إسلام ويب

سورة محمد - الآية [7]للشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وعد الله عباده المؤمنين بالنصر ولكنه معلق بشرط؛ فالوعد النصر والعزة والتمكين في الأرض والفوز في الآخرة، والشرط نصرة الله بطاعته وامتثال أمره واجتناب نهيه، وتحكيم شرعه، فإذا قمنا بالشرط حصل المشروط.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين. أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين، ومع النداء السابع والستين في الآية السابعة من سورة القتال أو سورة محمد صلى الله عليه وسلم وهو قول ربنا تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

    معاني مفردات الآية

    قول الله عز وجل: (( إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ )). معناه: إن تنصروا دينه، وهذا النصر بين ربنا جل جلاله بعض أركانه في قوله: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:40-41]؛ فمعنى نصر الله عز وجل: نصر دينه ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى غني عن النصر في تنفيذ إرادته إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ [محمد:4].

    ثم قال عز وجل: وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )) يثبت أقدامكم إما على الدين فيملأ قلوبكم سكينة واطمئناناً، أو يثبت أقدامكم أمام عدوكم فيملأ قلوبكم شجاعة وأبدانكم قوة؛ فتكونون عالين قاهرين في غاية ما يكون من طيب النفوس وانشراح الصدور ولو تمالأ عليكم أهل الأرض جميعاً.

    وتثبيت الأقدام كما قال أهل التفسير: تمثيل لليقين وعدم الوهن بحالة من ثبتت قدمه في الأرض فلم يزل فإن الزلل وهن يسقط صاحبه.

    هذه الآية المباركة يخاطب الله عز وجل فيها عباده المؤمنين: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، إن تنصروا الله بنصركم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر به وجهادكم معه؛ لتكون كلمته العليا ينصركم عليهم؛ فإنه سبحانه ناصر دينه وأولياءه.

    وما جاء في هذه الآية قد أكده ربنا جل جلاله في آيات أخرى كقوله سبحانه: كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:21]، وقوله: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51]، وقوله: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

    الرد على شبهة وعد الله للمؤمنين بالنصر مع مخالفة الواقع

    أيها الإخوة الكرام! إن كثيراً من الناس يسأل فيقول: ما بالنا مؤمنين موحدين وأهل الكفر من اليهود والملاحدة والصليبيين ليسوا كذلك ومع ذلك هم متغلبون علينا ظاهرون في الأرض؟

    والجواب: أن الله عز وجل بين أنه لا ينصر إلا من أتى بنصر الله عز وجل بكامل أركانه، بإنفاذ أمره واجتناب نهيه والسعي في نصر دينه، ومثل ربنا جل جلاله لذلك بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    يقول العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسيره: فعلم أن الذين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ليس لهم وعد من الله بالنصر ألبتة؛ فمثلهم كمثل الأجير الذي لم يعمل لمستأجره شيئاً ثم جاءه يطالبه بالأجر.

    فالذين يرتكبون جميع المعاصي ممن يتسمون بأسماء المسلمين ثم يقولون: إن الله سينصرنا هم مغرورون؛ لأنهم ليسوا من حزب الله الموعودين بنصره كما لا يخفى.

    الناس اليوم قد قست قلوبهم فكان حالهم كحال اليهود الذين قال الله فيهم: فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء:160]، الظلم واقع من كثير من المسلمين وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً )) وهذا حاصل، وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا )) وهذا حاصل، وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ )) وهذا حاصل، وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [النساء:161].

    الناس الذين يظلمون ويصدون عن سبيل الله ويأكلون الربا ويأكلون أموال الناس بالباطل ثم بعد ذلك تجد الذين يصدون عن سبيل الله من الدجاجلة والسحرة، ومن يزورون دين الله ويلبسون الحق بالباطل هم الذين يمكنون وهم الذين يظهرون، لا شك أن هؤلاء ليسوا موعودين بنصر الله عز وجل بل هم أبعد ما يكونون عنه.

    نصر المؤمنين لله ونصر الله للمؤمنين

    ومعنى نصر المؤمنين لله: نصرهم لدينه ولكتابه، وسعيهم وجهادهم في أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن تقام حدوده في أرضه، وأن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، ويحكم في عباد الله بما أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    واعلموا أن النصرة على وجهين:

    الوجه الأول: نصرة العبد، وذلك بإيضاح دلائل الدين، وإزالة شبهة القاصرين، وشرح أحكامه وفرائضه وسننه وحلاله وحرامه، ثم بالغزو والجهاد لإعلاء كلمة الله وقمع أعداء الدين إما حقيقة كمباشرة الحرب بنفسه، وإما حكماً بتكثير سواد المجاهدين بالوقوف تحت لواء المسلمين أو بالدعاء لهم، هذا نصر العبد لدين الله عز وجل.

    الوجه الثاني: نصرة الله عز وجل للعبد، كما نقول التوبة على وجهين: قال الله عز وجل: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة:118]، فتوبة الله على العبد توفيقه للتوبة وقبولها منه، وتوبة العبد لله عز وجل لجوءه إليه واستغفاره إياه جل جلاله.

    نصرة الله تعالى بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وإظهار الآيات والمعجزات، وتبيين السبيل إلى النعيم والجحيم، والتوفيق للسعي في الجهاد الأكبر والأصغر طلباً لرضى الله لا تبعاً للأهواء.

    1.   

    الغاية من ذكر النصر قبل تثبيت الأقدام

    أختم هذا الدرس بلطيفة ذكرها صاحب الظلال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى، قال: إن الظن يذهب لأول وهلة أن تثبيت الأقدام يسبق النصر.

    يعني: في ظن الناس أن الله عز وجل يقول: يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله يثبت أقدامكم وينصركم، لكن الله قال: يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

    قال: الظن يذهب لأول وهلة أن تثبيت الأقدام يسبق النصر ويكون سبباً فيه وهذا صحيح؛ ولكن تأخير ذكره في العبارة يوحي بأن المقصود معنى آخر من معاني التثبيت.

    معنى التثبيت على النصر وتكاليفه، فالنصر ليس نهاية المعركة بين الكفر والإيمان وبين الحق والضلال، فللنصر تكاليفه في ذات النفس وفي واقع الحياة، للنصر تكاليفه في عدم الزهو والبطر، وفي عدم التراخي بعده والتهاون.

    يقول رحمه الله: وكثير من النفوس يثبت على البلاء والمحنة ولكن القليل هو الذي يثبت على النصر والنعمة، وصلاح القلوب وثباتها على الحق بعد النصر منزلة أخرى وراء النصر.

    ولذلك مثلاً تجدون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل مكة يوم الفتح في جيش قوامه عشرة آلاف ومع ذلك يطأطئ رأسه صلى الله عليه وسلم تواضعاً لربه، حتى كان يمس بناصيته مقدمة رحله عليه الصلاة والسلام، هذا هو تثبيت الأقدام بعد النصر، وكذلك لما رجع من بدر ظافراً منتصراً عليه الصلاة والسلام وهو يسوق سبعين أسيراً كالنعاج فهنأه المسلمون الذين في المدينة، وقال أحد الصحابة واسمه: سلمة بن سلامة رضي الله عنه: علام تهنئوننا؟! والله ما لقينا إلا عجائز صلعاً ذبحناهم ذبح النعاج. يعني: لم تكن المعركة حقيقية، إنما هؤلاء مجموعة من العجائز الضعفاء قطفنا رءوسهم؛ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( إنهم الملأ يا ابن أخي )، يعني: هذه كانت معركة حقيقية ولولا نصر الله إيانا ما انتصرنا، وهذا من باب إرجاع الفضل لصاحب الفضل جل جلاله، وكان من دعائه صلوات ربي وسلامه عليه: ( اللهم اجعلنا قابلين نعمتك مثنين بها عليك وأتمها علينا )، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756181382