إسلام ويب

أسماء الله الحسنى - العالم والعليم والعلامللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله سبحانه وتعالى هو العالم والعليم والعلام، علم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيفما يكون، واختص سبحانه بعلم الغيب وحده، واطلع عليه من شاء من خلقه؛ ولذلك وجب علينا أن نسلم لربنا ولقضائه وقدره، وأن نزداد من محبته وخوفه وخشيته.

    1.   

    معاني أسماء الله: (العالم والعليم والعلام) وورودها في القرآن الكريم

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

    من أسماء ربنا جل جلاله: (العالم والعليم والعلام), وهي على الترتيب: الثامن والعشرون والتاسع والعشرون والثلاثون.

    والعلم: نقيض الجهل, يقال: رجل عالم، ويقال: علامة وعلام على سبيل المبالغة.

    واسم الله جل جلاله (العليم) ورد في القرآن في مائة وسبعة وخمسين موضعاً, تارة مقروناً باسمه الخبير, وتارة باسمه الحكيم, وتارة بالإطلاق، قال الله عز وجل على لسان الملائكة: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[البقرة:32], وقال ربنا جل جلاله: وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ[آل عمران:154]، وقال سبحانه: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[البقرة:231]، وقال أيضاً: إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[النحل:28]، وقال أيضاً: وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا[النساء:70].

    أما اسم الله (العالم) فقد ورد في القرآن ثلاث عشرة مرة مضافاً, كقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا[الجن:26]، وقوله: وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ[الأنعام:73]، وقوله: ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ[التوبة:94].

    وورد مرتين بصيغة الجمع, كما في قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ[الأنبياء:51] ، وفي قوله تعالى: وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ[الأنبياء:81].

    وأما اسمه (العلام) سبحانه فقد ورد في أربعة مواضع: قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[المائدة:109], وعلى لسان المسيح: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ[المائدة:116].

    وأما معنى هذه الأسماء الحسنى: (العالم والعليم والعلام) في حق ربنا جل جلاله، فقد قال ابن جرير رحمه الله: إنك أنت يا رب! العليم من غير تعليم, بجميع ما كان وما هو كائن, والعالم بالغيوب دون جميع خلقك.

    وقال في موضع آخر: إن الله ذو علم بكل ما أخفته صدور خلقه من إيمان وكفر, وحق وباطل, وخير وشر, وما تستجنه مما لم تجنه بعد. أي: ما تستره مما لم تقترفه بعد.

    وقال الخطابي رحمه الله: هو العالم بالسرائر والخفيات التي لا يدركها علم الخلق.

    وقال الشيخ السعدي رحمه الله: وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن والإسرار والإعلان, وبالواجبات والمستحيلات والممكنات وبالعالم العلوي والسفلي, وبالماضي والحاضر والمستقبل, فلا يخفى عليه شيء من الأشياء.

    ينبغي أن يستقر في قلوبنا جميعاً أن الله عز وجل علم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف يكون, وأنه جل جلاله عالم بما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى, وأنه جل جلاله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء, وأن عنده مفاتيح الغيب, وأنه جل جلاله عالم بالموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات, وهو بكل شيء عليم, أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً.

    1.   

    آثار الإيمان بأسماء الله: (العالم والعليم والعلام)

    هذا الإيمان الذي يستقر في نفس المؤمن له آثار:

    أولاً: إثبات العلم التام الكامل الشامل لله وحده, وأنه لا يشابهه في ذلك أحد من مخلوقاته في كمال علمه, ولذلك الملائكة لما أثنت على ربنا قالت: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا[غافر:7], فالله وسع كل شيء علماً، قال تعالى: وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا[الطلاق:12]، وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا[الجن:28].

    ثانياً: أن توقن بأن كل ما يكون فإن الله تعالى عالم به قبل أن يكون, فقبل أن تتكلم بالكلام، فالله عز وجل عالم بما ستقوله, وقبل أن تأتي بالفعل, فالله عز وجل عالم به، قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ[الحج:70]، وقال تعالى: فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا[الفتح:27].

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ), فقبل أن يخلق السموات والأرض كتب الآجال والأرزاق والأعمال والشقاوة والسعادة, وعلم جل جلاله من هو ساكن الجنة ومن هو ساكن النار.

    ثالثاً: أن توقن أننا معشر الخلق لا نحيط بالخالق علماً, قال الله عز وجل: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا[طه:110], فلا نعلم شيئاً عن ذاته, ولا عن أسمائه ولا عن صفاته إلا ما علمنا إياه جل جلاله, عن طريق رسله وكتبه المنزلة, قال سبحانه: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ[البقرة:255], أي: بما شاء أن يعلمهم إياه, وبما شاء أن يحيطهم به.

    وهم لا يعلمون من المعلومات إلا بتعليم الله لهم، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ[البقرة:282].

    وقال أيضاً عن داود عليه السلام: وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ[الأنبياء:80], وقال عن العبد الصالح: وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا[الكهف:65], وقال عن نبينه محمد صلى الله عليه وسلم: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا[النساء:113], وقال يوسف عليه السلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ[يوسف:101].

    رابعاً: أن توقن أيها المسلم! يا من فتح الله عليك بعلم تجريبي، أو علم عقلي, أو علم إنساني أو علم شرعي, أن تعلم يقيناً أن ما بأيدينا جميعاً من العلم لا يساوي شيئاً بالنسبة إلى علم الله، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[الإسراء:85]؛ ولذلك (موسى عليه السلام لما ركب السفينة مع العبد الصالح, فجاء طائر فأخذ بمنقاره من ماء البحر, قال العبد الصالح: ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر من ماء البحر, ما نقص من ماء البحر شيئاً).

    خامساً: إذا أيقنت أيها المسلم! أن الله عالم عليم علام, فهذا يثمر محبتك إياه, ومراقبتك له, وخشيتك منه, والاستقامة على أمره, فالله جل جلاله يعلم بمخالفة المخالفين, وعصيان العاصين, فهو يسمع كلامهم, ويرى مكانهم، قال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا[النور:63]، وقال سبحانه: قَدْ يَعْلَمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا[الأحزاب:18].

    سادساً: أن تستسلم لله في حكمه, سواء كان حكماً كونياً قدرياً, أو كان حكماً شرعياً دينياً, إذا قرأت في القرآن آيات تتحدث عن قسمة المواريث, أو تتحدث عن شئون الأسرة, أو تتناول ما يتعلق بالحدود والقصاص, أو غير ذلك من الأمور, فاعلم أن الذي شرعها عليم, وهو الذي خلق, وهو الذي يعلم ما يصلح خلقه قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[الملك:14].

    ولذلك تجد أيها المسلم أن كثيراً من آيات الأحكام تختم بهذين الاسمين الحسنين, العليم الحكيم, هكذا دائماً في التشريع فمثلاً في آيات الميراث, الله عز وجل بعدما قال: يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[النساء:11], ختم تلك الأحكام بقوله: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا[النساء:11], أي: فيما شرع, فلما قال: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ[النساء:11], هذا تشريع صادر عن علم تام, وحكمة بالغة.

    1.   

    الفرق بين علم الخالق وعلم المخلوق

    ثم اعلم! أن ثمة فروقاً كبيرة بين علم المخلوق وعلم الخالق جل جلاله, فعلم المخلوق متوقف على الأسباب، يعني: أن الإنسان لا يستطيع أن يعلم ما في خارج المسجد إلا إذا خرج, أو إذا أخبره في الخارج أو اتصل به, أما الله جل جلاله فعلمه لا يتوقف على سبب.

    ثم علم المخلوق يعتريه النسيان, ويعتريه النقص والجهل, أما ربنا جل جلاله فكما قال موسى عليه السلام لما قال له فرعون : قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى[طه:51-52]، وكما قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا[مريم:64]، وقال سبحانه: وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ[يس:79], فعلمه لا يعتريه نقص ولا نسيان ولا جهل, أو علم ببعض الأشياء والجهل ببعضها الآخر.

    1.   

    اختصاص الله تعالى بعلم الغيب وحده

    ثم عليك أن تعلم أن الله عز وجل قد اختص نفسه بعلم الغيب, فلا يعلم الغيب إلا الله: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ[النمل:65], حتى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الناس, وأفضلهم وأعلمهم ما كان يعلم من الغيب إلا ما علمه الله إياه, والجن لا يعلمون الغيب, قال الله عز وجل: فَلَمَّا خَرَّ[سبأ:14], أي: سليمان عليه السلام وقد كان مستنداً على عصاه, والجن يظنونه حياً؛ ولذلك يدأبون في العمل, فسلط الله دابة الأرض تأكل منسأته, فلما خر سليمان عليه السلام ميتاً: تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المُهِينِ[سبأ:14], قالوا: يا ليتنا علمنا أن سليمان قد مات؛ من أجل أن نرتاح من هذه الأعمال.

    أيها الإخوة الكرام! ما أحرانا أن نتأمل في هذه الأسماء الثلاثة, ولو تأملت في مخلوقات الله عز وجل كيف أنه خلقها فسواها, وكيف أنه هداها لسبل معاشها, لعلمت أنك تعبد رباً عليماً حكيماً قديراً.

    أسأل الله أن يرزقنا إيماناً صادقاً! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755973050