إسلام ويب

شرح الورقات [13] - شرط انقراض العصرللشيخ : يوسف الغفيص

  •  التفريغ النصي الكامل
  • اعتبر العلماء الإجماع في المرتبة الثالثة من أدلة الأحكام، وقد اختلفوا في اشتراط انقراض العصر في صحة الإجماع، وقسموه إلى صريح وسكوتي، كما بينوا مدى حجيته، وزاد بعضهم دليلاً آخر وهو قول الصحابي، ولكن هذا ليس محل اتفاق.

    1.   

    اشتراط انقراض العصر في صحة الإجماع

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه أجمعين.

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فإن قلنا: انقراض العصر شرط فيعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل الاجتهاد، فلهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم، والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم، وبقول البعض وبفعل البعض، وانتشار ذلك وسكوت الباقين، وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره على القول الجديد ].

    ذكر أبو المعالي الجويني رحمه الله جملة مسائل في حديثه على الإجماع، ومنها أنه يشترط في وقوعه انقراض العصر، ثم فرض على ما يذكره الأصوليون في انقراض العصر مسألة، وهي: لو أنه ولد في أثناء العصر مولود، ثم تعلم وتفقه وصار من أهل الاجتهاد، فهل يمكنه مخالفتهم، وهو عند إجماعهم في ذلك العصر لم يكن مجتهداً فقيهاً، ولكنه أدرك الاجتهاد قبل انقراض العصر، فهل يعتبر ذلك؟

    فرض أبو المعالي صحة ذلك وهذا بعيد؛ لأن المقصود بالعصر هنا وقت الإجماع، وليس طروء مجتهد بعد ثبوت الإجماع، لكن لو أن مجتهداً من أهل العصر ما دخل في إجماعهم، أو ما بلغه إجماعهم، ثم علمت مخالفته، وهو أثناء الإجماع من أهل الاجتهاد؛ فهذا يكون مؤثراً، يعني: لو أن بعض علماء مصر من الأمصار ما دخلوا في هذا الإجماع، ثم بان مخالفتهم، وعدم موافقتهم على الإجماع فإن هذا لا يعتبر إجماعاً، لكن المسألة التي فرضها أبو المعالي هنا: أنه لو اتفق جميع علماء العصر من المجتهدين، ووقت اتفاقهم لم يكن ثمة عالم يخالفهم، ولكن ولد مولود، ثم بلغ رتبة الاجتهاد، مع أن هذا تقديره من حيث الوقوع ليس له أمثلة واقعية ثم طرأ له مخالفتهم، فهل مخالفته تنقض الإجماع؟ ظاهر كلامه أنه كذلك؛ لأنه لم يتحقق هذا الركن كما يسميه البعض، أو الشرط كما يسميه البعض الآخر وهو انقراض العصر، وهذا بعيد؛ لأن الإجماع مصحح في ترتيب الشريعة باعتبار أن الأمة لا تجمع على ضلالة، وإن كانت الرواية التي وردت بهذا اللفظ فيها ضعف بين، لكنه معتبر بالقرآن، ومعتبر بما تواتر في السنة كما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ).

    فإذا كان هذا هو المتحقق في اعتبار الشريعة أن الأمة لا تجمع على ضلالة، فتقدير صحة مخالفة من ولد بعد إجماعهم، ولكنه أدرك الاجتهاد في أثناء عصرهم يلزم منه لزوماً صريحاً ظاهراً أن الأمة قبل هذا المفروض -وإن كان لا وقوع له- أجمعت على ضلالة، وجاز عليها الخطأ، بخلاف لو قدرت أن بعض المجتهدين أثناء العصر هم الذين خالفوا، فلا يمكن تقدير أن الأمة أجمعت على ضلالة؛ لأنه وقت إجماعهم ما كانوا جميع العلماء، هذا هو الفرق بين التقديرين.

    ولو أنهم ظنوا الإجماع ولكن تبين أن بعض علماء بلد كذا كانوا مخالفين لهذا الإجماع، فهذا لا يلزم عليه أن الأمة قبل العلم بمخالفتهم أجمعت على ضلالة، بل نقول: يلزم عليه أنه لم يكن ثمة إجماع، ومن هنا تعتبر المخالفة ولا يصح الإجماع، بخلاف ما قدره أبو المعالي من صبي يولد، ثم يبلغ إلى آخره؛ فهذا وإن كان من حيث الوقوع -كما أشرت- ليس له مثال، لا يصح أيضاً.

    1.   

    أنواع الإجماع وبيان حجيتها

    ثم بين أبو المعالي رحمه الله أن الإجماع يكون بالقول ويكون بالفعل، ويكون بقول جميعهم، أو بقول بعضهم وسكوت البعض الآخر، فأما إذا كان لجميعهم فهو الإجماع الصريح، وأما إذا كان قولاً لبعضهم وسكت البعض الآخر فهذا تارة يكون من مادة ما يسمى عند الأصوليين بالإجماع السكوتي، وتارة من مادة الإجماع الصريح، لكنه ليس لظهوره واستفاضته ما يلزم ذكره عن جميع الأعيان، والإجماع السكوتي من هذا الوجه هو على معنى الإجماع الصريح، أما الإجماع السكوتي على معناه المخصص عند الأصوليين فهو ما دون ذلك؛ ولهذا اختلف في حجيته.

    والراجح: أنه حجة ولكنها حجة ظنية، ولا يقع الإجماع بقول البعض ومخالفة البعض الآخر، ولا يقع الإجماع الصريح بسكوت البعض في موارد القول.

    1.   

    حجية قول الصحابي

    ثم ذكر ما يتعلق برأي الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وذكر مذهب الشافعي رحمه الله في ذلك خلاف، وقد ذكروا في مذهبه خلافاً بين مذهبه الجديد ومذهبه القديم، والراجح أن رأي الصحابي من حيث هو فرد فليس بحجة، لكن إذا اعتمد بمقارن سواء كان هذا المقارن وصفاً في المسألة، أو كان حالاً للقائل بها؛ فهذا وهذا كله من المقارن للمؤثر في اعتبار حجية قول الصحابي، المقارن إذا كان وصفاً مثل أن يكون قول الصحابي مما لا يقال بالرأي، فهذا وصف مؤثر، بخلاف موارد الاجتهاد الصريحة، فهذا رتبته دون رتبة ما يغلب على الظن أنه ليس مما يقال بالرأي، وأما المقارن من حيث الحال وليس الوصف ككون الصحابي يقول بقول جملة من الصحابة، إذا قالت جماعة من الصحابة قولاً ولم يشتهر مخالفتهم، أو كان قول هؤلاء الجملة يقتضيه القياس اعتمد هذا بهذا، وصار مما يستعمل في الاحتجاج، ولكن قول الصحابي في سائر موارده حتى مع ما قيد به لكونه حجة إنما هو حجة ظنية ليس حجة قاطعة لازمة على المخالف، لكن ليس المقصود أن قول الصحابي حجة على الإطلاق، وقد توسع بعض المتأخرين رحمهم الله في حكاية الخلاف في قول الصحابي، وبعضهم أطلق أن قول الصحابي حجة، وهذا لا أظن أن عالماً يقول به من الأئمة السابقين؛ لأن الصحابي ليس مشرعاً، فهم لا يقصدون أن قول الصحابي كيفما اتفق وحيثما وقع يكون حجة، كما نقول: قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة على المسلمين، إنما لا بد لكل من قال: إن قول الصحابي حجة لا بد أن يجعل له مقارناً، إما أن يقول: لم يظهر له مخالف، وإما أن يكون مما لا يقال بالرأي، فيقيده، فما أطلقه بعض المتأخرين فلا يصح فهمه على هذا التقدير، بل يفهم على أن له وصف، أما عند القول: بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم حجة. فلا نحتاج إلى أنه لا بد لهم من مستند، أو لا بد لهم من مقارن؛ لأن قول الأنبياء حجة؛ لأنهم لا يأتون بشيء إلا بما أوحى الله إليهم، ولكن الصحابي رضي الله عنه ليس حجة في ذات قوله، وإلا للزم التضاد بين الحجج، بل التناقض أحياناً؛ لأن الصحابة يختلفون، وإذا اختلفوا لزم من ذلك أن نقول: إن حجج الشريعة تضادت، وهذا لا أحد يقول به.

    إذاً: قول الصحابي معتبر عند جمهور الأصوليين ومن قبلهم جمهور الأئمة، ولكن كما نقول: القياس معتبر، ولكن اختلفوا في رتبة القياس، فرتبة القياس عند أبي حنيفة ليس كرتبته عند أحمد ، كذلك أقوال الصحابة لها اعتبار عند جماهير الأئمة، لكن بينهم اختلاف في تقدير هذه الرتبة، وبعضهم أوسع من بعض في تقدير أقوال الصحابة، وإلا فإن الإمام أحمد كما هو مشهور، وكذلك الشافعي ، وكذلك أبو حنيفة ، وكذلك مالك ، فهؤلاء الأئمة الأربعة المشاهير كلهم يعملون بما هو من أقوال الصحابة، كما نقول: إن جميع الأئمة الأربعة يعملون بما هو من القياس، لكن رتبة استعمال هذا للقياس ليس كرتبة ذاك، فكذلك آثار الصحابة وأبلغ الأئمة الأربعة عملاً بآثار الصحابة الإمام أحمد.

    نقف على هذا، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755936326