الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام.
والموضع الثاني: عند الركوع.
والموضع الثالث: عند الرفع من الركوع.
والموضع الرابع: عند القيام من التشهد.
وهناك موضع خامس ذهب إليه بعض السلف وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو أنه يرفع إذا أراد السجود، وإذا رفع من السجود إلى آخره، وسيأتي إن شاء الله الإشارة إلى هذه الموضع.
المهم الموضع الأول: عند تكبيرة الإحرام، وهذا الرفع مشروع؛ ودليله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في الصحيحين قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، ولا يفعل ذلك في السجود ).
قال المؤلف رحمه الله: (عند ابتداء التكبير).
بين المؤلف رحمه الله زمن الرفع.. متى يرفع.
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه يرفع مع التكبير، وينتهي الرفع مع نهاية التكبير، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى؛ ودليل ذلك حديث ابن عمر فقد جاء فيه: ( فرفع يديه حين يكبر حتى يجعلهما حذو منكبيه ) وهذا في صحيح البخاري .
وما ذهب إليه الحنابلة رحمهم الله هذا هو أحد السنن الواردة في زمن الرفع.
والسنة الثانية: أنه يرفع قبل التكبير، يعني يرفع يديه، وبعد أن ينتهي من الرفع يقول: الله أكبر، هذه هي السنة الثانية؛ وهذا دليله أيضاً حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه ثم كبر )، فهذه هي السنة الثانية أنه يرفع ثم بعد ما ينتهي من الرفع يقول: الله أكبر.
السنة الثالثة عكس هذه السنة: يكبر يقول: الله أكبر ثم بعد ذلك يرفع يديه؛ وهذا دليله حديث مالك بن الحويرث في صحيح البخاري ( أنه كبر ثم رفع يديه )، لما ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مالك رضي الله تعالى عنه كبر ثم رفع يديه، فأصبح زمن الرفع له ثلاث سنن:
السنة الأولى: أن يرفع مع ابتداء التكبير، وينهيه مع انتهاء التكبير.
والسنة الثانية: أن يكبر ثم يرفع.
والسنة الثالثة: أن يرفع ثم يكبر.
والصواب في هذا كما سلف لنا أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يستحب فعلها جميعاً، فتارةً تكبر تقول: الله أكبر ثم ترفع يديك، وتارةً ترفع يديك ثم تقول: الله أكبر، وتارةً ترفع مع التكبير وتنهي الرفع مع نهاية التكبير، تفعل هذا كله، وبهذا تكون أتيت على كل السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه من الفوائد: حفظ العلم، وأيضاً من فوائد ذلك: تطبيق السنة كلها، ومن فوائد ذلك: أن العبادة بدلاً من أن تكون مجرد عادة فإنها تكون عبادة حية؛ لأن الإنسان إذا تأمل نفسه وأنه سيطبق هذه السنة في هذا الرفع وفي الصلاة الأخرى سيطبق السنة الأخرى فإن عبادته تكون حيةً، ويكون هذا أدعى إلى الخشوع وحضور القلب، والإقبال على الله عز وجل.
وهاتان أيضاً سنتان، يعني أن حد الرفع، ورد فيه سنتان:
السنة الأولى كما قال المؤلف رحمه الله: إلى حذو منكبيه؛ وهذا دليله حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه )، فأنت ترفع حتى تكونا حذو منكبيك، هذه الصفة الأولى ( أن النبي عليه الصلاة والسلام رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه )، هذه الصفة الأولى دل لها حديث ابن عمر .
الصفة الثانية: قال المؤلف رحمه الله: [أو إلى فروع أذنيه].
وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله؛ ودليل ذلك حديث مالك بن الحويرث رضي الله تعالى عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه )، وهذا أيضاً في مسلم ، فأنت تارة ترفع إلى حذو الأذنين، وتارةً ترفع إلى حذو المنكبين، تارة إلى حذو الأذنين، وتارة إلى حذو المنكبين، وتفعل السنة كلها، تارةً تفعل هذه السنة، وتارةً تفعل هذه السنة.
وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أن الإنسان بالخيار، لكن الصواب أنه يفعل هذه تارة وهذه تارةً أخرى، فتارةً ترفع إلى حذو المنكبين، وتارةً ترفع إلى أن تحاذي الأذنين.
لم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى كيف يضع يديه، وهذا ورد فيه ثلاث سنن:
السنة الأولى: القبض؛ وذلك أن تقبض اليد اليسرى من عند الكوع باليد اليمنى، وهذه دل لها حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً قبض بيمينه على شماله ).
السنة الثانية: أن تضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى، وهذا أيضاً دليله حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه في صحيح البخاري قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ).
السنة الثالثة: أن يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى؛ وهذا دليله حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه في مسند الإمام أحمد وفي سنن أبي داود والنسائي .
فأصبح عندنا ثلاث سنن: تضع اليد اليمنى على الكف اليسرى، تقبض، تضع اليد اليمنى على الذراع اليسرى. وهذا كما سلف يستحب للإنسان أن يصلي بهذا تارة، وأن يصلي بهذا تارةً أخرى يفعل السنة كلها.
قال: (ويجعلهما تحت السرة).
بعد أن تضع أو تقبض يقول المؤلف رحمه الله: تجعل ذلك تحت سرتك؛ ودليل ذلك حديث علي : ( من السنة وضع اليمنى على الشمال تحت السرة )، وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، وإسناد هذا الحديث ضعيف، وأمثل من هذا الحديث وأصح منه حديث وائل بن حجر رحمه الله قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره )، ولهذا ذهب الإمام مالك رحمه الله والشافعي خلاف ما ذهب إليه المؤلف، مذهب مالك والشافعي : أنك تجعل اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر؛ لحديث وائل رضي الله تعالى عنه فإنه قال: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ).
ويدل لذلك أيضاً ما تقدم من حديث سهل بن سعد قال: ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى )، فإذا وضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى هل سيكون ذلك تحت سرته أو لا بد من أن يرفع يديه؟ قطعاً لا بد أن يرفع يديه، ما يتمكن أنه يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى ويكون ذلك تحت السرة، هذا غير ممكن، بل إذا وضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى فإن ذلك سيكون على صدره.
فيكون عندنا دليلان:
الدليل الأول: حديث سهل بن سعد في صحيح البخاري وهذا بالمفهوم.
والدليل الثاني: حديث وائل بن حجر رحمه الله في صحيح ابن خزيمة وسنن البيهقي .
ولهذا ذهب مالك والشافعي كما أسلفت إلى أن السنة أن يضعهما على صدره، وهذا هو الصواب، ولو ثبت حديث علي نقول: يفعل هذا تارة وهذا تارة، لكن حديث علي لم يثبت، وعلى هذا نقول: يضعهما على صدره.
وظاهر ذلك أن الأمر في ذلك واسع، سواء كان مبتدأ الصدر أو وسط الصدر أو رفع عن الوسط، الظاهر أن الأمر في ذلك واسع.
وهذا قال به جمهور أهل العلم، يعني إذا كان في الصلاة فإنه ينظر إلى موضع سجوده؛ ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها في مستدرك الحاكم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وصلى، ولم يتجاوز بصره موضع السجود )؛ ولأن الإنسان إذا جعل بصره إلى موضع سجوده كان ذلك أدعى إلى أن يخشع في صلاته، ويطمئن فيها، ويجتنب ما يلهيه ويصرفه عن صلاته.
وعند الإمام مالك رحمه الله أنه ينظر إلى جهة القبلة، الإمام مالك رحمه الله تعالى قال: ينظر إلى جهة القبلة، ويستدل بما ثبت في الصحيح من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، ( فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما صلى صلاة الكسوف عرضت عليه الجنة والنار في قبلته، وتأخر خشية أن يصيبه شيء من لهب النار، وتقدم لكي يأخذ شيئاً من ثمار الجنة )، فكون النبي عليه الصلاة والسلام تعرض عليه الجنة والنار في قبلته، دليل على أنه لم يكن بصره إلى موضع سجوده.
والأظهر والأقرب -والله أعلم- ما ذهب إليه جمهور أهل العلم وأنه ينظر إلى موضع سجوده، وأما نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى جهة قبلته في صلاة الكسوف فهذا حالة خاصة، حالة خاصة نظر النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذلك الموضع لما عرض عليه من عذاب النار ونعيم الجنة.
يستثنى من ذلك إذا كان الإنسان في التشهد، سواء كان في التشهد الأول أو في التشهد الثاني فإنه يرمي ببصره إلى سبابته، وسيأتينا إن شاء الله في صفة الجلوس في التشهد الأول وفي التشهد الثاني أنه يقبض ويرفع السبابة ويحركها عند الدعاء، إذا جلس في التشهد فإنه يرمي ببصره إلى سبابته, كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح ينظر المصلي إلى موضع سجوده إلا في حالة التشهد فإنه يرمي ببصره إلى السبابة.
وهذا يسمى الاستفتاح، واعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام وردت عنه استفتاحات كثيرة، منها ما أورده المؤلف رحمه الله: ( سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك ).. إلى آخره، وهذا أخرجه مسلم موقوفاً على عمر ، وفي صحيح مسلم : أن عمر كان يجهر بهذه الكلمات: سبحانك اللهم وبحمدك.. وورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً وغيره.
وهناك استفتاحات كثيرة، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله له رسالة في ذلك، ما هي الاستفتاحات؟
حديث أبي هريرة في الصحيحين: ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ).
وكذلك أيضاً من الاستفتاحات حديث عائشة : ( اللهم رب جبرائيل وإسرافيل وميكائيل فاطر السموات والأرض.. ) إلى آخره.
ومن الاستفتاحات حديث علي في مسلم : ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي.. ) إلى آخره.
ومن الاستفتاحات أيضاً حديث ابن عباس في الصحيحين.
ومن الاستفتاحات أيضاً حديث ابن عمر : ( الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ) إلى آخره.
فينبغي للمسلم وخصوصاً طالب العلم أن يحفظ جملةً من هذه الاستفتاحات ويأتي بها في الصلاة، وكما أسلفنا أن الإنسان ينبغي له أن يحفظ كل السنة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام التي وردت على وجوه متنوعة، يأتي بهذا الوجه تارة، وبهذا الوجه تارةً أخرى.
ومن هذه الاستفتاحات ما يكون في صلاة الليل كحديث عائشة وحديث علي وحديث ابن عباس لكن القاعدة أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا لدليل، فينبغي لنا أن نحفظ هذه الاستفتاحات، وهذه لعلنا إن شاء الله نصورها وأيضاً نصور الأذكار الواردة الأخرى مثل الركوع ورد فيها أذكار واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسجود أيضاً ورد فيه أذكار واردة عن النبي عليه الصلاة والسلام، والرفع من الركوع والجلوس إلى آخره فمثل هذه الأشياء لعلنا إن شاء الله نقوم بتفصيلها وتوزيعها على الإخوة لكي يعنوا بشرحها وتطبيقها في الصلاة؛ لأن الصلاة تتكرر عليهم في اليوم والليلة أكثر من خمس مرات، الإنسان قد لا يستطيع أن يطبق في الفرض لكن يطبق في النفل، وأيضاً كثير من السنن يتمكن الإنسان أن يطبقها، فعلى طالب العلم أن يكون متميزاً.
وقول المؤلف رحمه الله: (ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك..) إلى آخره، هذا ما عليه جمهور أهل العلم، جمهور العلم على استحباب الاستفتاح خلافاً للإمام مالك رحمه الله، الإمام مالك رحمه الله لا يرى شرعية الاستفتاح، وهذا فيه نظر، والإمام مالك رحمه الله يستدل بحديث أنس أنه قال: ( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر عمر عثمان
السنة أن يستعيذ، وكما سلف أن الإمام مالك رحمه الله لا يرى الاستعاذة، يقول: الاستعاذة لا تسن في الفرض، وإنما تسن في النفل فقط.
وأحمد والشافعي يقولان: بأنها سنة، مالك يقول: بأنها ليست سنةً في الفرض، وإنما هي سنة في النفل.
وعند أبي حنيفة وابن حزم أنها واجبة.
والصواب في ذلك: أنها سنة في الفرض وفي النفل.
أما كيفية الاستعاذة فسواء قال الإنسان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، هذا كله جائز؛ لأن الاستعاذة هذه ليست للصلاة وإنما هي للقراءة، ولهذا قال الله عز وجل: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] ، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو تقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو تقول كما ورد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، البسملة كلام المؤلف رحمه الله على أنها سنة، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة والإمام أحمد ، وعند مالك رحمه الله يكره للإنسان أن يبسمل، ويقابل ذلك قول الشافعي رحمه الله: تجب البسملة، فـالشافعي يعتبرها آية من الفاتحة، وأنها واجبة لا بد للإنسان أن يأتي بها، ومالك يقول: تكره البسملة، وأحمد وأبو حنيفة يقولان: بأنها مستحبة، وهذا هو الصواب، الصواب: أنها مستحبة، وتقدم الإجابة على دليل مالك ، وأن حديث أنس : ( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم و أبي بكر عمر عثمان
فالصواب: أن البسملة سنة وليست واجبة كما قال الشافعي ، وليست أيضاً مكروهة كما قال الإمام مالك رحمه الله تعالى.
ويدل على أنها ليست من الفاتحة ما ثبت في الحديث القدسي من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم روى عن ربه أنه قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الفاتحة:2]، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: (( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ))[الفاتحة:3]، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: (( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ))[الفاتحة:4]، قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ))[الفاتحة:5]، قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل )، فلم يقل: بسم الله الرحمن الرحيم.
يعني الجهر بالبسملة هل هو مشروع أو ليس مشروعاً؟
المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله عدم شرعيته، وأنك تسر به، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم؛ ودليل ذلك ما ذكره المؤلف حديث أنس : ( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم و
الرأي الثاني: رأي الشافعي : أنه يستحب الجهر بالبسملة.
والجهر بالبسملة قد ألفت فيه مؤلفات، يعني هل يستحب أو يشرع الجهر بالبسملة أو لا يشرع؟ ألف فيه مؤلفات، فـالدارقطني له مؤلف، وابن خزيمة له مؤلف، وابن حبان .. إلى آخره، ألفت فيها مؤلفات مستقلة.
والصواب في ذلك أن يقال: يعمل بالسنة الواردة كلها، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم الغالب أنه كان لا يجهر بالبسملة، هذا هدي النبي عليه الصلاة والسلام الغالب أنه كان لا يجهر بالبسملة، كما ذكر أنس رضي الله تعالى قال: ( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم و
وثبت الجهر بالبسملة من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وعلى هذا نقول: الغالب على الإنسان أنه لا يجهر بالبسملة، وفي بعض الأحيان يجهر بالبسملة، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: خصوصاً إذا كان ذلك لمصلحة، يعني يجهر بها إذا كان هناك مصلحة كتأليف مثلاً يصلي خلفه أناس يرون الجهر بالبسملة، فما دام أنه ثبت في السنة ويترتب أيضاً عليه مصلحة فنقول: بأنه يجهر بها في بعض الأحيان، فيعمل بالسنة الواردة كلها.
فنقول في الجهر: الغالب على الإنسان ألا يجهر بذلك، وفي بعض الأحيان يجهر، وبهذا نعمل بالسنة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام كلها.
بالنسبة للفاتحة هي ركن من أركان الصلاة، وسيأتي كلام المؤلف رحمه الله عليها عندما يعدد أركان الصلاة، وسيأتي إن شاء الله بيان ذلك.
ويدل لقراءة الفاتحة حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )، وهذا في الصحيحين.
وسيأتينا إن شاء الله كلام أهل العلم رحمهم الله: هل هي ركن في كل ركعة، أو أنها ركن في بعض الركعات كما هو خلاف بين الحنفية وجمهور أهل العلم؟
والصواب في ذلك كما سيأتينا إن شاء الله: أنها ركن في كل ركعة، ففي كل ركعة يجب على الإنسان أن يقرأ الفاتحة، وسيأتينا بيان ذلك، لكن بقينا فيما يتعلق بالمأموم؛ لأن المصلي لا يخلو من ثلاث حالات: إما أن يكون إماماً، وإما أن يكون منفرداً، وإما أن يكون مأموماً.
فإن كان إماماً فيجب عليه أن يقرأ الفاتحة في كل ركعة، وإن كان منفرداً فيجب عليه أن يقرأ الفاتحة في كل ركعة، وإن كان مأموماً وهذا سيأتينا إن شاء الله بيانه وبيان دليله عندما يتكلم المؤلف رحمه الله على أركان الصلاة.
فإن كان مأموماً قال المؤلف رحمه الله: (ولا صلاة لمن لم يقرأ بها إلا المأموم، فإن قراءة الإمام له قراءة). يعني: أن المأموم لا يجب عليه أن يقرأ الفاتحة، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وسواء كان ذلك في الصلاة الجهرية أو كان ذلك في الصلاة السرية، فمثلاً في صلاة المغرب لو وقفت خلف الإمام ولم تقرأ لا في الركعة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة، وكذلك أيضاً في صلاة العصر أتيت وكبرت ولم تقرأ لا في الركعة الأولى ولا في الثانية ولا الثالثة ولا الرابعة فإن الإمام يتحمل ذلك عنك، قراءة الإمام لك قراءة.
فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن قراءة الإمام قراءة للمأموم سواء كان ذلك في الصلاة الجهرية أو كان ذلك في الصلاة السرية، وسواء كانت الصلاة فريضةً، أو كانت الصلاة نافلةً.. مطلقاً، يعني إذا أتيت لا يجب عليك أن تقرأ، لكن قالوا: يستحب لك أن تقرأ في إسرار الإمام وسكتاته، في إسراره في الصلاة السرية، يعني: في الصلاة السرية التي يسر فيها بالقراءة مثل العصر والظهر، ويستحب لك أن تقرأ في سكتاته في الصلاة الجهرية, إذا سكت لسعال أو عطاس أو تنفس أو غير ذلك، هذا تقرير المذهب عند الحنابلة رحمهم الله.
والرأي الثاني يقابل هذا: أنه يجب على المأموم أن يقرأ في كل ركعة في الصلاة السرية وفي الصلاة الجهرية، في الفرض وفي النفل، يعني أن الإمام لا يتحملها عنه، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، وهو أشد المذاهب في هذه المسألة.
الرأي الثالث في هذه المسألة: أن الإمام يتحمل عنك في الصلاة الجهرية، يعني في الركعات التي يجهر فيها الإمام، يتحمل عنك الإمام، مثلاً عندنا المغرب الركعات منها ما هو جهري، ومنها ما هو سري يسر به الإمام، فالإمام يتحمل عنك الفاتحة في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية، لكن في الركعة الثالثة الإمام لا يتحمل عنك لا بد أن تقرأ، وهذا قول الإمام مالك رحمه الله تعالى، وأيضاً ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ومسألة القراءة خلف الإمام أيضاً مسألة طويلة جداً، والبخاري رحمه الله له كتاب مستقل في ذلك اسمه: (جزء القراءة خلف الإمام)، والبيهقي رحمه الله أيضاً له كتاب مستقل في ذلك اسمه (جزء القراءة خلف الإمام)، والبنوري من علماء الحنفية أيضاً له كتاب مستقل في ذلك، فالمسألة طويلة، لكن نذكر لكل مذهب دليلاً.
أما الذين قالوا بأنه يتحملها عنه الإمام فاستدلوا بقول الله عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] ذكر الإمام أحمد رحمه الله الإجماع على أن هذه الآية نزلت في الصلاة، فإذا كنت مأموراً بالإنصات للإمام فإن كونك تقرأ خلف الإمام هذا يخالف الإنصات يخالف ما أمرت به.
وأيضاً: استدلوا بقول الله عز وجل لموسى وهارون: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89]، والذي دعا موسى، وهارون أمن على دعاء موسى, قال: آمين، موسى دعا وهارون قال: آمين، ومع ذلك قال الله عز وجل: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89]، فجعل كلاً من موسى وهارون داعيين، وإنما الذي دعا فقط هو موسى عليه السلام، فكذلك أيضاً الإمام يقرأ والمأموم يؤمن على قراءته، فتكون قراءة الإمام قراءة له، كما أن دعاء موسى كان دعاءً لهارون عليه السلام، مع أن هارون عليه السلام لم يدع.
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أنس : ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة )، وهذا الحديث على كثرة طرقه معلول، الحديث هذا له طرق كثيرة، فقد ورد من حديث أنس وحديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد ، وقيل: بأنه يصح مرسلاً، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوى هذا الحديث: ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ).
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم فلما انتهى قال لأصحابه: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ فقالوا: نعم. فقال: أما إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر فيه الإمام )، وهذا أخرجه الترمذي وابن ماجه ، وحسنه الترمذي وحسنه ابن القيم .
أما الذين أوجبوا القراءة فيها في كل ركعة فاستدلوا بحديث عبادة في الصحيحين: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ).
وكذلك أيضاً استدلوا بحديث أبي هريرة : ( من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج خداج خداج )، والخداج هو الشيء الناقص، وهذا في مسلم .
واستدلوا أيضاً بحديث عبادة في سنن أبي داود : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الفجر، فقال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم. فقال: أما إني أقول: ما لي أنازع القرآن؟ لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها )، فقوله عليه الصلاة والسلام في صلاة الفجر: ( لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) هذا صريح في أن الفاتحة مستثناة من النهي عن القراءة خلف الإمام.
وهذا الحديث أجاب عنه أهل العلم رحمهم الله بأجوبة، فقيل: إنه ضعيف؛ لأن في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس، لكن أجيب عن ذلك بأن محمد بن إسحاق صرح بالتحديث.
وأجيب عنه بأنه منسوخ.
أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مال إلى أنه لا يثبت مرفوعاً للنبي عليه الصلاة والسلام، وإنما هذا حصل لـعبادة بن الصامت ، هذا من كلام عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه.
والأقرب في هذه المسألة ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم فيما يجهر به، أما ما يسر فإنه يجب عليه أن يقرأ، هذا أقرب شيء في هذه المسألة.
قال المؤلف رحمه الله: [ويستحب أن يقرأ في سكتات الإمام وفيما لا يجهر فيه].
وهذا تفريع على ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أنه يستحب أن الإمام يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم، فيستحب للمأموم أن يقرأ في سكتات الإمام في الجهرية، وفيما لا يجهر فيه مثل الظهر العصر، ومثل الركعتين الأخريين لصلاة العشاء يستحب له أن يجهر.
يقرأ بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل، وقراءة هذه السورة سنة، وسيأتينا إن شاء الله دليل قراءة هذه السورة في الأدلة التي سنذكرها الآن.
قال: (بسورة تكون في الصبح من طوال المفصل).
المفصل اختلف أهل العلم رحمهم الله من أين يبدأ، فقيل: بأنه يبدأ بـ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] ، وقيل: بأنه يبدأ بسورة الفتح، وقيل: بأنه يبدأ بسورة الحجرات، وقيل: بأنه يبدأ بسورة محمد، وأقرب الأقوال: أنه يبدأ بسورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] ، فطوال المفصل يبدأ من سورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] إلى سورة النبأ، ومن النبأ إلى سورة وَالضُّحَى [الضحى:1] هذا أواسط المفصل، ومن سورة وَالضُّحَى [الضحى:1] إلى آخر القرآن هذا قصار المفصل.
يقول المؤلف رحمه الله: (تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره).
ويدل لذلك حديث سليمان بن يسار قال: ( كان فلان يصلي بنا، فكان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف العصر، ويقرأ في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي العشاء من أوساطه، فقال
وأيضاً كان يقرأ بالواقعة ونحوها من السور، والذي نحو الواقعة من السور الذاريات والطور والنجم والرحمن.. إلى آخره.
وأيضاً: قرأ النبي عليه الصلاة والسلام بسورة الروم، وقرأ بسورة يس، و( قرأ عليه الصلاة والسلام بسورة المؤمنون، فأدركته سعلة فركع لما بلغ ذكر موسى وهارون ).
وقرأ عليه الصلاة والسلام بالصافات.
فالسنة للإنسان المصلي أن يقرأ في الفجر من طوال المفصل، وهذا هو الهدي الغالب للنبي عليه الصلاة والسلام، ويدل لذلك القرآن، الله عز وجل قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78] ، فمن منتصف النهار إلى منتصف الليل أربع صلوات، ثم فصل الفجر وسماها قرآناً، قال العلماء رحمهم الله: لأنه يشرع أن تطال فيه القراءة، وفي حديث رافع بن خديج وحديث محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أسفروا بالصبح، فإنه أعظم للأجر )، قال الطحاوي رحمه الله: أن المراد بذلك يطيل القراءة يعني: أن يدخل فيها بغلس ويطيل فيها بالقراءة حتى يسفر.
فنقول: يستحب للمصلي وخصوصاً الإمام أن يأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتكون قراءته في صلاة الفجر من طوال المفصل، وكما سمعتم النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور، وقرأ بالواقعة ونحوها من السور: يس والصافات والروم والمؤمنون، وكان يقرأ ما بين الستين إلى المائة إلى آخره، وهذا هو الهدي الغالب على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحياناً النبي عليه الصلاة والسلام قصر عن ذلك، ففي صحيح مسلم : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام قرأ في الفجر بسورة التكوير )، وأيضاً قرأ النبي عليه الصلاة والسلام بالزلزلة كررها في الركعتين.
فنقول: هدي الإنسان الغالب أن يقرأ بطوال المفصل، وفي بعض الأحيان لو لم يقرأ بطوال المفصل وخصوصاً إذا كان هناك داع فإن هذا لا بأس به، فيكون عمل بالسنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها.
قال المؤلف: (وفي المغرب من قصاره).
وتقدم في حديث سليمان بن يسار أنه قال: ( كان فلان يصلي بنا، فكان يطيل الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، ويخفف العصر، ويقرأ في الفجر بطوال المفصل، والمغرب بقصاره ).
وأيضاً حديث رافع بن خديج في الصحيحين قال: ( كنا نصلي مع النبي عليه الصلاة والسلام المغرب، ثم نخرج ننتظل -أي: نرمي بالسهام- فنرى مواقع النبل ) نرى مواقع السهام من الإسفار، فهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام بادر بصلاة المغرب وأيضاً قصر فيها القراءة، حيث إن الصحابة صلوا مع النبي عليه الصلاة والسلام المغرب وخرجوا يضربون بالسهام ويرون مواقع نبلهم من الإسفار، هذا يدل على قصر القراءة في صلاة المغرب.
قال المؤلف رحمه الله: (وفي المغرب من قصاره).
ذكرنا الدليل على ذلك، وأنه يستحب أن يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وهذا أيضاً هو الهدي الغالب، الهدي الغالب على سنة النبي صلى الله عليه وسلم هو القراءة بقصار المفصل، وفي بعض الأحيان يطيل، فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: ( قرأ بسورة وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ [الطور:1-2] في صلاة المغرب )، ( وسورة المرسلات )، أيضاً، وأيضاً سورة الأعراف كما في صحيح البخاري ، والمرسلات في مسلم ، والطور في مسلم ، وأيضاً قرأ بسورة محمد كما في صحيح ابن خزيمة رحمه الله، وأيضاً في الطبراني قرأ بسورة الأنفال.
فنقول: السنة أن يقرأ بقصار المفصل، وفي بعض الأحيان يطيل، طبق السنة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي بعض الأحيان يقرأ الطور، وأحياناً يقرأ المرسلات.. إلى آخره.
قال: (وفي سائر الصلوات من أوساطه).
في سائر الصلوات يشمل الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أما الظهر فيقرأ بأواسط المفصل، ويدل لذلك حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ في الفجر بـ(ق) )، هذا في مسلم ، وأيضاً ورد عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بـ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1] ونحوها من السور )، وهذا في سنن أبي داود وهو ثابت.
فقوله: ( يقرأ بـ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1] ونحوها من السور ) يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الظهر بأواسط المفصل، فالظهر تقرأ بأواسط المفصل لما ذكرنا من حديث جابر رضي الله تعالى عنه، وتقرأ أحياناً بطوال المفصل، فأحياناً الظهر تقرأ بأواسط المفصل، وأحياناً تقرأ بطوال المفصل؛ لما ثبت من حديث أبي سعيد في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية )، هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أطال، وأيضاً تقدم حديث سليمان بن يسار وفيه: ( كان فلان يطيل الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، ويخفف العصر )، فدل على أن هناك فرقاً بين الظهر وبين العصر.
وعلى هذا نقول: الظهر فيه سنتان:
السنة الأولى: أن تقرأ من أواسط المفصل كما في حديث جابر بن سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بـ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1] ونحوها من السور ) في الظهر والعصر.
السنة الثانية: أن تطيل كما في حديث أبي سعيد : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر في كل ركعة قدر ثلاثين آية )، فأصبح صلاة الظهر تارةً وتارة.
أما العصر فالسنة أن يقرأ فيها من أواسط المفصل كما في حديث جابر بن سمرة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقرأ في الظهر والعصر بـ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ [الطارق:1]، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ [البروج:1]، ونحوها من السور )، ولما تقدم من حديث سليمان بن يسار قال: ( كان فلان -إلى آخره- قال: ويخفف العصر ).
أيضاً العشاء تقرأ من أواسط المفصل؛ ويدل لما تقدم حديث سليمان بن يسار وفيه: ( والفجر بطواله، والمغرب بقصاره، والعشاء بأواسطه )، وأيضاً أرشد النبي عليه الصلاة والسلام معاذاً لما أطال أرشده أن يقرأ بـ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، و سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، و اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، هكذا أرشده.
فالخلاصة بالنسبة لما يقرأ فيه وما لا يقرأ: أن العصر يقرأ فيه أواسط المفصل، والعشاء أواسط المفصل، والظهر تارةً وتارة، تارةً تقرأ بأواسط المفصل، وتارةً تقرأ بطوال المفصل، تعمل بالسنة كلها، والمغرب الغالب قصار المفصل وأحياناً يطيل، هاتان الصلاتان اللتان في طرفي النهار هذه تطيل وأحياناً تقصر، وهذه تقصر وأحياناً تطيل، يعني الغالب في صلاة الفجر يكون من طوال المفصل، وأحياناً تقصر، والغالب في صلاة المغرب يكون من قصار المفصل وأحياناً تطيل، كما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام، والظهر التي في وسط النهار تارةً وتارة، وأما بالنسبة للعصر والعشاء فهذه من أواسط المفصل، هذا ملخص لما سلف.
يسر فيما عدا ذلك، يجهر في الفجر والمغرب والعشاء، وهذا بالإجماع، وهذه هي السنة، السنة أن يجهر، وهذا هو الثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ونقل الخلف عن السلف.
وأما الظهر والعصر فالسنة أن يسر فيهما، هذا هو السنة، وهذا أيضاً بالإجماع؛ ويدل لذلك أيضاً حديث أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال: ( كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بأم الكتاب أو بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، ويسمعنا الآية أحياناً )، فقوله: ( ويسمعنا الآية أحياناً ) هذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسر في الظهر ويسمع الآية في بعض الأحيان.
واستدل العلماء رحمهم الله بهذا الحديث حديث أبي قتادة في الصحيحين على أن الجهر في موضع الجهر سنة، وأن الإسرار في موضع الإسرار سنة، بمعنى: أنه لو أسر في صلاة العشاء فقد ترك السنة، ولو جهر في صلاة الظهر فقد ترك السنة وهي الإسرار، وأخذوا هذا من حديث أبي قتادة ؛ لأن صلاة الظهر يسر بها ومع ذلك جهر، مع ذلك هذا خلاف سنة النبي عليه الصلاة والسلام، هذا ينقله إلى البدعة، يعني لو أن الإنسان داوم عليه أو أكثر منه أسر في صلاة العشاء أو المغرب أو جهر في صلاة الظهر أو العصر نقول: هذا ينقله إلى البدعة.
يكبر وموضع التكبير في الانتقال بين الأركان هو بين الركنين، فلا يكون في ركن القيام ولا يكون في ركن الركوع بل يجعله بين الركنين؛ لأن التكبير هذا ذكر في حال الانتقال.
ولهذا في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة : ( يكبر حين يركع ) حين الركوع يكبر، فدل ذلك على أن هذا التكبير إنما يكون في حال الانتقال، ولهذا المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه لو ابتدأ التكبير في حال القيام أو أنهاه في حال السجود وفي حال الركوع أن صلاته لا تصح؛ لأن كل فعل من أفعال الصلاة له ذكره الخاص، فالركوع له ذكره خاص، والقيام له ذكره الخاص، والانتقال بين الركنين أيضاً له ذكره الخاص، فالمسلم يتنبه أن يكون إذا هوى للركوع بدأ التكبير وأنهاه قبل أن يأتي راكعاً، وإذا هوى للسجود يبدأ بالتكبير وينهيه قبل أن يسجد أو يأتي السجود.
قال: (يكبر ويركع ويرفع يديه كرفعه الأول).
هذا هو الموضع الثاني الذي ترفع فيه الأيدي، وسبق الموضع الأول وهو عند تكبيرة الإحرام؛ ويدل لذلك ما تقدم من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
وأيضاً ورد من حديث أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ويفعل ذلك في صلاته كلها ).
فقوله: ( حين يركع.. ) إلى آخره يدل لما سبق أن ذكرنا أن وقت التكبير إنما يكون بين الركنين في حال الانتقال.
شرع المؤلف رحمه الله في بيان الركوع، الركوع له كيفيتان: كيفية مجزئة، وكيفية مستحبة.
الكيفية المجزئة اختلف العلماء رحمهم الله في ضابطها، ما هو ضابط الكيفية المجزئة في الركوع؟ ذكر العلماء قولين:
القول الأول: أن تصل يداه ركبتيه إذا كان وسط الخلقة، إذا كان الشخص وسط الخلقة وانحنى بحيث تصل يداه ركبتيه فهذا هو الركوع المجزئ، ولا عبرة لغير وسط الخلقة، فإن بعض الناس قد تكون يداه طويلتين بحيث تصل يداه إلى ركبتيه وهو لا يزال في حد القيام أو قريباً من القيام، وبعض الناس تكون يداه قصيرتين بحيث إنه ينحني ويهوي إلى أن يتعدى حد الركوع المعتدل، فالعبرة بوسط الخلقة، إذا كان الإنسان وسط الخلقة ووصلت يداه إلى ركبتيه هذا الركوع المجزئ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
والرأي الثاني: أن ضابط الركوع المجزئ أن يكون إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل، بحيث إنك إذا رأيت هذا الشخص تقول: هذا راكع وليس قائماً، وهذا اختيار المجد من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله، وهذا القول هو الأقرب، فإذا كان الإنسان إذا انحنى يكون أقرب إلى الركوع منه إلى القيام بحيث نقول: هذا الرجل راكع ما نقول: بأنه قائم، يكون ركوعه هنا مجزئاً، وأما إن كان إلى القيام المعتدل أقرب فإنه لا يكون راكعاً ولا يكون مجزئاً، هذا بالنسبة للركوع المجزئ.
وأما بالنسبة للركوع الكامل المستحب فهذا ذكر المؤلف رحمه الله سنته، فتكون اليدان على الركبتين مفرجتي الأصابع كالقابض لهما، وينحي عضديه عن جنبيه، ويجعل رأسه حيال ظهره، فلا يرفع رأسه، ولا يصوبه ولا يخفضه، ويهصر ظهره، وهذا كله ورد في السنة، ويأتينا إن شاء الله ذكر الدليل عليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر