إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. عبد المحسن العباد
  5. محاضرات الحج
  6. كتاب مناسك الحج
  7. شرح سنن النسائي - كتاب مناسك الحج - (كم طواف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة) إلى (باب المتمتع متى يهل بالحج)

شرح سنن النسائي - كتاب مناسك الحج - (كم طواف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة) إلى (باب المتمتع متى يهل بالحج)للشيخ : عبد المحسن العباد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • القارن يطوف طوافاً واحداً وسعياً واحداً للحج والعمرة، أما المتمتع فطوافين وسعيين، ويقصر المعتمر شعره أو يحلقه بعد انتهائه من السعي عند المروة، ويقصر بعضاً من أطراف شعره إن كان لعمرته ارتباط بالحج، ومن أهل بالحج ومعه هدي فيبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله.

    1.   

    كم طواف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة؟

    شرح حديث: (لم يطف النبي وأصحابه إلا طوافاً واحداً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كم طواف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة؟

    أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: (لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً)].

    يقول النسائي رحمه الله: كم يطوف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة؟ أي: كم على من كان قارناً من سعي؟ وكذلك من كان متمتعاً كم عليه من سعي؟ أو هذا هو المراد بالترجمة، وبالنسبة للقارن ليس عليه إلا سعي واحد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام حج قارناً، وسعى سعياً واحداً بعد طواف القدوم، ولم يسع بعد طواف الإفاضة، ومثل ذلك المفرد؛ لأن أعمال المفرد وأعمال القارن واحدة إلا في أمرين:

    الأول: نية النسك، فالقارن ينوي نسكين: حج وعمرة، والمفرد ينوي نسكاً واحداً هو الحج.

    والأمر الثاني: هو الهدي، القارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه.

    أما المتمتع فإنه يأتي بعمرته مستقلة وبحجه مستقلاً، وعمرته بركنيها الطواف والسعي، وحجه كذلك بأركانه الذي منها الطواف، والسعي، وعلى هذا، فالمتمتع عليه طوافان وسعيان: طواف، وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجه، وهذا هو الذي دلت عليه الأدلة.

    وعائشة رضي الله عنها وأرضاها كانت ممن تمتع، وحصل لها الحيض، وأدخلت الحج على العمرة، وصارت قارنة وطافت طوافاً واحداً، وسعت سعياً واحداً لحجها وعمرتها، لكن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم اللاتي لم يحصل لهن ما حصل لـعائشة، وكن معتمرات، طفن وسعين وتحللن ثم أحرمن بالحج وطفن وسعين للحج، وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها، لم يحصل لها مثل ما حصل لهن من أنهن طفن مرتين، وسعين مرتين، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة مستقلة عوضاً عن تلك العمرة التي أرادت أن تأتي بها مستقلة بطوافها وسعيها، والنبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن طوافك وسعيك لحجك وعمرتك)، أي: إنها قارنة.

    وعلى هذا فالذين تمتعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتوا بالعمرة قبل الحج، طافوا وسعوا وقصروا وتحللوا، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام، أمر القارنين والمفردين الذين لا هدي معهم أن يفسخوا إحرامهم إلى عمرة، ويطوفوا ويسعوا ويقصروا ويتحللوا، فالمتمتع عليه طوافان وسعيان: طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجه، ومما يدل على ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، أن الذين كانوا قد أحلوا طافوا بعد الحج لحجهم، أي: طافوا بعد الصفا والمروة لحجهم؛ لأن طواف الإفاضة على الجميع، كل عليه طواف الإفاضة، القارن والمفرد والمتمتع كلهم عليهم طواف الإفاضة، لكن قول عائشة رضي الله عنها: أما الذين أحلوا من عمرتهم فإنما طافوا بعد الحج طوافاً لحجهم، قصدت بذلك السعي الذي يختص به المتمتعون؛ لأنهم عليهم طوافان وسعيان، قالوا: والمفرد فليس عليه إلا سعي واحد له محلان: محل بعد القدوم، ومحل بعد الإفاضة، إن فعل في المحل الأول لا يفعله في المحل الثاني؛ لأنه مرة واحدة، وإن لم يأتِ به في المحل الأول الذي هو بعد القدوم، تعين عليه أن يأتي به بعد طواف الإفاضة.

    وكذلك جاء عن بعض الصحابة ما يدل على ذلك، وهو أن متمتعين طافوا بين الصفا والمروة بعد حجهم لحجهم، بعد الحج للحج، وكانوا قد سعوا قبل الحج بالعمرة، حيث طافوا وسعوا وقصروا، أما حديث جابر رضي الله تعالى عنه الذي ذكره المصنف، فقال: (لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً)، وهذا يحمل على الذين كانوا أحرموا بإحرامه، حيث كانوا قارنين وساقوا الهدي، فإنهم ما طافوا بين الصفا، والمروة إلا طوافاً واحداً، وهو السعي الذي حصل مع طواف القدوم، أما المتمتعون فإنهم طافوا وسعوا، وبعد الحج طافوا وسعوا، لكن بعض أهل العلم يقول: إن المتمتع ليس عليه إلا سعي واحد، ويستدل على ذلك بما جاء في حديث جابر، وقد ترجم المصنف له بحيث قال: كم يطوف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة؟ ثم أتى بحديث جابر الذي فيه: (لم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً). فقالوا: إن المتمتع ليس عليه إلا سعي واحد، لكن الذي دلت عليه الأدلة وهي واضحة الدلالة: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم المتمتعات طفن وسعين قبل الحج، وطفن وسعين بعد الحج، وكذلك الذين أحلوا من العمرة، حيث فسخوا الحج والقران إلى عمرة؛ إذ لم يسوقوا الهدي، فحصل منهم بعد الحج السعي بين الصفا والمروة، كما جاء ذلك عن عائشة وغيرها، وعلى هذا فالقول الصحيح الذي دلت عليه الأدلة أن المتمتع عليه طوافان وسعيان: طواف وسعي لعمرته، وطواف وسعي لحجه.

    تراجم رجال إسناد حديث: (لم يطف النبي وأصحابه إلا طوافاً واحداً)

    قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

    وهو: عمرو بن علي الفلاس، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة؛ بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

    [عن يحيى].

    هو: يحيى بن سعيد القطان البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن جريج].

    هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وهو ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبي الزبير].

    وهو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن جابر].

    هو: جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي ابن صحابي رضي الله تعالى عنهما، وهو -أي: جابر بن عبد الله- أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله هذا، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عن الجميع، ستة رجال وامرأة واحدة، هؤلاء هم الذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    1.   

    أين يقصر المعتمر؟

    شرح حديث معاوية: (أنه قصر عن النبي بمشقص في عمرة على المروة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أين يقصر المعتمر؟

    أخبرنا محمد بن المثنى عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني الحسن بن مسلم: أن طاوساً أخبره: أن ابن عباس أخبره عن معاوية رضي الله عنهم: (أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمشقص في عمرةٍ على المروة)].

    أورد النسائي أين يقصر المعتمر؟ أي: مكان تقصيره أين يكون؟ والجواب: أنه يكون عند المروة إذا فرغ من الطواف والسعي، المعتمر إذا طاف وسعى وانتهى من السعي، عند ذلك عليه التقصير أو الحلق، ويكون ذلك بعد الانتهاء من السعي، فيكون عند المروة، لكن لو حصل أنه تأخر عن ذلك الوقت، وليس في ذلك المكان، فإنه يمكن أن يحصل، اللهم إذا طال نسيه وطال الأمد، أو أنه نسيه وكان متمتعاً ثم أحرم بالحج، فإنه في هذه الحالة يكون ترك واجباً من واجبات العمرة ألا وهو التقصير، ويكون عليه فدية، أما إذا كان الوقت قريب، وسواءً كان عند المروة أو ليس عندها فإنه يأتي بالتقصير، لكن المقصود من الترجمة: أن المعتمر يقصر إذا فرغ من السعي، وفراغه من السعي يكون بالانتهاء بالمروة، وعند ذلك يأتي بالنسك الذي هو التقصير، ويكون التحلل من العمرة بذلك.

    وقد أورد النسائي حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه أنه قصر عن النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة بمشقص عند المروة، وهذه العمرة الأقرب أنها عمرة الجعرانة؛ لأنها هي العمرة التي يمكن لـمعاوية أن يقصر فيها؛ لأن عمرتين كانتا قبل إسلام معاوية، وذلك عمرة الحديبية وعمرة القضاء، والعمرة الرابعة هي التي كانت بعد الفتح، وبعد إسلام معاوية في العمرة الثالثة، والعمرة الرابعة مع حجته وليس فيها تقصير، وإنما التقصير والحلق في منى بعدما رمى ونحر حلق في منى، وهنا التنصيص أنه في عمرة، فالعمرة الممكنة في حق معاوية هي عمرة الجعرانة التي حصلت في السنة الثامنة بعد فتح مكة، فهي التي يمكن أن تكون؛ لأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع: عمرة الحديبية التي صدها المشركون عنها، وعمرة المقاضات أو القضية وهي التي في السنة السابعة، وفي ذي القعدة من العام القابل، وعمرة الجعرانة، وكانت في ذي القعدة من السنة الثامنة بعد فتح مكة، وبعد مجيء النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف، والعمرة التي مع حجته، وهي مقرونة مع حجته، وهذه كما هو معلوم لا تقصير فيها عند المروة، وإنما الحلق حصل فيها بمنى، بعدما رمى ونحر عليه الصلاة والسلام حلق رأسه، ثم نزل إلى مكة وطاف طواف الإفاضة رمى، ثم نحر، ثم حلق، ثم طاف عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا، فهذا التقصير الذي حصل من معاوية رضي الله عنه إنما كان في عمرة، وهذه العمرة العمرة الممكنة هي عمرة الجعرانة التي كانت بعد إسلام معاوية وبعد فتح مكة.

    تراجم رجال إسناد حديث معاوية: (أنه قصر عن النبي بمشقص في عمرة على المروة)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].

    محمد بن المثنى هو: الملقب الزمن المكنى بـأبي موسى العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، رووا عنه مباشرة وبدون واسطة.

    [عن يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم].

    وقد مر ذكرهما.

    [عن الحسن بن مسلم].

    هو: الحسن بن مسلم بن يناق المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

    [عن طاوس].

    هو: طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن عباس].

    هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

    [عن معاوية].

    هو: معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، وهو كاتب وحي النبي عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    شرح حديث معاوية: (قصرت عن رسول الله على المروة) من طريق ثانية

    قال رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: (قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المروة بمشقصٍ أعرابي)].

    أورد النسائي حديث معاوية من طريق أخرى، وفيه تقصيره للنبي صلى الله عليه وسلم على المروة، وهو يتعلق بالترجمة، وهي: أين يقصر المعتمر؟ وأنه يكون على المروة أو عند المروة عندما ينتهي الإنسان من العمرة، فهو مثل الذي قبله، ولكن الذي قبله فيه التوضيح بأنه في عمرة، ومن المعلوم أن التقصير على المروة إنما يكون في عمرة، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع مرات: عمرة صد عنها، وعمرة القضية أتى بها وكان قبل إسلام معاوية، وعمرة الجعرانة بعد فتح مكة وبعد إسلام معاوية، والعمرة التي مع حجته، هذه ما قصر فيها وإنما حلق في منى، وعلى هذا فالعمرة التي حصل فيها هي عمرة الجعرانة كما عرفنا ذلك من قبل.

    مشقص أعرابي، أي هذا وصف للمشقص، والمشقص هو: آلة يقص بها ويقصر بها، أي: المقص أو غيره مما يقصر به الرأس.

    تراجم رجال إسناد حديث معاوية: (قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على المروة) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله].

    هو: محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي النيسابوري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن الأربعة.

    [حدثنا عبد الرزاق].

    هو: عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [أخبرنا معمر].

    هو: معمر بن راشد الأزدي البصري ، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن طاوس].

    هو: عبد الله بن طاوس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه عن ابن عباس عن معاوية].

    وقد مر ذكرهم.

    1.   

    كيف يقصر

    شرح حديث معاوية في كيفية التقصير

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [كيف يقصر؟

    أخبرنا محمد بن منصور حدثنا الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: (أخذت من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت، وبالصفا والمروة في أيام العشر، قال قيس: والناس ينكرون هذا على معاوية)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي كيف يقصر؟ أي: أنه يأخذ من أطراف الشعر، والتقصير يكون لجميع الرأس كما هو معلوم ولا يكون لبعضه، كما أن الحلق لا يكون لبعضه، بل يكون لجميعه، فالتقصير للجميع وليس للبعض، فعندما يتحلل الإنسان إما أن يقصر أو يحلق، وإذا كان الإنسان معتمراً عمرة لا علاقة لها بالحج فالأولى هو الحلق، وفي الحج الأولى هو الحلق، وإذا كانت العمرة متعلقة بالحج وكانت في وقت مبكر، كأن يذهب الإنسان إلى مكة متمتعاً في شوال، فإن الأفضل في حقه أن يحلق؛ لأنه يبقى قبل الحج مدة ينبت فيها الشعر ليحلق يوم النحر، أما إذا كان الإنسان ذهب معتمراً متمتعاً، والحج قريب، ولا يكون هناك وقت يطلع فيه الشعر، فالأفضل هو التقصير حتى يبقى شعراً يحلق يوم النحر.

    معاوية رضي الله عنه في هذا الحديث أخبر بأنه قصر للنبي صلى الله عليه وسلم بمشقص كان معه، وكان ذلك أيام العشر من ذي الحجة، قال قيس أحد رواة الحديث: وقد أنكر هذا على معاوية، يعني كونه يقول: في أيام العشر؛ لأن الذي غيره ليس بمنكر، الذي غير ذكر العشر؛ لأنه يتفق مع ما تقدم وكونه قصر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هذا ثابت وموجود في الصحيحين كونه قصر بمشقص عند المروة، لكن هذه الزيادة التي فيها ذكر العشر زائدة على ما في الصحيحين، هذا الذي أنكر، ولهذا فالإسناد مستقيم، وتكون هذه الرواية فيها شذوذ؛ لأنها مخالفة للروايات الأخرى؛ لأن ذكر العشر يدل على عدم استقامة ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما قصر لما جاء حاجاً؛ لأنه كان قارناً، وطاف وسعى وبقي على إحرامه حتى حلق يوم النحر، والذي جاء أنه كان في عمرة، والرسول صلى الله عليه وسلم ما تحلل من عمرته قبل يوم النحر؛ لأنه كان قارناً جامعاً بين الحج والعمرة، وإنما العمرة التي كانت حصلت ومعاوية يمكن أن يقصر فيها عمرة الجعرانة كما أشرت إلى ذلك من قبل، وعلى هذا فذكر العشر غير محفوظ، أي: عشر ذي الحجة، فيكون غير ثابت؛ لأنه يتعارض مع ما هو معلوم من أنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً وأنه لم يقصر، ومعلوم أن القارن لا يقصر لأنه ساق الهدي، والذي ساق الهدي لا يتحلل إلا يوم النحر حيث يبلغ الهدي محله، والنبي صلى الله عليه وسلم بقي على إحرامه حتى رمى الجمرة ونحر وحلق يوم العيد صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وعلى هذا فما جاء في الحديث يتفق مع ما تقدم إلا ذكر العشر، فإن هذا لا يستقيم، ولهذا قال: أنكر هذا على معاوية، أي: ذكر العشر.

    تراجم رجال إسناد حديث معاوية في كيفية التقصير

    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور].

    محمد بن منصور، وهذا هو: الطوسي؛ لأن النسائي له شيخان كل منهما محمد بن منصور محمد بن منصور الجواز المكي، ومحمد بن منصور الطوسي، وإذا جاء محمد بن منصور يروي عن سفيان فهو يكون الجواز؛ لأن سفيان بن عيينة مكي والجواز مكي، لكن محمد بن منصور هذا هو: الطوسي؛ لأنه هو الذي يروي عن الحسن بن موسى.

    ومحمد بن منصور الطوسي ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي، أظن هذا ذكره الترمذي كما هو طبعة أبي الأشبال، وأحال على تحفة الأحوذي.

    [عن الحسن بن موسى].

    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن حماد بن سلمة].

    هو: حماد بن سلمة البصري، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن قيس بن سعد].

    هو: قيس بن سعد المكي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ما خرج له البخاري في أصل الصحيح ولا الترمذي.

    [عن عطاء].

    هو: عطاء بن أبي رباح، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن معاوية].

    هو: معاوية بن أبي سفيان، وقد مر ذكره.

    1.   

    ما يفعل من أهل بالحج وأهدى

    شرح حديث عائشة: (من كان معه هدي فليقم على إحرامه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يفعل من أهل بالحج وأهدى؟

    أخبرنا محمد بن رافع عن يحيى وهو ابن آدم عن سفيان وهو ابن عيينة حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نرى إلا الحج، قالت: فلما أن طاف بالبيت وبين الصفا والمروة قال: من كان معه هديٌ فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هديٌ فليحلل)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: ما يفعل من أهل بالحج وأهدى؟ من أهل بالحج والعمرة قارناً، أو بالحج مفرداً وساق معه هدياً، فإنه يبقى على إحرامه إلى يوم النحر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث حج قارناً وساق الهدي من المدينة، وبقي على إحرامه إلى يوم النحر، فالقارن والمفرد اللذان معهما هدي عليهم البقاء على إحرامهما إلى يوم النحر، أما من كان قارناً أو مفرداً ولم يهد، فإنه يفسخ إحرامه إلى عمرة، ويكون متمتعاً كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الأحاديث الكثيرة التي سبق بعض منها.

    وأورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها: خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يرون إلا الحج، فلما طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة قال: (من كان معه هديٌ فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هديٌ فليحلل)، أي: يعتبر ما مضى عمرة، ويكون بذلك متمتعاً، ويحرم بالحج في اليوم الثامن.

    والمقصود: أن من كان معه هدي وكان قارناً أو مفرداً فإنه يبقى على إحرامه إلى يوم النحر، والحديث دال على ذلك، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم دال على ذلك؛ لأنه كان قارناً ومعه الهدي واستمر في إحرامه، ومثل القارن المفرد.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (من كان معه هدي فليقم على إحرامه ...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن رافع].

    وهو: محمد بن رافع النيسابوري القشيري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [عن يحيى وهو ابن آدم].

    يحيى وهو: ابن آدم، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن سفيان وهو ابن عيينة].

    سفيان وهو: ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [حدثني عبد الرحمن بن القاسم].

    وهو: عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

    [عن أبيه].

    وهو: القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    وهي: عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله براءتها مما رميت به من الإفك في آيات تتلى من سورة النور، وقد حفظت الكثير من سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، فرضي الله تعالى عنها وأرضاها وعن الصحابة أجمعين.

    1.   

    ما يفعل من أهل بعمرة وأهدى

    شرح حديث عائشة: (ومن أهل بعمرة فأهدى فلا يحل ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ما يفعل من أهل بعمرة وأهدى؟

    أخبرنا محمد بن حاتم أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بالحج، ومنا من أهل بعمرة وأهدى، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أهل بعمرةٍ ولم يهد فليحلل، ومن أهل بعمرةٍ فأهدى فلا يحل، ومن أهل بحجةٍ فليتم حجه، قالت عائشة: وكنت ممن أهل بعمرة)].

    أورد النسائي: ما يفعل من أهل بعمرة وأهدى، والإنسان إذا أهل بعمرة لا علاقة لها بالحج، سواءً كانت في أيام السنة في غير أشهر الحج أو في أشهر الحج، وهو لا يريد حجاً، وإنما يعتمر وينتهي ويرجع، وساق هدياً، فإنه إذا طاف وسعى ينحر هديه، ويحلق رأسه؛ لأن هذه العمرة ليس لها علاقة بالحج، إنما في أثناء السنة في غير أشهر الحج أو في أشهر الحج، ولكنه لا يريد حجاً، يريد أن يعتمر ويرجع، ومن المعلوم أن الإنسان يمكن أن يسوق الهدي معه وهو معتمر، ويمكن أن يبعث بالهدي وهو مقيم كما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكما سبق أن مرت بنا الأحاديث الكثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يبعث بالهدي وهو مقيم في المدينة، فما يمتنع من شيء كان يمتنع منه المحرم عندما يرسل هديه، فالهدي يمكن أن يرسل ويذبح، وصاحبه مقيم في البلد، ويمكن أن يذهب به معه وهو معتمر، وإذا طاف وسعى ينحر هديه ويحلق رأسه.

    أما إذا كانت العمرة مرتبطة بالحج كعمرة التمتع التي يكون الإنسان دخل إلى مكة محرماً بالعمرة ولم يسق هدياً، فهذه ليس فيها إشكال، مثل ما جاء في الحديث هنا، أنه يتحلل ولكنه يشتري هدياً ويذبحه؛ لأن المتمتع لا بد عليه من هدي إن استطاع، وإلا صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، لكن إذا ساق هدياً جاء في حديث عائشة هذا أنه لا يحلل، أي: بل يبقى على إحرامه، لكن كيف يكون فعله؟ هل إذا طاف وسعى يدخل الحج على العمرة ويصير قارناً، أو أنه يقصر ثم يحرم بالحج، ولا يفعل الأشياء التي يفعلها المتمتعون؟ لا أدري المقصود الذي يفعله المتمتع الذي قد ساق الهدي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في هذا الحديث قال: إنه يبقى على الإحرام، والذي لم يسق هدياً هذا هو الذي يتحلل، وفي آخر الحديث قال: (ومن أهل بحجٍ فليتم حجه)، وهذا يحمل على الذي ساق هدياً، أما من لم يسق هدياً فقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يفسخ إحرامه إلى عمرة، ويكون متمتعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا أمر بإتمام الحج لمن كان محرماً بالحج، وقد جاء عنه أنه أمر بالفسخ إلى العمرة، وقد جاء عن عدد كثير من الصحابة، إذاً هذا هو الذي يكون محفوظاً.

    وقوله: [(فليتم حجه)] لا يناسب من لم يسق الهدي، بل يناسب من كان قد ساق الهدي، فهو يكون محمولاً على من ساق الهدي، أما أن يحمل على من لم يسق الهدي فإن هذا يخالف الأحاديث الكثيرة الدالة على أمر كل من كان قارناً أو مفرداً ولم يسق هدياً، يفسخ إحرامه إلى عمرة ويكون متمتعاً.

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (ومن أهل بعمرة فأهدى فلا يحل ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا محمد بن حاتم].

    هو: محمد بن حاتم بن نعيم المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [أخبرنا سويد].

    هو: سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي والنسائي.

    [أخبرنا عبد الله].

    وهو: ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن يونس].

    هو: يونس بن يزيد الأيلي، ثم المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن ابن شهاب].

    هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عروة].

    هو: عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن عائشة].

    وقد مر ذكرها.

    شرح حديث عائشة: (ومن كان معه هدي فليقم على إحرامه ...) من طريق ثانية

    قال رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا أبو هشام حدثنا وهيب بن خالد عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أنها قالت: (قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهلين بالحج، فلما دنونا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من لم يكن معه هديٌ فليحلل، ومن كان معه هديٌ فليقم على إحرامه، قالت: وكان مع الزبير هدي فأقام على إحرامه، ولم يكن معي هديٌ فأحللت، فلبست ثيابي وتطيبت من طيبي، ثم جلست إلى الزبير فقال: استأخري عني، فقلت: أتخشى أن أثب عليك؟)].

    أورد النسائي حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي أنها تخبر أنهم حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر من كان معه هدي أن يبقى على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي وكان قارناً أو مفرداً أن يفسخ إحرامه إلى عمرة، وأنها كانت ليس معها هدي فأحلت، والزبير كان معه هدي فبقي على إحرامه، بينت أنهم من أمثلة أو أنه حصل لها ولزوجها أن زوجها من الذين كان معهم هدي فبقي على إحرامه، وهي من الذين لا هدي معهم فتحللت، أي: صارت معتمرة، وحلت من عمرتها، وصارت حلالاً، وأخبرت بأنها لبست ثيابها وتطيبت، وأنها جاءت عند الزبير وقال: استأخري عني، فقالت: أتخشى أن أثب عليك؟

    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (ومن كان معه هدي فليقم على إحرامه ...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].

    هو: محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي.

    [حدثنا أبي هشام].

    وهو: المغيرة بن سلمة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.

    [حدثنا وهيب بن خالد].

    هو: وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن منصور بن عبد الرحمن].

    هو: منصور بن عبد الرحمن بن طلحة الحجبي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

    [عن أمه].

    وهي: صفية بنت شيبة، وهي لها رؤية، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    [عن أسماء].

    وهي: أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنها وعن أبيها وعن الصحابة أجمعين، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    1.   

    الخطبة قبل يوم التروية

    شرح حديث جابر في الخطبة قبل يوم التروية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الخطبة قبل يوم التروية.

    أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قرأت على أبي قرة موسى بن طارق عن ابن جريج حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه، حتى إذا كان بالعرج ثوب بالصبح، ثم استوى ليكبر، فسمع الرغوة خلف ظهره فوقف على التكبير فقال: هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجدعاء، لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في الحج، فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنصلي معه، فإذا علي رضي الله عنه عليها، فقال له أبو بكر: أميرٌ أم رسول؟ قال: لا؛ بل رسول، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببراءة أقرؤها على الناس في مواقف الحج، فقدمنا مكة، فلما كان قبل التروية بيوم قام أبو بكر رضي الله عنه فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي رضي الله عنه فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم خرجنا معه، حتى إذا كان يوم عرفة قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم عن مناسكهم، حتى إذا فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، ثم كان يوم النحر فأفضنا، فلما رجع أبو بكر خطب الناس فحدثهم عن إفاضتهم وعن نحرهم، وعن مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس براءة حتى ختمها، فلما كان يوم النفر الأول قام أبو بكر فخطب الناس فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون، فعلمهم مناسكهم، فلما فرغ قام علي فقرأ براءة على الناس حتى ختمها) قال أبو عبد الرحمن ابن خثيم ليس بالقوي في الحديث، وإنما أخرجت هذا لئلا يجعل ابن جريج عن أبي الزبير، وما كتبناه إلا عن إسحاق بن إبراهيم، ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خثيم، ولا عبد الرحمن، إلا أن علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث، وكأن علي بن المديني خلق للحديث].

    أورد النسائي الخطبة قبل يوم التروية، ويوم التروية هو: اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يذهب الناس فيه إلى منى استعداداً للذهاب إلى عرفات في اليوم التاسع، والنبي صلى الله عليه وسلم كان نازلاً بالأبطح منذ قدم مكة في اليوم الرابع إلى اليوم الثامن، حيث خرج منها إلى منى، وصلى الظهر بمنى، وهذه هي السنة في حق الحجاج، أن يكونوا بمكة إلى اليوم الثامن، وإذا جاء اليوم الثامن يحرمون من منازلهم بمكة إذا كانوا متمتعين، أما إن كانوا قارنين أو مفردين فهم باقون على إحرامهم، يذهبون إلى منى في اليوم الثامن، وإن ذهبوا إلى منى قبل اليوم الثامن ونزلوا فيه فلا بأس بذلك، لكن نزولهم في منى قبل اليوم الثامن لا علاقة له بالحج، وإنما يكون له علاقة في الحج في اليوم الثامن، فيكون سنة اقتداءً برسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن لو نزلوا في منى لكونها تتوفر الأماكن، وكونهم لا يستطيعون أن ينزلوا في أماكن أخرى، ولكنهم ينزلون في خيامهم في منى قبل يوم التروية، لا بأس بذلك، لكن هذا النزول مثل نزولهم لو جاءوا في محرم وإلا في صفر، نزول لا علاقة له في الحج.

    الترجمة هي: الخطبة قبل يوم التروية، وسمي يوم التروية لأنهم كانوا يروون الماء استعداداً لهذه الرحلة التي هي رحلة الحج من مكة إلى أن يرجعوا من عرفة ومزدلفة، فيقال له: يوم التروية؛ لأنهم يروون الماء، ويجمعونه استعداداً لهذه الرحلة التي هي رحلة الحج من مكة إلى أن يرجعوا، فكان يقال له: يوم التروية، والترجمة هي: الخطبة قبل يوم النحر، وقد أورد في هذا حديث جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام بعد رجوعه من الجعرانة أرسل أبا بكر ليحج بالناس، وأمره على الناس ليقوم بالحج، ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أراد أن يحج في السنة التاسعة، لكن لما كان المشركون يأتون بأعمال ما كان ذكر لهم من قبل الامتناع عنها، فكانوا يحجون وهم مشركون، ويطوفون بالبيت وهم عراة، فالنبي صلى الله عليه وسلم، أراد أن يؤذن في الناس في الحجة التي تسبق حجته: (ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، وألا يدخل مكة مشرك، إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليحج بالناس، ولما كان في الطريق، وكان ثوب بصلاة الفجر، أي: أقيمت الصلاة، ولم يبق إلا أن يكبر، فسمع رغاء بعير، وكان يعرف صوت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رغائها، فتوقف وقال: كأنها رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم بدا له أن يحج، وأنه لحق بنا، فنحن ننتظر حتى نصلي وراءه ويصلي بنا، وإذا علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، على الناقة، فقال له: أمير أم رسول؟ لأن الرسول أمر أبا بكر وأرسله، قال: بل رسول أقرأ على الناس سورة براءة، فذهبوا فلما كان قبل يوم التروية خطب أبو بكر الناس وبين لهم مناسكهم، ثم قام علي وقرأ سورة براءة حتى ختمها، ثم ذكر خطبةً أخرى يوم عرفة، ثم بعد ذلك قام علي وقرأ سورة براءة حتى ختمها، ثم يوم النحر خطب الناس، وقام علي وقرأ سورة براءة حتى ختمها، ثم يوم النفر الأول الذي هو اليوم الثاني عشر الذي ينفر الناس فيه بعد رمي الجمرة في اليوم الثاني عشر، فخطب الناس، وقام علي بعد ذلك وقرأ سورة براءة حتى ختمها. يعني: أربع خطب.

    فبعد أن أورد النسائي الحديث أشار إلى ضعفه وقال: ابن خثيم ليس بالقوي في الحديث، قال: وإنما أخرجت هذا -أي: هذا الحديث- لئلا يجعل ابن جريج عن أبي الزبير، يعني لئلا يظن أن الإسناد ابن جريج عن أبي الزبير، وأبي الزبير شيخ لـابن جريج، وابن جريج مدلس، فقد يظن أن الحديث من رواية ابن جريج عن أبي الزبير، قال: لئلا يجعل ابن جريج عن أبي الزبير، وإنما بينهما واسطة عبد الله بن عثمان بن خثيم، ثم قال: إن يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي ما تركا ابن خثيم، إلا أن علي بن المديني قال: منكر الحديث، ثم قال بعد ذلك النسائي: وكأن علي بن المديني خلق للحديث، معناه يؤيد ما قاله من أن الحديث منكر.

    والحديث من حيث المتن فيه نكارة من جهة أنه قال في أوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما رجع من الجعرانة أرسل أبا بكر، ومن المعلوم أن الجعرانة في السنة الثامنة بعد فتح مكة، وحجة الصديق إنما كانت في السنة التاسعة بعد غزوة تبوك، وفيها ذكر الذين خلفوا، وهم الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وذكر الله توبته على المهاجرين والأنصار وعلى الثلاثة الذين خلفوا، فكان ذلك إنما هو في السنة التاسعة، وعمرة الجعرانة كانت بعد الفتح في السنة الثامنة، فهذا مما يدل على عدم استقامة المتن، ثم الأمر الثاني الذي فيه: أن علياً ذكر أنه أربع مرات يقرأ سورة براءة حتى يختمها، ومن المعلوم أن الذي جاء في الأحاديث الكثيرة أنه يقرأ آيات من أول سورة براءة التي فيها إنذار المشركين، وأن لهم أربعة أشهر، وبعد ذلك إذا ما دخلوا في الإسلام فإنهم يقاتلون، وهنا أربع مرات يقول: إنه يقرأ سورة براءة حتى يختمها، فهذا أيضاً مما يدل على نكارته، أو على أن اللفظ فيه نكارة، ثم الذي جاء في القرآن أن الأذان في يوم الحج الأكبر، ويوم الحج الأكبر قيل: إنه يوم عرفة، وقيل: إنه يوم النحر، والأصح أنه يوم النحر؛ لأنه هو اليوم الذي به يكونون قد وقفوا بعده بعرفة، ويأتون بالأعمال المتعددة في الحج، وهي الرمي، والنحر، والحلق، والطواف، والسعي لمن كان عليه سعي، فهو من حيث المتن فيه هذه الأمور، ومن حيث الإسناد هذا مما أنكر على عبد الله بن عثمان بن خثيم.

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في الخطبة قبل يوم التروية

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

    هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.

    [قرأت على أبي قرة موسى بن طارق].

    أبو قرة موسى بن طارق، وهو ثقة، يغرب، وحديثه أخرجه النسائي وحده. ومعنى يغرب: أنه يأتي بغرائب، وهذا لا شك أنه من الأشياء الغريبة، لكن الثقة الذي يغرب ويأتي بأشياء غريبة، إذا لم يكن المتن فيه ما ينكر فإنه يعتبر تفرده، وإتيانه بالشيء الغريب لا يؤثر.

    [عن ابن جريج].

    مر ذكره.

    [حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم].

    هو: عبد الله بن عثمان بن خثيم، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

    [عن أبي الزبير].

    أبو الزبير هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي، صدوق يدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهنا يروي عن جابر وفيه العنعنة.

    [عن جابر].

    وقد مر ذكره.

    1.   

    المتمتع متى يهل بالحج؟

    شرح حديث: (حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر لبينا بالحج)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [المتمتع متى يهل بالحج؟

    أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأربع مضين من ذي الحجة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أحلوا واجعلوها عمرة، فضاقت بذلك صدورنا، وكبر علينا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا أيها الناس! أحلوا، فلولا الهدي الذي معي لفعلت مثل الذي تفعلون، فأحللنا حتى وطئنا النساء، وفعلنا ما يفعل الحلال، حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر لبينا بالحج)].

    أورد النسائي هذه الترجمة وهي: المتمتع متى يهل بالحج؟ يهل بالحج يوم الثامن، إذا كان نازلاً بمكة فإنه يحرم من منزله، وإذا اتجه إلى منى من منزله يدخل في الحج ويلبي، ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي هو الحج ويلبي؛ لأن المتمتع عنده إحرامان وتحللان، وطوافان وسعيان، يحرم من الميقات بالعمرة، ويحرم من مكة بالحج.

    المتمتع متى يهل بالحج؟ يهل به اليوم الثامن إذا كان نازلاً بمكة يركب، ثم إذا اتجه إلى منى ينوي ويلبي، ويصلي الظهر بمنى وهو محرم، أما إن كان نازلاً بمنى قبل اليوم الثامن، وهو كما قلت: نزوله في اليوم الثامن جائز، ولكن لا علاقة له بالحج، مثل الشخص الذي ذهب إلى منى في محرم وفي صفر، أو في ربيع، فما له علاقة في الحج، النزول قبل اليوم الثامن في منى لا علاقة له في الحج، مثل النزول بمكة، بدل ما ينزل مكة ينزل في منى، لا بأس جائز، لكن لا يكون له علاقةً في الحج، وإنما يكون له علاقة في الحج يوم ثمانية، فيحرم في منى، ويصلي الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، خمسة أوقات يصليها في منى، اليوم الثامن وليلة التاسع.

    فهذا هو شأن الذي يكون في منى، يمكن أن يحرم من منى يوم ثمانية، بحيث يصلي الظهر بمنى وقد أحرم إن كان نازلاً بمنى، وأما إن كان نازلاً بمكة فإنه ينطلق منها ضحى، ويكون قد أحرم، ويصلي الظهر بمنى، لكن إذا أحرم بمكة وأهل بالحج من مكة فإنه لا يذهب إلى البيت ويطوف فيه عند إرادة الذهاب إلى منى، بل يحرم من منزله ويذهب إلى منى رأساً، ولا يحرم، ثم يذهب يطوف أو يسعى، ليس للإحرام طواف؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام، الذين كانوا معه نازلين بالأبطح أحرموا من الأبطح، وذهبوا إلى منى، لما اتجهوا إلى منى أحرموا، ما نزلوا إلى مكة، وطافوا، والنبي صلى الله عليه وسلم، لما دخل مكة ما دخل المسجد إلا ثلاث مرات: المرة الأولى عندما طاف طواف القدوم، وسعى، والمرة الثانية عندما طاف طواف الإفاضة، والمرة الثالثة عندما طاف طواف الوداع.

    إذاً المحرم المتمتع إذا أحرم من مكة، أو من منى في اليوم الثامن، لا يذهب إلى مكة أو إلى المسجد الحرام، ويطوف عند الإحرام، لا، ليس لهذا طواف، وليس للإنسان أن يطوف، بل يفعل كما فعل أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذين كانوا معه، فإنهم أحرموا من منازلهم واتجهوا إلى منى.

    تراجم رجال إسناد حديث: (حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر لبينا بالحج)

    قوله: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود].

    وهو: إسماعيل بن مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

    [حدثنا خالد].

    وهو: خالد بن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [حدثنا عبد الملك].

    وهو: عبد الملك بن جريج، وقد مر ذكره.

    [عن عطاء].

    وهو: عطاء بن أبي رباح المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

    [عن جابر].

    وهو: جابر بن عبد الله، وقد مر ذكره.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755766860