إسلام ويب

شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني [13]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من صفات الله الاستواء على العرش، ومعناه العلو والارتفاع، وليس كما يزعم البعض من أنه الاستيلاء، وقد ورد ذكره في سبعة مواضع من القرآن، وأسماء الله كلها حسنى ووجه وصفها بأنها حسنى باعتبار ما دلت عليه من صفات الكمال وشرف المسمى، ولأنه لا يدعى الله إلا بها. ويحرم الإلحاد في أسمائه كتسمية الأصنام بأسماء الله أو تسميته سبحانه بما لا يليق به أو تمثيله وتشبيهه بخلقه سبحانه.

    1.   

    تابع استواء الله بذاته على عرشه

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد البشير النذير, والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى, أما بعد:

    أدلة استواء الله على عرشه

    فقد توقف بنا الكلام عند قول الشيخ رحمه الله: [على العرش استوى, وعلى الملك احتوى], وعرفنا بأن استواء ربنا جل جلاله على عرشه قد أخبر عنه ربنا في سبعة مواضع من كتابه الكريم, ففي سورة الأعراف قول ربنا جل جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الأعراف:54], وفي سورة يونس قول ربنا جل جلاله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ[يونس:3].

    وفي سورة الرعد قول ربنا جل جلاله: اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ[الرعد:2], وفي سورة طه قول ربنا جل جلاله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[طه:5], ثم في سورة الفرقان قول ربنا جل جلاله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59], ثم في سورة السجدة: اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ [السجدة:4], ثم في سورة الحديد قول ربنا جل جلاله: الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4].

    هذه سبعة مواضع في القرآن أخبر فيها ربنا جل جلاله بأنه استوى على العرش, والاستواء كما فهمه سلفنا من كلام العرب أنه بمعنى علا وارتفع, فهو سبحانه وتعالى له صفة العلو بأنواعها الثلاثة: علو الذات, وعلو القدر, وعلو القهر.

    الرد على من زعم أن (استوى) بمعنى: استولى

    وكما قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله: وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية بأن قوله تعالى: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54], معناه: استولى وملك وقهر.

    قال: ولو كان الأمر كما قالوا لما كان بين العرش وبين الحشوش والمزابل اختلاف؛ لأن الله عز وجل هو مالك كل شيء.

    لو كان استوى على العرش بمعنى استولى وملك, لما كان بين العرش وبين الأرض السابعة اختلاف؛ لأننا نقرأ في القرآن آيات تدل على أن الله عز وجل مالك كل شيء ومليكه, كقوله سبحانه: وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:189]، وقوله تعالى: وَللهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ المَصِيرُ [المائدة:18]، وقوله تعالى: للهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، وقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1], ونقرأ في القرآن: وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111]، وأيضاً قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا[فاطر:40]، وقال سبحانه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ:22].

    فهذه المواضع وغيرها تدل على أن الله عز وجل هو مالك كل شيء, فلو كان قوله تعالى: (استوى) بمعنى استولى وملك كما يقولون, لما أفادت الآية معنى جديداً, وكلام الله عز وجل منزه عن التكرار المجرد عن الفائدة؛ ولذلك نقول بأن استوى هنا بمعنى علا وارتفع.

    ولذلك بعدما قال: على العرش استوى قال: [وعلى الملك احتوى], من أجل أن ينفي ما قاله أولئك الخائضون في كتاب الله بغير علم.

    1.   

    الإيمان بأسماء الله الحسنى

    قال المؤلف رحمه الله: [وله الأسماء الحسنى والصفات العلى].

    و(له) أي: لله عز وجل, (الأسماء الحسنى والصفات العلى), (الأسماء) جمع اسم, وكلمة الاسم مشتقة من السمو بمعنى العلو, أو مشتقة من السمة بمعنى العلامة.

    أوجه وصف أسماء الله بأنها حسنى

    (له الأسماء الحسنى), نحن دائماً لا نقول بأن الله عز وجل له الأسماء ونسكت؛ بل لا بد أن نصفها بأنها حسنى, وقد وصفها ربنا بذلك في كتابه فقال سبحانه: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف:180], وقال: قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الإسراء:110], وقال: اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8], وقال سبحانه: هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[الحشر:24]، ووجه وصفها بأنها حسنى هو أن الحسنى مؤنث الأحسن, كما أن الكبرى والصغرى مؤنث الأكبر والأصغر, فالحسنى مؤنث الأحسن.

    وفي وصفها بأنها حسنى ذكر أهل العلم أربعة وجوه وهي:

    الوجه الأول: باعتبار ما دلت عليه من صفات الكمال الحسنة العزيزة, يعني: أن كل اسم من أسمائه جل جلاله دال على صفة من صفاته.

    مثلاً لو قلنا بأن الله عز وجل الرحمن الرحيم؛ فيدل على صفة الرحمة, ولو قلنا بأن الله هو العزيز؛ فيدل على صفة العزة, وقس على ذلك, فكل اسم من أسمائه جل جلاله دال على صفة من صفاته الكاملة العزيزة الحسنة, ومن أجل هذا كانت أسماؤه حسنى.

    الوجه الثاني: باعتبار شرف العلم بها؛ فإن شرف العلم فرع عن شرف المعلوم, وأشرف العلم بالأسماء العلم بأسماء الله عز وجل؛ لأن المتسمي بها أشرف من كل شريف جل جلاله, وكذلك نقول: أشرف العلم بالكلام العلم بكلام الله جل جلاله.

    فشرف العلم تبع لشرف المعلوم, ومن أجل هذا كانت أسماؤه جل جلاله حسنى.

    الوجه الثالث: باعتبار أن الله عز وجل لا يدعى إلا بها: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180], يعني تقول: يا رحيم ارحمني, يا رزاق ارزقني, يا جبار اجبرني، وهكذا.

    وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك, سميت به نفسك, أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحداً من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك ).

    الوجه الرابع: وصفت أسماؤه جل جلاله بأنها حسنى باعتبار ما رتب على العلم بها من الأجر والثواب, يعني: أن العلم بأسماء الله جل جلاله جزاؤه الجنة, والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً, مائة إلا واحداً, من أحصاها دخل الجنة ), ومن أجل ذلك كانت حسنى.

    فهذه أربعة وجوه لوصفها بأنها حسنى.

    صور من الإلحاد في أسماء الله

    قال الله عز وجل: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف:180], فالله جل جلاله حذرنا من الإلحاد في أسمائه سبحانه وتعالى, وكلمة (الإلحاد) معناها الميل؛ ولذلك ما نحفره للميت في جانب القبر منحرفاً عن وسطه يسمى لحداً, قيل للملحد ملحداً, الملحد باعتبار الحافر, ولذلك لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف الصحابة, هل نشق له شقاً, أم نلحد له لحداً؟ وكان بالمدينة رجلان أحدهما يشق والآخر يلحد, فقالوا: نرسل إليهما, فأيهما جاء أولاً فقد اختاره الله لنبيه عليه الصلاة والسلام, فجاء الذي يلحد أولاً.

    ولذلك الإنسان الذي ينحرف في مفهوم الألوهية أو الربوبية نقول: هذا ملحد.

    والإلحاد في أسماء الله عز وجل يكون على صور، نذكر منها خمس صور:

    الصورة الأولى: تسمية الأصنام بها, كما كان المشركون يسمون أصنامهم باللات والعزى ومناة, ويقولون: اللات مؤنث الله -قاتلهم الله!- والعزى مؤنث العزيز, ومناة مؤنث المنان, وهذا من الإلحاد بأن تسمي الأصنام بأسماء الله عز وجل.

    الصورة الثانية: تسميته بما لا يليق به جل جلاله, وبما لم يسم به نفسه, فالمناطقة فيما مضى كانوا يسمون الله عز وجل: علة الوجود, أو يسمون الله بالفاعل, أو يسمون الله بالموجد لذاته, والآن بعض الكُتاب يسمي الله بالمخترع أو بالمخطط أو بالمهندس, قال بعضهم: إن الله هو مهندس الكون الأعظم, طبعاً هو يقصد معنى صحيحاً, وهو أن الله عز وجل هو الذي أقام هذا الكون على نواميس وقوانين مستقيمة, لكن لا ينبغي أن نسمي الله عز وجل بما لم يسم به نفسه.

    الصورة الثالثة: جحد ما دلت عليه من المعاني, كما قال بعض من انحرفوا بأن الله حي بلا حياة, عليم بلا علم, قدير بلا قدرة, نعوذ بالله!

    الصورة الرابعة: تشبيه الله بخلقه, بمعنى أن تقول: بأن الله عز وجل مثل كذا, وقد مضى معنا قول نعيم بن حماد رحمه الله: من شبه الله بخلقه فقد كفر, ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر.

    وكان أحد أهل الضلال -وقد عقره الله- يقول: إن الإنسان يصل إلى درجة من اليقين فيكون عالماً كعلم الله, قديراً كقدرة الله, حياً كحياة الله, ويكون هو الله, عليه لعنة الله! وهو الهالك المذموم، ويسمي ذلك: الإنسان الكامل, فهذا من الضلال البعيد.

    الصورة الخامسة: وصف الله عز وجل بما لا يليق, مثلما قالت اليهود: إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ[آل عمران:181], ومثلما قالوا: يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ[المائدة:64], لعنة الله عليهم! فهذا كله يدخل في الإلحاد, قال الله عز وجل: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأعراف:180].

    ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

    اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين, والحمد لله رب العالمين!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755899877