إسلام ويب

شرح آيات الحج من سورة الحجللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تضمنت آيات سورة الحج بعضاً من أحكام وأمور الحج التي ينبغي التنبه لها، كخطورة الشرك بالله في تلك البقاع، ومشروعية الإكثار من الطواف، ومشروعية المشي والركوب في الحج، ومشروعية البيع والشراء في الحج، ومشروعية الإمساك عن الشعر والأظفار عند دخول العشر لمن أراد أن يضحي، وحكم التضحية من غير بهيمة الأنعام، وبعض الأحكام التي تخص مكة، بالإضافة إلى بعض أحكام الأضحية.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت...)

    باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

    وبعد:

    فسنتناول تتمة موضوع الحج حتى تتكامل أحكامه إن شاء الله، وكذلك نتناول ما يتعلق بالأضاحي، وبأحكام العشر الأول من ذي الحجة.

    والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:26-28] .

    قوله تعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [الحج:26] أي: هيأناه له عليه الصلاة والسلام، وجعلناه له متبوأً ومنـزلاً.

    وجه المناسبة بين قوله: (وإذ بوأنا...) وقوله: (أن لا تشرك بي شيئاً)

    فإن قال قائل: ما هي مناسبة قوله تعالى: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا [الحج:26] مع قوله سبحانه: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [الحج:26]؟

    المناسبة -والله سبحانه وتعالى أعلم- أن كثيراً من الناس يشركون في بيوت الله سبحانه وتعالى، كما هو حادث الآن، ولذلك قال الله جل ذكره: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] ، فكمـا هو واضح في عموم المسـاجد أن كل مسجد به قبر يشرك فيه بالله عز وجل، كقبر التاج البدوي وقبر الحسين وغيرهمـا من القبور.

    وكان الأمر أشد من ذلك قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أهل الشرك قد جعلوا حول الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً، إلى أن جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاتحاً مكة، فرأى هذه الأصنام الثلاثمائة والستين، ورأى أيضاً صورة إبراهيم وإسماعيل في الكعبة وهما يستقسمان بالأزلام.

    والاستقسام بالأزلام معناه: أن يأتي الشخص بثلاثة أقداح إذا أراد أن يفعل شيئاً، قدح مكتوب عليه افعل، وقدح مكتوب عليه لا تفعل، وقدح أبيض، ثم يديرها دورة فيجعل سهماً، إذا وقف السهم عند القدح الذي عليه افعل فعل، وإن وقف على القدح الذي عليه لا تفعل، لم يفعل، وإن وقف على القدح الذي هو أبيض، يعيد الدورة من جديد.

    فالشاهد: أن المساجد أشرك فيها بالله سبحانه وتعالى فجاء الاحتراز: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج:26] الأمر بالتطهير عام: طهره من النجاسات، وطهره من الأوساخ، وطهره من القاذورات، وهناك تطهير أعظم من هذا التطهير، وهي التطهير من الأوثان، والتطهير من الشرك.

    وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ [البقرة:125] ، فيؤخذ من هذه الآية فضل الموظف والعامل على نظافة المسجد، فالموظف والعامل على نظافة المسجد سلفه خير البرية إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

    فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا خير البرية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك إبراهيم عليه السلام) ، فإذا كان سلفك يا من تنظف المسجد هو إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فلا معنى لاستنكافك عن هذه الأعمال الكريمة عند الله سبحانه، فرب مهنة يستنـزلها الناس ويستقبحونها وصاحبها عند الله في منـزلة سامية عالية، ورب مهنة يستعظمها الناس في دنياهم وهي مهنة رديئة ملعون صاحبها، فالمؤذن في المسجد مهنة يستقبحها الناس الآن ويحتقرون المؤذن.

    والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) ، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن المؤذن يشهد له ما سمعه من إنس أو جن أو حجر أو مدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (لا يسمع مدى صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شجر ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة) فيأتي المؤذن يوم القيامة وجيهاً طويل العنق.

    وعلى العكس من ذلك مثلاً مدير بنك ربوي، فإن الرسول يقول في شأن المرابين: (لعن الله آكل الربا وكاتبه ومؤكله وشاهديه) .

    مشروعية الإكثار من الطواف

    قول الله تعالى : وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الحج:26] بالنسبة للطواف بالبيت يسن ويشرع للحاج وللمعتمر أن يكثر من الطواف بالبيت بعد طواف الفرض، أو بعد طواف النسك الذي تلبس به، فإذا حججت أو اعتمرت فلك أيضاً بعد أن تعمل أعمال الحج، أو في أثناء أعمال الحج أن تذهب وتطوف بالبيت الحرام، وتكثر من الطواف، تطوف كل مرة سبعة أشواط وتصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم، فمن كان متمتعاً وتحلل فلا بأس له أن يطوف أثناء تاحلله وذلك أجر وثواب عند الله سبحانه، فتكثر من الطواف بثيابك المعتادة.

    وقد ورد في بعض الطرق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينـزل في أيام التشريق من منىً إلى مكة كي يطوف بالبيت ليلاً ثم يرجع عليه الصلاة والسلام، فيسن لك قدر الاستطاعة أن تكثر من الطواف بالبيت بعد أن تؤدي أعمال النسك التي عملتها، وهذه سنة هجرها الكثيرون، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر من فعلها.

    وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بالبيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار) فأخذ العلماء من هذا الحديث جواز الطواف وصلاة ركعتين في أوقات الكراهة فضلاً عن أوقات الإباحة.

    وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ [الحج:26] أي: والمصلين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26].

    وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا [الحج:27] أذن أي: ناد. والكلام لإبراهيم صلى الله عليه وسلم أي: نادِ يا إبراهيم في الناس أن هلموا وأقبلوا إلى الحج، قال المفسرون: ففعل إبراهيم صلى الله عليه وسلم ما أمر به، ولم يكن هناك من يسمع فنادى: يا أيها الناس! إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فكل الناس إلى أن ينـزل عيسى ابن مريم يقول: لبيك اللهم لبيك. أي: إجابة لك يا الله بعد إجابة إذ دعوتنا إلى حج بيت الله الحرام، فعلى ذلك قول القائل: لبيك اللهم لبيك. كلمة: اللهم. معناها: يا الله، أي: سمعنا لك وأجبنا داعيك أجبنا، تكرير يفيد التأكيد.

    مشروعية المشي والركوب في القدوم للحج وأثناء أداء مناسكه

    وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] الأذان: الإعلام.

    يَأْتُوكَ رِجَالًا [الحج:27] أي: على أرجلهم.

    وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27] الضامر: هو الجمل الذي أتى هزيلاً متعباً مرهقاً من طول وعناء ومشقة السفر، فالجمل أو الفرس إذا مشي هذه المسافات الطويلة ووصل إلى بيت الله الحرام من مسافات شاسعة أصبح ضعيفاً وضامراً وهزيلاً، فيقال: ضمر الشيء: إذا انكمش وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27] .

    قوله سبحانه وتعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا [الحج:27] فيه جواز الحج ماشيا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [الحج:27] فيه جواز الحج راكباً، وقد ركب النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل بعض الصحابة حتى على إبل الصدقة، وكان عليه الصلاة والسلام من عرفات إلى مزدلفة قد أردف الفضل بن عباس وأسامة بن زيد خلفه صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أنه عليه الصلاة والسلام كان راكباً، فلك أن تركب ولك أن تمشي، وإذا أرهقت أو أرهقت والدتك، أو أرهق أخوك أو أرهق أبوك فللمرهق أن يطوف بالبيت راكباً.

    اشتكت أم سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تطوف بالبيت راكبة، وليس هذا بناقص في الأجر، فإن العبد إذا مرض أو سافر كتب له من الأجر ما كان يعمل وهو صحيح مقيم، فلك أن تطوف إذا تعبت أو أرهقت وأنت محمول على الأكتاف، لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لها أن تطوف بالبيت وهي راكبة، ولك أيضاً أن تسعى بين الصفا والمروة وأنت راكب.

    وإذا قدر عليك وجئت إلى عرفات بعد غروب الشمس فلا بأس بحجك أيضاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعروة بن مضرس لما وصل إليه وقال: يا رسول الله! أكللت نفسي وأتعبت راحلتي، وما تركت حبلاً إلا وقفت عليه حتى أدرك معكم الصلاة بمزدلفة. صلاة الفجر فقال عليه الصلاة والسلام: (من صلى معنا الغداة بجمع) أي: الفجر بمزدلفة (وكان قبل ذلك وقف ساعة من ليل أو نهار بعرفات فقد أتم نسكه وقضى تفثه) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فإذا وقفت أي ساعة من ليل أو نهار بعرفات فحجك صحيح والحمد لله.

    قال الله سبحانه: يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [الحج:27] ففي ذلك جواز الحج راكباً وماشياً، وقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك.

    ومن مشى لعدم استطاعته الإنفاق على الركوب، فكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـعائشة : (أجرك على قدر نصبك) وبالنسبة للنساء فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (جهادكن الحج والعمرة) وذلك لما قالت عائشة رضي الله: (نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ قال: لكن جهاد لا قتال فيه حج مبرور) فالحج مشقة على النساء لكنه جهادهن كما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27] والفج الطريق، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وكل فجاج منىً ومكة طريق ومنحر) يعني أن لك أن تذبح في أي مكان في منىً أو في مكة.

    يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27] أي: طريق بعيد.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله...)

    لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج:28] استدل بها العلماء على مشروعية التجارة في الموسم فإخواننا الذين يذهبون للحج ويتاجرون أيضاً لا بأس بتجارتهم في الحج لهذه الآية الكريمة لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج:28] فإذا تاجرت في الحج فبعت واشتريت فلا بأس، ما لم يشب البيع والشراء كذب ولا غش ولا رفث، فالبيع المبرور من أطيب الأرزاق.

    قال الله سبحانه لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28] الأيام المعلومات هي: العشر الأول من ذي الحجة، والأيام المعدودات في قوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203] هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وتسمى أيام التشريق، قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل) .

    الكف عن الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي

    أما الأيام المعلومات فهي: العشر الأول من ذي الحجة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً) فإذا كنت تريد أن تضحي في العيد فلا يشرع لك أن تأخذ من شعرك ولا من أظفارك شيئاً.

    هذا الامتناع يبدأ من دخول أول ليلة من ليالي ذي الحجة، (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً).

    وهل هذا النهي للتنـزيه أو للتحريم؟ ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه للتنـزيه، واستدل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى على الجواز بأن أم المؤمنين عائشة قالت: (كنت أفتل قلائد النبي صلى الله عليه وسلم فيرسل بها من المدينة إلى مكة ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم) وهذه سنة ما رأينا أحداً أبداً من أهل بلادنا ولا سمعنا أنه فعلها، ما هي هذه السنة؟ يسن للموسر الذي لا يستطيع الحج أن يرسل هدياً إلى مكة.

    فقولها: (كنت أفتل قلائد النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ثم يرسل بها من المدينة إلى مكة ولا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم) ، استدل الإمام الشافعي رحمه تعالى بهذا الحديث من قولها: (لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم) أنه يحل له أن يأخذ من شعره وأظفاره، مع أنه سيضحي عليه الصلاة والسلام.

    لكن هذا الاستنباط الذي استنبطه الإمام الشافعي ليس صريحاً كتلكم الصراحة الموجودة في قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً) هذا أصرح في النهي، ولكن الأمر عند كثير من أهل العلم على أن الكراهة للتنـزيه، لأنه الأضحية ليست بواجبة من أصلها، إنما هي مستحبة على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

    وأما بالنسبة للسنة المهجورة فإنه يسن للموسر أن يرسل هدياً إلى مكة إن لم يذهب إلى الحج، أعني أنه إذا وسع الله عليك فأرسل هدياً أو هديين أو ثلاثة على قدر استطاعتك مع الذاهب إلى الحج، ليذبحها لك هناك وأنت مأجور ومثاب إن شاء الله، هذه سنة ثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    لا تصح الأضحية إلا إذا كانت من بهيمة الأنعام

    قال سبحانه: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] في هذا رد على ابن حزم الذي زعم أنه يجوز للرجل أن يضحي بديك، وورد أثر ضعيف الإسناد عن بلال رضي الله عنه وهو الذي ركب عليه قول العامة: مؤذنٌ ضَحَّى بمؤذنٍ. وهذا لا يثبت عن بلال رضي الله تعالى عنه.

    قال الله سبحانه: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [الحج:28] والأنعام ثمانية قال الله سبحانه: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ [الزمر:6] وقال سبحانه في الآية الأخرى: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ [الأنعام:143] وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ [الأنعام:144] الآيات.

    فعلى ذلك يؤخذ أيضاً كما قدمنا أنه يجوز لك أن تضحي بالأنثى، لأنها داخلة في الأنعام، وسيأتي مزيد لذلك في باب الأضحية قريباً إن شاء الله.

    وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] أخذ العلماء من هذه الآية استحباب الأكل من الأضحية.. استحباب الأكل من دم التمتع أو من الهدي بصفة عامة؛ لأن الله قال: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج:28] وثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نحر هديه وكانت مائة من الإبل، أمر بقطعة من كل واحدة منها فوضعها في قدر وأكل منها الرسول عليه الصلاة والسلام وشرب من مرقها، فهذه السنة وهذه الآية فيها دليل على استحباب الأكل من الهدي.

    والذي يضع ماله في بنك كبنك الراجحي وغيره من البنوك، هو من باب التوكيل في الذبح وذلك جائز، لأن النبي عليه الصلاة والسلام نحر ثلاثاً وستين، وأعطى علياً فنحر الباقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

    فالتوكيل في الهدي جائز، لكن الأفضل أن تذبح أنت بيديك إن استطعت وكنت تعرف، فإن النبي كان ينحر بيديه صلى الله عليه وسلم، ويستحب لك أن تأكل منها كذلك، فقد أكل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن إن لم تستطع فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

    وقوله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج:29] قضاء التفث المراد به: إزالة الأوساخ التي علقت بالبدن، ويدخل فيه قص الأظفار وحلق الشعر ونتف الأبط وحلق العانة ونحو ذلك.

    وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج:29] أي: التي كانوا قد نذروها من قبل، فمنهم من نذر أن يحج، ومنهم من نذر أن يذبح، ومنهم من نذر أن يطوف، ومنهم من نذر أن يصلي في الحرم، ومنهم من نذر أن يصلي أي صلاة كانت هناك ما دامت مباحة.

    وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] والعتيق هو القديم. كما قال ابن مسعود في بعض السور الطوال: إنهن من العتاق الأول، إنهن من تلادي، أي: من قديم حفظي.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم حرمات الله...)

    قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30] الرقيب عليك في تعظيم حرمات الله هو الله سبحانه، فمن الذي يدري هل أنت أهديت أم لم تهد؟ هل رميت الجمرات أم لم ترم؟ هل عظمت حرمة مكة أم لم تعظمها؟ فلمكة حرمة.

    فعلى كل الحجيج أن ينتبهوا إلى هذه الحرمة، الذنوب في مكة تتضاعف، والله يقول في الحرم ككل، وللمعلومية الحرم يشمل مكة بكاملها ويشمل منى أيضاً، فمنى من الحرم، ويشمل أيضاً جزءً من مزدلفة، فكل هذه تنسحب عليها أحكام الحرم، والله يقول: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25] قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن مكة: (لا يقطع شجرها، ولا يعضد شوكها، ولا تلتقط لقطتها).

    ومعنى: (ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها) أي: لا يجوز لك أن تفزع حمامة أمامك وتطيرها، ولا يجوز لك أن تقتل الصيد في الحرم، جرادة موجودة لا يجوز لك أن تقتلها.. حمامة موجودة لا يجوز لك أن تقتلها.. شجرة موجودة لا يجوز لك أن تقطع منها ورقة وتعبث بها، هكذا قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    فلمكة حرمة يجب أن تراعى، لو وجدت أموالاً في الطريق، فإما أن تتركها، أو تأخذها وتسلمها للأمانات، ليس لك أن تلتقط لقطة مكة أبداً، ففيها تشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    والمدينة كمكة في هذا الشأن قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم المدينة ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم صلى الله عليه وسلم مكة) .. الحديث.

    قال الله سبحانه وتعالى: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج:30].

    الرجس: يطلق على النجس، والأوثان نجسة، لكن ليست نجاسة حسية وإنما هي نجاسة معنوية.

    والزور: يطلق على الشرك، ويطلق على شهادات الزور، وهو عام، وقد علمتم أن الزور من أكبر الكبائر (ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) .

    عظم ذنب من أشرك بالله في حرم الله

    حُنَفَاءَ لِلَّهِ [الحج:31] : حنفاء عن الشرك مائلين إلى الله، فمعنى: (حنفاء): مائلين عن الشرك. والحنيف: هو المائل. وجاء المثل عند العرب: والله لولا حنف في رجله ما كان في صبيانكم من مثله، تعني رجله معوجة قليلاً لكنه ذكي ولبيب، فالأطفال يسخرون منه، والنساء يسخرن منه فقالت امرأته: والله لولا حنف في رجله ما كان في صبيانكم من مثله.

    فالشاهد أن الحنيف: هو المائل عن الشرك المتجه إلى التوحيد.

    حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ [الحج:31] وخاصة في مواسم الحج، فإنه لا يليق بك أن تتجه لغير الله، وعجباً من قوم يقولون: مدد يا بدوي. ويذهبون للحج، يقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، وهم يشركون بالله، ويتخذون البدوي معيناً وممداً لهم، وبعضهم يقول: مدد يا حسين ، لذلك تكررت الآيات التي تنهى عن الشرك في ثنايا أبواب الحج.

    فكذاب أشر الذي يقول: لبيك لا شريك لك لبيك، وفي نفس الوقت يقول: مدد يا بدوي ومدد يا حسن ومدد يا حسين ويا حسين اشف لي ولدي.. إلى غير ذلك، هل كان الخليل إبراهيم يقول: يا بدوي اشف لي ولدي، كلا بل قال: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ [الشعراء:80-81] .

    ومصير المشرك ما ذكره الله تعالى: حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31] كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في المسند بإسناد صحيح من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، وذكر احتضار العبد الكافر، (تنزل إليه ملائكة سود الوجوه، يأتونه ويأخذون روحه ويصعدون بها إلى السماء، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة عرفت على وجه الأرض، فلا يمرون بملأ من أهل السماء إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة، فيقولون: روح فلان ابن فلان. بأقبح أسمائه، فيصعدون بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون، فلا تفتح له أبواب السماء، فتسقط تلك الروح من السماء إلى الأرض السابعة السفلى، ثم تلا عليه الصلاة والسلام: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]).

    ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32] وشعائر الله بصفة عامة هي: أعمال الدين الظاهرة كما قدمنا، فرمي الجمار من شعائر الله، والصلاة من شعائر الله، واللحية من شعائر الله، والسعي بين الصفا والمروة من شعائر الله، والطواف بالبيت من شعائر الله، وكل أعلام الدين الظاهرة تكون من شعائر الله، والنحر من شعائر الله، والذبح من شعائر الله، والحلق من شعائر الله، والتقصير من شعائر الله.

    أفضلية الحلق على التقصير عند التحلل

    ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].

    والتقوى: هناك تظهر واضحة في شخص خُيّر بين الحلق والتقصير، فيجد شعره جميلاً يقول: لو أحلق سيكون شكلي قبيحاً، وآخر يبادر بالطاعة وصدره منشرح جداً أنه سيضحي بهذا الشعر ويزيله لله سبحانه، ويغنم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم (رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: رحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله. قال: والمقصرين) في الرابعة جبراً لخاطرهم، والله قدم الحلق في كتابه الكريم. وتجد الناس عند التحلل على صنفين:

    - صنف منهم مقبل على الله ويؤدي العمل على ما يريده منه ربه سبحانه فيبادر بالحلق واختيار الأفضل تماماً.

    - وقسم يكتفي بإزالة جزء من الشعر بمقص، وهذا لا يجزئ إنما الذي يجزئ تعميم الشعر إما بالحلق وإما بالتقصير، إلا في حق النساء فقط، فيقصصن من شعورهن قدر أنملة، كما ورد عن الصحابيات رضي الله تعالى عنهن.

    أيضاً تجد تقوى الله ظاهرة عند قوم أثناء الذبيحة، فالبعض يشتري أرخص ذبيحة يأتي بها كي يذبحها، والثاني يذهب فيأخذ أحسن ذبيحة ويتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، ويعلم أن ما يفعله من خير فلن يكفره والله عليم بالمتقين، ويعلم أن من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ذلك ومن يعظم شعائر الله...)

    قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ [الحج:32-34] والمنسك لأهل الإسلام، قال كثير من العلماء: إنه الذبح الذي يذبح بمكة أو بمنى.

    وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا [الحج:34] أيضاً قوله سبحانه عن قريب فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ [الحج:30] وقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ [الحج:31] وقوله سبحانه وتعالى: فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الحج:34] كلها تمنع من اتخاذ الشريك لله في هذا المنسك الذي هو الحج، فلا ينبغي لك أبداً أن تأتي كبير الشرك ولا صغيره.

    فلا تذهب إلى منىً أو إلى عرفات وتلتقط صورة لنفسك، أو تلتقط المرأة صورة مع رجل، وترجع ترائي بها الناس، أن حججت أنا وفلان وفلان، فالحج لابد أن تخلص فيه الأعمال كلها لله سبحانه وتعالى، فغير لائق بالحاج على الإطلاق أن يذهب فيتصور على الصخرات في عرفات في مكان يباهي الله الملائكة بالحجيج ويقول: انظروا إلى عبادي هؤلاء أتوني شعثاً غبراً، أشهدكم أني قد غفرت لهم، فلا يليق بك أن تجمع بين كبيرة التصوير، وبين الرياء الذي هو أحد ضروب الشرك، والذي هو الشرك الأصغر كما قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    قال الله سبحانه وتعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ * وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ [الحج:32-34] الطائعون الخائفين الوجلين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم أي خافت قلوبهم وارتعدت قلوبهم وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [الحج:34-36] البدن: هي الإبل. ومن العلماء من يطلقها على الإبل والبقر ويقول: البدنة يدخل في تعريفها الناقة ويدخل في تعريفها أيضاً البقرة، لكن استظهر كثير من العلماء أن البدنة خاصة بالناقة أو الجمل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من راح في الساعة الأولى يوم الجمعة فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة).

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم...)

    وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36] أي: عند نحرها حين تنحر وهي صواف، أي: قائمة معقولة الرجل اليسرى، تقف على ثلاث أرجل والرجل اليسرى يضم ساقها منها إلى فخذها وتنحر، أي: تطعن في منطقة اتصال الرقبة بسائر الجسم، فهذه هي صفة نحر البدن.

    وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ [الحج:36] أي: قائمة معقولة الرجل اليسرى.

    فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [الحج:36] وجبت أي: سقطت جنوبها على الأرض.

    فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الحج:36] كم يَطْعم منها ذابحها؟ وكم يُطْعِم منها الفقراء والمساكين؟

    لم يرد في هذا تحديد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الأمر على التوسعة والإباحة، وأما تقسيمها إلى ثلاث أجزاء فليس فيه خبر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا [الحج:37] لن ينال الله شيء من هذه اللحوم ولا من هذه الدماء، إنما ليعلم من منكم التقي ومن منكم المعظم لحرمات الله، ومن منكم الموقر لحرمات الله، وكذلك قال: وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ [الحج:37] .

    ولأن الحاج يشرع له أيضاً إن كان مستطيعاً أن يضحي، فالأضحية لا تسقط بالسفر، وهي بصفة عامة مشروعة للمقيمين أو للمسافرين.

    أما الهدي فالأمر فيه أيسر؛ لأن الله قال في شأن الهدي: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196]، لكن الأضاحي لها شروط لابد أن تفعل، ولابد أن تراعى هذه الشروط، وإلا كانت ذبيحتك أو شاتك شاة لحم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وهنا تكمل فائدة العلم بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد تذهب وتشتري بقرة وتشتري جملاً وتشتري كبشاً وتضحي وليس لك ثواب المضحي أبداً، فعليك أن تتعلم ما هي شروط الأضحية التي تجزئ عنك.

    وقد ورد أن صحابياً جاء يخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه ضحى، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام قال له: (شاتك شاة لحم) أي: ليس لك فيها أجر المضحي، فعليك أن تتعلم ما هي الشروط اللازمة في الأضاحي حتى تفعل أعمالك وتكون على بينة.

    هذا والأضحية مشروعة ومستحبة عند جماهير العلماء، وشاهدها من كتاب الله سبحانه وتعالى قول الله جل ذكره: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] قال جمهور المفسرين: أي: صل لربك وانحر لربك، فكما لا تصلي إلا لربك فلا تنحر إلا لَهُ، والمراد بالنحر هنا الذبح بعد الصلاة، فهذا دليل مشروعيتها من الكتاب العزيز.

    ومن السنة (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين موجوئين) والأملح: هو الأسود المختلط بالبياض، والذي غلب بياضه على سواده، لكن يجوز لك أن تضحي بأي لون من الألوان، ومن أهل العلم من قال: الأملح: هو الأبيض بصفة عامة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756194457