إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (25)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الدخول في رحمة الله هو غاية كل مسلم، ومنتهى رجاء كل مؤمن، وقد بين الله سبحانه وتعالى الشروط التي يجب توافرها في عباده المؤمنين حتى يدخلهم في رحمته، وهذه الشروط هي: أن يكونوا متناصرين متناصحين فيما بينهم، وأن يقيموا فرائض الله من صلاة وصيام وإيتاء زكاة وغيرها، وأن يطيعيوا الله ورسوله في الأمر والنهي، فإن هم أتوا بهذه الشروط دخلوا في رحمة الله، بعكس المنافقين والكافرين الذين يحرمون رحمة الله ويدخلون بدلاً من ذلك نار الجحيم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    الحض على تناصر وتناصح المسلمين تحقيقاً لمعنى الولاية فيما بينهم

    معاشر المؤمنين! لو أن أهل القرية عرب أو عجم في مسجدهم الكبير الجامع لهم، يكوّنون لجنة من الواعظ المرشد، ومن إمام المسجد ومن المؤذن، ومن رجل من رجال القرية أو الحي من ذوي البصيرة والعلم، تتكون هذه اللجنة في المسجد وتبقى مهمتها ترعى ما حول المسجد، ترعى القرية كلها، فإذا ما رأوا معوجاً أو منحرفاً استدعوه وعلموه وأدبوه حتى يعرف.

    ثم صندوق من حديد في المحراب.. وينادى: معشر الإخوان! من فرضت عليه زكاة يضعها في هذا الصندوق ونحن نقوم بتوزيعها، ومن عليه كفارة يضع المال في هذا الصندوق، ومن أراد أن يتطوع فهذا الصندوق، فسيفيض المال ولن يبقى في القرية من سيمد يده، أو تحمله الحاجة على أن يكذب أو يسرق؛ فقد سدت حاجات المواطنين؛ لأن الله تعالى قال: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ [التوبة:71].

    أما قوله تعالى: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71] قد علمتم الآن.. فما من مؤمن إلا وهو عند الله بوليسي، أي: شرطي يحرس أموال الناس ويحميهم، أما نحن في دولتنا الإسلامية فكل فرد منا يعتبر شرطياً؛ لقول الله تعالى: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، فكيف يوجد منكر، أو يوجد معروف متروك ونحن نمر بالشارع؟!

    الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [الحج:41]، هيا نبكي!

    أو تقول: هل سيتحقق في دولتنا الخير والفضيلة والطهر والصفاء والأمن، إذا قامت الدولة على هذه الأركان الأربعة؟

    الجواب: نعم، فدولة عبد العزيز بن عبد الرحمن تغمده الله برحمته أقام هذه الدولة والله! على هذه الأركان الأربعة:

    أولاً: إقام الصلاة.. لا يمكن لمواطن أن لا يصلي، فالإمام في صلاة الصبح يقرأ ورقة بأسماء أهل القرية كلهم، ومن غاب.. لِمَ غاب؟ فإذا كان مريض زاروه، وإذا سافر أمَّنوه، وإذا تلاعب به الشيطان أدبوه، وهكذا من أقصى المملكة إلى أقصاها لا أحد يترك الصلاة، ما إن أقيمت الصلاة أخذت الجرائم تتلاشى وتقل، والآثام والذنوب تنمحي.

    ثانياً: إيتاء الزكاة.. ما عندهم أموال.. الرأس الغنم وصاع الشعير ويجلبها كلها ويجمعها ويوزعها.

    ثالثاً: الأمر بالمعروف.. ما من قرية ولا حي في المدينة إلا وفيه لجنة خاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتحقق والله العظيم! من الأمن والطهر والصفاء ما لم يتحقق إلا في عهد القرون الذهبية الثلاثة الأولى، فقبل أن يخلط هذا الخليط من العمال وغيرهم كنا نترك أبوابنا مفتوحة، فبائع الذهب والفضة يعمل خرقة على باب متجره، فقد تحقق الأمن والطهر والصفاء؛ لأن الدولة أقيمت على هذه الأركان الأربعة، وعرف هذا العدو وهو يعمل على إبطالها وإسقاطها ما استطاع.

    ودعنا من هذا.. فالذي نقول: لماذا لما استقل البلد الفلاني ما يقيم دولته على هذه الأركان الأربعة؟! فقد مضت سنون وكل عام تستقل دولة وشعب، ولم نجد دولة ولا شعب أقام الصلاة، ومن ثم ماذا حصدنا، وما هي النتائج؟!

    الذل والهون والدون والفقر في بلاد العالم الإسلامي، حفنة من اليهود أذلوهم وطاردوهم من بلادهم!

    قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ [التوبة:71]، أي: مؤمنون بحق وصدق، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، فمستحيل أن يسرقك وليك أو يخونك في أهلك ومالك، فكل مؤمن هو ولي لك وأنت ولي له، ومعنى هذا لا جريمة أبداً في القرية أو المدينة بين المؤمنين، فلا تقع الجريمة إلا بين الكفار والمنافقين، أما المؤمنون فلا وهيهات هيهات.

    بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، فهمتم هذه اللطيفة وإلا لا؟

    فكل واحد منا يعتبر نفسه رجل بوليس في بيته.. في قريته مع جماعته، مهمته: من ترك معروفاً يقول له: يا أخي! لا تترك هذا، بل افعل! وإن رأى منكراً يُفعل، يقول: لا هذا لا يجوز، لا يحل هذا أبداً يا مسلم!

    ولو أصبح أهل القرية والمدينة كلهم هكذا، وأصبحوا كلهم شرطة، فهل سيبقى بينهم شر أو فساد أو ظلم أو خبث؟

    الجواب: لا. وما المانع إلا الشهوات والأهواء، أو ضعف الإيمان وعدم البصيرة في القلب، وعلة ذلك أيضاً الجهل، فما سمعوا بهذه الآيات ولا درسوها ولا يقرءونها.

    وجوب طاعة الله ورسوله

    قال تعالى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]، ومن طاعة الله والرسول طاعة إمام المسلمين.. طاعة ولي الأمر؛ لقوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59].

    إذاً: أولاً: طاعة الله ورسوله، ثم طاعة أولي الأمر سيسود الأمن والصفاء والمودة والإخاء، فتكمل حقيقة الإيمان، وهذه الدولة التي وضعها الرحمن عز وجل: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41].

    ونقول دائماً: يا أيها المسلمون! أليس فيكم رجل عالم محترم؟

    نقول: علم أهل القرية، وانظر إلى النتائج، فقط اجمعهم في بيت الله من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء وعلمهم كتاب الله وحكمة الرسول، وخلال سنة واحدة تكون تلك القرية كتلة من نور في الأرض، لكن الإهمال والضياع، والحكومات غافلة أو معرضة لا تبالي، فمن المسئول إذاً؟

    فنحن المسئولون.

    دخول المؤمنين في رحمة الله إن هم نفذوا أوامر الله في العبادات والمعاملات

    وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، يجب أن نتوالى ونتحاب ونتناصر، ومع ذلك لا خيانة ولا غش ولا كذب ولا باطل.

    وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]، أي: يطيعونهما فيما أمرا وفيما نهيا، إذ الأوامر والنواهي كثيرة، ما من خير إلا أمر الله بفعله، ولا من شر إلا نهى الله عن فعله، وهذا يعرف بطاعة الله وطاعة رسوله وأولي الأمر.

    أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71] (أولئك): أي: المؤمنون والمؤمنات الذين بعضهم أولياء بعض، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، المقيمين الصلاة، المؤتون الزكاة.

    إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]، أي: عزيز لا يمانع فيما يريده، حكيم يضع كل شيء في موضعه، العذاب في موضعه والرحمة في عذابه، وهذا هو الجزاء.

    سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ [التوبة:71]، بخلاف المنافقين، فقد قال فيهم: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا [التوبة:68].

    معاشر المستمعين! حسبنا ما سمعنا.. فكل واحد منا يعتبر عند الله بوليسي، فنبدأ نطبق وننفذ، فكلنا بوليس، فلا نرى اثنين مختصمين إلا ونتدخل ونحل بينهم، ولا نرى ضالاً عن الطريق إلا ونرشده، ولا نرى من ينظر إلى امرأة إلا ونؤدبه: اتق الله! لا تنظر إلى هذه المرأة، ولا نرى متهاوناً بالصلاة لا يحضر إلا ونقول له: صلِّ، لِمَ لا تصلي؟

    وهكذا.. لو أن أهل القرية يفعلون هذا لشاهدنا أنوارهم كيف تلوح.

    فالدولة الحقيقة تقوم على أساس ومبدأ أربعة أركان، وهي: إقام الصلاة، إيتاء الزكاة، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وقد شاهدنا بأعيننا نيفاً وأربعين دولة من إندونيسيا إلى موريتانيا استقلت عن الاستعمار ولم تقم دولة واحدة على هذه الأركان الأربعة أبداً، فحالهم في بلاء وشقاء وذل وهو ودون، وصد الله العظيم من أعرض عن الله أعرض الله عنه والعياذ بالله.

    وصلِّ اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756196470