يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [آل عمران:102-103].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18-19].
أما بعد:-
فإن أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم، أن يجعل هذه الندوة مباركة على من سعى فيها, وعلى من اجتمع فيها, وعلى من سعى إلى الوصول إليها, وأسأل الله رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن نسمع بمثلها في جميع بلادنا, وجميع بلاد المسلمين, وأسأل الله رب العرش العظيم أن ينفع بها وأن يوقظ بها القلوب النائمة, وأن يعزز بها الأقدام العاثرة, إنه على كل شيء قدير, وأن يجعلها زيادة في تثبيت المهتدين إنك على كل شيء قدير.
أيها الإخوة في الله: يقول الصحابي الجليل رضي الله عنه: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب, وذرفت منها العيون, فقلنا: يا رسول الله! كأنها وصية مودع -أو كما قال رضي الله عنه- فأوصنا يا رسول الله! قال: عليكم بالسمع والطاعة ثم قال صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة).
أيها الإخوة في الله: ما أحوجنا إلى أن نتعظ, وبأي شيء نجد المواعظ, مهما بحثنا، ومهما ذهبنا وجئنا، لن نجد ذلك إلا في القرآن العظيم، الذي هو كلام رب العالمين، الذي أنزله على رسوله الأمين ليبلغه، فصلوات الله وسلامه عليه, ما مات حتى بلغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, وتركها على البيضاء ليلها كنهارها, ثم أنزل الله -جل وعلا- عليه قبل أن يموت صلى الله عليه وسلم في آخر لقاء لقي فيه المسلمين في حجة الوداع, أنزل الله عليه قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3].
فيا ويل من ابتغى غير الإسلام ديناً, اسمع ماذا قال الله جلَّ وعلا: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
أعطونا الطبيب، أعطونا المداوي، أعطونا الراقي: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30] فهنيئاً لمن كان آخر كلامه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27] إن المؤمن إذا قيل له: قل لا إله إلا الله, يبتسم وتظهر على وجهه البشرى، ويقول: لا إله إلا الله؛ لأنه أحب لقاء الله, فأحب الله لقاءه, قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] ثم استقاموا على طاعة الله, ما جزاؤهم عند الوفاة، قال تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ [فصلت:30] يا لها من بشرى! وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ [فصلت:30-31] ورب العزة أيضاً يقول في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
فالبدار البدار -أيها الإخوة في الله- إلى هذه المنازل العالية, قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:8-16] هذا الذي في الجنة -يا عبد الله- لا سخط ولا إزعاج, نسأل الله الكريم من فضله.
أيها الإخوة في الله: المؤمن عند حالة الاحتضار له حالات طيبة، منهم من يقرأ كتاب الله, ومنهم من يكرر كلمة التوحيد: لا إله إلا الله, ومنهم من يؤذن: الله أكبر..، ولكن المصيبة الذي يختم له بسوءٍ والعياذ بالله, الذي يقول عند الموت: تانا لاتانا تانا..!! الذي عاش مع الأغاني, أو الذي يقول: تتنٌ حار.. تتنٌ حار.. الذي أتعب نفسه مع شرب الدخان, أو الذي يقول: ناولونا الكأس.. ناولونا الكأس.. أو الذي عاش مع المخدرات، أو الذي عاش يغازل النساء، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله: أن رجلاً خرجت روحه وهو يكرر بيتاً من الغزل والعياذ بالله, قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:2-4] انظر الفرق -يا عبد الله- وفرق يا أخي بالجوهرة التي رزقك الله إياها بهذا العقل، بين أولئك وبين هؤلاء: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:2-7] نسأل الله العفو والعافية, هذا والله الفرق أيها الإخوة في الله.
ثم إذا أراد الله لهذا العالَم انتهاءً كلياً أمر إسرافيل عليه السلام أن ينفخ نفخة الصعق؛ فيموت من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، قال تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:27] ثم يموت ملك الموت الذي وُكِل بقبض الأرواح يموت ولم يبق إلا الله, ثم ينادي رب العزة والجلال: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ [غافر:16] ذهبت الملوك والوزراء والأمراء والرؤساء: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16] ثم يأمر إسرافيل عليه السلام فينفخ في الصور، فتخرج منه الأرواح تتوهج وتذهب إلى أهلها، ليبعث الله من في القبور قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس:51] ثم قمنا ننفض التراب عن رءوسنا, لا إله إلا الله: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [المؤمنون:112-113] أين آلاف السنين التي مضت عليكم؟ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:113] ثم يقول الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ [المؤمنون:115-116] تعالى الله أن يخلق الخلق عبثاً.
الله أكبر -يا عباد الله- يا ويل من أضاع هذه الحياة الدنيا باللهو والغفلة والإعراض, وهنيئاً لمن اشتغل في طاعة الله وفي ذكر الله وخاف مقام رب العزة والجلال, هنيئاً لمن اتقى الله عز وجل.
أيها الإخوة في الله: اسمعوا فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:34-39].
عباد الله: تذكروا ذلك الموقف العظيم, عندما تخرجون من القبور, حفاة عراة غرلاً, قالت عائشة رضي الله عنها: {يا رسول الله! الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك} إي والله إن الأمر أشد من أن يهمهم ذلك, كيف ينظر بعضهم إلى بعض؟! وقد خشعت الأبصار للحي القيوم, كيف ينظر بعضهم إلى بعض والشمس قد نزلت عليهم كمقدار ميل؟ كيف ينظر بعضهم إلى بعض والعرق بلغ منهم مبلغه, والعرق ذهب في الأرض سبعين ذراعاً؟ كيف ينظر بعضهم إلى بعض وقد جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها؟ كيف ينظر بعضهم إلى بعض وقد أحاطت بهم الأملاك سبعة صفوف؟ ونزلت الملائكة ليحيطوا بأهل الموقف فأين المفر؟ أين المفر يا عبد الله وأنت على صعيد مستوٍ, ليس فيه جبال ولا وهاد, أين المفر يا عبد الله؟ لا إله إلا الله, اللهم ارحم ضعفنا, إذا وقفنا حفاة عراة وقد خشعت منا الأبصار في ذلك اليوم العظيم, اللهم ارحم ضعفنا يا رب العالمين، اللهم ارحم ضعفنا يا أرحم الراحمين.
ولكن المصيبة -يا عباد الله- والكسر الذي لا يجبر، الذي ابتعد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم, الذي عصى ولم يطع ويمتثل أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم, ماذا يقال له إذا ورد الحوض؟ {يرد أناس من أمته الحوض، فتردهم الملائكة -تذودهم-, فيقول: يا رب! أمتي أمتي، فيقول: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك, إنا لله وإنا إليه راجعون, فيقول: سحقاً سحقاً} لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيتها المرأة: اتقِ الله عز وجل, وكوني داعية إلى الله, وأنا إن شاء الله واثق بالله عز وجل، ثم بك يا من جئتي إلى هذه الندوة المباركة أنك لست من الذين يلبسون هذه الثياب، ولكن أقول لك: قد سمعت هذا الحديث فبلغيه أولئك اللواتي هن في الليل والنهار في الأسواق متبرجات متعطرات فاتنات مفتونات, أخبريهن بهذا الحديث, أسأل الله ألا يحرمنا الجنة ولا والدينا, ولا والد والدينا.
أيتها المرأة: أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط، لعنتها الملائكة حتى تصبح) فالله الله.. أطيعي زوجك, وأرضيه إلا إذا أمركِ بمعصية؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, واحذري من كثرة الخروج إلى الأسواق, ولا تغتري بتلك السائبات اللواتي لا يرتحن إلا في الخروج إلى الأسواق, فإنهن كما ورد (إذا خرجت المرأة متعطرة وشمها الرجال فإنها زانية) والعياذ بالله, فأحذركِ أيتها الأخت في الله من كثرة الخروج إلى الأسواق, ومن التبرج.
اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه, وجنبنا ما تبغضه وتأباه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر