إسلام ويب

توحيد العبوديةللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أرسل الله الرسل يدعون إلى إفراد الله بالعبادة، وينهون عما يخل بذلك أو يؤدي إلى نقيضه من الشرك كتعبيد الأسماء لغير الله، والتبرك الممنوع، كما نهوا عن التمسح بالقبور والنذر لغير الله أو الذبح للأموات وغير ذلك.

    1.   

    وجوب إفراد الله بالعبادة

    قال: [فأفردوه جل بالعباده لا تشركوا في نوعها عباده]

    الفاء هنا للترتيب على ما سبق، ومعناه: إذا اجتنبتم الشرك فأفردوا الله، أي: وحدوه بالعبادة، وهذا هو الذي يسميه أهل السلوك بالتخلي قبل التحلي.

    فالتخلي يقتضي التخلص من الشرك.

    والتحلي يقتضي التحلي والاتصاف بالتوحيد.

    فيجمع الإنسان بين النفي والإثبات فينفي الشرك أولاً ثم يثبت التوحيد ثانياً، وهذان الأمران تضمنتهما كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فـ(لا إله) نفي، و(إلا الله) إثبات، فلذلك بدأ أولاً بنفي الشرك ثم رتب عليه إثبات التوحيد في قوله: (فأفردوه جل بالعبادة)، هذا معنى التوحيد.

    فكثير من الناس يجهل معنى توحيد؛ لأن (وحد) تأتي في اللغة بمعنى: جعل الشيء واحداً، وأنت لا تستطيع الجعل فالجعل مستحيل في هذا الباب.

    وكثير من الناس يظن أن (فعَّل) هنا تدل على الاختصار مثل: سبَّح ونحو ذلك، أي: قال أحد أحد، فليس (وحد) بمعنى: قال أحد أحد، بل المقصود بالتوحيد هو الإفراد، وحده بمعنى: أفرده بالعبادة، أو: أفرد التوجه إليه بالعبادة.

    قوله: (جلّ) هذا ثناء عليه.

    (بالعبادة) أي: بجنسها الذي يشمل الأقوال والأفعال وأنواع العبادات والقربات، فيشمل ذلك الفرائض والسنن والمندوبات، ويدخل فيه كل ما يتقرب به إليه سبحانه وتعالى.

    ما معنى إفراده بالعبادة؟

    المعنى: ألا يشرك العباد في جنس ما يسمى عبادة، بحال من الأحوال، فمن جنس العبادة مثلاً الصلاة والدعاء والذكر ونحو ذلك، فهذه لا يشرك فيها أحد مع الله سبحانه وتعالى بوجه من الوجوه.

    وأما شكر الناس فقد جاء فيه: (من لا يشكر الناس لا يشكر الله)، وجاء الأمر بالشكر للوالدين في قول الله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ[لقمان:14] ، فليس ذلك من الإشراك في جنس العبادة باختلاف النوعين، فالشكر لله سبحانه بصرف ما أنعم به عليه في طاعته، والشكر للوالدين أو لمن أحسن إليك بالدعاء له وبمدحه بما يستحق ومجازاته عليه.

    فإذاً هناك فرق بين شكر الله وشكر عباده، فشكر الله هو صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه به في طاعته، وشكر العبد هو فعل ينبئ عن تعظيمه بسبب كونه منعماً أو بسبب كونه متفضلاً.

    وكذلك ما جاء في قول الرسول صلى الله عليه وسلم للأنصاري حين سأله: كم أجعل لك من صلاتي؟ فالمقصود ما يجعل له من دعائه؛ لأن هذا الأنصاري كان يدعو لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع نفسه لمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكثر من الدعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا جعل دعاءه له كله يُكفى ما أهمه.

    فاتضح من هذا أن المقصود بما يجعل له من دعائه ليس دعاء شخص، إنما هو أن يصلي عليه، فلو اقتصر في الدعاء على الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقط ولم يدع بغير ذلك فإنه يحصل له ثواب الداعين، ويستجاب له في قضاء حوائجه الأخرى، ويكفى كل ما أهمه.

    1.   

    النهي عن تعبيد الأسماء لغير الله

    قوله: (لا تشركوا في نوعها عبادة)، يعني: عبادة الله سبحانه وتعالى، فلا تشركوا في نوع ما يسمى عبادة، فيدخل في هذا النذر والذبح ونحوهما، فلا يجوز النذر للمخلوق بل هو شرك بالله سبحانه وتعالى، وكذلك التعبيد بالأسماء، وكذلك الذبح ولهذا قال:

    [فلا تسموا ولداً عبد علي أو تنذروا لصالح أو لولي]

    أي: فلا تسموا ولداً عبد علي أو عبد فلان من الناس؛ لأن هذا تعبيد فلا يجوز إلا لله سبحانه وتعالى، فلا يطلق ذلك في التسمية، لكن إذا كان مملوكاً له يجوز أن تقول: أتاني عبد فلان فسألني عن كذا.

    وهنا يأتي التفريق بين ما يرد في الكلام على الحقيقة وما يرد على المجاز، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقول أحدكم عبدي أو أمتي بل يقول فتاي وفتاتي)، فالنهي هنا من باب الأدب، فلا ينبغي للإنسان أن ينطق بذلك؛ لأن فيه كسراً لخواطر الذين يخاطبهم بذلك.

    وإذا أراد الإنسان أن ينسب إلى غيره عبداً أو أمة فلا حرج أن يقول: هذا عبد فلان، أو أمة فلان، أو جارية فلان مثلاً، ولكن المحذور هو التسمية بذلك، وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أسماء الجاهلية التي فيها تعبيد لغير الله، حتى من مات على الكفر قد يغيره إكراماً لولده، فقد كان رجل من بني سليم يسمى غاوي بن عبد العزى فلما أسلم وحسن إسلامه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير اسمه واسم أبيه، فسماه راشد بن عبد ربه.

    فتغيير اسم أبيه هنا لا ينفع أباه بشيء ولكنه تكريم له هو، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يغير اسم عبد المطلب، ولا عبد العزى، من أجداده صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم والدته آمنة بنت وهب أمها برة بنت عبد العزى بن قصي ، فلم يغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه.

    وحتى بعض أعمامه فإن أسماءهم كانت من أسماء الجاهلية، ولكنهم اشتهروا بكناهم كـأبي طالب مثلاً، واسمه عبد الكعبة ، مع أن الكعبة لم تكن تعبد في الجاهلية وقد خصها الله بهذا، لكن المقصود بذلك أنه سادنها وخادمها، وأبو لهب اسمه عبد العزى، ولكن اشتهرت كنيته فغطت على اسمه.

    قوله: (فلا تسموا ولداً عبد علي)، معناه أنه لا يجوز لوالد مولود أن يسميه بالتعبيد لغير الله، ولا يجوز لغيره إذا سماه هو بذلك أن يطلقه عليه، والتخلص من ذلك إما بتغيير اسمه بالكلية، أو إذا كان منسوباً لصالح أو لنبي فيجعل ذلك على تقدير مضاف، فإذا سمي عبد الرسول أو عبد النبي أو عبد علي، فإنه يقال: عبد رب النبي، وعبد رب الرسول، وعبد رب علي، وعبد رب الحسين، وهكذا.

    وهذه إنما اشتهرت في الشيعة فهم الذين يسمون هذه الأسماء، وتندر في أهل السنة، وإنما تقع في الفئات المخالطة للتشيع التي يقع فيها التعبيد لغير الله، ولا يقصدون بذلك حقيقة الأمر؛ إذ لو قصدوا ذلك لأشركوا، وإنما يقصدون به تشريف هؤلاء الذين يضاف إليهم الأولاد وينسبون إليهم.

    1.   

    من الشرك النذر لغير الله

    قوله: (أو تنذروا لصالح أو لولي):

    كذلك من الشرك النذر لغير الله سبحانه وتعالى، والنذر في الأصل عبادة يلتزمها الإنسان تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى، وقد شرعها الله تعالى لعباده فقال تعالى: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج:29] ، وقال تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا[الإنسان:7] .

    وقد نهي عن أنواع من النذر، منها:

    النذر المعلق، وهو أن يعلق الإنسان نذراً على قضاء حاجة من حوائجه، كبرئه من سقم، أو قدوم مريض، أو أن يولد له ولد أو نحو ذلك، فيكره أن ينذر نذراً معلقاً على أمر، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أنه لا يردُّ من قدر الله شيئاً وإنما ينتزع الله به من يد البخيل، وما كتبه الله سيقع، فالذي ينذر النذر المعلق حكم على نفسه بأنه بخيل في تعامله مع الله، نسأل الله السلامة والعافية.

    كذلك النذر المكرر، كنذر صوم الإثنين أو الخميس أو نحو ذلك، فهذا النذر يكره لأنه قد يشق على الإنسان وقد يأتي وقت لا يستطيع أداءه فيه.

    وأيضاً: فإنه يشبه صورة التعبد بإيجاب شيء لم يوجبه الله، وهذا من أمر الجاهلية، ولهذا قال الله تعالى: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ[التوبة:37] وفي قراءة أخرى: (إنما النسي زيادة في الكفر) يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ[التوبة:37] ، فهذا النسيء كان أهل الجاهلية ينسئون الشهور، فيجعلون الشهر الحلال حراماً، والحرام حلالاً، فإذا أرادوا الحرب في الأشهر الحُرم أخروها إلى الأشهر الحل، فيشرعون ما لم يأذن به الله، فيكون هذا تشريعاً لما لم يأذن به الله، وهذا ما يفخرون به، حيث يقول شاعرهم:

    ونحن الناسئون على معدٍّ شهور الحل نجعلها حراماًً

    فرد الله تعالى هذا النسيء، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام العاشر من الهجرة: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)، ففي العام التاسع كانت الحجة في شهر محرم بدلاً من ذي القعدة.

    وفي العام العاشر حج النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحج حتى استدار الزمان ورجع النسيء وأبطل، وهذا هو سبب عدم حج النبي صلى الله عليه وسلم في العام التاسع، وتوليته لـأبي بكر على الحج في ذلك العام، فإن الحج لم يكن في وقته، وإلا لو كان في وقته لحج النبي صلى الله عليه وسلم في العام التاسع.

    حتى في العام الثامن لم يحج مع أنه اعتمر في شهر ذي القعدة من العام الثامن بعد فتحه لمكة عندما رجع من الطائف، فإنه اعتمر من (الجعرانة) ولم يحج في تلك السنة، ولم يؤمر أميراً على الحج إلا عتاب بن أسيد الذي أمره على مكة، فأقام عتاب الحج للناس، وهي أول حجة في الإسلام، ثم في العام التاسع حج أبو بكر بالناس، ثم أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـعلي بن أبي طالب ليبلغ سورة البراءة، فإنها أنزلت عليه بعد ذهاب أبي بكر وقال: (لا ينبغي أن يبلغها عني إلا رجل من أهل بيتي)، ثم في العام العاشر حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع.

    أما النذر للمخلوق للتقرب إليه، فإنما يحصل من اعتقاد أنه ينفع أو يضر، وهذا قد سبق أنه من أنواع الشرك؛ فلذلك لا يمكن أن يكون هذا مقبولاً شرعاً، ولو فعله الإنسان ووقع فيه لم يلزمه شيء.

    والفرق بين الصالح والولي: أن الصالح من صلحت المعاملة بينه وبين الله، وبينه وبين الناس على قدر الإمكان. والولي هو من اتخذه الله ولياً من أوليائه ولم يجعله عدواً من أعدائه.

    فبينهما عموم وخصوص، وقد اشتهرت هاتان الكلمتان على ألسنة العوام، يقولون: فلان صالح وفلان ولي؛ ولذلك صرح الشيخ بهما معاً ليرد هذه الأفكار الشائعة في عوام الناس.

    1.   

    الكلام على التبرك الجائز والممنوع

    قال: [ولا تمسوا قبراً أو تَمَسَّحوا ولا تطوفوا حوله أو تذبحوا]

    ذكرنا أن النوع الرابع من أنواع الشرك الأكبر المخرج من الملة هو شرك الطاعة، وأنه يحصل عن طريق الغلو في الأشخاص، ويظن الإنسان أنهم يملكون له نفعاً وضراً، وهذا يحصل في الأحياء ويحصل في الأموات، فالأموات يظن الناس بهم النفع فيتقربون إليهم، وينسون أنهم لم يستطيعوا رفع الموت عن أنفسهم ولا المرض، وقد ماتوا وأكل عظامهم التراب، فكيف يملكون لغيرهم نفعاً أو ضراً؟!

    وهذا التمسح كان من عمل الجاهلية مثل الذبح على القبور، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، فأزال هذه البناءات التي كانت تبنى على القبور، ويُتمسح عليها، ويُذبح عليها ويُنحر، فرد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطله.

    جواز التبرك بشخصه صلى الله عليه وسلم وأجزائه

    فلهذا لا تمس القبور لقصد التبرك بتربتها أو لقصد التقرب إلى أصحابها؛ لأن ذلك من جنس العبادة، وقد سبق أن العبادة لا بد أن تصرف كلها لله، وإن كان التبرك في نفسه ليس عبادة؛ ولهذا جاز التبرك برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان التبرك عبادة لما جاز بمخلوق.

    والتبرك بشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمور الجائزة التي ينتفع بها في مجال الدنيا، ولكنه لا ينفع في مجال الآخرة، وهنا الفرق: فإن التبرك إنما ينفع في مجال الدنيا؛ لأن البركة معناها النماء الدنيوي، فيمكن أن يحصل عن طريق البركة شفاء مرض أو نحو ذلك، لكن لا يمكن أن تغفر به الذنوب، أو أن يدخل به الإنسان الجنة مثلاً، فهي نافعة في المجال الدنيوي فقط.

    وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبركون به، فكانوا يتبركون بوضوئه وبريقه ومخاطه وبكل شيء مسه، حتى شربت بركة أم أيمن بول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشرب عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما دمه صلى الله عليه وسلم فقال له: (ويل للناس منك، وويل لك من الناس)، معناه أنه سيكون شجاعاً، وسيكون بشربه للدم أيضاً محل عداوة؛ فسيعاديه الناس كما عادوا الأنبياء، فالأنبياء هم أشد الناس بلاءً، وقد حصل ذلك.

    وقد كانوا يتبركون بكل شيء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إن عروة بن مسعود حينما رجع إلى قريش من الحديبية وصف حال الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا معشر قريش! لقد وفدت على كسرى في ملكه، وعلى قيصر في ملكه، وعلى النجاشي في ملكه، فما رأيت أحداً منهم يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمداً، فوالله ما امتخط إلا وقع مخاطه في يد أحدهم فدلك به وجهه ورأسه، ولا توضأ إلا كادوا يقتتلون على وضوئه، ولا تكلم إلا أنصتوا حتى كأن على رءوسهم الطير.

    وكذلك فإن من التبرك به صلى الله عليه وسلم تبركهم بوضع يده في الماء كما حصل في عدة غزوات، فإنهم عطشوا في غزوة فلم يبق معهم إلا ماء قليل في ركوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكوا إليه ذلك، فأمر بقدح، وأمر أن يصب الماء فيه، وجعل يده فيه، فجعل الماء يفور من بين أصابعه، والناس يستقون حتى ملئوا ما معهم من الآنية والظروف، فشربوا، وسقوا نواضحهم ودوابهم، وهذا الماء هو أفضل ماء على وجه الأرض إذ ذاك؛ لأن خير المياه الماء الذي نبع من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول أحد الفقهاء:

    وأفضل المياه ماء قد نبعْ بين أصابع النبي المتبعْ

    يليه زمزم فماء الكوثرِ فنيل مصر ثم باقي الأنهُرِ

    تبركهم بجسده وشعره صلى الله عليه وسلم ومسحه

    وكذلك فإنهم كانوا يتبركون بمس جسده صلى الله عليه وسلم كما فعل سواد بن غزية رضي الله عنه، فإنه: (كان في الصف في حال المعركة، فتقدم قليلاً، فغمزه رسول الله صلى الله عليه وسلم بمحجن كان في يده، وكان أمام الصف يسوي الصفوف، فقال: أوجعتني يا رسول الله فأقدني -أعطني القود- فكشف له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خصره، فالتزمه، فقيل له في ذلك فقال: إني الآن مقبل على الموت، فأردت أن يكون آخر عهدي بالدنيا أن أمس جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    وكذلك بمسح يده، فإنه صلى الله عليه وسلم حين سالت عين قتادة إذ رماه المشركون بسهم فأصاب عينه، فوقعت على خده، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أحدَّ عينيه.

    وكذلك فإنه مسح على عاتق معاذ بن عمرو بن الجموح حين ضربه عكرمة بن أبي جهل بالسيف، فعاد عاتقه إلى مكانه والتأم.

    ومثل هذا مسحه على صبي أقرع من ولدان الأنصار، فنبت شعره ولم يشب بعد ذلك.

    فهذا من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وكذلك التبرك ببعض ما بقي من شعره وأظافره بعد موته، ففي صحيح البخاري : أن أم سلمة رضي الله عنها كان لها جلجل من فضة فيه شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان الناس إذا مرض مريض أرسل إليها بقدح من ماء فخضت فيه الجلجل فيشربه فيبرأ.

    وكذلك كان لـمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض أظافره، فأمر أن تجعل داخل عينيه في حنوطه يتقي النار بها، ولا يقصد اتقاء النار الأخروية بذلك، إنما يقصد اتقاءها بمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي التي تتقى بها النار، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم يتقى بها الضرر الدنيوي والبرزخي ونحو ذلك.

    وكذلك كان لـخالد بن الوليد شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فكان يجعلها في مغفره؛ يتقي بها السيوف.

    التبرك بآثار يده صلى الله عليه وسلم وثيابه

    وكذلك فإن عائشة رضي الله عنها كان لها جراب قد أدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فأنفقت منه فترة طويلة حتى كان في خلافة عمر ، فكالته لتعرف كم فيه، فزالت عنه تلك البركة.

    وكان لـأبي هريرة جراب -أي: كنيف صغير- أدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فكان فيه شعير، فكان ينفق منه ويأكل، وإذا نال تمراً أو شعيراً جعله فيه، فأخذ يوم قتل عثمان ، فرثاه بقوله:

    للناس همٌّ ولي في اليوم همان فقد الكنيف وفقد الشيخ عثمان

    وكذلك فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يتمسك بما آتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفرط فيه، فقد أملى عليه ورقة كتبها فجعلها في قراب سيفه، وقد أهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف المشهور بذي الفقار، فبقي عنده وعند ذريته حتى وصل إلى خلفاء بني العباس فاشتروه، وهو الآن موجود في خزائن الخلافة العثمانية.

    وكان الخلفاء قديماً يتداولون خرقة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقيت، واختلف في تاريخها لأنها لم يتداولها الخلفاء الراشدون وإنما أخرجها معاوية للناس، فاختلف الناس، فقيل: إنها كانت لـأبي الجهم فأهداها إلى معاوية ، ولا شك أن أبا الجهم أهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب الذي صلى فيه فشغله علمه في الصلاة، فإن كانت من هذا الثوب فقد أهداها أبو الجهم لـمعاوية .

    وقيل: إنما كانت من بردة كساها رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير فاشتراها معاوية من أولاده، فكانت عند معاوية ، ثم تداولها الخلفاء بعده، واستمرت لديهم زماناً طويلاً، ولم يبق منها إلا خرقة قليلة وصلت إلى خلفاء بني عثمان (العثمانيين).

    ويزعم الناس أنها ما زال منها قطعة إلى الآن، والله أعلم.

    وكذلك فإن عائشة رضي الله عنها كان لها جراب قد أدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فأنفقت منه فترة طويلة حتى كان في خلافة عمر ، فكالته لتعرف كم فيه، فزالت عنه تلك البركة.

    وكان لـأبي هريرة جراب -أي: كنيف صغير، أدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده- فكان فيه شعير، فكان ينفق منه ويأكل، وإذا نال تمراً أو شعيراً جعله فيه، فأخذ يوم قتل عثمان ، فرثاه بقوله:

    للناس همٌّ ولي في اليوم همان فقد الكنيف وفقد الشيخ عثمان

    وكذلك فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يتمسك بما آتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفرط فيه، فقد أملى عليه ورقة كتبها فجعلها في قراب سيفه، وقد أهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف المشهور بذي الفقار، فبقي عنده وعند ذريته حتى وصل إلى خلفاء بني العباس فاشتروه، وهو الآن موجود في خزائن الخلافة العثمانية إلى الآن.

    وكان الخلفاء قديماً يتداولون خرقة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقيت، واختلف في تاريخها لأنها لم يتداولها الخلفاء الراشدون وإنما أخرجها معاوية للناس، فاختلف الناس، فقيل: إنها كانت لـأبي الجهم فأهداها إلى معاوية ، ولا شك أن أبا الجهم أهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب الذي صلى فيه فشغله علمه في الصلاة، فإن كانت من هذا الثوب فقد أهداها أبو الجهم لـمعاوية .

    وقيل: إنما كانت من بردة كساها رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير فاشتراها معاوية من أولاده، فكانت عند معاوية ، ثم تداولها الخلفاء بعده، واستمرت لديهم زماناً طويلاً، ولم يبق منها إلا خرقة قليلة وصلت إلى خلفاء بني عثمان (العثمانيين).

    ويزعم الناس أنها ما زال منها قطعة إلى الآن، والله أعلم.

    وكذلك فإن عائشة رضي الله عنها كان لها جراب قد أدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فأنفقت منه فترة طويلة حتى كان في خلافة عمر ، فكالته لتعرف كم فيه، فزالت عنه تلك البركة.

    وكان لـأبي هريرة جراب -أي: كنيف صغير، أدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده- فكان فيه شعير، فكان ينفق منه ويأكل، وإذا نال تمراً أو شعيراً جعله فيه، فأخذ يوم قتل عثمان ، فرثاه بقوله:

    للناس همٌّ ولي في اليوم همان فقد الكنيف وفقد الشيخ عثمان

    وكذلك فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يتمسك بما آتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفرط فيه، فقد أملى عليه ورقة كتبها فجعلها في قراب سيفه، وقد أهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف المشهور بذي الفقار، فبقي عنده وعند ذريته حتى وصل إلى خلفاء بني العباس فاشتروه، وهو الآن موجود في خزائن الخلافة العثمانية إلى الآن.

    وكان الخلفاء قديماً يتداولون خرقة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بقيت، واختلف في تاريخها لأنها لم يتداولها الخلفاء الراشدون وإنما أخرجها معاوية للناس، فاختلف الناس، فقيل: إنها كانت لـأبي الجهم فأهداها إلى معاوية ، ولا شك أن أبا الجهم أهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوب الذي صلى فيه فشغله علمه في الصلاة، فإن كانت من هذا الثوب فقد أهداها أبو الجهم لـمعاوية .

    وقيل: إنما كانت من بردة كساها رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير فاشتراها معاوية من أولاده، فكانت عند معاوية ، ثم تداولها الخلفاء بعده، واستمرت لديهم زماناً طويلاً، ولم يبق منها إلا خرقة قليلة وصلت إلى خلفاء بني عثمان (العثمانيين).

    ويزعم الناس أنها ما زال منها قطعة إلى الآن، والله أعلم.

    التبرك بماء المطر وبالكعبة

    هذا التبرك بشخص النبي صلى الله عليه وسلم لا غبار عليه ولا إشكال فيه، ولا يختلف فيه اثنان من هذه الأمة، ومثله التبرك بماء المطر المنزل من السماء، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكشف له عن كتفيه ورأسه، ففيه بركة لقول الله تعالى: وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا[ق:9] .

    وهذه البركة يمكن أن تكون شفاء من بعض الأمراض، ويمكن أن تكون أيضاً نافعة للأمراض الجلدية كما يذكر بعض المجربين لذلك، وزعم بعض أهل العلم أنها نافعة للشيب أيضاً، فكانوا يتعرضون برءوسهم للمطر للبركة التي فيه؛ لأن الله وصفه بالبركة.

    وكذلك البيت الحرام، فإن الله سبحانه وتعالى يقول فيه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ[آل عمران:96] ، ففيه بركة لا يمكن أن تنكر لإثبات الله لها في كتابه، وهذه البركة في الحجر دون خلاف؛ ولذلك قبَّله رسول الله صلى الله عليه وسلم واستلمه، وفي الركن اليماني دون خلاف؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسحه بيده.

    واختلف في بقية الأركان هل تمسح أم لا؟ فذهب بعض الصحابة إلى أنها لا تمسح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمسحها، وذهب آخرون إلى أنه ليس شيء من الكعبة مهجوراً، فتمسح جميعاً، وحين بنى ابن الزبير الكعبة على قواعد إبراهيم اتفق هو وعدد من الصحابة على مسح الأركان الأربعة؛ لأنهم فهموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ترك مسح الركنين الشاميين لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، فهما في داخل الكعبة.

    واليوم قد أعيدا إلى ما كانا عليه فهما في داخل الكعبة، ومع ذلك فالبيت مبارك في جميع أجزائه، ولا حرج في التبرك به من غير غلو، مع اعتقاد أنه لا ينفع ولا يضر لذاته كما قال عمر بن الخطاب في الحجر الأسود.

    حكم التبرك بغير ما ورد النص فيه

    أما سوى ما ذكر فإن البركة قد توجد، لكن لا يقطع بوجودها إلا بما جاء الوحي بأنها فيه، فالله سبحانه وتعالى ذكر بركة الماء المنزل من السماء، وذكر بركة البيت الحرام، وعرفنا بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ما سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأشخاص لم يرد فيهم النص؛ فلذلك لم يتبرك بهم، وهذا في الأعم الأغلب.

    ولا ينكر أنه حصل في بعض الحكايات لبعض الصحابة بعض التبرك، لكنه لم يشتهر ولم ينتشر بينهم مثل انتشار تبركهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالأخص بأهل بيته، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث جعفر بن محمد عن أبيه أنه دخل على جابر بن عبد الله ، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فعرفه بنفسه فقال: يا ابن أخي! ادنُ مني. فأدناه، فحل زره الأعلى، ثم حل زره الأسفل، ثم وضع يده بين ثدييه.

    وما فعل هذا جابر بحفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبركاً به، ولأنه يقصد بذلك إدناءه ومحبته لحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآل بيته، وليس في ذلك غلو ولا اعتقاد أنه ينفعه أو يضره، بل جابر أفضل من محمد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم أجمعين.

    ومن فقه الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه أنه حين ذكر في (كتاب التوحيد)، التبرك المذموم، ذكر التبرك بالأشجار والأحجار ولم يذكر التبرك بالأشخاص؛ لأنه يفصل فيه، فلم يذكره أصلاً، وإنما ذكره الشُّرَّاح وبالغوا فيه لكن الشيخ ما ذكره.

    أما التبرك بالأحجار والأشجار والقبور ونحو ذلك، فهذا التماس للبركة في غير ما هي فيه، ومن ذلك قبور الصالحين والشهداء والصحابة، حتى الأنبياء فإن أجسادهم مستورة، والتربة التي يتبرك بها الناس ليست بأجسادهم المباركة، ولم تتحلل أجسادهم إلى التراب أصلاً؛ لأن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فلذلك لا يتبرك بشيء من ذلك.

    وقوع البركة في شيء لا تقتضي تعالجاً به

    وأما قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ثابت بن قيس بن شماس : (تربة أرضنا، بريقة بعضنا، شفاء سقيمنا، بإذن ربنا)، فلا يقصد به التبرك بأصل التربة، ولهذا ذكر العلماء أن هذا الحديث من أحاديث الطب النبوي، فإن كل قوم يكون علاج ما ينبت بأجسادهم من الأمراض الجلدية موجوداً في تربتهم التي تربو عليها، والبيئة التي عاشوا فيها، فيمكن أن يكون من هذا الباب.

    ولو قصد به تربة بعينها فيها بركة لكان هذا معروفاً بالوحي فقط، ولا يقاس عليه غيره.

    وقد تأتي البركة في الأمر فلا تقتضي تعالجاً به ولا انتفاعاً به، وإنما تقتضي كثرة خيره ونمائه، مثل البركة في أرض الشام، حيث قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ[الإسراء:1] ، فالمقصود بالبركة حوله: كثرة الثمار والزروع ونحو ذلك، ولا يقصد بها أن تلتمس البركات في أرض الشام بالتعالج بها ونحو ذلك.

    حكم التبرك بالقبور مساً أو مسحاً

    قوله: (ولا تمسوا قبراً):

    جاء النهي عن الجلوس والمشي عليها؛ وذلك لأنه إزراء بأصحابها وازدراء لهم، وهي حبس عليهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور فاختلف العلماء في معناه، فقيل: المقصود النهي عن الجلوس عليها للحاجة، أي جلسة قضاء الحاجة فقط، وأما مجرد الجلوس عليها فليس النهي وارداً فيه، ولكن عموماً التربة التي دفن فيها الإنسان هي وقف عليه، فلا ينبغي الجلوس عليها، ولا المرور من فوقها أي: المشي عليها.

    وكذلك الصلاة عليها، والصلاة إليها، فكل ذلك منهي عنه، والنهي عن الصلاة بالخصوص لأمور متعددة:

    الأمر الأول: سد ذريعة الشرك؛ لأن أهل الجاهلية كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح اتخذوا قبره وثناً، وقد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وسأل ربه ألا يتخذ الناس قبره وثناً.

    وكذلك أن المقابر فيها تحللات لأجزاء الموتى، وجثث الموتى فيها خلاف: هل هي طاهرة أو نجسة، حتى المسلمون منهم.

    فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الميت نجس مطلقاً سواء كان مسلماً أو غير مسلم، ورأوا أن الحياة علة للطهارة، فالشاة ما دامت حية فهي طاهرة، وإذا ماتت فإنها تنجس.

    ورأى آخرون أن أجزاء الكفار نجس، وأن الأجزاء الداخلية من المسلمين نجس لمباشرتها للأنجاس كالدم والعذرة ونحو ذلك، وأن الأجزاء الظاهرة من أموات المسلمين طاهرة، ولذلك تغسل، ولو كانت نجسة لما غسلت؛ لأن النجس لا يتطهر، والذين يرون أنها نجس يقولون: الغسل تعبُّدٌ لا تطهير.

    والخلاف فيها مذهبي بين المذاهب لا يمكن أن نحسم نحن فيه، ولكن أقرب ذلك أن يقال: المؤمن طاهر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـأبي هريرة (المؤمن لا ينجس)، ومع ذلك فهذا الحديث يمكن أن يحمل على النجاسة الحسية والنجاسة المعنوية، مثلما جاء ذلك في قول الله تعالى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ[التوبة:28] فقد اختلف فيه: هل النجاسة حسية أو معنوية.

    قوله: (أو تمسَّحوا) كذلك التمسح، وهو أشد من مجرد المس، فالتمسح على القبور لالتماس بركة أصحابها أشد من مجرد مسها، و(تمسحوا) حذفت منها التاء الثانية، فهي بحذف إحدى التاءين، وأصلها: أو تتمسحوا، وهذا كثير في اللغة والقرآن والسنة.

    1.   

    حكم الطواف حول القبور

    قوله: (ولا تطوفوا حوله أو تذبحوا):

    كذلك الطواف حول القبور يعتبر من الغلو فيها، والمقصود بالطواف حولها: ما كان طقساً يشبه عبادة، كأن يطوف الإنسان بها بقصد أمر يطلبه، أو لدعاء صاحب القبر أو نحو ذلك.

    وأما التطواف عليها بمعنى المرور حولها للاتعاظ بها، وتذكر أن هذا الذي قد مات، وسفا عليه السافي، وأقصاه أهله، وانقطعت أخباره؛ قد كان يوماً من الأيام يحب الناسُ قربه ويتقربون إليه، وهو الآن قدم إلى ما قدم، وأصبح جدثاً تسفي عليه السوافي لا يسأله أحد شيئاً، ولا يسأل عن خبر، ولا يصل خبر عنه؛ فغير مراد هنا.

    والتطواف بالقبور لقصد عبادة أهلها شرك أكبر مخرج من الملة، وكذلك تشريع الطواف بها، كمن شرع ذلك أو اعتقده فجعله مثل الطواف بالكعبة.

    وأما اتخاذ ذلك عادة لغير عبادة ولا تشريع فهو محرم، ولكنه لا يصل إلى درجة الشرك، وأما المرور عليها للموعظة فهو من فضائل الأعمال الجائزة، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يدور حولها؛ سداً لذريعة التشبه بالطواف.

    1.   

    حكم الذبح للقبر

    قوله: (أو تذبحوا):

    كذلك لا تذبحوا على القبور أو حولها، فالذبح عليها أو حولها من أعمال الجاهلية، فقد كانوا يذبحون وينحرون على القبور وينضحونها بالدماء، ويظنون أن تلك الدماء هي حظ الأموات من الذبائح، فيظنون أن الدم يصل إليهم في قبورهم، وقد كان أهل الجاهلية يبالغون في هذا، فينحرون ويتركون ما نحروه عند القبر لا يتعرضون له، وقد ذكرنا قول زياد بن الأعجم :

    إن السماحة والمروءة ضمنا قبراً بمرو على الطريق الواضح

    فإذا مررت بقبره فانحر به كوم الهجان وكل طرف سابح

    وانضح جوانب قبره بدمائها فلقد يكون أخا دم وذبائح

    فهذا على عادة الجاهلية وعملهم، والذبح لغير الله سبحانه وتعالى ملعون من فعله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في بطاقة علي بن أبي طالب التي أخرجها من قراب سيفه، ورواها عنه وهب بن عبد الله السوائي رضي الله عنه؛ فإن فيها لعن من ذبح لغير الله.

    واختلف في المذبوح لغير الله وبالأخص عند القبور ونحوها، فقال جمهور العلماء: هو جيفة ميتة لا يحل أكله؛ لأن فيه إهلالاً لغير الله؛ والله تعالى حرم ما أهل به لغيره: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ[المائدة:3] .

    وعن أحمد فيه روايتان، إحداهما بإجازته (بإباحته)، والأخرى بتحريمه.

    والقول بإجازته لا يقصد به إطلاق ذلك، وإنما يقصد أن من عادة الناس أن يذبحوا ذلك فيفعلونه تقليداً لا شركاً، فمن فعل ذلك تقليداً وذكر اسم الله عليه فلا تكون ذبيحته محرمة ولا يكون مما أهل به لغير الله.

    ومثل هذا التقرب إلى القبور والمشاهد بالأموال غير الذبائح، كوضع النقود عندها أو وضع الملابس أو نحو ذلك، فهذا مثل الذبح سواء بسواء، فيكون صاحبه ملعوناً، وهو من عمل الجاهلية، نسأل الله السلامة والعافية.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767418537