إسلام ويب

مختصر التحرير [14]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المجاز التجوز بما في القوة عما بالفعل، والتجوز باعتبار وصف زائل أو وصف آيل، والتجوز في الصفة وفي الاسم وغير ذلك مما يذكره العلماء ويوضحونه بالأمثلة، ولكنهم يذكرون أن من شرط المجاز النقل عن اللغة في كل نوع يثبت التجوز فيه، سواء كان شرعياً أم عرفياً أم ل

    1.   

    أنواع المجاز

    قال: [وبما في القوة عن ما بالفعل].

    معنى بما في القوة يعني: أن الشيء يتجوز به وهو لم يقع؛ لكن باعتبار أنه في قوة الواقع، وكذلك أيضاً مثلها بالعكس في الكل، إذا قلنا بالعكس في الكل صار يتجوز بالمعلول عن العلة، وبالمؤثر عن الأثر، وبالحال عن المحل، وبالكل عن البعض، والمتعلَّق عن المتعلِّق، وبما بالفعل عن ما بالقوة.

    قال: [وباعتبار وصف زائل لم يتلبس حال الإطلاق بضده، أو آيل قطعًا أو ظنا].

    باعتبار وصف زائل يقول: لم يتلبس حال الإطلاق بضده، مثلاً: الرجل يسمى طفلاً، يمكن أن نعبر بالطفل عن الرجل؛ لكن بشرط أن لا يكون رجلاً.

    اليتيم: يمكن نعبر باليتيم عن شخص قد بلغ، وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، اليتامى هنا حقيقة؛ لقوله: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ [النساء:6].

    لكن قوله: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، هذا مجاز؛ لأنه لا يؤتى ماله إلا بعد البلوغ وإيناس الرشد، وإذا بلغ وأنس منه الرشد زال وصف اليتم عنه.

    كذلك يقول: (بوصف آيل قطعاً)، مثل قوله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ [النحل:1]، فهنا عبر بالماضي عن شيء مستقبل؛ لأن ذلك يؤول إليه قطعاً.

    [أو ظناً] كقوله تعالى: إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يوسف:36]، وهو إنما يعصر عنباً ليجعله خمراً. وهذا آيلٌ ظناً.

    قال: [بفعل أو قوة] معناه: أنه يؤول إليه بالفعل أو بالقوة، يعبرون كلمة (بالفعل) عن الشيء الذي يوجد حقيقة، و(بالقوة) عن الشيء الذي يوجد حكماً وإن لم يكن موجوداً فعلاً.

    [وزيادة ونقص] يعني: ويُعبَّر أيضاً بالزيادة والنقص، يعني قد يكون الكلام مجازاً بالزيادة، ومجازاً بالنقص، مثلوا لذلك بقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]وقالوا: إن الكاف زائدة، ومثلوا للنقص بقوله: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف:82]، يعني: أهل القرية.

    [وشكل]، معنى الشكل: أن يُعبَّر بالشكل عن الحقيقة، ترى إنساناً مصوَّراً فتقول: هذا فلان، وليس هو فلان، ولذلك لو قطعت رأسه في هذه الورقة لا يموت، ولو ضربته لم يتألم المصوَّر.

    قال: [وفي صفة ظاهرة واسم ومقيد وضد ومجاورة ونحوه].

    في صفة ظاهرة كإطلاق الأسد على الرجل الشجاع، يعني يتجوز بشيء فيه صفة ظاهرة، فالشجاعة في الأسد ظاهرة، فأقول: رأيت أسداً، أعني به الرجل الشجاع، لكن لو رأيت فيه بخراً، ورائحة منتنة كريهة في فمه، لم يصح أن تقول: رأيت أسداً؛ لأن البخر في الأسد صفة خفية، فلا يمكن أن يشبه به شيء فيه هذه الصفة الخفية، لأن هذا تلبيس.

    التجوز بالاسم عن المسمى وبالمقيد والمطلق

    وقوله: [وباسم ومقيد وضد] معناه: يتجوز بالاسم عن المسمى، وبالمقيد عن المطلق، وبالضد عن ضده، ونأخذ الأمثلة في هذا.

    مجازاً باعتبار إطلاقه، كتسمية الدية دماً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (تحلفون وتستحقون دم صاحبكم)، فيكون الكلام مجازاً باعتبار إطلاقه من مقيد على مطلق، كقول القائل: أصبحت ونصف الناس علي غضبان، المراد مطلق البعض لا مطلق الجمع، ومنه قول الشاعر:

    إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

    هذا النصف مقيد، لكن المراد بذلك: مطلق البعض، لأنه ليس صحيحاً أن نصف الناس بالضبط أعداء للحاكم، يعني لو كانت البلدة فيها عشرون ألفاً هل يكون عشرة آلاف منهم أعداءً للقاضي؟ الجواب: لا، لكن مطلق البعض يكون عدواً للقاضي؛ لأن الغالب أن المحكوم عليه يكون عدواً للقاضي، لاسيما إذا كان القاضي غير معروف بتمام العدالة، أما إذا كان معروفاً بتمام العدالة، فالغالب أن المحكوم عليه يقتنع كما يقتنع المحكوم له.

    قال الشارح: معنى ذلك: أنه يتجوز باسم مقيد عن مطلق، مثل قوله:

    إن نصف الناس أعداء لمن ولي الأحكام هذا إن عدل

    وقوله: (إن نصف الناس) ليس المراد النصف الحقيقي، بل المراد مطلق البعض، وقد يقال في مثل هذا: إن التجوز بلفظ الناس لا بلفظ النصف سيكون من الكل عن البعض القولي، وقد يقال: إن التجوز بنصف الناس، أي: وأن المراد بهم من يقضي بينهم الحاكم فقط، لأن المحكوم عليه غالباً يعادي الحاكم باعتقاده أنه ظلمه.

    يعني هنا يمكن أن نقول: التجوز في النصف، ويمكن أن يكون التجوز في الناس ليس بالنصف، فنقول: (الناس) عام يراد به الخاص، وهم الخصم، فيقول: إن نصف المحكوم عليهم أعداءٌ لمن ولي الأحكام.

    ومثال المجاز في علاقة المجاورة: إطلاق لفظ الراوية على بعض الناس، وإنما هي في الأصل البعير الذي يُستقى عليه.

    الراوية يطلق على الوعاء الذي فيه الماء، يقال: راوية. وأصلها هو البعير الذي يستقى عليه، فهنا العلاقة هي المجاورة؛ لأن الراوية تكون على ظهر البعير، فهي مجاورة له فسميت باسمه.

    1.   

    اشتراط النقل في أنواع المجاز

    ثم قال المؤلف: [وشرط نقل في كل نوع لا في آحاد]:

    يعني: يُشترط للمجاز أو للتجوز بالكلمة عن كلمة أخرى النقل، والنقل هنا ليس عن الكتاب والسنة، ولكن عن اللغة، يعني بحيث نعلم أن اللغة تجيز أن نعبر بالسبب عن المسبَّب، أو المسبَّب عن السبب، أو بالكل عن البعض، أو بالبعض عن الكل.

    وقوله: (لا في آحاد)، يعني: لا يشترط النقل في نفس المثال، المهم أن تكون اللغة مجيزة أن يتجوز بالسبب عن المسبَّب، أما أن نشترط أن ينقل نفس اللفظ الذي تجوزناه فليس بشرط.

    وبهذا يفهم الفرق بين النوع والآحاد، فالنوع مثل: أن يرد في اللغة التجوز بالسبب عن المسبَّب، (لا في آحاد)، يعني: لا يشترط أن تكون هذه الصيغة المعينة قد وردت في اللغة العربية، إنما الشرط النوع فقط.

    وعليه: ففي التعبير بالبعض عن الكل أو بالكل عن البعض، هل يشترط أن يوجد في اللغة هذا البعض المعين عن الكل للمعين؟

    الجواب: لا، بل أن يُعبَّر بالبعض عن الكل فقط، مثل: أعتق رقبة، هذا تجوز بالبعض عن الكل، يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ [البقرة:19] بالكل عن البعض، فيجوز أن نعبر بالكل عن البعض في غير هذا المثال، ويجوز أن نعبر بالبعض عن الكل في غير هذا المثال، المهم أن يرد في اللغة العربية تجوز بهذا النوع من المجاز بقطع النظر عن المثال.

    1.   

    أقسام المجاز

    يقول: [وهو لغوي]، يعني: المجاز ينقسم إلى لغوي وعرفي وشرعي.

    قال: [لغوي؛ كأسد لشجاع]، يعني: الأسد يُطلق على الرجل الشجاع باعتبار اللغة، والجامع بينهما: الشجاعة في كل منهما، وكذا إطلاق السيف على الرجل الذي يقتل الأعداء أيضاً مجاز لغوي.

    قال: [وعرفي عام وخاص]، يعني أيضاً أن المجاز يكون عرفياً، أي باعتبار العرف لا باللغة، وهذا ينقسم إلى قسمين: عام وخاص.

    مثاله في العام؛ قال المؤلف: [كدابة لما دب]، هذا (دابة لما دب) ليس مجازاً عرفياً، بل هو حقيقة لغوية، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، لكنه عرفي في شيء خاص من الدواب، وهو ذوات الأربع، فإن ذوات الأربع يُطلق عليه في العرف اسم دابة، لكن لا يطلق في العرف اسم دابة على العقرب؛ لأنها ليست من ذوات الأربع. وقلنا: هو عرفي عام شامل لكل الناس: للعوام والعلماء؛ علماء الفقه، علماء التوحيد، علماء النحو، علماء الحساب، كلهم يقولون: الدابة يرون أنها اسم لذوات الأربع، وهي في اللغة العربية لكل ما دب.

    قال: [وخاص كجوهر لنفيس]؛ الجوهر: يُطلق على ما سوى العرض، كالأجسام مثلاً تسمى جواهر، ولكن في العرف يقال: (الجوهر) للشيء النفيس.

    مثال آخر أوضح مما قال المؤلف: كلمة الفاعل، الفاعل في اللغة: اسم لكل من قام به الفعل، فإذا قلت: زيدٌ قائم، فزيد في اللغة فاعل، لكنه في عرف النحويين: هو الاسم المرفوع الذي سبقه عامله، ففي اللغة العربية: جاء زيد نقول: زيد فاعل، وفي اصطلاح النحويين نقول: جاء زيد، زيد: فاعل أيضاً؛ لكن في اللغة إذا قلنا (زيد قائم) فزيد فاعل، وعند النحويين لا نقول: زيد فاعل، بل نقول: زيد مبتدأ، نسمي هذا عُرفاً خاصاً.

    الثالث: [شرعي كصلاة لدعاء] هذا الشرعي إذا قيل (صلاة) وأُريد بها الدعاء فهي مجاز، وبيان ذلك: أن الصلاة في الشرع هي العبادة ذات الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم. فهذه حقيقتها شرعاً، فإذا أُريد شرعاً بالصلاة الدعاء صارت مستعملة في مجازها، كما أننا لو أردنا بالدابة كل ما دب صارت باعتبار العرف مستعملة في مجازها.

    والحاصل أن المجاز ثلاثة أنواع: لغوي، وعرفي، وشرعي.

    اللغوي مثل: الأسد للشجاع، هذا مجاز، وحقيقة الأسد هي الحيوان المفترس.

    العرفي نقول: عام وخاص، العرفي العام كدابة لما دب، فاستعمال دابة في العرف لما دب نقول: هذا مجاز، واستعمالها لذوات الأربع نقول: هذه حقيقة، انتبهوا! كلمة (دابة) إذا أُريد بها كل ما دب فهي مجاز في العرف لا في اللغة، وإذا أريد بها ذوات الأربع فهي حقيقة في العرف مجاز في اللغة.

    ولهذا لو وكلتك أن تشتري لي دابة، أقول: يا فلان اشتر لي دابة، فأتيت بدجاجة، قلتُ: ما أوصيتك بهذا، قال: بلى؛ لأن الدابة كل ما دب، وهذه الدجاجة تدب!

    فهنا يقول له الموكِّل؟ بل خالفت؛ لأن العرف عندنا أن الدابة ليست لكل ما دب، استعمال الدابة في كل ما دب عندنا مجاز، وحقيقتها عندنا في العرف ذوات الأربع، حتى أيضاً لو جاء بحشرة لها أربع أرجل وقال: هذه دابة؛ لأن العرف عندك أنها ذات الأربع، نقول: عندنا عرف أخص؛ لأن كلمة (دابة) وإن كانت في العرف لذوات الأربع فهي أيضاً تُخصص بحسب مراد الموكِّل، فإذا كان الموكِّل صاحب حمير عرفنا أنه أراد بالدابة الحمار، وهذا خاصة الخاصة في الواقع.

    أما قوله: (الجوهر للنفيس)، ففي اللغة العربية تقال كلمة (جوهر) لكل نفيس، لكن في العرف يستعمل الجوهر لكل جسم سواءً كان نفيساً أو غير نفيس.

    الصلاة في اللغة: الدعاء حقيقة، وفي الشرع هي: الدعاء مجازاً؛ لأن حقيقتها الشرعية هي العبادة ذات الأقوال والأفعال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم.

    والله أعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756006019