فصل: السنة أن يقوم الإمام عند صدره وعند وسطها، ويكبر أربعاً، يقرأ في الأولى بعد التعوذ الفاتحة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية كالتشهد، ويدعو في الثالثة فيقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام والسنة، ومن توفيته منا فتوفه عليهما، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، وأوسع مدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله داراً خيراً من داره، وزوجا خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار، وأفسح له في قبره، ونوّر له فيه، وإن كان صغيراً قال: اللهم اجعله ذخرا لوالديه، وفرطا وشفيعا مجابا، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم، ويقف بعد الرابعة قليلا ويسلم واحدة عن يمينه، ويرفع يديه مع كل تكبيرة.
وواجبها: قيام، وتكبيرات أربع، والفاتحة، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة للميت والسلام، ومن فاته شيء من التكبير قضاه على صفته، ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ويستحب تكفين رجل في ثلاث لفائف بيض).
قوله: (رجل).
المراد به البالغ، واعلم أنهم غالباً إذا أطلقوا الرجل فإنهم يريدون به البالغ، فعندنا الذكر بالنسبة لتكفينه كما سيذكر المؤلف رحمه الله ينقسم إلى قسمين: الذكر البالغ وهذا له كفن، والقسم الثاني: الذكر غير البالغ، وهذا له كفن آخر.
وكذلك أيضاً بالنسبة للمرأة إن كانت بالغةً فهذه سيذكر المؤلف رحمه الله لها كفناً، وإن كانت غير بالغة أيضاً لها كفن آخر سيأتي بيانه.
واعلم أيضاً أن هؤلاء الأصناف الذين عددناهم: الذكر البالغ والذكر غير البالغ، والمرأة البالغة؛ والمرأة غير البالغة لكل منهم كفنان: كفن مستحب، وكفن مجزئ كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجاً )، أخرجه البخاري ومسلم . هذا هو الكفن الكامل المستحب للذكر البالغ، وسيأتي الكفن المجزئ.
قال: (تجمر).
يعني: ترش، قال العلماء رحمهم الله: ترش بماء الورد، ثم بعد ذلك تبخر، ويدل لذلك ما أخرجه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً )، وذكره ابن المنذر رحمه الله عن كل من يحفظ عنه من أهل العلم أنهم يستحبون إجمار ثياب الميت.
وقد ورد أيضاً ذلك عن أسماء بنت أبي بكر وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهم، فنقول: بأن هذه اللفائف الثلاث يؤتى بها، فترش بماء الورد ثم تبخر، والحكمة أنها ترش قبل ذلك لكي يعلق بها البخور.
قال: (ثم تبسط بعضها فوق بعض), يعني نجعل اللفافة الأولى, ثم نجعل اللفافة الثانية عليها تماماً، ثم نجعل اللفافة الثالثة عليها تماماً، هكذا بعضها فوق بعض، ثم يؤتى بالميت ويوضع على اللفائف هذه، ثم تلف عليه كما سيذكر المؤلف رحمه الله.
قال: (ثم تبسط بعضها فوق بعض).
وتكون أحسنها وأعلاها هي الأولى؛ لأنها هي التي تكون ظاهرة، فإذا كان هناك لفافة تميزت بالحسن أو بالكبر أو نحو ذلك فإننا نجعلها هي الأولى؛ لأنها إذا كانت هي الأولى ستكون هي الظاهرة، وهذه عادة الحي؛ عادة الحي أن تكون ثيابه الحسنة هي الظاهرة للناس.
الحنوط: أخلاط من الطيب يعد للميت خاصة، فهذا الحنوط يجعل فيما بين هذه اللفائف، فالحنوط يستعمل بالنسبة للميت في ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أنه يستعمل في كفن الميت، يعني يوضع بين هذه اللفائف الثلاث.
الموضع الثاني: أنه يوضع في قطن, ويتتبع به مغابن الميت ومنافذه، مثل العينين والفم يعني يضع على فمه وعلى أنفه وعلى عينيه، وعلى عمق السرة وطي الركبتين، وعلى الإبطين، وأيضاً الأذنين.
الموضع الثالث: على مواضع السجود، وهي: الجبهة, والأنف, والركبتين واليدين والرجلين كما سيأتي إن شاء الله، فنضع على يديه، وعلى جبهته، وعلى ركبتيه، وعلى أنفه، وعلى رجليه.
قال: (ويجعل الحنوط فيما بينها، ثم يوضع عليها مستلقياً).
يعني: بعد أن يحنط أو يقيد بالحنوط كما تقدم يوضع عليها مستلقياً على ظهره بعد أن نبسط هذه اللفائف، وتكون يداه إلى جانبيه، يده اليمنى إلى جانبه الأيمن، ويده اليسرى إلى جانبه اليسرى.
قال: (ويجعل منه في قطن بين إليتيه).
نحن قلنا: إن الحنوط يوضع في مغابن الميت ومنافذه، ولا شك أن الدبر من المنافذ؛ فيوضع الحنوط في شيء من القطن بين إليتيه، وهذه الأشياء واردة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
وقوله: (ويشد فوقها خرقة مشقوقة الطرف كالتبان تجمع إليتيه ومثانته).
يعني: يؤتى بخرقة كالتبان, والتبان: هو السروال القصير، بحيث أن هذه الخرقة تستوعب مقدار الإلية، ثم بعد ذلك تلف على إليتيه، وهذا لم يرد فيه شيء من السنة، وإنما العلماء ذكروا هذا قالوا: لئلا يخرج منه شيء، فهي أمكن في دفع الخارج ورده، ولا شك أن الميت هذا سيحرك، فيحتمل أن يخرج منه شيء، فذكر العلماء رحمهم الله ذلك، وإلا فإنه لم يثبت فيه شيء من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (كالتبان تجمع إليتيه ومثانته، ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده).
والدليل على ذلك ما ورد أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يتتبع مغابن الميت ومرافقه بالمسك. وهذا الأثر أخرجه عبد الرزاق ، كذلك أيضاً البيهقي رحمهم الله، وإسناده صحيح.
وكذلك أيضاً ورد أن أنساً رضي الله تعالى عنه طلي بالمسك، وهذا أيضاً أخرجه ابن أبي شيبة والبيهقي، وكذلك أيضاً ابن عمر رضي الله تعالى عنهما طلى ميتاً بالمسك، وهذا أيضاً أخرجه عبد الرزاق، وهذا إسناده صحيح.
والذي ورد في السنة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته راحلته: ( لا تحنطوه )، لكن ورد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما ورد عن ابن عمر تتبع المغابن والمرافق، وابن عمر أيضاً طلى ميتاً بالمسك.. إلى آخره، فذكر العلماء رحمهم الله أنه يوضع في هذه المواضع الثلاثة.
قال: (وإن طيب كله فحسن).
لما سبق أن ذكرنا أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما طلى ميتاً بالمسك، وكذلك أيضاً أنس رضي الله تعالى عنه طلي بالمسك.
يعني: بعد أن تبسط اللفائف واحدة فوق الأخرى يؤتى بالميت ويجعل مستلقياً على ظهره، ثم نأخذ اللفافة من الجانب الأيسر فنردها على جانبه الأيمن، ثم نأخذ طرفها من الجانب الأيمن ونردها على جانبه الأيسر، ثم الثانية نفعل بها كذلك، ثم الثالثة نفعل بها كذلك.
ولو كان الكفن طويلاً جعل أكثر لفافة عند رأسه؛ لأن الرأس هو أشرف الأعضاء، ثم بعد ذلك تحل هذه العقد؛ لورود ذلك عن أنس رضي الله تعالى عنه؛ لأن أنساً قال: ( إذا أدخلتم الميت فحلوا العقد ) فيربط بثلاث عقد: عقدة عند رجليه، وعقدة عند رأسه، وعقدة في وسطه.
تقدم لنا أن الذكر البالغ له كفنان: كفن كامل وهو ثلاث لفائف، والمجزئ هو ثوب واحد يستره، بحيث لا يبين لون الجسم، فلو أنه أتي بثوب واحد ولف عليه فإن هذا الكفن يستره، وسيذكره المؤلف رحمه الله تعالى في قوله: (والواجب ثوب يستر جميع).
يقول المؤلف رحمه الله: (وإن كفن في قميص).
القميص: هو الثوب.
(ومئزر).
المئزر: هو ما يستر نصف البدن.
(ولفافة).
فلو أنه لف نصفه الأسفل بمئزر، ثم ألبس ثوبه، ثم لف بلفافة يقول المؤلف رحمه الله: إن هذا جائز، ويدل لهذا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس
يقول المؤلف رحمه الله: (رواه البخاري في الشرح).
وهو في صحيح البخاري ، وكذلك أيضاً في صحيح مسلم ، وهذا فيه نظر، والأقرب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي ثوبه حينما طلب ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رضي الله تعالى عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لكي يلبسه أباه، وذلك تبركاً بالنبي عليه الصلاة والسلام.
ولا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام له بركة ذاتية، كما أن له بركة معنوية، ففي هذا الاستدلال نظر، فيظهر من السنة أنه يكفن الإنسان كما كفن النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أثواب بيض سحولية، وأما بالنسبة للواجب فسيأتينا إن شاء الله.
والإزار: هو -كما تقدم لنا-: ما يستر نصف البدن الأسفل، والخمار معروف، وكذلك أيضاً القميص هو الثوب، واللفافتان معروفتان.
ويدل لهذا حديث ليلى الثقفية رضي الله تعالى عنها قالت: ( كنت فيمن غسل
وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود ، كذلك الطبراني والبيهقي ، لكنه ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مدار الحديث هذا على نوح بن حكيم الثقفي وهو مجهول.
وعند الحنفية المؤلف رحمه الله ذكر أن المرأة البالغة تكفن في خمسة أثواب، عند الحنفية قالوا: تكفن في قميص وإزار وخمار ولفافة وخرقة تربط على ثدييها.
عند مالك رحمه الله: أنه يستحب أن تكفن في ثلاثة في قميص وخمار وإزار، أو خمسة تضاف على ذلك لفافتان.
وعند الشافعي في إزار وقميص وخمار وثلاث لفائف.
والصواب في ذلك: أن ما ثبت في حكم الرجال ثبت في حكم النساء إلا بدليل، فنقول: ما دام أن هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن المرأة تكفن بما يكفن به الرجل، وحال الحياة يختلف عن حال الممات، مع أن عندنا القاعدة: أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء، فنقول: الصواب في ذلك أن المرأة تكفن في ثلاثة أثواب كما كفن النبي صلى الله عليه وسلم.
نعم هذا الواجب، يعني: يكفي ثوب واحد أي لفافة واحدة، فبالنسبة للذكر البالغ الكفن المجزئ لفافة واحدة، وبالنسبة للأنثى البالغة المجزئ هو لفافة واحدة، ويدل لذلك ما تقدم من حديث خباب بن الأرت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن مصعب بن عمير بنمرة، فلما لم تكف هذه النمرة جعل النبي صلى الله عليه وسلم على رجليه شيئاً من الإذخر، فهذا يدل على أن المقصود هو ستر البدن، ويشترط في هذا أن يستر لون البشرة، فإن كان يصف لون البشرة فإن هذا لا يجزئ، ولا يكفي ذلك.
والصواب في ذلك: أن الذكر الصغير كالذكر الكبير.
كذلك أيضاً بالنسبة للصغيرة تكفن الكفن الكامل في قميص ولفافتين، والمجزئ ثوب واحد -لفافة واحدة- والصواب في ذلك أنها كالمرأة الكبيرة.
وعلى هذا نقول: الخلاصة في كل ما تقدم أن الميت سواء كان ذكراً أو أنثى كبيراً أو صغيراً يكفن في ثلاث لفائف كما كفن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كفن من ماله فإنه يكره أن ينقص عن هذه اللفائف؛ لأنه خلاف السنة، ومال الميت كما أنه مقدم به في حال الحياة فكذلك أيضاً هو مقدم به في حال الممات، أما إذا لم يكفن من ماله فإن المجزئ لفافة واحدة تستر بدنه بحيث لا تصف البشرة.
أما على كلام العلماء رحمهم الله فهم يجعلون كفناً كاملاً وكفناً مجزئاً، فالكفن الكامل للذكر البالغ ثلاث لفائف، والمجزئ لفافة واحدة، وللذكر غير البالغ يقولون: الكفن الكامل ثوب واحد، ويباح في ثلاثة أثواب، وبالنسبة للمرأة قالوا: في خمسة إذا كانت بالغة بالنسبة للكفن الكامل، وبالنسبة للمجزئ ثوب، وإن كانت غير بالغة قالوا: تكفن في قميص ولفافتين، والمجزئ ثوب واحد.
الصلاة على الميت تقدم لنا أنها فرض كفاية، أما كونها فرضاً فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، وأما كونها على الكفاية فلأن هذا مما لوحظ فيه العمل دون العامل.
يعني: عند صدر الذكر، وعند وسط الأنثى، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو المذهب.
الرأي الثاني في هذه المسألة: أنه يقف عند صدر الذكر وصدر المرأة جميعاً، وهذا قال به أبو حنيفة رحمه الله تعالى، وقال مالك: يقف عند وسط الرجل ومنكب المرأة.
والأقرب في ذلك ما دلت عليه السنة، والسنة دلت على أنه يقف عند رأس الذكر ووسط المرأة كما في حديث أنس رضي الله تعالى عنه، ( فإن
وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه، وحسنه الترمذي، وأيضاً يدل لذلك حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أم
وقال العلماء رحمهم الله: يسقط الفرض بمكلف، فلو أن مكلفاً صلى على هذا الميت فإن الفرض يسقط.
أيضاً استحب العلماء رحمهم الله أن يصلي عليه ثلاثة صفوف, ويدل لذلك حديث مالك بن هبيرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب ) رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وحسنه الترمذي ، فكان مالك رحمه الله ورضي الله تعالى عنه إذا جاء المصلون جزأهم.
والأقرب في ذلك أن يقال: الأولى هو السلطان؛ لأن الحسين رضي الله تعالى عنه لما مات الحسن قدم سعيد بن العاص وهو يومئذ أمير على المدينة، فنقول: الأولى في ذلك السلطان، فإن لم يكن فنائب السلطان وهو الأمير، فإن لم يكن فإمام المسجد هو الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه ).
فإذا صلي عليه في المسجد فإمام المسجد هو الأولى في الصلاة، حتى لو كان هناك وصي لا يملك هذا إلا إذا صلي عليه خارج المسجد فلا بأس أن يقدم الوصي، إلا إذا تنازل إمام المسجد فنقول: لا بأس، لكن السنة ظاهرة: ( لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته إلا بإذنه ). ولا شك أن إمام المسجد سلطان في مسجده، فنقول: إنه هو الذي يقدم.
هذا إذا كانوا جنساً واحداً، فإن كانوا أكثر من جنس فإنه يقدم الذكور البالغون ثم الصغار، ثم الإناث البالغات ثم الصغار.
والصواب: أنه لا فرق بين الأحرار والأرقاء، فإذا كان عندنا أكثر من جنس نبدأ بالذكور، ثم بعد ذلك بالنسبة للذكور البالغين نقدم الأفضل، ثم بعد ذلك الأسن، ثم بعد ذلك الأسبق، ثم نقرع، ثم نأتي بالنسبة للذكور غير البالغين ونعمل كذلك، ثم بالنسبة للنساء البالغات، ثم للنساء غير البالغات.
ويجعل وسط المرأة حذاء رأس الذكر، يعني: رءوس الذكور الصغار والكبار تكون متحاذية، ثم بعد ذلك وسط المرأة يكون محاذياً لرأس الذكر، ويقف الإمام عند رأس الذكر.
وهذا دليله ما في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على
وهذه التكبيرات الأربع مجمع عليها، وهل يزيد على الأربع شيئاً أو لا يزيد شيئاً؟ هذا سيأتي بيانه إن شاء الله.
يعني: بعد التكبيرة الأولى يقول المؤلف رحمه الله: يقرأ الفاتحة، وقراءة الفاتحة سيأتينا أنها من أركان الصلاة على الجنازة، وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله، وكذلك أيضاً الشافعي أنه يشرع أن يقرأ الفاتحة، وسيأتينا إن شاء الله في كلام المؤلف رحمه الله أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة على الجنازة. وعند أبي حنيفة ومالك : أنه لا يقرأ، يعني لا يرون شرعية القراءة في صلاة الجنازة.
والصواب في ذلك: ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله والشافعي ؛ ويدل لذلك حديث أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ الفاتحة بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم, ويخلص الدعاء للميت ).
وهذا الحديث أخرجه الشافعي وعبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة وكذلك أيضاً النسائي وغيرهم، وإسناده صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدل لذلك أيضاً حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) أخرجاه في الصحيحين.
وحديث أبي هريرة أيضاً: ( من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج .. خداج .. خداج ) وخداج: شيء ناقص.
وعلى هذا؛ إذا كبر التكبيرة الأولى فإنه يستعيذ ثم يبسمل ثم يقرأ الفاتحة؛ لأن الاستعاذة والبسملة هذه لأي شيء؟ للقراءة وليست للصلاة، والقراءة كما قلنا بأنها مشروعة، فيشرع ما كان تابع لها.
وعند أبي حنيفة ومالك كما تقدم أنهم ما يرون شرعية الاستعاذة والبسملة لأنهم لا يرون شرعية قراءتها.
وهل يقرأ دعاء الاستفتاح أو لا يقرأ دعاء الاستفتاح؟
نقول: المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه لا يستفتح، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن قول: سبحانك اللهم وبحمدك في صلاة الجنازة؟ فقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ما سمعت.
وعلى هذا؛ نقول: إنه لا يستفتح؛ لأن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً المعنى يؤيد ذلك؛ لأنه سبق أن ذكرنا أن الصلاة على الميت صلاة دعاء وشفاعة، فهي مبنية على التخفيف، وإذا كانت كذلك فإنه لا استفتاح فيها.
وعلى هذا نقول: إنه لا يشرع للإنسان أن يستفتح، بل يشرع مباشرة بالاستعاذة ثم بعد ذلك البسملة، ثم بعد ذلك قراءة الفاتحة.
بعد أن يكبر ويقرأ الفاتحة يكبر التكبيرة الثانية، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.
ويدل لذلك ما تقدم أن أوردناه من حديث أبي أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبره: ( أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ الفاتحة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم )، فنقول: يكبر التكبيرة الثانية ثم بعد ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مشروعة باتفاق الأئمة في صلاة الجنازة، لكن اختلف العلماء رحمهم الله هل هي واجبة أو ليست واجبةً كما سيأتينا؟
قال: (ويصلي على النبي في الثانية كالتشهد)، يعني: كما يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد، فتقدم لنا صفة الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام في التشهد، أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
يعني: يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة الجنازة كما يصلي في التشهد.
وذكرنا الدليل على ذلك حديث أبي أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سراً في نفسه, ثم يصلي ويخلص الدعاء للميت ثم يسلم ).
وحديث أبي هريرة الذي أورده المؤلف رحمه الله أخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم، فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في السنة صيغ للدعاء في صلاة الجنازة.
الواجب أن يدعو الإنسان للميت، هذا ركن، لكن الأفضل أن يأتي الإنسان بالصيغ الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيحفظ هذه الصيغ ويدعو بها.
ومن هذه الصيغ ما أورده المؤلف رحمه الله من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وأيضاً حديث عوف بن مالك في مسلم ، وحديث أبي هريرة في المسند وفي السنن.
حديث عوف بن مالك الذي أورده: ( اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه ...) إلى آخره، هذا في صحيح مسلم ، وكذلك أيضاً هناك حديث يزيد بن ركانة رضي الله تعالى عنه، فيستحب أيضاً أن يدعى به.
وأيضاً حديث واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه، فعندنا حديث يزيد بن ركانة وكذلك أيضاً واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنهم.
هذا حديث أبي هريرة أورده المؤلف في المتن: ( اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا ).
قول المؤلف: (إنك تعلم منقلبنا ومثوانا). هذه ليست من الحديث (وأنت على كل شيء قدير...) إلى آخره. هذه ليست في الحديث.
حديث أبي هريرة هو: ( اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ).
أيضاً حديث عوف بن مالك ذكره المؤلف رحمه الله بقوله: ( اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة, وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار ).
أيضاً حديث واثلة بن الأسقع رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على رجل من المسلمين فسمعه يقول: ( اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فقه فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم ).
كذلك أيضاً حديث يزيد بن ركانة رضي الله تعالى عنه: ( اللهم عبدك وابن عبدك، احتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه، إن كان محسناً فزد في حسناته، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه ).
قال: (ويدعو في الثالثة فيقول: اللهم اغفر لحينا... وأفسح له في قبره ...) إلى آخره.
ثم قال: (وإن كان صغيراً قال: اللهم اجعله ذخراً لوالديه، وفرطاً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، وعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم).
ذكر المؤلف رحمه الله الدعاء الذي لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، بل ورد في حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( والطفل يصلى عليه، ويدعا لوالديه بالمغفرة ).
وهذا أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وصححه الترمذي ، وكذلك أيضاً أخرجه النسائي وابن ماجه ، وورد عن أبي هريرة موقوفاً عليه: ( اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وذخراً ).
وكذلك أيضاً ورد عن أبي هريرة موقوفاً عليه: ( اللهم أعذه من عذاب القبر ) هذا الذي ورد عن أبي هريرة .
وعلى هذا نقول في الصلاة على الطفل: أولاً أنه يدعى بالدعاء العام: ( اللهم اغفر لحينا وميتنا ) كما ورد في حديث أبي هريرة ، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة كما ورد في حديث المغيرة بن شعبة ، ثم بعد ذلك ما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه فيقال: ( اللهم اجعله لنا سلفاً وفرطاً وذخراً )، وأيضاً: ( اللهم أعذه من النار ).
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يدعو، بل يقف ولا يدعو، وهذا هو المشهور من المذهب، ومذهب أبي حنيفة رحمه الله. وعند مالك والشافعي أنه يدعو بعد الرابعة.
والذين قالوا: إنه يدعو اختلفوا بم يدعو؟ فقال بعض العلماء: يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. وقال بعضهم: يقول: اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله.
والصواب في ذلك: أنه لا يسكت, وأنه ويدعو بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم أنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أربع صيغ، فيدعو بالصيغ الأولى، إذا لم يستكمل هذه الصيغ فإنه إذا كبر الرابعة قبل أن يسلم يدعو بما بقي.
يسلم تسليمةً واحدة عن يمينه ولا يزيد على ذلك، هذا هو المشروع، وهذا قال به الإمام أحمد والإمام مالك رحمهما الله، وقال أبو حنيفة والشافعي : يسلم تسليمتين.
أما الذين قالوا: يسلم تسليمة واحدة فقد استدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على جنازة كبر عليها أربعاً، وسلم تسليمةً واحدة ).
وهذا أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي ، وصححه الحاكم ، وأيضاً هذا ثابت عن جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كـعلي ، وعبد الله بن عمر ، وكذلك أيضاً ابن عباس ، وجابر ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وأبي هريرة هؤلاء كلهم يرون أنه يسلم تسليمة واحدة.
وأما بالنسبة للشافعية والحنفية, فهم استدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود : ( ثلاث خلال تركهن الناس وكان النبي عليه الصلاة والسلام يفعلهن, إحداهن: التسليم في الجنازة مثل التسليم في الصلاة )، وهذا أخرجه البيهقي ، وجود إسناده النووي رحمه الله.
وعلى هذا إن ثبت حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فيقال: بأن الإنسان تارةً يسلم تسليمةً واحدة، وتارةً يسلم تسليمتين.
أما بالنسبة لتكبيرة الإحرام فهذه باتفاق الأئمة على أنه يرفع يديه فيها، لكن بالنسبة لبقية التكبيرات فعند أحمد والشافعي أنه يرفع، وعند مالك وأبو حنيفة أنه لا يرفع.
والصواب أنه يرفع؛ لأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كـابن عباس رضي الله تعالى عنه في سنن سعيد بن منصور بإسناده صحيح، وكذلك أيضاً زيد بن ثابت في مصنف ابن أبي شيبة ، وكذلك أيضاً ابن عمر في صحيح البخاري معلقاً، وكذلك أيضاً ورد من حديث ابن عمر مرفوعاً في الدارقطني في العلل: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة ).
وهذا أخرجه الدارقطني في العلل، فنقول: ما دام أنه ورد فيه هذا الحديث وأيضاً هو الثابت عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيشرع أن يرفع يديه عند كل تكبيرة.
يعني: أركان الصلاة على الجنازة.
يقول المؤلف رحمه الله: (قيام) القيام؛ لأنها فرض فيقوم، ويدل لذلك ما تقدم من أدلة القيام؛ كقول الله عز وجل: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].
وأيضاً حديث أبي هريرة في المسيء صلاته أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر )، وحديث عمران بن حصين : ( صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً ).
قال: (وتكبيرات أربع).
التكبيرات الأربع هذه متفق عليها كما تقدم، لكن هل يزيد على هذه التكبيرات أو لا يزيد؟
كلام المؤلف رحمه الله أنه لا يزيد على هذه التكبيرات، وهذا أيضاً قول جمهور أهل العلم رحمهم الله: إن الإمام لا يزيد على هذه التكبيرات، وأيضاً قالوا: إن ما زاد على هذه التكبيرات بأنه منسوخ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كبر على النجاشي أربع تكبيرات ولم يزد على ذلك.
وعن الإمام أحمد رحمه الله أنه يكبر الخامسة، وعن الإمام أحمد أنه يكبر إلى سبع.
وقال بعض أهل العلم: يكبر إلى تسع تكبيرات، وعلى هذا نقول: أما بالنسبة للأربع فهذه ثابتة وهي بإجماع العلماء رحمهم الله، وبالنسبة للخامسة فهذه ثابتة أيضاً من حديث زيد بن أرقم في صحيح مسلم ، فـزيد بن أرقم كما في حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى : ( كبر على جنازة خمس تكبيرات، فسئل: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها؟ فقال: نعم ).
أما الست والسبع فهي ثابتة عن علي رضي الله تعالى عنه، فـعلي رضي الله تعالى عنه صلى على سهل بن حنيف فكبر عليه ستاً ثم قال: إنه بدري، وكذلك أيضاً صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبع تكبيرات.
أما بالنسبة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة وأنه كبر عليه تسع تكبيرات، فهذا شاذ لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن صححه بعض أهل العلم.
وعلى هذا؛ نقول: التكبير الذي ثبتت به السنة خمس، والست والسبع.
واردة عن علي رضي الله تعالى عنه، كذلك نقول: الإمام يكبر أربع تكبيرات, وأحياناً يزيد خامسةً، وأحياناً يزيد سادسة وسابعة فيزيد إلى سبع، وإن خصص هذه الزيادة أيضاً لمن له فضل فهذا أحسن؛ لأن علي رضي الله تعالى عنه قال: إنه بدري! لما كبر على سهل بن حنيف قال: إنه بدري، مما يدل على أنه لما اختص بهذه المنقبة وهذه الفضيلة اختص بزيادة التكبير.
قال: (والفاتحة).
وتقدم الدليل على ذلك، تقدم حديث أبي أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عبادة .
قال: (والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم).
تقدم أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام سنة باتفاق الأئمة، لكن المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنها ركن.
والصواب أن الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام سنة وليست ركناً، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله، إذ لا دليل ينهض بوجوبها.
قال: (ودعوة للميت).
دعوة للميت كما تقدم في حديث أبي أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ).
قال: (والسلام).
أيضاً هذا واجب وركن، وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله خلافاً للحنفية، فالحنفية لا يرون وجوب السلام، وتقدم أنهم لا يرون وجوب السلام حتى في الصلاة المفروضة.
والصواب في ذلك أنه ركن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال في حديث علي : ( تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم )، وحديث أبي أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن السنة في الصلاة على الجنازة: أن يكبر التكبيرة ثم يقرأ الفاتحة، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه سراً، ثم يدعو للميت، ثم يسلم ).
يقول المؤلف: من فاته شيء من التكبير قضاه على صفته؛ لأن القضاء يحكي الأداء.
وعلى هذا إذا أتيت والإمام قد كبر وقرأ الفاتحة ثم كبر التكبيرة الثانية وصلى عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ تكبر معه التكبيرة الثانية, وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تكبر معه الثالثة وتدعو، فإذا انتهيت تعود وتأتي بالتكبيرة الأولى وتقرأ الفاتحة، ثم بعد ذلك تكبر وتسلم.
هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله، يعني: أن من فاته شيء قضاه على صفته، فأنت إذا فاتك التكبيرة الأولى فقط فإنك إذا انتهى الإمام وسلم تقضيها على صفتها، أي تكبر وتقرأ الفاتحة ... إلى آخره.
والدليل على ذلك كما قلنا: أن القضاء يحكي الأداء، وقالوا: إذا خشي رفع الجنازة فإنه يتابع التكبير، فيقول: الله أكبر الله أكبر ثم يسلم، يعني: مثلاً إذا فاتته التكبيرة الأولى يتابع التكبير: الله أكبر الله أكبر ... إلى آخره.
والصواب في ذلك أنه يقضي ولو رفعت الجنازة؛ لأنه كما تقدم لنا أن القضاء يحكي الأداء، وهذا هو مذهب الشافعية؛ أنه إذا مثلاً فاتتك التكبيرة الأولى وقراءة الفاتحة ثم سلم الإمام تأتي بالتكبيرة الأولى وتقرأ الفاتحة حتى ولو رفعت الجنازة.
أما المشهور من المذهب فهو أنك إذا خشيت رفع الجنازة تتابع التكبيرات بلا دعاء ولا قراءة، وهذا فيه نظر، بل الصواب أن الإنسان يقضي تماماً، كما ذهب إليه الشافعية رحمهم الله.
وأما ما ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه لم يكن يقضي ما فاته من التكبير فهذا لا يثبت.
يعني: يقول المؤلف رحمه الله: من فاتته الصلاة على الجنازة فإنه يصلي على القبر، يذهب إلى القبر ويصلي عليه.
والصلاة على القبر متفق عليها؛ والدليل حديث أبي هريرة وابن عباس في الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر )، لكن هل لهذا حد أو ليس له حد؟
الحنابلة يقولون: إلى شهر، يعني: بعد شهر خلاص ما تصلي.
عند مالك وأبي حنيفة قالوا: ينظر إلى الجسد، إن غلب على الظن أن الجسد قد فني فإنه لا يصلي، وإن لم يغلب على الظن أن الجسد قد فني فإنه يصلي، يرجعونه إلى الحال، في المذهب يحددونه بالزمن، وهؤلاء يحددونه بالحال، وهذا يختلف من وقت الحر إلى وقت البرد، فإذا غلب على الظن أن الجسم قد فني فلا صلاة، وإن كان الظن أن الجسم لا يزال باقياً فإنه يصلى عليه، هذان رأيان.
الشافعية هم أقرب المذاهب في هذه المسألة، فلهم في ذلك رأيان:
الرأي الأول: قالوا: يصلي عليه بشرط أن يكون من أهل فرض الصلاة عليه يوم موته، يعني ماذا يكون؟ يكون مكلفاً، يعني: إذا مات الميت وأنت مكلف لك أن تصلي عليه بلا حد، حتى ولو كان بعد سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات, لو كان الإنسان مسافراً مثلاً, وحين مات الميت كان مكلفاً فله أن يصلي بعد تلك الفترة، هذا رأي.
الرأي الآخر عندهم أوسع من ذلك قالوا: بشرط أن يكون من أهل الصلاة -ليس من أهل فرض الصلاة- أي من أهل الصلاة عليه، يعني: أن يكون مميزاً، فإذا مات وهو مميز يصح أن يصلي عليه، حتى ولو أنه ما صلى عليه بعد سنة سنتين مثلاً، لكن لو أنه مات قبل أن يميز فهل يصلي أو لا يصلي؟
نقول: لا يصلي، وهذا القول هو الأقرب؛ والدليل على أن هذا هو الأقرب أن التحديد بشهر هذا ليس عليه دليل، يعني: ما ورد ( أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على أم
الجواب الأول: عدم الثبوت.
والجواب الثاني: لو ثبت نقول: هذا وقع اتفاقاً، وما وقع اتفاقاً لا يكون شرعاً، فلو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد شهر أو يومين هل نقول: بأنه يحدد؟ نقول: هذا وقع اتفاقاً.
فنقول: ليس هناك دليل على التحديد، فما دام أنه ليس هناك دليل على التحديد, فالأصل أن الإنسان يصلي؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام صلى على قبر، لكن نقيده بأن يكون مميزاً أو يكون من أهل فرض الصلاة عليه، هنا يقيد لماذا؟ نقول: لأن هذا مخالف لإجماع السلف، يعني: لو لم يقيد لكان عدم التقييد مخالفاً لإجماع السلف؛ لأن السلف مجمعون على أنه ما صلى التابعون على النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يصلوا على أبي بكر ولا عمر ولا غيرهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الجواب: لو أن الإمام اختار أن يكبر خمس تكبيرات أو اختار أن يكبر ست تكبيرات هنا يوزع الدعاء الوارد بين هذه التكبيرات، فإذا اختار أن يكبر أربع تكبيرات لم يوزع الدعاء.
الجواب: صلاة الجنازة لا تقضى، لكن يصلي على القبر، لكن بقينا في مسألة وهي إعادة الصلاة على الجنازة، هل يعيد الصلاة على الجنازة أو لا يعيد الصلاة على الجنازة؟
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: إذا كان هناك سبب فلا بأس، يعني: لو أن الإنسان صلى في المسجد ثم صلى عليها في المقبرة نقول: لا بأس أن تعيد، يقولون: صل عليه مرة ثانية إذا كان هناك سبب, وله أن يعيد.
الجواب: فإذا كبر فكبر، أما كونه يصلي على النبي عليه الصلاة والسلام وأنت تقرأ الفاتحة ما يضر، والعلماء يقولون: يتابع الإمام فيما هو عليه، يعني: هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد لكن ما أدري كونه اختلف في المسألة الثانية.
الجواب: لا شك أن أعداء الإسلام يتربصون بالمسلمين هذا لا إشكال فيه ولا ريب، والتيقظ لمثل هذا أيضاً مأمور به المسلم ومطالب به في كل زمان وفي كل مكان، والواقع والتاريخ يشهد لهذا، فكون الإنسان يتفطن لمكائد الأعداء، وأيضاً لحقدهم على الإسلام والمسلمين وتربصهم بالمسلمين عليهم هذا لا إشكال أنه مطالب بذلك.
والمسلم لا ينبغي أن يكون إمعة أو ليس عنده فقه في مثل هذه المسائل، لكن عدم الاكتفاء بطلب العلم لا إشكال أن طلب العلم نوع من الجهاد، وأن الجهاد نوعان: جهاد بالسيف والسنان، وجهاد بالعلم والبيان.
فطالب العلم يجاهد بعلمه وتعليمه، ولا شك أن الناس في أوقات الفتن وأوقات الحوادث يحتاجون إلى طلاب العلم لكي يبينوا لهم ويوجهوهم.
وأما بالنسبة للإخوان المرابطين فالإنسان عليه أن يدعو لهم بالتوفيق والسداد والتمكين، وأن يكفيهم شر الأشرار وكيد الفجار. والله أعلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر