إسلام ويب

خطر التنصيرللشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن شريعتنا الإسلامية خير شريعة أنزلت، وهي ناسخة لكل شريعة، وهي مما خصت به هذه الأمة فسادت الأمم كلها، وكانت هي الحاكمة لها، ولكن عندما تركناها ونفرنا من شريعتنا جاء أصحاب الشرائع المحرفة، وبدءوا ينشرون دينهم النصراني المحرف، ويعملون جاهدين من أجله، فيجب على كل عالم وطالب علم ومسلم مواجهة التنصير وخطره على المسلمين.

    1.   

    خصائص شريعة النبي صلى الله عليه وسلم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى قد ارتضى هذا الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم للبشرية، وهو الدين عنده سبحانه وتعالى وحده، فكل الأديان السابقة التي أنزلها الله إنما كانت لمرحلة محددة لا تتجاوزها، وفي علم الله أن البشرية ستتعدى ذلك الطور الذي يصلح له ذلك الدين، حتى إذا خاضت البشرية كل أطوارها، وأكملت كل تجربتها، أنزل الله إليها هذا الدين الحق الذي اختار له محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً، واختار له هذا القرآن كتاباً، وخصه من بين سائر الشرائع بكثير من الخصائص، منها صلاحيته المستمرة للتطبيق في كل زمان ومكان، ومنها كذلك عصمته وحفظه.

    أما الحفظ فحفظ لأدلته، فأدلة هذا الدين الخاتم محفوظة كتاباً وسنة تعهد الله بحفظ الذكر في محكم كتابه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وحفظ الذكر يقتضي حفظ القرآن والسنة.

    ومنها كذلك: العصمة، والمقصود بها عصمة أمة الإجابة الذين صدقوا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم واتبعوه، وهي عصمة في الجملة، أي: أنهم لا يتفقون على ضلالة، ولا يمكن أن تجتمع قلوبهم جميعاً على ما لا يرضي الله عز وجل.

    أما الديانات السابقة فليست كتبها وشرائعها محفوظة بما حفظ الله به القرآن، بل قد وكل الله حفظها إلى الأمم، وعندما ينتهي صلاحية تلك الديانات يبدأ فيها التحريف والتغيير حتى تنسخ وتبدل بالكلية.

    وكذلك فإن إجماعهم ليس معصوماً، بل لا إجماع لهم أصلاً، ولا يمكن أن يتفق أحبارهم ورهبانهم على أمر واحد، بل لا بد أن تبقى قلوبهم متباينة مختلفة.

    كذلك فإن حفظ الله سبحانه وتعالى لهذا الدين متجدد في كل مائة سنة يبعث الله سبحانه وتعالى من يجدد أمر دينه لحفظه سبحانه وتعالى للدين، وهؤلاء الذين يبعثهم الله لتجديد ملة النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا فقط من العلماء، بل يدخل فيهم كذلك المجاهدون في سبيل الله، والداعون إلى سبيله، والحاكمون بالقسط، والمعلون لكلمة الله، والناصحون الذين لا يخافون لومة لائم، كل أولئك يجتمعون على تجديد دين الله عز وجل، فيكون سعيهم جميعا تجديداً للدين، ولا يمكن أن ينحصر ذلك في جهود أفراد محصورين أو عدد يسير من العلماء، أو من الحكام أو من غيرهم، بل لا بد أن تكون الجهود في ذلك منسقة متفقة؛ لأن تجديد دين الله عز وجل لو كان يمكن أن يقوم به فرد بعد النبي صلى الله عليه وسلم لم تختم الرسالة أصلاً، فختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم دليل على أن الدين لا يمكن أن يجدده بعده فرد، بل لا بد أن يجتمع على تجديده المعتنون بأمر الدين من هذه الأمة.

    1.   

    تجديد الدين النصراني لملة موسى عليه السلام

    إن الدين النصراني الذي أنزله الله على عيسى كان تجديداً لملة موسى عليه السلام، فقد أحل الله لبني إسرائيل على لسان عيسى كثيراً مما حرم عليهم في ملة موسى ، ولم يأت المسيح بن مريم عليه السلام إلا مجدداً لملة موسى بن عمران عليه السلام، ثم إن الذين خالفوا عيسى بن مريم من الذين يزعمون الانتساب إلى موسى حاولوا قتله، والتخلص منه، وصلبه، والاعتداء على الإنجيل المنزل عليه بإضافة بعض الأسفار إليه، والتحريف في حياة المسيح بن مريم قبل أن يرفعه الله إليه.

    فهؤلاء الذين شهدوا ولادته من غير أب، وشاهدوه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وسمعوا كلامه في المهد، ومع ذلك تآمروا عليه بكل هذه المؤامرات، وحاولوا قتله وصلبه، وحاولوا تحريف كتابه المنزل عليه، وحاولوا تكذيبه ورد دعوته عليه، وبعد أن رفع الله المسيح إليه وأوحى إليه: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55].

    ازدادت شدة اليهود على أتباع عيسى من الحواريين، فاعتزل الحواريون وانفردوا في الأديرة، وترهبوا في الصوامع، فكان ذلك سبباً لعدم حفظ الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، فإنما كان تجديداً لملة موسى وكان أيضاً في مدة محددة في علم الله.

    فرفع الله سبحانه وتعالى ما بقي من الإنجيل المنزل على عيسى ، فلم يبقَ لديهم حكم واحد مما أنزل على عيسى إلا حكماً واحداً، وهو المنع من تعدد الزوجات كما قال ابن حزم رحمه الله.

    حكم واحد بقي من هذا الكتاب الذي فيه إباحة كثير مما حرم في التوراة، ورفع الإصر في كثير من الأمور عنهم، مع ذلك لم يبقَ بأيدي المنتسبين إلى المسيح بن مريم مما أنزل عليه إلا حكم واحد.

    أصل الدين الذي جاء به عيسى عليه السلام

    وأصل الدين الذي جاء به كسائر الرسل هو توحيد الله عز وجل، وأصل دين المسيحية اليوم هو التثليث المنافي لما جاء به عيسى بن مريم ، فعيسى بن مريم عندما سأله الله سبحانه وتعالى، فقال له: أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المائدة:116-117].

    فقد خالفوه في أصل دعوته للتوحيد، وزعموا المزاعم في حياته على ما يخالف ما جاء به في حياته الأرضية، وطبعاً ما زال حياً في السماء، لكن رفعه الله إليه وتوفاه أي: أنهى مهمته في الأرض.

    فهل تظنون أن ديناً حاول اليهود تحريفه وتبديله واعتزل الحواريون الذين تعهدوا بنصرته في حياة رسوله، هل تظنونه يبقى هذه المدة الطويلة، ألفين سنة إلى الآن وزيادة.

    الأدلة على بطلان التوراة وتحريفها

    إن ما بأيدي النصارى اليوم ليس شيء منه مما أنزل الله على عيسى بن مريم في الإنجيل، وأدل دليل على ذلك أن عندهم أحد عشر كتاباً يزعمونها جميعاً الإنجيل المنزل، كل طائفة منهم تتمسك بالكتاب الذي عندها، وتقول: هذا الإنجيل الذي أنزل الله على عيسى ، وليس شيء منها مما أنزل الله على عيسى ، بل كلها أباطيل وأكاذيب.

    الدليل الثاني: وهو مثل صاحبه أن هذه الأناجيل الموجودة اليوم بأيدي النصارى، بالإضافة إلى تضمنها التثليث المستحيل المنافي لدعوة عيسى ، وبالإضافة إلى تضمنها للمختلقات المنافية للعقل والشرع، مع ذلك كله قصص عن الحواريين جاءوا بعدهم، وعن أقوام لقوا المسيح .

    طيب إذا كان هو الإنجيل المنزل على المسيح بن مريم كيف يكون حديثاً عن أقوامٍ لقوا المسيح وعن الحواريين وأتباعهم، إن هذا غاية في التهافت والضلال.

    ولذلك فإن المسيحيين إنما يفرضون على أولادهم عقيدتهم وقناعتهم بالضرب والتأديب، ويجعلونها سابقة للعقل والتفكير، فيحاولون التركيز على الأمور العاطفية، وإهمال الأمور العقلية.

    وقد ذكرت لي امرأة ممن أسلم من الذين كانوا يتعصبون للنصرانية، قالت: قال لي والداي عندما ذهبا بي إلى الكنيسة فسألتهما بعض الأسئلة، قالا لها: إن هذه الأسئلة صادرة من هنا من العقل، وهو عقلك أنت في الأرض، وهذا الدين نازل من السماء من هنالك، فأول أمر تدخلين به الكنيسة أن تتركي عقلك في السوق خارج الكنيسة، فإذا دخلتِ الكنيسة فارجعي إلى المنزل فقط ولا ترجعي إلى العقل.

    وهذه القناعة هي التي يقنع بها النصارى أولادهم بالتمسك بهذا الدين المحرف المبدل، المنافي للعقل والفطرة والشرع.

    لقيت أحد القساوسة الكبار، وقد كان دارساً للرياضيات، فعلمت بتخصصه ودراسته، فقلت: هذه مناسبة طيبة كنت أود أن ألقى مسيحياً متمسكاً بدينه، يعرف الحساب لأسأله عن سؤال، فقال: ما هو هذا السؤال؟ فأخذت ورقة فكتبت بها ثلاثة يساوي واحد، يساوي ثلاثة، اشرح لي هذه المعادلة؟ ففهم الرجل القصة، وقال: هذا أمر سابق على الحساب وسابق على العقل. وحاد عن الجواب ولم يستطعه.

    وهكذا فإن آخرين منهم يعلمون في قرارة أنفسهم بطلان ما يزعمون، ويتشككون فيه في كل الأوقات، فيقولون: أنا أشعر في قلبي بأمر وأعتقد في دماغي أمراً آخر، وهذا هو حقيقة انفصام الشخصية الذي هو ضرب من ضروب الجنون.

    1.   

    وسائل النصارى في نشر النصرانية

    إن هذا الدين النصراني مبناه على تحريف وحي الله، ومعاداة رسل الله، وعلى منافاة العقل والفطرة، وعلى تكذيب الأنبياء، فمن كذب واحداً منهم، فقد كذبهم أجمعين، كما قال الله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء:105].

    انظروا إلى قوم نوح قبل أن يبعث غيره من المرسلين كذبوا المرسلين جميعاً؛ لأنهم بتكذيبهم لواحد من المرسلين كذبوا جميع المرسلين، وكل من كذب واحداً من الأنبياء فقد كذبهم جميعاً، مع ذلك يراد له اليوم أن يكون الدين العالمي، وأن يسود في الأرض كلها، وأن ينتشر، وتقوم الدول، والمؤسسات، والحركات في نشره والترويج له، ويستغلون لذلك كل الوسائل المتاحة.

    الدعوة للنصرانية باسم التبشير

    أولاً بدءوا مؤامرتهم بتسوية الدعوة إلى هذا الدين، الذي هو خلاف الوحي، وخلاف العقل، وخلاف الفطرة.

    فالتبشير أمر مرغوب فيه وكل إنسان يحب البشارة، لكن إذا كان الذي يبشر به هو ما ينافي الوحي، وينافي العقل، وينافي الفطرة، وينافي كل مقومات الإنسان وما لديه، هل هو بشارة أو تخويف؟

    إن هذه الكلمة هي مثل الدجل الإعلامي الذي يروج به على خلاف المقصد، فإذا أريد الخنوع والمذلة أمام اليهود سمي باسم السلام، والسلام أمر محبوب لدى النفوس، وإذا أريد إفساد التعليم سمي ذلك بإصلاح التعليم، وإذا أريد تحديد النسل سمي ذلك بترقية الأسرة، وإذا أريد أي هدف من الأهداف الفاسدة اختير له اسم براق، يلوح في الآفاق فيكون دجلاً وتضليلاً على الناس يتبعه من ليس واعياً ولا مدركاً، فيرى هذه اللافتة الملونة، فيظن وراءها أمراً ينساق له، والواقع أن ذلك هو مجرد دجل، ومصادرة لعقول الناس ولعب عليهم.

    التستر خلف اسم الإغاثة

    كذلك بعد ابتكارهم لهذا الاسم الذي تستروا به، ابتكروا اسماً آخر، لكنه ليس لبلاد أوروبا وبلاد الغرب التي تحمي الدين المسيحي وتنشره، بل هو للعالم الثالث، ما هو هذا الشعار؟ هم يصنعون الصناعات الداخلية والصناعات التي هي للتصدير، فالأدوية التي تصدر مغشوشة فيها 75% من المواد الحافظة والمواد المسيغة التي تسيغ ذهاب المواد في داخل المصنع، والمواد التي تستعمل داخل أوروبا جودتها منافية لتلك، فكذلك هنا عندما يريدون تصدير فكرة إلى الخارج يصنعون صناعة للعالم الثالث متخصصة وهذه الصناعة هي الإغاثة.

    العنوان الأكبر هو التبشير، تحت هذا العنوان عنوان آخر أصغر منه للعالم الثالث: هو الإغاثة، والإغاثة أمر محبوب والعالم الثالث أهله فقراء جهال، يشكون من التخلف والعجز، والتناحر والحروب، فيحتاجون إلى إغاثة، فإذا سمعوا هذا الاسم ظنوه صواباً، وظنوه حلاً للمشكلة، فجاءوا يبحثون وراءه وسيجدون سراباً كحال كل منخدع وراء الدعايات المغرضة.

    وهذه الإغاثة إنما يحاولون فيها شراء الذمم، وشراء الضمائر، والتأثير على الناس ليملكوهم؛ لأنهم يعلمون أن هذا الذي يدعون إليه غير مقنع، ولا يستطيع أحد منهم أن يقف أمام حشد كهذا ويأخذ الميكرفون ويشرح لهم فكرة واحدة من أفكار النصرانية؛ لأنه يعلم أن كل الحاضرين لن يستوعبوا تلك الفكرة، ولن يفهموها ولن تكون موافقة لعقولهم، بل أصغر طفل منهم سيرفضها، فلذلك يحاولون إقناعهم عن طريق شراء ذممهم، فيشترون الذمم ويشترون الضمائر ليتبعهم الناس على ما هم عليه من الباطل طمعاً فيما تحت أيديهم من المال.

    والواقع أن القساوسة والرهبان الذين ينتشرون في الآفاق، ويحملون شعار الإغاثة، يأخذون بذلك أيضاً مكاسب كبيرة ممن سواهم، فإن الدول والمنظمات تجمع لهم أموالاً طائلة فيستغلها أولئك، ويشترون بها ضمائر المتخلفين من الفقراء والمحتاجين، كما يفعله ممثلو البنك الدولي.

    فالبنك الدولي عندما يريد الاستعمار الجديد عن طريق تسيير المؤسسات، وعن طريق الإصلاح الاقتصادي، يأتي إلى دولة فقيرة فيقول: أنا سآخذ كل الموارد وأسيرها وأنفق على كل متطلبات الدولة منها، فكل وزارة يجلس فيها مسير من البنك الدولي راتبه نصف ميزانية الوزارة والنصف الآخر يسيرها به.

    وهذه الميزانية التي تسير بها مثل هذه المصالح العظيمة هي قروض ربوية، وفي مقابلها يأخذون كل موارد الدول الفقيرة لاستغلالها وأخذها أضعافاً مضاعفة، فتستمر المديونية ويستمر العناء المبين، ويتسترون وراء ذلك بأنهم جاءوا للإغاثة والإنقاذ.

    هذا الحال هو حال المنصرين الذين ينتشرون في البلاد الفقيرة، ساعين حسب ما يزعمون للإغاثة والتعليم وإيواء الناس، وحل مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية، لكن من أراد أن يطلع على حقيقة ما لديهم عرف بداية مجيئهم، ومن أين بدأوا؟ وبمن اتصلوا؟ وكيف كانت وسائلهم؟

    إن الفرد منهم يأتي في البداية سائحاً، فتأشيرته تأشيرة سياحة، ثم يختار أتعس البيئات وأبعدها عن العلم، وأبعدها عن الالتزام والدين، فيجلس فيها لا يغيث أهلها ولا يعينهم، بل يسعى في البداية في التعرف على تلك البيئة حتى ينطبع بها، وحتى يكون كأنه فرد من أفرادها الذين ولدوا فيها، فإذا عرف عنها كل شيء ولم تعرف هي عنه أي شيء، حاول بعد ذلك اختلاق المشكلات، إما بالإفساد الاجتماعي، بزرع الضغائن والعداوات بين الناس، وإما بإشاعة الفواحش التي تذهب الشعوب بالكلية، وإما بزراعة الأمراض ذات الخطورة والفتك، وهذه الوسائل الثلاث واضحة جداً، بارزة في أي مكان دخلوه، فلا بد أن تقع الشحناء والبغضاء حتى بين الأقارب، ولا بد أن تنتشر الأمراض الفتاكة إما عن طريق الفواحش كالاتصال الجنسي غير المشروع المخالف لشرع الله الذي يترتب عليه نقص المناعة المكتسب، وإما عن طريق التجهيل، وصرف الناس عن العلم وعن كل مصادر تلقيه.

    ثم بعد أن تحصل كل هذه المشكلات يظهر في شكل المنقذ وربان السفينة، وأنه سيقود بهم السفينة إلى بر الأمان، ومن هنا يحاول خداعهم بما يقدمه لهم من حل لمشكلات هو السبب فيها.

    ومن الأمثلة على ذلك:

    مشكلة المياه في الحوض الشرقي عندنا في موريتانيا وفي مناطق متعدية في مالي والسنغال، فإن المنصر يأتي فيحاول زراعة الأشجار التي تمتص المياه حتى تيبس الآبار، ويعلن للناس قبل ذلك أنه يكافح التصحر، فيحاول زراعة هذه الأشجار التي تمتص مياه الآبار بالكلية، فإذا يبست الآبار حاول شراء ما تبقى منها ويضع عليه مشروعاً خاصاً به، ويمنع استفادة الناس منه، فإذا أحس الناس بخطر العطش أتى هو حينئذٍ فأقام لهم بئراً ارتوازية، أو وضع لهم مولداً كهربائياً لاستخراج الماء من البئر التي يملكها هو، وكان متفضلاً بذلك الماء عليهم. وبذلك سيعتبرونه منقذاً، أنقذ حياتهم من العطش، وأنقذ زروعهم ونخلهم من الهلاك، والواقع أنه هو سبب ذلك الهلاك.

    أنواع الإغاثة النصرانية

    كذلك إن الذين يتسترون بستار الإغاثة أيضاً يأتون منه بأنواع متعددة، منها: الإغاثة العلمية كالاستشارة الزراعية التي يتستر بها عدد كبير منهم، فأكثر الذين يأتون للتبشير في النصرانية المحرفة، تخصصهم في الأصل تخصص زراعي، واختيروا لهذه المهمة، فيرسلون إلى هذه البيئات التي يعيش أهلها من خلال الفلاحة، فيختار خريجو كليات الزراعة الذين يمكن أن يقدموا بعض الحلول، والنصائح والاستشارات في هذا المجال، ويمكن أيضاً أن يأتوا معهم ببعض الأمراض المهلكة للحرث والنسل، فيستقدم أولئك إلى مثل هذه البيئات المحتاجة ويزرعون فيها.

    كذلك إقامة السدود فكثيراً ما يكون المنصر مهندساً لإقامة السدود، هذا تخصصه، فيرسل إلى بيئة من البيئات التي يحتاج فيها إلى إقامة السدود، فيبقى في تلك المنطقة زماناً طويلاً، لا يعرف تخصصه فيدرس البيئة تماماً، ثم يسعى بعد هذا لتغيير الشكل الاجتماعي الموجود؛ لأن البناء الاجتماعي يصعب معه اختراق المؤسسة، فيحاول تشكيك الناس في زعاماتهم، وهذا ما أخبر به أحد المنصرين في تقرير له قال:

    نحن إذا أتينا أهل بلد من بلدان العالم الثالث الذي يشيع فيهم النظام القبلي، نركز أولاً على رأس القبيلة، فإن انساق وراءنا وانقاد لنا، جعلنا له بعض الأنصار من أفراد القبيلة، وجعلنا له بعض الأعداء من أفراد القبيلة نضغط بهم عليه، في أي وقت أردناه، وإن لم ينقد لنا حاولنا التخلص منه، وأبرزنا شخصيات أخرى كانت مغمورة في القبيلة؛ ليكون لها المكان الاجتماعي، وستبدأ تلك الشخصيات كحال الغريق في البحر يبحث عن أي شيء يتلمسه لينقذه، فنلقي نحن لهم الحبل لننقذهم، فندفع إليهم المال في وقت الحاجة، ومن هنا يتمكنون من قيادة القبيلة.

    فلذلك ما من قبيلة كان نظامها مستمراً، وكان لها قائد ترضى عنه يقدم لها بعض الخدمات، أو كانت لها قيادة دينية إلا وحاول المنصّرون إفساد ذلك النظام.

    وهذا لا نقوله دفاعاً عن النظام القبلي، ولا دفاعاً عن الزعامات التي فيها من الفساد ما الله به عليم، ولكنه بيان لخطر من أخطار هؤلاء المنصرين المفسدين.

    تشكيك المسلمين في عقائدهم

    كذلك فإن من الأخطار الفاحشة التي يزرعونها بين الناس أخطار التشكيك التي لا تأتي في صورة محاضرة تقدم، فقد سبق أنه ليس لديهم ما يقنعون الناس به، لكنها تأتي في صورة أسئلة يقدمونها إلى الناس.

    سؤال: لو كنت عطشان جائعاً فتقدم إليك إنسان فقال: أنا أكفل لك الماء، وأتاك آخر وقال: أنا أكفل لك الغذاء أيهما تتبع؟

    هذا السؤال يشيعونه بين الناس، ولا يفهم الإنسان غرض المنصر من هذا السؤال فيظنه أمراً معتاداً، لكنهم هنا إنما يريدون به التفريق بين الذي يدعو إلى الإسلام، والذي يدعو إلى النصرانية، فهم لا يستطيعون إنكار أي دين من الأديان؛ لأن قادتهم الدينيين في بلادهم تربوا في الأصل على أن الديانات كلها يلزم احترامها، وأن من خالف ذلك مناف لتعاليم المسيح حسب ما يزعمون.

    ولهذا أذكر أننا كنا في مخيم في ولاية من ولايات المتحدة الأمريكية في الصيف، فاستأذن على المخيم عدد من أولاد النصارى من فتيانهم وفتياتهم، فجاءوا يطلبون المقابلة، فكنت فيمن قابلهم فسألتهم: من هم؟ ولماذا أتوا؟

    فقال: نحن ثلاثة آلاف من أولاد مدينة (شيكاغو) وبناتها، نذرنا ثلاث سنوات من أعمارنا للتبشير بالدين المسيحي وخدمته. يعني: خرجوا في سبيل الله ثلاث سنوات، لكنهم يريدون بذلك إفساد سبيل الله، فهم نذروا ثلاث سنوات من أعمارهم للتبشير بالدين المسيحي، فقلت: هذا الدين الذي تبشرون به قد استوعبتموه وعرفتموه؟ قالوا: لا، ولا يمكن أن يعرفه أحد تمام المعرفة إلا البابا وحده.

    قلت: أنتم تدعون إلى شيء لم تفهموه ولم تعرفوه، قالوا: المشكلة يحلها البابا، نحن علينا توجيه الناس، ونحن مثل عربات القطار لسنا مثل الرأس، والبابا هو الرأس الذي يجر كل العربات.

    قلت لهم: تسمعون عن دين آخر اسمه الإسلام؟

    قالوا: نعم نسمع به.

    قلت: ذلك الدين هو ديننا.

    قالوا: أهلاً وسهلاً.

    قلت: فماذا تريدون منا؟

    قالوا: نريد أن تتطلعوا إلى ديننا وأن تأخذوا به.

    قلت: ونحن كذلك نريد أن تتطلعوا إلى ديننا، وأن تعرفوه وتأخذوا به، وأنا أسألكم بين يدي ذلك سؤالاً.

    فقالوا: ما هو؟

    قلت: أرأيتم من مات على دينكم الذي تدعون إليه إلى أي اتجاه سيتجه إلى الجنة أو إلى النار؟

    فقالوا: إلى الجنة.

    فقلت: ومن مات على الدين الذي نحن عليه الإسلام إلى أي اتجاه سيتجه إلى الجنة أو إلى النار؟

    فقالوا: إلى الجنة.

    فقلت: ما دام من مات على الإسلام يتجه إلى الجنة، ونحن نعرف هذا الدين ونقتنع به، وأنتم لا تعرفون ذلك الدين ولا تقتنعون به كيف تسمحون لأنفسكم بدعوتنا إليه؟

    فقالوا: ولكننا نسمح أيضاً بأن تدعونا أنت إلى الدين الذي عندك.

    فكان ذلك بداية التعرف على عدد منهم، وقبل بعضهم الحق وأسلموا، والبقية كابروا ورجعوا إلى أساتذة لهم هم كانوا السبب في خروجهم لدعوتهم.

    وهذا الخروج ليس مقصوراً فقط على شبابهم، بل تجد نساءهم وكهولهم يخرجون جميعاً، فلا بد أن يمضي المقتنع بأمر النصرانية ولو لم يفهم شيئاً من مما يدعو إليه لا بد أن يقدم تضحية لها، إما بالمشاركة بالدعوة إليها مباشرة، وإما بتهيئة الجو لها.

    في سنة من السنوات جاءنا هنا في هذا البلد عدد كبير من الفتيات والشباب الفرنسيين الذين يدعون إلى النصرانية، فاستقبلتهم الكنيسة هنا في نواكشوط، وحجز لهم أحد التجار الذين يمارسون مهنة الترانزيت والضيافة، حجز لهم حافلتين كبيرتين واتجهوا إلى البوادي، فكان من سوء حظهم أن وصلوا إلى بادية فيها الأخ الشيخ محمد الآبواه ، فأتوا إلى القرية التي هو فيها فاستقبلهم بكل حفاوة كما تعلمون وسألهم: قال: لماذا أتيتم هنا؟

    قالوا: أتينا لثلاثة أمور، سنصلح لكم طريقكم الرملية، الذي يتعب السيارات، وسنعلم نساءكم النسيج، وسنعلم أطفالكم الرياضة.

    فقال: هل نحن بالخيار أو هذا أمر مفروض علينا؟

    قالوا: لا، أنتم بالخيار طبعاً.

    قال: طيب أما قضية إصلاح الطريق والعمل في الرمل فلكم، وأما قضية تعليم النساء فلن تروا أحداً منهم.

    وأرادوا أن يناقشوه. فقال: أنتم أتيتم لثلاثة أمور وأنا أعطيتكم واحدة، فاقتنعوا بها وتكفيكم.

    ثم بدءوا يعملون في الرمل يوماً أو يومين، ثم انتقلوا وعرفوا أن مهمتهم فاشلة.

    وهكذا الحال بالنسبة للذين يأتون لا يتمظهرون أمام الناس إلا بالمظاهر المحمودة، أنهم يأتون لأهداف محددة، وهي تعليم الرياضة، أو تعليم النسيج، أو المشاركة في إصلاح الطريق، أو بناء السد أو تعليم الزراعة، أو نحو ذلك من الأمور التي يحتاج إليها الناس، لكن ما وراء ذلك؟

    هذا الذي لا يسألهم الناس عنه مع الأسف، ولا يتطلعون إليه، والأصل أن العاقل إذا قدم إليه إنسان خدمة لا بد أن يبحث عن السبب الذي جعله يأتيه من بلاد نائية، فيختاره هو من بين سائر الخلائق ليقدم له هذه الخدمة، أو ليقدم له هذه المساعدة، هل هو ممن يبتغي وجه الله والدار الآخرة، وإذا كان كذلك فلماذا اختارني بالخصوص؟

    أو هو ممن لا يعرف الله ولا يعرف الدار الآخرة، وإنما هو من الذين يريدون نشر الفساد في الأرض، وإهلاك الحرث والنسل. لا بد أن يكون هذا السؤال بارزاً بين أعيننا.

    إن كثيراً من الناس تعودوا على أن يكونوا من اليد السفلى، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اليد العليا خير من اليد السفلى ).

    كثير من الناس إذا تعودوا أن يكونوا أصحاب اليد السفلى مدوها لكل أحد، ولم يستطيعوا أن يكفوها عن أي جاد، ولا يبحثون من الذي جادت يده بذلك الجدى.

    أين هؤلاء من عزة المسلمين، وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]، كما قال الشريف الجوزاني رحمه الله: (ولا كل أهل الأرض أرضاه منعماً)، فليس كل أحد ترتضي منه أن يكون منعماً عليك، وأن تكون يده أعلى من يدك، بل لا ترضى ذلك إلا لمن ترى أن فيه جانباً هو خير منك، وترتضيه لذلك الجانب.

    إن الذين يغفلون عن هذا السؤال يمدون أيديهم، ويغلقون أسماعهم وأبصارهم، فمن وضع شيئاً في تلك اليد ضمه إليه سواء كان حية تسعى أو غير ذلك.

    أين هؤلاء من فقيه دمشق الذي كان في الجامع الأموي يوم دخل الجيش المصري الذي يقوده محمد علي باشا وكان جالساً قد مد رجليه، فخرج الناس جميعا ًفي استقبال القائد، وبقي هو في مجلسه، فسأل عنه القائد فقيل: هو ذاك في الجامع الأموي يدرس، فاستشاط غضباً وقال: لا بد أن نذهب إليه الساعة، فدخل المسجد بكل أبهته ومعه جيشه وجنوده، فلم يغير الشيخ جلسته، فجلس الرجل تلقاء وجهه، فلما انتهى السلام مد الشيخ رجله كما كان يمدها في وجوه الطلاب، فانصرف الأمير مهموماً وأرسل إليه بصرة من النقود، فلما أتته ابتسم الشيخ وقال: أرجعها إليه وقل له: (إن من يمد رجله لا يمد يده).

    إن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر ويؤمن بقدر الله النافذ، يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأنه رفع الأقلام وجفت الصحف عما هو كائن، وأن الأرزاق مقدرة كتبت مع الإنسان وهو جنين في بطن أمه، وأن الله تعهد له برزقه، وأن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، وأن عليه أن يجمل في الطلب.

    إن الذين ينتشرون اليوم في الأرياف وفي البوادي وفي ضفتي النهر وفي مناطقنا هذه من المنصرين أصبحت حياتهم مع الناس حياة مألوفة، فتشاهدهم يرحلون مع البدو كما يرحل البدو، يلبسون ملابسهم ويركبون مراكبهم ويعيشون بينهم أزمنة طويلة، حتى لا تقشعر منهم الأجسام، وحتى يتعود الناس عليهم في كل أوقاتهم، وإذا حصل ذلك التعود وعرفوا تلك البيئة تمام المعرفة بدءوا حينئذٍ في أعمالهم الأخرى.

    ومن المريب الغريب أن أولئك الذي يأتون لنشر المسيحية المحرفة دائماً يأتون معها بخدمة الدول التي أرسلتهم، فيقدمون التقارير ويقدمون الخدمات للدول التي جاءوا منها، وقد قال أحد الألمان الكبار في مدينة (آخل) وقد كان سفيراً لألمانيا في المغرب ثم أسلم قال: ما من منصر يخرج من ألمانيا إلا ووقع اتفاقاً مع الحكومة الألمانية على أن يدع ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وأن يقدم 50% من خدمته للكنيسة و 50% من خدمته للدولة. والرجل موجود وهذه إقراراته وهو قد كان منهم وشهد شاهد من أهله.

    فلذلك ينتشرون ويجدون كل التسهيلات من قبل السفارات، والدول التي ترعى مصالح الدول الكبرى، ومن خلال ذلك يحققون الهدفين معاً، فيكون كل فرد منهم ساعياً على ما يزعم في خدمة دينه المحرف، وساعياً كذلك في خدمة الدولة التي أرسلته.

    إقامة المصاهرات مع المسلمين

    كذلك فإن من وسائلهم الذميمة أنهم يسعون أيضاً لإحداث بعض الصهارات المتعمدة في أوساط بعض البيئات التي يهتمون بها، فتسعى الفتيات المنصّرات إلى التزوج ببعض أولاد الأسر العريقة، ويسعى كذلك الفتيان المنصّرون للتزوج ببعض بنات الأسر؛ ليكون هذا إزالة لما كان في النفوس من الابتعاد عن هذا الدين المنحرف.

    توزيع الكتب النصرانية

    وكذلك من وسائلهم الدنيئة الذميمة: توزيعهم للكتب في شكل مصاحف قد طبعت فيطبعونها ويوزعونها كحال هذا الكتيب الذي يوزعونه هنا على أطفال المدارس، وقد جمعوا فيه إنجيل متى، وإنجيل لوقا وإنجيل مرقس وإنجيل يوحنا، ورسالة روما ورسالة يعقوب، وها هو يوزع على طلاب المدارس، وهذا الكتيب أخذ من طالب في مدرسة ابتدائية هنا في نواكشط وقد وزع نظيره بكثرة.

    وقد ذكر لي أحد الإخوة أنه كان في رحلة في الجنوب، فجاءوا إلى قرية من القرى، فلما أتاهم شيخ القرية أهدوا إليه مصحفاً، فجاء رجل من أفراد القرية فقال: أنا عندي مثل هذا الذي أهديتم إلى الشيخ، فذهب إلى بيته وجاء بالإنجيل يحمله يظنه مصحفاً، وقد أهدي إليه.

    هذا بالإضافة إلى كتيبات الدعوة إلى المسيحية التي لا يوزعونها توزيعاً؛ لئلا يكون ذلك مانعاً من قراءتها؛ لأن ما أخذ بلا ثمن في الغالب لا يقرأ، وإنما يبيعونها بأسعار رخيصة، فكتاب مثل هذا مثلاً يباع بثلاثين أوقية، وهو على الأقل طباعته تكلف أربعة دولارات، وتعرفون أن الدولار الواحد مائتان وسبعون أوقية!

    وهكذا أسعار الإنجيل، لكن الكتيبات الكثيرة، مثلاً: رسالة الرب، ودعوة الشباب، وإصلاح الحياة، وكتاب الحياة، هذه كلها كتيبات يبيعونها هنا، ويبيعها فقراء تحت ظلال الشجر هنا في العاصمة، بل قد شاهدنا بعضها عند مصلحي الأحذية.

    وهذه الكتب والكتيبات التي يبيعونها بالعربية.

    بالإضافة إلى هذا سعوا أيضاً لتوزيع بعض الأشرطة التي قرئ فيها قراءات من الإنجيل أو فيها محاولة تعريف بعض القصص التي جرت، ففي شريط وزع بكثرة في ولاة العصابة وهو باللهجة الحسانية، ذكر الشخص الذي يتكلم فيه أنه كان محروماً ليس له أي حظ في الدنيا ولا في الدين، ولا يعرف الرحمة ولا يذوق لها طعماً، وأنه اتصل به رجل من المنصرين الذين أتوا فدله على طريق الحق، كما يزعم وعرفهم على المحبة والإخاء حتى عرف المحبة من عند الله.

    مثل هذا ينطلي على ضعفة العقول والذين يجهلون أمر الدين، فيظنون هذا أمراً غير مناف للدين فيقبلونه في البداية، هذا بالإضافة إلى ما يقومون به من بعض الخدمات الأخرى التي هي الوجه الذي يبدونه للناس، كفالة الأيتام، وعلاج المرضى، وقد سمعت أن بعض فروع منظمة كرتاس بنَت مسجداً، واستأجرت معلماً للقرآن يعلم الصبيان، وهذا فقط ذر للرماد في العيون ومحاولات لخداع الناس.

    نشر الرذيلة

    وكذلك من أفجر مخاطرهم ما ينشرونه من أفلام الرذيلة، ففي كل حي يحاولون أن يكون لهم مقر، عبارة عن غرفة صغيرة مستأجرة بثمن قليل، فيها جهاز فيديو يعرض الأفلام الخليعة، ليتجمهر عليهم الفتيان والفتيات، ومن ليس لديه شغل، ومشاهدة الفلم بعشرين أوقية، ثم بعد التعرف على أولئك، ينتقى منهم عدد يصارحون بالدعوة إلى المسيحية، وعدد آخر يصارحون بالسعي في نشر الفحشاء والبغاء بين الناس، ولذلك فإنهم إذا أعلنوا أنهم يرعون المرضى أو يعالجونهم فيركزون على نوعيات من المرضى فقط، يركزون على الأطفال المصابين بالشلل؛ لأنهم محل رحمة عند أسرهم، ويشترطون إذا ذهبوا بهم للعلاج ألا يذهب معهم أي فرد من أفراد الأسرة، والغالب أن كثيراً من الأفراد المصابين بالشلل لديهم ذكاء وفطنة، ولم يعلموا ولم يعتنَ بتربيتهم هذا أغلب الصور.

    فيأخذونهم فيعلمونهم تعاليمهم، ويجدون فيهم من الرحمة والرقة والعطف ما لا يجدونه عند أمهاتهم، ومن هنا يفضلون السكنى معهم، وهكذا كل مصاب في بدنه.

    وأنا أعرف رجلاً من سكان الصحراء أصم لا يسمع، أخذته منصِّرة من الصحراء الغربية وذهبت به إلى أسبانيا فأقنعته بأنها هي أمه وأنها هي أبوه، وأنه ليس له أصل إلا الدين المسيحي الذي أتى به، وأن الناس جميعاً أبناء الله، نسأل الله السلامة والعافية تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، وأنه كفر عنهم سيئاتهم جميعاً بصلب المسيح. فاقتنع هو بهذه الأفكار وأصبح يناقش عنها وهو أصم لا يسمع.

    التغرير على أبناء المسلمين

    كذلك فإن من مخاطر هؤلاء المنصرين أنهم إذا قدموا إحساناً إلى بعض الناس أخذوا صورهم، بل ربما أخذوا منهم توقيعاً على الاستلام، ويجعلونهم مكان ذلك الاستلام أمراً آخر، بل ربما طلبوا منهم وثيقة مجهولة لا يدرون ما فيها، وكثيراً ما يحصل هذا، وقد حصل في قرية بدوية هنا أنهم اتصلوا ببعض الشباب الذين يقدمون لهم بعض الإعانات، فأعطوهم وثيقة باللغة الألمانية لا يدرون حرفاً مما فيها، فوقعوها جميعاً، وبعد فترة يسيرة جاءوا فأرادوا بناء كنيسة في القرية، فلما قام أهل القرية في وجوههم وخاصموهم، قالوا: هذا طلب أولادكم وبناتكم، وهو موقع من عدد منهم، وخاصموهم عند الحاكم المركزي للمقاطعة، وقالوا: نحن ما جئنا هنا إلا بطلب من جمهور من الشباب والفتيات، وهؤلاء الناس أرادوا مصادرة الرأي، ومخالفة هؤلاء والحيلولة بينهم وبين ما يريدون، وهم طلبوا منا إقامة الكنيسة، وهذه توقيعاتهم على ذلك.

    1.   

    المواقف والحلول المطلوبة تجاه انتشار النصرانية في موريتانيا وغيرها

    إن كل هذه المخاطر الجسيمة العظيمة تنتشر في بلدكم هذا الذي هو قلعة من قلاع الإسلام، ومهد من مهاده، وتنتشر بين هذه الجموع والحشود الموحدة المؤمنة التي ترضى بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، ولا ترضى تبديل ذلك بوجه من الوجوه ولا بحال من الأحوال، لكن أين الذين يصدقون عندما يسمعون قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ [الصف:14].

    إنه من المستغرب أن يكون في مثل هذا البلد الذي سكانه لا يصلون إلى ثلاثة ملايين، وكلهم من المسلمين وأكثرهم من المتعلمين على الأقل علوماً شرعية، وهو مضرب آباط الإبل من أنحاء الله لطلب العلم، يأتيه الناس لطلب العلم الشرعي من آفاق الدنيا وأقطارها، ومع ذلك ينتشر فيه أكثر من ثمانية وسبعين مؤسسة تنصيرية كبرى، وكل واحدة منها لها من الفروع ما الله به عليم.

    وقد بدأت أول إرسالية للتنصير في موريتانيا عام 1941م، فمنذ ستين سنة وهم يعملون هنا للتنصير، ومع ذلك لا نجد اهتمام الناس بهذا الخطر الداهم في الدين والدنيا، ولا نجد عناية بمكافحته، بل قل منكم من يسأل عن مكافحة التنصير، وقل منكم من يفكر في أن يكون من المكافحين للتنصير.

    إن كثيراً منكم عندما سمعوا الإعلان عن المحاضرة أو قرأوه على أبواب المساجد ظنوا أنهم سيستمعون إلى ثقافة وأرقام، وبعض الأمور التي تتكرر على الأسماع كثيراً ثم ينصرفون بحصيلة علمية لا بأس بها في ثقافة التنصير دون فائدة.

    لكن الواقع أن الأهم والأعظم والذي ينبغي أن نفكر فيه جميعاً هو ما موقفنا نحن، بعد أن ذكرنا كل ما مضى وبينا، ولا يخفى على أحد منكم، بل إن كثيراً منكم لديه من المعلومات الدقيقة التي لا تقبل النقاش لديه أكثر وأكثر مما قيل، لكن ما هو الحل؟ هل الحل هو الاستسلام، والترك للأمر يسير على ما هو عليه؟

    ما هي الحلول التي ترونها لمكافحة هذا التنصير الذي تغلغل في البلاد كلها؟

    الرجوع إلى الإسلام

    إن أول حل للتنصير هو الرجوع إلى تعلم الإسلام والتمسك به، فالذي يرضى بالمسيحية بدلاً عن الإسلام لا يعرف الإسلام، فلذلك لا بد من إحداث نهضة علمية دعوية راشدة تسعى للتعريف بالإسلام من جديد، فإن كثيراً من البيئات البدوية لا يعرف أهلها عن الإسلام إلا الشعائر الدينية المخصوصة، لكن لا يعرفون أنه نظام شامل لكل مناحي الحياة، وأنه ينظم السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلم والثقافة، ولا يترك مجالاً أياً كان إلا وتدخل فيه.

    بل إن كثيراً من الذين يدعون أنهم من المثقفين إذا سمعوا أي كلام للإسلام في مشكلة من مشكلات الناس، قالوا: هذا الإسلام السياسي، وهذه مشكلة جديدة، أجل هو الإسلام السياسي الذي جاء به جبريل ونزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مؤيد بالمعجزة ومنصور بالرعب مسيرة شهر.

    كذلك فإن كثيراً من الذين ينخدعون بدعايات هؤلاء المسيحيين يمكن أن ننصفهم فنقول: لم يجدوا من يعلمهم ولم يجدوا من يعتني بهم من المسلمين من أبناء جلدتهم الذين يتكلمون بألسنتهم، وهذه مسئولية عليكم تشاركون فيها فأنتم بها مشاركون في نصرة التنصير، مالم يخرج كل فرد منكم من هذه الجلسة وهو يعزم على أن تكون له مشاركة في التوعية لنصرة دين الله وإعلاء كلمته والتنبيه لهذا الخطر، فإنكم بذلك تساعدون على انتشار المسيحية في بلادكم وفي شعوبكم.

    إنكم جميعاً تدينون الله بالعداوة لإبليس والعداوة لليهود والنصارى، لكنها عداوة في القلوب، وإذا برزت برزت تصل إلى الألسنة فقط.

    إن على كل إنسان منكم أن يثبت لنا عداوته لإبليس بنقصه لجند إبليس ولو بشخص واحد، يسعى لهدايته، فمن سعى لهداية شخص واحد، فقد حاول نقص جند إبليس وقد حقق عداوته.

    وهكذا في عداوة اليهود والنصارى من سعى لانتشال شخص واحد وإنقاذه من هذه الضلالة الماحقة، فقد أثبت عداوته لليهود والنصارى، فعلاً حين نقص جندهم.

    التوعية بخطر المنصرين

    كذلك ثانياً من هذا العلاج: توعية البيئات التي يركز عليها المنصِّرون بخطرهم، فكل ما ذكرناه الآن أصبح أمانة في أعناقكم، وأنا أشهد الله عليكم وقد علمتم فيجب على كل إنسان منكم أن يبلغه لمن استطاع تبليغه له، وأن يحاول توعية البيئات الجاهلة، وتصوروا لو أن كل فرد من الذين يسمعون هذا الكلام وهم ولله الحمد أعداد غفيرة، حاول إبلاغ عشرة، أو توعية عشرة من هذا الشعب القليل، هل يبقى للنصرانية مكان؟

    هل يعجز واحد منكم على أن يبلغ طيلة عمره عشرة لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يحدث الوعي في أذهان عشرة فقط بالمخاطر الدينية التي تواجههم.

    إنك يا أخي عندما تقوم بتوعية عشرة أشخاص فقد شاركت في نصرة الله ورسوله، ووقفت في وجه هذا التنصير الذي هو سيل جارف.

    نشر الرحمة وحسن الخلق بين أبناء المسلمين

    كذلك فإن من مكافحة هذا التنصير والوقوف في وجهه: أن تحاولوا أن تفتحوا صدوركم لإخوانكم وأن يجدوا فيكم الرحمة التي هي خلق هذا الدين، فهذا الدين خلقه الرحمة: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة[الأنعام:54]، لكن أين هذه الرحمة؟

    إن كثيراً منا ينغلق على نفسه فيحاول إسعاد نفسه، وإذا تعدى خيره وصل إلى الأقربين، ولم يعتن بأي أحد من أبناء جلدته، ومن شعبه ومن إخوانه الذين يجتمعون معه في الآلام والآمال، والدين والمصير، ويهمل حقوقهم بالكلية.

    إن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حقوقاً عليكم جميعاً، فما منكم أحد إلا وعليه حقوق لهذه الأمة، هل ترضى أن تخاصمك الأمة جميعاً بين يدي الله الحكم العدل يوم القيامة؟

    لا بد أن تجتهد في أداء حقوق الأمة إليها قبل وقت الخصام عندما توضع الموازين القسط ليوم القيامة.

    إن من حقوق الأمة عليكم أن يجد فيكم ضعفاؤها ومساكينها والمحرومون منها الرحمة والحرص عليهم والسعي للتقرب إليهم، فنحن لا نلوم من ليس لديه ما ينفقه، لكن نلوم من ليس لديه رحمة في قلبه.

    إذا عجزت أن تسعد الناس بمالك فعلى الأقل عاملهم بحسن خلقك، إن كثيراً من القسوة والشدة كان سبباً في تقبل كثير من الجهال للمسيحيين عندما يفتحون لهم صدورهم ويجدون فيهم الرحمة، وهذا ما ينبغي أن يجده كل الأفراد فيكم أنتم معشر المسلمين، فأنتم أولى برحمة الناس، فربكم هو الرحمن الرحيم الذي كتب على نفسه الرحمة، ونبيكم صلى الله عليه وسلم وصفه الله بقوله: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].

    وهو رحمة مهداة إليكم كما قال الله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ[آل عمران:159].

    فلا بد أن يتعود كل فرد منكم على الرحمة.

    إن الغلظة والشدة لا تقتضي إلا نفوراً، فلو كان أحد يستغني عن هذه الرحمة، ويجتمع الناس حوله لاستغنى محمد صلى الله عليه وسلم عنها، فلا أحد أمن على الناس منه، ولا أحد أحسن منه صورة، ولا أحد أكمل منه خلقة، ولا أحد أشرف منه نسباً، ومع ذلك احتاج إلى هذه الرحمة العفو والصفح وملاينة الناس حتى يستمعوا إليه: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

    إننا جميعاً نحتاج إلى أن نراجع هذه الرحمة في نفوسنا، وإذا راجعنا أنفسنا في هذه الرحمة فحاولنا اكتسابها حاول كل إنسان منا أن لا يكون فظاً غليظاً فسيجد كثيراً من المحرومين يأنسون به ويتقربون إليه ويستمعون منه، وأمكنه أن يؤثر فيهم بأنواع التأثير.

    مقاطعة المنصرين ومنظماتهم

    العلاج الآخر: هو مقاطعة هذا التنصير وجهوده ومنظماته بالكلية كمقاطعة اليهود أو أشد، فلا بد أن يشعر كل إنسان أنه قد عاهد الله على محاربة هؤلاء النصارى واليهود، فلا يمكن أن يبايعهم في أية صفقة ولا أن يستأجر لهم أي منزل، ولا أية سيارة ولا أن يكون دليلاً لهم، ولا أن يعينهم بأية معلومة، فإذا عاهدتم الله على ذلك فقد انحلت المشكلة، فأنتم وجوه وجهاء الناس ووجوههم ومن وراءكم تبلغونه ذلك، ألستم تعاهدون الله على ذلك في بيت الله؟

    إذاً يلزم أن تفوا لله بهذا العهد، وأن تقاطعوهم مقاطعة شاملة لا بيعاً ولا شراء ولا إجارة ولا كراء، ولا معاملة بأي وجه من أوجه المعاملة، فهم ما جاءوا هنا إلا لإفساد دينكم وإفساد أخلاقكم والتأثير عليكم.

    فعندما تقاطعونهم هذه المقاطعة الشاملة الكاملة فسينصرفون ويجرون وراءهم أذيال الخيبة والهزيمة.

    نشر التكافل الاجتماعي في الأمة

    كذلك فإن من علاج هذا التنصير المستشري: محاولة كل إنسان منكم لمساعدة فقراء المسلمين من عباد الله المحتاجين، ونحن نعلم أننا جميعاً فقراء إلى الله سبحانه وتعالى، وأننا محتاجون إلى رحمته وفضله، فلذلك علينا أن نرحم عباده، ( فالناس عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله ).

    فلو أن كل فرد من أفراد المسلمين الذين حضروا في هذا المسجد جعل من وقته ساعة في كل أسبوع، يخصص ريعها للإنفاق على يتيم أو فقير أو مسكين، لاستغنى فقراء المسلمين عن مد أيديهم إلى النصارى، لو أن كل فرد منكم خصص ساعة في الأسبوع ليجعل ريعها ونتاجها كفالة ليتيم أو اقتحاماً للعقبة: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:12-16].

    إن كل فرد منكم بالإمكان أن يخصص ساعة في الأسبوع يجعل ريعها وما أنتج فيها مما رزقه الله في نصرة الله ورسوله وفي كفاح أعداء الله من اليهود والنصارى، فيقدمها لقمة لمسكين أو إيواءً ليتيم أو مساعدة لمريض ويحتسبها صدقة عند الله سبحانه وتعالى.

    ومن قدم ساعة واحدة في الأسبوع، فإن ذلك لا يمكن أن يلام به، ولا أن ينقص جهده في بقية أيامه الأخرى، إذا كنت موظفاً فخذ مقابل ساعة واحدة، إذا كنت أستاذاً تتقاضى راتباً على الساعات الإضافية، فخذ مقابل ساعة واحدة، إذا كنت طالباً فاقسم ساعات الأسبوع، واجعل دخلك قسمة عليها، واجعل مناب ساعة واحدة منها أسبوعياً في إيواء مسكين، أو يتيم أو مساعدة فقير أو مريض.

    المشاركة في التحذير من التنصير

    كذلك الخطوة الموالية لهذه وهي أكبر منها وأنكى وأعظم، هي بعد أن يجد كل إنسان منا نفسه طيبة جائدة بساعة في الأسبوع، نحاول أن ننسق جهودنا، فنجعل منها مؤسسة إغاثية كبرى، يشارك فيها كل الحاضرين في المسجد والحاضرات، بساعة أسبوعية يخرج فيها الإنسان يأتي بحطب أو بمحار، أو بأي شيء آخر، بما يستطيعه خلال ساعة في الأسبوع، وبثمنها يُؤى مسكين أو ينفق على يتيم أو مريض، ويكون ذلك بكل شفافية ووضوح تشاركون جميعاً فيه، وفي تسييره وإدارته، فهذا لا يضركم ولا ينقصكم، وفيه نفع عظيم وسد للأبواب أمام المنصرين.

    نشر العزة بالله وبرسوله في نفوس الناس

    كذلك على كل فرد منكم أن يحاول التأثير على بيئته الخاصة، ومن يسمعون منه، فيسد الثغرات أمامهم ولا يدع مجالاً لهذه المؤامرات التنصيرية، فينبههم على هذه المخاطر وينتبه هو لها، ويحاول إشاعة التنبه لها بين الناس، فنحن تعودنا من قبل على ما كان الناس عليه في أيام استعمار الفرنسيين لهذه البلاد، عندما كان الرجل من أهل البادية إذا رأى فرنسياً أغمض بصره لئلا يقع بصره على كافر.

    وقد كانت هذه الصورة منتشرة في كثير من الناس، فقد حدثني أحد شيوخ السودان، قال: لما جاء الوالي الإنجليزي إلى الخرطوم، كان إذا خرج على جواده في الطرق يستقبله كل أهل الطرق قياماً للتسليم عليه كرهاً لا طوعاً، فجاء رجل كبير السن مزارع من أهل النيجر أو نيجيريا، فجلس في ظل بيت من البيوت، فمر به هذا الوالي فلم يقم من مجلسه، فلفت ذلك انتباه الوالي فثنى عنان جواده، ووقف على الرجل، وقال له: ألا تقوموا؟ فقال: إلى أي شيء أقوم؟ بكل عزة.

    فقال: ألا تعرفني؟ فقال: نعم. فقال: من أنا؟ فقال: كافر. فانقلب الوالي أدراجه.

    فهذه اللهجة، لهجة العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ينبغي أن تقوى في النفوس، وأن يبقى كل إنسان يجدها في نفسه، فإذا رأى كافراً عرف أن الله شرفه عليه واختصه بأن جعله من أهل الإسلام واحتقره؛ لأنه لا خير فيه، ولو كان فيه خير لهداه الله إلى الإسلام، ويحاول هدايته إن استطاع، وإن لم يستطع فليعلم أنه لا خير فيه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6].

    مقاطعة السائحين والتضييق عليهم

    كذلك من معالجة هذه الظاهرة ذات الخطورة: أن ننتبه إلى من يزور بلادنا، فالناس الآن مقبلون على الانفتاح أمام السياحة، وأصبح كثير من الناس يزينون بيوتهم ليستقبلوا السائحين، بل أصبح بعض المدن يفخر قادتها وعمدها بأنهم سيفتحونها للسياحة، والتركيز في السياحة الآن على بعض المدن القديمة في الشمال واضح لديكم، فالرحلات التي تأتي من فرنسا وتذاكرها مشجعة ستون ألف أوقية فقط تذكرتها وعودة إلى أطار مثلاً، هذا كله بداية عهد جديد من مصادر التنصير لا بد من مقاومته والتنبه له من البداية، فلا بد أن يستشعر الناس بأن أولئك الذين أتوا تحت غطاء السياحة لم يأتوا لخير، وما أتوا لمساعدة الناس، وما أتوا إلا للشر كله لبذله وسقيه ورعايته وتعاهده بعد ذلك.

    هذه مهمتهم ومن أجل هذا أتوا، فلذلك لا بد أن تكونوا بالمرصاد لكل من يأتي من الكفرة إلى بلادكم، وأن تدركوا أنه ما جاء إلا للإفساد فينتبه له من البداية.

    وإذا شعر بالغرابة لدى الناس وباستغرابه وبمقاطعته الكاملة، فإنه لن يشجعه ذلك على المجيء بعد تلك المرة.

    وأنتم تسمعون عن تبجح بعض السفراء الفجرة للكفرة من اليهود والنصارى، بزعمه أن الناس يحرجونه بكثرة العزائم في مدينتكم هذه، وأنه لا تمضي عليه ليلة إلا وهو في عزيمة لدى قوم لإكرامه والتقرب إليه، وهذا هو غاية المسخ والهوان والمذلة، فهذا النوع لا بد أن يكون أهل الإيمان على انتباه له، وتنبه لخطره وضرره الماحق على الدين والإيمان والخلق.

    نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته العلى، أن يرفع عنا الرجز، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يخرج النصارى واليهود صاغرين، وأن لا يجعل لهم على أحد منا ولاية، وأن يخرجهم يجرون أذيال الخزي والهزيمة خائبين، وأن يطهر هذه البلاد من رجزهم وقذرهم، وأن يطهر الأقصى من رجز اليهود وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من الناصرين لدينه المنتصرين به، والباذلين في سبيله، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767591269