إسلام ويب

أسماء الله الحسنى - الوهابللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اسم الله (الوهاب) من الأسماء العظيمة التي تفيد فضل جود الله وإحسانه بخلقه، والإيمان بهذا الاسم يورث محبة الله وشكره على هباته العظيمة، وأن يتخلق المسلم بالهبة للآخرين من ماله أو من علمه أو من وقته، والفرق بين هبة الخالق وهبة المخلوق أن هبة المخلوق تكون في الأمور المادية الدنيوية بخلاف هبة الخالق فهي تكون فيما لا يقدر عليه إلا الله.

    1.   

    معنى اسم الله: (الوهاب) ووروده في القرآن الكريم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, الرحمة المهداة والنعمة المسداة, والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

    الاسم الرابع والعشرين من أسماء الله عز وجل: الوهاب, وهذا الاسم المبارك ورد في القرآن ثلاث مرات:

    في سورة آل عمران يقول الله عز وجل: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[آل عمران:8], وفي سورة (ص) مرتين: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ[ص:9], وعلى لسان سليمان عليه السلام: قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[ص:35].

    يقال: وهب الشيء يهبه هبة وموهبة, ويقال: رأيت رجلاً واهباً ووهاباً ووهوباً, والهبة هي: العطية الخالية عن العوض, أن يعطيك شخص شيئاً دون أن يطالبك بعوض, فهذه تسمى هبة.

    ومعنى الاسم في حق ربنا جل جلاله كما قال الخطابي رحمه الله: أنه يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استثابة, أي: دون أن يطلب من خلقه ثواباً, ودون أن يطلب من خلقه مقابلاً.

    وقال الحليمي رحمه الله: هو المتفضل بالعطايا المنعم بها لا عن استحقاق عليه, يعني: لا، لأن الإنسان مستحق لهذه الهبات وهذه العطايا, وإنما الله عز وجل يهبه ابتداء؛ ولذلك قال القائل:

    هب البعث لم تأتنا رسله وجاحمة النار لم تضرم

    أليس من الواجب المستحق حياء العباد من المنعم

    يعني لو أن الله لم يخلق ناراً, ولم يتوعد بالعقوبة العصاة, لكان واجباً على الناس أن يستحوا من الله عز وجل؛ لأنه أنعم عليهم بنعم كثيرة ظاهرة وباطنة لا تعد ولا تحصى.

    1.   

    آثار الإيمان باسم الله (الوهاب)

    وإذا كنا نؤمن بهذا الاسم الحسن (الوهاب) فإن لهذا الإيمان آثاراً:

    أولاً: عليك أن توقن أيها المسلم! أن الله عز وجل وحده هو المستحق لهذا الاسم, أنه وهاب؛ لأنه جل جلاله بيده مفاتيح خزائن السموات والأرض, يهب ما يشاء لمن يشاء؛ لأنه جل جلاله مالك الملك.

    ثانياً: محبة الله جل جلاله, وإخلاص العبادة له؛ لأنه بيده وحده جميع المواهب التي لا تعد ولا تحصى, فهو سبحانه واهب الحياة, وهو واهب القوة, وهو واهب الأولاد, وهو واهب الرزق, وهو واهب الإيمان, يقول الله عز وجل: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ[سبأ:24] وقال تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ[يونس:31] وقال سبحانه: للهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا[الشورى:49-50] وقال سبحانه: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ[النحل:53], وكل نعمة بك أيها الإنسان! سواء كانت نعمة حسية, كالقوة ونعمة البصر والسمع, أو كانت نعمة معنوية, كالجاه والعقل والذكاء وما إلى ذلك, كل هذه النعم من الله وحده, فهو المستحق للعبادة ولا يستحقها أحد سواه.

    ثالثاً: أنه يجب عليك شكر الله تعالى على هباته العظيمة, وآلائه الجسيمة, دينية ودنيوية, وأن تبذلها في طاعة الله، قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7], فشكر الله عز وجل يستبقي النعم الموجودة, ويجلب النعم المفقودة, كما أن الكفر بنعمة الله -والعياذ بالله- يزيل النعم الموجودة, ويبعد النعم المفقودة، قال تعالى: وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل:112].

    رابعاً: أن تتخلق بهذه الصفة إذا أقدرك الله بأن تهب من مالك, وأن تهب من وقتك, وأن تهب من علمك, وأن تهب من جاهك لمن احتاج إليك, تكون وهاباً, تهب من المال، ومن العلم، ومن الجاه، ومن الوقت, وغير ذلك من النعم الكثيرة.

    ثم يجب عليك أن تبتعد عن الأسباب التي تؤدي إلى فقدان هذه النعم وتضييعها, ولا سيما نعمة الهداية, فإنها أعظم النعم, فنعمة الهداية أعظم من نعمة الإيجاد, وأعظم من نعمة الإمداد, وكون الله عز وجل هداك إلى توحيده, وهداك إلى عبادته وهداك إلى أن تحل الحلال وتحرم الحرام, فهذه أعظم النعم؛ لأنك لو لم تكن موجوداً, أو فقدت نعم الإمداد فغاية ما هنالك أن يكون فناء, أن يكون عدم المحض, أو يكون موت.

    أما لو فقدت نعمة الهداية فالمصير -والعياذ بالله- إلى النار, وليست ناراً مؤقتة, وإنما هي نار تلظى, لا يموت فيها ولا يحيا.

    1.   

    الفرق بين هبة الله وهبة المخلوق

    الله جل جلاله وهاب وقد يكون بعض عباده واهباً يهب, لكن ما الفرق بين هبة الخالق وهبة المخلوق؟

    قال الخطابي رحمه الله: كل من وهب شيئاً من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب, ولا يستحق أن يسمى الوهاب, إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا, فكثرت نوافله ودامت, والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حال دون حال, لكن هل يملك المخلوق أن يهب ولداً لعقيم؟ هل يملك المخلوق أن يهب شفاءً لسقيم, إن هذه لا يقدر عليها إلا الله، ولذلك كان وحده المستحق لهذا الاسم: الوهاب، جل جلاله.

    ومن هباته سبحانه النبوة والكتاب, فالله عز وجل خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال له: وَمَا كُنتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ[القصص:86], رحمة من الله عز وجل؛ ولذلك الكفار ما فهموا هذا المعنى, وظنوا أن النبوة استحقاق؛ ولذلك كانوا يستغربون! كيف أن محمداً صلى الله عليه وسلم يكون نبياً وليس غنياً ذا أموال كثيرة؟! وكانوا يقولون: أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولًا[الفرقان:41], وكانوا يقولون: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ[الزخرف:31], فقال الله عز وجل: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ[الزخرف:32].

    وكذلك ثمود أولئك المتكبرون المتغطرسون كانوا يقولون عن صالح عليه السلام: أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا[القمر:25], يعني: ما وجد الله من يختاره للنبوة ويصطفيه للرسالة سوى صالح، بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ[القمر:25].

    قال الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ[العنكبوت:27], وقال عن موسى عليه السلام: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا[مريم:53].

    فالنبوة هبة من الله, والكتاب هبة من الله عز وجل, والهداية هبة من الله, وواجب على العبد أن يشكر نعمة الله عليه, وأن يدعو ربه بهذه الصفة، كما قال زكريا عليه السلام: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا[مريم:5], وكما قال إبراهيم عليه السلام: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ[إبراهيم:39].

    أسأل الله أن يهبنا من فضله! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755807339