه وتعالى بالتكاليف، فكان منهم المفسدون الذين هم إلى النار صائرون، نسأل الله السلامة والعافية!

    فعندما بيَّن الله للملائكة أنه سيعمر هذه الأرض بجنس البشر، قالوا: (( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ))[البقرة:30] رعب الملائكة من جرائم بني آدم حين اطلعوا عليها مستورة في اللوح المحفوظ، فعندما أطلعهم الله على ما تؤول إليه هذه البشرية في هذه الأرض، رعبوا من هول هذه الجرائم.

    وهذه الجرائم هي بمثابة قنابل ذرية يفجرها الإنسان في هذه الأرض، فتتأثر بها كل الكائنات الحية، وتتأثر بها الحيتان، وتتأثر بها الطيور في السماء، وتتأثر بها ذرات السهول، وتتأثر بها أرحام الأرض وما تنبته، ويتأثر بها كل أنواع النبات، والمكان الذي فجرت فيه بعد عدة قرون لا تزال الولادات فيه مشوهة، ولا تزال الأمراض فيه تنتشر.

    أرأيتم القنبلة التي فجرها الأمريكان فوق مدينة (هيروشيما) اليابانية، فهذه القنبلة مازالت إلى الآن آثارها واضحة حتى في الولادات، فالولادات مشوهة، وانتشر السرطان والأمراض الخبيثة؛ بسبب قنبلة واحدة كانت من نوع بدائي في أول نشأة القنابل الذرية، فكيف بهذا الإجرام الذي هو معصية، والذي هو أعظم من هذه القنابل كلها وأفتك!!

    إن جريمة واحدة على هذه الأرض تضج الأرض إلى الله منها وتشكو، والإنسان الذي يجرم في مكان قد حله من قبله ملك مقرب كان يسجد لله في هذا المكان، وأنت تقف فيه يا عبد الله تخلف هذا الملك في المكان الذي كان يقف فيه، فإذا أتيت بجريمة تصوَّر حال هذه الأرض وقد كانت تحس بسجود هذا الملك المقرب الذي لا يعصي الله تعالى في المكان، وترى خلافتك أنت لهذا الملك في هذا المكان.

    أو حتى لو تصورنا ما هو أقرب من هذا، هذا المكان الذي يعصي فيه البشر كان فيه من قبلهم من الناس الذين كانوا يطيعون الله تعالى ولا يعصونه، فتصور المكان الذي تزاول فيه المعصية كم قد وقع فيه من الطاعات لله سبحانه وتعالى، وكم قد عمره من الصالحين! فإنه يضج إلى الله تعالى من الاقتراف الذي تقترفه فيه، وما يقابله من السماء والهواء والملائكة المكلفون بحفظك وحفظ المكان، كل ذلك يشهد عليك بإجرامك الذي تدمر به البلد.

    إن الله سبحانه وتعالى بيَّن لنا أنه مكَّن لنا في آثار السالفين السابقين الذين سبقوا، وجعلنا خلفاء من بعدهم في هذه الأرض، فامتحننا بذلك؛ ليعلم ما نحن صانعون، وهو أعلم؛ فهو سبحانه وتعالى لا يتجدد له وجود علم، وإنما يمتحن الناس بذلك؛ ليشهد عليهم ويُشهد عليهم ملائكته؛ حتى لا ينكر أحد منهم شيئاً مما فعل، فيأتي ومعه الشاهد والسائق والرقيب ويأتون معه ليشهدوا عليه بما اقترف.

    يحتاج الإنسان إلى التنبه؛ لأن فترة حياته محدودة، ولأن المكان الذي يعمره من هذه الأرض محدود إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا[الإسراء:37] فعليه ألاَّ يكون مسرفاً مجرماً فيعمر هذا المكان بما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وبما لا يرضي المكان نفسه، فالمكان يشهد عليه بكل ما فيه.

    من ابتدأ الجريمة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها

    كذلك فإن هذا الإجرام مقتضٍ لأن يبقى عمر الإنسان السيئ متجدداً إلى آماد طويلة، فالذي أسرف وأجرم وعمره ثلاثون سنة أو عشرون سنة من وقت إجرامه عمره السيئ الذي فيه الإجرام مستمر؛ لأن الناس سيتبعونه في إجرامهم، فيكتب عليه من سيئاتهم، ويلحقه ذلك بعد موته آماداً طويلة؛ ولهذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من أحد يقتل على هذه الأرض إلا على ابن آدم الأول كفل منها) ابن آدم الأول هو من سن القتل لأهل الأرض، وقتل أخاه ظلماً عدواناً، فما من قتيل يقتل على هذه الأرض إلا على ابن آدم الأول وزر منه.

    وكذلك كل من اقترف جريمة وأذاعها بين الناس فتبعه الناس عليها، فإنه يكتب في ميزان سيئاته أوزار من تبعه على ذلك إلى يوم القيامة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من دعا إلى الهدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة لا ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً).

    وكذلك قال: (من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً).

    1.   

    مظاهر الإجرام وتفاوتها

    إن مظاهر الإجرام في هذه الأرض هي ارتكاب ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى من السيئات، وأعظمها الشرك بالله سبحانه وتعالى؛ فهو الذنب الذي لا يغفر، ثم ما دونه من الذنوب وأعظمها كبائر الإثم والفواحش، ثم ما بعدها من الصغائر التي دونها، فهذه هي الجرائم، لكن الناس في عرفهم لا يطلقون الجرائم إلا على المستبشعات من الأمور التي لم يعد الناس يألفونها، فالأمور المألوفة لدى الناس -حتى لو كانت أكبر في ميزان الشرع- لا يعدونها جريمة، إنما يعدون جريمة نكراء الأمر غير المألوف فيما بينهم؛ والسبب هو الاعتياد فقط، فالإنسان الذي يتعود على شيء يزول عنه ما كان يجده في نفسه من الكراهية له وعدم الاطمئنان به. وها نحن الآن إذا سمعنا الرعد في السماء لم نرعب منه، لكن إذا سمعناه في الأرض يصيبنا منه رعب شديد؛ والسبب أننا قد ألفنا الرعد في السماء ولم نألفه في الأرض، لكن لا فرق بين الأمرين أصلاً، كل ذلك تخويف من الله سبحانه وتعالى.

    وكذلك كسوف الشمس والقمر موعظة عجيبة وآية من آيات الله وتخويف منه وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا[الإسراء:59] ، لكن مع ذلك طلوع الشمس نفسها آية من آيات الله، والانفجارات الذرية التي فيها وعلى سطحها والتي يقع منها في كل ثانية ألفان وستمائة انفجار ذري في كل ثانية واحدة، هذا آية من آيات الله وموعظة عجيبة، لكن الناس ألفوا هذا وتعودوا عليه فلم يعد مهماً لديهم، بل لم يعد يسترعي انتباههم أصلاً، أما الأمر غير المألوف فهو الذي تتعلق به النفوس وترعب منه وترتاع له؛ ولهذا فإن الجرائم المتعلقة بالماديات أعظم عند الناس كثيراً من الجرائم المتعلقة بالمعنويات.

    أعظم الجرائم الشرك بالله عز وجل

    ومعلوم أن الشرك بالله هو أعظم جريمة يمكن أن يرتكبها الجنس البشري على هذه الأرض، لكن لو سمعنا رجلاً يقول في السوق ألفاظ الشرك أو يفعلها، أو يسب الله ورسوله أو القرآن فلن نرى الناس يستعظمون جريمته، ولا يتألبون عليه، ولن تجد من يهتم للأمر، أو من يقول فيه بالحق؛ لأنه أمر معتاد لديهم!!

    أما لو سرق الإنسان مائة أوقية فقط، فإن كل أهل السوق سيمسكونه: سارق .. سارق، وهذا يضربه من هنا، وهذا يمسكه من هنا، فهل سرقةُ مائة أوقية أعظم من الشرك بالله؟!

    فالقضية هنا أن الناس لا يزنون ولا يكيلون إلا بميزان المادة، فما كان مادياً اعتبروه جريمة كبيرة، وما ليس كذلك كان أمراً اعتيادياً لديهم، يمر الإنسان من الشارع فيرى الاختلاط ويرى السفور، وكأنه ما رأى شيئاً ولا وقعت عينه على شيء أصلاً؛ لأن هذا أصبح من المألوف لدى الناس، وهو إذا كان مؤمناً ورأى معصية الله تمعَّر لذلك وجهه، واقشعر جلده، وخشي أن يسقط عليه ما يقابله من السماء حين يرى معصية الله فيرضى بها.

    إن الذين يتعودون على مشاهدة المناكر ستخف لديهم حتى يكون المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ولا يأتي هذا إلا بالتدريج والتقصير!

    1.   

    أسباب الإجرام

    إن هذه المظاهر التي هي من مظاهر الإجرام على هذه الأرض لها أسباب كثيرة، من أعظمها:

    ضعف الإيمان

    أولاً: نقص الإيمان بالله سبحانه وتعالى وبقدره وبملائكته، وبالبعث بعد الموت وباليوم الآخر وما اشتمل عليه.

    فالذي يؤمن بالله وملائكته وكتبه وبالقدر خيره وشره، ويؤمن بالبعث بعد الموت وباليوم الآخر وما اشتمل عليه؛ يعلم أن هذه الحياة الدنيا ليست الحياة الباقية وأنها متاع وأن الآخرة هي دار القرار، ومن هنا سيحاول أن يعيش فترات حياته المحدودة في هذه الدنيا بسلام، وأن ينطلق منها سالماً على الأقل، كما قال عمر بن الخطاب في حال موته: (وددت لو أخرج منها كفافاً لا علي ولا لي)، سيحاول أن يخرج من هذه الدنيا كفافاً لا له ولا عليه على أقل تقدير، أما الذي يقل إيمانه بالله فلا يستشعر أن ديان السموات والأرض يراقبه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، ولا تخفى عليه خافية، ويعلم السر وأخفى، ويعلم ما توسوس به نفسه.

    ويعلم كذلك جزماً بملائكة الله الكرام الكاتبين الذين لا يخفى عليهم شيء من عمله وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[الانفطار:10-12] ، وقال جل وعلا: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18] .

    ويعلم كذلك علم اليقين أن كل شيء بقدر الله، وأن الله كتب كل شيء قبل أن يكون وعلمه، قال الله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ[الأنعام:59] ويعلم كذلك أنه سيموت ويبعث بعد الموت، سيحيا ليقص أثره إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ[يس:12] سيقص أثره كاملاً ويراجع حساباته ويرى صحائف أعماله، ويبدو له من الله ما لم يكن يحتسب.

    وإذا علم كذلك أن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنها هي دار الجزاء ووزن الأعمال؛ لن يسرف ولن يقترف، ولن يحاول أن يصرف قوته وطاقته وجهده إلا فيما ينجيه من هول ذلك اليوم.

    أما من يخفُّ إيمانه بهذا وينقص فهو الذي يبحث عن وليجة أو عن مدخل؛ ليخفي على الله أو على ملائكته الكرام الكاتبين شيئاً من الأعمال، أو يظن أنه حتى لو علم الله بها فهو لن يبعث أو لن يحشر أو أنه لن يجدها، قال الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ[آل عمران:30] .

    إن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أن هذا الإجرام سببه هو نقص الإيمان؛ ولهذا قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ترفع إليها الرءوس حين ينتهبها وهو مؤمن) فصاحب الإيمان القوي عنده ما يردعه وكفى بالإيمان رادعاً.

    أما من ضعف إيمانه وخف يقينه فهو الذي يذهب في هذه الدنيا ولا يبالي بما اقترف، ويسير كأنه لا يستشعر عقوبة الله سبحانه وتعالى، ولا يستشعر الملائكة الكرام الكاتبين، ولا يتذكر موته وحمله على الرقاب إلى الدار الآخرة، ولا يتذكر فزعته من القبر وقيامه منه حين ينفخ في الصور نفخة الفزع، ولا يستشعر عرضه على الله ووقوفه بين يديه، ولا يستشعر الكفتين: كفة الحسنات وكفة السيئات ووزن الأعمال فيهما بمثاقيل الذر فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه[الزلزلة:7-8] .

    الغفلة عند ارتكاب الجريمة

    ومن أسباب الإجرام: أن يغفل الإنسان عن هذا، فيكون الإنسان مؤمناً مصدقاً بكل ما سبق ولكنه يغفل عنه في وقت اقتراف المعصية، فتغلبه شهوته فيقع فيما حرم الله عليه لا نكراناً ولا جهلاً، ولكنه يفعل ذلك غفلة ونسياناً؛ فتزدريه النفس الأمَّارة بالسوء، ويقوده الشيطان الذي لا يقوده إلا إلى ما يهلكه، وحينئذ يتبع هواه فيتردى في الوحل وينساق وراء الشهوات، فيكون كالحيوان البهيمي، فإذا أنعم الله عليه بأن تذكر عرف أنه قد تردى إلى المهاوي العظيمة.

    وإننا نعرف أشخاصاً بأعيانهم يعيشون معنا على هذه الأرض من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، كانوا قد وقعوا في هذه القاذورات التي تسخط الله سبحانه وتعالى، فأعادهم الله إلى الإيمان بنعمة منه وهداية، فلما رجعوا تذكروا المكان الذي كانوا فيه من المعصية فعرفوا أنهم بمثابة من تردى في بئر عميقة جداً ثم نجا منها وأُخرج، خرجوا من مهوىً عجيب لا يزال كل فرد منهم يتذكر ما كان عليه ولا يقارنه إلا بدركات جهنم، إن هؤلاء قد أنعم الله عليهم بنعمة الهداية فرجعوا، أما كثيرٌ ممن سواهم فهم مستمرون -نسأل الله السلامة والعافية- عامتهم سادرون لا يبالون، مستمرون حتى يفجأهم الموت وهم على ذلك.

    طول الأمل

    كذلك من أسباب الإجرام: أن يكون الإنسان مؤمناً بكل ما سبق متذكراً له في ساعته، لكنه يطول الأمل، فيغريه الشيطان بأنه بالإمكان أن يرجع ويتوب بعد أن يقترف المعصية، ويقول له: افعل ما شئت الآن وما تريده، ثم عمرك طويل بعد هذا، وستتوب إلى الله وتعبده، وهذه هي علامة الخذلان وطمس البصيرة، نسأل الله السلامة والعافية!

    فالشيطان يضرب على قافية رأس الإنسان إذا هو نام، يضرب في كل عقدة: إن عليك ليلاً طويلاً فنم، فيغريه بطول الأمل، والواقع أن أصحاب العقول لا يمكن أن يغتروا بطول الآمال، وهم يرون في كل يوم وفي كل صباح وفي كل مساء الذين ينتقلون إلى الدار الآخرة، ممن هم أقوى منهم أبداناً وأكثر أموالاً وأرفع مكانة اجتماعية، فيرون أجناس الناس ينتقلون إلى الدار الآخرة، لا تبقى شريحة من شرائح المجتمع إلا رأيتها: فترى الرؤساء والملوك، وترى الوزراء والقادة، وترى التجار والأغنياء، وترى الفقراء والمساكين، وترى الصبيان الصغار، وترى الشباب الأقوياء، وترى الشيوخ والعجزة، كل هؤلاء يدفنون جميعاً في المقابر.

    قال الشاعر:

    لا الموت محتقر الصغير فعادل عنه ولا كبر الكبير مهيبُ

    وقال الآخر:

    ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد

    كلنا صائرون إلى ذلك المصير، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين وقف على ضجنان بعد حجته: (كنت أرعى إبلاً للخطاب على ضجنان، فكنت إذا عجلت ضربني وقال: لم تعش، وإذا أبطأت ضربني وقال: ضيعت، ولقد أصبحت وأمسيت وليس بيني وبين الله أحد أخشاه، ثم قال:

    لا شيء مما ترى تبقى بشاشته يبقى الإله ويفنى المال والولدُ

    لم تغن عن قيصرٍ يوماً خزائنه والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا

    ولا سليمان إذ تجري الرياح له والجن والإنس فيما بينها برد

    أين الملوك التي كانت بعزتها من كل صوب إليها وافد يفد

    حوض هنالك مورود بلا كذب لابد من ورده يوماً كما وردوا )

    إن طول الأمل مضرة عظيمة للإنسان، فهو الذي يقتضي فوات الأعمال الصالحات التي يندم الإنسان على فواتها، وهو الذي يدفع بالإنسان إلى تأخير فرائض الله سبحانه وتعالى، حتى ينتهي وقتها، وحتى لا يمكن الإنسان من العود إليها في فرصة لاحقة.

    إن الإنسان لن يستشعر فرصه الطويلة المتنوعة التي وهبه الله إلا بعد أن ينتقل من هذه الدنيا وينقطع عمله بالكلية، فمادام الإنسان يرجو الحياة فهو يؤمل أن يبقى.

    فالمرء قد يرجو الحيا ة مؤملاً والموت دونهْ

    تنفك تسمع ما حييـ ت بهالك حتى تكونهْ

    لكنه عندما يموت وتنقطع آماله عن هذه الدنيا يتمنى طرفة عين لو رجع إليها، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[المنافقون:9-11] .

    إن الجرائم التي يقترفها الناس ينتبهون لها إذا نشأت منها نابتة جديدة، أو ظهر منها مظهر جديد لم يكن متفشياً بين الناس، ففي زماننا هذا اليوم أصبح الناس في هذا البلد يتحدثون عن كثير من الجرائم التي لا عهد لكثير من الناس بها، من قتل الأقارب والإخوة الأشقاء، ومن إحراق الإنسان لنفسه، ومن اعتدائه على أحب الناس إليه وأقربهم إليه كقتل الإنسان لأمه، وغير ذلك من الجرائم الكبيرة التي لا عهد لأهل هذه البلد بها!! ولكنها تأتي كالسيل الجارف، وما هي إلا سنوات يسيرة حتى يألف الناس هذه الجرائم ويتعودوا عليها، كعصابات اللصوص التي تجوب بعض الطرقات في الليالي المظلمة، وتقطع الطريق على الناس، وتعتدي على حرمهم وتأخذ أموالهم، ومثل ذلك: العصابات التي تعتدي على منازلهم وبيوتهم تبيتهم وهم آمنون في بيوتهم، فيعتدون على متاجرهم، وما يجمعونه من المال.

    هذه الجرائم لم تكن معروفة ولا معهودة بين الناس في هذه البلاد، ولكنها اليوم أصبحت جريمة منتشرة ومنظمة، فقد أصبح الإجرام منظماً له أعراف يتعارف عليها أهل الإجرام فيما بينهم، وله قوانين وخطط يخططون لها؛ بل لا تستغربوا أن ينشئ بعض هؤلاء المجرمين المتمرسين معاهد للإجرام، إن الإجرام يدرس في كثير من البلدان الغربية، وله معاهد، فأصحاب التجارب الكبيرة في الإجرام تلتحق بهم عصابات اللصوص؛ ليعلموهم طرائق الإجرام وطرائق الحصول على الأموال بهذه الوسائل الملتوية.

    وسائل الإعلام

    كذلك فإن لوسائل الإعلام في تعليم الإجرام دوراً عظيماً، فالمسلسلات المفسدة التي تنشر فيها لنشر الرذيلة ولتعليم وسائل الإجرام كثيرة جداً، بل إن الهوائيات التي تعمل ليل نهار لا تخلو من هذه المسلسلات، فتارة تسمى بالمسلسلات البوليسية، وتارة بالمسلسلات الاجتماعية، وتارة بغير ذلك من الأسماء، لكنها جميعاً تُعلم الرذيلة، وتسعى لترسيخها في النفوس الطرية التي هي على الفطرة!!

    ومن أغرب ما سمعنا في هذا: أن رجلاً من الملتزمين الخيرين ومن التجار ذوي المال اشترى هوائياً فأدخله في بيته، وهو مشغول في عمله لا يأتي إلا في ساعة متأخرة من الليل وقد نام أولاده، وكذلك فإن أمهم مشغولة عنهم في كثير من الأحيان، فكان أولاده يتابعون هذه المسلسلات فيتعلمون ما فيها من وسائل الإجرام، فوجد أن أحد أولاده يسرق أمواله ويجمعها ويخفيها في مكان من بيته، وكان ذلك بطريقة محكمة جداً للغاية يعجب لها الإنسان، فسأله: كيف جمعت هذا المال؟ ومن أين أتيت به؟ ولماذا تجمعه؟ فقال: لا أريد ذلك لأي شيء، ولكن لأشبع به رغبة أجدها في نفسي تعودت عليها من المسلسل الفلاني!!

    رسخت هذه القيم في هذه النفوس التي كانت على الفطرة، وتعودت عليها.

    والأدهى من هذا والأمرُّ: أن رجلاً آخر كانت تجربته أخطر من هذه وأفظع، فله أولاد وبنات وكانوا يتابعون هذه المسلسلات وهو يعلم بذلك، وفي ذات يوم -نسأل الله السلامة والعافية- إذا بابنته مريضة، فارتاب من مرضها، فأخذتها إلى المستشفى فإذا هي متلبسة بحمل، فكاد أن يموت غماً، وأخذها إلى بيته وضربها، فقالت: لا تضربني، فأنا أحدثك بكل ما تسأل عنه، فقال: ما هذا؟ فقالت: هذا من أخي، كنا نتابع المسلسل الفلاني فطبقناه، وهما في أول البلوغ، نسأل الله السلامة والعافية!!! فعاد عليه وبال هذه الأجهزة، فقام إليها وكسرها من لحظته، لكنه ندم حيث لا ينفع الندم!

    إن كثيراً من الناس يتعودون على الإجرام ويتعلمونه بتجارب الآخرين، وبأمور خيالية أيضاً في بعض الأحيان، فينقلون هذه التجارب، وتنتشر بين الناس، وتشيع في الأرض.

    إن قتل الإنسان لنفسه لم يكن مألوفاً أبداً لدى الناس في هذه البلاد، لكنه ظاهرة منتشرة في أمريكا وفي أوروبا كلها، فتجد الإنسان يطلق الرصاص على نفسه، أو يشنق نفسه، أو يحرق نفسه في بعض الأحيان إذا كان مطالباً بديون لا يستطيع تسديدها، أو عليه غرامات كبيرة، أو خاب أمله في أمر معين، أو قد اقترف جريمة فاطُّلع على تلك الجريمة، أو خشي أن يُطَّلع عليها!!

    بل تجد كثيراً من الساسة في بلاد الغرب إذا عرف أن أحدهم قد تعاطى رشوة أو أخذ هدية فشاع ذلك في الإعلام؛ قتل نفسه ورأى هذا تخلصاً من جريمته!! فيظن أنه سيتخلص من كل مسئولياته وتبعاته بمجرد إزهاق نفسه، فيقتل نفسه ويتعجل الدخول إلى النار، نسأل الله السلامة والعافية!

    لكن من المستغرب جداً أن ينتشر هذا الأمر في بلاد الإسلام، وأن يطرق أبواب المسلمين الآمنين، فمثل هذه البلاد المحافظة التي يغلب على سكانها الالتزام بالإسلام والتحلي بآدابه وأخلاقه، من المستغرب جداً أن يحرق الإنسان فيها نفسه بين الناس، أو أن يقدم على شنق نفسه، أو إطلاق الرصاص على نفسه لأي سبب من الأسباب.

    لكن الناس إذا علموا أن فلاناً من الناس قد قتل نفسه حملوا ذلك على أحد محملين:

    إما أن يقولوا: هو مجنون، أو أن يقولوا: قد اقترف جريمة مالية، أخذ أموالاً فاطلع عليها فقتل نفسه ليستر جريمته، أو ليتخلص منها، لكن سبب هذه الجريمة لا ينحصر في هذين السببين المذكورين؛ بل كثير من الناس مأنوس غير مجنون، كثير من الناس سرت إليه هذه العادات من الناس أنفسهم لا من الجن.

    فكثير من الشباب الذين يتربون بين ذويهم في بيئات صالحة يخالطون شباباً آخرين هم في غاية الفساد، فسرعان ما تنتشر إليهم عدوى هؤلاء، وتنتقل إليهم كانتقال النار من المادة القابلة للاحتراق والاشتعال إلى مادة مجاورة لها، كما قال الشاعر:

    عدوى البليد إلى الجليد سريعة والجمر يوضع في الرماد فيخمد

    كذلك في المقابل إذا وضع الفحم على الجمر فسرعان ما يشتعل.

    إن كثيراً من الناس يتهم الجن بأنهم هم الذين أفسدوا أخلاقهم أو أفسدوا عقولهم، والواقع أن الجن من هذا برآء، بل كثير مما يقدم عليه البشر يستغربه الجن، ولا يستطيعون الإقدام عليه، إنما يتعود عليه هذا الجنس البشري الذي هو أشد قسوة من الحجارة، فقلوب البشر أشد قسوة من قلوب الجن؛ ولهذا يقدمون على أمور مستغربة جداً مستبشعة، ولذلك فالمأنوسون في هذا الباب أكثر من المجانين، الذين سرت إليهم عادات الإنس فأتلفت عقولهم وتصورهم أكثر من الذين أضر بهم الجن وأثروا على عقولهم.

    ضعف التوكل على الله

    من أسباب الجرائم: أن كثيراً من الناس يكون ضعيف التوكل على الله سبحانه وتعالى شديد التوكل على الأسباب، فيظن أن هذه الأسباب هي التي توصله إلى مبتغاه وما يطلبه، فيتوكل على الأسباب، ويهتم بها غاية الاهتمام، ويسعى لبذل الجهد فيها، لكنه سرعان ما تخونه هذه الأسباب، ويرى أنها لا توصل إلى نتيجة، فيقدم على جريمته تبعاً لذلك.

    إن الأسباب خوَّانة، فكم رأينا من الذين بذلوا أعمارهم وصرفوا جميع الحيل في جمع المال فما حصلوا منه على طائل! وكم رأينا آخرين لم يبذلوا فيه كثيراً من الوقت ولا من الجهد ولا من عناء التفكير، ومع ذلك آتاهم الله منه ما كتب لهم! إن الإنسان لن ينال إلا حظه وما كتب له.

    ومن هنا فينبغي ألا يتوكل على الأسباب، وألا يخرجها من طورها، وألا يتعدى بها حدودها؛ فالذين يتوكلون على الأسباب يصابون بإخفاق شديد.

    فهذا ابن زريق البغدادي يخرج من بغداد مسافراً إلى الأندلس، وينفق في ذلك نفقات باهضة؛ ليمدح أحد ملوك الأندلس، وهو يرجو منه مالاً ليسدد به ديوناً عليه في بغداد، فصبر على قطع هذه المسافات الطويلة من بغداد إلى الأندلس، فلما أتى الملك وامتدحه بقصيدته العجيبة وأنشدها بين يديه وطرب لها الملك، كافأه عليها مكافأة لا تساوي عشر ما أنفقه في سفرة، فتأثر تأثراً بالغاً، وذهب إلى ضفة النهر وكتب قصيدته العينية المشهورة ومات غماً!

    يقول في هذه القصيدة:

    لا تعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعهُ

    جاوزت في نصحه حداً أضر به من حيث قدَّرت أن النصح ينفعهُ

    فاستعملي الرفق في تأنيبه بدلاً من عذله فهو مضنى القلب موجعهُ

    يكفيه من لوعة التفنيد أن له من النوى كل يوم ما يروعهُ

    ما آب من سفر إلا وأزعجه عزم على سفر بالرغم يزمعه

    كأنما هو في حل ومرتحل موكل بفضاء الأرض يذرعهُ

    إن الزمان أراه في الرحيل غنىً ولو إلى السد أضحى وهو يقطعهُ

    وما مكابدة الإنسان واصلةٌ رزقاً ولا دعة الإنسان تقطعهُ

    قد قسَّم الله رزق الناس بينهمُ لم يخلق الله من خلق يضيعهُ

    لكنهم كلفوا حرصاً فلست ترى مسترزقاً وسوى الغايات تقنعهُ

    والدهر يعطي الفتى من حيث يمنعه أرباً ويمنعه من حيث يطلعهُ

    أستودع الله في بغداد لي قمراً بالكرخ من فلك الأزرار مطلعهُ

    ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وأني لا أودعهُ

    وكم تشفَّع بي أن لا أفارقه وللضرورة حال لا تشفَّعهُ

    وكم تشبث بي يوم الرحيل ضحىً وأدمعي مستهلات وأدمعهُ

    لا أكذب الله ثوب العمر منخرقٌ عني بفرقته لكن أرقعهُ

    إني أوسع عذري في جنايته بالبين عنه ونفسي لا توسعهُ

    إلى آخر ما ذكره في قصيدته الطويلة.

    فهؤلاء الذين يتكلون على الأسباب ويعتنون بها إذا جاءهم إخفاق -أياً كان- رجعوا أدراجهم، وانكبوا على وجوههم، وأصابهم الإحباط والندم.

    ويحصل هذا في شرائح الناس المختلفة: فالذين يطلبون العلم ويهتمون به، إذا كانت هممهم أقوى من قرائحهم كثيراً ما يصابون بهذا النوع من الإحباط، فينفق أحدهم السنتين أو الثلاث أو الأربع، فلا يحصل على العلم الذي يطلبه، لكنه لم يتوكل على الله في جمعه للعلم، ولم يقدم الأسباب الشرعية فيه، وإنما اتكل على حوله وقوته فوكله الله إلى حوله وقوته، ولم يعطه من العلم ما يطلب؛ فلذلك ينكص على عقبيه، ويصاب بإحباط شديد، بل ربما تأثر عقلياً أو نفسياً، وكذلك الذين يجمعون الدنيا، ويتكلون في ذلك على الأسباب، يخاطرون المخاطرات ويبذلون الجهود المضنية، وكثيراً ما يموت بعضهم في سبيل الوصول إلى هدف دنيوي معتاد، أو يقترف جرائم عظيمة بسبب الوصول إلى ذلك الذي يريده، وإذا وصل إليه انتهى عمره دون أن يصل إلى شيء.

    كما قال ابن مالك رحمه الله تعالى:

    أطعت الهوى فالقلب منك هواء قسا كصفا مذ زال عنه صفاء

    ورمت جدىً ما إن يدوم جداؤه وسيان فقر في الثرى وثراء

    كفى بالفنى قوتاً لنفس فناؤها قريب ويكفيها طراً وطراء

    ولو في الملا رمت الملاء حللت في رجاه إذا ما صح منك رجاء

    كأن الورى والموت نسي وراءهم ذوات الأذى قد حازهن أباءُ

    فلذلك يصاب هؤلاء بالإحباط إذا لم تتحقق آمالهم؛ لأنهم لم يتبرءوا من حولهم وقوتهم، ولم يتوكلوا على حول الله وقوته، ولم يعتصموا بحول الله وقوته، وتوكلوا على الأسباب فخانتهم الأسباب فأصيبوا بهذا الإحباط.

    كذلك الذين يدعون إلى الله كثيراً ما تعجبهم الأسباب الدنيوية وينشغلون بها ويهتمون بها، ويبذلون فعلاً ويضحون في سبيل أهدافهم، لكنهم إذا غفلوا عن التوكل على الله سبحانه وتعالى والاعتصام بحوله وقوته، والبراءة مما لديهم من حول وقوة، كثيراً ما يصابون بالإحباط، فتتراجع الآمال، وتنسد الأبواب، ويخبو النور الذي كانوا يعلَّقون عليه أملاً في جهة من الجهات، فإذا لم يكونوا أصحاب إيمان وقوة كثيراً ما ينكصون على أعقابهم، ويرتدون أدراجهم، نسأل الله السلامة والعافية!

    الجهل

    كذلك من أسباب الجرائم: الجهل؛ فإنه سبب لمعصية الله، وما عصي الله إلا عن جهل: إما عن جهل به، وإما عن جهل بشرعه، لم يعص الله قط إلا عن جهل: إما أن يكون الجهل بالله وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ[الزمر:67] ، أو أن يكون الجهل بشرع الله، فكثير من الناس يمارسون أعمالاً يتقربون بها إلى الله ويظنونها من أزكى قرباتهم، ومن أهم ما يعولون عليه في آخرتهم، وهي من أعظم ذنوبهم عند الله سبحانه وتعالى، ومن أخطر ما سيجدون في ميزان سيئاتهم وأثقله؛ والسبب: جهلهم بما شرع الله سبحانه وتعالى.

    إن الجهل مقتض للوقوع في هذه الجرائم، ولهذا فمن هذا الاسم اشتقت الجاهلية، فهي من الجهل، والجهل جهلان: جهل هو ضد العلم، وجهل ضد الحلم، والجاهلية مشتقة من الثاني على الراجح، ففيها الجهل الذي هو ضد الحلم؛ لما ينتشر فيها من الطيش والخفة.

    ولذلك كان أهلها يغضبون لأتفه الأسباب وأهونها، وإذا غضبوا تصرفوا تصرفاً يندمون عليه فيما بعد ندامة الكسعي حين كسر قوسه وعض أصبعه فقطعها، فهكذا أهل الجاهلية.

    إن هذه الجرائم التي تنتشر إذا بحثنا عن عدها سنجدها ذات كثرة طائلة، وسنجد الأيام حبالى بها، فكل يوم تظهر فيه جريمة وتنتشر، ولا يفتح الإنسان مذياعاً ولا يقرأ في جريدة ولا يرى وسيلة من وسائل المعرفة والعلم إلا واطلع فيها على كثير من الجرائم الكثيرة التي لم تخطر على باله؛ بل إن كثيراً من الدول اليوم تعلن عجزها أمام بعض الجرائم، فلا تستطيع مكافحتها بالكلية.

    فهذه الولايات المتحدة الأمريكية التي تزعم بكبريائها وعنجهيتها أنها قائدة العالم، بل يسميها الناس اليوم بشرطي العالم الذي يدافع الجرائم ويحمي الناس منها، استسلمت أمام الأحداث والقصَّر وطلاب المدارس، ولم تعد قادرة على الوقوف في وجه جرائمهم! فالصبيان الذين يدرسون في الإعدادية، والمراهقون الذين يدرسون في الثانوية يقترفون جرائم بشعة، يأتي أحدهم برشاشه فيقتل أباه وأمه وكل من في البيت من الأحياء، ثم ينتحر بعد ذلك، أو يأتي بقنبلة معه بين دفاتره وكتبه إلى المدرسة، فيفجرها في القاعة فيهلك جميع الطلاب ويهلك هو نتيجة ذلك.

    إن هذا النوع من الجرائم أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل كبريائها عجزها عن مكافحته، فضلاً عن الدويلات الأخرى الضعيفة.

    فالإجرام فيها يتجاوز هذه الحدود، بل إن كثيراً من الذين ينبغي أن يكونوا مكافحين للإجرام هم الذين يمارسونه بأنفسهم، كما قال الشاعر أحمد مطر :

    لأن من يسرقها يملك مبنى المحكمة ويملك القضاة والحجابا

    فكل هؤلاء الذين يقترفون كثيراً من الجرائم هم الذين يشكى إليهم، وهم الذين ترفع إليهم القضايا، أو يقترفها الناس تقوياً بهم، فأقاربهم وحاشيتهم مجرمون ويقترفون ما يحلو لهم أن يقترفوا ويجرموا، لكن إذا جاءت الملفات إلى مكان التحقيق أو العدالة اختفت وسرقت ولم تبق لها باقية، إن هذا النوع إذا تفشى في أرض فهو منذر بالخطر والدمار الشامل.

    كان أحد الدعاة في زماننا هذا بين يدي أحد الرؤساء، فكلمه هذا الرئيس بكلام لا يليق، وهو شيخ كبير السن، فقال له: سأشكوك! قال: إلى من تشكوني وأنا رئيس الدولة؟ فقال: أشكوك إلى ديان السموات والأرض! فرعب هذا الرئيس رعباً شديداً وقال: اسحب هذه الشكوى! ونزل عن كرسيه متواضعاً للشيخ يريد أن يقبل يده؛ ليسحب هذه الشكوى.

    فالذين ترفع إليهم الشكايات اليوم من أهل الأرض كثير منهم من الذين يساعدون في انتشار الإجرام، إن لم يكونوا من المقترفين له بالمباشرة.

    نقص الوعي بين الناس

    كذلك من أسباب انتشار الإجرام: نقص الوعي بين الناس.

    فكثير من الناس وعيه وتصوره بسيط جداً وقليل، فلا يدرك المخاطر الكبيرة أمام الإجرام، ومن هنا يظن أن الأمور على طبيعة أهل البادية، يأتي فيها الإنسان بما يريد وبعد ذلك تستتر وتخفى ولا يبقى لها أثر، وكذلك كثير منهم يهمل أهل الإجرام؛ بسبب نقص وعيه هو، فيرى المجرمين ويشاهدهم، وبالإمكان أن يشهَّر بهم، وبالإمكان أن يحاول الحيلولة بينهم وبين إجرامهم، لكن إذا لم يمس الإجرام بيته أو ماله أو ما يتعلق به فإن ذلك لا يعنيه ولا يهتم به، وهو ينسى أن هذا الإجرام شديد العدوى، وهو بمثابة الحريق المستطير، إذا لم يُصب بيتك فإنه سيصيب بيت أخيك.

    وقد ذكر ابن حزم رحمه الله تعالى مثالاً عجيباً فيما يتعلق بالخروج على أهل الجور والظَّلمة في زمانه، في مناظرة علمية فقهية عجيبة، قال فيها: إذا وجدت من ينكر الخروج على هؤلاء ومنافحتهم فيما هم فيه، فقل لهم: أرأيت إن اعتدي على زوجتك أكنت تسكت وتصبر؟ فسيقول: لا، فقل له: هل هي أشد حرمة من زوجات كل المسلمين؟ هل لديها حصانة تمتاز بها عن غيرها من النساء؟ إذا تجاوزت هذه فاسأله: إذا اعتدي على بيتك ومنزلك الذي تسكنه هل ستصبر وتسكت؟ فسيقول: لا، فقل له: وهل هو أشد حرمة من بيوت المسلمين؟ ويتدرج به في هذه المناظرة المقنعة العجيبة!

    إن كثيراً من الناس إذا رأوا المال العام ينتهك لا يعتبرون هذا جريمة؛ لأنهم لا يظنون أنهم يملكون فيه حظاً؛ لتعودهم على الاستبداد، فقد تعود الناس في كثير من البلدان على الاستبداد المطلق من قبل الدول، فظنوا أن الأملاك العامة هي ملك لأولئك المستبدين وحدهم، ولا شيء فيها لأي طرف آخر، ومن هنا إذا سرقها هذا السارق أو انتهبها هذا المنتهب، أو حصل بها أي إجرام من أنواع الإجرام، فهذا أمر لا يعنينا ولا نتدخل فيه، إن هذا المال الذي ينتهب ويسرق هو مالك، ولك فيه حظ ولأولادك ولمن بعدك ولجيرانك، وهو عموماً مال المسلمين، وأنت مخاطب شرعاً بحمايته وحفظه ما استطعت.

    إن الذي يرى محاسباً أو مديراً أو رئيس مصلحة يجرم بأخذ المال العام ويسرف فيه ويعتدي فيه حدود الشرع، فلا يعتبر هذا جريمة متعلقة بحقه الشخصي، ولا يلفت هذا انتباهه ولا اهتمامه، هو غير واع بالواقع؛ لأن هذا الذي ينتهك هو ملكك وهو مصالحك ومصالح أهلك وشعبك كله، وإذا أهملتها أنت ولم تراعها فسيهملها من سواك، ومن هنا يترسخ الاستبداد ويترسخ الإتلاف، وتستمر الجرائم إلى هذا الحد الذي ليس بعده إلا الدمار الشامل.

    إن هذه الجرائم المنظمة إنما تنتشر في البلدان التي ينقص فيها الوعي بين الناس؛ لأن الناس إذا كانوا على وعي بها فسيأخذون حذرهم، وسيحافظ كل إنسان منهم بما يستطيع من الوسائل للنجاة من هذه الجرائم، لكن إذا نقص الوعي عند الناس فأصبحت الأمور تؤخذ تارة بمأخذ الجد، وتارة بمأخذ الهزل، حتى يلتبس الجد والهزل على الناس كما قال الشاعر:

    تخلط الجد بأنواع اللعب

    فإن الأمر سيذوب ويزول، ولا يكون له حام ولا مدافع. تنتشر جريمة من الجرائم، كبيع المخدرات أو استعمالها أو غير ذلك من أنواع الجرائم، فيقام بالمبادرة لمكافحة هذه الجريمة، وتأتي هذه المبادرة جادة في البداية، ثم إذا وصلت إلى حلقات معينة يسدل عليها الستار، ويأتي اللعب بدل الجد، وتذهب الأمور وتزول؛ لتزداد هذه المشكلات والجرائم، ويزداد الطين بلة.

    وكذلك يقتل القاتل عمداً وعدواناً فيحكم عليه القاضي بالقصاص، ويطالب أولياء الدم به، وهذا القصاص قد جعل الله فيه حياة كما قال تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ[البقرة:179] ، فيصلون إلى حلقة من الحلقات ثم يتوقف فيها الملف وينتهي الأمر، بل يودع كثير من هؤلاء السجون وهي مدارس للإجرام، فيتمرسون على الجرائم بأكثر مما كانوا عليه، فلا يخرج أحدهم من السجن إلا وقد ذهب ما بقي ما معه من أخلاق ومن دين ومن قيم، ويأتي لينشر ذلك في المجتمع، فيصبح أستاذاً في الإجرام، وما أكثر دكاترة الإجرام بين الناس اليوم الذين مهروا فيه ودربوا عليه فيأتون لتعليمه ونشره بين الناس!

    إن كثيراً من هؤلاء ينظر الناس إليهم نظرة تقدير واحترام؛ ولهذا لا تستغربوا إذا ولي السارق منصباً سامياً بعد أن ثبتت عليه السرقة وعزل من منصبه؛ لأن هذا راجع إلى عدم وعي الناس، فالناس يحترمونه ويقدرونه، وإذا دخل مجلساً قام الناس إليه احتراماً له، فلا يستغرب عندما يعيَّن في وظيفة سامية؛ لأن الحكومات إنما تنظر في بعض الأحيان إلى آراء الناس ومن يقدرونه ويحترمونه، لكن إذا حصل الوعي لدى الناس؛ فأصبح السارق يعرف أنه سارق، وأنه مهين، لا كرامة له بين الناس، وأنه قد أهدر كرامته بسرقته ونهبته، وأصبح الزاني كذلك يعرف عنه هذا ويعرف مهانته على الناس، وأصبح كل مجرم يستشعر بين الناس إهانة ومذلة؛ فإن هذا هو الذي يكافح هذه الجريمة.

    وانظروا إلى تأديب النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الذين اقترفوا بعض الجرائم من أصحابه:

    تخلف ثلاثة رجال من الصالحين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزوة أمر فيها بأن لا يتخلف عنه أحد يقدر على القتال إلا بإذنه، فتخلف هؤلاء بسبب طول الأمل، فكانوا كل يوم يريدون الخروج ولا يتمكنون منه، فيقولون: لعلنا نخرج غداً، حتى قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً من تبوك، فلما قفل ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، واستشعروا الإجرام والذنب الذي وقعوا فيه؛ فليسوا مثلنا؛ هم أهل الإيمان وأهل الصحبة والجهاد في سبيل الله.

    ولذلك إذا وقع أحد منهم في ذنب خفيف ضاقت عليه الأرض بما رحبت، واستشعر موقفه بين يدي الله، واستشعر عظمة من عصاه، لذلك ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه.

    فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء المنافقون فاعتذروا وحلفوا، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عذرهم ووكلهم إلى الله .. وكل سرائرهم إلى الله، وجاء هؤلاء الثلاثة فصدقوا ولم يكذبوا ولم يحلفوا، بل أخبروا أنهم تخلفوا من غير سبب، وأن الشيطان غرهم بطول الأمل، وأنهم تائبون نادمون على ما فعلوا، فأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى ينزل عليه فيهم الوحي، لكنه أدبهم تأديباً بالغاً يكون رادعاً لكل المؤمنين ممن وراءهم، فأمر الناس ألا يردوا عليهم السلام، وألا يردوا عليهم في أي شيء، فقاطعهم المجتمع حتى زوجاتهم وأحب الناس إليهم، لم يرد أحد عليهم السلام، ولم يكلمهم بأي كلام، يقول كعب بن مالك حين طالت عليه المقاطعة:

    خرجت إلى أبي قتادة -وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي- فطرقت عليه الباب واستأذنته، فلما عرفني لم يأذن لي، فتسورت عليه حتى دخلت عليه، فسلمت عليه، فلم يزل جالساً مشتغلاً بما كان مشتغلاً به، فقلت: يا ابن عمي! ألست تشهد أني أحب الله ورسوله؟! فما رد علي ببنت شفة، بل سمعته حين أعرضت عنه أبكي يقول: الله ورسوله أعلم! فرجعت إلى داري وقد ضاقت علي الأرض بما رحبت.

    فهذا الاستشعار الذي يستشعره من وقع في جريمة، عندما يرى مقاطعة الناس له يستشعر فعلاً أنه مجرم، وأنه ينبغي أن يقاطع، وليس أهلاً لاحترام ولا لتقدير، فهذا الذي يكون رادعاً له عن جريمته ويرده عنها.

    1.   

    من وسائل مكافحة الجرائم إقامة حدود الله

    حدود الله تعالى هي علاج لهذا الإجرام وردع عنها بالكلية، وهي جوابر لما فرط فيه الإنسان في جنب الله، وزواجر كذلك عن اقتراف مثله.

    هذه الحدود تمنع الجرائم وتردعها، فمن قتل -مثلاً- جزاؤه أن يقتل، فإذا قتل واحد بسبب قتله كان ذلك رادعاً لألف أو أكثر؛ ولهذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى[البقرة:178] إلى أن قال: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ[البقرة:179] فهي حياة للطرفين: حياة للذي يريد القتل؛ لأنه إذا تذكر أنه سيقتل لن يقدم على القتل، وحياة كذلك للمقتول الذي كان سيقتل؛ لأن قاتله إذا علم أنه سيقتل به لم يقتله، ففيه حياة للطرفين معاً.

    وكذلك حد الردة، فمن ارتد عن دين الإسلام جزاؤه أن يضرب عنقه بالسيف، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) فإذا كان الإنسان لا يشهد هذه العقوبة ولا يراها واقعياً، فكل من زين له شيطانه أن يرتد عن الدين وجد ذلك أمراً سهلاً سائغاً بين الناس، لكن إذا رأى أن من بدل دينه يقتل عياناً جهاراً بين الناس، فهذا رادع ومقتضٍ من الناس ألا يبدلوا دينهم.

    وكذلك الزاني المحصن إذا أقيم عليه حد الرجم فرجم بالحجارة حتى يموت بين الناس، وشهد عذابه طائفة من المؤمنين، فإن هذا رادع لكل من سولت له نفسه هذه الفعلة، وكذلك الزاني البكر إذا جلد عياناً أمام الناس مائة جلدة وغرب وسجن سنة كاملة، فإن هذا رادع لأمثاله مانع من العودة لمثلها أبداً.

    وكذلك السارق إذا سرق فقطعت يمينه، وحسمت بالزيت المغلي بالنار أمام الناس وعلقت في رقبته، وطيف به بين الناس، فإن هذا مدعاة للابتعاد عن هذه الجريمة بالكلية وللحفاظ على أموال الناس.

    وكذلك الذي يرمي المحصنات الغافلات المؤمنات إذا أتي به أمام الناس فجلد ثمانين جلدة، فإن ذلك مدعاة لئلا تشيع هذه الفاحشة بين المؤمنين.

    ومثل ذلك اللوطي الذي يقوم بهذه الجريمة، فإن قتله أمام الناس أيضاً رادع لكل من تسوَّل له نفسه مثل هذه الجريمة، ولذلك لم تعرف جريمة اللواط في المجتمع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في حياة أبي بكر، ولا في حياة عمر ، وإنما عرفت في أواخر حياة عثمان في الأصقاع النائية من الأمصار، حيث دخل في الإسلام أقوام كانوا يتعودون على بعض هذه العادات، فلما ظهر ذلك جمع عثمان الناس فسألهم عن حد اللوطي: هل هو حد الزنا أو غير ذلك؟ وكان من الذين أشاروا عليه ابن عباس فقال: (لم يقترف هذه الجريمة إلا قرية واحدة، فرفعها الله، ثم ردها على الأرض فأهلكها، فأرى أن من ثبت عليه هذا يرفع على أرفع مبنىً في المكان ويرمى منه على الأرض)، فأمر عثمان رضي الله عنه بأن ينفذ ذلك في الرجل الذي ثبت عليه هذا، فرفع على أعلى مبنىً في القرية ثم رمي على الأرض ومات.

    فهذا النوع من العقوبات الرادعة هو خير من أن يودع هؤلاء المجرمون في السجون؛ للتعود على الجريمة والازدياد من الخبرة فيها، ولينفق عليهم من النفقات الطائلة، ويقام عليهم الحراس الذين يأخذون الرواتب الباهظة، دون أن يرتدعوا ودون أن يتعلموا ويتعلم من سواهم ضرر جريمتهم.

    تعليم الناس أحكام الحدود داعٍ إلى ترك الجرائم

    كذلك فإن من وسائل مكافحة هذه الجرائم وإزالتها بالكلية: أن يعلم الناس أحكام الله فيها وأن تشاع بينهم.

    فـعبد الله بن ياسين رحمه الله تعالى -وهو أول من أقام رباطاً في هذا البلد، وأحسب أنه يكتب له أجر من جلوسكم هذا ومن جلستكم هذه ومما يشبهها من الجلسات إلى يوم القيامة- عندما أتى إلى هذه البلاد ووجد أهلها لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا يطبقون من الدين إلا رسمه، وجمع خيرتهم في رباطه، أول ما بدأ أن علمهم الزواجر، ككبائر الإثم وما يتعلق بأمر العقوبات، وأشاعها بين الناس حتى أصبح الناس يفرون منها ويرهبونها ويخافونها، ثم بعد ذلك علمهم الفرائض، وبين لهم العقوبات التي تترتب على تركها، وهي في أغلبها عقوبات تعزيرية، فإذا تخلف الإنسان عن ركعة واحدة من الصلاة جلده عشرة أسواط، وإذا تخلف عن ركعتين جلده عشرين سوطاً، وإذا تخلف عن ثلاث ركعات جلده ثلاثين سوطاً، وإذا تخلف عن أربع ركعات جلده أربعين سوطاً، وعود الناس على الانشغال بالصلاة وترك ما كانوا فيه، وقد وجد عاداتهم كعادات أهل البادية، وحين طال بهم الأمد تركوا دعوة ابن ياسين وأهملوا تعاليم الإسلام، فكان الناس قبل مجيئه لا يصلي منهم في المساجد إلا نفر يسير، ولا تبنى المساجد ولا تقام، والذين يصلون الصلاة ينقرونها نقراً؛ لأنهم يخافون ضياع أموالهم أو تلف بهائمهم أو زروعهم، ولا يتوضئون إلا نادراً؛ لأنهم لا يجدون الماء إلا بالحفر في أعماق الأرض، ولا يقيمون كثيراً من حدود الله؛ لأنهم عشائر وقبائل يتحاكمون إلى الأعراف والعادات.

    فلما جاء ابن ياسين كافح كل هذه الأمور، وعلمهم دين الله الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأزال أدران الجاهلية من نفوسهم، وبذلك استطاعوا أن يتخلصوا من هذه الجرائم وأن يتركوها بالكلية.

    كذلك جاء قوم بعد ابن ياسين وحاولوا تجديد دعوته، وهم خمسة رجال فقط، فاجتمع هؤلاء وتعاهدوا على أن يحيوا دعوة ابن ياسين وعلى أن يحيوا الرباط من جديد، وعندما أقاموا في مجتمعهم مكثوا فترة طويلة لم يروا أية جريمة، وعينوا قاضياً فمكث زماناً لم يتحاكم إليه اثنان، ولم تقع أية خصومة؛ لأن الناس قد رجعوا إلى قيم الإسلام وإلى أخلاقياته، وأول خصومة حصلت بين أخوين، فأرسلا إلى القاضي وضربت لهما قبة بعيداً عن أماكن الناس، وجلسا فيها ينتظران القاضي، فقيل: هذا القاضي قد أقبل، فقالوا: ليرجع القاضي، فهذا أمر ينبغي أن يستر وهو واجب الاستتار، وسنصلح شأننا فيما بيننا، ورجع القاضي من دون أن يسمع الدعوى.

    إن هذه الجرائم من أبلغ ما يكافحها تصديق القيم، والعودة إلى منابع الدين كما هي، والرجوع إلى أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وإلى أخلاق أصحابه.

    فحين قام أبو بكر بقتال أهل الردة وقاتلهم على الإسلام أصبح ذلك رادعاً، فلم يعرف في أيام الخلفاء الراشدين أن أحداً أقيم عليه حد الردة، ولا في صدر دولة بني أمية، إلى أن وصل الأمر إلى آخر دولة بني أمية، فأول من عرف ممن قتل على الردة هو الجعد بن درهم، الذي زعم أن الله لم يستو على عرشه، ولم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، فخطب خالد بن عبد الله بن يزيد القسري، بالناس خطبة العيد، فقال في آخر خطبته: أيها الناس! ضحُّوا تقبل الله ضحاياكم؛ فإني مضحٍّ بـالجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يستو على عرشه، وأنه لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً. فنزل من المنبر، فذبحه كما تذبح الضحية!

    فقتال الردة جعل الناس يرتدعون عن الردة زماناً طويلاً، ولم يفكر أحد في الارتداد عن الإسلام للعقوبة الرادعة التي قام بها أبو بكر والصحابة معه.

    ومثل ذلك العقوبات التي أشيعت أيضاً في صدر الإسلام، فستجدون أن كل عقوبة أقيمت في بلد واشتهرت فيه فإن أهل ذلك البلد سيرتدعون عما رتب الشارع عليه تلك العقوبة؛ ولهذا جاء في الحديث: (لحد واحد يقام على الأرض خير لأهلها من أن يمطروا سبتاً)، (سبتاً) أي: أسبوعاً كاملاً.

    خطورة تعطيل حدود الله

    إن تعطيل حدود الله هو محادة لله في أرضه، ومنازعة لرسوله صلى الله عليه وسلم في أمره، وإشاعة للفواحش والمنكرات بين الناس، وإذاعة كذلك للإجرام ولأنواع الانتهاكات التي يتضرر بها جميع الناس؛ فكثير من الناس لنقص وعيه يظن أن المؤسسات القائمة التي تذكر بأسمائها الوظيفية هي التي يعهد إليها بمثل هذه الأمور، لكن هذه المؤسسات لن تبعث يوم القيامة، الناس اليوم يقولون: فلان قتلته الدولة، أو المال الفلاني صرفته الوزارة الفلانية أو الإدارة الفلانية، لكن هذا الكلام إنما هو دنيوي لن يصل إلى يوم القيامة، فيوم القيامة سوف يقال: فلان قتله فلان، فلان سجنه فلان، المال الفلاني انتهبه فلان أو سرقه فلان، العمل الفلاني اقترفه فلان بشخصه، فلن يبعث يوم القيامة رئيس ولا وزير ولا مدير ولا حاكم ولا والٍ، إنما الناس يبعثون يوم القيامة سواسية، وكل شخص منهم يخاطب بعمله وحده.

    والذي يظن أن اللقب الوظيفي مما يعذر به اليوم أمام الناس فإنما هو مخدوع بذلك، فهذا اللقب سيزايله وسيخرج منه عما قريب وسيبعث فرداً كسائر الناس وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[مريم:95] ، ولذلك فالذين قد ذهبوا إلى الدار الآخرة من الذين تجبروا وطغوا وبغوا في هذه الأرض، إذا وقفت على قبورهم ووقفت على قبور من سواهم لا تجد فرقاً بين الجانبين، إلا ما يظن بهذا وما يظن بهذا فقط، وعلم ذلك كله إلى الله سبحانه وتعالى ومصير كل شيء إليه.

    1.   

    مكافحة الجرائم واجب على جميع الناس

    إن هذه الجرائم التي تتفشى بين الناس وتشيع بينهم، لا ينبغي أن يظن الناس أن الجهة الحاكمة أو القضاء أو الشرطة هي المسئولة عن مكافحتها فقط، بل أن الجريمة اعتداء على أهل الأرض كلهم، ويجب عليهم أن يتعاونوا جميعاً على مكافحة الجريمة، وأن يقفوا في وجه الإجرام أياً كان، وهذا من حقوق المسلم على أخيه، كما جاء في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قالوا: يا رسول الله! أنصره مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟! قال: تمنعه أو تحجزه عن ظلمه؛ فإن ذلك نصره) إذا حجزته عن ظلمه فقد نصرته.

    وما أحوج الناس إلى ترسيخ هذه القيم اليوم بينهم، وأن يحجز كل أحد منهم أخاه عن ظلمه، وأن يحاول ألا يتفشى هذا الإجرام في محلته أو في المكان الذي فيه نفوذه وتأثيره.

    أهمية إنشاء جماعة لتغيير المنكر ومناصرتها

    فإذا وجدنا من الناس ملأً جعلوا من أولوياتهم وواجباتهم مكافحة الإجرام، وبذلوا في سبيل ذلك قصارى جهدهم، فإن هؤلاء سيكتب لهم أجور لا حصر لها، وسيرتفع بهم شؤم هذا الذنب إن لم يرتفع بهم وجوده، فقد لا يرتفع وجود الذنب في فترة وجيزة، لكن يرتفع شؤمه إذا وجد قوم يقفون في وجهه ويريدون مكافحته، ومنع انتشاره بالكلية.

    والأمر سهل ويسير، إن تشكيل جماعة أو مجموعة من الناس تتبنى محاربة الإجرام، أو حتى محاربة نوع واحد من أنواعه: محاربة اللصوصية، أو محاربة الإجرام الإعلامي، أو محاربة السرقة، أو محاربة المخدرات .. أو غير ذلك من أنواع الإجرام، فتشكيل هذا لا يكلف شيئاً؛ لأن هذا من الأمور التي تميل إليها الفطرة وتألفها النفوس السليمة، وما من أحد يدعى لمثل هذا إلا استجاب، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد شهدت حلفاً في الجاهلية لو دعيت إليه في الإسلام لأجبت)، وهذا الحلف هو حلف الفضول، تعاهد فيه المطيبون على نصرة المظلومين بمكة حين انتشر الفساد والظلم بمكة، وكان الحجاج تنتهب أموالهم، والعمار كذلك تنتهب أموالهم، فتعاهد المطيبون على نصرة كل مظلوم، فطيبتهم عمة النبي صلى الله عليه وسلم عاتكة بطيبها، ومسحوا أيديهم بالطيب ومسحوها على الحجر الأسود، وتبايعوا على نصرة المظلومين بمكة.

    فلو دعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى مثل هذا الحلف في الإسلام لأجاب إليه، وهذا يدلنا على أهمية مثل هذا النوع من الأحلاف فهي مما يقرها الإسلام، ولا يكفي لمثل هذا فرد أو فردان، بل إذا قام فيه حلف الفضول فتحالف الناس على منع الظلم ونصرة المظلومين ومكافحة الجريمة، لم يتأخر أحد من العقلاء وأهل الرأي، ولا أحد من الذين يبتغون الأجر من الله سبحانه وتعالى أن يكون من المشاركين في مثل هذا.

    حتى لو أقيمت لجان في البلدان أو الأحياء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولمكافحة الإجرام بما تستطيعه هذه اللجان، مثلاً: بتبليغ الشرطة، أو تبليغ الحكام، أو الولاة، أو على الأقل التشهير في الإعلام بالعصابات أو بأصحاب اللصوصية والإجرام، فتشكل لجان لمثل هذا في الأحياء، فهذا النوع من الأمور التي يردع الله بها، وهي على الأقل معذرة إلى ربكم، وفيها إجابة لهذا الحلف الذي لو دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام لأجاب إليه.

    1.   

    خطورة انتشار الجرائم والمعاصي

    إن انتشار الإجرام بين الناس مؤذن بخطر عظيم، فهو مقتض لحصول مقت الله سبحانه وتعالى وسخطه، وإذا حل المقت فإن العقوبة ستكون شاملة، ثم بعد ذلك يبعث الناس على نياتهم، كما صح عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يغزو جيش الكعبة، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم، فقلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟! فقال: يبعثون على نياتهم).

    فإذا جاءت العقوبة وحلت ستشمل الجميع، وتأكل الأخضر واليابس، وتقضي على الصالح والطالح، لكنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم، فمن كان منكراً معرضاً عن الإجرام فإنه سينجو منه يوم القيامة، لكن يشمله شؤمه في هذه الدنيا؛ ولذلك يجب علينا جميعاً إذا سمع أي أحد منا منكراً أن يبرأ إلى الله منه، وأن يشهد على ذلك، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل حين سمع بقصة خالد رضي الله عنه مع بني جذيمة، وذلك أنه أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد فتح مكة ليقاتل من امتنع عن الإسلام من الأعراب المحيطين بمكة، فأتى بني جذيمة، فدعاهم إلى الإسلام فقالوا: صبأنا صبأنا، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فتأول خالد بن الوليد وأصحابه فأعملوا فيهم السيوف، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمد يديه إلى السماء وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، فلما جاء خالد بيَّن عذره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل عذره.

    ومثل ذلك ما فعل حين أتاه محلم بن جثامة وقد قتل رجلاً شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تغفر لـمحلم بن جثامة، فقال: يا رسول الله! والله ما قالها إلا استعاذة من السيف، وما قتلته إلا وهو كافر! فقال: اللهم لا تغفر لـمحلم بن جثامة ، فمكث ثلاثاً في أسوأ حال ومات، فدفنوه فأصبح وقد قذفته الأرض، ثم أعادوه فأصبح وقد قذفته الأرض ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الأرض لتواري من هو شر منه ولكنها آية) الأرض تواري كثيراً من الكفرة والمجرمين، ولكنها آية ردع الله بها سبحانه وتعالى عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً).

    فلهذا على الناس أن يتعاونوا على مكافحة هذه الجرائم، وأن يعلموا أن خطرها وضررها عليهم أجمعين، وأنها لا تختص بالمتضررين المباشرين بها، بل يتعدى ضررها إلى من سواهم، ويهلك الحرث والنسل، وينقطع بها القطر من السماء.

    وقد أخرج ابن ماجه في سننه و أحمد في المسند و الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين! أعيذكم بالله أن تدركوا خمساً: ما نقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وجور السلطان ونقص المئونة، وما نقض قوم عهد الله وميثاقه إلا سلط عليهم عدواً من سواهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، وما ظهرت الفاحشة في قوم فأعلنوا بها إلا ظهرت فيهم الأمراض التي لم تكن فيمن مضوا من أسلافهم، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم).

    فهذه جرائم تتعلق بها عقوبات وشؤم في هذه الدنيا؛ فإذا انتشرت فوبالها وعقوبتها ستشمل الصالح والطالح؛ ولهذا يجب على المسلمين أن يتعاونوا على مكافحة هذه الجرائم والوقوف في وجهها.

    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبنا جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرفع عنا كل الجرائم، وأن يجعل بلدنا هذا بلداً آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

    اللهم اجعل بلدنا هذا بلداً آمناً مطمئناً سخاء ورخاء وسعة يا أرحم الراحمين.

    اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.

    اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

    1.   

    الأسئلة

    العزلة عند ظهور الجرائم والفتن

    السؤال: قلتم: إن التعود على الجريمة ورؤيتها يجعل الإنسان يستشعر عدم عظم هذه الجريمة، هل ترون الهجرة إلى المناطق الداخلية أفضل لدين المرء؛ لما يراه في هذه العاصمة من جرائم تمارس بكل بساطة؟

    الجواب: على الإنسان إذا رأى الجريمة أولاً: أن يحاول تغييرها وألا يستسلم لها، فالاستسلام ليس علاجاً؛ أن يترك الإنسان داره ومكانه لأهل الفساد؛ حتى ينتشر الفساد في الأرض، هذا مناف لمقصد الشرع، فمقصد الشارع أن ينتشر الخير، وأن يكافح الإجرام، وأن يردع أهلُ الحق أهلَ الباطل، ولا يقصد أن يذهب أهل الخير ويتركوا أهل الباطل يستبدون وينفردون بإجرامهم، بل المقصد الشرعي أن تكاثروهم وأن تردعوهم ما استطعتم، لكن -مع ذلك- إذا لم يجد الإنسان ناصراً على الحق فليس له إلا أن يفر بدينه من الفتن، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في الصحيح قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة ، قال: أخبرنا مالك ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر؛ يفر بدينه من الفتن)، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها، ألا أخبركم بخير الناس منزلاً بعده؟ مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله، ويذر الناس من شره).

    وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن التعرب بعد الهجرة خطر عظيم، فسكنى البادية لمن قد سكن الحاضرة خطر على دينه وأخلاقه وقيمه، وقد أخرج أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدا جفا، ومن تبع الصيد غفل)، فلا تكون هذه الهجرة إلى البدو والأودية والجبال إلا عند عدم وجود معين على تغيير المنكر والأمر بالمعروف.

    وجوب الإنكار على أصحاب محلات تجميل النساء

    السؤال: محلات تجميل النساء أو أماكن التزيين الموجودة على الشارع الكبير هي منارة مفتوحة الأبواب، وعلى أبوابها صور النساء في مظهر مؤلم، وبعض هذه المحلات قرب مسجدنا هذا، فما موقف المسلم من ذلك وجماعة المسجد؟

    الجواب: هذا الأمر من المنكرات التي يجب البراءة إلى الله منها وإنكارها، والتأثير على أصحابها بكل ضغط يستطيعه الإنسان، فإذا كان الإنسان يعرف أصحابها أو يستطيع التأثير عليهم، فيجب عليه أن يناصحهم بالتي هي أحسن حتى يكفوا عن ذلك، فإن لم يمتنعوا ولم ينتصحوا وجب عليه حينئذ أن يرفع في أمرهم، ويجب على جماعة المسلمين وجماعة المسجد أن تتخذ موقفاً من هذا أيضاً، وأن تأتي إلى المحلات القريبة جماعة مؤلفة من أهل المسجد من مختلف الأسنان فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الحجة لله، وقد قال الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ[النساء:135] ، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ[المائدة:8] وقد بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكر، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم) فلابد أن نقوم لله تعالى بالحق.

    القوانين الوضعية لا تساهم في الحد من الجريمة

    السؤال: إلى أي حد يمكن أن تساهم القوانين الوضعية في مكافحة الجريمة؟

    الجواب: إلى حد الصفر أو أدنى من الصفر؛ فالقوانين هي تشريع لما لم يأذن به الله وهي أكبر الجرائم، فالذي يريد مكافحة الجرائم بالقوانين الوضعية هو كالذي يريد تطهير النجاسة بالبول؛ لأن القانون نفسه أخطر جريمة وأعظم؛ لأنه تشريع لما لم يأذن به الله، ولن يترتب عليه إلا ما هو شر منه وأعظم وأخطر.

    تضييع المال العام من أبشع الجرائم

    السؤال: هل ما نشهده اليوم من تفريط بعض المسئولين والمتنفذين في أماناتهم واستيلائهم على ما تحت أيديهم من مال عام يدخل ضمن نطاق الجريمة في العرف الشرعي؟

    الجواب: نعم، هذا من أبشع الجرائم وأعظمها؛ لأن ما ائتمن عليه الإنسان تضييعه له أعظم وأبشع مما ليس كذلك، فالمسئول الذي وضعت فيه الثقة وجعل على رأس مؤسسة وجعل تحت يده مال اليتامى والفقراء والمساكين والمحتاجين ومن لم يولدوا بعد، ينبغي أن يحترم نفسه، وأن يحترم ما جعل تحت يده، وأن يحترم أمانة الله التي ائتمنه عليها، وهو يعلم أنه منقول عن هذا لا محالة، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك، وهو سائر عنها، إن لم يسر عنها في الصباح فسيسير عنها في المساء، وسيتركها وراء ظهره، والله تعالى يقول: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ[الأنعام:94] ، فلذلك على هؤلاء أن يتقوا الله فيما هم فيه، وليعلموا أن من أشراط الساعة: تضييع الأمانة؛ فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قالوا: وما تضييعها يا رسول الله؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) إذا وسد الأمر أي: وكل إلى غير أهله، فهذا من تضييع الأمانة، وهو شرط من أشراط الساعة وعلامة من علاماتها.

    ولا شك أن هذا من الجرائم التي يجب تغييرها، فكل مدير ارتكب جريمة من هذه الجرائم فإن على الذين يعملون معه أن يضحوا بوظائفهم وبعلاقاتهم معه من أجل مكافحة الجريمة، فمكافحة الجريمة خير لهم من وظائفهم ومن علاقاتهم بمديرهم، فكثير من الناس لا يمنعه من مكافحة الجريمة إلا الجبن، أو التوكل على المخلوق، أو ظنه أنه يملك له من الله شيئاً، أو يمكن أن يرفع عنه ضرراً، أو أن يجلب له منفعة، والواقع خلاف ذلك.

    حكم ترك العريس للجمعة والجماعة

    السؤال: هل كون الشخص في أيام عرسه يرخص له بسبب ذلك في التخلف عن الجمعة والجماعة؟ هل هذا صحيح أو غير صحيح؟

    الجواب: هذا غير صحيح؛ بل يجب على المسلم أن يشهد الجمعة، وأن يعلم الخطر العظيم في التخلف عنها، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بنار فتوقد، ثم أختلف إلى بيوت قوم يتخلفون عن الجمعة فأحرق عليهم بيوتهم)، وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا هل عسى أن يتخذ أحدكم الصبة من الغنم على رأس ميلين أو ثلاثة فيتخلف بها عن الجمعة. فمن تخلف عن الجمعة ثلاثاً فلا جمع الله شمله، ألا ولا دين له، ألا ولا أمانة له) وكذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك ثلاث جمع ختم الله على قلبه) فهذا تحذير شديد من التخلف عن الجمعة، وعلى الذي أنعم الله عليه بأن يسر له الأسباب، وهيأ له ما كان يرغب فيه من الزواج وغيره ألا يجعل ذلك ذريعة لمعصية الله؛ فإن ما عند الله لا ينال بمعصيته.

    إن من شكر نعمة الله سبحانه وتعالى على الإنسان -إذا تزوج وحصن دينه- أن يهتم بالصلاة، وأن يزداد اهتمامه بها، وألا يتخلف عن الجمعة ولا الجماعة، وليس ذلك عذراً في التخلف عنها.

    الحكمة من صلاة النافلة

    السؤال: هل راتبة الظهر مشروعة لمن يصلي الظهر يوم الجمعة لعذر أو لغير عذر؟

    الجواب: الراتبة إنما يقصد بها ترقيق القلب للصلاة، فهي تهيئة للنوافل لإتمام الصلاة، وتكميل لما ينقص من خشوعها أو أدائها، فيكمل الإنسان فرضه بها. وحين علم الله عز وجل ضعفنا وعجزنا عن إتمام الصلاة يسر لنا هذه الرواتب القبلية والبعدية؛ لنكمل بها النقص الذي نتأكد أننا قد وقعنا فيه في صلاتنا، وقد كان كثير من سلفنا الصالح إذا صلى أصابه حياء شديد من صلاته كحال البغيَّ إذا انتهت من الزنا؛ لشدة ما يلاحظه على نفسه من كثرة التفريط في الصلاة، فقد أذن له في هذه الفرصة النادرة بمناجاة ديان السماوات والأرض الملك الديان، ومع ذلك يفرط فيها وتذهب نفسه كل مذهب؛ فلذلك يستحي عند نهايتها كما تستحي البغيُّ عند انتهائها من زناها، نسأل الله السلامة والعافية! فلذلك إنما قصد بهذه الرواتب ترقيق القلوب، والذي يتعمد التخلف عن الجمعة هو أحوج إلى ترقيق القلب، وهو أحوج إلى ما يسد به هذه الثغرة التي بقيت فيه، وقد كان كثير من سلفنا إذا فاتته الركعة الواحدة من الصلاة يأتيه الناس ويعزونه بصلاته للمصيبة التي نزلت به.

    حكم اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد في المناسبات

    السؤال: ماذا تقولون في هذه المناسبات التي يجتمع فيها الرجال والنساء في مكان واحد؟ وبماذا تنصحون رجلاً أصبحت هذه عادة مجتمعه؟

    الجواب: هذا من المنكرات البينة ومن الجرائم العظيمة التي يجب إنكارها وتغييرها، ولا يتذرع فيها الإنسان بالعادة والعرف، فإن هذا من أهون الأسباب وأوهنها، بل هو مثل بيت العنكبوت، والذي يتذرع به كالغريق الذي يمسك بخيوط العنكبوت؛ ولهذا فإن على الإنسان أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وأن يعلم أن الذين يزينون له الوقوع في مثل هذه المنكرات أو السكوت عنها إذا حصلت سيتبرءون منه يوم القيامة، وسيصيرون خصومه بين يدي الله، ولن يغنوا عنه من الله شيئاً.

    فعلى الإنسان أن يقوم لله بالحق، وألا تأخذه في الله لومة لائم، وأن يحاول تغيير المنكر حتى لو كان ذلك في أقرب الناس إليه وآثرهم لديه، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا تقدم بنهي أو أمر جمع أهل بيته وخدمه ومواليه فقال: (إني متقدم إلى الناس في هذا الأمر، فوالذي يحلف به عمر بن الخطاب لا يرفع إلي أن أحداً منكم عمله إلا جعلته نكالاً)، ثم بعد ذلك يعلنه للناس بعد أن يبدأ بأهله.

    معنى حديث: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا ..)

    السؤال: نرجو منكم توضيحاً لمعنى الحديث التالي: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا، وهو مدرك ذلك لا محالة: فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه

    الجواب: بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الزنا من الأمور المنتشرة، فهو مثل الشرك، فالشرك كثير الانتشار جداً، وهو أخفى في النفوس من دبيب النمل، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال الله تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ[يوسف:106] ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)، ومثل ذلك الزنا فهو أيضاً أنواع منوعة وهو منتشر خفي؛ فكثير من الناس لا يقترفون جريمة الزنا نفسها ولكنهم يقتربون منها، والله قد حرم الاقتراب من الزنا، ولم يذكر الزنا بنفسه في قوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى[الإسراء:32] ، فلم يقل: ولا تزنوا، وإنما قال: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى[الإسراء:32] ، فهذا يقتضي تحريم النظر، وتحريم الكلام في ريبة، وتحريم الاقتراب والدخول على النساء والخلوة والخلطة .. وغير ذلك، فكل ذلك داخل فيما حرمه الله سبحانه وتعالى في قوله: ( ولا تقربوا ).

    وكذلك مصافحة الأجنبية فإنه من الاقتراب من الزنا الذي حرمه الله في هذه الآية، أما بالنسبة لرد السلام في غير ريبة فهذا لا حرج فيه، بل هو مما أمر الله به في كتابه في قوله: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا[النساء:86] ، فرد السلام لا حرج فيه شرعاً، ومثل ذلك تشميت العاطس فهو حق من حقوق المسلم على أخيه، ويستوي فيه الرجال والنساء، لكن المحرم هو سلام الريبة فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ[الأحزاب:32] ، وكذلك الدخول على النساء والخلوة بهن، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إياكم والدخول على النساء! فقالوا: يا رسول الله: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت).

    وبالنسبة لحظ الإنسان من الزنا: لو كان كل نظر إلى محرم داخلاً في هذا لكان هذا مشكلة وضرراً على الناس، وقد عفا الله عن النظرة الأولى -نظرة الفجاءة- كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا علي ! لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك النظرة الأولى) ولهذا قال: (والفرج يصدق ذلك ويكذبه)، فالشاهد الذي يشهد أن هذا من الزنا أو ليس منه هو الفرج إذا صدق ذلك، فمعناه: أن الإنسان -نسأل الله السلامة والعافية- قد وقع فيما حرم الله عليه، وإذا كذبه فمعناه أنه لم يصب ما حرم الله عليه حينئذ، وكذلك السماع: ما سمعه الإنسان إذا كان من الزنا فعلامة ذلك وشاهده أن يصدق ذلك الفرج، وإذا لم يفعل فقد كذبه، فمعناه: أنه لم يفعل ما حرم عليه.

    حكم جمع النساء وتعليمهن

    السؤال: هل يدخل فيما سبق جمع النساء وتعليمهن؟

    الجواب: بالنسبة لتعليم النساء وجمعهن هذا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، وهو بعيد من الريبة والشبهة، ولكن المشكلة هي الخلوة بالأجنبية، والدخول عليها، ومخالطة النساء الأجنبيات.

    حكم معاقبة المجرم بدون إذن من السلطان

    السؤال: هل يجوز لشخص أن يتصدى لجريمة ويعاقب أهلها ويؤذيهم بدون إذن من السلطان، كأن يضربهم إلى غير ذلك من الأمور؟

    الجواب: لقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين أمراً عامة بمكافحة الجرائم وإقامة الحدود وغير ذلك، كقوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ[النور:2] وقوله: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا[المائدة:38] ، وغير ذلك من الأوامر التي هي موجهة إلى جميع المسلمين، لكن اختلف الناس في حكم إقامة الحدود: هل هي مختصة بالولاة أو لا تختص بهم؟ فذهب الحنفية إلى أن إقامة الحدود مختصة بالولاة، واستدلوا بحديث ضعيف جداً وهو: (أربع إلى الولاة: -ومنها- إقامة الحدود)، وذهب الجمهور إلى أن الإنسان يقيم الحدود على من ملكت يمينه؛ للحديث الذي فيه: (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم)، وللحديث الذي فيه: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إذا زنت الثالثة فليجلدها الحد وليبعها ولو بحبل)، فهذا مقتضٍ لتفويض كل إنسان في إقامة الحدود على ما ملكت يمينه، ومن ذلك: أولاده وأهل بيته؛ فقد جعلهم الله إليه وهو الوالي المسئول عنهم.

    أما تغيير المنكر بغير الحدود فعلى من رآه أن يغيره بيده مطلقاً، كل من رآه وهو قادر على التغيير يجب عليه التغيير، فإن استطاع ذلك بيده فلا يعذر بغيرها، وقد أعلن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس فيما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

    لكن لابد أن يكون حينئذ التثريب على أهل المعصية والوقوف في وجه الجريمة بدافع من اللطف والمحبة والرحمة، وألا يكون لمجرد التشفي بأذى الآخرين؛ فالإنسان كالطبيب المعالج المداوي يردعهم بالرحمة، حتى في إقامة الحد وفي الضرب وغير ذلك يفعله بالرحمة؛ لردعهم عن معصية الله، وهو يحبهم بقدر ما لديهم من محبة الله وبقدر إيمانهم، ويبغض معصيتهم فيهم، وبذلك يكون رحيماً بهم، لا يريد أن يعين الشيطان عليهم، ولا يريد أن يستمروا في المعصية، ولا أن تأخذهم العزة بالإثم.

    حكم مصاحبة جماعة التبليغ

    السؤال: لي أخ من حفظة القرآن، وأحسبه طيباً، لكنه منذ فترة اعتنق جماعة الدعوة والتبليغ، وهو يخرج معهم، فما هو هذا الخروج وهل هو بدعة حقاً أم لا؟

    الجواب: الجماعات لا تعتنق، إنما يعتنق الشيء الذي يجعل في العنق كالديانات ونحو ذلك، أما الجماعات فيقال: تصحب، ولذلك فالأسلوب الصحيح أن يقول: صحب جماعة الدعوة والتبليغ مثلاً، وهذه الصحبة من الصحبة في الله، والإنسان لا يستطيع القيام بأمر الله وحده، ويحتاج إلى من يساعده، والله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[يوسف:108] ، والإنسان محتاج لمثل ذلك، فإذا وجد من يعينه على التزام أوامر الله واجتناب نواهيه، والتزام ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلماً وتعليماً وعملاً وأخلاقاً وعقيدة وديانة فهذا أكمل وأفضل.

    لكن بالنسبة لخروج جماعة الدعوة والتبليغ فهو مجرد تعليم وتدريب فقط، وليس أمراً واجباً ولا أمراً مسنوناً ولا مندوباً، إنما هو بمثابة الدراسة في المدرسة، كأن يدرس الإنسان ست سنوات في الابتدائية، وأربع سنوات في الإعدادية، وثلاث سنوات في الثانوية، وأربع سنوات في الجامعة، وأربع سنوات في الماجستير، وأربع سنوات في الدكتوراه مثلاً، كذلك هذا الخروج إنما قصدوا به التعويد على التعليم مثل المناهج الجديدة في المدارس تماماً، وقد جربوا فيه تجارب، وهو لا يدخل في البدع وإنما يدخل في المصالح المرسلة؛ لأنه بمثابة الدراسة الجامعية أو الدراسة المدرسية أياً كانت، لكنه قد يكون لدى الإنسان ما هو أفضل منه، فقد لا يكون أفضل الموجود في بعض الأحيان كمن لديه نفقات واجبة أو والدان ضعيفان، أو أهل يخاف عليهم إذا هو خرج وتركهم للضيعة.

    ومع هذا فالشيطان كثيراً ما يحول بين الإنسان وبينه مما يدل على أهميته للإنسان، فقد جاءني رجل من الذين أحسبهم من المخلصين يشكو ولده، ويخبر أنه خرج مع جماعة الدعوة والتبليغ، فقلت: هل تنقم عليه شيئاً في دينه؟ فقال: لا، لقد كان سيئ الخلق حِلَّيقاً مدخناً غير ملتزم بالصلاة في المسجد، فجاء وقد تغيرت فيه كل هذه الصفات. فقلت: أرأيت لو خرج في تجارة الآن إلى أسبانيا؟ فقال: نعم، هذا أمر معتاد لدى الناس، فقلت: فكيف تنقم منه الخروج مع قوم لم يستفد منهم إلا خيراً وما علموه إلا ما ترضاه أنت، وقد عجزت أنت أن تعلمه هذا؟! فكان ذلك مقنعاً له.

    حكم ذهاب المرأة إلى أماكن الاختلاط العامة

    السؤال: ما حكم ذهاب المرأة المسلمة الملتزمة إلى الأسواق والمحلات العامة والمطاعم والمحلات التي يجتمع فيها الرجال والنساء؟

    الجواب: إذا كان خروجها لحاجتها، ولم تكن متعطرة ولا متزينة، وأيقنت أنها لن تدخل في مزاحمة الرجال ولا اختلاطهم ولا أي إيذاء، وكان خروجها لأمر مهم؛ فهذا من الأمور الجائزة ولا حرج فيه.

    لكن إذا أيقنت أنها إذا ذهبت إلى الأسواق ستزاحم الرجال، أو سينكشف من بدنها ما لا يحل لها كشفه كأن ينكشف ساعداها أو قرط أذنيها أو شيء مما حرم الله عليها كشفه فهذا لا يحل لها.

    وكذلك إذا كانت تتزين للخروج أو تتعطر له، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما امرأة تعطرت فخرجت من بيتها فهي زانية).

    وكذلك إذا كان خروجها لمجرد التفرج على الناس ورؤيتهم ونحو هذا، فهذا من الأمور المقيتة شرعاً، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).

    حكم الدخول على غير المحارم

    السؤال: ما حكم الدخول على الرجل الذي ليس بمحرم؟

    الجواب: دخول المرأة على الرجل مثل دخول الرجل على المرأة، إذا كان بخلوة أو في مكان ريبة فهو محرم شرعاً ومن كبائر الذنوب، بل عند الحنابلة أنه تستبرأ منه المرأة، فعندهم أن أي خلوة حصلت بين أجنبي وأجنبية يجب منها الاستبراء، وإذا كان ذلك دخولاً اعتيادياً كدخولها على رجال في مكان في غير ريبة، ومع تستُّر، ومن غير تزين ولا تطيب، فهذا من الأمور الجائزة ولا حرج فيه، مثل حضور حلقات الدروس وحلقات العلم، والخروج في التجارات والبيع والشراء، وما تحتاج إليه المرأة من شئونها وأمورها.

    حكم رفع المرأة صوتها بالقرآن والحديث

    السؤال: ما حكم رفع المرأة صوتها بالقرآن والحديث؟

    الجواب: إذا كان صوت المرأة غير مطرب، ولم تقصد بقراءتها للقرآن والحديث التطريب، فلا حرج في رفعها لصوتها، بل قد كانت عائشة جهورية الصوت، وكانت تعلم الناس القرآن والسنة، وقد أمر الله أمهات المؤمنين بذلك في كتابه وقال: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ[الأحزاب:34] .

    وكذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه خرج ذات ليلة إلى دور الأنصار يستمع القرآن، فسمع عجوزاً من الأنصار في آخر الليل تقرأ سورة الغاشية، فوقف على بابها فقرأت: بسم الله الرحمن الرحيم: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ[الغاشية:1] فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس وهو يقول: نعم أتاني، نعم أتاني).

    حكم تحويل المسجد إلى مكان آخر

    السؤال: في قريتنا مسجد سقفه من الخشب والحديد، وبنت لنا الهيئة مسجداً من الأسمنت المسلح ملاصقاً له، إلا أن طوله أو عرضه أقل بثلاثة أمتار، فهل يجوز لنا أن نحول الصلاة إلى المسجد الجديد الذي هو أجمل وأقوى أم لا يحل لنا ذلك؟

    الجواب: المسجد الذي تصلون فيه لم يأت جبريل بتخصيص ذلك المكان بخصوصه أنه المسجد؛ ولهذا فأنتم مخيرون قبل أن يبنى المسجد في أي مكان هو أليق بكم وأولى لكم أن تبنوا فيه المسجد الذي شئتم، وإذا بنيتم مسجداً ثم بنيتم ما هو أحسن منه وأولى، فالانتقال إلى الأولى أفضل، وقد قال الله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ[النور:36] ، ونقل المساجد لمصلحة المساجد لا خلاف فيه بين أهل العلم؛ فقد أجمعت المذاهب على نقل المساجد لمصلحتها هي؛ كما إذا كان المسجد في زقاق ضيق، أو لم تكن له طريق نافذة، فينقل إلى مكان متسع، أو زقاق نافذ.

    أما نقل المسجد لغير مصلحة المسجد فهو محل خلاف بين أهل العلم: فذهب جمهورهم إلى جوازه إذا كانت المصلحة عامة، واستدلوا بكتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سعد بن أبي وقاص: (انظر إلى المسجد الذي بالتمارين فانقله، واجعل بيت المال في قبلته، فلن يزال بالمسجد مصلي)، فالمسجد الذي بسوق التمارين بالكوفة أمر عمر بنقله من مكانه، وأن يجعل خلف بيت المال، وأن يجعل بيت المال في قبلته؛ ولذلك فانتقال المساجد من مكانها إلى جواره، أو نحو ذلك من الأمور الداثرة التي عرفت في كل مكان وفي كل زمان، فما من مكان عرف في هذه الدنيا إلا وفيه مساجده العتيقة القديمة التي يجدد بناؤها ولم يستطع هدمها، أو كان في هدمها تكاليف، أو فيها إتلاف لمال قائم، فيبنى حولها مسجد، وتقام هي لمصلحة المسجد، فتكون وقفاً للمسجد، أو متجراً ريعه للمسجد مثلاً، أو سكنا ًلطلاب العلم أو لإمام المسجد، أو نحو ذلك.

    ولهذا ليس من المصلحة الشرعية أن يعطل المسجد الأول؛ بل ينبغي أن يصرف ريعه لمصلحة المسجد الثاني، فيجعل بيتاً للاستئجار وريعه للمسجد الثاني، أو يجعل متجراً، أو يجعل مكاناً لسكن الإمام، أو طلاب العلم، أو للفقهاء، أو لمصلحة عامة تعود على المسجد بالنفع.

    حكم قصر الأمر بالمعروف على العلماء الرسميين

    السؤال: كثير من الناس إذا أُمر بمعروف يقول: إن هذا من اختصاص العلماء المأمورين من طرف الحكومة، أرجو الجواب على هذا وتبيين الحكم فيه؟

    الجواب: هذا قول على الله بغير علم، والذي قاله قد ارتكب جريمة أكبر من الإجرام الذي وقع فيه؛ لأنه أولاً: فعل جريمة مثل الغيبة أو الكذب أو الغش أو نحو ذلك، ثم عززها بجريمة أكبر منها وهي القول على الله بغير علم، وقد قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[الأعراف:33] .

    فالأمر بذلك لكل الناس كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)، ولكل المؤمنين كما قال تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[آل عمران:104] ، وكما في قوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ[التوبة:71] .

    حكم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: ذكرتم في محاضرة سابقة في شأن التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أن مالكاً وأبا حنيفة والشافعي ورواية لـأحمد يقولون بعدم جواز التوسل به، أين نجد ذلك؟

    الجواب: تفصيل هذا كله مستوفى في كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية الذي سماه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة)، وقد نقل فيه كلام أهل العلم جميعاً في هذه المسألة، وذكر المذاهب الأربعة في هذا تفصيلاً على ما ذكرناه، وهذا الكلام نفسه موجود في كلام الطرطوشي من الماليكة في البدع والمحدثات، وكذلك في كتاب محمد بن وضاح المالكي وهو شيخ أبي عمر بن عبد البر في البدع.

    حكم إدخال برامج غنائية في التلفزيون

    السؤال: في التلفزة الوطنية برنامج بعنوان: كلمات وأنغام، يستخدم لقتل الحياء، حيث يجتمع نساء ورجال آخذين زينتهم، فما نصيحتكم في ذلك؟

    الجواب: هذا من المنكر البين الذي يجب على الإنسان أن ينكره، وأن يعلن إنكاره وبراءته منه، ونحن من هذا المكان ننكره ونعلن براءتنا إلى الله منه، ويجب على المسلمين أن يبرءوا من كل المنكرات وأن ينكروها، وأن يبلغوا من يرجون منه تغيير ذلك، وأن يحافظوا على أخلاقهم ودينهم، وأخلاق من استودعهم الله تعالى، وجعل تحت أيديهم من أهليهم، وألا يدعوا مجالاً لغزو بيوتهم بمثل هذه البرامج المفسدة الهابطة التافهة.

    نصيحة لموسوس

    السؤال: أنا مصاب بشيء لا أعرف هل هو من الوسواس أم لا، وهو: أن أبي شيخ كبير مريض يستعمل دواء يزيد في جريان البول، وقد يصيب الفراش منه شيء بدون قصد منه فتعذرت طهارته، وأصبحت أنا لا ألمسه ولا أقربه ولا أجلس معه على الفراش الذي يجلس فيه، وحتى المكان الذي يجلس فيه، لأني أعتبر المكان نجساً كله، وحتى إن من يجلس معه في المكان من الأهل أصبحت أنفر منه، وإذا لمسني أحد من الأهل سواء مس ثيابي أو بدني غسلت ثيابي أو بدني، حتى إني أعتبر أني تنجست، وأصبحت أسكن في غرفة وحدي لا يدخل علي فيها أحد، حيث أصبحت معزولاً عن الناس، هذا منذ ما يزيد على سنة، وحتى إني أصبحت لا أصلي في المساجد؛ لأن الصبيان يصلون فيها؛ وذلك لأني أعتبر الصبيان متنجسين، وسبب هذا هو أني كنت أسكن مع أقرباء لي عندهم صبية يبولون على فراشهم، وفي بعض الأحيان قد لا يطهرون الفراش، فذهبت عنهم، وعندما أزورهم الآن وأجلس على فراشهم وأصافح أحداً منهم ولو في الطريق أرجع إلى أهلي وأغسل بدني وثيابي، وكذلك إذا زارني منهم أحد، فما توجيهكم لي؟

    الجواب: هذه مشكلة من عمل الشيطان، فهذا الإنسان قد جعل للشيطان سبيلاً على نفسه واتبع خطوات الشيطان، وقد نهاه الله سبحانه وتعالى عن اتباع خطوات الشيطان، فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وألا يجعل للشيطان سبيلاً عليه، فقد سلم عقله للشيطان واستسلم له؛ ولذلك يجب عليه أن يبادر بالتوبة، وأن يستغفر من هذا الوسواس، وأن يعلم أنه من عمل الشيطان البين، الذي يجب منه التوبة وتركه والرجوع عنه، وأن يعلم أن هذا مفسد لعقله ودينه ولأخلاقه ولمعاملته مع آكَدِ الناس حقاً عليه، فأحق الناس بصحبته والداه، وأقاربه، ويجب عليه أن يعتذر إليهما، وأن يعود عن هذا، وألا يدع للشيطان سبيلاً عليه أبداً.

    وبالنسبة للصبيان: الأصل في ثيابهم وأبدانهم الطهارة؛ ولذلك لا يتغير هذا الأصل إلا إذا غلبت النجاسة، مثل من رآها، أو ظنها ظناً غالباً مبنياً على قرائن وعلم، ولم يكن من أهل الوسواس، أما من كان من أهل الوسواس فلا يلتفت إليه أصلاً، وينبغي أن ينقطع عنه بالكلية، وكل ما يؤدي إلى الوسواس لديه يفر منه ويتركه، فتعبدك لله كما كنت تعبد الله قبل أن تصاب بهذا المرض باجتناب النجاسات، تعبُّدك إلى الله الآن بأن تقطع الوسوسة، فكل ما يؤدي إلى هذه الوسوسة يجب عليك قطعه، والابتعاد عنه مطلقاً.

    كيف توفق المرأة بين الدعوة وبين تربية الأطفال

    السؤال: كيف توفق المرأة بين واجباتها الدعوية وتربية أطفالها؟

    الجواب: عليها أن تسدد وتقارب، وما من إنسان إلا وواجباته كثيرة وأوقاته ضيقة، لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالتسديد والمقاربة، وقد أخرج البخاري في الصحيح قال: حدثنا عبد السلام بن المطهر ، قال: أخبرنا عمر بن علي ، عن معن بن محمد الغفاري ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري

    ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين إلا غلبه)، وفي رواية: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، وفي رواية: (ولن يشاد الدين إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب ويعلم أنه لن يؤدي كل الحقوق، ولن يأتي بها كاملة مهما كان، لكن يسدد ويقارب ولا يضيع حقاً واضحاً، ويحاول أن يعمل مثل عمل الفارض الذي يقسم التركة عندما تزيد الرءوس على السهام، فيعمل بالعود وينقص كل أحد بنسبة متساوية.

    كيفية تربية الأولاد

    السؤال: كيف تربي المرأة أطفالها على الحق؟

    الجواب: هذا مما ينبغي الاهتمام به، والعناية به، فأساليب تربية الأولاد على المنهج الصحيح، وتعويدهم على الرجولة في صباهم والالتزام بالحق من آكَدِ الواجبات وأهمها وأعظمها، والإنسان الذي يريد أن يكون أولاده ذخراً له وأجراً لا ينقطع عنه إذا كان في قبره وانقطعت أسبابه من الدنيا؛ فإن عليه أن يبذل فيهم جهداً، ولا يظنَّنَّ إنسان أنه سيصلح أولاده وذريته دون بذل الجهد، فهذا من الإهمال وتضييع الواجبات؛ ولذلك جاء في الحديث الذي فيه ضعف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكيَّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني)، فلذلك على الإنسان أن يبذل الأسباب في سبيل إصلاح أولاده وتربيتهم تربية صحيحة، وتعويدهم على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكون ذلك إلا بمصاحبتهم، ومدارسة السنة معهم، ومدارسة السيرة النبوية وأخلاق السلف، وأن تدرس المرأة دراسة جادة في أساليب التربية لدى السلف، وكيف كانت الأمهات السابقات يربين أولادهن، ويعلمن أولادهن التعليم المصيب الصحيح.

    وقد ألفت بعض الكتب في هذا، فمن الكتب المنتشرة المشهورة بين الناس: تربية الأولاد في الإسلام للشيخ عبد الله بن ناصح العلوان رحمه الله تعالى، وغيره من الكتب الكثيرة في هذا الباب المهمة التي ينبغي للنساء أن يقتنينها، وأن يتدارسنها، ومثل ذلك الكتب المتعلقة بالهمة، مثل: علو الهمة طريق إلى القمة للدكتور محمد عقيل موسى، وكذلك غير هذا من الكتب النافعة في هذا الباب، (وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة).

    حكم إلحاق الأولاد بالمدارس النظامية

    السؤال: هل يجوز أن تزج المرأة بأطفالها في المدارس النظامية على علاتها، وإذا كان الجواب بلا فما البديل؟

    الجواب: المدارس النظامية إذا وكلت إليها المرأة تربية أولادها، أو وكل إليها الرجل تربية أولاده، فقد ضيع وفرط ولم يرع الأمانة التي ائتمنه الله عليها، لكن لا يقتضي ذلك أيضاً منعهم من الدراسة دون بديل، بل على الإنسان أن يعلمهم ويربيهم وإن جعلهم في المدارس، بأن يجعل لهم منهجاً خاصاً وبرنامجاً حافلاً في البيت، وأن يصرف أوقاتهم في تعلم القرآن والعلم والعبادة وتعلم الأخلاق والقيم، وألا يكل تعليمهم إلى المدارس أبداً، وأن يبيَّن لهم أن ما يتلقونه من دين الله في البيت هو أفضل وأعظم مما يتلقونه في المدارس، وأن المدارس يَدْرس فيها من هب ودب، ويُدَرَّس فيها كذلك من هب ودب، وأن تعلُّم القرآن هو الشرف العظيم، وأن تعلُّم العلم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم هو أشرف من كل ما سواه، فإنهم -إن شاء الله تعالى- لن تضرهم المدارس بذلك، فيستفيدون مما فيها من الخير، وينجون مما فيها من الضرر، والمهم أن على الإنسان أن يحاول أن ينجي أولاده من ضررها، وأن يكسبهم نفعها.

    طلاق من استبان أنها محرم وعدتها

    السؤال: المطلقة طلاقاً تنزهياً هل لها عدة أم لا؟

    الجواب: لها عدة كعدة غيرها، فقد أخرج البخاري في الصحيح وغيره من حديث عقبة بن حارث رضي الله عنه قال: (تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب بن عزيز، فجاءت امرأة سوداء فقالت: إني أرضعت عقبة والتي تزوجها، فقلت: ما علمت ذلك ولا أخبرتني، فأرسلت إلى آل أبي إهاب أسألهم فقالوا: ما علمنا ذلك، فركبت راحلتي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسألته: فقال: طلقها فلا خير لك فيها)، وفي رواية: (كيف وقد قيل)، وفي رواية: (فارقها، ففارقتها فتزوجت رجلاً غيري)، فهو بمثابة الفراق، ولهذا تعتد منه المرأة بثلاثة قروء كالمطلقات الأخريات.

    حكم طاعة الوالدين في اختيار الزوجة

    السؤال: ما حكم من يعارضه أبواه في الزواج من الملتزمات، بدعوى أنها ليست من أهله، ويصران على زواجه من بنات قومه، فكيف يتصرف مع أبويه؟

    الجواب: على الإنسان إذا أراد البر بوالديه أن يسألهما أن يرشحا له من يرضيانها، فإن رشحا له ذات دين وخلق فعليه أن يبرهما بذلك، وإذا رشحا له من لا يرضى دينها ولا خلقها فلا يجب عليه برهما بذلك، بل إذا كان يخشى أن يصل إليه ضرر من خلقها أو دينها فلا يحل له أن يتزوجها، وإذا كان يرجو أن تلتزم وتستجيب، وأن يُصِلحَ دينها وخلقها فيثاب ثوابين إن شاء الله تعالى؛ ولهذا عليه أن يقنع والديه بالتي هي أحسن: إذا عرف من يرضى دينها وخلقها وأراد أن يتزوجها فمانع والداه من ذلك، فعليه أن يقنعهما بالتي هي أحسن، وإقناعهما سهل: فالوالدان بطبعهما رحيمان يحبان مصلحة الولد، فإذا خيَّرهما بين أن يتزوج بهذه أو أن يترك الزواج، فسيختاران الزواج بها، وكذلك إذا أخر الزواج بها وخدمهما وتقرب إليهما فترة طويلة، فإن ذلك مقتض لأن يبادرا إلى هواه وما يحبه، فإقناع الوالدين أمر سهل، وبالأخص إذا برهما الولد وأحسن صحبتهما، وعلى الإنسان ألا يتعجل، وألا يمل من خلطة والديه، فإنهما سينتقلان لا محالة ولن يعوضا، ولن يجد الإنسان بعدهما من يسد له مسدهما من المحبة والنصح؛ ولذلك على الإنسان أن يحسن خلطتهما ومصاحبتهما بالتي هي أحسن كما أمر الله بذلك.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

    اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأنصر من ابتغي، وأرأف من ملك، وأجود من سئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد لا ندَّ لك، كل شيء هالك إلا وجهك، لن تطاع إلا بإذنك، ولن تعصى إلا بعلمك، تطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، حلت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، ونسخت الآثار، وكتبت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، الحلال ما أحللت، والحرام ما حرمت، والدين ما شرعت، والأمر ما قضيت، والخلق خلقك، والعبد عبدك، وأنت الله الرءوف الرحيم، نسألك بعزك الذي لا يرام، وبنورك الذي أشرقت له السماوات والأرض أن تهدي قلوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تكشف كروبنا، وأن تصلح أولادنا، وأن تحقق مرادنا وأن تجعل التقى زادنا.

    اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم جنبنا جميع الجرائم والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اصرف عنا الوباء والربا والزنا والزلازل والمحن عامة يا أرحم الراحمين.

    اللهم لا تدع لنا في ساعتنا هذه ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضاً وفيها لنا صلاح إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأهن كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين.

    اللهم حارب الكفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم آية.

    اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً ولا تجعلنا أتباعه.

    اللهم استرنا بسترك الجميل، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، اللهم استرنا يوم العرض عليك يا أرحم الراحمين.

    اللهم هؤلاء عبادك وإماؤك قد اجتمعوا في بيت من بيوتك يرفعون إليك أيدي الضراعة، فلا تردهم خائبين، اللهم لا تجعلنا أخيب الداعين يا أرحم الراحمين.

    اللهم إنك تدعى في هذه الساعة بألسنة مختلفة في أماكن شتى، يا من لا تَحجب عنه دعوةٌ دعوةً، ولا تختلط عليه حوائج الداعين أجب دعاءنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بك.

    اللهم استجب دعاءنا يا أرحم الراحمين.

    اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم أنزل علينا السكينة، وألهمنا الإيمان يا أرحم الراحمين.

    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

    اللهم أحسن خواتمنا يا أرحم الراحمين، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.

    اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.

    اللهم اجعل سرائرنا خيراً من علانياتنا، واجعل علانياتنا صالحة.

    سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الصافات:180-182] .

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755914959