إسلام ويب

فقه العبادات [57]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أعمال الحج: رمي الجمار والدعاء أثناء ذلك، وبعض الناس قد يهمله، كذلك من مناسك الحج: المبيت بمنى أيام التشريق، وبعض الناس قد لا يتحرى مكان إقامته، وقد يتجاوز حدود منى.

    1.   

    تابع الأخطاء التي تقع عند رمي الجمرات

    المقدم: سألنا في الحلقة الماضية والتي قبلها عن الأخطاء التي تقع عند رمي الجمار أو في الرمي، وذكرتم من هذه الأخطاء: الظن بأن الحصى لابد أن يكون من المزدلفة، وغسل الحصى، والظن بأن الجمرات شياطين، والرمي بالأحجار الكبيرة، والرمي بالأحذية والخشب وما إلى ذلك، وأيضاً الرمي دون تحقق وصول الحصى إلى الحوض، والظن بأنه لابد من إصابة العمود، والتهاون أيضاً في التوكيل في الرمي مع القدرة، وعكس الترتيب في الرمي، ورمي الجمرات قبل الزوال، فهل هناك أخطاء أيضاً غير هذه الأخطاء التي ذكرت؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    عدم تحقق أو غلبة ظن وقوع الحصاة في المرمى

    هناك أخطاء بقيت من الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في الرمي، ولكن ورد فيما ذكرتم أن من الأخطاء: عدم تحقق وقوع الحصاة في المرمى، والواقع أن المقصود هو أن بعض الناس يرمي جمرة العقبة من خلف الجدار، فيقع الحصى في غير المرمى؛ لأن الجدار يحول بينهم وبين الحوض، وتحقق وقوع الحصاة في المرمى ليس بشرط؛ لأنه يكفي أن يغلب على الظن أنها وقعت فيه، فإذا رمى الإنسان من المكان الصحيح وحذف الحصاة وهو يغلب على ظنه أنها وقعت في المرمى كفى؛ لأن اليقين في هذه الحال قد يتعذر، وإذا تعذر اليقين عمل بغلبة الظن؛ ولأن الشارع أحال على غلبة الظن فيما إذا شك الإنسان في صلاته كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (ليتحر الصواب ثم يبني على ما استيقن)، وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية، وهذا من تيسير الله عز وجل؛ لأن اليقين أحياناً يتعذر.

    نرجع الآن إلى تكميل الأخطاء التي تحضرنا في مسألة الرمي، أعني: رمي الجمرات، فمنها:

    الرمي بأقل من سبع حصيات

    أن بعض الناس يرمي بحصىً أقل مما ورد، فيرمي بثلاث أو أربع أو خمس، وهذا خلاف السنة، بل يجب عليه أن يرمي بسبع حصيات كما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه رمى بسبع حصيات بدون نقص، لكن رخص بعض العلماء في نقص حصاةٍ أو حصاتين؛ لأن ذلك وقع من بعض الصحابة رضي الله عنهم، فإذا جاءنا رجل يقول: إنه لم يرم إلا بست ناسياً أو جاهلاً، فإننا في هذه الحال نعذره، ونقول: لا شيء عليه؛ لورود مثل ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم، وإلا فالأصل أن المشروع سبع حصيات كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    إهمال الدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى

    ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الحجاج في الرمي وهو سهل لكن ينبغي أن يتفطن له الحاج: أن كثيراً من الحجاج يهملون الوقوف للدعاء بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى في أيام التشريق، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا رمى الجمرة الأولى انحدر قليلاً ثم استقبل القبلة فرفع يديه يدعو الله دعاءً طويلاً، وإذا رمى الجمرة الوسطى فعل كذلك، وإذا رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف)، فينبغي للحاج ألا يفوت هذه السنة على نفسه، بل يقف ويدعو الله تعالى دعاءً طويلاً إن تيسر له، وإلا فبقدر ما تيسر بعد الجمرة الأولى والوسطى، وبهذا نعرف أن في الحج ست وقفات للدعاء: على الصفا، وعلى المروة وهذا في السعي، وفي عرفة، وفي مزدلفة، وبعد الجمرة الأولى، وبعد الجمرة الوسطى، فهذه ست وقفات كلها وقفات للدعاء في هذه المواطن ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    الزيادة في الرمي عن المشروع

    ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الناس ما حدثني به من أثق به: أن بعض الناس يرمي رمياً زائداً عن المشروع، إما في العدد، وإما في النوبات والمرات، فيرمي أكثر من سبع، ويرمي الجمرات في اليوم مرتين أو ثلاثاً، وربما يرمي في غير وقت الحج، وهذا كله من الجهل والخطأ، والواجب على المرء أن يتعبد بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لينال بذلك محبة الله ومغفرته؛ لقول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].

    هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء في رمي الجمرات.

    1.   

    تابع الأخطاء التي تقع في المزدلفة

    المقدم: كنا قد سألنا في الإقامة بمنى في اليوم الثامن قبل الخروج إلى عرفة، وذكرتم الأخطاء التي فيها، لكن حبذا أيضاً لو عرفنا الأخطاء التي قد تقع من بعض الحجاج في الإقامة بمنى في أيام التشريق؟

    الشيخ: الإقامة في منى أيام التشريق يحصل فيها أيضاً أخطاء من بعض الحجاج، وأنا أعود إلى مزدلفة فإن فيها بعض الأخطاء التي لم ننبه عليها سابقاً، فمنها: أن بعض الناس في ليلة المزدلفة يحيي هذه الليلة بالقيام والقراءة والذكر، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة لم يتعبد لله عز وجل بمثل هذا، بل في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء اضطجع حتى طلع الفجر ثم صلى الصبح)، وهذا يدل على أن تلك الليلة ليس فيها تهجدٌ أو تعبدٌ أو تسبيح أو ذكر أو قرآن.

    ومن الأخطاء في المزدلفة: أنني سمعت أن بعض الحجاج يبقون في المزدلفة حتى تطلع الشمس ويصلون صلاة الإشراق، ثم ينصرفون بعد ذلك، وهذا خطأ؛ لأن فيه مخالفةً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وموافقةً لهدي المشركين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس حين أسفر جداً، والمشركون كانوا ينتظرون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فمن بقي في مزدلفة تعبداً لله عز وجل حتى تطلع الشمس فقد شابه المشركين، وخالف سنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه.

    1.   

    الأخطاء التي تقع في المبيت بمنى

    أما الأخطاء في منى، فمنها:

    ترك المبيت بمنى ليلتي الحادي عشر والثاني عشر

    أن بعض الناس لا يبيتون بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر، بل يبيتون خارج منى من غير عذر، يريدون أن يترفهوا وأن يشموا الهواء كما يقولون، وهذا جهلٌ وضلالٌ ومخالفةً لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإنسان الذي يريد أن يترفه لا يأتي للحج، فإن بقاءه في بلده أشد ترفهاً وأسلم من تكلف المشاق والنفقات.

    التقصير في البحث عن مكان في منى

    ومن الأشياء التي يخل بها بعض الحجاج في الإقامة بمنى بل التي يخطئ فيها: أن بعضهم لا يهتم بوجود مكانٍ بمنى، فتجده إذا دخل في الخطوط ووجد ما حول الخطوط ممتلئاً قال: إنه ليس في منى مكان، ثم ذهب ونزل في خارج منى، والواجب عليه أن يبحث بحثاً تاماً فيما حول الخطوط وما كان داخلها؛ لعله يجد مكاناً يبقى فيه، أو يمكث فيه أيام منى؛ لأن البقاء في منى واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، وقد أقام صلى الله عليه وسلم في منى، ورخص للعباس بن عبد المطلب من أجل سقايته أن يبيت في مكة ليسقي الحجاج.

    مبيت من لم يجد مكاناً في منى بعيداً عنها

    ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس إذا بحث ولم يجد مكاناً في منى نزل إلى مكة أو العزيزية وبقي هنالك، والواجب إذا لم يجد مكاناً في منى أن ينزل عند آخر خيمة من خيم الحجاج ليبقى الحجيج كله في مكانٍ واحد متصلاً بعضه ببعض، كما نقول فيما لو امتلأ المسجد بالمصلين فإنه يصلي مع الجماعة حيث تتصل الصفوف ولو كان خارج المسجد.

    الخروج من منى نهار أيام التشريق

    ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة بمنى، وهو يسيرٌ لكن ينبغي المحافظة عليه: أن بعض الناس يبيت في منى، ولكن إذا كان النهار نزل إلى مكة ليترفه بالظل الظليل والمكيفات والمبردات، ويسلم من حر الشمس ولفح الحر، وهذا وإن كان جائزاً على مقتضى قواعد الفقهاء حيث قالوا: إنه لا يجب إلا المبيت فإنه خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى ليالي وأياماً، فكان عليه الصلاة والسلام يمكث في منى ليالي أيام التشريق وأيام التشريق، نعم لو كان الإنسان محتاجاً إلى ذلك كما لو كان مريضاً، أو كان مرافقاً لمريض، فهذا لا بأس به؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخّص للرعاة أن يبيتوا خارج منى، وأن يبقوا في الأيام في مراعيهم مع إبلهم.

    هذا ما يحضرني به الآن من الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة في منى.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755980744